أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
وللرابع : استفاضة النصوص بمسح الوجه الظاهر في كلّه ، كالصحاح الثلاث في حكاية عمّار لزرارة (١) ، وداود (٢) ، والخزاز (٣) ، وفيها : « فمسح وجهه » ونحوها في موثّقة سماعة (٤) وحسنة الكاهلي (٥) وصحيحة محمد (٦) ، وفي رواية زرارة : « وتمسح وجهك » (٧) ومثلها في خبر ليث (٨) .
ويضعّف : بخلوّ الكلّ عن الدالّ على الوجوب . مضافاً إلى عدم صراحته بل دلالته على مسح الجميع ؛ لأنّ الوجه وإن كان حقيقةً في الكلّ إلّا أنّ مسحه يصدق بمسح بعضه أيضاً ، بل هو المتبادر منه ، فهو حقيقة في مسح اليد على جزء منه ، كضرب الوجه وتقبيله وجرحه ومسه وغير ذلك .
ويؤيّده : اتّحاد قضية عمّار مع اختلاف الأخبار الحاكية لها فيما يمسح من الوجه وتضمين كثير منها الوجه والكفين إلى الذراعين ، مع أنه لا قائل باستيعاب الوجه خاصة ، مع أنّ شيوع التعبير عن الجبهة بالوجه يقرب إرادتها منه .
ومع قطع النظر عن الجميع فهي معارضة لصحيحة زرارة ، المتقدّمة ،
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٠٨ / ٦٠٣ ، الوسائل ٣ : ٣٥٩ أبواب التيمم ب ١١ ح ٥ .
(٢) التهذيب ١ : ٢٠٧ / ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٩١ ، الوسائل ٣ : ٣٥٩ أبواب التيمم ب ١١ ح ٤ .
(٣) الكافي ٣ : ٦٢ الطهارة ب ٤٠ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ٣٥٨ أبواب التيمم ب ١١ ح ٢ .
(٤) التهذيب ١ : ٢٠٨ / ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٩٢ ، الوسائل ٣ : ٣٦٥ أبواب التيمم ب ١٣ ح ٣ .
(٥) الكافي ٣ : ٦٢ الطهارة ب ٤٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٨٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٨ أبواب التيمم ب ١١ ح ١ .
(٦) التهذيب ١ : ٢١٠ / ٦١٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ / ٦٠٠ ، الوسائل ٣ : ٣٦٢ أبواب التيمم ب ١٢ ح ٥ .
(٧) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٥ ، الوسائل ٣ : ٣٦٠ أبواب التيمم ب ١١ ح ٧ .
(٨) التهذيب ١ : ٢٠٩ / ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٦ ، الوسائل ٣ : ٣٦١ أبواب التيمم ب ١٢ ح ٢ .
المفسّرة للآية ، المصرّحة بوجوب مسح بعض الوجه خاصة (١) ، فيرجع إلى الأصل .
مع أنّ ترجيح الصحيحة لازم ؛ لموافقتها الكتاب حيث أتى بلفظة الباء التبعيضية ، بنصّ الاُدباء على أنها إذا دخلت على المتعدّي يبعّضه ، ومخالفتها العامة ، فإنّ الاستيعاب مذهب الجمهور كافة ، كما صرّح به الانتصار والمنتهى والتذكرة (٢) ، ومعاضدتها بالإِجماع على عدم وجوب مسح ما تحت طرف الأنف الأعلى ، كما في الناصريات والانتصار وعن الغنية (٣) ، ونسبه الصدوق في المجالس إلى مشايخه (٤) .
قيل : التبعيض لا ينافي الاستيعاب الذي يقولون به ؛ لأنّه أيضاً بعض الوجه دون تمامه من الاُذن إلى الاُذن (٥) .
وفيه : أنّ المصرّح به في النصّ من التبعيض هو تبعيض موضع الغسل من الوجه ، ولا شك أنه غير الاستيعاب المذكور ، لأنه استيعاب محل الغسل ، وكذا في الآية بقرينة مقابلة الوجه في الوضوء .
وللخامس : الجمع بين الأخبار . وضعفه ظاهر .
فروع :
أ : الواجب استيعاب الجبهة ، بأن يمسح جميعها الواقع عرضاً بين الجبينين ، وطولاً بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى المسمى بالعِرنين (٦) ؛ بالإِجماع المحقّق والمصرّح به في المنتهى (٧) .
__________________
(١) راجع ص ٤٣٤ .
(٢) الانتصار : ٣٢ ، المنتهى ١ : ١٤٥ ، التذكرة ١ : ٦٣ .
(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٨ ، الانتصار : ٣٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ .
(٤) الأمالي : ٥١٥ . وهو أيضاً مما يضعف نسبة الاستيعاب إلى أبيه ( منه رحمه الله تعالى ) .
(٥) لم نعثر على قائله .
(٦) عِرنين الأنف : تحت مجتمع الحاجبين ، وهو أول الأنف حيث يكون فيه الشمَمَ . الصحاح ٦ : ٢١٦٣ .
(٧) المنتهى ١ : ١٤٧ .
مضافاً في الطول إلى الرضوي المتقدم في النية (١) ، المنجبر ضعفه بما ذكر . ولا يضر كون « يمسح » جملة خبرية ؛ لأنّه في مقام بيان حقيقة التيمّم .
دون الطرف الأسفل كما عن أمالي الصدوق (٢) ، ولا النُتُوّ الواقع في وسط الأنف كما قيل (٣) ؛ للأصل .
ب : صرّح الجماعة منهم : الصدوق والشيخان والسيد والحلّي والحلبي وابن حمزة والفاضلان والشهيدان وغيرهما بأنّ المسح من القصاص إلى طرف الأنف (٤) .
وظاهره وجوب البدأة بالأعلى ، وقد صرّح به جماعة منهم : نهاية الإِحكام والتذكرة والدروس والذكرى (٥) ، ونسبه في المنتهى إلى ظاهر عبارة المشايخ (٦) ، وعن أمالي الصدوق الإِجماع عليه (٧) ، ونقل بعض مشايخنا المحقّقين اتّفاق الفقهاء والمسلمين عليه (٨) .
