مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

لصحيحتي رفاعة وابن المغيرة ، المتقدّمتين (١) ، وحسنة أبي بصير : « إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به ، فإنّ الله أولى بالعذر ، إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمّم به » (٢) .

وصحيحة زرارة : أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول ؟ قال : « يتيمّم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته ، فإنّ فيها غباراً ويصلّي » (٣) .

وموثّقتي زرارة : « إن أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمّم من غباره أو من شي‌ء معه ، وإن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به » (٤) .

والمرويين في الدعائم والنوادر ، المتقدّمين في المسألة الرابعة (٥) ، ورواية الدعائم ، المتقدّمة في الثالثة (٦) ، وهي وإن كانت مطلقةً بالنسبة إلى الاختيار وعدمه ، إلّا أنّها ضعيفة في غير محل الانجبار .

والاقتصار في بعض تلك الأخبار على اللبد أو مع الثوب أو مع السرج أو العرف ، بعد عموم قوله في الصحيحتين : « أو شي‌ء مغبر » وفي الموثّقتين : « أو من شي‌ء معه » والتعليل في صحيحة زرارة : « فإنّ فيها غباراً » غير ضائر . كما أنّ إطلاق بعضها بالنسبة إلى المغبر وغيره غير مفيد للتعميم ، بعد التقييد في بعض‌

__________________

(١) في ص ٣٨٩ .

(٢) الكافي ٣ : ٦٧ الطهارة ب ٤٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٧ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمم ب ٩ ح ٧ .

(٣) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٤ ، الاستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤١ ، مستطرفات السرائر : ٧٣ / ١١ ، الوسائل ٣ : ٣٥٣ أبواب التيمم ب ٩ ح ١ .

(٤) الأولى : التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ / ٥٤٥ ، الوسائل ٣ : ٣٥٣ أبواب التيمم ب ٩ ح ٢ ، الثانية : التهذيب ١ : ١٩١ / ٥٥١ ، الوسائل ٣ : ٣٥٣ أبواب التيمم ب ٩ ح ٢ بتفاوت في السند .

(٥) راجع ص ٣٩٦ .

(٦) راجع ص ٣٩١ .

٤٠١
 &

آخر بالأمر بالتيمّم بالغبار أو المغبر ، والأمر في بعض بالنفض ، مضافاً إلى الإِجماع .

وأمّا بالحجر ولو كان خالياً عن الغبار : فلرواية النوادر ، السالفة في الثالثة (١) ، وهي وإن كانت مطلقةً بالنسبة إلى فقد التراب ووجوده ، إلّا أنّ ضعفها مانع عن العمل بها في غير موضع الانجبار .

وأمّا بالطين والوحل : فللمستفيضة المتقدّمة .

ثم إنّه يترتّب المغبر والحجر مع الطين ، فالأولان مقدّمان على الثالث سواء كان وحلاً أو غيره ، ولكن لا ترتيب بين الأولين ، كما ليس بين الأشياء المغبرة .

أمّا الحكم الأول فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل في صريح المنتهى وظاهر الذكرى : عليه الإِجماع (٢) ، لتعليق تجويز التيمّم بالطين في الموثّقتين والصحيحتين والحسنة بحال لا يجد غيره ممّا ذكر في الروايات عموماً أو خصوصاً ، فيدلّ بالمفهوم على عدم الجواز بدون تلك الحال .

مضافاً إلى التصريح في الحسنة بانه إنما هو إذا لم يكن معه ثوب أو لبد ، وفي الصحيحتين بتعيّن الأجف ، وبذلك يقيّد إطلاق رواية ابن مطر (٣) .

خلافاً للمحكي عن المهذّب وبعض المتأخّرين (٤) ، فقدّم الطين عليهما ؛ لرواية زرارة ، المتقدّمة في الرابعة (٥) .

وردّه في المنتهى (٦) تارة : بعدم الدلالة ؛ لعدم التعرّض فيها لنفي التراب ، فلعلّ التيمّم به . وهو تمحلّ بعيد .

واُخرى : بالضعف ، وهو كذلك سنداً وعملاً ؛ فإنّ مضمونها مخالف

__________________

(١) راجع ص ٣٩١ .

(٢) المنتهى ١ : ١٤٣ ، الذكرى : ٢٢ .

(٣) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمم ب ٩ ح ٦ .

(٤) الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٦١ .

(٥) راجع ص ٣٩٥ .

(٦) المنتهى ١ : ١٤٣ .

٤٠٢
 &

للمعروف من مذهب الأصحاب المدّعى عليه الإِجماع ، فلا تكون حجةً .

مع أنّ محط الاستدلال إن كان صدرها فهو مطلق يجب تقييده ، وإن كان قوله : « فإنه راكب . . . » فهو غير دالٍّ ، لإِمكان إرجاع الضمير إلى الرجل مطلقاً ، وكون الفاء للتعقيب الذكري ، ويكون سؤالاً عن راكب يخاف النزول سواء وجد التراب لو نزل أم لا ، من غير أن يكون من تتمة سابقة ، ويؤكّده قوله : « وليس على وضوء » ولو كان تتميماً لما سبق لكان ذلك لغواً .

ولبعض مشايخنا المحقّقين ، فقدّمه على الحجر ؛ لما يأتي (١) .

وأمّا الثاني : فلثبوت جواز التيمّم بكلٍّ منهما مع فقد التراب ، والأصل عدم تعيّن أحدهما للتقديم .

فإن قيل : مقتضى الصحيحين (٢) الرجوع إلى الأجف والمغبر ، ولازمه عدم جواز الانتقال إلى غيرهما ، ولو كان حجراً فيؤخّر .

قلنا : مقتضى رواية النوادر (٣) ـ المنجبرة في المقام ـ جواز التيمّم بالحجر ولو مع وجود الأجف والمغبر فيعارضان ، فيرجع إلى التخيير أو أصالة عدم التعيين ، مع أنّ قوله : « أو من شي‌ء معه » (٤) عام خرج عنه غير المغبر والحجر بالإِجماع ، فيبقى الباقي .

