أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
وإطلاق الآيتين ، وعمومات توسيع الوقت وأفضلية أوّله ، وإطلاق ما دلّ على أنّ الصعيد كالماء وبمنزلته ، وأنه أحد الطهورين (١) .
والأخبار الكثيرة ـ بل القريبة من التواتر ـ الظاهرة في الجواز المطلق من حيث الدلالة على أنّ من تيمّم وصلّى ثم وجد الماء لا إعادة عليه ، وهي بين مطلقة بل عامة بترك الاستفصال لمن وجده في الوقت ، كالصحاح الأربعة للعيص وعبيد الله بن علي الحلبي وابني مسلم وسنان (٢) ، وحسنة الحلبي (٣) ، وخاصة مصرّحة بعدم الإِعادة مع الوجدان في الوقت ، كصحيحة زرارة (٤) ، وموثّقتي أبي بصير ويعقوب (٥) ، وروايتي معاوية بن ميسرة وعلي بن سالم (٦) .
وحملها على كون الصلاة في الوقت دون إصابة الماء ـ مع بُعده ـ غير جارٍ في الجميع ، كالحمل على الجاهل باعتبار الضيق مع معذورية الجاهل في ذلك الحكم ، أو على من شرع في الصلاة وقد وجد الماء في أثنائها بحيث ينقضي الوقت
__________________
(١) انظر : الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٣ .
(٢) صحيحة العيص : التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٦ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٦ ، صحيحة الحلبي : الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، المحاسن : ٣٧٢ / ١٣٢ بتفاوت يسير ، ـ الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١ ، صحيحة ابن مسلم : التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٧ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٥ . صحيحة ابن سنان : التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٧ .
(٣) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٣٦٧ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٤ .
(٤) التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٢ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٩ .
(٥) موثقة أبي بصير : التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٥ ، الوسائل ٣ : ٣٦٩ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١١ ، موثقة يعقوب : التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٣ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٤ .
(٦) رواية معاوية بن ميسرة : التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٤ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٣ ، رواية علي بن سالم : التهذيب ١ : ٢٠٢ / ٥٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٢ ، الوسائل ٣ : ٣٧١ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٧ .
بإتمامها .
وتضعيفها بالمعارضة مع ما دلّ على الإِعادة لو وجد الماء قبل خروج الوقت (١) ضعيف ؛ لخلوّه عن الدالّ على الوجوب ، وظهوره في كون علّة الإِعادة وجدان الماء ، ولو وجب التأخير ، لكانت العلّة عامةً ، ودلالته على خلاف المطلوب باعتبار إطلاق نفيه الإِعادة مع الوجدان خارج الوقت .
وللمستفيضة الواردة في أنّ المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة ينصرف ، كصحيحة زرارة (٢) ، وحسنة ابن عاصم (٣) ، وغيرهما ، فإنه مع وجوب التضيّق لا معنى لذلك التفصيل ، كيف ويقولون بالتيمّم لضيق الوقت مع وجود الماء ؟ !
ولتعليق التيمّم بالجنابة ، أو بها مع فقد الماء في المستفيضة (٤) ، فلا يتقيّد بغير الأمرين .
ولما دلّ على شرعية التيمّم بمجرّد حضور الصلاة (٥) ، وعلى أنّ من تيمّم يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء (٦) .
ولاستلزام التأخير المطلق للعسر ، سيما في الأوقات التي لا يعلم أواخرها إلّا بالترصّد ، وخصوصاً في العشاء ، وسيما لذوي الأمراض ، وإيجابه لتفويت كثير من المستحبات ، بل تضييع خصوص العبادة .
وللمستفيضة المجوّزة لصلاة الليل والنهار بتيمّم واحد (٧) .
__________________
(١) انظر : الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٨ و ١٠ .
(٢) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨٠ ، الوسائل ٣ : ٣٨١ أبواب التيمم ب ٢١ ح ١ .
(٣) الكافي ٣ : ٦٤ الطهارة ب ٤١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ / ٥٩١ ، الوسائل ٣ : ٣٨١ أبواب التيمم ب ٢١ ح ٢ .
(٤) انظر : الوسائل ٣ : أبواب التيمم ب ٥ و ٩ و ١٤ .
(٥) انظر : الوسائل ٣ : ٣٤٢ أبواب التيمم ب ٢ ح ١ .
(٦) انظر : الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ .
(٧) انظر : الوسائل ٣ : ٣٧٩ أبواب التيمم ب ٢٠ .
وللصحيح : في إمام قوم أصابته جنابة وليس معه ماء يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم ؟ قال : « لا ، ولكن يتيمّم الجنب ـ الإِمام ـ ويصلّي بهم » (١) فإنّه يبعد الأمر بتأخير المأمومين إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإِمام المتيمّم مع وجود إمام متوضّئ .
وحملها على وقوع الإِمام والمأمومين في الضيق اتّفاقاً بعيد جداً ، مع غلبة وقوع الجماعة في أول الوقت .
والكلّ ضعيف ، بل لا دلالة لغير أخبار عدم الإِعادة أصلاً .
أمّا الأصل : فلأنّه مع الخلاف كما مرّ (٢) ، وأصالة عدم وجوب التأخير فرع ثبوت جواز التقديم .
وأمّا العامي : فلعدم حجيته ، مع ما فيه من ضعف الدلالة كما يظهر .
وأمّا إطلاق الآيتين : فلأنهما لا تدلّان إلّا على مشروعية التيمم ، لا على مشروعيته في كلّ وقت ، إلّا أن تضمّ أصالة عدم التوقيت بوقت خاص ، ولكن أين الأصل [ السالم ] من معارضة الأخبار .