ويدلّ عليه : الرضوي المتقدم ، المنجبر بما ذكر . وحمل التحديد على
__________________
(١) راجع ص ٤٢١ .
(٢) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ١٤٧ ، والمنقول من عبارة الأمالي في شرح المفاتيح هكذا : . . . ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى ، وإلى الأسفل أولى . . . . ولكنا لم نعثر على ذلك في الأمالي المطبوعة التي بأيدينا ، والموجود فيها : فيمسح بهما وجهه ، ثم يضرب بيده اليسرى . . . ( ص ٥١٥ ) . والظاهر وجود اختلاف في نسخ الأمالي .
(٣) لم نعثر على قائله .
(٤) الصدوق في المقنع : ٩ ، المفيد في المقنعة : ٦٢ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٣٣ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٥ ، الحلي في السرائر ١ : ١٣٦ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٧٢ ، المحقق في الشرائع ١ : ٤٨ ، العلامة في القواعد ١ : ٢٣ ، الشهيد الأول في البيان : ٨٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦ .
(٥) نهاية الاحكام ١ : ٢٠٥ ، التذكرة ١ : ٦٣ ، الدروس ١ : ١٣٢ ، الذكرى : ١٠٩ .
(٦) المنتهى ١ : ١٤٦ .
(٧) راجع الهامش (٢) .
(٨) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
الممسوح دون المسح (١) خلاف الظاهر بل الأصل ؛ لأنه يخرج لفظتي « من » و « إلى » عن إفادة الابتدائية والانتهائية اللتين هما حقيقتاهما عند ذكرهما معاً ، إذ لا ابتداء حينئذٍ ولا انتهاء ، بل يكونان طرفين للمحدود .
واستدلّ له أيضاً : بأصل الاشتغال ، وتبعية التيمّمات البيانية حيث إنّ الظاهر أنه كان بالبدأة من الأعلى وإلّا لنقل ، لكونه خلاف المتعارف في الوضوء والمعهود بين الناس (٢) .
ويضعّف الأول : بما مرّ مراراً .
والثاني : بمنع البدأة بالأعلى فيها أولاً ، ووجوب النقل لو نكس ممنوع جدّاً ، وكونه خلاف الوضوء ـ مع كونه ممنوعاً للخلاف فيه أيضاً ـ لا يدلّ على وجوب النقل ، وكونه خلاف المعهود في الصدر الأول غير مسلّم . ومنع دلالتها على الوجوب ثانياً ؛ لمنع كون البدأة بياناً ، بل اتّفاقية وأحد أفراد المخيّر .
وقد يستدلّ أيضاً : بعموم المنزلة الثابت بقوله عليه السلام : « جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً » (٣) ونحوه ، وعموم البدلية الثابت بفهم العرف .
قال بعض مشايخنا المحقّقين في بيانه : إنّ أهل العرف إذا سمعوا وجوب التيمّم بالتراب عند فقد الماء يتبادر إلى أذهانهم كونه بالكيفية التي عرفوها للمائية إلّا أن تثبت المخالفة ، فإنّهم إذا سمعوا إذا فقد الماء فالجمد والثلج ، وإذا فقد فالتراب ، وإذا فقد فالغبار ، يفهمون أنّ الكلّ بكيفية واحدة ، كما إذا علموا أنّ الجمد المذاب بمنزلة الماء بعد فقده ، والغبار بمنزلة التراب كذلك .
وبالجملة : يتبادر من أمثال هذه العبارات اتّحاد الكيفية ، ولذا صدر من عمّار ما صدر مع أنه كان من أهل اللسان ، ولذا تراهم لا يحتملون مغايرة كيفية تيمّم
__________________
(١) كما في الذخيرة : ١٠٤ .
(٢) كما في الذكرى : ١٠٩ ، وشرح المفاتيح ( المخطوط ) .
(٣) الكافي ٣ : ٦٦ الطهارة ب ٤٢ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٤ ، الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٣ ح ١ .
الغبار لتيمّم التراب ، ولا يحتملونها في الثلج والجمد المذابين مع الماء ، وإذا علموا المخالفة في شيء يقتصرون عليه (١) .
أقول : أمّا ثبوت عموم المنزلة بأخبار التشبيه فممنوع ، ولو سلّم فلا يفيد في كيفية الاستعمال .
ألا ترى أنه إذا قال الطبيب : إنّ في الإِهليلج الشفاء كما أنّ في السقمونيا الشفاء ، لا يفهم منه اتّحادهما في كيفية الاستشفاء .
وأمّا فهم العرف عموم البدلية الذي ادّعاه فإنما هو فيما إذا قال : استعملوا الماء في الوضوء كذا ، وإن لم تجدوه فاستعملوا التراب ، أو التراب بدله ، أو نحو ذلك من العبارات . وإذا قال : استعملوا الماء كذا ، أو يغسل الوجه واليدين بالكيفية المخصوصة من الماء في الوضوء ، فإن لم تجدوا الماء فتيمّموا بالتراب ، أو امسحوا بعض وجوهكم به ، فلا يفهم ذلك أصلاً .
انظر إلى قول الطبيب للمريض : عالج بطلي جسدك بدهن البنفسج ، تدهنه برطل منه قبل أكل الغذاء ، مبتدئاً من رأسك في الحمام بعد غسل البدن ، فإن لم تجده فماء الورد ، أو أطل بماء الورد ، أو بدله ماء الورد ، أو نحو ذلك . فإنه يفهم منه قطعاً أنّ ماء الورد أيضاً يطلى برطل منه قبل الغذاء إلى آخر ما ذكر ، إلّا أن تثبت المخالفة في موضع بدليل . بخلاف ما إذا قال : فإن لم تجد دهن البنفسج فاشرب المسهل ، أو ضع الدقيق على رأسك ، فإنه لا يفهم منه المسهل أو الدقيق أيضاً يلزم أن يكون رطلاً بعد الغذاء في الحمام إلى آخر ما مرّ .
