أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
بول أو مني وجب مقتضاه .
الخامسة : يجب عليها الاستظهار في منع الدم بقدر المكنة ؛ للأمر بالتعصب ، والاحتشاء ، والاستيثاق ، والتلجّم ، والاستذفار ، والاستثفار (١) في المرسلة الطويلة ، وموثّقة زرارة ، وصحاح الصحّاف والحلبي وابن عمّار (٢) .
والمستفاد منها مضافاً إلى عدم تيسّر الغُسل بعد أكثر تلك الأفعال كون محلّه بعد الغُسل . وقيل : قبل الوضوء (٣) ؛ ولم يظهر له وجه تام ، والتوجيه بتحقّق الصلاة عقيب الطهارة غير وجيه .
__________________
(١) التعصب : شد العصابة ، والاحتشاء : الامتلاء والمراد منه في المقام استدخال شيء للمنع من سيلان الدم ، والاستيثاق : أخذ الوثاق وهو ما يشدّ به من قيد وحبل ونحوهما . والتلجم : أخذ اللجام والمراد في المقام أن يجعل موضع خروج الدم عصابة تمنع منه تشبيهاً باللجام في فم الدابة . وأمّا الاستثفار فذكر في النهاية الاثيرية ١ : ٢١٤ في تفسيره : أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم وهو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها . وأمّا الاستذفار فقد ورد في نسخة من صحيحة الحلبي المروية في الكافي ٣ : ٨٩ وروى عنه في الوسائل ٢ : ٣٧٢ عن أبي جعفر عليه السلام « قال سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله . . . إلى أن قال : ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر ( تستذفر خ ل ) بثوب ثم تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب » وفي الكافي بعد تمام الرواية ما لفظه : والاستذفار أن تطيب وتستجمر بالدخنة وغير ذلك ، والاستثفار أن تجعل مثل ثفر الدابة قال في مرآة العقول ١٣ : ٢٢٥ : والظاهر أنها نسخة الجمع لا البدل بقرينة التفسير . أو يكون في الكتاب الذي أخذ المصنف الخبر منه النسختان معاً ففسرهما أو ذكر أحدهما استطراداً والظاهر أنه كان في هذا الخبر بالذال وفي الخبر السابق بالثاء ففسرهما هنا . وفي الوافي ٦ / ٤٧١ : ربما يقال باتحاد معنييهما وأنه قلب الثاء ذالاً . كيفما كان فما ذكروه في اللغة في مادة : « ذفر » لم يظهر له مناسبة للمقام من منع المرأة عن سيلان الدم ففي القاموس ٢ : ٣٥ الذفر محركة : شدة ذكاء الريح . .: ومن المحتمل أن يكون الصحيح : الاستزفار بالزاء فانّ الزّفر : الذي يدعم به الشجر ، والأزفر : الفرس العظيم الجنبين ( القاموس ٢ : ٤١ ) ولا يخفى مناسبته للمعنى المراد في المقام وهو شدّ الوسط والاستقواء به على منع الدم .
(٢) المتقدمة في ج ٢ : ٤٠٥ ، ٤٣٨ ، ٤٣٨ ، وهذا المجلّد ص ١٢ ، ١٨ ، ١٩ .
(٣) الرياض ١ : ٤٩ .
وهل هو شرط في صحة الوضوء والصلاة حتى لو لم تستظهر وخرج الدم بعد الوضوء بطل أو في الصلاة بطلت ، أم هو واجب برأسه حتى لم يبطل شيء منهما ؟
مقتضى الأصل : عدم الشرطية ، إلّا أن يعلّل الوجوب للصلاة : بلزوم منع الدم وتقليلها ولو كان أقلّ من الدرهم ، وللوضوء : بحدثيته وعدم العفو إلّا في مورد ثبت عنه العفو .
ولكن في الأول : منع اللزوم إلّا إذا تعدّى إلى الثوب والبدن وصار قدر الدرهم .
وفي الثاني : منع الحدثية ، فلا يبطل بالتقصير فيه الوضوء .
نعم ، تبطل الصلاة من جهة اُخرى ، وهي النهي عنها الملزوم للأمر بالاستظهار .
وقد يقال بوجوب هذا الاستظهار في النهار لأجل صومها . وهو ضعيف جداً .
السادسة : غسلها كغسل الحائض في كلّ حكم حتى في حاجته إلى الوضوء لو كانت محدثةً بالحدث الموجب له .
نعم ، يستثنى من المساواة الكلية الموالاة الغير المعتبرة في غيره من الأغسال المعتبرة فيه ؛ تحصيلاً للمقارنة اللازمة للصلاة .
الفصل الرابع : في غسل النفاس
والمراد بالنفاس هنا دم الولادة ، والكلام هنا إمّا في تعيين النفاس أو في أحكامه ، وفيه بحثان :
البحث الأول : في تعيينه
وفيه مسائل :
المسألة الاُولى : الدم الخارج حال الطَلق ـ وهو وجع الولادة قبل خروج شيء من الولد ـ ليس نفاساً بالإِجماع المحقّق والمنقول (١) مستفيضاً ، والنصوص :
منها : موثّقة عمّار : والمرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين فترى الصفرة أو دماً ، قال : « تصلّي ما لم تلد » (٢) الحديث .
وقريبة منها مرسلة الفقيه عن عمّار (٣) أيضاً .
ورواية الخلقاني ، المروية في مجالس الشيخ : فإنها رأت الدم وقد أصابها الطلق فرأته وهي تمخض ، قال : « تصلّي حتى يخرج رأس الصبي ، فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة » إلى أن قال : « وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس » (٤) الحديث .
ورواية السكوني ، المتقدّمة في حيض الحبلى (٥) .
__________________
(١) كما نقله في المنتهى ١ : ١٢٣ ، والرياض ١ : ٥٠ .
