مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

خلافاً للمحكي عن السيد (١) في المصباح ، وشرح الرسالة ، فقال بالاستحباب ـ ويظهر من الخلاف (٢) وجود قائل به قبله أيضاً ـ للأخبار الدالّة على أنه سنّة ليس بفريضة (٣) .

ورواية زيد : « الغسل من سبعة : من الجنابة وهو واجب ، ومن غسل الميت وإن تطهرت أجزأك » (٤) .

والتوقيع المروي في الاحتجاج : روي لنا عن العالم أنه سئل عن إمام صلّى بقوم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال : « يؤخّر ويتقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ويغتسل من مسّه » التوقيع : « ليس على من مسّ إلّا غسل اليد » (٥) .

ويجاب عن الأول : بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسنّة ، فيحمل على ما هو معناها في اللغة أي الطريقة ، والمراد به ما جرت به الطريقة النبوية ، بل هو المراد من أكثر استعمالها في الأخبار ، سيما إذا اُطلقت في مقابل الفريضة التي يريدون منها ما ثبت وجوبه من الآيات القرآنية ، ولا أقلّ من احتمال ذلك ، سيما مع تعداده مع الأغسال التي هي واجبة بإجماع الاُمة وجعلها أيضاً من المسنونة .

وعن الثاني : بعدم صلاحيته للمعارضة ، لموافقته العامّة (٦) كما صرّح به الشيخ ، والفاضل (٧) ، ومخالفته الشهرة العظيمة .

__________________

(١) نقل عنه في المعتبر ١ : ٣٥١ .

(٢) الخلاف ١ : ٢٢٢ .

(٣) انظر الوسائل ٢ : ١٧٦ أبواب الجنابة ب ١ ح ١١ و ١٢ ، والوسائل ٣ : ٢٩١ أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٧ .

(٤) التهذيب ١ : ٤٦٤ / ١٥١٧ ، الوسائل ٣ : ٢٩١ أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٨ .

(٥) الاحتجاج : ٤٨٢ وفيه : « ليس على من نحّاه إلّا غسل اليد » ، الوسائل ٣ : ٢٩٦ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٤ .

(٦) نقله ابن حزم في المحلى ٢ : ٢٣ عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود .

(٧) التهذيب ١ : ٤٦٤ ، التذكرة ١ : ٥٦ .

٦١
 &

مضافاً إلى احتمال إرادة غسل مَن أراد غسل الميت منه ، فإنه مستحب ، ويكون المعنى : الغسل الذي منشؤه غسل الميت . وكون المنشأ إرادته لا ينفي منشئيته . مع أنّ الحمل على غسل المس أيضاً لا يخلو عن تقييد ، لعدم استلزام غسل الميت لمسّه ، بل عن تجوّز ، لأن المنشأ ليس غسل الميت ، بل المسّ الذي في ضمنه . مع أنه وقع في بعض الأخبار (١) المروية في الخصال : « وغسل من غسل الميت » (٢) ، معطوفاً على غسل المس .

وعن الثالث : بأنه ظاهر في حال الحرارة ولا أقل من شموله لها ، فيجب تخصيصه بها ؛ إذ لا غسل مع المسّ بالحرارة ، كما هو المجمع عليه بين الطائفة ، والمصرّح به في الأخبار السالفة .

ومنصوص عليه في التوقيع الآخر : وروي عن العالم : « أنّ من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده ، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل » وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته ، والعمل في ذلك على ما هو ؟ التوقيع : « إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلّا غسل يده » (٣) .

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم وإن كان وجوب غسل المسّ بعد البرد مطلقاً ، إلّا أنّ المجمع عليه بين الأصحاب ـ كما صرّح به غير واحد ـ اختصاصه بما قبل غسل الميت ، وبه تقيّد الإِطلاقات .

مضافاً إلى صحيحة الحلبي : « لا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر ، ولا إذا حملته » (٤) فإنه لا يمكن أن يكون المراد قبل الغسل ، لصحيحة الصفّار : « إذا

__________________

(١) كالمروي في الخصال عن الصادق عليه السلام في تعداد الأغسال : « وغسل من مس الميت بعد ما يبرد وغسل من غسل الميت » وفيها أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام : « وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد » . ( منه رحمه الله ) .

(٢) الخصال : ٦٠٣ ، الوسائل ٣ : ٣٠٦ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٨ .

(٣) الاحتجاج : ٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٦ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٥ .

(٤) التهذيب ١ : ١٠٥ / ٢٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ ، أبواب غسل المس ب ٤ ح ٢ .

٦٢
 &

أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل ، فقد يجب عليك الغسل » (١) .

فإنّ الثانية أخص من الاُولى ؛ لاختصاصها بما قبل الغسل ، فتختص الاُولى بما بعده .

مع أن في مفهومها أيضاً تأييداً للمطلوب ، كصحيحة محمد (٢) ، وخبر ابن سنان (٣) النافيين للبأس عن مسّه وتقبيله بعد الغسل . وجعلهما دليلين لا يخلو عن مناقشة .

وأمّا ما رواه عمّار في الموثّق من اغتسال كلّ غاسل وماسٍّ للميت وإن كان مغسولاً (٤) . وتعليل نفي الغسل عمّن أدخله القبر في بعض الروايات (٥) : بأنه يمس الثياب ، فلمخالفته الإِجماع لا يصلح لمعارضة ما مرّ .

وحمله الشيخ في التهذيبين على الاستحباب (٦) ، واحتمله في البحار (٧) .

وليس ببعيد .

واستبعاد بعض مشايخنا (٨) لا وجه له .

وقوله : « لا تغتسل » في صحيحة الحلبي لكونه نهياً بعد الوجوب ، ففي إفادته الزيادة على تجويز الترك كلام ، مع أنّ كونه نفياً مستعملاً في تجويز الترك محتمل .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٨ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب غسل المس ب ٤ ح ١ .

(٢) التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٦ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ١ .

(٣) التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٢ .

(٤) التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٣ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٨ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٣ .

(٥) الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب غسل المسّ ب ٤ ح ٤ .