والحاصل : أنّه فرق بيّن بين الأمر بفعل آلته شيء وجعل شيء آخر بدلاً عن تلك الآلة في ذلك الفعل ، أو جعل فعل آخر آلته شيء آخر بدلاً عن ذلك الفعل . والتيمم من قبيل الثاني دون الأول ؛ فإنّه لو كان يقول : اغسلوا وجوهكم وأيديكم في الوضوء بالماء ، أو توضّؤوا بالماء ، فإن لم تجدوا الماء فبالتراب ، أو بدله
__________________
(١) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
التراب ، لكان يتبادر منه ما ذكر ، ولكن أين مثل ذلك القول وأنّى ؟ وإنما قال : اغسلوا وجوهكم وإن لم تجدوا ماءً فتيمّموا ، أو فخذوا صعيداً فامسحوا به بعض وجوهكم ، ولا تبادر في مثل ذلك أصلاً ، ويختلف فهم المعاني من الألفاظ بأدنى تغيير واختلاف ، فيفهم من بدلية الآلة عن الآلة ما لا يفهم من بدلية الفعل عن الفعل .
ج : يجب أن يكون مسح الجبهة بباطن الكف ، كما صرّح به ـ فيها وفي اليدين ـ في المقنعة والمراسم والمهذّب والسرائر والذكرى والدروس (١) .
وقال بعض مشايخنا المحقّقين : إنه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب (٢) . والظاهر أنه كذلك ، بل الظاهر أنه إجماعي ، فهو الحجة فيه ، مضافاً إلى أنه لازم وجوب ضرب الباطن واشتراط العلوق .
ويجب أن يكون المسح باليدين ، كما هو المشهور ؛ للرضوي المتقدّم (٣) ، المنجبر بما ذكر ، المعتضد بأخبار كثيرة اُخر ، كموثّقتي زرارة وسماعة (٤) ، ورواية ليث (٥) ، وصحيحة زرارة (٦) ، وغيرها .
وفي العامي المروي في كتب الفاضل وغيره ، عن عمّار ، عن النبي صلّى الله عليه وﺁله أنه قال : « قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك » (٧) .
__________________
(١) المقنعة : ٦٢ ، المراسم : ٥٤ ، المهذب ١ : ٤٧ ، السرائر ١ : ١٣٦ ، الذكرى : ١٠٩ ، الدروس ١ : ١٣٣ .
(٢) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
(٣) في ص ٤٢١ .
(٤) موثقة زرارة : الكافي ٣ : ٦١ الطهارة ب ٤٠ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٣٥٩ أبواب التيمم ب ١١ ح ٣ ، موثقة سماعة : التهذيب ١ : ٢٠٨ / ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٩٢ ، الوسائل ٣ : ٣٦٥ أبواب التيمم ب ١٣ ح ٣ .
(٥) التهذيب ١ : ٢٠٩ / ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٦ ، الوسائل ٣ : ٣٦١ أبواب التيمم ب ١٢ ح ٢ .
(٦) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٢ ، الوسائل ٣ : ٣٦٠ أبواب التيمم ب ١١ ح ٨ .
(٧) المنتهى ١ : ١٤٦ ، بداية المجتهد : ٦٥ بتفاوت يسير .
وفي المروي في الدعائم : « المتيمّم تجزيه ضربة واحدة ، يضرب بيديه على الأرض يمسح بهما وجهه ويديه » (١) .
وحملهما على أن يمسح المجموع بالمجموع حتى يكفي في صدقه مسح اليمين بالشمال أيضاً خلاف الظاهر .
ولا ينافيه اختصاص الممسوح بالجبهة ؛ إذ لا يجب شمول الكفّين بأجمعهما دفعة للممسوح ، بل يمكن أن يمسح المجموع ببعض كلٍّ منهما أو المجموع بالمجموع .
خلافاً للمحكي عن الإِسكافي ، فاجتزأ بالمسح باليد اليمنى (٢) ؛ لصدق المسح ، ودفعه ظاهر ؛ والقياس على الوضوء ، لأنّ القياس مذهبه ، وضعفه بيّن .
وللمحقّق الأردبيلي ، فنفي وجوبه بالكفّين ، واستجود جوازه واستحبابه (٣) .
واحتمل في نهاية الإِحكام والتذكرة الجواز أيضاً بعد أن جعل الأول في الثاني الأظهر من عبارات الأصحاب (٤) .
ولعلّه لصدق المسح ، وعدم دلالة غير الرضوي على الوجوب ، وهو وإن دلّ بالحمل إلّا أنه ضعيف . وهو كان حسناً لولا انجباره بالاشتهار .
والظاهر وجوب الدفعة في المسح بهما ، فلا يكفي التعقيب ؛ للإِجماع المركّب .
د : قد مرّ وجوب استيعاب الممسوح . وأمّا الماسح فلا يجب فيه الاستيعاب بمعنى مسح محل الوجوب بمجموع الكفين ، بل يكفي المسح بجزء كلٍّ من اليدين بحيث يمدّه على الممسوح ويستوعبه بالمسح بهما ، وفاقاً لبعضهم كما نقله
__________________
(١) دعائم الاسلام ١ : ١٢١ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٥٣٨ أحكام التيمم ب ١٠ ح ٢ .
(٢) حكاه عنه في الذكرى : ١٠٩ .
(٣) مجمع الفائدة ١ : ٢٣٧ .
(٤) نهاية الاحكام ١ : ٢٠٨ ، التذكرة ١ : ٦٣ .
والدي رحمه الله ، وهو مختار شرح القواعد والمدارك والذخيرة والحدائق (١) ، للأصل .
وظهور الأيدي والكفّين في المجموع غير مفيد ، كما مرّ وجهه في الوجه .