(٢) الكافي ٣ : ١٠٠ الحيض ب ١٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦١ ، الوسائل ٢ : ٣٩١ أبواب النفاس ب ٤ ح ١ .
(٣) الفقيه ١ : ٥٦ / ٢١١ . والرواية ليست بمرسلة ، فإن للصدوق طريقاً إلى عمار ذكره في المشيخة ( راجع خاتمة الفقيه ٤ : ٤ ) .
(٣) أمالي الطوسي : ٧٠٨ .
(٤) راجع ج ٢ : ٤٠١ .
ثمّ إنّ هذا الدم إن استجمع شرائط الحكم بالحيضية حتى في الحامل ـ كما تقدّمت ـ فهو حيض .
ويزيد على الشرائط هنا اشتراط تخلّل أقلّ الطهر بالنقاء أو الدم ، بين آخره وبين النفاس على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جماعة ، بل عن الخلاف (١) نفي الخلاف عنه ، وهو المحكي عن نهاية الفاضل والقواعد ، والذكرى ، وشرح القواعد للكركي ، والروض (٢) ، واختاره والدي قدس سره .
لإِطلاق الأخبار المذكورة المجوّزة للصلاة ، خرج عنها الجامع للشرائط مع تخلّل أقلّ الطهر ، بالإِجماع المركّب من كلّ مَنْ قال باجتماع الحيض مع الحبل إمّا مطلقاً أو بشرط خاص ، فيبقى الباقي .
ولو عارضها ما دلّ على حيضية دم الحامل مع الأوصاف في أيام العادة ، لم يضر ؛ لوجوب الرجوع إلى أصالة عدم الحيضية ولزوم العبادة .
مضافاً في بعض الصور إلى قوله في صحيحة ابن مسلم : « أقلّ ما يكون : عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم » (٣) بل في جميعها إلى مطلق الأخبار الدالّة على أنّ أقلّ الطهر عشرة .
والاستدلال : بكون النفاس كالحيض ، فيشترط تخلّل العشرة بينهما ؛ وباشتراط تخلّله بين النفاس والحيض المتعقّب له ، فالمتقدّم مثله ، لعدم قول بالفرق ؛ ضعيف :
أمّا الأول : فلعدم ثبوت التماثل المطلق ، ومطلقه لو ثبت لم ينفع ، مع أنه لا ينفي حيضية الدم المتصل بالنفاس ، لجواز حيضية المجموع بناءً على ذلك .
__________________
(١) الخلاف ١ : ٢٤٦ .
(٢) نهاية الاحكام ١ : ١٣٠ ، القواعد ١ : ١٦ ، الذكرى : ٣٣ ، جامع المقاصد ١ : ٣٤٧ ، الروض : ٨٩ .
(٣) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٧ أبواب الحيض ب ١١ ح ١ .
وأمّا الثاني : فلمنع ثبوت عدم الفرق .
خلافاً للمنتهى ، والمدارك ، والذخيرة ، والمحكي عن التذكرة (١) ؛ لضعف الأخبار المتقدّمة ، فيبقى ما يدلّ على الحيضية عن المعارض خالياً . وجوابه ظاهرٌ .
وعلى هذا فما لا يتخلّل بينه وبين النفاس أقلّ الطهر لا يكون حيضاً ، كما يكون كذلك مطلقاً إن قلنا بعدم إجتماع الحيض مع الحبل .
وفي الحكم بكونه استحاضة أم لا ، يرجع إلى ما يحكم به في غير تلك الصورة .
الثانية : الخارج بعد خروج تمام الولد نفاس بالإِجماع ، كما في المنتهى ، وعن التذكرة (٢) ، ونفي عنه الخلاف في شرح القواعد للكركي ، وعن نهاية الإِحكام (٣) .
وفي الخارج معه خلاف : فالمحكي عن المقنعة ، والخلاف ، والمبسوط (٤) صريحاً ، وعن النهاية ، والمصباح ، ومختصره ، والاقتصاد (٥) ، والمراسم ، والسرائر ، والمهذب ، والشرائع (٦) ظاهراً ، وفي النافع ، والمعتبر ، والقواعد ، وشرحه (٧) ، بل في الأخير دعوى الشهرة عليه ـ كما عن الثاني عليه الإِجماع ـ أنه نفاس ؛ للروايتين الأخيرتين (٨) المنجبرتين بما ذكر .
وعن الجُملين (٩) ، والكافي ، والغنية ، والوسيلة ، والإِصباح ، والجامع (١٠) ،
__________________
(١) المنتهى ١ : ١٢٣ ، المدارك ٢ : ٤٤ ، الذخيرة : ٧٧ ، التذكرة ١ : ٣٦ .
(٢) المنتهى ١ : ١٢٣ ، التذكرة ١ : ٣٥ .
(٣) جامع المقاصد ١ : ٣٤٦ ، نهاية الاحكام ١ : ١٣٠ .
(٤) المقنعة : ٥٧ ، الخلاف ١ : ٢٤٦ ، المبسوط ١ : ٦٨ .
(٥) النهاية : ٢٩ ، مصباح المتهجد : ١١ ، الاقتصاد : ٢٤٧ .
(٦) المراسم : ٤٤ ، السرائر ١ : ١٥٦ ، المهذب ١ : ٣٩ ، الشرائع ١ : ٣٥ .
(٧) النافع : ١١ ، المعتبر ١ : ٢٥٢ ، القواعد ١ : ١٦ ، جامع المقاصد ١ : ٣٤٦ .
(٨) رواية الخلقاني ورواية السكوني المتقدمتين في ص ٤٣ .
(٩) الجمل والعقود للطوسي ( الرسائل العشر ) : ١٦٥ ، ولم نعثر عليه في جمل العلم والعمل للمرتضى ، ونقل عنه في كشف اللثام ١ : ١٠٣ .
(١٠) الكافي : ١٢٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، الوسيلة : ٦١ ، الجامع : ٤٤ .