نعم ، في قوله تعالى : ( إِذَا قُمْتُمْ ) في إحداهما (٣) دلالة على جوازه حين القيام إليها مطلقاً .
ولكن فيه : أنّ المستفاد منه مشروعيته حين القيام إلى الصلاة المشروعة ، أمّا على كون الألفاظ أسماءً للصحيحة فظاهر ، وأمّا على الأعم : فللاتّفاق على عدم وجوب التطهّر إلّا للصلاة المشروعة ، والكلام بعدُ في مشروعيتها في أول الوقت للمتيمّم .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٦٦ الطهارة ب ٤٢ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢ .
(٢) راجع ص ٤٥٩ .
(٣) المائدة : ٦ .
فإن قيل : تثبت المشروعية بقوله سبحانه : ( لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (١) .
قلنا : هو مخصّص بآيتي التطهير قطعاً ، فالمعنى : أقم الصلاة لدلوك الشمس بعد التطهّر ، فقدر زمان التطهّر خارج بالقطع ، ولا يعلم قدره في المورد ، فإثبات مشروعية الصلاة يتوقّف على مشروعية التطهّر وبالعكس .
ومنه يظهر وجه ضعف عمومات التوسيع وأفضلية أول الوقت ؛ لاختصاصها بغير زمان التطهّر قطعاً ، مع أنّ أكثر أهل المواسعة حملوا أخبار المضايقة على الاستحباب ، وهو منافٍ لأفضلية أول الوقت .
وأمّا عموم المثلية والمنزلة : فلما مرّ مراراً .
وأمّا أخبار التيمّم إذا وجد الماء في الأثناء : فلمعارضتها مع ما دلّ على عدم الانصراف بمجرد الدخول في الصلاة (٢) .
مع أنه غير منافٍ للمضايقة أصلاً ؛ لأنّ المراد منها ليس إلّا آخر الوقت عرفاً ، وهو لا ينافي توسعته لمقدار الطهارة ، ولذا لا مضايقة في الانصراف لكثير من أهل المضايقة ، سيما مع ما في بعض الأخبار من أنه يتوضّأ ويبني (٣) ، وسيما مع أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدركه .
وأمّا تعليق التيمّم بما ذكر : فلا شك في أنه مقيد بوجوب الصلاة أيضاً ، وهو عين النزاع ، فإن أثبته بعمومات التوسيع ، رجع إليها ، وقد مرّت .
ومنه يظهر ما في إطلاق تشريع التيمّم بمجرّد حضور الصلاة ، مع أنّ في صدق الحضور والدرك بمجرد دخول الوقت كلاماً يأتي في بحث أوقات الصلوات .
وأمّا إجزاء التيمّم لمن يتيمّم إلى أن يجد الماء ولو في أول الوقت : فهو لا ينافي
__________________
(١) الإِسراء : ٧٨ .
(٢) انظر : الوسائل ٣ : ٣٨٢ أبواب التيمم ب ٢١ ح ٣ و ٤ .
(٣) انظر : الوسائل ٣ : ٣٨٣ أبواب التيمم ب ٢١ ح ٥ .
وجوب تأخيره لغير المتيمّم ، بل هو مسألة اُخرى تأتي (١) .
ومنه يظهر ما في الاستدلال بمجوّزات صلاة الليل والنهار بتيمّم واحد .
وأمّا لزوم العسر : فممنوع جدّاً ، سيما على القول بجواز الصلاة أول الوقت لمن دخله متيمّماً لصلاة اُخرى ، أو بجواز التيمّم مع نذر ركعتين في وقت معين وغير ذلك ممّا يأتي .
والقول بأنه على ذلك تسقط فائدة الأمر بالتأخير ، يشبه القول بأنه مع سهولة ارتكاب حيل تسقط شفعة الشفيع والربا تسقط فائدة تشريع الأول وتحريم الثاني .
وأمّا حديث تفويت المستحبات فهو خطابي شعري لا التفات إليه .
وأمّا الصحيحة الأخيرة ففيها : أنه لا بُعْد في استحباب تأخير المأمومين لإِدراك الجماعة ، مع أنه يمكن أن يكونوا أيضاً متيمّمين ، ويشعر به قوله : « أيتوضّأ بعضهم » سيما مع نفيه إمامة المتوضّئ وأمره إمامة المتيمّم الذي لا أقلّ من الرجحان مع كراهية إمامة المتيمّم للمتطهّر .
فلم يبق إلّا أخبار الإِعادة ، وجوابها : أنّها أعم مطلقاً من أخبار المضايقة ؛ إذ ليس المراد بآخر الوقت فيها وقت منطبق آخره بآخر الفريضة ، لأنّه تكليف بالمحال ، ولا يقول به أهل المضايقة ولا بوجوب الاقتصار على أقل الواجب .
بل المراد : الآخر العرفي ، كما عليه يحمل سائر الألفاظ ، وهو لا ينافي زيادة شيء من الوقت ، مع أنّ المعول ظنّ المكلّف وتخمينه ، كما هو مقتضى قوله في بعض أخبار المضايقة « فإن خاف أن يفوته الوقت » وهو لا ينافي التخلّف سيما في حق العوام .
هذا ، مع أنّ المذكور في بعض أخبار المواسعة : بقي شيء من الوقت ، أو وقت ، وهو دالّ على القلّة ، فلا ينافي التخمين أو الآخر العرفي ، سيما مع أنّ بقاء
__________________
(١) انظر ص ٤٦٨ .
وقت يكفي فيه مقدار ركعة .
هذا ، مع أنّ لها عموماً آخر ، وهو شمولها لمن صلّى في السعة بالتيمّم الواقع قبل وقتها لصلاة اُخرى في آخر وقتها ، والقول بالجواز فيه معروف كما يأتي .