ويدلّ عليه أيضاً ما في صحيحة زرارة من أنّ النبي صلّى الله عليه وﺁله مسح جبينه بأصابعه (٢) .
وخلافاً لصريح بعض مشايخنا (٣) ووالدي قدّس سرّهما ، فأوجبا الاستيعاب بهذا المعنى ؛ لما مرّ بجوابه . وأما بمعنى مسح كلّ جزءٍ من الممسوح بكلّ جزء من الماسح فمنفي قطعاً ، والظاهر أنه إجماعي .
هـ : يجب مدّ اليدين على الجبهة ليتحقّق المسح ، فلا يكفي الوضع .
الرابع : مسح ظاهر الكفّين من الزند إلى رؤوس الأصابع . ووجوب مسحهما بالقدر المذكور واختصاصه به هو المشهور ، كما في التذكرة والمنتهى (٤) وغيرهما ، بل في الناصريات وشرح القواعد وعن الغنية : إجماعهم على الحكمين (٥) .
ويدلّ على الأول : الرضوي المتقدّم المنجبر بالشهرتين (٦) ، والِإجماع المنقول ، وما في المنتهى من نسبته ، إلى مولانا علي (٧) ، فهو أيضاً رواية مرسلة منجبرة .
والاحتجاج بالنصوص المتكثّرة المصرّحة بمسح الكفّين بواسطة تبادر
__________________
(١) جامع المقاصد ١ : ٤٩٢ ، والمدارك ٢ : ٢٢٢ ، قال فيه : والأولى المسح بمجموع الكفين عملاً بجميع الأخبار ، الذخيرة : ١٠٦ ، الحدائق ٤ : ٣٤٨ .
(٢) المتقدمة في ص ٤٤٦ .
(٣) لم نعثر على شخصه .
(٤) التذكرة ١ : ٦٣ ، والمنتهى ١ : ١٤٦ .
(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٨ ، جامع المقاصد ١ : ٤٩٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ .
(٦) راجع ص ٤٢١ .
(٧) المنتهى ١ : ١٤٦ .
المجموع من الكف غير جيّد ؛ لمثل ما مرّ في الوجه (١) ، مع أنّ أكثرها خال عن الدالّ على الوجوب .
ومنه يظهر ضعف الاحتجاج بقوله عليه السلام في صحيحة الخزاز وداود ابن النعمان : « مسح فوق الكف قليلاً » (٢) .
وعلى الثاني ـ مضافاً إلى الرضوي ـ : النصوص المذكورة ، حيث إنه لو وجب الزائد لاُتي به في التيمّمات البيانية ، ولو اُتي به ، لنقله الراوي قطعاً .
والصحيحتان المذكورتان ؛ فإنّ مسح فوق الكفّ قليلاً صريح في عدم استيعابه الذراع ، فلا يكون واجباً البتة ، ولا هذا القليل ، لعدم قوله بوجوبه أصالة ، نعم هو واجب من باب المقدمة ، وهو السبب في مسحه عليه السلام إيّاه .
وصحيحة زرارة : « ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشيء » (٣) وهو نصّ في المطلوب .
وبتلك الأدلّة تقيّد مطلقات مسح اليد على القول بإطلاقها ، أو تبيّن مجملات مسحها على إجمالها ، مع أنه ـ كما مرّ ـ يكفي في صدق مسح اليد مسح جزء منه .
خلافاً في الأول للمحكي في السرائر عن بعض الأصحاب ، فاكتفى بالمسح من اُصول الأصابع إلى رؤوسها (٤) .
ولعلّه لما في فقه الرضا عليه السلام من قوله : « وروي من اُصول الأصابع » وقوله : « وروي : إذا أردت التيمّم ـ إلى أن قال : ـ ثمَّ تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من اُصول الأصابع من فوق الكف ، ثم تمرّها على مقدّمها على
__________________
(١) راجع ص ٤٤٠ ، ٤٣٩ .
(٢) الكافي ٣ : ٦٢ الطهارة ب ٤٠ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ / ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٩١ ، الوسائل ٣ : ٣٥٨ و ٣٥٩ أبواب التيمم ب ١١ ح ٢ و ٤ .
(٣) التهذيب ١ : ٢٠٨ / ٦٠٣ ، الوسائل ٣ : ٣٥٩ أبواب التيمم ب ١١ ح ٥ .
(٤) السرائر ١ : ١٣٧ .
ظهر الكف ، ثم تضع أصابعك اليمنى على اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى مرّة واحدة ، فهذا هو التيمّم » (١) .
ومرسلة حماد : عن التيمّم ، فتلا هذه الآية : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) وقال : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) قال : « فامسح على كفيك من حيث موضع القطع » (٢) .
ويضعّف الكلّ بالضعف : أمّا الأولان : فظاهران ، وأمّا الثالثة : فلشذوذها ، ومخالفتها عمل المعظم .
مضافاً إلى أنه يمكن أن يكون المراد في الثاني : تضع أصل أصابعك اليسرى على أصل أصابعك اليمنى ، فتكون رؤوس أصابع اليسرى إمّا على رؤوس أصابع اليمنى أو على الزند ، وعلى التقديرين يحصل بالمدّ المسح على الطريق المشهور ، أو يكون المراد باُصول الأصابع ما يتصل بالزند كما هو ظاهر قوله : « من فوق الكف » فبالمدّ يحصل المسح المشهور .
وأن يكون المراد بموضع القطع في الثالث موضعه عند العامة بحمل اللام على العهد الخارجي ، فيكون جرياً على طريقة الجدل ( مع العامة ) (٣) .
وفي الثاني للمحكي عن الصدوق في أماليه ووالده ، فأوجبا المسح من المرفقين إلى رؤوس الأصابع (٤) ـ وهو المنقول عن أبي حنيفة والشافعي (٥) ـ لصحيحة محمد ، وموثّقة سماعة ، ورواية ليث (٦) .
ويضعّف : بما مرّ من الشذوذ ، مع أنه لا دلالة فيها على الوجوب بوجه ،
__________________
(١) فقه الرضا (ع) : ٨٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٥ أحكام التيمم ب ٩ ح ١ .