أنه ليس بنفاس ؛ للأصل ، والخبرين الأولين (١) ، وما بمعناهما المعلّق ترك الصلاة على الولادة المتبادر منها خروج تمام الولد .
وتظهر الفائدة فيما لو لم ترَ دماً بعد خروج التمام .
والحقّ هو الأول ؛ لما مرّ ، والشك في توقّف صدق الولادة على خروج التمام ، بل في اللوامع : وكأنّ صدق الولادة بخروج جزء من الولد ممّا لا ريب فيه . هذا .
ثمَّ إنّ ظاهر الأخبار ومقتضى الأصل ولزوم العبادة : اختصاص النفاس في الدم الخارج مع ما يسمّى ولداً ، لا مثل المضغة والعلقة والنطفة . فإلحاقها به مطلقاً ، أو مع العلم بكونها بدء نشوء آدميّ ، أو إلحاق الأول خاصة كذلك ـ كما ذهب إلى كلٍّ بعض (٢) ـ ضعيف خالٍ عن الدليل ، والعلم بمبدئيّة نشوء الانسان غير كافٍ ، وكونه دماً عقيب الحمل غير مفيد ، والإِجماع المحكي عن التذكرة (٣) في بعض الصور لا حجية فيه .
الثالثة : لا حدّ لأقلّ النفاس بالإِجماع ؛ له ، وللأصل ، وخبر المرادي : عن النفساء كم حدّ نفاسها حتى تجب عليها الصلاة ، وكيف تصنع ؟ قال : « ليس لها حدّ » (٤) .
وفي صحيحة ابن يقطين : عن النفساء « تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط » (٥) .
خرج منهما طرف الكثرة الثابت فيه التحديد بالإِجماع ، والنصوص ، فيبقى جانب القلّة . فيجوز أن يكون لحظة ، بل يجوز أن لا ترى دماً كما في قضية
__________________
(١) موثقة عمار ومرسلة الفقيه المتقدمتين في ص ٤٣ .
(٢) فذهب في القواعد ١ : ١٦ إلى كفاية المضغة ، وقال في الدروس ١ : ١٠٠ يكفي المضغة دون العلقة إلّا أن تشهد أربع نساء عدول بأنها مبدأ الولد .
(٣) التذكرة ١ : ٣٥ .
(٤) التهذيب ١ : ١٨٠ / ٥١٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٤ / ٥٣٣ ، الوسائل ٢ : ٣٨٢ أبواب النفاس ب ٢ ح ١ .
(٥) التهذيب ١ : ١٧٤ / ٤٩٧ ، الوسائل ٢ : ٣٨٧ أبواب النفاس ب ٣ ح ١٦ .
الجفوف (١) ، وحينئذٍ لا يثبت النفاس بالأصل والإِجماع .
وجعل مجرد خروج الولد حدثاً أكبر أو أصغر ـ كبعض العامة (٢) ـ تشريع مردود .
وأكثره العشرة ، وفاقاً للمحكي عن والد الصدوق (٣) ، والمقنع ، والمقنعة ، والشيخ ، والقاضي (٤) ، والحلّي والحلبي ، والمحقّق (٥) ، والجعفي ، وابن طاووس (٦) ، والفاضل في غير المختلف ، والشهيد (٧) ، وأكثر المتأخرين ، ونسبه الكركي ، والهندي (٨) ـ بل عن المبسوط ـ إلى الأكثر ؛ لمرسلتي المفيد ، والرضوي المنجبر ضعفها بما ذكر .
الاُولى نقلها في المقنعة : « إنّ أقصى مدة النفاس عشرة أيام » (٩) .
والثانية نقلها عنه الحلّي في أوائل السرائر : « لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض » (١٠) .
والثالثة : « والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها وهي عشرة أيام ، وتستظهر بثلاثة أيام ، ثم تغتسل ، فإن رأت الدم عملت كما تعمل
__________________
(١) إشارة إلى ما نقله في المعتبر ١ : ٢٥٣ قال : وقد حكي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فلم تر دماً فسميت الجفوف .
(٢) نسبه في المغني ١ : ٢٤٢ إلى أحد وجهي الشافعية .
(٣) نقل عنه في المختلف : ٤١ .
(٤) المقنع : ١٦ ، المقنعة : ٥٧ ، المبسوط ١ : ٦٩ ، النهاية : ٢٩ ، المهذب ١ : ٣٩ .
(٥) السرائر ١ : ١٥٤ ، الكافي : ١٢٩ ، الشرائع ١ : ٣٥ .
(٦) نقل في الذكرى : ٣٣ عن الجعفي في « الفاخر » وابن طاووس القول برجوع النفساء إلى عادتها في الحيض ؛ وهو يدل على قولهما بعدم زيادة النفاس عن العشرة ، بالتقريب الذي سيذكره في المتن .
(٧) المنتهى ١ : ١٢٤ ، التذكرة ١ : ٣٦ ، القواعد ١ : ١٦ ، الذكرى : ٣٣ ، الدروس ١ : ١٠٠ .
(٨) جامع المقاصد ١ : ٣٤٧ ، كشف اللثام ١ : ١٠٣ .
(٩) المقنعة : ٥٧ .
(١٠) السرائر ١ : ٥٣ .
المستحاضة » (١) .
والمعتبرة المتكثّرة جدّاً ، الآتية بعضها ، المصرّحة بأنّها تجلس بقدر حيضها وتغتسل بعده ، وأنه يغشاها زوجها بعد مضي عدة حيضها (٢) ، فإنّها صريحة في عدم التجاوز عن العشرة وإن جاز الأقلّ أيضاً ، إذ لا تقعد حائض أكثر من العشرة ولو كانت مبتدأة أو مضطربة .
وما يأتي (٣) من مرفوعة إبراهيم وخبر المنتقى ، المصرّحين بكون أكثره أقلّ من ثمانية عشر ؛ إذ لا قول بغير العشرة في الأقلّ منها .
