أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
يتحمّل عسر وحرج ، فلا تكليف به . ولو وقع التعارض بين أخبار ذوي التجارب فالمرجع الظن .
ج : خوف الشين (١) حدوثاً وزيادةً مسوّغ للتيمّم إن بلغ حدّاً يتأذّى به ويشقّ تحمّله عادة ، بالإِجماع المحقّق والمحكي من الفاضلين (٢) وغيرهما (٣) ؛ لنفي الضرر والعسر ، بل ـ في بعض صوره ـ لإِطلاق أخبار القروح والجروح المنضم مع عدم الفصل بين خوف الحدوث والزيادة ، إلّا أن يجنب عمداً ، فيغتسل ، لما مرّ .
وفي التعدّي إلى مطلق الشين وإن لم يتفاحش بحيث يتأذّى به ويعسر تحمّله قولان :
أولهما صريح نهاية الإِحكام والروض (٤) ، بل هو ظاهر إطلاق الأكثر ، ولا دليل عليه يعتمد .
والثاني للمنتهى (٥) ، واللوامع ، وغيرهما (٦) . وهو المعتمد ؛ لأنّ المناط حصول الضرر أو العسر ، وهما غير متحقّقين في مطلقه ، والظاهر تحقّقهما فيما إذا بلغ حدّ تشقّق الجلد أو خروج الدم ، بل في الأدون منهما أيضاً .
د : لو اندفع الضرر بتسخين الماء ، أو بتحصيل ماء الحمام ، أو بالغسل في الحمام ـ ولو باُجرة مقدورة ـ وجب ، وكذا شراء النار والحطب . والحكم في الثمن والاُجرة كما مرّ في الماء وآلته (٧) .
السابع : المشقة الشديدة الحاصلة من التألّم الذي لا يسهل تحمّله عادة في استعمال الماء وإن لم يخش الضرر وسوء العاقبة ، كالتألّم بالبرد الشديد ، أو الوجع ،
__________________
(١) الشين : ما يحدث في ظاهر الجلد من الخشونة يحصل به تشويه الخلقة . مجمع البحرين ٦ : ٢٧٣ .
(٢) المحقق في المعتبر ١ : ٣٦٥ ، العلامة في المنتهى ١ : ١٣٦ .
(٣) كصاحب الحدائق ٤ : ٢٨٦ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ٨ .
(٤) نهاية الإِحكام ١ : ١٩٥ ، روض الجنان : ١١٧ .
(٥) المنتهى ١ : ١٣٦ .
(٦) كجامع المقاصد ١ : ٤٧٣ ، والكفاية : ٨ .
(٧) راجع ص ٣٦٧ .
أو الحرقة في خراجه (١) وإن لم يزد المرض ، أو الحرّ الشديد ، كما يتّفق في بعض الحمامات إذا لم يمكن غيره .
وهي مسوّغة للتيمّم ، وفاقاً لنهاية الشيخ والمبسوط والإِصباح وظاهر الكافي والغنية والمراسم والجامع والنافع والمنتهى ونهاية الإِحكام والبيان (٢) ، واختاره بعض مشايخنا المحقّقين (٣) ؛ لعموم أدلّة نفي العسر والحرج ، بل صحيحتي ابن سرحان والبزنطي (٤) ، فإنّ الظاهر من قوله : « أو يخاف على نفسه البرد » أنه يخاف من التأثّر بالبرد ، لا أن يتلف ، وإلّا لقال : من البرد .
إلّا أن يتعمّد الجنابة فيغتسل لما مرّ ، كما صرّح به في الأول من الكتب المذكورة (٥) .
وخلافاً للقواعد والأردبيلي ، فقالا : يغتسل مطلقاً (٦) ؛ للصحيحتين المتقدّمتين لمحمد وسليمان (٧) .
ويجاب عنهما : بمعارضتهما مع الصحيحتين المذكورتين ، وبقاء نافيات العسر بلا معارض ، مع أنّ بعد تخصيص صحيحتي التيمّم بغير المتعمّد ـ كما مرّ ـ تصيران أخصّين مطلقاً من صحيحتي الغسل ، فتخصّص الأخيرتان بالاُوليين . بل المرفوعة الثانية (٨) ، لأجل اختصاص موضوعها بذي عذر غير فقد الماء ـ للأمر
__________________
(١) الخُراج : ما يخرج في البدن من القروح . الصحاح ١ : ٣٠٩ .
(٢) النهاية : ٤٥ ، المبسوط ١ : ٣٠ ، الكافي في الفقه : ١٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المراسم : ٥٣ ، الجامع للشرائع : ٤٥ ، المختصر النافع : ١٦ ، المنتهى ١ : ١٣٥ ، نهاية الإِحكام ١ : ١٩٥ ، البيان : ٨٤ .
(٣) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
(٤) المتقدمتين في ص ٣٧٤ .
(٥) النهاية : ٤٦ .
(٦) القواعد ١ : ٢٢ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢١٥ .
(٧) راجع ص ٣٧٤ ، ٣٧٥ .
(٨) المتقدمة في ص ٣٧٥ .
بالغسل للمتعمّد فيها ـ وهو الخائف أو المتألّم ، تكون أخصّ مطلقاً منهما أيضاً ، تخصيصهما بها لازم .
الثامن : خوف العطش ـ لو استعمل الماء ـ على نفسه ، بالإِجماع المحقّق والمحكي مستفيضاً (١) .
للمستفيضة المعتبرة ، كصحيحة محمد : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل خاف العطش ، أيغتسل به أو يتيمّم ؟ قال : « بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء » (٢) .