وعلى هذا فتخصّص تلك الأخبار بأخبار المضايقة قطعاً .
وتوهّم عمومها أيضاً باعتبار شمولها لمن قطع بوجدان الماء إلى آخر الوقت فاسد ؛ لظهور الجميع أو الأكثر في عدم القطع بذلك ، كما هو مقتضى قوله : « لم يجد الماء » و « لم يصبه » و « إن فاتك » .
ثم لو سلّم ذلك حتى يكون بينهما عموم من وجه ، أو عدم عموم أخبار المواسعة حتى يكون بينهما التساوي ، فالترجيح أيضاً للمضايقة ؛ لمخالفة جميع العامة ، كما ذكره جمع من الخاصة (١) .
ومنه يظهر ترجيحها أيضاً لو توهّم موافقة المواسعة لإِطلاق الآيتين ؛ لتكافؤ الترجيحين وبقاء الأصل مع المضايقة .
ومن جميع ما ذكر يظهر المناص لو سلّمت دلالة بعض العمومات المتقدمة على المواسعة أيضاً .
الثالث : التفصيل بالأول مع رجاء زوال العذر ، والثاني مع عدمه . وهو عن الإِسكافي وظاهر العماني (٢) ، والتذكرة والقواعد وشرح القواعد وفخر المحقّقين واللمعة (٣) ، ووالدي العلّامة ، بل أكثر المتأخّرين كما في شرح القواعد ، واستجوده في المعتبر (٤) .
للجمع بين أخبار الطرفين ، مع ظهور الرجاء من التعليل في أكثر أخبار
__________________
(١) راجع ص ٤٦٠ .
(٢) حكى عنهما في المعتبر ١ : ٣٨٣ .
(٣) التذكرة ١ : ٦٤ ، القواعد ١ : ٢٣ ، جامع المقاصد ١ : ٥٠٠ و ٥٠١ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٧٠ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٦٠ .
(٤) المعتبر ١ : ٣٨٤ .
التضيق بقوله : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » فإنّ مقتضاه الشك في الفوات ، مع أنه مع العلم بعدم زوال العذر يكون الأمر بالتأخير لغواً عبثاً .
ويردّ : بأن الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بغيره أيضاً مما ذكره أرباب القولين .
وأمّا حديث ظهور التعليل في الرجاء فإنما هو إذا جعل جملة « إن فاتك » من باب الشرط والجزاء ، ويمكن أن يكون من قبيل : إن فاتك اللحم لم يفتك المرق ، لمن حصل له المرق دون اللحم ، وإن ذهب مالك لم يذهب أجرك ، لمن غصب ماله ، بل هو الظاهر والملائم للفظة لم ولن في الجواب ، مع أنّه لو سلّم ظهور ما تضمّن للتعليل فيه لا يقدح في عموم ما لا يتضمّنه .
وأمّا حديث لزوم لغوية التأخير فمما لا يصلح للإِصغاء إليه ، فإنه لم يعلم أنّ علة التأخير زوال العذر ، فلعلّها أمر آخر لا نعلمه .
فروع :
أ : الظاهر عموم وجوب التأخير لجميع الأعذار ، وعدم اختصاصه بعدم الماء وإن اختصّ أكثر أخبار المضايقة به ؛ لإِطلاق موثّقة ابن بكير بل عمومها (١) . وفوات الماء فيها لا ينحصر في عدمه ، بل يعم عدم إمكان استعماله ، وكذا الرضوي (٢) ، المنجبر ضعفه بعدم القول بالفصل المحقّق والمحكي في الروض (٣) ، واللوامع .
وظاهر المعتبر التردّد (٤) ، كظاهر الحدائق (٥) ، بل مال في الأخير إلى المواسعة إذا كان العذر غير فقد الماء ؛ لاختصاص أكثر أخبار الباب ووجوب حمل البواقي
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٥ ، الوسائل ٣ : ٣٨٤ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ٣ .
(٢) فقه الرضا (ع) : ٨٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٤٧ أحكام التيمم ب ١٧ ح ١ .
(٣) روض الجنان : ١٢٢ .
(٤) المعتبر ١ : ٣٨٤ .
(٥) الحدائق ٤ : ٣٦٥ .
عليه . ولا وجه له .
ب : لو ظنّ الضيق وتيمّم وصلّى ، ثم بان خطؤه زائداً على ما يتسامح لم يعد ، وفاقاً للمعتبر والدروس (١) ؛ لأنّه تطهّر طهارة شرعية وصلّى صلاة مأموراً بها ، وللأخبار المتقدّمة الدالّة على عدم الإِعادة بالإِطلاق .
خلافاً للمحكي عن الشيخ في كتبه الأخبارية (٢) ؛ لأنّ شرط التيمّم التضيّق ، ولأنها صلاة واقعة قبل الوقت فتجب إعادتها .
ويجاب عن الأول : بأنّ الشرط التضيق بحسب علمه ، لأنّه المكلّف به وقد حصل ، بل ظاهر قوله : « فإن خاف فوت الوقت » أن الشرط ظنّ الضيق .
وعن الثاني : أنّ الثابت هو إعادة ما وقع قبل الوقت المحدود المعهود ، دون مثل ذلك .
ج : الظاهر من آخر الوقت آخره عرفاً ، أي ما يسمّى في العرف آخراً ؛ لأنّه مقتضى حمل الألفاظ على المعنى ، وهو وإن صدق على زمان أكثر ممّا يخاف معه الفوت إلّا أنه ـ لتصريح حسنة زرارة وروايته بخوف الفوات (٣) ـ تجب مراعاته ، ويكفي فيه ظنّه بل احتماله أيضاً .