خلافاً للشيخ في النهاية والحلّي ، فقدّما الحجر الخالي عن الغبار (٥) .

وللديلمي فعَكَس (٦) ، ونسبه بعض مشايخنا إلى السيد أيضاً واختاره (٧) ؛ ولعلّه للصحيحين وما بمعناهما الدالّين على الانتقال إلى الغبار بعد انتفاء التراب ،

__________________

(١) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .

(٢) صحيحتا رفاعة وابن المغيرة ، راجع ص ٣٨٩ .

(٣) المتقدمة في ص ٣٩١ .

(٤) في موثقتي زرارة ، راجع ص ٤٠١ .

(٥) النهاية : ٤٩ ، الحلي في السرائر ١ : ١٣٧ .

(٦) المراسم : ٥٣ .

(٧) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .

٤٠٣
 &

وضعف مستند الحجر ، فيقتصر فيه على موضع الإِجماع وهو بعد الغبار والطين .

وبعد ما عرفت من جبر ضعف مستنده يظهر لك دفع ذلك .

وأمّا الثالث : فلظواهر النصوص المتقدّمة ، وفاقاً للمفيد (١) بل الأكثر ، وخلافاً لنهاية الشيخ ، فقدّم اللبد والعرف على الثوب (٢) ، وللحلّي فعَكَس (٣) ، ولا نعرف لهما دليلاً سوى ما في المنتهى للشيخ من كثرة وجود أجزاء التراب غالباً فيهما دون الثوب (٤) .

وضعفه ظاهر ؛ لمنع الكثرة أولاً ، وعدم اعتبارها ثانياً ؛ لإِطلاق النصوص .

ومنه يظهر أنه لو كان هناك أشياء مغبرة وكان بعضها أكثر غباراً لم يجب تقديمه .

خلافاً للمحكي عن الثانيين (٥) ، ولا وجه له ، كما لا وجه لما عن الإِسكافي من تخصيص الغبار بما لم يكن على الحيوان (٦) ، مع أن ظاهر عرف الدابة صريح في ردّه ، لعدم الفرق ، فيجوز ولو كان الغبار على جسد نفسه .

وهل يشترط في المغبر كون غباره ممّا يتيمّم به من تراب ونحوه ؟ الظاهر : نعم ، كما به صرّح جماعة منهم : السيد والحلّي والفاضل (٧) ، لا لأجل حمل إطلاق الأخبار على الغالب ، لكون كلٍّ من الغلبة والحمل محل النظر ، بل لمنع كون غيره ـ كغبار الدقيق والاُشنان ونحوه ـ غباراً حقيقةً لغةً ، ولا أقل من الشك ، فلا يندفع أصالة اشتغال الذمة به .

__________________

(١) المقنعة : ٥٩ .

(٢) النهاية : ٤٩ .

(٣) السرائر ١ : ١٣٨ .

(٤) المنتهى ١ : ١٤٢ .

(٥) المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٨٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦ .

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٤٩ .

(٧) السيد في المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٨ ، والحلي في السرائر ١ : ١٣٨ ، الفاضل في المنتهى ١ : ١٤٢ .

٤٠٤
 &

والغبار المركّب منهما والمشكوك فيه كغبار ما لا يتيمّم به ، والوجه ظاهر .

فروع :

أ : إن تمكن من تجفيف الطين والوحل ـ ولو بطليه على الجسد ثم فركه ـ حتى يجتمع التراب ويتيمّم به ، وجب ؛ تحصيلاً لمقدمة الواجب المقدورة .

ب : لو أمكن جمع الغبار بنفض الثوب ومثله بحيث يجتمع به تراب صالح للتيمّم به ، جاز قطعاً .

وهل يجب مقدّماً على التيمّم بالثوب ونحوه ؟ الظاهر : نعم ؛ لعدم تحقّق فقد التراب حينئذٍ ، ووجوب تحصيل مقدمة الواجب .

ومنع صدق التراب على الغبار المجتمع ضعيف ، بل هو تراب عرفاً ، كما يدلّ عليه كلام الديلمي (١) ، وصرّح به بعض المحقّقين (٢) ، مع أنّ دلالة حسنة أبي بصير (٣) على ذلك محتملة .

ج : الظاهر كفاية الغبار الكامن في المحل ، وعدم اشتراط نفضة في التيمّم على الثوب ونحوه ؛ لإِطلاق الأخبار .

وقيل : يشترط (٤) ؛ للحسنة .

ودلالتها على الوجوب غير واضحة ، مع أنه يمكن أن يكون المراد منها نفض الثوب وجمع غباره والتيمّم به ، فيخرج عن المورد .

د : يجوز التيمّم بالغبار المتصاعد من الأرض المغصوبة ؛ لعدم كونه مالاً ، ولكن لا يجوز إذا كان المحل المغبر مغصوباً .

وصريح الإِسكافي اشتراط عدم كون المغبر نجساً (٥) ، وفيه نظر .

__________________

(١) المراسم : ٥٣ .

(٢) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٤٥ .

(٣) المتقدمة في ص ٤٠١ .

(٤) انظر جامع المقاصد ١ : ٤٨٣ .

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٤٩ .

٤٠٥
 &

وكذا إذا كان الغبار متصاعداً من تراب نجس ؛ لإِطلاق الأخبار ، وعدم معلومية تعدّي الإِجماع ـ الذي هو دليل اشتراط طهارة المتيمّم به كما يأتي (١) ـ إلى هنا أيضاً .

هـ : الأصح في كيفية التيمّم بالطين والوحل ما عن السرائر أنه كالتيمّم بالتراب (٢) ؛ لظاهر الأخبار .