وصحيحة ابن سنان : في رجل أصابته جنابة في السفر ، وليس معه إلّا ماء قليل ، ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش ، قال « إن خاف عطشاً فلا يهرق منه قطرة وليتمّم بالصعيد » (٣) .
وموثّقة سماعة : عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته ، قال : « يتيمّم بالصعيد ويستبقي الماء » (٤) وغير ذلك .
ولا فرق في العطش بين الحال والمتوقّع في زمان يخاف عدم حصول الماء ؛ لإِطلاقها ، وعموم نافيات العسر ، وإلقاء النفس في التهلكة .
ولا بين العطش المؤدّي إلى الهلاكة أو المشقة أو الضعف أو المرض حدوثاً أو زيادةً ؛ لما مرّ . بل مقتضى الإِطلاقات كون العطش اليسير أيضاً كذلك ، ولكن الظاهر الإِجماع على خروجه .
ولا بين خوف عطش نفسه أو من يعسر عليه هلاكه أو مرضه أو مشقته من الأقارب والأصدقاء والمماليك ؛ لما مرّ ، سيما قوله : « فيخاف قلّته » و « خاف العطش »
__________________
(١) كما في المنتهى ١ : ١٣٤ ، والحدائق ٤ : ٢٨٩ .
(٢) التهذيب ١ : ٤٠٦ / ١٢٧٥ ، الوسائل ٣ : ٣٨٨ أبواب التيمم ب ٢٥ ح ٢ .
(٣) الكافي ٣ : ٦٥ الطهارة ب ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٧ ، الوسائل ٣ : ٣٨٨ أبواب التيمم ب ٢٥ ح ١ .
(٤) التهذيب ١ : ٤٠٥ / ١٢٧٤ ، الوسائل ٣ : ٣٨٨ أبواب التيمم ب ٢٥ ح ٣ .
و « خاف عطشاً » .
بل منه يظهر التعدّي إلى خوف عطش كلّ مسلم ، مضافاً إلى الإِجماع وبعض مؤيّدات اُخر ، مع فحوى تسويغ خوف العطش على نفسه ، بل التعدّي إلى خوف العطش على دابته وحمولته مما يتضرّر بتلفه ، أو يحتاج إليه في سفره . وإخراج ما لا يحتاج إليه في سفره وإن تضرّر به جرياً على الشراء قياس باطل .
ولو خاف عطش دابة لم يحتج إليه ولم يتضرّر بعطشه ، بأن أمكن انتفاعه بذبحه من غير تضرّر ، ففيه تردّد : من جهة اندفاع الضرر والعسر به ، ومن صدق خوف العطش ، إلّا أن يمنع تحقّق الخوف في مثله ، فيرجّح الأول ، وهو الأظهر .
ومنه يظهر عدم التعدّي إلى الحربي والمرتدّ عن فطرة ، والحيوانات الغير المحترمة . وأمّا الذمّي ففيه نظر ، والتعدّي أظهر ، سيما إذا احتاج إلى رفاقته .
ثم إنّ الخوف على العطش إنّما يكون مع تيقّن عدم حصول ماء آخر أو ظنّه ، بل الظاهر تحقّقه مع تساوي احتمال الحصول وعدمه . وأمّا إذا ظنّ الحصول فالظاهر عدم تحقّق الخوف ولا الحجر المسوّغين للتيمّم .
والتسويغ لأصالة عدم الحصول ـ كما قيل (١) ـ فاسد جدّاً ؛ لأن ذلك الأصل لا يدفع الظنّ المناقض للخوف الموجب للتسويغ . وكذا الحكم في احتمال حدوث العطش زماناً آخر .
__________________
(١) انظر التذكرة ١ : ٦٠ .
الفصل الثاني : فيما يجوز به التيمّم ، أي ما يتمّم به
وفيه مسائل :
المسألة الاُولى : يجوز التيمّم بالتراب ، إجماعاً ، بل ضرورة . وتدلّ عليه الآية ؛ لأنّ الصعيد إمّا التراب أو الأرض الصادقة عليه ، والأخبار المتواترة .
ولا فرق فيه بين ألوانه من الأسود والأصفر والأبيض والأحمر ، كالأرمني ، بإجماع العلماء ، كما في التذكرة (١) ، لصدق الاسم .
ولا يشترط فيه أن يكون متفرق الأجزاء غير مستمسك بعضها ببعض ، بل يصح بما كان مستمسكاً أيضاً ، كالأرض الترابية الصلبة ؛ لصدق التراب وعدم صحة سلبه عنها .
وأمّا المَدَر واللبنة فلا يصدق عليهما التراب وإن جاز التيمّم بهما من جهة أخرى ، كما يأتي .
الثانية : الأكثر ـ على ما قيل ـ على جواز التيمّم بكلّ ما يصدق عليه اسم الأرض وإن لم يكن تراباً ، ونسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا (٢) ، وفي المنتهى إلى الأصحاب (٣) ؛ للأمر في الآية والأخبار المتكثّرة جدّاً بالتيمّم بالصعيد الذي هو وجه الأرض ، كما في كلام جماعة من أهل اللغة ، كصاحب العين والمحيط والأساس والخلاص وثعلب وابن الأعرابي والراغب والشامي والزجاج مدّعياً عدم الخلاف في ذلك بين أهل اللغة (٤) ، ويظهر من الأخبار ، كالمرويين في فقه الرضا
__________________
(١ و ٢) التذكرة ١ : ٦٢ .
(٣) المنتهى ١ : ١٤١ .
(٤) العين ١ : ٢٩٠ ، أساس البلاغة : ٢٥٤ ، مفردات الراغب : ٢٨٠ ، حكاه عن الزجاج في مقاييس اللغة ٣ : ٢٨٧ .