(٦) التهذيب ١ : ٤٣٠ ، الاستبصار ١ : ١٠١ .

(٧) بحار الأنوار ٧٩ : ٩ .

(٨) قال في الحدائق ٣ : ٣٢٩ : . . . فحمله في التهذيبين على الاستحباب ، وفيه بُعد .

٦٣
 &

فروع :

أ : مقتضى الإِطلاقات نصّاً وفتوى : عدم الفرق في الممسوس بين المسلم والكافر ، وإن وجب في الأخير بعد غسله أيضاً ، لعدم كونه غسلاً .

واحتمل في المنتهى ، والتحرير ، ونهاية الإِحكام (١) ، اختصاصه بالمسلم ؛ لأنّ إيجابه قبل التغسيل ـ كما في بعض الأخبار (٢) ـ يشعر بأنه إنما هو فيمن يقبله ، فتحمل عليه المطلقات .

وفيه : أنه لا تنافي بين المطلق والمقيد هنا حتى يحمل .

ب : في وجوب الغسل بمسّ من تقدّم غسله على موته كالسرائر (٣) ، وعدمه كظاهر الأكثر قولان ، وظاهر المنتهى ، والذخيرة ، والحدائق (٤) : التردّد .

والحقّ هو الثاني ؛ لعموم صحيحة الحلبي بالنسبة إلى المورد ـ وإن خرج عنه من يجب غسله قبل غسله لصحيحة الصفّار ـ المعارض مع المطلقات الموجب للرجوع إلى الأصل .

ولذلك لا يجب الغسل أيضاً بمسّ المغسول مع تعذّر الخليطين أو أحدهما على فرض صحته ، ولا بمسّ الشهيد ، والمتيمّم .

لا في الأول (٥) لصدق الغسل المسقط لوجوب غسل المس ؛ لفقد إطلاق دالّ على السقوط بعد الغسل حتى ينفع صدقه ، مع أنه لو كان ينصرف إلى الشائع .

ولا في الثاني لظهور (٦) بعض الأخبار في وجوبه بالتغسيل ، وبعضها في

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٢٨ ، التحرير ١ : ٢١ ، نهاية الاحكام ١ : ١٧٣ .

(٢) مثل صحيحة الصفار المتقدمة فى ص ٦٢ الرقم ٤ .

(٣) السرائر ١ : ١٦٧ .

(٤) المنتهى ١ : ١٢٨ ، الذخيرة : ٩١ ، الحدائق ٣ : ٣٣٢ .

(٥) يعني ليس الدليل في الأول هو صدق الغسل والمراد من الأول هو مس المغسول مع تعذّر الخليط .

(٦) إشارة إلى الوجوه التي استدل بها على عدم وجوب الغسل بمس الشهيد ، انظر كشف اللثام ١ : ١٤١ ، الحدائق ٣ : ٣٣٤ .

٦٤
 &

وجوبه بمسّ من يجب تغسيله قبل أن يغسّل ، وظهور نجاسة الميت بالموت وطهره بعد الغسل ومسقطات الغسل عن الشهيد في طهارته ، فيكون كغيره من الأموات بعد الغسل ، وأصالة البراءة ، وعدم عموم في الأخبار ؛ لظهور (١) ضعف الكل .

ولا في الثالث لعموم البدلية ؛ لمنعه .

ج : الحقّ وجوب الغسل بمسّ عضو كمل غسله قبل إكمال الغسل ، وفاقاً للأكثر . لا للاستصحاب ؛ لمعارضته مع استصحاب العدم . بل لعموم موجباته ، وصدق المس قبل أن يغسّل الميت الموجب لغسل المسّ بخصوص صحيحة الصفّار (٢) .

وبه تخصّص صحيحة الحلبي إن كان فيها عموم ، وإلّا ففيه كلام ؛ للشك في دخول مثل ذلك فيمن اُدخل في القبر أو حمل إلّا بالفرض النادر الذي لا يلتفت إليه .

وخلافاً للقواعد (٣) وبعض آخر (٤) ؛ للأصل ، وصدق الغسل بالنسبة إلى العضو ، والقياس على العضو المنفصل ، ودوران وجوب الغسل لوجوب غَسل اليد المنتفي في المقام .

والأول : مدفوع بما مرّ .

والثاني : بمنع كفايته ، بل اللازم صدق غسل الميت الغير المتحقّق في المورد .

والثالث : بعدم حجيته سيما مع وجود الفارق .

والرابع : بمنع الدوران أولاً ، ومنع انتفاء الثاني ثانياً ، بل الحقّ وجوب غسل اليد بمسّ العضو المغسول أيضاً قبل إكمال الغسل ، وإن جعلنا نجاسة‌

__________________

(١) علة للنفي المتقدم في قوله : ولا في الثاني لظهور .

(٢) المتقدمة هي وصحيحة الحلبي في ص ٦٢ .

(٣) القواعد ١ : ٢٢ .

(٤) كالشهيد في الدروس ١ : ١١٧ .

٦٥
 &

الميت عينيّة من وجه ، وحكميّة من آخر ، كما هو الحق المشهور ، لمنع ارتفاع نجاسة هذا العضو قبل الإِكمال ، ولتصريح رواية إبراهيم بن ميمون بأنه « إن لم يغسّل الميت يغسل ما أصاب الثوب » (١) ولم يغسل الميت بعدُ وإن غسل عضو منه .

وعدم توقّف طهارة جزء من الخبث على طهارة جزء آخر إنما هو فيما إذا كان تطهيره بغَسله الغير المشروط على النية ، وأمّا فيما توقّف على الغُسل المشروط بها ، فلا نسلّم عدم التوقّف .

ومنهم مَن أوجب غسل المسّ هنا دون غَسل اللامس . ولا وجه صحيحاً له .

د : يجب الغسل بمسّ قطعة ذات عظم مبانة ، وفاقاً للمحكي عن الفقيه ، والخلاف ، والنهاية ، والمبسوط ، والسرائر (٢) ، والإِصباح ، والجامع ، والنافع ، والشرائع (٣) ، بل هو المشهور كما هو المصرّح به في كلام جماعة (٤) ، بل عن الخلاف الإِجماع عليه (٥) .