وعن المقنعة والخلاف والنهاية والمبسوط والمهذب : أنه يضع يديه ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالاُخرى ويفرك طينهما حتى لا تبقى فيهما نداوة ثم يمسح (٣) ، وعلّل بكونه مقتضى ظاهر النصوص (٤) .

وفيه منع ظاهر ، مع احتمال إخلاله بالموالاة .

وعن الوسيلة والتحرير : أنه يترك يديه بعد الضرب حتى ييبس ثم ينفض ويتيمّم به (٥) .

وعن التذكرة ونهاية الإِحكام : أنه الوجه إن لم يخف فوات الوقت ، فإن خاف عمل بمذهب الشيخين (٦) .

ولا يخفى أنه قد يفوت به أيضاً ، مع أنّ ما في الوسيلة ليس تيمّماً بالطين ، بل هو التجفيف والتيمّم بالتراب .

الثامنة : لو لم يوجد إلّا الثلج فإن أمكن تحصيل الماء منه بإذابة أو عصر أو كسر أو وضع اليد عليه حتى يجتمع فيها يسير ماء يجري على الجسد أو يمسح به بحيث يجري ماؤه ، وجبت الطهارة المائية ولم يجز التيمّم مطلقاً ؛ لصدق وجدان‌

__________________

(١) انظر : ص ٤١٠ .

(٢) السرائر ١ : ١٣٨ .

(٣) المقنعة : ٥٩ ، الخلاف ١ : ١٥٥ ، النهاية : ٤٩ ، المبسوط ١ : ٣٢ ، المهذب ١ : ٣١ .

(٤) كما في المعتبر ١ : ٣٧٧ .

(٥) الوسيلة : ٧١ ، التحرير ١ : ٢٢ .

(٦) التذكرة ١ : ٦٢ ، نهاية الإِحكام ١ : ٢٠٠ .

٤٠٦
 &

الماء ، وعليه الإِجماع في كلام الأصحاب .

وإن لم يمكن ذلك ، ولا التطهّر منه بمثل الدهن ، انتقل إلى التيمّم بالإِجماع أيضاً .

وإن أمكن الدهن به فهو إمّا بأخذ نداوة منه باليد والتدهين بها ، أو بمسحه على الجسد .

فالأول يرجع إلى مسألة جواز الدهن في الطهارة وعدمه مطلقاً أو اضطراراً ، ولا خصوصية نصّاً ولا خلافاً للدهن بماء الثلج أو غيره ، فلا وجه للتعرّض له هنا .

وكذا الثاني إن قلنا : إنّ الدهن المتنازع فيه سابقاً أعم من الدهن بأخذ الماء أو من التمسّح بالشي‌ء الرطب ولو بمثل الثلج ، وإن قلنا باختصاصه بالأول وعدم شمول الدهن لمثل ذلك ، فيكون لاختصاصه بالذكر هنا وجه .

والحقّ فيه : العدم ؛ لأصالة عدم المشروعية ، لعدم صدق الغَسل ، ولأنّ إجزاءه إمّا مقدّم على التيمّم ، أو مؤخّر عنه .

فإن كان الأول ، يدفعه : إطلاق الصحيحتين والموثّقتين المتقدّمة (١) .

ولا تعارضها صحيحة علي ، المتقدّمة في مسألة حدّ الغسل من باب الوضوء (٢) ؛ لعدم حجيتها ، لمخالفة عمل الأصحاب ، إذ لم يقل بالتطهر من الثلج إلّا الشيخان وابنا حمزة وسعيد (٣) ، وهؤلاء صرّحوا بتأخّره عن التيمّم ، فلا قائل بمدلولها ، مع أنّ كلامهم صريح في أخذ النداوة باليد ، وأمّا المسح بالجسد فلم يقل به أحد .

وعلى فرض الحجية فتتعارض مع الأربعة بالعموم من وجه ؛ لاختصاص‌

__________________

(١) صحيحتا رفاعة وابن المغيرة ، وموثقتا زرارة . راجع ص ٣٨٩ و ٤٠١ .

(٢) التهذيب ١ : ١٩٢ / ٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ / ٥٤٧ ، الوسائل ٣ : ٣٥٧ أبواب التيمم ب ١٠ ح ٣ .

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٩ ، الشيخ في النهاية : ٤٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٧١ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٧ .

٤٠٧
 &

الصحيحة بصورة القدرة على التطهّر بالثلج وعمومها بالنسبة إلى حصول الغسل والجريان ، واختصاص الأربعة بما إذا لم يمكن الطهارة بماء الثلج قطعاً ، وعمومها بالإِضافة إلى القدرة على التطهر بالثلج . والترجيح للأربعة ؛ لموافقتها مع قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) ومع قطع النظر عنه يرجع إلى أصالة عدم المشروعية وبقاء الاشتغال .

وإن كان الثاني يدفعه عدم الدليل .

وأما رواية محمد : عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلّا الثلج ، قال : « يغتسل بالثلج أو ماء النهر » (١) فظاهر في إجراء الماء ؛ لأنّه المفهوم من الاغتسال ، فتحمل على إذابة الثلج ، وتدلّ عليه التسوية بينه وبين ماء النهر .

وأمّا رواية ابن شريح ـ المذكورة في باب الوضوء أيضاً ـ فهي واردة في الجمد (٢) ، والغالب فيه الجريان بعد مماسّة حرارة الجسد .

نعم لو قلنا بإمكان عدم الجريان مع الدلك أيضاً وعدم التفرقة بين الثلج والجمد ـ كما هما الظاهران ـ أمكن القول بالدلك بعد فقد ما يتيمّم به ؛ لخروج حال إمكانه بالمعارضة المتقدّمة ، ولا بأس به حيث إنّه الأحوط بل الأظهر .