ومعاني الأخبار المفسّر أحدهما له بالموضع المرتفع (١) ، والآخر بالمرتفع من الأرض (٢) .
وللتصريح بجواز التيمّم على الأرض في جملة من الأخبار ، كصحيحة ابن سنان : « إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً فليمسح من الأرض » (٣) .
وصحيحة الحلبي : « إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمّم » (٤) .
وفي صحيحة محمد : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (٥) .
وفي صحيحة ليث : « تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما » (٦) .
والمستفيضة الواردة في التيمّم البياني وأنه ضرب بيده على الأرض (٧) ، والمصرّحة بكون الأرض مسجداً وطهوراً (٨) .
ويضعّف الأول : بمنع كون الصعيد مطلق وجه الأرض ، بل يجوز أن يكون هو التراب الخالص ، كما صرّح به جماعة اُخرى من اللغويين ، كما في الصحاح والمجمل ـ لابن الفارس ـ والمفصل والمقاييس (٩) ، وشمس العلوم والديوان ونظام الغريب والزينة ـ لأبي حاتم ـ والجمهرة ، وعن ابن عباس
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢٨٣ .
(٢) فقه الرضا (ع) : ٩٠ المستدرك ٢ : ٥٢٨ أبواب التيمم ب ٥ ح ٢ .
(٣) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٧ .
(٤) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، المحاسن : ٣٧٢ / ١٣٣ ، الوسائل ٣ : ٣٤٣ أبواب التيمم ب ٣ ح ١ .
(٥) الكافي ٣ : ٦٣ الطهارة ب ٤٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ / ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٤ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ١ .
(٦) التهذيب ١ : ٢٠٩ / ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٦ ، الوسائل ٣ : ٣٦١ أبواب التيمم ب ١٢ ح ٢ .
(٧) الوسائل ٣ : ٣٥٨ و ٣٦١ أبواب التيمم ب ١١ و ١٢ .
(٨) الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمم ب ٧ .
(٩) الصحاح ٢ : ٤٩٨ ، مجمل اللغة ٣ : ٢٢٦ وقال : الصعيد : التراب في كتاب الخليل ، والصعيد : الأرض المستوية ، مقاييس اللغة ٣ : ٢٨٧ .
والأصمعي وأبي عبيدة ، وربما ظهر من القاموس ومجمع البحرين (١) والكنز : الميل إليه ، والظاهر من السيد أنه المعروف من اللغويين (٢) ، وفسّره النيشابوري به أيضاً (٣) ، وكذا الشيخ في النهاية (٤) ، ونسبه بعض مشايخنا إلى كثير من فقهائنا بل أكثرهم (٥) .
وبهذه الأقوال تعارض أقوال المفسّرين له بالأرض ، ويخرج الأخير عن الحجية ، مع أنّ الأول هو الظاهر من الآية (٦) ؛ لظهور عود الضمير المجرور بـ « من » إلى الصعيد ، ولا ينافيه إرجاعه في الصحيح إلى التيمم (٧) ؛ لظهور أنّ المراد به ما يتيمّم به .
ويؤيّده : قوله في صحيحة زرارة : ثم أهوى بيده إلى الأرض فوضعهما على الصعيد (٨) .
وبهما يعارض الخبران (٩) ، مضافاً إلى ضعفهما ، مع أنّ الثابت منهما ليس إلّا الاستعمال الأعم من الحقيقة ، بل لا شك في كونه مجازاً ، لمخالفته لكلمات جميع أهل اللغة ، ومع أنّ في المرتفع من الأرض والموضع المرتفع عموماً يوجب الإِجمال في المراد المسقط للاستدلال .
وترجيح جعله اسماً للأرض بعد الترديد دفعاً للاشتراك والمجاز ـ كما في
__________________
(١) القاموس المحيط ١ : ٣١٨ قال : الصعيد : التراب أو وجه الأرض ، مجمع البحرين ٣ : ٨٥ .
(٢) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٩ ، وحكاه عنه في شرح المفاتيح : ( المخطوط ) .
(٣) تفسير النيسابوري ٥ : ٥٨ ( المطبوع في حاشية تفسير الطبري ) .
(٤) النهاية : ٤٨ .
(٥) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
(٦) ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) . المائدة : ٦ .
(٧) صحيحة زرارة : انظر الوسائل ٣ : ٣٦٤ أبواب التيمم ب ١٣ ح ١ .
(٨) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٢ ، الوسائل ٣ : ٣٦٠ أبواب التيمم ب ١١ ح ٨ .
(٩) وهما المرويان في فقه الرضا (ع) ومعاني الأخبار ، وقد تقدما في ص ٣٨٦ .
المعتبر (١) ـ مبني على ترجيح الاشتراك المعنوي ، وهو مطلقاً ممنوع ، كما بيّنّاه في الأصول .
والثاني : بوجوب إرادة التراب من الأرض ؛ للمروي في الخصال والعلل ، بإسنادهما عن جابر ، عن رسول الله صلّى الله عليه وﺁله : « قال الله عز وجل : جعلت لك ولاُمتك الأرض كلّها مسجداً وترابها طهوراً » (٢) .
وفي الناصريات والتذكرة وغيرهما من قوله صلّى الله عليه وﺁله : « جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً » (٣) .
فإنهما دلّا على عدم كون الأرض طهوراً ، لا باعتبار مفهوم اللقب ، كما توهّمه المحقّق فردّه بذلك (٤) ، بل باعتبار اقتضاء التفصيل لقطع الشركة .
ولا يعارضه ما ورد بذلك المضمون من غير ذكر : « وترابها » (٥) ؛ لأنّ غايته الإِطلاق الواجب تقييده بعد وجود المقيد .