لمرسلة أيوب : « إذا قطع من الرجل قطعة فهو ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » (٦) .

والرضوي : « وإن مسست شيئاً من جسدٍ أكله السبع فعليك الغسل إن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦١ الطهارة ب ٣٩ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١١ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ١ .

(٢) الفقيه ١ : ٨٧ ، الخلاف ١ : ٧٠١ ، النهاية : ٤٠ ، المبسوط ١ : ١٨٢ ، السرائر ١ : ١٦٧ .

(٣) الجامع : ٢٤ ، النافع : ١٥ ، الشرائع ١ : ٥٢ .

(٤) جامع المقاصد ١ : ٤٥٩ ، الروض : ١١٥ ، الذخيرة : ٩١ .

(٥) الخلاف ١ : ٧٠١ .

(٦) الكافي ٣ : ٢١٢ الجنائز ب ٧٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٤ أبواب غسل المس ب ٢ ح ١ .

٦٦
 &

كان فيما مسست عظم ، وما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه » (١) .

وقطع الأول غير ضائر ، كما أنّ ضعفهما بما ذكر منجبر . فخلاف المعتبر لما ذكر ، وقوله بالاستحباب ـ تفصّياً عن طرح الرواية وكلام الشيخ ـ (٢) غير سديد .

ومقتضى إطلاق الأوّل : عدم الفرق بين الإِبانة من ميت أو حيّ ، فعليه الفتوى وإن اختص كلام بعض من ذكر (٣) بالأول ، وبعضهم (٤) بالثاني .

ولا غسل في مسّ ما لا عظم فيه من المبان بلا خلاف ظاهر ؛ اتّباعاً للأصل ، ومقتضى صريح الخبرين .

وفي مسّ العظم المجرد ، أو السنّ ، أو الظفر ، فمع الاتّصال بالميت يجب ، وفاقاً في الأولين للمعظم ، وفي الثلاثة لبعضهم (٥) ؛ لصدق مسّ الميت عرفاً .

ومع الانفصال ولو عن الميت لا يجب ؛ للأصل . وقد يقال بالوجوب في الأولين للدوران والاستصحاب .

ويردّ الأول : بمنع الحجية ، لجواز كون العلّة مجموع العظم واللحم .

والثاني : بتغيّر الموضوع ، والمعارضة مع استصحاب العدم الأصلي .

والظاهر عدم الوجوب في مسّ الشعر إلّا ما لم يطل منه ، أو قرب البشرة ، فالأحوط فيه الاغتسال .

والماسّ في جميع ذلك كالممسوس (٦) .

هـ : الظاهر من كلام جماعة (٧) كون المسّ من الأحداث الموجبة لنقض

__________________

(١) فقه الرضا : ١٧٤ ، المستدرك ٢ : ٤٩٢ أبواب غسل المس ب ٢ ح ١ .

(٢) المعتبر ١ : ٣٥٣ قال : وإن قلنا بالاستحباب كان تفصياً من إطراح قول الشيخ رحمه الله والرواية .

(٣) كالفقيه ١ : ٨٧ ، والسرائر ١ : ١٦٧ والشرائع ١ : ٥٢ .

(٤) كالإِصباح على ما نقل عنه في كشف اللثام ١ : ١٤٠ .

(٥) روض الجنان : ١١٥ .

(٦) فالمس بالعظم الموضح والسن والظفر يوجب الغسل للصدق ، وكذا بالشعر ما لم يطل على إشكال فيه ، وبما طال منه لا يجب . ( منه رحمه الله ) .

(٧) انظر الحدائق ٣ : ٣٣٩ ومفتاح الكرامة ١ : ٥١٧ .

٦٧
 &

الوضوء المتوقّف ارتفاعها على الغسل ، إمّا خاصة أو مع الوضوء ، وهو صريح الشيخ في النهاية ، والحلّي ، والشهيد في الألفية (١) ، بل ( قيل ) (٢) : الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم (٣) .

وفي المدارك : وأمّا غسل المسّ فلم أقف على ما يقتضي اشتراطه في شي‌ء من العبادات ، فلا مانع أن يكون واجباً لنفسه (٤) .

أقول : كون المسّ ناقضاً للوضوء غير اشتراط غسل المسّ في العبادة ، والظاهر اشتهار المطلبين ، ولكن الثاني مدلول عليه في خصوص الصلاة في الرضوي : « إذا اغتسلت من غسل الميت فتوضّأ ، ثمَّ اغتسل كغسلك من الجنابة ، وإن نسيت الغسل فذكرته بعد ما صلّيت فاغتسل وأعد صلاتك » (٥) .

وضعفه بالشهرة منجبر ، فيفتى به في الصلاة خاصة دون غيرها من العبادات .

وأمّا الأول : فلم أقف على دليل فيه ، والإِجماع المركّب غير ثابت ، والأمر بالتوضّؤ في الرضوي يحمل على الاستحباب قطعاً ، لعدم وجوب تقديمه .

وكذا قوله : « كلّ غسل قبله وضوء » (٦) مع أنه لا دلالة فيه على الوجوب أصلاً كما مرّ .

ومع ذلك لا بدّ إمّا من تقييده بأن لم يكن له وضوء ، أو تخصيصه بغير الأغسال المندوبة ، ولا مرجّح لأحدهما ، فلا يصلح للاستدلال .

__________________

(١) النهاية : ١٩ السرائر ١ : ١١٢ ، الألفية : ٢٥ .

(٢) ليست في « ح » .

(٣) كما قاله في الحدائق ٣ : ٣٣٩ .

(٤) المدارك ١ : ١٦ .

(٥) فقه الرضا : ١٧٥ ، المستدرك ٢ : ٤٩٤ أبواب غسل المس ب ٨ ح ١ .

(٦) انظر الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ .

٦٨
 &

الفصل السادس : في غسل الأموات‌

وما يستتبعه من أحكام الاحتضار وما بعده ، والكفن ، والتحنيط ، والدفن ، فالكلام فيه يقع في خمسة أبحاث :

البحث الأول : في أحكام الاحتضار وما بعده قبل الغسل .