ثم التيمّم المنتقل إليه بعد العجز عن إجراء ماء الثلج ـ المقدّم على الدلك ـ هل هو يختص بما مرّ من التراب والغبار والطين على الترتيب دون غيرها ؟ أو يتيمّم بالثلج أيضاً مؤخّراً عن الثلاثة أو مقدّماً عليها كلاً أو بعضاً ؟ الحقّ : الأول ، وفاقاً للحلّي (٣) بل الأكثر ؛ للأصل .

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩١ / ٥٥٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤٢ ، الوسائل ٣ : ٣٥٦ أبواب التيمم ب ١٠ ح ١ .

(٢) التهذيب ١ : ١٩١ / ٥٥٢ ، الاستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤٣ ، مستطرفات السرائر : ١٠٨ / ٥٧ ، الوسائل ٣ : ٣٥٧ أبواب التيمم ب ١٠ ح ٢ .

(٣) السرائر ١ : ١٣٨ .

٤٠٨
 &

وخلافاً للإِسكافي والسيد في المصباح (١) والإِصباح والمراسم (٢) ، فيتيمّم به .

والظاهر منهم تأخيره عن الثلاثة ؛ لصحيحة محمد : عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً ، قال : « هو بمنزلة الضرورة يتيمّم » (٣) .

ويجاب عنه : باحتمال أن يكون المراد : ولم يجد من جنس الماء ، لا من الماء وما يتيمّم به ؛ لعدم مرجّح للمقدّر ، فيكون التيمّم المأمور به بالتراب ، مع أنه يمكن أن يكون مرادهم من التيمّم التمسّح بنداوته بأعضاء الطهارة كما قيل (٤) ، فتنتفي دلالة الصحيحة رأساً .

التاسعة : لا يصح التيمّم بالتراب المغصوب إجماعاً ، كما في التذكرة والمنتهى (٥) ؛ للنهي المقتضي للفساد .

ولا بالتراب المباح في المكان المغصوب ، لا للنهي عن الكون فيه ؛ لأنّه ليس جزء التيمّم ولا شرطه (٦) .

ولا لاقتضاء الأمر بالخروج النهي عن ضدّه الخاص الذي هو التيمّم ؛ لمنع كونه ضدّاً له ، بل هو أمر مقارن له ولتركه ، فإن التيمّم يجتمع مع الخروج أيضاً .

ولا لأنّ المفهوم عرفاً من الأمر بالتيمّم والنهي عن الغصب عدم الرضا بالتيمّم في المكان الغصبي ؛ لأنّه تركيب جعلي ، فنقول : يفهم الرضا بالتيمّم والنهي عن الغصب .

__________________

(١) حكاه عن الإِسكافي والسيد في المعتبر ١ : ٣٧٧ .

(٢) المراسم : ٥٣ .

(٣) الكافي ٣ : ٦٧ الطهارة ب ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٩١ / ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ / ٥٤٤ ، المحاسن : ٣٧٢ / ١٣٤ ، مستطرفات السرائر : ١٠٧ / ٥٤ ، الوسائل ٣ : ٣٥٥ أبواب التيمم ب ٩ ح ٩ .

(٤) انظر جامع المقاصد ١ : ٤٨٥ ، والرياض ١ : ٧٦ .

(٥) التذكرة ١ : ٦٢ ، المنتهى ١ : ١٤٤ .

(٦) توجد في « ح » حاشية منه رحمه الله تعالى : بل هو من ضروريات الجسم ، غايته أنه مقدمة للتيمم ، والتوصل بالمقدمة الحرام لا يبطل ذي المقدمة كما بين في الأصول .

٤٠٩
 &

ولا لأنّ حركة اليد حين رفعها من الأرض للمسح وللضرب تصرّف في الملك المغصوب ؛ لأنّ هذه الاُمور أيضاً غير التيمّم .

بل لأنّ مسح الجبهة والكفين عبارة عن إمرار اليد عليهما ، وذلك الإِمرار تصرّف في الهواء المغصوب ، فيكون منهياً عنه ، وبه يبطل المسح الذي هو عين التيمّم .

وعلى هذا فلو كان على موضع مغصوب ولكن أخرج رأسه وكفّيه منه ومسحهما ، لا يبطل .

ولو حبس في مكان مغصوب ولم يجد ماءً مباحاً يصح استعماله ، قال في شرح القواعد : يتيمّم بترابه وإن وجد غيره ؛ لأنّ الإِكراه أخرجه عن النهي ، فصارت الأكوان مباحةً ؛ لامتناع التكليف بما لا يطاق ، إلّا ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الكون ، ومن ثمّ جاز له أن يصلّي وينام ويقوم (١) . وهو كذلك .

ولا بالنجس إجماعاً محقّقاً ومنقولاً في الناصريات والتذكرة (٢) ، وفي المنتهى : لا نعرف فيه مخالفاً (٣) ، وفي المدارك : إنه مذهب الأصحاب (٤) ؛ له ، ولقوله سبحانه : ( صَعِيدًا طَيِّبًا ) .

والمراد بالطيّب وإن لم يتعيّن لغةً أنه الطاهر ، وكثير من المفسّرين ـ بل أكثرهم ـ فسّروه به ، وبعضهم بالحلال ، وبعض بما ينبت منه النبات (٥) ، ولكنه محتمل الإِرادة .

وصدق الطيب اللغوي بجميع معانيه على النجس غير معلوم ، فيكون مجملاً وبه تقيّد المطلقات ، والمقيّد بالمجمل ليس بحجةً في موضع الِإجمال ، فيؤخذ فيما هو خلاف الأصل ـ وهو إباحة ما يشترط الطهور فيه ـ بالمتيقّن ، وهو الطاهر .

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٤٨٠ .

(٢) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٩ ، التذكرة ١ : ٦٢ .

(٣) المنتهى ١ : ١٤٤ .

(٤) المدارك ٢ : ٢٠٤ .