وبما ذكر يخصّص عموم صحيحة ابن يقطين ، المتقدّمة .
خلافاً للمختلف (٤) ، وللمحكي عن الفقيه ، والسيد (٥) ، والإِسكافي (٦) ، والديلمي (٧) ، فجعلوه ثمانية عشر مطلقاً ، وهو قول آخر للمفيد (٨) أيضاً .
للصحاح الدالّة على جلوس أسماء في النفاس ثمانية عشر يوماً ، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله إيّاها بالغسل بعد مضيّ الثمانية عشر (٩) .
وموثّقة ابن مسلم : عن النفساء كم تقعد ؟ قال : « إنّ أسماء نفست ، فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أن تغتسل في ثمانية عشر ، فلا بأس أن تستظهر بيوم أو
__________________
(١) فقه الرضا : ١٩١ ، المستدرك ٢ : ٤٧ أبواب النفاس ب ١ ح ١ .
(٢) انظر الوسائل ٢ : ٣٨٢ أبواب النفاس ب ٣ .
(٣) في ص ٤٩ ، ٥٠ .
(٤) المختلف : ٤١ .
(٥) الفقيه ١ : ٥٥ ، الانتصار : ٣٥ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١ .
(٦) نقله في المعتبر ١ : ٢٥٣ .
(٧) المراسم : ٤٤ .
(٨) قال في المقنعة : ٥٧ وأكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوماً ، فإن رأت الدم النفساء اليوم التاسع عشر من وضعها الحمل فليس ذلك من النفاس إنما هو استحاضة فلتعمل بما رسمناه للمستحاضة وتصلي وتصوم ، وقد جاءت الأخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس هو عشرة أيام وعليها أعمل لوضوحها عندي .
(٩) انظر الوسائل ٢ : ٣٨٤ أبواب النفاس ب ٣ ح ٦ ، ١٥ ، ١٩ .
يومين » (١) .
والمرويّتين في العيون والعلل :
الاُولى : « النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً ، فإن طهرت قبل ذلك صلّت ، وإن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوماً اغتسلت وصلّت » (٢) .
والثانية في علّة قعود النفساء ثمانية عشر : « لأنّ الحيض أقلّه ثلاثة أيام وأوسطه خمسة وأكثرهُ عشرة ، فاُعطيت أقلّه وأوسطه وأكثره » (٣) .
وصحيحتي ابن مسلم وسنان :
الاُولى : كم تقعد النفساء حتى تصلّي ؟ قال : « ثماني عشرة ، سبع عشرة » (٤) .
والثانية : « تقعد النفساء تسع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة » (٥) .
ويجاب عن الأول : بمنع الدلالة ، إذ ليس فعلها حجة ، ولم يثبت تقرير لها عليه من الحجة ، بل المصرّح به في بعض الأخبار أنّ قعودها للجهل ، وأنها لو سألته صلّى الله عليه وآله ، قبل الثمانية عشر لأمرها بالاغتسال .
ففي مرفوعة إبراهيم : سألت امرأة أبا عبد الله عليه السلام ، فقالت : إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتى أفتوني بثمانية عشر يوماً ، فقال أبو عبد الله
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٨٠ / ٥١٥ و ١٧٨ / ٥١١ ، الوسائل ٢ : ٣٨٧ أبواب النفاس ب ٣ ح ١٥ .
(٢) العيون ٢ : ١٢٤ ، الوسائل ٢ : ٣٩٠ أبواب النفاس ب ٣ ح ٢٤ .
(٣) العلل : ٢٩١ ، الوسائل ٢ : ٣٩٠ أبواب النفاس ب ٣ ح ٢٣ .
(٤) التهذيب ١ : ١٧٧ / ٥٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٨ ، الوسائل ٢ : ٣٨٦ أبواب النفاس ب ٣ ح ١٢ .
(٥) التهذيب ١ : ١٧٧ / ٥١٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٣٠ ، الوسائل ٢ : ٣٨٧ أبواب النفاس ب ٣ ح ١٤ .
عليه السلام : « ولَم أفتوك بثمانية عشر ؟ » فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنه قال لأسماء حين نفست بمحمد بن أبي بكر ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « إنّ أسماء سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعله المستحاضة » (١) .
وفي المروي في المنتقى : في امرأة محمد بن مسلم ، حيث قال : إنّ أصحابنا ضيّقوا عليّ فجعلوها ثمانية عشر يوماً ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « من أفتاها بثمانية عشر يوماً ؟ » قال ، فقلت : الرواية التي رووها في أسماء ـ إلى أن قال ـ : فقال أبو جعفر عليه السلام : « إنها لو سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها به » قلت : فما حدّ النفساء ؟ قال : « تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام أقرائها ، فإن هي طهرت استظهرت بيوم أو يومين أو ثلاثة » (٢) الحديث .
وفي هاتين الروايتين إشعار بل دلالة على كون الثمانية عشر قولاً مشهوراً بين العامة (٣) .
ويشعر به أيضاً عدوله عليه السلام في الموثّقة من الجواب إلى الحكاية .
ويدلّ عليه حمل الشيخ هذه الأخبار على التقية (٤) .
ومنه يظهر وجه آخر للجواب عن تلك الصحاح وعن جميع ما تعقّبها من الأدلّة ، لمعارضتها مع ما مرّ ، فيرجّح ما يخالف التقية . مع ما مرّ من موافقة
__________________
(١) الكافي ٣ : ٩٨ الحيض ب ١٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٧٨ / ٥١٢ ، الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣٢ الوسائل ٢ : ٣٨٤ أبواب النفاس ب ٣ ح ٧ .
(٢) منتقى الجمان ١ : ٢٣٥ ، الوسائل ٢ : ٣٨٦ أبواب النفاس ب ٣ ح ١١ .