والكلام إمّا فيما يجب فيه ، أو يستحب ، أو يكره .

أمّا الأول : فيجب توجيهه إلى القبلة على الحقّ المشهور ، كما هو في كلام جماعة (١) مذكور ، وفاقاً للمحكي عن المقنعة ، والمراسم ، والمهذب ، والوسيلة (٢) ، والسرائر (٣) ، والإِصباح ، وفي الشرائع ، والمنتهى ، وشرح القواعد للكركي (٤) ، وإليه ذهب الشهيدان (٥) ، وأكثر مشايخنا (٦) .

لا للأخبار الآمرة بتوجيه الميت إلى القبلة ، كصحيحة المحاربي (٧) ، وحسنتي

__________________

(١) كالشيخ علي ، والمدارك ، والكفاية والبحار ، واللوامع . ( منه رحمه الله ) .

انظر جامع المقاصد ١ : ٣٥٥ ، المدارك ٢ : ٥٢ ، الكفاية : ٦ ، البحار ٧٨ : ٢٣١ .

(٢) المقنعة : ٧٣ ، المراسم : ٤٧ ، المهذب ١ : ٥٣ ، الوسيلة : ٦٢ .

(٣) هكذا نقله في كشف اللثام ١ : ١٠٧ ، والموجود في السرائر ١ : ١٥٨ ما هذا لفظه : ويستحب أن يوجه إلى القبلة . . . ونقل في المنتهى ١ : ٤٢٦ عن إبن إدريس القول بالاستحباب ، والظاهر وقوع التصحيف في عبارة السرائر فصار منشأ للخلاف .

(٤) الشرائع ١ : ٣٦ ، المنتهى ١ : ٤٢٦ ، جامع المقاصد ١ : ٣٥٥ .

(٥) الذكرى : ٣٧ ، الدروس ١ : ١٠٢ ، الروض : ٩٣ .

(٦) الحدائق ٣ : ٣٥٧ ، الدرة النجفية : ٦٣ ، كشف الغطاء : ١٤٣ .

(٧) التهذيب ١ : ٤٦٥ ـ ١٥٢١ ، الوسائل ٢ : ٤٥٢ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ١ .

٦٩
 &

الشعيري (١) ، وابن خالد (٢) ، لعدم صدق الميت على المحتضر . واستعماله فيه في كثير من الأخبار بقرينة لا يوجب حمله عليه بدونها .

وجعل الأمر قرينة ـ لعدم القائل بالوجوب بل الإِجماع على نفيه بعد الموت ـ فاسد ؛ إذ لو سلّم الإِجماع لم يكن ارتكاب التجوّز في الأمر بحمله على الاستحباب [ أدنى ] (٣) من ارتكابه في الموت .

مع أنّ الإِجماع المذكور غير ثابت ، بل احتمال الوجوب بعد الموت أيضاً مما صرّحوا به (٤) ، بل القول به إلى أن ينقل من موضع موته موجود .

نعم ، الظاهر عدم القول بوجوبه بعده أو ندرته حيث ما وضع ما لم يدفن ، ولا تدلّ عليه تلك الأخبار أيضاً حتى تنافيه . ولا إشعار في قوله في ذيل الأخيرة : « وكذلك إذا غسل » حيث إنّ المراد منه إرادة التغسيل بالتجوّز المذكور ، لمنع إرادة ذلك منه أولاً ، وعدم إشعار التجوّز في لفظٍ به في آخر ثانياً ، مع أنه لا أمر فيها بالتوجيه إلّا بواسطة تعلّقه بالتسجية المستحبة قطعاً ، فلا يجب به متبوعه .

ومنه يظهر أيضاً اختصاصها بما بعد الموت ؛ لاختصاص التسجية به ، كما صرّح به بعضهم (٤) .

بل لمرسلة الفقيه المسندة في العلل ، المروية في ثواب الأعمال والدعائم أيضاً المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بالشهرة المحكية مستفيضاً ، المؤيّدة بعمل المسلمين في جميع الأعصار : « دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله على رجل من ولد

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٦ الجنائز ب ١١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٥ / ٨٣٣ ، الوسائل ٢ : ٤٥٣ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٣ .

(٢) الكافي ٣ : ١٢٧ الجنائز ب ١١ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٨٦ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢ : ٤٥٢ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٢ .

(٣) في النسخ : أولى والظاهر أنه مصحف .

(٤) قال في الروض : ٩٣ وهل يسقط الاستقبال بالموت أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن ؟ كلّ محتمل .

(٥) المدارك ٢ : ٥٣ .

٧٠
 &

عبد المطلب ، وهو في السوق ، وقد وجّه إلى غير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عليه بوجهه » (١) .

وورودها في شخص خاص لا ينافي التعميم ، للاشتراك إجماعاً ، مع إشعار التعليل فيها ، بل دلالته على العموم والقول بإشعاره بالاستحباب أيضاً ضعيف غايته ، مع أنه لو كان لا يترك به ظاهر الأمر .

ويؤكّده أيضاً المروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : « من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر » (٢) .

خلافاً للمعتبر ، والنافع ، والمدارك ، والذخيرة ، والكفاية (٣) ـ وعزاه في المنتهى (٤) إلى السيد ، والخلاف (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وفي البحار إلى التهذيب (٧) ، والمبسوط (٨) ، والمفيد ، والسيد ، وبعض الأجلّة (٨) إلى الجامع ، ونهاية الشيخ ، والاقتصاد ، والمصباح (٩) ، ومختصره ـ للأصل ، وضعف أخبار الوجوب إمّا سنداً كالمرسلة ، أو دلالةً كالبواقي .

والأصل مندفع بما مرّ . وضعف المرسلة غير ضائرٍ في الحجية سيما مع

__________________

(١) الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٢ ، علل الشرائع : ٢٩٧ ب ٢٣٤ ، ثواب الأعمال : ٢٣١ ، الدعائم ١ : ٢١٩ ، الوسائل ٢ : ٤٥٣ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٦ .