(٥) انظر : تفسير الطبري ٦ : ٨٨ ، والتبيان ٣ : ٢٠٧ ، ومجمع البيان ٢ : ٥٢ ، والدر المنثور ٢ : ١٦٧ .

٤١٠
 &

وقد يستدلّ أيضاً : بالروايات المتضمّنة لقوله صلّى الله عليه وﺁله : « وجعلت لي الأرض ـ أو ترابها ـ طهوراً » (١) حيث إنّ الطهور في اللغة : الطاهر المطهّر (٢) .

وضعفه ظاهر ؛ فإنّه لا يدلّ على اشتراط مطهّريته .

ويتعدّى الحكم إلى غير التراب بالإِجماع المركّب .

العاشرة : إذا امتزج بما يتيمّم به ـ كالتراب ـ ما لا يتيمّم به ، فإن كان الخليط مستهلكاً غير موجب لسلب اسم التراب ، يصح التيمّم به ، وإلّا لم يصح وإن غلب التراب ، كما صرح به في الخلاف (٣) .

ولو دخل فيه ما لا يعلّق بالكف كالتبن والشعير والشعر ، قال في المنتهى : يجوز التيمّم به ؛ لصدق وجود التراب وعدم منع ما فيه من التصاق اليد به (٤) .

واستشكله في المدارك ؛ لاعتبار مماسة باطن الكفين بأسرهما بالصعيد ، وما أصاب الخليط لا يماس التراب (٥) .

وفيه نظر سيظهر وجهه .

الحادية عشرة : يستحب أن يكون التيمّم بعوالي الأرض ورباها ؛ لتفسير الصعيد في معاني الأخبار والرضوي بالموضع المرتفع (٦) . وأن لا يكون من أثر الطريق ؛ لرواية غياث (٧) .

ويكره بالسبخة والرمل كما صرّح به الأكثر ، وهو كافٍ في إثبات الكراهة .

__________________

(١) راجع ص ٣٨٨ .

(٢) كما في روض الجنان : ١٢٠ ، والحدائق ٤ : ٣١٢ .

(٣) الخلاف ١ : ١٣٦ .

(٤) المنتهى ١ : ١٤٢ .

(٥) المدارك ٢ : ٢٠٥ .

(٦) معاني الأخبار : ٢٨٣ ، وفقه الرضا (ع) : ٩٠ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٢ : ٥٢٨ أحكام التيمم ب ٥ ح ٢ .

(٧) الكافي ٣ : ٦٢ الطهارة ب ٤٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ١٨٧ / ٥٣٨ ، الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمم ب ٦ ح ٢ .

٤١١
 &

الفصل الثالث : فيما يشرع له التيمّم‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : مشروعية التيمّم للصلاة عند تعذّر المائية إجماعية ، بل ضرورية دينية منصوصة كتاباً وسنةً .

ولا فرق فيها بين الحاضرة والفائتة ؛ لعموم الآيتين ، ورواية أبي همام : « يتيمّم لكلّ صلاة حتى يوجد الماء » (١) وسائر المطلقات والعمومات .

ولا بين اليومية وغيرها ، كالجمعة والعيدين والآيات والمنذورة ، ولا بين الواجبة والنافلة المرتبة وغيرها ، ذات السبب والمبتدأة ، بلا خلاف ظاهر في شي‌ء منها ؛ لما ذكر .

وكذا يشرع لكلّ ما تجب له المائية ويبيحه عند تعذّرها ، وفاقاً للمعظم ، كالشيخ في المبسوط والجمل والعقود (٢) ، والإِصباح والمعتبر والشرائع والجامع والمنتهى والتذكرة والقواعد والبيان وروض الجنان والكركي (٣) ، بل في المعتبر : عليه إجماع علماء الإِسلام ، وفي اللوامع والمعتمد : نقل الإِجماع عن الفاضل أيضاً (٤) ، وفي موضع من الحدائق : إنّ المشهور أنّ التيمّم يبيح ما تبيحه المائية مطلقاً ، وفي موضع آخر منه : إنّ عليه الأصحاب (٥) ، وفي التذكرة نفى الخلاف عن استباحة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠١ / ٥٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٨ ، الوسائل ٣ : ٣٧٩ أبواب التيمم ب ٢٠ ح ٤ .

(٢) المبسوط ١ : ٣٠ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٩ .

(٣) المعتبر ١ : ٤٠٧ ، الشرائع ١ : ٥٠ ، الجامع للشرائع : ٤٦ ، المنتهى ١ : ١٥٤ ، التذكرة ١ : ٦٤ ، القواعد ١ : ٢٣ ، البيان : ٨٧ ، روض الجنان : ١٣٠ ، الكركي في جامع المقاصد ١ : ٥٥٠ .

(٤) التذكرة ١ : ٦٤ .

(٥) الحدائق ٤ : ٣٧٠ و ٣٧٢ .

٤١٢
 &

المسّ والتلاوة (١) .

للرضوي ـ المنجبر ضعفه بما مرّ ـ : « والتيمّم غسل المضطر ووضوؤه » (٢) فإنّ من وجب عليه المشروط بالمائية ولم يتمكّن منها مضطر ، وعمومه الجنسي يشمل جميع أفراده ، ويلزمه كونه مبيحاً لكلّ ما تبيحه ؛ إذ بفرض وجوبه ولو بالنذر يباح بالتيمّم ، فكذا قبله ، لعدم الفصل قطعاً .

وتدلّ عليه في خصوص اللبث في المساجد الآية أيضاً ، حيث نهي فيها عن قرب الصلاة التي اُريد بها المسجد ـ كما ورد في الأخبار (٣) ـ إلّا عبوراً حتى يغتسل ، ثم قال : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ . . . ) (٤) فدلّ على الجواز بعد التيمّم .