ولا يضرّ ضعف إسنادهما ، مع أنّ بعض متأخّري المحدّثين وصف الحديث بالمشهور (٦) ، فضعفه به مجبور ، مضافاً إلى أن عدم عمل السيد بخبر الآحاد معروف ، فاحتجاجه به دليل على قطعيته عنده (٧) .
ولصحيحتي رفاعة وابن المغيرة :
__________________
(١) المعتبر ١ : ٣٧٣ .
(٢) الخصال : ٤٢٥ ، وعلل الشرائع : ١٢٧ / ٣ ، وعنهما في مستدرك الوسائل ٢ : ٥٢٩ أحكام التيمم ب ٥ ح ٣ .
(٣) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٩ ، والتذكرة ١ : ٦٢ ، ونقله أيضاً في غوالي اللاۤلي ٢ : ٢٠٨ / ١٣٠ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٠ أحكام التيمم ب ٥ ح ٨ .
(٤) المعتبر ١ : ٣٧٣ .
(٥) انظر الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمم ب ٧ .
(٦) قال الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٩٠ ، في مقام بيان احتجاج السيد المرتضى : اشتهر من قوله صلّى الله عليه وﺁله : جعلت . . .
(٧) كما احتج به في المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٩ .
الاُولى : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء ، فانظر أجفّ موضع تجده [ فتيمّم منه ] فإنّ ذلك توسيع من الله ، فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شيء مغبر ، وإن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به » (١) .
وقريبة منها الثانية (٢) .
دلّتا بالمفهوم على عدم كفاية غير التراب والماء مع وجودهما ، وأنه لا يكفي الطين الذي هو أيضاً من الأرض اختياراً ، فيكون إطلاق الأرض في بعض الروايات مقيّداً قطعاً .
ويؤيّده انصراف مطلقها إلى التراب ، دون غيره من الحجر ونحوه ؛ لندرته ، وغلبة التراب ، وأكمليته في الأرضية .
ومنه يظهر إمكان حمل قول من فسّر الصعيد بالأرض على التراب ، بل هو الظاهر من دعوى الزجاج المتقدمة (٣) ؛ إذ لو حمل مراده على مطلق الأرض لكان مخالفاً لكثير من اللغويين ، ويبعد غايته عدم وقوفه على كلامهم أو عدم اعتنائه بهم .
وممّا يؤيّد كون المراد بالأرض التراب : تصريحهم عليهم السلام بالتراب في روايات اُخر ، والأخبار الدالّة على اشتراط العلوق ، والآمرة بالنفض .
هذا ، مع عدم نهوض كثير من المطلقات المذكورة لإِثبات مطلوبهم ، كصحيحة ابن سنان (٤) ؛ فإنّها لتضمّنها لفظة « من » ظاهرة في التراب ، فإنه الذي يمكن فيه المسح بنفض منه .
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمم ب ٩ ح ٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر .
(٢) الكافي ٣ : ٦٦ الطهارة ب ٤٢ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ٣٥٦ أبواب التيمم ب ٩ ح ١٠ .
(٣) في ص ٣٨٥ .
(٤) المتقدمة في ص ٣٨٦ .
ولو سلّم إطلاقها لم يفد أيضاً ؛ لجواز أن يكون المراد بالطهور فيها الماء والتراب معاً كما وقع التصريح به في الأخبار المتكثّرة ، فيكون المطلق كافياً بعد العجز ، ولا كلام فيه هنا .
وأخبار التيمّمات البيانية (١) ، فإنّ الإِطلاق في الإِخبار عن الواقعة لا يدلّ على كفاية جميع أفراد المطلق .
وصحيحة ليث (٢) ؛ فإنّ الأمر بالنفض فيها ظاهر في أنّ المراد التراب .
وإذ ظهر ضعف هذه الوجوه ، والأصل عدم توقيف التيمّم بمطلق ما يصدق عليه الأرض ، فالحقّ : العدم ، كما ذهب إليه جماعة منهم : السيد (٣) والحلبيان (٤) والإِسكافي (٥) والنافع (٦) ، بل يظهر من الناصريات الإِجماع عليه (٧) .
الثالثة : لا يجوز التيمم بالحجر ، وفاقاً للناصريات مدّعياً ـ ظاهراً ـ الإِجماع عليه ، والإِسكافي ونهاية الشيخ والسرائر وعن التهذيب والغنية والوسيلة والمراسم والجامع (٨) ، بل ـ كما قيل ـ هو الظاهر من كلّ من اشترط العلوق (٩) ، ومال إليه شيخنا البهائي (١٠) ، ونسبه جماعة إلى الأكثر ، وبعض مشايخنا إلى الأعاظم ، قال : إنّ الأعاظم منعوا عنه ، مع كثرتهم وكونهم المؤسّسين لمذهب الشيعة ورؤساءهم
__________________
(١) انظر الوسائل ٣ : ٣٥٨ و ٣٦١ أبواب التيمم ب ١١ و ١٢ .
(٢) المتقدمة في ص ٣٨٦ .
(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٦ وحكاه عن شرح الرسالة في المعتبر ١ : ٣٧٢ .
(٤) أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ .
(٥) نقله عنه في الرياض ١ : ٧٥ .
(٦) المختصر النافع : ١٦ .
(٧) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٨ .
(٨) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٨ ، حكى عن الإِسكافي في المختلف : ٤٨ ، النهاية : ٤٩ ، السرائر ١ : ١٣٧ ، التهذيب ١ : ١٩٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ ، الوسيلة : ٧١ ، المراسم : ٥٣ ، الجامع للشرائع : ٤٧ .
(٩) كما في الحدائق ٤ : ٢٩٩ ، والرياض ١ : ٧٥ .
(١٠) الحبل المتين : ٣٣٨ .