د : لو دخل وقت صلاة وهو متيمّم ، جاز إيقاعها في أول وقتها ولو على المضايقة ، وفاقاً للمعتبر ـ وإن تردّد أخيراً ـ والمدارك والذخيرة واللوامع وعن المبسوط والمختلف (٤) ؛ لأنّ المانع من تقديمها أوامر تأخير التيمّم ، وهي مختصة صريحةً بالمحدث ، فتبقى عمومات الجواز في السعة في حقّ غيره سالمة عن
__________________
(١) المعتبر ١ : ٣٨٤ ، الدروس ١ : ١٣٢ .
(٢) انظر التهذيب ١ : ٢٠٣ ، والاستبصار ١ : ١٦٧ .
(٣) حسنة زرارة : الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ / ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٣ ، وروايته : التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦٠ ، الوسائل ٣ : ٣٦٧ أبواب التيمم ب ١٤ ذيل الحديث ٣ .
(٤) المعتبر ١ : ٣٨٣ ، المدارك ٢ : ٢١٢ ، الذخيرة : ١٠١ ، المبسوط ١ : ٣٣ و ٣٤ ، المختلف : ٥٤ و ٥٥ .
المخصّص . ولا يفيد قوله في الحسنة : « فليصلّ في آخر الوقت » لأنّ المستتر فيه راجع إلى المسافر المحدث بقرينة قوله « فليتيمّم » .
وقد يستشهد أيضاً : بما دلّ على صحة الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد (١) .
وفيه : أنه لا يدلّ على إيقاعها في أول أوقاتها ، بل فيه ردّ على بعض العامة حيث قال : إنّ لكلّ صلاة تيمّماً على حدة (٢) ، وهو خلاف إجماع الشيعة .
خلافاً لصريح البيان وظاهر الدروس (٣) ، فأوجب تأخيرها على القول بالمضايقة والتفصيل مع الرجاء ، واختاره بعض مشايخنا المحقّقين (٤) ؛ لأنّ علّة التأخير إمكان زوال العذر ، وهو متحقّق في المقام ؛ ولأنه كان تأخير التيمّم والصلاة واجباً ، ولا يلزم من انتفاء التأخير بالنسبة إلى التيمّم لسبق فعله انتفاؤه بالنسبة إلى الصلاة ، فيستصحب الحكم بالنسبة إليها .
وفي الأول : ما مرّ من منع التعليل ، مع أنه لو سلّم فهو علّة لتأخير التيمّم والصلاة دون الصلاة فقط .
والقول بأن التيمّم ليس مقصوداً بالذات ، والغرض حقيقة مراعاة حال الصلاة وإيقاعها على أتمّ ما يمكن ، يشبه القياسات والاستنباطات العامية .
وفي الثاني : أنّ المسلّم وجوب تأخير الصلاة على غير من دخل الوقت متيمّماً ، وأمّا بالنسبة إليه فلا .
وممّا ذكر يعلم جواز إيقاع الصلاة في أول الوقت مع ظنّ زوال العذر في آخره ، بل ومع القطع أيضاً ، وأمر الاحتياط واضح .
هـ : يتيمّم للفائتة ـ فريضةً كانت أو نافلةً ـ في كلّ وقت تذكّر وأراد فعلها ، أمّا على القول بالمضايقة في القضاء فظاهر ، وأمّا على التوسعة : فلعمومات جواز
__________________
(١) كما في الحدائق ٤ : ٣٦٤ .
(٢) الاُم للشافعي ١ : ٤٧ .
(٣) البيان : ٨٦ ، الدروس ١ : ١٣٢ .
(٤) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
فعلها متى ذكرها ، وإطلاق الآيتين ، وأخبار التيمّم مع أصالة عدم التوقيت لها بوقت .
خلافاً للبيان ، فقال : لا يتيمّم للفائتة ؛ لأنّ وقتها العمر ، فتشملها أخبار التأخير إلى آخر الوقت (١) .
وفيه : أنّ هذا التحديد غير مستفاد من التوقيت ، بل هو من مقتضيات عدم الفورية ، ومثل ذلك ليس وقتاً بل يجوز التيمّم في كلّ وقت لمن عليه فائتة ولو لم يرد فعلها ؛ لأنّ وجوبها عليه مستلزم لوجوب مقدمتها التي هي التيمّم مع العذر ، فلا مناص من القول إمّا بعدم وجوب الفائتة حين العذر ، أو بوجوب مقدمتها أيضاً ، والأول ظاهر الفساد بالإِجماع والعمومات ، فتعيّن الثاني .
ومثلها ما لا وقت لها محدود شرعاً من الصلوات الواجبة كالنذر المطلق ، أو النافلة كذات الأسباب الغير الموقّتة أو المبتدأة ؛ لما ذكر مع إطلاق ما دلّ على وجوبها أو استحبابها .
خلافاً في الأخيرة للمعتبر والمنتهى والتذكرة (٢) ، فلم يجوّزوا التيمّم لها في الأوقات المكروهة لها ، بل الثاني لم يجوّزه فيها لقضاء الرواتب أيضاً ؛ لأنّها ليست بوقت لها .
وضعفها في غاية الوضوح ؛ فإنّها لو لم يكن وقت لها لكانت باطلةً لو وقعت فيها ولو بالوضوء ، وهو خلاف الإِجماع بل هي أوقات لها مرجوحة بالنسبة إلى سائر الأوقات .
وأمّا ما له وقت كالنذر الموقت والنوافل اليومية والآيات والعيدين : فمقتضى إطلاق أخبار المضايقة في التيمّم عدم صحتها إلّا في آخر أوقاتها ، ودعوى ظهورها في الفرائض اليومية غير مسموعة .
__________________
(١) البيان : ٨٦ .