وتؤيّد المطلوب : استفاضة النصوص بطهورية التراب ، وأنّه أحد الطهورين ، وأنّ الله جعله طهوراً كما جعل الماء طهوراً (٥) ، وفي الصحيح : أنه بمنزلة الماء ، وفي خبر أبي ذر : « يكفيك الصعيد عشر سنين » (٦) وأن ما يبيح أعظم العبادات يبيح غيره بطريق أولى ، وما ورد في الأخبار الكثيرة من إطلاق الأمر بالتيمّم لذوي الأعذار ، وصحيحة زرارة في رجل يتيمّم : « يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء » (٧) .

وجعل هذه أدلّة ـ ككثير منهم ـ غير جيّد .

خلافاً للمحكي عن فخر المحقّقين في استباحة اللبث ؛ لقوله سبحانه :

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٥ .

(٢) فقه الرضا (ع) : ٨٨ .

(٣) انظر : الوسائل ٣ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥ .

(٤) النساء : ٤٣ .

(٥) انظر : الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٣ .

(٦) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٩ / ٥٧٨ ، الوسائل ٣ : ٣٦٩ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٢ .

(٧) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٧٩ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٣ ح ٣ .

٤١٣
 &

( حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ) ومسّ المصحف ؛ لعدم فصل الاُمة بينهما (١) .

وفيه : أنه لا ينافي ثبوت البدلية بدلالة خارجة ، مع أنها تثبت بدلالة متّصلة ، كما مرّ .

ولصاحب المدارك ، فقال بأنه يبيح ما يبيحه مطلق الطهارة ، كالصلاة ؛ لقوله عليه السلام : « لا صلاة إلا بطهور » (٢) ومسّ المصحف ؛ لقوله تعالى : ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (٣) دون ما يتوقّف على نوع خاص منها كصوم الجنب ؛ إذ المستفاد من الأخبار أنه طهور ، وكالماء في الطهورية ، فيكفي فيما يتوقّف عليها دون ما يتوقّف على خصوص الوضوء أو الغسل ، لعدم ثبوت بدليته عنهما عموماً (٤) .

وفيه ـ مع توقّفه على ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة ، ثم كونها مشتركةً معنويةً بين الثلاثة ـ : أنّ هذا إنّما يتمّ لو اُريد من الطهارة فيما تبيحه مطلقها ، وهو باطل جزماً ، لعدم كفاية المطلق ، لتعيّن المائية مع التمكّن منها ، فيكون المراد منها الفرد الخاص لا القدر المشترك ، فلا يفيد .

والقول بأنّ التيمّم مع وجود الماء ليس طهوراً ، فالمراد مطلقها أي ما يحصل به الطهر ، سواء كان تيمّماً كما في بعض الأوقات ، أو وضوءاً كما في بعض آخر ، أو غسلاً كما في ثالث ، مدفوع : بأنه إنما يفيد لو ثبت طهورية التيمّم عند فقد الماء مطلقاً أيضاً ، وهو محل النزاع .

الثانية : ظاهر نهاية الإِحكام أنّ التيمّم يستحب لكلّ ما يستحب له

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٦٦ و ٦٧ .

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ١ .

(٣) الواقعة : ٧٩ .

(٤) المدارك ١ : ٢٣ .

٤١٤
 &

الوضوء والغسل عند تعذّرهما (١) ، وبه صرّح الأردبيلي (٢) ووالدي العلّامة رحمه الله ، وبعض مشايخنا المحقّقين (٣) ، وبعض سادة مشايخنا في منظومته (٤) ، والحدائق ، ونسبه فيه إلى المشهور (٥) .

وهو الحقّ ؛ لكفاية فتوى هؤلاء مع الشهرة المحكية في إثبات الاستحباب ، ولذا قال الشيخ علي في شرح القواعد : والحقّ أنّ ما ورد به النصّ أو ذكره من يوثق به من الأصحاب ـ كالتيمّم بدلاً من وضوء الحائض للذكر ـ يصار إليه (٦) . انتهى .

مضافاً إلى الرضوي : « وصفة التيمّم للوضوء والغسل من الجنابة وسائر أبواب الغسل واحد » (٧) . فإن المستفاد منه مشروعية التيمّم المستلزمة لرجحانه في جميع أبواب الغسل ، حيث إنّ الجمع المضاف مفيد للعموم .

ويثبت في جميع أبواب الوضوء أيضاً بعدم الفصل ، بل بما بعد قوله المتقدم : « التيمّم غسل المضطر ووضوؤه » : « وهو نصف الوضوء من غير ضرورة إذا لم يجد الماء » (٨) دلّ على أنه نصف الوضوء حين لا يوجد الماء مطلقاً في غير حال الوجوب ، والمراد نصفيته في الترغيب أو الثواب أو الفضيلة أو أضراب ذلك ، وكلّ ما كان يفيد الرجحان ، بل ذكره عليه السلام لذلك إنشاء لبيان الرجحان . وضعفهما بعد جبرهما بما مرّ غير ضائر ، مع أنّ المقام مقام المسامحة .

__________________

(١) نهاية الإِحكام ١ : ٢١٥ .

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٤٣ .

(٣) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .

(٤) بحر العلوم في الدرة النجفية : ٤٧ .

(٥) الحدائق ٤ : ٣٧٠ .

(٦) جامع المقاصد ١ : ٧٩ .

(٧ و ٨) فقه الرضا (ع) : ٨٨ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٥ أحكام التيمم ب ٩ ح ١ .

٤١٥
 &

ويؤيّد المطلوب : خبر أبي ذر (١) ، ورواية المنزلة (٢) ، ونحوهما .

خلافاً للمنتهى في بحث الأغسال المستحبة ، والمدارك ، فقالا بعدم كونه بدلاً عن الغسل المستحب أصلاً ؛ للأصل (٣) .

وللكركي ، فخصّ البدلية بما كان مبدله رافعاً (٤) ، واختاره في روض الجنان في غير غسل الإِحرام (٥) .

وعن الشهيد التردّد في غير الرافع ؛ لأخبار الطهورية في الرافع ، والأصل في غيره (٦) .