(٢) الدعائم ١ : ٢١٩ ، المستدرك ٢ : ١٢٠ أبواب الاحتضار ب ٢٥ ح ٣ .

(٣) المعتبر ١ : ٢٥٨ ، النافع : ١٠ ، المدارك ٥٣ الذخيرة : ٨٠ ، الكفاية : ٦ .

(٤) المنتهى ١ : ٤٢٦ .

(٥) الخلاف ١ : ٦٩١ .

(٦) السرائر ١ : ١٥٨ .

(٧) بحار الأنوار ٧٨ : ٣٣١ قال : وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف والمبسوط والمفيد والمحقق في المعتبر والسيد إلى الاستحباب ، ولم يسند فيه القول إلى التهذيب كما لم نعثر عليه فيه .

(٨) المبسوط ١ : ١٧٤ . ولم يصرح فيه بالاستحباب وقد يستفاد من سياق كلامه .

(٩) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٠٧‌

(١٠) الجامع : ٤٨ ، النهاية : ٣٠ ( والمذكور فيه كما ذكر في المبسوط ) ، الاقتصاد : ٢٤٧ ، مصباح المتهجد : ١٧ .

٧١
 &

انجباره بالشهرة .

وكيفيته ـ على ما صرّح به الأصحاب ونطقت به الأخبار الواردة في توجيه الميت (١) وجوباً أو استحباباً المتّحد كيفيته مع توجيه المحتضر إجماعاً ـ أن يلقى على ظهره ويجعل باطن قدميه إلى القبلة ، بحيث لو جلس استقبل .

والظاهر وجوب إبقائه إلى أن يقبض ؛ للإِجماع المركّب بل للاستصحاب .

وفي سقوط الوجوب بالموت ، أو بقائه بعده في الجملة ، أو إلى أن ينقل من موضعه ، أو إلى أن يدفن مهما أمكن ، احتمالات ، أظهرها : الثاني ؛ لعمومات توجيه الميت إلى القبلة . بل الثالث ، لأنه المنسبق إلى الذهن منها . وأحوطها : الرابع .

ولا فرق في وجوب التوجيه في الحالين بين الصغير والكبير ؛ لإِطلاق وجوبه في الميت المستلزم له في المحتضر أيضاً ، لعدم القول بالفصل بين الصغير والكبير فيهما .

ومنه يظهر الوجوب في المخالف المحكوم بإسلامه أيضاً .

ولو اشتبهت القبلة ، سقط الوجوب ؛ لعدم إمكان التوجيه في حالة واحدة إلى الأربع ، فلا يصلح مقدمة للواجب .

وأما الثاني‌ فاُمور :

ومنها : تلقينه ، أي تفهيمه الشهادتين والولاية ، بالإِجماع والنصوص المستفيضة (٢) ، بل الإِقرار بالأئمة واحداً بعد واحد ، كما في مرسلة الكافي (٣)

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٤٥٢ أبواب الاحتضار ب ٣٥ .

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٤٥٤ أبواب الاحتضار ب ٣٦ .

(٣) الكافي ٣ : الجنائز ب ٩ ذيل حديث ٦ ، الوسائل ٢ : ٤٥٨ أبواب الاحتضار ب ٣٧ ح ٣ .

٧٢
 &

والرضوي (١) . وكلمات الفرج ، كما في الروايات المتكثّرة (٢) وهي مشهورة .

نعم زيد على المشهور في بعض الروايات « وما تحتهن » قبل « رب العرش العظيم » و « سلام على المرسلين » (٣) بعده . وفي بعضها زيد الأخير خاصة (٤) . والعمل بالكلّ حسن

وينبغي للمحتضر المتابعة في التلفظ ؛ لاستفاضة النصوص . فيتبعه بالقلب واللسان . ولو اعتقل لسانه ، اقتصر على القلب ليحصل (٥) التلقين . ويكرّر الثلاثة حتى ينقطع كلامه ؛ لمرسلة الكافي . ويجعل آخر كلامه كلمة التوحيد ؛ لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله : « إنّ مَنْ كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنة » (٦)

ويستحب أيضاً أن يقول : « يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير ، اقبل مني اليسير ، واعف عنّي الكثير ، إنك أنت العفو الغفور » لمرسلة الفقيه (٧) .

وأن يقول : « اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك ، واقبل مني اليسير من طاعتك » لرواية سالم (٨)

وأن يقرأ سورة الجحد ؛ للمروي في دعوات الراوندي (٩) .

ويكرّر قول : « اللهم ارحمني فإنك كريم ، اللهم ارحمني فإنك رحيم » للمروي فيها أيضاً (١٠)

__________________

(١) فقه الرضا : ١٦٥ ، المستدرك ٢ : ١٢١ أبواب الاحتضار ب ٢٦ ح ٣ .

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٤٥٩ أبواب الاحتضار ب ٣٨ .

(٣) كما في مرسلة الفقيه ١ : ٧٧ / ٣٤٦ .

(٤) كما في فقه الرضا : ١٦٥ ، المستدرك ٢ : ١٢٨ أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٢ .

(٥) في « ق » لتحصيل .

(٦) الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٤٨ ، الوسائل ٢ : ٤٥٥ أبواب الاحتضار ب ٣٦ ح ٦ .

(٧) الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٥٠ ، الوسائل ٢ : ٤٦٢ أبواب الاحتضار ب ٣٩ ح ٣ .

(٨) الكافي ٣ : ١٢٤ الجنائز ب ٩ ح ١٠ ، الوسائل ٢ : ٤٦١ أبواب الاحتضار ب ٣٩ ح ١ .

(٩ و ١٠) الدعوات : ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، المستدرك ٢ : ١٣٣ أبواب الاحتضار ب ٢٩ ح ٦ .

٧٣
 &

ومنها : قراءة القرآن عنده قبل خروج روحه وبعده ؛ للتبرك ، والاستدفاع ، وذكر الأصحاب (١) . وفي اللوامع أسنده إلى الرضوي ، والمذكور فيه إحضار القرآن عند المحتضر (٢) ، فهو مستحب آخر .