(٢) الكافي ٣ : ٦٢ الطهارة ب ٤٠ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٨٨ ، الوسائل ٣ : ٣٦٥ أبواب التيمم ب ١٣ ح ٢ .
(٣) ليست في « هـ » .
(٤) الأمالي : ٥١٥ ، وحكى عن والده في المختلف : ٥٠ .
(٥) الاُم في فقه الشافعي ١ : ٤٩ ونقل عنهما في الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٣٩ .
(٦) المتقدمة في ص ٤٤١ .
وعلى فرض الدلالة تكون معارضةً لما مرّ . فإمّا يجمع بينهما بحمل الزائد على الندب ، أو يرجّح ما مرّ ، لمخالفة العامة ـ كما صرّح به غير واحد ـ وموافقة الكتاب حيث إنّ الظاهر منه ـ كما صرّح به في الصحيحة المفسّرة (١) ـ أنّ المسح أيضاً ببعض الأيدي المغسولة في الوضوء ، أو يتساقطان ، فيرجع إلى الأصل .
وهل يجوز التجاوز عن الزند والاستيعاب إلى المرفقين كما عن المعتبر (٢) ، أو يستحب كما احتمله في المنتهى (٣) ؟ الظاهر فيهما : العدم ؛ لأصالة عدم المشروعية .
وليس في الروايتين الاُوليين إلّا الإِخبار عن مسحه ، وهو يحتمل التقية .
وأمّا الرواية الأخيرة فورد فيها بلفظ الإِخبار المحتمل لمطلق الرجحان والاستحباب والوجوب ، فعلى الأخير يجب حملها على التقية ، ولعدم تعيّن الأولين لا يثبت منهما حكم .
فروع :
أ : المعروف من مذهب الأصحاب كما في اللوامع ، بل اتّفقوا عليه كما هو ظاهر شرح القواعد (٤) : وجوب البدأة بالزند .
ويدلّ عليه قوله في أحد الرضويين المتقدّمين : « ثم تمرّها على مقدّمها » (٥) .
وضعفه منجبر ، ولا يضر قوله في الآخر « إلى حدّ الزند » (٦) لضعفه الموجب للاقتصار في العمل به على موضع الانجبار .
ب : يجب أن يكون الماسح بطن الكفّ ؛ لما مرّ في الوجه . والممسوح ظاهرها ؛ لظاهر الإِجماع ، وبه تقيّد الإِطلاقات .
__________________
(١) راجع ص ٤٣٤ .
(٢) المعتبر ١ : ٣٨٧ .
(٣) المنتهى ١ : ١٤٧ .
(٤) جامع المقاصد ١ : ٤٩٢ .
(٥ و ٦) راجع ص ٤٤٩ .
وتؤيّده أيضاً : حسنة الكاهلي : « ثم مسح كفّيه إحداهما على ظهر الاُخرى » (١) والرضوي المتقدّم في الوجه (٢) ، والمروي في السرائر في حكاية عمّار ، وفيه : « ثم مسح بكفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى » (٣) .
ولو تعذّر الباطن من الأول والظاهر من الثاني أجزأ الآخر ؛ لعموم الآية والأخبار ، فيقتصر في التخصيص المخالف للأصل بالمتيقّن .
ج : يجب تقديم اليمنى على اليسرى ، بالإِجماع المحقّق والمحكي في التذكرة وشرح القواعد (٤) ، وغيرهما (٥) .
ويدلّ عليه الرضويان المتقدّمان (٦) ( المنجبران ) (٧) المؤيدان بصحيحة ابن مسلم ، المتقدّمة في مسألة عدد الضربات (٨) .
د : الظاهر الإِجماع على وجوب استيعاب الممسوح ، وعليه الإِجماع في المنتهى (٩) واللوامع ، وفي الحدائق : بلا خلاف يعرف (١٠) ؛ وهو الحجة فيه دون ظواهر الأخبار ، لعدم الدلالة .
والقدر الثابت الاستيعاب العرفي ، فلا يضرّ خروج ما بين الأصابع ، ولا ما تحت الأظفار ولو طولت ، بل ولا تحت مثل الخاتم ؛ لعدم ثبوت الإِجماع في هذا القدر .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٦٢ الطهارة ب ٤٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٨٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٨ أبواب التيمم ب ١١ ح ١ .
(٢) راجع ص ٤٤٠ .
(٣) مستطرفات السرائر : ٢٦ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٣٦٠ أبواب التيمم ب ١١ ح ٩ .
(٤) التذكرة ١ : ٦٤ ، جامع المقاصد ١ : ٤٩٢ .
(٥) كالمدارك ٢ : ٢٢٦ ، والمفاتيح ١ : ٦٢ .
(٦) في ص ٤٤٩ .
(٧) ليست في « هـ » .
(٨) راجع ص ٤٣٢ .
(٩) المنتهى ١ : ١٤٧ .
(١٠) الحدائق ٤ : ٣٥٣ .
ومنه يظهر عدم وجوب مسح الإِصبع الزائدة ولو لم تتميّز من الأصلية ، ومسحها أحوط .
وأمّا اليد الزائدة فمع تميزها لا يجب مسحها وإن كانت تحت الزند ؛ للأصل ، وعدم دليل على وجوب مسح الزائد على اليدين . ويجب مسح الأصلية إجماعاً ، وللشك في كون الاُخرى يداً فيستصحب الاشتغال .
ومع عدم التميز يجب مسحهما ؛ تحصيلاً للعلم بالامتثال .
ويحتمل التخيير ؛ لعدم وجوب مسح الزائد على اليدين ، وصدق اليد على كلٍّ منهما ، وعدم اختصاص الوجوب بواحدة معينة مجملة .
هـ : لو قطع بعض مواضع المسح مسح الباقي ؛ لأنّ وجوب الاستيعاب مع إمكانه ، فبدونه يعمل بالمطلقات .