وللفاضل الخوانساري في شرح الدروس ، فخصّها بما يستحب له مطلق الطهارة (٧) ؛ لمثل ما مرّ في المسألة السابقة (٨) .

وضعف الكل يظهر ممّا ذكرنا .

الثالثة : يجوز التيمّم لصلاة الجنازة لغير المتطهّر ، ولو مع التمكن من استعمال الماء ، على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإِجماع عن الخلاف والمنتهى والتذكرة (٩) .

وهو الحجة لكون المقام مقام المسامحة ، مضافاً إلى إطلاق موثّقة سماعة ، السابقة في المسألة الخامسة من الفصل السابق (١٠) ، ومرسلة حريز : « والجنب يتيمّم

__________________

(١) المتقدم في ص ٤١٣ .

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٦ ، الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٣ ح ٢ .

(٣) المنتهى ١ : ١٣٢ ، المدارك ١ : ٢٤ .

(٤) جامع المقاصد ١ : ٧٩ .

(٥) روض الجنان : ٢٠ .

(٦) الذكرى : ٢٥ .

(٧) مشارق الشموس : ٥٠ .

(٨) راجع ص ٤١٤ الرقم (٤) .

(٩) الخلاف ١ : ١٦٠ ، والمنتهى ١ : ١٥٦ ، والتذكرة ١ : ٦٥ .

(١٠) راجع ص ٣٩٩ .

٤١٦
 &

ويصلّي على الجنازة » (١) .

خلافاً للمحكي عن الإِسكافي والمعتبر (٢) ، فخصّاه بخوف الفوت ؛ تمسّكاً بأصالة اشتراط عدم التمكّن من الماء في التيمّم ، وصحيحة الحلبي : عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء ، فإن ذهب يتوضّأ فاتته الصلاة ، قال : « يتيمّم ويصلّي » (٣) وتضعيفاً للإِجماع بكونه منقولاً ، والموثّقة بوقف الراوي وإضمار الرواية .

ويضعّف الأول : بمنع ثبوت الأصالة عموماً ، وتخصيصها بما مرّ لو ثبتت .

والثاني : بأنّ التقييد إنما هو في كلام الراوي ، وهو لا ينافي ثبوت الإِطلاق .

والثالث : بعدم ضيره في مقام التسامح ، مع عدم قدح الوقف والإِضمار بعد ثبوت العدالة ومِن مثل سماعة .

ثم جوازه إنما هو على الاستحباب دون الوجوب ؛ لعدم نهوض ما ذكر لإِثباته ، مضافاً إلى الإِجماع على عدم وجوب الطهارة في تلك الصلاة .

وقيل : يستحب للنوم أيضاً ولو مع وجود الماء (٤) ، بل في الحدائق : الظاهر أنه لا خلاف فيه ، وفي اللوامع أنه مجمع عليه .

ولكن المستفاد من بعض مشايخنا المحقّقين اختصاص القول به بجملة من متأخّري المتأخّرين (٥) .

احتجّ القائل بالاستحباب : بمرسلة الفقيه : « من تطهّر ثم أوى إلى فراشه

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٩ الجنائز ب ٥٠ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ / ٤٨٠ ، الوسائل ٣ : ١١٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٢ .

(٢) المعتبر ١ : ٤٠٥ ، وحكاه عن الإِسكافي في ص ٤٠٤ .

(٣) الكافي ٣ : ١٧٨ الجنائز ب ٤٩ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ١١١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٦ .

(٤) كما في روض الجنان : ٢٠ ، والمفاتيح ١ : ٦٠ ، والحدائق ٤ : ٤١١ .

(٥) توجد في « ح » حاشية منه رحمه الله تعالى : قال ـ أي الوحيد البهبهاني ـ في شرحه على المفاتيح : ولم يذكر المصنف أن أحداً أفتى به ، بل ظاهره أنه لم يُفت به أحد ، والظاهر أنه كذلك ، إلّا أن الظاهر من المصنف ولعل غيره أيضاً من جملة متأخري المتأخرين أفتوا بالاستحباب مع وجود الماء مطلقاً . شرح المفاتيح ( المخطوط ) .

٤١٧
 &

بات وفراشه كمسجده ، فإن ذكر أنه على غير وضوء فليتيمّم من دثاره كائناً ما كان » (١) .

ولا يخفى أن مقتضاها اختصاص الاستحباب بحال تذكّره في فراشه عدم الوضوء ، كما هو ظاهر مختار والدي قدس سره ، لا مطلقاً كما هو الظاهر من غيره .

ومع ذلك فهي معارضة بمفهوم الشرط في رواية أبي بصير ومحمد ، المروية في العلل والخصال : « لا ينام المسلم وهو جنب ، ولا ينام إلّا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد » (٢) .

ولذا يظهر من بعض مشايخنا الميل إلى عدم جوازه إلّا مع العجز عن الماء (٣) .

إلّا أنه يمكن أن يقال : إنّ المرسلة ـ لاختصاصها بحال تذكّر عدم الوضوء في الفراش ـ أخصّ من وجه من الرواية فتساقطان ، والأصل وإن اقتضى عدم مشروعية التيمّم مطلقاً ، إلّا أنّ نفي الخلاف والإِجماع المنقول يكفيان لإِثبات استحبابه ، إلّا أنّهما يثبتانه في صورة التذكر في الفراش خاصة ، لتعارضهما في غيرها مع الرواية النافية له .

ثم إنّه لا تجوز الصلاة وسائر مشروطات الطهارة بذلك التيمّم وسابقة وإن حصل العجز بعد التيمم . والوجه ظاهر .

نعم لو صادف العجز حال الفعل أيضاً ، جازت .

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٦ / ١٣٥٣ ، الوسائل ١ : ٣٧٨ أبواب الوضوء ب ٩ ح ٢ .