المشهورين وعمدهم المعروفين (١) . وهو ظاهر في دعوى شهرة القدماء .
للأصل ، وتوقيفية العبادة ، وتعليق الطهورية بالتراب ، وصحيحتي رفاعة وابن المغيرة السابقتين (٢) ، بل صحيحة ابن سنان بالتقريب المتقدّم (٣) ، وتؤيّده أدلّة العلوق وأخبار النفض .
خلافاً للمحكي عن المبسوط والخلاف والجمل والمصباح والبيان والدروس واللمعة والكفاية (٤) ، واللوامع والمعتمد ، والفاضلين في غير النافع والنهاية (٥) فتردّدا فيهما (٦) ، ونسب إلى الشهرة المتأخّرة بل المطلقة (٧) ، وعن الطبرسي في المجمع : الإِجماع عليه (٨) .
لاستصحاب جواز التيمّم عليه قبل التحجر ، وصدق الأرض ، والمرويين في الدعائم ونوادر الراوندي :
الأول : « ولا يجوز التيمّم بالجصّ ولا بالرماد ولا بالنورة ، ويجزي بالصفا الثابت (٩) في الأرض إذا كان عليه غبار ولم يكن مبلولاً » (١٠) .
والثاني : فقيل له : أيتمّم بالصفا الثابتة (١١) على وجه الأرض ؟ قال :
__________________
(١) شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
(٢) في ص ٣٨٩ .
(٣) راجع ص ٣٨٩ .
(٤) المبسوط ١ : ٣٢ ، والخلاف ١ : ١٣٤ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٨ ، ومصباح المتهجد : ١٣ ، والبيان : ٨٥ ، والدروس : ١ : ١٣٠ ، واللمعة ( الروضة ١ ) : ١٥٤ ، وكفاية الأحكام : ٨ .
(٥) المحقق في المعتبر ١ : ٣٧٦ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٦٢ ، والتحرير ١ : ٢١ ، والقواعد ١ : ٢٢ ، والمنتهى ١ : ١٤١ .
(٦) المختصر النافع : ١٦ ، ونهاية الاحكام ١ : ١٩٨ .
(٧) كما في الحدائق ٤ : ٢٩٣ ، والرياض ١ : ٧٥ .
(٨) مجمع البيان ٢ : ٥٢ .
(٩) في المصدر : النابت .
(١٠) دعائم الاسلام ١ : ١٢١ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٢ أحكام التيمم ب ٥ ح ١٣ .
(١١) في المصدر : البالية .
« نعم » (١) والصفا هو الحجر .
ورواية السكوني : عن التيمّم بالجصّ فقال : « نعم » فقيل : بالنورة ؟ فقال : « نعم » فقيل : بالرماد ؟ فقال : « لا إنّه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر » (٢) دلّت على أنّ الخروج من الأرض علّة لجواز التيمّم ، والحجر خرج منها .
وتجويز التيمّم باللبن في الموثّق (٣) ، وعدم القول بالفرق بينه وبين الحجر .
وقد يستظهر للجواز : بأنّ الحجر تراب اكتسبت رطوبةً لزجةً وعملت فيه الحرارة فأفادته استمساكاً (٤) .
ويجاب عن الأول : بمنع كون كلّ حجر أصله تراباً ، فلعلّه مخلوق أولاً ، أو متكوّن من الماء أو منه ومن التراب معاً ، وعلى فرض التسليم يدفع استصحاب الجواز ببعض ما مرّ .
وعن الثاني : أولاً بعدم معلومية كون الحجر أرضاً فيتّجه منعه ، بل ظاهر الإِسكافي المنع من كونه منها (٥) ، وهو الظاهر من السرائر أيضاً (٦) ، وصرّح بالمنع بعض المعاصرين (٧) . ودعوى الإِجماع على كونه أرضاً غير مسموعة ، بل الظاهر عدم الصدق ، لعدم التبادر ، وصحة السلب عرفاً .
وثانياً بمنع الجواز في مطلق الأرض ، كما مرّ .
وعن الروايتين الاُوليين : بعدم حجّيتهما . وانجبارهما بدعوى الشهرة إنما كان إذا لم تعارضها دعواها على الخلاف ، مع أنهما أعمّان من صورة فقد التراب ،
__________________
(١) نوادر الراوندي : ٥٠ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٣ أحكام التيمم ب ٦ ح ٢ .
(٢) التهذيب ١ : ١٨٧ / ٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٢ أبواب التيمم ب ٨ ح ١ .
(٣) موثقة سماعة الآتية في ص ٣٩٩ .
(٤) كما في روض الجنان : ١٢١ .
(٥) حكاه عنه في المختلف : ٤٨ .
(٦) السرائر ١ : ١٣٧ .
(٧) المحقق القمي في غنائم الأيام : ٥٤ .
فتخصّصان بها للصحيحين المتقدّمين (١) .
وعن الثالثة : بأنّ مدلولها علّية عدم الخروج لعدم الجواز ، دون علّية الخروج للجواز .
وعن الأخير : بمنع الإِجماع المركّب .
وعن الاستظهار : بمنع كونه تراباً ، ولو صحّ ذلك جرى في المعادن أيضاً .
ثم إنه على ما اخترناه من عدم الجواز ، فهل يختص بحال الاختيار ، ويجوز مع فقد التراب التيمّم بالأحجار ، كما هو صريح الشيخين والديلمي والحلّي والوسيلة والجامع (٢) ، وعليه الإِجماع عن المختلف والروضة (٣) ، أو يعمّ المنع ، كما هو ظاهر إطلاق بعض المانعين (٤) ؟ الحقّ هو الأول ؛ لخبري الدعائم والنوادر (٥) ، المنجبرين بما ذكر هنا قطعاً ، الخالي عن معارضة دعوى الشهرة على الخلاف في المورد .