وخصوص سورة « والصافّات » قبله ؛ لخبر الجعفري ، وفيه : « قُم يا بني اقرأ عند رأس أخيك والصافّات صفّاً حتى تستتمها » (٣)

قيل : وفي الأمر بالإِتمام دلالة على القراءة بعد الموت أيضاً (٤) . وفيه نظر .

و « يس » في الحالتين ؛ للمروي في دعوات الراوندي : « ما قُرئت يس عند ميت إلّا خفف الله عنه تلك الساعة » (٥) .

والمنقول في شرح القواعد للهندي عن النبي صلّى الله عليه وآله : « من قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت أو قُرئت عنده ، جاء رضوان خازن الجنة بشربة » (٦) الحديث .

والمنقول فيه أيضاً عنه صلّى الله عليه وآله : « أيّما مسلم قُرئ عنده ـ إذا نزل به ملك الموت ـ سورة يس نزل بكلّ حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً يصلّون عليه » (٧) الحديث .

وقول : « اللهم أخرجه إلى رضىً منك ورضوان ، اللهم اغفر له ذنبه ، جلّ ثناء وجهك » . وآية الكرسي ثم آية السخرة (٨) ، ثمَّ ثلاث آيات من آخر البقرة ، ثم

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٦٠ التذكرة ١ : ٣٩ ، الذكرى : ٣٨ .

(٢) فقه الرضا : ١٨١ وفيه : « فإذا حضر أحدهم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن وذكر الله والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله » .

(٣) الكافي ٣ : ١٢٦ الجنائز ب ١٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٨ ، الوسائل ٢ : ٤٦٥ أبواب الاحتضار ب ٤١ ح ١ .

(٤) قاله في الرياض ١ : ٥٢ .

(٥) الدعوات : ٢١٥ ، المستدرك ٢ : ١٣٦ ، أبواب الاحتضار ب ٣١ ح ١ .

(٦ و ٧) كشف اللثام ١ : ١٠٦ ، ١٠٧ .

(٨) الأعراف : ٥٤ ، وفي المصدر : ثم تقرأ آية السخرة ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ )

=

٧٤
 &

سورة الأحزاب في الحالين أيضاً ؛ للمروي في دعوات الراوندي .

ورواها في الدعائم أيضاً ، إلّا أنه زاد آيتين بعد آية الكرسي أيضاً ، ونقص الدعاء بعدها والأحزاب ، وزاد في الآخر قول : « اللهم أخرجها منه إلى رضىً منك ورضوان ، اللهم لقه البشرى ، اللهم اغفر له ذنبه وارحمه » (١)

ومنها : أمره بحسن الظن بالله ، وبشارته بلقاء ربّه ، كما ورد في أخبار كثيرة (٢) .

ومنها : تغميض عينيه ، وشدّ لحيته ، وإطباق فيه ، وتغطيته بثوب بعد خروج الروح ، لنفي الخلاف في المنتهى (٣) ، ورواية أبي كهمش (٤) في الجميع ، وموثّقة زرارة (٥) في الأوّلين ، وصحيحة سليمان ، ورواية الجعفري (٦) في الأول .

ومدّ يديه إلى جنبيه ، وساقيه ؛ لتصريح الأصحاب (٧) ، وليكون أطوع للغسل وأسهل للدرج في الكفن .

ومنها : نقله إلى مصلّاه الذي يصلّي فيه أو عليه ؛ لصحيحة ابن سنان : « إذا

__________________

=

إلى قوله ( إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

(١) الدعوات : ٢٥٢ ، الدعائم ١ : ٢١٩ ، المستدرك ٢ : ١٥٦ ، ١٥٧ ، أبواب الاحتضار ب ٣٩ ح ٣٥ ، ٣٨ .

(٢) أنظر الوسائل ٢ : ٤٤٨ أبواب الاحتضار ب ٣١ .

(٣) المنتهى ١ : ٤٢٧ .

(٤) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢ ، الوسائل ٢ : ٤٦٨ أبواب الاحتضار ب ٤٤ ح ٣ .

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤١ ، الوسائل ٢ : ٤٦٨ أبواب الاحتضار ب ٤٤ ح ١ .

(٦) الذي عثرنا عليه من صحيحة سليمان ورواية الجعفري لا يتعلق بالحكم الأول أي تغميض العينين وإنما هو متعلق بالحكم الأخير أي تغطيته بثوب وعبر عنها في الروايتين بالتسجية ، فالصواب تبديل « الأول » في المتن بـ « الأخير » وصحيحة سليمان مروية في التهذيب ١ : ٢٨٦ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢ : ٤٥٢ ، أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٢ ، ورواية الجعفري مروية في التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٨ ، الوسائل ٢ : ٤٦٥ أبواب الاحتضار ب ٤١ ح ١ .

(٧) كما صرح به في المقنعة : ٧٤ ، والمبسوط ١ : ١٧٤ ، والمنتهى ١ : ٤٢٧ .

٧٥
 &

عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه » (١) .

وحسنة زرارة : « إذا اشتدّ عليه النزع فضعه في مصلّاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه » (٢) وقريب منها الرضوي (٣) .

وخبري ذريح ، والمرادي ، الواردين في تحويل الخدري بعد شدة نزعه (٤) .

وبها يخصّص الرضوي (٥) وموثّقة زرارة (٦) الناهيتان عن مسّ المحتضر ، وكونه إعانةً عليه .

ومقتضى التقييد في تلك الروايات ـ كعبارات جمع من الأصحاب (٧) ـ اختصاص الاستحباب بصورة اشتداد النزع . فما في بعض كلماتهم (٨) من الإِطلاق ضعيف . والتسامح في المقام هنا لاتّباع الإِطلاق غير مفيد ؛ لمعارضته مع ما مرّ من النهي عن مسّه بالتساوي .