(٣) لم نعثر على هذا القول في كتبهم ، والمنسوب إليهم هو القول بالأربعين وهو المشهور بينهم ولهم أقوال اُخر من الخمسين والستين والسبعين . انظر بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، المغني ١ : ٣٤٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٤١ ، مغني المحتاج ١ : ١٢٠ ، وانظر الخلاف ١ : ٢٤٤ للشيخ الطوسي .
(٤) التهذيب ١ : ١٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٣ .
عمومات الكتاب الآمرة بالعبادة في الزائد عن العشرة .
مضافاً إلى ما في الثاني [ من عدم الدلالة ] (١) لا في الحكاية ولا في المحكي ، وهو ظاهر .
بل وكذا الثالث ، إذ نفي قعود الأكثر من الثمانية عشر لا يفيد القعود بقدرها ، ومفهوم قوله : « فإن طهرت » إنما كان مفيداً لو لم يعقبه قوله : « وإن لم تطهر » .
والرابع ؛ لاحتمال أن يكون غرضه إعطاء الناس دون الشارع ، ولم يصرّح اتقاءً .
والخامس ؛ لظهوره في التخيير الذي هو غير المطلوب ولا قائل به ، فهو بالشذوذ خارج عن الحجية أيضاً .
ومنه يظهر وجه قدح في السادس أيضاً لتغاير ثمانية عشر يوماً مع تسع عشرة ليلة .
وللمحكي عن العماني (٢) ، فجعله أحداً وعشرين ، وفي المعتبر عن كتاب البزنطي رواية دالّة عليه (٣) .
وهو بالشذوذ مجاب بل للإِجماع مخالف ، لأن قوله ـ للإِجماع على نفي الزائد عن ثمانية عشر ـ غير قادح .
وبه وبالموافقة للعامة يجاب عن الأخبار المتضمّنة للثلاثين أو الأربعين أو ما زاد عنهما (٤) .
الرابعة : ما ذكر حدّاً للنفاس في طرف الكثرة إنّما هو أقصى مدته ، يعني أنه لا يكون أكثر منه . وأمّا كلّ من اتّصل دمها إلى هذا الحدّ فليست بنفساء على
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن .
(٢) نقل عنه في المعتبر ١ : ٢٥٣ .
(٣) المعتبر ١ : ٢٥٣ .
(٤) انظر الوسائل ٢ : ٣٨٧ ب ٣ ح ١٦ ، ١٧ ، ١٨ .
الأظهر ، وفاقاً للجعفي (١) ومن تعقبه من القائلين (٢) بالعشرة ، والمختلف (٣) من الذاهبين إلى الثمانية عشر .
بل غير المعتادة عدداً تتنفس إلى أقصى المدة ؛ لعموم صحيحة ابن يقطين (٤) والرضوي المتقدّم (٥) ، الخاليين عن المخصّص فيهما .
ولا يرجع هنا إلى التمييز أو عادة النساء أو الروايات ؛ للأصل .
وما ورد في موثّقة أبي بصير (٦) من الرجوع إلى الاُم أو الاُخت شاذ متروك .
نعم ، يرجع إليها في التحيّض في الشهر الثاني لو اتّصل دمها إليه ؛ لإِطلاق أدلّتها .
والمعتادة عدداً تتنفس بعادتها وتغتسل بعدها ؛ لتظافر المعتبرة من النصوص عليه ، كصحيحة زرارة (٧) ، وموثّقته (٨) ، وموثّقة يونس (٩) ، وقويّة ابن أعين (١٠) ، وخبر عبد الرحمن بن أعين (١١) ، وغيرها . وبها يخصّص الصحيحة والرضوي .
وأمّا المرسلتان (١٢) المحدّدتان لأقصى النفاس : فلا تدلّان إلّا على أنّ أكثره
__________________
(١) نقل عنه في الذكرى : ٣٣ .
(٢) تقدم ذكرهم في ص ٤٧ .
(٣) المختلف : ٤١ .
(٤) المتقدمة في ص ٤٦ .
(٥) في ص ٤٧ .
(٦) التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦٢ ، الوسائل ٢ : ٣٨٩ أبواب النفاس ب ٣ ح ٢٠ .
(٧) التهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٥ ، الوسائل ٢ : ٣٨٢ أبواب النفاس ب ٣ ح ١ .
(٨) الكافي ٣ : ٩٩ الحيض ب ١٢ ح ٦ ، الوسائل ٢ : ٣٨٤ أبواب النفاس ب ٣ ح ٥ .
(٩) الكافي ٣ : ٩٩ الحيض ب ١٢ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ الوسائل ٢ : ٣٨٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٨ .
(١٠) التهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ ، الوسائل ٢ : ٣٨٣ أبواب النفاس ب ٣ ح ٤ .
(١١) الكافي ٣ : ٩٨ الحيض ب ١٢ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٨٥ أبواب النفاس ب ٣ ح ٩ .
(١٢) المتقدمتان في ص ٤٧ .
ذلك ، وذلك لا ينافي وجود الأقلّ .
ومنه يستفاد إمكان حمل قول من تقدّم على الجعفي أيضاً (١) بل بعض مَن تأخّر عن المختلف (٢) ، على المختار في ذلك ، فإنّهم لم يذكروا إلّا أنّ ذلك أكثرهُ .
ويؤيّدهُ : استدلال جمع ممّن صرّح بذلك بأخبار الرجوع إلى العادة .
ثم مع انقطاع دم المعتادة على العادة أو الأقلّ لا كلام ، وإلّا فتستظهر بيوم ، أو يومين ، أو ثلاثة ، أو تمام العشرة ؛ لوروده في الأخبار (٣) . استحباباً ؛ لعدم ثبوت الزائد عليه منها .
وحكم ما بين أيام العادة وأقصى النفاس حكم ما بينها وبين أقصى الحيض ، على ما صرّح به جماعة (٤) .