قيل : إن صدق عليه اسم الأرض ، جاز التيمّم به مع التراب أيضاً ، وإلّا امتنع مع فقده (٦) .
قلنا : يمكن أن يجوز مع فقده لا لصدق الأرض ، بل لدليل آخر .
الرابعة : لا يصح التيمّم بشيء من المعادن غير التراب ، أو الأرض أيضاً على القول به ، بالإِجماع كما في المنتهى (٧) ، للأصل . ونسب الخلاف فيها إلى
__________________
(١) وهما صحيحتا رفاعة وابن المغيرة ، راجع ص ٣٨٩ .
(٢) المفيد في المقنعة : ٦٠ ، الشيخ في النهاية : ٤٩ ، الديلمي في المراسم : ٥٣ ، الحلي في السرائر ١ : ١٣٧ ، الوسيلة : ٧١ ، الجامع للشرائع : ٤٧ .
(٣) المختلف : ٤٨ ولم نعثر فيه على إدعاء الإِجماع ، الروضة البهية ١ : ١٥٤ .
(٤) كالحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ .
(٥) المتقدمين في ص ٣٩١ .
(٦) كما في المدارك ٢ : ٢٠٠ .
(٧) المنتهى ١ : ١٤١ .
العماني (١) ؛ لخروجها من الأرض . وضعفه ظاهر .
ولا بالرماد وإن كان من التراب ، بالإِجماع المحقّق والمحكي في المنتهى (٢) وغيره (٣) ؛ لما ذكر ، وروايتي السكوني والدعائم ، المتقدّمتين (٤) ، والمروي في النوادر : « ولا يجوز بالرماد ، لأنه لم يخرج من الأرض » (٥) .
ولا بالخزف والآجر ، وفاقاً للإِسكافي (٦) ، والمعتبر (٧) ؛ للأصل الخالي عن معارضة صدق التراب ، أو الأرض على القول بالتجويز بها .
وظاهر التذكرة الجواز (٨) ـ واستشكل في المنتهى (٩) ـ لاستصحاب الجواز ، بل استصحاب الترابية للشك في زوالها .
وعورض باستصحاب الشغل (١٠) .
ويضعّف بأن الأولين مزيلان للثاني .
فالصواب أن يجاب بمنع الصدق جدّاً ، وبه يبطل أحد الاستصحابين الموجب لبطلان الآخر ، لتغيّر الموضوع الذي هو التراب .
ولا بالوَحَل ـ وهو الطين الرقيق ـ اختياراً ، بل وكذا مطلق الطين ، وفاقاً لجماعة منهم : شرح القواعد والمدارك (١١) واللوامع ؛ للأصل المتقدم ، والمفهوم في
__________________
(١) حكاه عنه في المدارك ٢ : ٢٠٠ .
(٢) المنتهى ١ : ١٤٢ .
(٣) كما في المدارك ٢ : ٢٠٠ .
(٤) في ص ٣٩١ و ٣٩٢ .
(٥) نوادر الراوندي : ٥٠ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٣ أحكام التيمم ب ٦ ح ٢ .
(٦) حكاه عنه في التذكرة ١ : ٦٢ .
(٧) المعتبر ١ : ٣٧٥ .
(٨) التذكرة ١ : ٦٢ .
(٩) المنتهى ١ : ١٤١ .
(١٠) كما في الرياض ١ : ٧٦ .
(١١) جامع المقاصد ١ : ٤٨١ ، المدارك ٢ : ٢٠٤ .
صحيحتي رفاعة وابن المغيرة ، المتقدّمتين (١) ، وفي موثّقتي زرارة وحسنة أبي بصير الآتية (٢) .
وبه تقيّد إطلاقات بعض الروايات ، كرواية زرارة : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ، ما يصنع ؟ قال : « يتيمم فإنه الصعيد » قلت : فإنّه راكب لا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء ، قال : « إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمّم ، يضرب بيده على اللبد والبردعة (٣) ويتيمّم ويصلّي » (٤) .
كما أنه يجب حمل قوله : « فإنه الصعيد » على أنه أصله وجزؤه المعظم ، فيصح التيمّم به حال العذر ، بقرينة ما في روايات اُخر من أنه صعيد وماء ، فلا يصح الاحتجاج على الجواز المطلق به .
وهل يجوز التيمّم بالتراب الندي الغير البالغ حدّ صدق الطين حال الاختيار ؟ الظاهر نعم ، كما صرّح به المحقّق (٥) ، والفاضل في التذكرة ، بل نسبه فيه إلى علمائنا (٦) ، وذهب إليه في شرح القواعد (٧) ، واختاره والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع ؛ لصدق التراب ، بل وكذلك لو شك في خروجه عن الترابية ؛ للاستصحاب .
ويظهر من بعض مشايخنا المحدّثين الميل إلى عدم جواز التيمّم بالتراب
__________________
(١) في ص ٣٨٩ .
(٢) في ص ٤٠١ .
(٣) البَرذَعَة والبَردَعَة : الحِلس يُلقى تحت الرحل . القاموس المحيط ٣ : ٤ .
(٤) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٤٠ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمم ب ٩ ح ٥ .
(٥) المعتبر ١ : ٣٧٤ .
(٦) التذكرة ١ : ٦٢ .
(٧) جامع المقاصد ١ : ٤٨١ .
الرطب مع وجود الجاف (١) ؛ للصحيحتين المتقدّمتين (٢) ، والحكم فيهما بأنّ الانتقال إلى الأجف من باب التوسيع ، والمرويين في نوادر الراوندي والدعائم :
الأول : « من أخذته سماء شديدة والأرض مبتلة فليتيمّم من غيرها [ ولو ] من غبار ثوبه أو غبار سرجه أو إكافه » (٣) .