ولو لم يبق شيء أصلاً ، سقط مسحه واكتفى بمسح سائر الأعضاء ؛ لاستصحاب وجوبه ، وأصالة عدم الربط حينئذٍ .
ولو قطع من الزند فلا يجب ما كان واجباً من باب المقدمة . ولو قطعت إحدى يديه ، مسح ظهر الاُخرى بالأرض .
الخامس : الترتيب : بأن يضرب ، ثم مسح الوجه ثم اليمنى ثم اليسرى ، بالإِجماع المحقّق والمصرّح به في المنتهى والتذكرة (١) واللوامع ، وعن أمالي الصدوق أنه من دين الإِمامية (٢) ، وهو الحجة فيه .
مضافاً إلى الإِجماع المركّب بين الترتيب هناك وبينه في المائية كما صرّح به السيد (٣) ، والرضويين المتقدّمين (٤) المنجبرين ، المتضمّن أحدهما للفظة الفاء والآخر للفظة « ثم » الدالّتين على التعقيب .
__________________
(١) المنتهى ١ : ١٤٧ ، التذكرة ١ : ٦٤ .
(٢) أمالي الصدوق : ٥١٥ .
(٣) حكى عنه في المعتبر ١ : ٣٩٣ .
(٤) في ص ٤٢١ و ٤٤٩ .
ويؤيّده : اشتمال البيانيات على ذلك الترتيب (١) ؛ لتضمّن أخبارها الحاكية لها الفاء أو ثم ، إمّا بين الضرب والمسح كبعضها ، أو بينه وبين الوجه واليدين أيضاً كآخر ، أو بينها وبين اليدين أيضاً كثالث .
وجعل تلك الأخبار دليلاً ـ كجماعة (٢) ـ غير جيّد وإن اشتمل بعضها على الحمل بقوله : « هذا التيمّم » إذ لا دلالة في نقل الترتيب على الوجوب ؛ لاحتمال كونه أحد فردي المخيّر ، فإنّه لا مفرّ من نوع ترتيب ولا يمكن الجمع ، فلا يعلم كونه جزءاً من البيان .
وقد يستدلّ أيضاً : بالآية ، بضميمة ما ورد في أخبار الوضوء والسعي من قولهم : « ابدأ بما بدأ الله سبحانه » (٣) وبأصل الاشتغال ، وقاعدة البدلية والمنزلة .
ويضعّف غير الأول بما مرّ مراراً . وهو بمنع عموم تلك الأخبار بحيث يشمل جميع المواضع ، ولفظة « ما » يحتمل الموصوفية وهي للعموم غير مفيدة .
السادس : المباشرة بنفسه ، ووجوبها مجمع عليه ؛ وهو الحجة فيه ، مضافاً إلى أنه الأصل في خطاب شخص خصوصاً أو عموماً .
ولو تعذّرت ، استناب ، عند علمائنا كما في المدارك (٤) .
وتدلّ عليه : مرسلة ابن أبي عمير : « يؤمّم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة » (٥) .
ومرسلة الفقيه : « المجدور والكسير يؤمّمان ولا يغسلان » (٦) .
ورواية ابن سكين (٧) وغيره : إنّ فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور فغسّلوه
__________________
(١) انظر : الوسائل ٣ : ٣٥٨ و ٣٦١ أبواب التيمم ب ١١ و ١٢ .
(٢) كالمحقق في المعتبر ١ : ٣٩٣ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٤٧ ، وصاحب الحدائق ٤ : ٣٥٤ .
(٣) انظر : الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥ وج ١٣ : ٤٨١ أبواب السعي ب ٦ .
(٤) المدارك ٢ : ٢٢٧ .
(٥) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣٣ ، الوسائل ٣ : ٣٤٨ أبواب التيمم ب ٥ ح ١٠ .
(٦) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٤٨ أبواب التيمم ب ٥ ح ١٢ بتفاوت يسير .
(٧) في « هـ » : ابن سليمان ، وهو تصحيف .
فمات ، فقال عليه السلام : « قتلوه ، ألا سألوا ؟ ! ألا يمّموه ؟ ! » (١) الحديث .
فيضرب النائب يد العليل ويمسحها ، فإن لم يمكن ضرب يده يضرب يده ، لوجوب الاستنابة في جميع الأفعال .
ولو تعذّرت مباشرة الضرب فقط ولكن أمكن مسح ظاهر الكفين والوجه بالتراب ، فالظاهر وجوبه ؛ لإِطلاق الآية . وكذا من قطعت يداه فيمسح وجهه بالأرض .
السابع : الموالاة ، وهي أيضاً إجماعية على ما به صرّح في المنتهى (٢) ، وفي المدارك : إنه قد قطع الأصحاب باعتبارها (٣) .
وهو الحجة في المقام لو ثبت خاصة ، لا عموم البدلية والمنزلة ؛ لما عرفت ، مع أنهما لا ينتهضان حجّتين في التيمّم بدل الغسل ، والتعدّي بعدم الفصل ليس أولى من العكس . بل في بدل الوضوء أيضاً ؛ لأنّ الموالاة المعتبرة فيه لا تجري هنا ، مع أنه احتمل في نهاية الإِحكام عدم وجوبها في بدل الغسل (٤) .
ولا التيمّمات البيانية حيث توبع فيه ؛ لمنعه ، وعدم دلالته لو ثبت .
ولا يفيد الحمل في بعض الأخبار ؛ لعدم معلومية كون التتابع ـ لو كان ـ في روايات الحمل من جزء المحمول .
ولا أنها مقتضى اختصاص التيمّم بآخر الوقت ، لما يأتي من أنّ المراد بالآخر الآخر العرفي الذي لا ينافيه بقاء شيء من الوقت بعده (٥) ، إلّا أن تحمل الموالاة أيضاً على نحو من ذلك .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٦٨ الطهارة ب ٤٥ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٥٩ / ٢١٨ رواها مرسلة ، التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٩ ، مستطرفات السرائر : ١٠٨ / ٥٦ ، الوسائل ٣ : ٣٤٦ أبواب التيمم ب ٥ ح ١ و ٢ .