(٢) المعتبر ١ : ٣٨٣ ، المنتهى ١ : ١٥٠ ، التذكرة ١ : ٦٤ .
ولكن قيل : الظاهر عدم الخلاف في جواز التيمّم لكلٍ منها في حال إيقاعها (١) . فإن ثبت الإِجماع فهو ، وإلّا فالوقوف على الأخبار .
وكما لا يجوز التيمّم في شيء ممّا ذكر ممّا له وقت قبل آخر وقتها ، لا يجوز قبل الوقت أيضاً ؛ لوجوب [ التأخير ] (٢) فلا يتيمّم للعيدين قبل الطلوع ، ولا للخسوف قبل الشروع ، وهكذا .
المسألة الثانية : متى تيمّم لواحد مما يجوز التيمّم له جاز له أداء كلّ صلاة دخل وقتها ؛ بالإِجماع ، والمستفيضة كصحيحة حماد : عن الرجل لا يجد الماء ، أيتيمّم لكلّ صلاة ؟ قال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (٣) .
وصحيحة زرارة : في رجل تيمّم ، قال : « يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء » (٤) .
ورواية السكوني : « لا بأس بأن يصلّي صلاة الليل والنهار بتيمّم واحد ما لم يحدث أو يصب الماء » (٥) .
ولا فرق بين ما إذا أتى بما يتيمّم ، أو لم يأت إذا تيمّم له . ولا يجب في الصلاة اللاحقة حينئذٍ تأخيرها إلى آخر وقتها إذا كانت موقّتةً كما مرّ (٦) ، وبذلك ينتفي العسر الذي ادّعي على القول بالمضايقة .
الثالثة : من يجب عليه الوضوء والغسل معاً ـ على القول بعدم كفاية الغسل وحده ـ فإن وجد الماء لأحدهما فقط ، أتى به وتيمّم للآخر ، ولا يسقط ما يتمكّن منه بسقوط ما لا يتمكّن ؛ للاستصحاب ، وأصالة عدم المرابطة بينهما .
__________________
(١) كما في الحدائق ٤ : ٣٦٧ .
(٢) في النسخ : التخيير ، والصحيح ما في المتن .
(٣) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٦ ، الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٣ ح ٢ .
(٤) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٧٩ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٣ ح ٣ .
(٥) التهذيب ١ : ٢٠١ / ٥٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٧ ، الوسائل ٣ : ٣٨٠ أبواب التيمم ب ٢٠ ح ٥ .
(٦) راجع ص ٤٦٨ .
ولو وجد بقدر ما يغتسل ، فهل يجب الغسل أو يجوز له الوضوء أيضاً ؟ الظاهر الثاني ؛ لعدم دليل على التعيين .
وإن لم يجد لشيء منهما فظاهر الأكثر ـ كما قيل (١) ـ كفاية تيمّم واحد لهما ، وجعله في المدارك الأظهر (٢) ، وهو كذلك .
وفي الذكرى عن بعض الأصحاب : وجوب تيمّمين ، ونفى هو البأس عنه (٣) ، واختاره طائفة من مشايخنا مستدلّين بأصالة عدم تداخل الأسباب (٤) .
وهي ممنوعة مع أنّ بعض الإِطلاقات يدفعها .
الرابعة : من صلّى بالتيمّم الصحيح لا يعيد مطلقاً ، وفاقاً للمعظم ، بل عليه استفاضة نقل الإِجماع في بعض صوره .
لإِتيانه بالمأمور به على وجهه فيجزي عنه ، وهو بدل عن المأمور به مع المائية قطعاً فيكفي عنه ، لكفاية البدل عن المبدل منه ، مع أنّ قضاءه بعد الوقت يتوقّف على أمر جديد ولا أمر .
وللنصوص المستفيضة المتقدمة أكثرها في الأمر الأول من الفصل الأول ، الدالّة إمّا على إجزاء الصلاة وعدم استئنافها مطلقاً ، كصحيحة ابن سنان (٥) ، وحسنة الحلبي (٦) ، ورواية الصيقل (٧) ، والصحاح الثلاث لمحمد وعبيد الله الحلبي
__________________
(١) لم نعثر على قائله .
(٢) المدارك ٢ : ٢٣٣ .
(٣) الذكرى : ١٠٨ .
(٤) كصاحب كشف الغطاء : ١٦٤ ، وبحر العلوم في الدرة النجفية : ٤٧ .
(٥) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٧ .
(٦) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٣٦٧ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٤ .
(٧) التهذيب ١ : ٤٠٦ / ١٢٧٧ ، الاستبصار ١ : ١٦٨ / ٥٨١ ، الوسائل ٣ : ٣٨٣ أبواب التيمم ب ١١ ح ٦ .
والعيص (١) ، المصرّحة بقوله : « لا يعيد » الذي هو أعم من القضاء لغةً ، أو على عدم وجوب الإِعادة في الوقت ، كصحيحة زرارة (٢) وموثّقة ابن أسباط عن عمّه (٣) ، وروايات أبي بصير وابن سالم وابن ميسرة (٤) ، أو على عدم وجوب القضاء كحسنة زرارة (٥) .
خلافاً للمحكي عن القديمين ، فأوجبا الإِعادة إذا بلغ الماء في الوقت (٦) ؛ لصحيحة يعقوب (٧) ، وموثّقة ابن حازم (٨) ، المتقدّمتين في البحث المذكور .
ويضعّفان : بالخلوّ عن الدالّ على الوجوب سيما الأخيرة ، مضافاً إلى
__________________
(١) صحيحة محمد : التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٧ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٥ ، صحيحة عبيد الله الحلبي : الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، المحاسن : ٣٧٢ / ١٣٢ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١ ، صحيحة العيص : التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٦ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٦ .
(٢) التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٦ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٩ .