(٢) علل الشرائع : ٢٩٥ / ١ ، الخصال : ٦١٣ ، الوسائل ٢ : ٢٢٧ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٣ .

(٣) كشف الغطاء : ١٦٩ .

٤١٨
 &

الفصل الرابع :

في كيفيته ، أي أفعاله الواجبة ، وهي اُمور :

الأول : النية ، ووجوبها مجمع عليه ؛ وهو ـ مع ما مرّ في الوضوء ـ دليل عليه .

وكيفيتها وما يعتبر فيها وما لا يعتبر ووجوب استدامتها حكماً والمراد منها يظهر ممّا سبق (١) .

__________________

(١) توجد في « ح » حاشية منه رحمه الله تعالى :

اعلم أن الخلاف في نية الوجه والاستباحة هنا كما سبق في الوضوء . وأما قصد رفع الحدث فلم يعتبر هنا عند الأكثر على اعتباره في المائية أيضاً ، لعدم ارتفاعه بالتيمم بالإِجماع ، كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة مؤيداً بقوله عليه السلام لمن تيمم من الجنابة لشدة البرد : « صليت بأصحابك وأنت جنب » .

بل قيل بعدم جواز قصده والبطلان معه .

وعن الشهيد في قواعده : جواز نية الرفع إلى غاية معينة إما الحدث أو وجود الماء .

وقيل بجواز نية رفع المانع من الصلاة دون الحدث .

وأما القول بجواز نية رفع الماضي دون المقارن واللاحق فهو في دائم الحدث كالمبطون والسلس دون المتيمم .

وقال والدي العلامة ـ رحمه الله ـ : إن الحدث يطلق تارة على نفس الناقض ، واُخرى على الحال المعلولة له التي هي العلة لمنع الشارع ، وثالثة على نفس الممنوعية من العبادة . فالأول علة للثاني والثاني للثالث . ولا ريب أن نية رفع الأول غير معقول ، فالكلام في أحد الأخيرين . فإن كان المراد الثاني فلا يرتفع بالتراب ، لأن واجد الماء بعد التيمم للجنابة ـ مثلاً ـ بعده جنب قطعاً مع أنه لم يحدث بسبب الجنابة والحالة باقية قطعاً ، بخلاف المغتسل فإنه لا يجنب إلا بسبب جديد .

وإن كان الثالث فهو مرتفع بالتيمم ولا غاية له بل هو باق ما دام التيمم باقياً كما في المائية ، غاية الأمر ناقضية الماء للتيمم أيضاً دونها .

فقول الشهيد بجواز الرفع إلى غاية ، إن أراد رفعه بالمعنى الثاني فهو لا يرتفع ، وإن أراد الثالث فهو في الماء والتراب على طريق واحد ، غاية الأمر أن الممنوعية بسبب الحالة السابقة ترتفع في المائية مطلقاً وفي الترابية إلى غاية ، ولكن هذا القيد غير معتبر في النية قطعاً .

=

٤١٩
 &

ووقتها ـ الذي لا يجوز التأخير عنه ـ عند ضرب اليد على المشهور ، ولو (١) ضرب يديه على الأرض لسبب آخر ـ ولو راجح شرعاً ـ ثم أراد التيمّم يجب عليه ضرب آخر مع قصد التيمّم .

لا للأخبار الآمرة بضرب الكفّين ؛ لأنّه ـ مع أنّ أكثر الأخبار الواردة في ذلك المضمار إنّما وردت بلفظ الإِخبار الغير المفيد للوجوب ـ لا نزاع في وجوبه حتى من المخالف ، فإنه يقول : إنه واجب خارج عن التيمّم شرط له ، ونقل الإِجماع عليه جملةً من الأصحاب (٢) ، فإثبات الوجوب لا يفيد في وجوب مقارنة نية التيمّم له . وضمّ الأصلية في الوجوب المتوقّفة ( صحته ) (٣) على النية باعتبار أنها الأصل في الوجوب أيضاً غير مفيد ؛ لأنّ لازمه وجوب مقارنة نية الضرب له دون التيمّم ، والظاهر أنه لا كلام فيه ، وأنّ الفاضل ـ الذي هو المخالف ـ قال بوجوبه أيضاً ولم يكتف بوضع اليد على الأرض لأجل القيام أو ضربها لقتل دويبة أو نحوه عن ضربة التيمّم ، وإنما الكلام في نية التيمّم ومحلها ، ولا يفيد في ذلك وجوب الضرب وشرطيته ، كما لا تجب نية الصلاة عند الوضوء .

بل لاستصحاب الممنوعية من الصلاة ، والنصوص الدالّة على أنّ الضرب‌

__________________

=

وأما القول الرابع ، فإن أراد بالمانع المنع ـ كما قيل ـ يرجع إلى المعنى الثالث ، وإن أراد الثاني فقد عرفت حاله .

والتحقيق ما ذكره الوالد قدس سره ، إلا أنه يمكن أن يمنع حدوث الحالة الثانية ، بل الحادثة هي الاُولى والثالثة فقط ، والاُولى علة للثالثة ، وكذا سائر ما رتبه الشارع من ارتفاع الممنوعية وعدم عودها ما لم يحدث حدث آخر ، وارتفاعها وعدم عودها مع ما ذكر أو وجود الماء مع الترابية .

ثم إن في اعتبار نية البدلية عن الغسل أو الوضوء أقوال :

العدم ، والوجود ، والتفصيل بالأول مع اختلاف كيفية التيمم والثاني مع عدمه ، والوجود فيما يزيد المأمور به على ماهية الغسل كغسل الجمعة ، فيلزم منه البدلية عنه دون غيره . ويظهر حقيقة الحال فيه مما مر في بحث الوضوء .

(١) في « ق » : فلو .

(٢) كالشهيد في الذكرى : ١٠٧ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٨٩ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢١٧ .

(٣) ليست في « ق » .

٤٢٠