(٢) المنتهى ١ : ١٤٩ .
(٣) المدارك ٢ : ٢٢٧ .
(٤) نهاية الإِحكام ١ : ٢٠٨ .
(٥) انظر : ص ٤٦٨ .
ولا الآية ، كما استدلّ بها تارة باعتبار الأمر بالتيمّم بعد إرادة الصلاة فوراً ، إمّا لأجل دلالة الأمر على الفور ، أو لإِفادة الفاء للتعقيب بلا مهملة ، ومقتضاه الإِتيان بجميع أفعال التيمم متتابعةً بلا فصل لتحقّق الفورية والتعقيب .
واُخرى باعتبار الأمر بمسح الوجه بعد قصد الصعيد والضرب عليه بلا فاصلة ، لأحد الوجهين ، ويتمّ في باقي الأعضاء بعدم الفصل .
لما يرد على الوجه الأول للاعتبار الأول : من منع كون الأمر للفور .
وعلى الثاني : أن الفاء التعقيبية إنما هي العاطفة دون الجزائية .
وعلى الوجهين : عدم وجوب التيمّم بعد الإِرادة فوراً بالإِجماع ، مع أنهما إنما يفيدان لو كان التيمّم في الآية بالمعنى الشرعي وهو ممنوع ، بل قوله : صعيداً ، يعيّن اللغوي .
وعلى الوجه الأول للثاني أيضاً : ما مرّ .
وعلى الثاني : أنه إنما يفيد لو كان المراد بالتيمّم هو الضرب على الصعيد دون ما إذا اُريد به المعنى اللغوي الذي هو القصد ؛ لعدم وجوب الضرب ولا المسح بعد القصد بلا فصل إجماعاً ، فتكون الفاء منسلخةً عن معنى التعقيب قطعاً . ودون ما إذا اُريد به الشرعي ؛ لأنّ الفاء تكون حينئذٍ تفصيليةً ، ولا إفادة للتعقيب لها أصلاً .
ثم لو أخلّ بالموالاة فهل ترك الواجب فقط ، أو يبطل التيمّم أيضاً ؟ ظاهر المدارك : التردّد (١) .
والحق الثاني ؛ إذ يكون المسح المأمور به حينئذٍ ما كان عقيب الضرب بلا تراخٍ ، فلا يكون غيره مأموراً به ، كالواجب الموقّت .
ثم إذا عرفت أنه لا دليل على اعتبارها سوى الإِجماع ، فالواجب الحكم بما ثبت فيه ، فلا يضرّ الفصل القليل .
__________________
(١) المدارك ٢ : ٢٢٨ .
الثامن : طهارة الماسح والممسوح مع إمكان التطهير ، فإن لم يمكن يصحّ التيمّم بدونها إن لم تتعدّ النجاسة إلى التراب ، وإن تعدّت ، سقط التيمّم والصلاة .
أمّا الأول فذهب إليه طائفة منهم : الذكرى (١) واللوامع ؛ لعموم البدلية والمنزلة . وقد عرفت ضعفهما ، مع أنّ في الاشتراط في المبدل أيضاً كلاماً كما مرّ ؛ ولإِيجابه تنجّس التراب بملاقاته النجاسة . وهو أخصّ من المدّعى ، مع أنّ المسلّم اشتراط طهارة التراب قبل الضرب والمسح ، وأمّا النجاسة الحاصلة بالضرب أو المسح فلا دليل على مانعيتها أصلاً ، ولذا ذهب في المدارك إلى عدم اشتراطها (٢) ، ونقله في اللوامع عن جماعة ، وهو الحقّ الموافق للأصل وإطلاق الروايات .
وأمّا الثاني فهو كذلك ، ودليله ظاهر ، وفي اللوامع : إنّ عليه ظاهر الوفاق .
وأمّا الثالث فذكره في اللوامع ؛ ووجهه اشتراط طهارة التراب ، وقد عرفت ما فيه ، بل لو تعدّت نجاسة الماسح إلى الممسوح لم يضرّ بالتيمّم .
نعم تجب إزالتها للصلاة مع الإِمكان ، وإن لم يمكن ، صلّى معها .
ولا يحرم تنجيس البدن ولو علم عدم إمكان التطهير للصلاة ؛ للأصل .
وممّا ذكر ظهر أنه لو كان باطن الكفّين نجساً لا ينتقل إلى ظهرهما ، ومع نجاسة الظهر أيضاً لا ينتقل إلى ضرب الجبهة كما قيل (٣) .
نعم ، يمكن أن يقال بعدم تعيّن الباطن حينئذٍ ؛ لأنّ دليله الإِجماع ، وهو في المقام غير متحقّق .
__________________
(١) الذكرى : ١٠٩ .
(٢) المدارك ٢ : ٢٢٨ .
(٣) كما في الذخيرة : ١٠٣ .
الفصل الخامس : في أحكامه
وفيه مسائل :
المسألة الاُولى : لا يصحّ التيمّم للصلاة قبل دخول الوقت وإن علم استمرار العذر ، بالإِجماع المحقّق والمصرّح به في المعتبر والمنتهى والقواعد ( والتذكرة ) (١) والدروس (٢) ، وغيرها (٣) . ويصح مع تضيقه كذلك .
وفي صحته بعد دخوله وعند السعة أقوال :
الأول : المنع مطلقاً ، وهو مختار الشيخين والسيد والقاضي والحلبي والحلّي والديلمي والشهيد الثاني في الروض (٤) ، بل أكثر علمائنا كما في التذكرة والمنتهى والدروس وشرح القواعد والحبل المتين (٥) ، وغيرها (٦) ، بل بالإِجماع كما في الناصريات والانتصار والسرائر (٧) ، وعن الشيخ (٨) ، والغنية وأحكام الراوندي (٩) ،
__________________
(١) ليست في « هـ » .