وهو محلّ نظر ؛ لعدم ثبوت المساواة الكلية بين الحيض والنفاس ، وتصريح قويّة مالك ، المتقدّمة (٥) في آخر مسائل الحيض بعدم نفاسية ما بعد أيام الاستظهار للمعتادة مطلقاً ، سواء تجاوز الدم العشرة أو لم يتجاوز ، وهي أخص من سائر أخبار النفاس في المورد .
وبها يندفع الاستصحاب المتمسك به في الحيض .
وانعقاد الإِجماع على التنفس مع عدم التجاوز غير معلوم ، والاستشكال فيه مصرّح به في كلام بعضهم (٦) .
نعم ، قيل : يشعر بعض العبارات بالإِجماع عليه (٧) ، والظاهر أنّ مثله لا يصلح حجة لرفع اليد عن عموم الخبر .
__________________
(١) يعني من تقدم ذكرهم على الجعفي في ص ٤٧ وهم الصدوقان والمفيد وغيرهم .
(٢) وهم الصدوق والإِسكافي والسيد . . راجع ص ٤٨ .
(٣) انظر الوسائل ٢ : ٣٨٢ أبواب النفاس ب ٣ .
(٤) منهم العلامة في التحرير ١ : ١٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١ .
(٥) في ج ٢ : ٤٩٧ ، وهي قويّة ابن أعين المتقدمة في الصفحة السابقة .
(٦) الرياض ١ : ٥١ ، الحدائق ٣ : ٣٢٥ .
(٧) قاله في الرياض ١ : ٥١ .
فالظاهر عدم التنفس بعد أيام الاستظهار مع اختياره ، وبعد العادة مع ترك الاستظهار مطلقاً ، وإن كان الاحتياط مع عدم التجاوز عن العشرة حسناً جدّاً .
الخامسة : إنما يحكم بالتنفس في أيام العادة للمعتادة أو العشرة لغيرها مع وجود الدم فيها ، بل أو في طرفيها ، على الأظهر المصرّح به في كلام جماعة ، وهو المحكي عن المبسوط ، والخلاف ، والإِصباح ، والمهذب ، والجواهر (١) ، والسرائر ، والجامع ، والشرائع ، والمعتبر (٢) ، بل الظاهر كونه إجماعياً .
لاستصحاب التنفس ، وإطلاق صحيحة ابن مسلم : « أقلّ ما يكون : عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم » (٣) .
وتردّد فيه بعض متأخّري المتأخّرين (٤) ، بناء على تجويزه أقلّية الطهر المتخلّل في الحيض عن العشرة . وهو ضعيف .
ومنهم مَن تردّد في ثبوت حدّ لأقلّ الطهر في النفاس ؛ لعدم الدليل (٥) .
وهو محجوج بالصحيحة وما بمضمونها .
ولو رأته في أحد الطرفين خاصة فلا شك في عدم تنفسها في الخالي عن الدم متقدّماً أو متأخّراً ، ولا في تنفسها وقت الدم .
أمّا إن كان هو الطرف الأول : فظاهر .
وإن كان الآخر : فلظاهر الإِجماع ، وعموم مفهوم موثّقة عمّار ، المتقدّمة (٦) الدالّة على نفاسية كلّ دم خارج إذا ولدت ، خرج ما يخرج بعد مضي أكثر النفاس
__________________
(١) المبسوط ١ : ٦٩ ، الخلاف ١ : ٢٤٨ ، المهذب ١ : ٣٩ ، جواهر الفقه : ١٧ .
(٢) السرائر ١ : ١٥٥ ، الجامع : ٤٥ ، الشرائع ١ : ٣٥ ، المعتبر ١ : ٢٥٦ .
(٣) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٢ الوسائل ٢ : ٢٩٧ أبواب الحيض ب ١١ ح ١ .
(٤) الحدائق ٣ : ٣٢٥ .
(٥) الذخيرة : ٧٩ .
(٦) في ص ٤٣ .
بالإِجماع فيبقى الباقي . وتخصيص دلالتها بما كان عقيب الولادة عرفاً ، ومنعه في بعض صور المورد لا وجه له .
ولو رأته في أحدهما والوسط ، فتنفس بوقت الدمين وبما بينهما أيضاً ؛ لما سبق .
السادسة : لو لم تر دماً إلّا بعد العشرة فليس من النفاس على المختار في عدد الأكثر ، وبه صرّح جماعة (١) ؛ لأنّ ابتداء الحساب من الولادة دون الرؤية ، وإلّا لم تتحدّد مدة التأخير ، وتدلّ عليه قويّة مالك (٢) ، وهي وإن وردت في ابتداء أيام العادة إلّا أنه لا قول بالفصل ألبتة .
ويؤيّده قوله في خبر الفضلاء : « إنّ أسماء سألت عن الطواف بالبيت والصلاة ، قال : منذُ كَم ولدت ؟ » (٣) .
ومنه يظهر أنه لو رأته المعتادة لأقلّ العشرة قبلها وبعد العادة فليس من النفاس أيضاً ، وفاقاً ظاهراً لكلّ من اعتبر العادة مع التجاوز عن العشرة . وعلى الأظهر بدونه . وإن كان ظاهر الأكثر خلافه ، بل قيل بإشعار بعض العبارات بالإِجماع عليه (٤) ، ولا دليل له . وحكاية الإِشعار المذكورة لا تصلح لتقييد إطلاق القويّة التي هي دليلنا على عدم تنفسها .
لا ما ذكره بعضهم ـ بعد التردّد في نفاسية ما نحن فيه ـ دليلاً له من الشك في صدق دم الولادة عليه ، مع كون وظيفتها الرجوع إلى العادة التي لم تر فيها شيئاً (٥) ؛ إذ لا دليل على إناطة الحكم بدم الولادة سوى ما قد يفسّر النفاس به في
__________________
(١) منهم القاضي في المهذب ١ : ٣٩ ، وابن سعيد في الجامع : ٤٥ .
(٢) المتقدمة في ج ٢ : ٤٩٧ ، وتقدم مصدرها في ص ٥٣ من هذا المجلّد أيضاً .