ومنها : أن يسرج عنده إن مات ليلاً ـ كما في الشرائع ، والنافع ، والمنتهى ، والقواعد (٩) ، وعن المراسم ، والوسيلة ، ونهاية الشيخ ، والتذكرة ، والتحرير ، والجامع (١٠) ، بل إن مات نهاراً وبقي إلى الليل ، كما هو ظاهر المبسوط ، والكافي ،

__________________

(١ و ٢) الكافي ٣ : ١٢٥ الجنائز ب ١٠ ح ٢ و ٣ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٦ ، و ١٣٥٧ الوسائل ٢ : ٤٦٣ أبواب الاحتضار ب ٤٠ ح ١ و ٢ .

(٣) فقه الرضا : ١٦٥ .

(٤) الكافي ٣ : ١٢٥ الجنائز ب ١٠ ح ١ و ٤ ، رجال الكشي ١ : ٢٠٢ ، ٢٠٤ ، الوسائل ٢ : ٤٦٣ ، ٤٦٤ أبواب الاحتضار ب ٤٠ ح ٣ و ٤ .

(٥) فقه الرضا : ١٦٥ .

(٦) المتقدم مصدرها في ص ٧٥ .

(٧) كالمبسوط ١ : ١٧٤ ، والقواعد ١ : ١٧ ، والبيان : ٦٧ .

(٨) كالشرائع ١ : ٣٦ .

(٩) الشرائع ١ : ٣٦ ، النافع : ١٢ ، المنتهى ١ : ٤٢٧ ، القواعد ١ : ١٧ .

(١٠) المراسم : ٤٧ ، الوسيلة : ٦٢ ، النهاية : ٣٠ ، التذكرة ١ : ٣٧ ، التحرير ١ : ١٧ ، الجامع : ٤٩ .

٧٦
 &

والمهذب للقاضي (١) ـ إلى الصباح ، كما في المنتهى (٢) ، وعن النهاية ، والمبسوط ، والإِصباح ، والجامع ، والتذكرة ، ونهاية الإِحكام (٣) .

والظاهر إرادتهم صورة عدم دفنه إليه ، وإلّا لم يكن عنده .

لفتوى هؤلاء الأجلّة والشهرة المحكية ، الكافيتين في المقام ، للمسامحة .

لا لما ذكره في المعتبر من أنّه فعل حسن (٤) ، إذ لا أرى وجهاً لحسنه .

ولا لرواية عثمان بن عيسى : لمّا قبض الباقر عليه السلام أمر أبو عبد الله عليه السلام بالسراج في البيت الذي كان سكنه حتى قبض أبو عبد الله عليه السلام ، ثم أمر أبو الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله حتى اُخرج به إلى العراق (٥) ، من جهة أنّ دوام الإِسراج يتضمّن الإِسراج عنده ، أو يقتضيه بالأولوية ؛ لأنه إنّما كان يتم لو ثبت موته عليه السلام في بيت يسكنه لا في خارجه ، وهو غير معلوم .

ودعوى ظهور الاتّحاد أو تبادره دعوى غريبة ، مع أنه يمكن أن يكون ذلك نوع تعظيم لم يثبت جوازه في حق غير الإِمام .

وممّا ذكر يظهر عدم دلالتها على إستحباب الإِسراج في بيت مات فيه أيضاً إلى الصباح وإن اُخرج عنه كما عن المقنعة (٦) .

نعم ، لا بأس بالقول به متابعةً له مسامحةً .

ومنها : تعجيل تجهيزه إن علم موته ، بالإِجماع المحقّق ، والمحكي في المعتبر ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٧٤ ، الكافي : نقل عنه في كشف اللثام ١ : ١٠٦ ، ولم نجده فيه ، المهذب ١ : ٥٤ .

(٢) المنتهى ١ : ٤٢٧ .

(٣) النهاية ١ : ٣٠ ، المبسوط ١ : ١٧٤ ، الجامع : ٤٩ ، التذكرة ١ : ٣٧ ، نهاية الاحكام ٢ : ٢١١ .

(٤) المعتبر ١ : ٢٦١ .

(٥) الكافي ٣ : ٢٥١ الجنائز ب ٩٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٣ ، الوسائل ٢ : ٤٦٩ أبواب الاحتضار ب ٤٥ ح ١ .

(٦) المقنعة : ٧٤ قال : وإن مات ليلا اُسرج في البيت مصباح إلى الصباح .

٧٧
 &

والتذكرة ، والنهاية (١) ، واللوامع ، وغيرها ، والمستفيضة .

كرواية جابر : « لا ألفينّ رجلاً له ميت ليلاً فانتظر به الصبح ، ولا رجلاً مات له ميت نهاراً فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجّلوا بهم إلى مضاجعهم » (٢) الحديث .

ورواية السكوني : « إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلّا في قبره » (٣) .

وفي خبر عيص : « إذا مات الميت فخذ في جهازه وعجّله » (٤) .

وفي مرسلة الصدوق : « كرامة الميت تعجيله » (٥) .

بل يقدّم تجهيزه على الصلاة المكتوبة ما لم يضيّق وقتها ؛ لخبر جابر : إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ ؟ فقال : « عجّل بالميّت إلى قبره إلّا أن يخاف فوت وقت الفريضة » (٦) .

وإن اشتبه موته بسبب من الأسباب ، ومنها كونه مصعوقاً ـ أي غشي عليه أو صوّت بصوت شديد أو اُصيب صاعقة السماء ـ أو غريقاً ، أو مبطوناً ، أو مهدوماً ، أو مسموماً ، أو مدخناً ، كما نطقت به الأخبار الآتية ، أو مغمى عليه ، أو أصابه وجع القلب ، أو إفراط الرعب ، أو الغم ، أو الفرح ، أو تناول الأدوية المخدرة ، كما صرّح به جالينوس ، وقد يشتبه في غير تلك الموارد أيضاً . وجب (٧)

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٦٢ ، التذكرة ١ : ٣٧ ، نهاية الاحكام ٢ : ٢١٧ .

(٢) الكافي ٣ : ١٣٧ ، الجنائز ب ١٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٩ ، الوسائل ٢ : ٤٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٧ ح ١ .

(٣) الكافي ٣ : ١٣٨ الجنائز ب ١٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٠ ، الوسائل ٢ : ٤٧٣ أبواب الاحتضار ب ٤٧ ب ٥ .