والثاني : « من أصابته جنابة والأرض مبتلة فلينفض لبده وليتيمّم بغباره ، كذلك قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : لينفض ثوبه أو لبده أو إكافه إذا لم يجد تراباً طيباً » (٤) .
والجواب أنّ المصرّح به في الصحيحين انتفاء التراب ، فيكون المراد بالأجف الطين الأجف أو شيء آخر من اللبد والثوب .
والروايتان ضعيفتان غير صالحتين لتقييد مطلقات التراب والأرض ، مع أنّ قوله في الأخيرة : « إذا لم يجد تراباً » صريح في أن المراد الوصول إلى حد الطين .
نعم ، يستفاد من الصحيحة وجوب تقديم الأجف فالأجف في صورة الانتقال إلى الطين ، وهو كذلك .
الخامسة : يجوز التيمّم بأرض الجصّ والنورة قبل الإِحراق ، على الأظهر المختار ، عند الأكثر ومنهم : المقنعة والمبسوط والوسيلة والقواعد والدروس والبيان (٥) ، وعن المهذّب أيضاً في الأول (٦) ، كما عن الجامع والنافع في الثاني (٧) .
__________________
(١) الحدائق ٤ : ٣١٥ .
(٢) في ص ٣٨٩ .
(٣) نوادر الراوندي : ٥٣ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٤ أبواب التيمم ب ٧ ح ٣ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : أو ، وما أثبتناه موافق للمصدر ، والإِكاف : البَرذَعة . القاموس المحيط ٣ : ١٢٢ .
(٤) دعائم الاسلام ١ : ١٢١ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٤ أبواب التيمم ب ٧ ح ٤ .
(٥) المقنعة : ٥٩ ، المبسوط ١ : ٣٢ ، الوسيلة : ٧١ ، القواعد ١ : ٢٢ ، الدروس ١ : ١٣٠ ، البيان : ٨٥ .
(٦) المهذب ١ : ٣١ .
(٧) الجامع للشرائع : ٤٧ ، المختصر النافع : ١٦ .
لا لصدق الأرض كما قيل (١) ؛ لما مرّ .
بل لرواية السكوني ، المتقدّمة (٢) ، والمروي في النوادر : « يجوز التيمّم بالجصّ والنورة » (٣) المنجبر ضعفهما ـ لو كان ـ بعمل الأكثر ، كما نصّ عليه جمع ممّن تأخّر .
ولا تعارضهما رواية الدعائم ، المذكورة (٤) ؛ لضعفها الخالي عن الجابر في المقام .
وكذا بعد الإِحراق ، على الأقوى ، الموافق للمحكي عن مصباح السيد والمراسم والمعتبر والتذكرة والذكرى فيهما (٥) ، وعن ظاهر النافع والشرائع والتلخيص والتبصرة ونهاية الإِحكام وصريح الوسيلة في الأول (٦) .
لإِطلاق الخبرين ، واستصحاب الجواز ، وصدق اسم الأرض عند القائل بكفايته .
خلافاً للحلّي فمنع عنهما مطلقاً (٧) ؛ للمعدنية .
ويضعّف : بعدم مانع في المعدن سوى الإِجماع المعلوم انتفاؤه هنا ، والأصل الواضح اندفاعه بما مرّ .
ولنهاية الشيخ طاب ثراه (٨) ، فمنع في الاختيار ، ولم أعثر على دليله .
وللمحكي عن الأكثر ومنهم : المبسوط والمقنعة والسرائر (٩) ، والإِصباح ،
__________________
(١) كما في التذكرة ١ : ٦٢ .
(٢) في ص ٣٩٢ .
(٣) نوادر الراوندي : ٥٠ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٣ أحكام التيمم ب ٦ ح ٢ .
(٤) في ص ٣٩١ .
(٥) نقله عن مصباح السيد في المعتبر ١ : ٣٧٥ ، المراسم : ٥٤ ، المعتبر ١ : ٣٧٥ ، التذكرة ١ : ٦٢ ، الذكرى : ٢١ .
(٦) المختصر النافع : ١٦ ، الشرائع : ٤٧ ، التبصرة : ١٦ ، نهاية الاحكام ١ : ١٩٩ ، الوسيلة : ٧١ .
(٧) السرائر ١ : ١٣٧ .
(٨) النهاية : ٤٩ .
(٩) المبسوط ١ : ٣٢ ، المقنعة : ٥٩ ، السرائر ١ : ١٣٧ .
فمنعوا فيهما بعد الإِحراق ، ونهاية الإِحكام والتلخيص واللمعة وشرح القواعد (١) ، ففي الثاني بعده ؛ لضعف الخبرين (٢) ، واختصاص الجابر بالقبل .
ولو سلّم فيعارضهما خبر الدعائم (٣) المنجبر فيه ولو بالشهرة المحكية ، كما يعارض استصحاب الجواز بأصالة عدمه واستصحاب الشغل .
وجوابه ـ بعد منع ضرر ضعف سند رواية السكوني عندنا ـ أنّ دعوى الشهرة على المنع من بعض المتأخّرين (٤) تعارض نسبة بعض آخر الجواز المطلق إلى الأكثر (٥) ، وبه يبقى خبر الدعائم خالياً عن الجابر ، ورواية السكوني عن المعارض .
وبها يدفع استصحاب شغل الذمة وعدم الجواز ، مع معارضتهما باستصحاب الجواز المزيل لهما المقدم عليهما .
وعن المنتهى والمختلف وفي المدارك : الإِحالة إلى صدق اسم الأرض (٦) .