(٣) التهذيب ١ : ١٧٩ / ٥١٤ ، الوسائل ٢ : ٣٨٨ أبواب النفاس ب ٣ ح ١٩ .
(٤) الرياض ١ : ٥١ .
(٥) قال في الرياض ١ : ٥١ : للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع إلى أيّام العادة . . .
كلام الأصحاب : بأنه دم الولادة ، ومجرّد ذلك لا يصير مرجعاً للأحكام ، مع أنه يكتفي في الإِضافة بأدنى الملابسة .
بل المناط الإِجماع والأخبار ، ولا شك في دلالة مفهوم الموثّقة (١) على نفاسية هذا الدم .
مع أنه لو كان موجباً للاستشكال ، لما اختصّ بما ذكر ، بل يجري في غير المعتادة ومعتادة العشرة إذا رأت في العاشر ؛ لعدم تفاوت الصدق بكونها معتادة أو غير معتادة . بل في معتادة الثمانية مثلاً لو رأت في الثامن ؛ لاتّحاد منشأ التشكيك .
وأمّا أخبار الرجوع إلى العادة : فهي إنّما وردت فيمن رأت الدم في أيامها ، أو في النفساء فيها ، فلا دلالة لها على مَن لم تر الدم ، أو لم تكن فيها نفساء .
السابعة : لو رأت الدم بعد انقضاء أيام نفاسها متّصلاً معها أو منفصلاً ، فإن كان بعد تخلّل أقلّ الطهر بينها وبينه ، فحكمها حكم غير النفساء من التحيّض به وعدمه ، فتتحيّض المعتادة لو صادف العادة ، وغيرها إن جامع الوصف ، ولا تتحيّض بدونهما على ما مرّ .
وإن لم يتخلّل فلا تتحيّض وإن صادف العادة أو الوصف ؛ لقوله عليه السلام في رواية يونس ـ بعد أمر النفساء بالقعود أيام القرء والاستظهار تمام العشرة ـ : « فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة » (٢) الحديث .
وقوله في القوية : « فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها » (٣) إلى غير ذلك .
ولو عورضت بأخبار الوصف والعادة ، لم تنفع أيضاً ؛ لوجوب الرجوع إلى أصالة عدم التحيّض ، مضافاً إلى صحيحة ابن مسلم ، المتقدّمة (٤) .
__________________
(١) أي موثقة عمّار المتقدمة في ص ٤٣ .
(٢) التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢ ، الوسائل ٢ : ٣٨٣ أبواب النفاس ب ٣ ح ٣ .
(٣) تقدم مصدرها في ص ٥٣ .
(٤) في ص ٥٤ .
الثامنة : ذات التوأمين فصاعداً إن رأت الدم مع أحدهما خاصة ، فهو نفاسه إن اجتمع معه شرائطه . وإن لم يجمعها لم يكن له نفاس .
وإن رأته معهما مجتمعَين للشرائط ، فإن لم يتجاوز جميعهما عن أقصى النفاس واتّصل الدمان فلا إشكال ، إلّا في تعيين كونهما نفاساً واحداً أو نفاسين ، ولا تترتّب عليه فائدة .
وإن لم يتّصلا فيحصل الإِشكال في أيام النقاء ، فإن جعلناهما نفاساً واحداً للاستصحاب وقضية أقلّ الطهر تكون فيها نفساء ، وإن جعلناهما نفاسين كما هو مقتضى مفهوم قوله : « تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط » في صحيحة ابن يقطين (١) تكون فيها طاهرة . والأمران محتملان ، إلّا أن يدفع الاستصحاب بالمفهوم ، ويمنع اشتراط تخلّل أقلّ الطهر بين النفاسين ، كما صرّح به الفاضل الهندي (٢) ، فيتعيّن الثاني حينئذٍ .
ولكن لا أرى دليلاً تاماً لتخصيص عمومات أقلّ الطهر ـ التي منها صحيحة ابن مسلم ، الشاملة للنفاسين أيضاً ـ بغير ذلك المورد ، فلا ينبغي ترك الاحتياط .
وإن تجاوز المجموع عن الأقصى ، فمع تخلّل أكثر النفاس بين أولهما وإن كان بعيداً يكونان نفاسين ؛ لعدم إمكان جعلهما نفاساً واحداً ، وهو ظاهر ، ولا تخصيص أحدهما بالنفاس ، لعمومات التنفس بالولادة ، فيؤخذ الأقصى لكلّ منهما من أوله ، ويكون الزائد عن الأقصى المتخلّل بينهما طهراً وإن نقص عن أقلّه ، إذ لا يمكن جعله نفاساً ، ولا إخراج الثاني عن النفاسية ، لمخالفتهما الإِجماع وعمومات أقصى النفاس ونفاسية دم الولادة .
ومع عدم تخلّله بين الأولين فيحتمل تعدّد النفاس ، فيكون لكلّ منهما
__________________
(١) تقدم مصدرها في ص ٤٦ .
(٢) كشف اللثام ١ : ١٠٥ .
حكمه ووحدته ، فيسقط الزائد عن الأقصى من الآخر .
وعن الناصريات (١) ، والمبسوط ، والخلاف ، والوسيلة (٢) ، والمهذب ، والجواهر ، والسرائر (٣) ، والإِصباح ، والجامع ، والشرائع (٤) : جعل كلٍّ منهما نفاساً على حدة ، فبدأ بالنفاس من الأول وتستوفي العدد من الثاني .
ولم أعثر له على دليل ، والاستناد إلى العمل بالعلّة (٥) عليل .
وحكم الأجزاء المنقطعة من الولد الواحد حكم التوأمين ، فتأمل .
البحث الثاني : في أحكامه :
قالوا : النفساء كالحائض في كلّ حكم واجب ، ومندوب ، ومحرّم ، ومكروه ، ومباح ، بلا خلاف فيه بين أهل العلم ، كما في المنتهى والتذكرة ، والمعتبر (٦) ، وبالإِجماع ، كما في اللوامع .