(٤) التهذيب ١ : ٤٣٣ / ١٣٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٥ / ٦٨٤ ، الوسائل ٢ : ٤٧٣ أبواب الاحتضار ب ٤٧ ح ٦ .

(٥) الفقيه ١ : ٨٥ / ٣٨٨ ، الوسائل ٢ : ٤٧٤ أبواب الاحتضار ب ٤٧ ح ٧ .

(٦) التهذيب ٣ : ٣٢٠ / ٩٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦٩ / ١٨١٢ ، الوسائل ٢ : ٤٧٣ أبواب الاحتضار ب ٤٧ ح ٤ .

(٧) جزاء لقوله : وإن اشتبه . . .

٧٨
 &

الصبر إلى أن يعلم موته بأماراته ، تحرّزا عن الإعانة على رفع حياته المستصحبة . ومنها (١) : الريح المنتن ، لرواية ابن أبي حمزة وفيها : « ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربّص بهما ثلاثة أيام ، لا يدفن إلّا أن تجي‌ء منه ريح دلّ على موته » (٢) الحديث .

ومنها : مضيّ ثلاثة أيام وعدم ظهور أمارات الحياة ؛ لتصريح الأطبّاء ، ولما ذكر ، ولغيره من المستفيضة .

كصحيحة هشام : في المصعوق والغريق ، قال : « ينتظر به ثلاثة أيام إلّا أن يتغيّر قبل ذلك » (٣) . وبمضمونها صحيحة إسحاق (٤) .

ومرسلة الفقيه : « خمسة ينتظر بهم ثلاثة أيام إلّا أن يتغيّروا : الغريق ، والمصعوق ، والمبطون ، والمهدوم ، والمدخن » (٥) .

ومثلها المروي في الخصال بتبديل المهدوم بالمسموم (٦) .

وفي المروي في الدعائم : في الرجل تصيبه الصاعقة : « لا يدفن دون ثلاثة أيام إلّا أن يتبيّن موته ويستيقن » (٧) .

وعدم الأمر بالدفن فيها بعد ثلاثة غير ضائر ؛ لتبادره من الانتظار إليها . واختصاصها بالخمسة أو أقلّ يجبر بالإِجماع المركّب .

ولا يكفي اليومان وإن ورد في المصعوق في موثّقة الساباطي (٨) ، وصرّح في المنتهى بكفايته (٩) . ولا يوم وليلة وإن روي للغريق (١٠) في الدعائم (١١) ؛ لمعارضتهما

__________________

(١) أي : ومن الأمارات .

(٢ و ٣ و ٤) الكافي ٣ :٢١٠ ، ٢٠٩ الجنائز ب ٧٤ ح ٦ ، ١ ، ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣٨ / ٩٩١ ، ٩٩٢ ، ٩٩٠ ، الوسائل ٢ : ٤٧٤ ، ٤٧٥ أبواب الاحتضار ب ٤٨ ح ٥ ، ١ ، ٣ .

(٥) الفقيه ١ : ٩٦ ، والمذكور فيه ليس بعنوان الرواية فلاحظ .

(٦) الخصال ١ : ٣٠٠ / ٧٤ ، الوسائل ٢ : ٤٧٤ أبواب الاحتضار ب ٤٨ ذيل ح ٢ .

(٧) دعائم الاسلام ١ : ٢٢٩ ، المستدرك ٢ : ١٤٢ أبواب الاحتضار ب ٣٧ ح ٤ .

(٨) الكافي ٣ : ٢١٠ الجنائز ب ٧٤ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٤٧٥ أبواب الاحتضار ب ٤٨ ح ٤ .

(٩) المنتهى ١ : ٤٢٧ .

(١٠) في « هـ » في الغريق .

(١١) دعائم الاسلام ١ : ٢٢٩ ، المستدرك ٢ : ١٤٢ أبواب الاحتضار ب ٣٧ ذيل ح ٣ .

٧٩
 &

مع ما مرّ ، حيث إنّ الجملة الخبرية في الجميع للوجوب قطعاً ، لعدم استحباب الانتظار مع عدم الاشتباه إجماعاً ونصّاً ، ووجوبه معه كذلك ، ورجحان ما مرّ بالاستصحاب وعمل الأصحاب .

وعدّ جمعٌ (١) من الأمارات : استرخاء قدميه ، وانخلاع كفّيه من ذراعيه ، وانخساف صدغيه ، وميل أنفه ، وانخلاع جلدة وجهه ، وتقلّص اُنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة ، وزوال النور عن بياض العين ، وسوادها .

وزاد جالينوس (٢) : الامتحان بنبض عروق بين الاُنثيين أو عرق يلي الحالب ، والذكر بعد الغمز الشديد ، أو عرق في بطن المنخر ، أو تحت اللسان ، أو باطن الألية . وآخر : عدم الانطباع في الحدقة .

ولا تنافيها أخبار الانتظار ؛ لأنها مقيّدة بعدم العلم بالموت بأمارة اُخرى ، ولا ضير في تعدّد الأمارات .

نعم الكلام في حصول العلم بكلٍّ ممّا ذكر وإنْ حصل بالجميع أو الأكثر غالباً .

وقد يقال بشمول التغيّر المذكور فيها لتلك الأمارات (٣) .

ولا بأس به إن اُريد الجميع أو الظاهرة منها ، إلّا أنّ المتبادر منه التغيّر في الريح كما في خبر ابن أبي حمزة (٤) .

ومنها : إعلام المؤمنين بموته بعد تحقّقه ؛ للنصوص :

منها : صحيحة ابن سنان : « ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته » (٥) الحديث .

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروض : ٩٥ .

(٢) كما نقل عنه في الذكرى : ٣٨ .

(٣) كما احتمله في الحدائق ٣ : ٣٧٥ .

(٤) المتقدم في ص ٧٩ .

(٥) الكافي ٣ : ١٦٦ ، ١٦٧ أبواب الجنائز ب ٣٧ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥٢ / ١٤٧٠ ، الوسائل ٣ : ٥٩ ، ٦٠ أبواب صلاة الجنازة ب ١ ح ١ ، ٣ ، ٤ .

٨٠