(٢) المعتبر ١ : ٣٨١ ، المنتهى ١ : ١٣٩ ، القواعد ١ : ٢٣ ، التذكرة ١ : ٦٤ ، الدروس ١ : ١٣٢ .
(٣) كالتنقيح ١ : ١٣٣ ، والمفاتيح ١ : ٦٣ ، والحدائق ٤ : ٣٥٦ .
(٤) المفيد في المقنعة : ٦١ ، الطوسي في النهاية : ٤٧ ، المبسوط ١ : ٣١ ، الاقتصاد : ٢٥١ ، السيد في الانتصار : ٣١ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٤٧ ، وشرح الجمل : ٦١ ، الحلبي في الكافي : ١٣٦ ، الحلي في السرائر ١ : ١٤٠ ، الديلمي في المراسم : ٥٤ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٢٢ .
(٥) التذكرة ١ : ٦٤ ، المنتهى ١ : ١٤٠ ، الدروس ١ : ١٣٢ ، جامع المقاصد ١ : ٥٠٠ ، الحبل المتين : ٩٢ .
(٦) كالذكرى : ١٠٦ ، وكشف اللثام ١ : ١٤٨ .
(٧) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٩ ، الانتصار : ٣١ ، السرائر ١ : ١٤٠ .
(٨) لم نعثر على ادعاء الإِجماع في كتبه الفقهية ، نعم قال في تفسير التبيان ٣ : ٢٠٩ : لا يجوز التيمم عندنا إلا عند تضيق الوقت .
(٩) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، فقه القرآن ١ : ٣٧ .
والطبرسي (١) ، وشرح جمل السيد للقاضي (٢) ، واختاره بعض مشايخنا المحقّقين (٣) .
وهو الأقوى ؛ للأصل ، والمستفيضة كصحيحة محمد : « إذا لم تجد الماء وأردت التيمم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (٤) .
وحسنة زرارة : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإن خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت » (٥) .
ونحوها روايته المروية في التهذيب ، إلّا أن مقام قوله : « فليطلب » : « فليمسك » (٦) .
وموثّقة ابن بكير : « فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت ، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض » (٧) .
والاُخرى المروية في قرب الإِسناد : عن رجل أجنب فلم يصب الماء ، أيتيمّم ويصلّي ؟ قال : « لا حتى آخر الوقت ، فإن فاته الماء لم تفته الأرض » (٨) .
والرضوي : « وليس للمتيمّم أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت أو إلى أن يتخوّف خروج وقت الصلاة » (٩) .
وصحيحة ابن حمران ، وفيها : « ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر
__________________
(١) لم نعثر عليه في مجمع البيان .
(٢) لم نعثر على ادعاء الاجماع في شرح الجمل ، ولكن قد حكى عنه في كشف اللثام ١ : ١٤٨ .
(٣) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
(٤) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ / ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٤ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ١ .
(٥) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ / ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٣ .
(٦) التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦٠ ، الوسائل ٣ : ٣٦٧ أبواب التيمم ب ١٤ ذيل الحديث ٣ .
(٧) التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٥ ، الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ٣ .
(٨) قرب الإِسناد ١٧٠ ـ ٦٢٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ٤ .
(٩) فقه الرضا (ع) : ٨٨ و ٨٩ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٤٧ أحكام التيمم ب ١٧ ح ١ .
الوقت » (١) .
والمروي في الدعائم : « لا ينبغي أن يتيمّم من لم يجد الماء إلّا في آخر الوقت » (٢) .
وفي المعتبر وغيره ، عن علي عليه السلام في الجنب : « يتلوّم ـ أي ينتظر ويمكث ـ ما بينه وبين آخر الوقت ، فإن وجد الماء وإلّا يتيمّم » (٣) .
وفي دلالة بعضها على الوجوب وإن كان كلام ، إلّا أنّ دلالة أكثرها واضحة صريحة ، كما أنّ في سند بعضها وإن كان ضعف ، إلّا أن أكثرها في غاية الاعتبار والقوة ، مع أنّ جميعها بما مرّ ـ من الإِجماعات ، والشهرة العظيمة القديمة المحقّقة والمحكية ـ منجبرة ، وبأصالة عدم مشروعية التيمّم وبقاء الاشتغال واستصحاب عدم جواز الدخول في الصلاة معتضدة .
والثاني : الجواز كذلك ، وهو مختار المنتهى والتحرير والإِرشاد والبيان (٤) ، والمحكي عن الصدوقين (٥) ، وظاهري الجعفي وجامع البزنطي (٦) وإن كان في ظهوره عن كلام الأخير نظر ، وإليه ذهب جمع من المتأخّرين كما قيل (٧) ، وعليه إطباق العامة كما في الناصريات والانتصار والمعتبر والتذكرة (٨) ؛ للأصل ، والعامي المروي في المعتبر وغيره : « أينما أدركتني الصلاة تيمّمت وصلّيت » (٩) .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٠٣ / ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ / ٥٧٥ ، الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ٥ .
(٢) دعائم الاسلام ١ : ١٢٠ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٤٧ أحكام التيمم ب ١٧ ح ٢ .
(٣) المعتبر ١ : ٣٨٢ ، سنن البيهقي ١ : ٢٣٣ .
(٤) المنتهى ١ : ١٤٠ ، التحرير ١ : ٢٢ ، الارشاد ١ : ٢٣٤ ، البيان : ٨٦ .
(٥) حكاه عن الصدوق في المختلف : ٤٧ ، ولكن قال في المقنع ٨ : اعلم أنه لا تيمم للرجل حتى يكون في آخر الوقت .
(٦) حكاه عنهما في الذكرى : ١٠٧ .
(٧) الرياض ١ : ٧٧ .
(٨) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٩ ، الانتصار : ٣١ ، المعتبر ١ : ٣٨٢ ، التذكرة ١ : ٦٤ .
(٩) المعتبر ١ : ٣٨٢ ، سنن البيهقي ١ : ٢٢٢ .