والظاهر كونه إجماعياً ؛ فهو الحجة فيه .
مضافاً في تحريم الصلاة إلى المستفيضة من النصوص (٧) ، وفي حرمة الوطء إلى القوية (٨) ، وفيهما وفي حرمة الصوم ، وفي وجوب قضاء الصوم دون الصلاة إلى المروي في الدعائم المنجبر ضعفه بما مرّ : روينا عن أهل البيت عليهم السلام :
__________________
(١) نقله عنه في كشف اللثام ١ : ١٠٥ ، قال في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١ والذي يقوي في نفسي أن النفاس يكون من مولد الأول . فتأمل .
(٢) المبسوط ١ : ٦٩ ، الخلاف ١ : ٢٤٧ ، الوسيلة : ٦٢ .
(٣) المهذب ١ : ٣٩ ، جواهر الفقه : ١٧ ، السرائر ١ : ١٥٦ .
(٤) الجامع : ٤٥ ، الشرائع ١ : ٣٥ .
(٥) المنتهى ١ : ١٢٦ ، التذكرة ١ : ٣٦ ، المعتبر ١ : ٢٥٧ .
(٦) انظر الوسائل ٢ : ٣٨٢ أبواب النفاس ب ٣ .
(٧) قال في الحدائق ٣ : ٣٣٢ قد صرح جملة من الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأن ذات التوأمين فصاعداً يتعدد نفاسها عملاً بالعلة لانفصال كل من الولادتين عن الأخرى فلكل نفاس حكم نفسه .
(٨) قوية مالك بن أعين المتقدم مصدرها في ج ٢ : ٤٩٧ وص ٥٢ ، ٥٣ من هذا المجلّد .
« إن المرأة إذا حاضت أو نفست حرمت عليها أن تصلّي وتصوم ، وحرم على زوجها وطؤها حتى تطهر من الدّم » إلى أن قال : « فإذا طهرت كذلك قضت الصوم ولم تقض الصلاة ، وحلّت لزوجها » (١) .
وفي جميع المستحبات والمكروهات إلى الإِجماعات المنقولة الكافية في إثباتهما ، وفي المباحات إلى الأصل .
وقد يستدلّ أيضاً للجميع : بكون النفاس دم الحيض المُحتبس .
وبصحيحة زرارة ، وفيها ـ بعد حكمه عليه السلام بقعود النفساء بقدر حيضها واستظهارها بيومين ، وعمل المستحاضة بعد ذلك ـ : قلت : فالحائض ؟ قال : « مثل ذلك سواء » (٢) .
وفيهما نظر .
أمّا الأول : فلمنع إيجاب ذلك للاتّحاد في جميع الأحكام .
وأمّا الثاني : فلأنه ظاهر في المثلية والتساوي فيما ذكر قبل ذلك لا في كلّ حكم .
ثم المراد بالتساوي المذكور أصالته ، فلا ينافي ثبوت الاختلاف في بعض الأحكام بدليل ، كما في الأقلّ عند الكلّ ، وفي الأكثر عند البعض ، وفي الرجوع إلى وقت العادة والتمييز والنساء والروايات ، واشتراط تخلّل أقلّ الطهر مطلقاً ، والدلالة على البلوغ ، وامتناع المجامعة مع الحمل عند بعض القائلين بالامتناع في الحيض ، والمدخلية في انقضاء العدة إلّا في النادر (٣) .
__________________
(١) دعائم الإسلام ١ : ١٢٧ ، المستدرك ٢ : ٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٤ .
(٢) الكافي ٣ : ٩٩ الحيض ب ١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٣٧٣ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ .
(٣) كما في الحامل من الزنا إذا طلقها زوجها ، فإنه لو تقدمها قرءان سابقان على الوضع بناءً على مجامعة الحيض للحمل ثم رأت بعد الوضع نفاساً عدّ في الأقراء وانقضت به العدة ، ولو لم يتقدمه قرءان عد في الأقراء . الحدائق ٣ : ٣٢٦ .
الفصل الخامس : في غسل المس
وهو يجب على من مسّ ميتاً آدمياً ، على الحقّ المشهور جدّاً ؛ للمستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحة محمد : الرجل يغمض الميت أعليه غسل ؟
فقال : « إذا مسّه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل » (١) .
وصحيحة عاصم : « إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل » (٢) .
وفي صحيحة ابن جابر بعد سؤاله أنّ من مسّه فعليه الغسل : « أما بحرارته فلا بأس ، إنما ذاك إذا برد » (٣) .
وفي صحيحة معاوية : « إذا مسّه وهو سخن لا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل » (٤) .
وفي حسنة حريز : « وإن مسّه ما دام حاراً فلا غسل عليه ، فإذا برد ثمّ مسّه فليغتسل » (٥) .
وخبر سماعة : « غسل من مسّ ميتاً واجب » (٦) إلى غير ذلك .
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٦٠ الجنائز ب ٣١ ح ٢ وفيه : يغمض عين الميت . . . التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٤ الوسائل ٣ : ٢٨٩ أبواب غسل المس ب ١ ح ١ .
(٢) التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٢٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ أبواب غسل المس ب ١ ح ٣ .
(٣) التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٦ ، الوسائل ٣ : ٢٩٠ أبواب غسل المس ب ١ ح ٢ .
(٤) التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٧ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ أبواب غسل المس ب ١ ح ٤ .
(٥) الكافي ٣ : ١٦٠ الجنائز ب ٣١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٨ / ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٩٩ / ٣٢١ الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب غسل المس ب ١ ح ١٤ .
(٦) الكافي ٣ : ٤٠ الطهارة ب ٢٦ ، ح ٢ الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ الوسائل ٣ : ٢٩٣ أبواب غسل المس ب ١ ح ١٦ .