(٣) التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٣ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٤ .
(٤) رواية أبي بصير : التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٥ ، الوسائل ٣ : ٣٦٩ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١١ ، رواية ابن سالم : التهذيب ١ : ٢٠٢ / ٥٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ ـ ٥٧٢ ، الوسائل ٣ : ٣٧١ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٧ ، رواية ابن ميسرة : التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٤٤ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٣ .
(٥) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ / ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٣ .
(٦) حكاه عنهما في الذكرى : ١١٠ .
(٧) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٩ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٥١ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٨ .
(٨) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٥٠ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٠ .
إطلاقها الخالي عن القائل ، والمرجوحية عمّا تقدّم من المعارضات بأشهريتها فتوىً وروايةً لو سلّمت الدلالة ، والرجوع إلى الأصل لو لم تسلّم المرجوحية .
وللمحكي عن السيد في شرح في الرسالة ، فأوجبها إذا تيمّم الحاضر لفقد الماء (١) .
ويمكن أن يكون مستنده معارضة ما دلّ على عدم الإِعادة مع بعض ما يظنّ دلالته على الإِعادة مطلقاً ، كموثّقة منصور ، وترجيح الأول في المريض والمسافر بموافقة الكتاب ، والثاني في غيرهما بالاحتياط والاشتغال .
أو رفع اليد عن الأخبار مطلقاً بناءً على أصله ، والعمل في المريض والمسافر بالكتاب ، وفي غيرهما بما ذكر .
والجواب على التقديرين ظاهر .
وعن النهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والمهذّب والإِصباح وروض الجنان (٢) ، فأوجبوا الإِعادة على المتيمّم للخوف على النفس إذا تعمّد الجنابة ، واستقربه في المدارك (٣) ؛ لصحيحة ابن سنان ومرسلة جعفر ، المتقدّمتين في الأمر السادس من الفصل الأول (٤) .
وهما غير ناهضتين لإِثبات الوجوب ، ولو سلّم فتخصيصهما بالمتعمّد ليس أولى من حملهما على الاستحباب .
__________________
(١) حكاه عنه المعتبر ١ : ٣٦٥ .
(٢) النهاية : ٤٦ ، المبسوط ١ : ٣٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٢ ، التهذيب ١ : ١٩٦ ، المهذب ١ : ٤٨ ، روض الجنان : ١١٦ ، ولم نعثر فيه على قوله بوجوب الاعادة ، بل الموجود فيه نسبة ذلك إلى الشيخ ، فراجع .
(٣) المدارك ٢ : ٢٤٠ .
(٤) صحيحة ابن سنان : الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٤ ، التهذيب ١ : ١٩٦ / ٥٦٨ ، الوسائل ٣ : ٣٧٢ أبواب التيمم ب ١٦ ح ١ ، مرسلة جعفر : الكافي ٣ : ٦٧ الطهارة ب ٤٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٩٦ / ٥٦٧ ، الاستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٩ ، الوسائل ٣ : ٣٦٧ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٦ .
وعن الإِسكافي (١) والشيخ (٢) وجملة ممّن تبعهما (٣) ، فأوجبوها على من تيمّم في الجامع لمنع الزحام إيّاه عن المائية .
لرواية السكوني : عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة ويوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال : « يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف » (٤) وقريبة منها موثّقة سماعة (٥) .
ويردّ ـ مع ما مرّ من عدم الدلالة على وجوب الإِعادة ولا على وجوب التيمّم والصلاة ـ أنّه لا يتعيّن أن يكون التيمّم والصلاة هو الفريضة ، فيمكن أن يكون هذا أمراً مستحباً غيرها ندب إليه حفظاً لسنة التقية ، حيث إنّ محل الزحام في ذلك العصر لم يكن إلّا للمخالفين .
وعن المبسوط والنهاية ، فيمن لم يكن له ماء وكان عليه نجاسة فتيمّم وصلّى (٦) .
لموثّقة الساباطي : في رجل ليس عليه إلّا ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه وليس يجد ماءً يغسله ، كيف يصنع ؟ قال : « يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماءً ، غسله وأعاد الصلاة » (٧) .
وهي عن إفادة الزائد عن الاستحباب قاصرة ، وهو مسلّم .
وهل استحباب الإِعادة من جهة نجاسة الثوب أو التيمّم أو هما معاً ؟ قضية الأصل تقتضي الأخير ، فلا تستحب إلّا باجتماعهما معاً .
__________________
(١) حكاه عنه في المختلف : ٥٠ .
(٢) النهاية : ٤٧ .
(٣) كابن حمزة في الوسيلة : ٧٠ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٥ .
(٤) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣٤ ، الوسائل ٣ : ٣٧١ أبواب التيمم ب ١٥ ح ١ .
(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٨ / ٦٧٨ ، الوسائل ٣ : ٣٧١ أبواب التيمم ب ١٥ ح ٢ .
(٦) المبسوط ١ : ٣٥ ، النهاية : ٥٥ .
(٧) التهذيب ١ : ٤٠٧ / ١٢٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ / ٥٨٧ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٣٩٢ أبواب التيمم ب ٣٠ ح ١ .
ولا ينافيه قوله : « غسله وأعاد » حيث إنّ الظاهر منه أنّ الإِعادة عند غسل النجاسة وإن لم يوجد الماء بقدر يكفي الطهارة ، فيستفاد منه أنّ السبب هو النجاسة ؛ لمنع الاستفادة ، لجواز أن يكونا معاً سببين ، واستحب الإِعادة برفعهما معاً أو رفع هذا الجزء بخصوصه .
الخامسة : من تعذّر له استعمال الماء مطلقاً ـ أي ولو للوضوء خاصة ـ ولم يكن متطهّراً ، جاز له تعمّد الجنابة إجماعاً ؛ لعدم وجوب المائية عليه ، وعدم التفرقة بين التيمّمين .
وكذا لو كان متطهّراً ، أو لم يتمكن من الغسل وتمكّن من الوضوء ، على الحق المشهور ، وفي المعتبر : الإِجماع عليه (١) ؛ للأصل .
وما تقدّم سابقاً من وجوب إبقاء مقدمة الواجب المطلق لا يفيد هنا ؛ لأنّ الوضوء ليس واجباً مطلقاً ، لأنّه مشروط بعدم الجنابة ، والغسل وإن كان واجباً مطلقاً للجنب ، ولكنه غير مقدور بالفرض .
ويدلّ عليه أيضاً : إطلاق موثّقة إسحاق بن عمّار : عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله ؟ قال : « ما أحبّ أن يفعل إلّا أن يخاف على نفسه » قال ، قلت : طلب بذلك اللذة ، ويكون شبقاً على النساء ، قال : « إنّ الشبق يخاف على نفسه » قال ، قلت : طلب بذلك اللذة ، قال : « هو حلال » (٢) الحديث ، ونحوه المروي في مستطرفات السرائر (٣) .
وقد يستدلّ : بحكاية أبي ذر ، حيث إنّ النبي صلّى الله عليه وﺁله أقرّه على فعله (٤) .
__________________
(١) المعتبر ١ : ٣٩٧ .
(٢) الكافي ٥ : ٤٥٩ النكاح ب ٤٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٥ / ١٢٦٩ ، الوسائل ٢٠ : ١٠٩ أبواب مقدماته ( النكاح ) وآدابه ب ٥٠ ح ١ .
(٣) مستطرفات السرائر : ١٠٧ / ٥٣ ، الوسائل ٣ : ٣٩٠ أبواب التيمم ب ٢٧ ح ٢ .
(٤) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦١ ، الوسائل ٣ : ٣٦٩ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٢ .
وفيه : منع التقرير ؛ لأنه إنما هو حين الاشتغال بالفعل ، وأمّا بعده فليس تقريراً ، بل قرّره على قوله : هلكت .
خلافاً لظاهر الإِسكافي (١) ، ونقل عن المفيد أيضاً وكلامه لا يدلّ عليه (٢) ؛ للمرفوعتين المتقدّمتين الدالّتين على وجوب الغسل على من أجنب متعمداً (٣) . ولا دلالة فيه كما مرّ .
السادسة : لو عدم الماء وما يتيمّم به بالمرة ، سقط الأداء إجماعاً ، كما صرّح به جماعة (٤) ؛ لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة : « لا صلاة إلّا بطهور » (٥) وغيره مما يدل على انتفاء حقيقة الصلاة بانتفاء الطهور .
وحمله على نفي الصحة مع كون « لا » حقيقةً في نفي الجنس لا وجه له ، مع أنه أيضاً يكفي ؛ إذ غير الصحيح ليس مأموراً به .
ومنه يظهر فساد ما قيل من أنّ الطهور شرط الصحة لا الوجوب ، فيتوقّف عليه المشروط مع إمكانه ، كما في القبلة والساتر ، دون ما إذا لم يمكن وإلّا لانقلب واجباً مقيّداً بالنسبة إليه (٦) .
لمنع انحصار التوقّف بالإِمكان ، بل مقتضى الاشتراط : التوقّف مطلقاً . والتخلّف في طائفة من الشرائط بدليل من خارج لا ينافي أصل الاقتضاء ، ولا يوجب ذلك صيرورته واجباً مطلقاً بالنسبة إليه ، لأنّ الفرق بين مقدّمة المقيّد والمطلق إنما هو في وجوب التحصيل وعدمه مع الإِمكان .
__________________
(١) حكاه عنه في المختلف : ٥٢ .
(٢) المقنعة : ٦٠ .
(٣) راجع ص ٣٧٥ .
(٤) الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٨٦ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٢٨ ، صاحب المدارك ٢ : ٢٠٨ وفيه عند أكثر الأصحاب .
(٥) التهذيب ١ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ١ .
(٦) كما في الحدائق ٤ : ٣١٨ .
نعم لو منع إرادة نفي الصحة من نحو الصحيحة ، واحتمل إرادة نفي الكمال ، لاتّجه أن يمنع شرطية الطهور للصلاة مطلقاً ؛ إذ لا يثبت من الأخبار الاشتراط ، بل غايتها التكليف المقيّد بالإِمكان قطعاً ، فبدونه لا تكليف به ، ويجب امتثال الأمر بالصلاة . وأمّا الإِجماع على الشرطية فهو لا يتجاوز عن صورة الإِمكان في ذلك المقام ، والمناط هو الصحيحة وما يؤدّي مؤدّاها .
ولذا بعض من تأمّل في دلالة الصحيحة من المتأخّرين جعل الأولى وجوب الأداء من غير إعادة لو لم ينعقد الإِجماع على خلافه (١) .
ويظهر من السيد في مسائل أملاها تكملةً لكتاب الغرر والدرر : وجوب الأداء عليه .
وحكى القاضي والمحقّق قولاً بوجوبها مع الإِعادة (٢) .
وعن الشيخ والقاضي تجويزهما معاً (٣) .
وفي نهاية الإِحكام : استحباب الأداء ؛ لحرمة الوقت والخروج عن الخلاف (٤) .
وأمّا القضاء ، فالحقّ وجوبه ، وفاقاً لأكثر المتأخّرين ، وعن الناصريات والإِصباح والمقنعة والمبسوط والجواهر والسرائر والمنتهى والشهيد (٥) ؛ لعموم موجبات قضاء الفوائت مطلقاً ، أو من الفرائض .
وكون الفوت لفقد الطهور من النوادر غير ضائر ؛ لأنّ الاحتجاج بالعموم دون الإِطلاق .
__________________
(١) حكاه في الحدائق ٤ : ٣١٨ عن السيد نعمة الله الجزائري .
(٢) لم نعثر عليه في كتب القاضي من الجواهر والمهذب وشرح الجمل ، وحكاه المحقق في الشرائع ١ : ٤٩ .
(٣) الشيخ في المبسوط ١ : ٣١ ، ولم نعثر عليه في كتب القاضي .
(٤) نهاية الاحكام ١ : ٢٠١ .
(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٠ ، المقنعة : ٦٠ ، المبسوط ١ : ٣١ ، جواهر الفقه : ١٤ ، السرائر ١ : ١٣٩ ، المنتهى ١ : ١٤٣ ، الشهيد في البيان : ٨٦ .
وظهور الفائدة فيما يجب أولاً ممنوع ، كما يأتي بيانه في بحث القضاء ، مع أنّ أكثر العمومات يشمل الناسي الذي لا وجوب عليه .
والمتبادر من الفريضة ما تعلّق به الوجوب في الجملة ، بل هو حقيقتها ، فلا يتوقّف صدقها على الوجوب على خصوص هذا الشخص وإن أوجب ذلك تخصيصاً من بعض الوجوه ، ولا ضير فيه .
وخلافاً للمنقول عن المفيد في رسالته إلى ولده (١) ، وللوسيلة والمعتبر والشرائع (٢) ، وبعض كتب الفاضل (٣) ، فلم يوجبوه ؛ للأصل المندفع بما مرّ .
وتبعية القضاء للأداء الممنوعة جدّاً ، وسواء اُريد التبعية مفهوماً أو حكماً ، مع أنّ انتفاء التبعية حكماً يكفي لنا وهو ثابت قطعاً .
ولما ورد في أخبار كثيرة من الصحاح وغيرها ـ الآتية في بحث القضاء على المغمى عليه ـ أنّ « كلّ ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ، وليس على صاحبه شيء » (٤) حيث إنّه يعارض عمومات قضاء الفوائت بالعموم من وجه ، ولا ترجيح ، فيرجع إلى الأصل .
ويردّ : بعدم انحصار فقد الطهور بكونه من فعل الله سبحانه ، بل قد يحصل بفعل المكلّف من الذهاب إلى مكان يفقد فيه الطهور ، أو إتلافه مع وجوده ، أو يحصل ذلك بفعل غيره من المكلّفين ، ويتمّ المطلوب في غيره بالإِجماع المركّب ، ولا يصح ضمّه مع صورة كونه بفعله سبحانه ، لأنّ نفي القضاء يكون حينئذٍ بالأصل ، فيندفع بالإِجماع المركّب المنضمّ مع الدليل .
السابعة : المتيمّم إن وجد الماء قبل شروعه في الصلاة ، ينتقض تيمّمه كما سيجيء .
__________________
(١) حكاه عنه في المهذب البارع ١ : ٤٥٧ .
(٢) الوسيلة : ٧١ ، المعتبر ١ : ٣٨١ ، الشرائع ١ : ٤٩ .
(٣) كالتذكرة ١ : ٦٣ ، والتحرير ١ : ٢٢ ، والقواعد ١ : ٢٣ ، ونهاية الإِحكام ١ : ٢٠١ .
(٤) انظر : الوسائل ٨ : ٢٥٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ .
وإن وجده بعد الفراغ عنها ، مضت صلاته كما عرفت .
وإن وجده في الأثناء يرجع ما لم يركع الاُولى ، ويتطهّر ويصلّي . فإن ركع لها يتمّ صلاته ويمضي فيها ، وفاقاً للصدوقين (١) والجعفي والعماني (٢) والشيخ في النهاية (٣) ، والسيد في المصباح والجمل (٤) بل في شرح الرسالة كما حكي عنه (٥) ، واختاره من المتأخّرين جماعة كالأردبيلي وصاحبي المنتقى والمفاتيح والحدائق (٦) ، وبعض سادة مشايخنا (٧) ، وبعض محقّقيهم (٨) .
لصحيح زرارة : « إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة فلينصرف وليتوضّأ ما لم يركع ، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته ، فإن التيمّم أحد الطهورين » (٩) .
وخبر ابن عاصم : عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم ويقوم في الصلاة فجاءه الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال : « إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته » (١٠) ورواه ابن محبوب في كتابه ، والبزنطي في نوادره كما نقله الحلي في سرائره (١١) .
__________________
(١) الصدوق في المقنع : ٩ ، وأما والده فقد حكي عنه القول بالاستمرار مطلقاً . انظر كشف اللثام ١ : ١٥١ ، والرياض ١ : ٨١ .
(٢) حكاه عنهما في الذكرى : ١١٠ .
(٣) النهاية : ٤٨ .
(٤) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٦ .
(٥) حكاه عنه في الحدائق ٤ : ٣٧٨ .
(٦) الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢٤٠ ، منتقى الجمان ١ : ٣٥٩ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٦٤ ، الحدائق ٤ : ٣٨٣ .
(٧) بحر العلوم في الدرة النجفية ٤٧ .
(٨) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) ، وصاحب كشف الغطاء : ١٦٩ .
(٩) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨٠ ، الوسائل ٣ : ٣٨١ أبواب التيمم ب ٢١ ح ١ .
(١٠) الكافي ٣ : ٦٤ الطهارة ب ٤١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ / ٥٩١ ، الوسائل ٣ : ٣٨١ أبواب التيمم ب ٢١ ح ٢ .
(١١) مستطرفات السرائر : ١٠٨ / ٥٩ .