وهو موجّه على اعتباره ، وعدم اعتبار الخبرين .
ويجوز أيضاً بالأرض السبخة ، وهي المالحة النشاشة ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإِجماع في المعتبر (٧) ؛ لصدق التراب .
خلافاً للمحكي عن الإِسكافي فمنع عنها (٨) .
ولعلّه لما عن أبي عبيدة : أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه
__________________
(١) نهاية الاحكام ١ : ١٩٩ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٥٥ ، جامع المقاصد ١ : ٤٨٢ .
(٢) أي خبر السكوني والخبر المروي في النوادر ، راجع ص ٣٩١ و ٣٩٢ .
(٣) المتقدم في ص ٣٩١ .
(٤) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٩٨ .
(٥) الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٦١ .
(٦) المنتهى ١ : ١٤٢ ، المختلف : ٤٨ ، المدارك ٢ : ٢٠١ .
(٧) المعتبر ١ : ٣٧٤ .
(٨) حكاه عنه في المختلف : ٤٩ .
رمل ولا سبخ (١) . وهو معارض بما مرّ في تفسير الصعيد (٢) .
أو للصحيح : « لا تصلّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (٣) .
وفيه : أنه ليس فيه ذكر السبخة ، وإنّما فيه الرمل والملح ، وهو لا يقول بالمنع عن الأول ، ولا كلام في المنع عن الثاني ، لعدم صدق التراب .
وكذا بالمَدَر ومنه اللِبْن ، إجماعاً محقّقاً ومحكياً في التذكرة (٤) ؛ له ، ولصدق التراب كما صرّح به فيه ، وموثّقة سماعة : عن رجل مرّت به جنازة وهو [ على ] غير طهر ، قال : « يضرب يديه على حائط لبن فيتيمّم » (٥) .
والإِيراد عليه : بأنه ـ لعدم اشتراط الطهارة في صلاة الجنازة ـ يمكن أن يكون ذلك تعبّداً لا طهوراً كما في تيمّم النوم ، ويؤيّده شمول الرواية بإِطلاقها لحال وجود الماء ، مدفوع : بالإِجماع على عدم استحباب ذلك إلّا للطهورية وعدم استحباب غير الطهور . وشمولها لحال وجود الماء غير ضائر ، إذ يمكن أن تكون الصلاة تفوت باستعماله .
وبالبطحاء ـ وهو التراب اللين في سبيل الماء ـ بالإِجماع ، لصدق التراب .
وبالرمل ، إجماعاً أيضاً ، كما في المعتبر والتذكرة وشرح القواعد واللوامع وظاهر المنتهى (٦) ؛ له ، وللصدق المذكور ، والعامي المذكور في التذكرة والمنتهى ـ المجبور بما ذكر ـ : إنا نكون بأرض الرمل فتصيبنا الجنابة والحيض والنفاس ، فلا
__________________
(١) كما نقله في الحبل المتين : ٩٠ ، عن ابن دريد عن أبي عبيدة .
(٢) راجع ص ٣٨٥ .
(٣) الكافي ٣ : ٣٣٢ الصلاة ب ٢٧ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٣١ ، علل الشرائع : ٣٤٢ / ٥ ، الوسائل ٥ : ٣٦٠ أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ١ .
(٤) التذكرة ١ : ٦٢ .
(٥) الكافي ٣ : ١٧٨ الجنائز ب ٤٩ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ / ٤٧٧ ، الوسائل ٣ : ١١١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر .
(٦) المعتبر ١ : ٣٧٤ ، التذكرة ١ : ٦٢ ، جامع المقاصد ١ : ٤٨٣ ، المنتهى ١ : ١٤١ .
نجد الماء أربعة أشهر وخمسة أشهر ، فقال النبي صلّى الله عليه وﺁله : « عليكم بالأرض أو بأرضكم » (١) .
وبتراب القبر ما لم يعلم نجاسته ، وبالمستعمل ؛ للأصل .
السادسة : لا يجوز التيمّم بغير التراب أو الأرض ـ على اختلاف القولين ـ وسائر ما ذكر اختياراً وإن كان مغبراً ؛ للأصل ، وتعليق تجويز غيرهما مما جوّز في الأخبار بفقدهما .
خلافاً للمحكي عن ظاهر المبسوط ونهاية الإِحكام والشرائع والقواعد (٢) ، فجوّزوا بالمغبر مع وجود الحجر الذي هو الأرض عندهم ، مع قولهم بكفاية صدق اسم الأرض مطلقاً .
ولظاهر السيد (٣) ، واستقواه في المنتهى (٤) ، ونسبه في المفاتيح إلى الإِسكافي أيضاً (٥) ـ وكأنّه سهو كما قيل (٦) ـ فجوّز بالمغبر مع التراب ؛ لكون الغبار تراباً .
وفيه منع واضح ؛ لعدم التبادر ، وصحة السلب ، مع أنّ الغبار غير المغبر .
ومنه يظهر رجوع النزاع إلى ترابية الغبار وعدمها .
السابعة : إذا لم يجد التراب يتيمّم بشيء فيه غبار كالثوب واللبد وعرف الدابة (٧) والبساط وغيرها ، وبالحجر ولو خلا عن الغبار ، وبالطين والوحل .
أمّا جوازه بالمغبر فبعد الإِجماع المحقّق والمنقول في المعتبر والتذكرة (٨) ؛
__________________
(١) التذكرة ١ : ٦٢ ، المنتهى ١ : ١٤١ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٧ بتفاوت يسير .
(٢) المبسوط ١ : ٣٢ ، نهاية الإِحكام ١ : ١٩٩ ، الشرائع ١ : ٤٨ ، القواعد ١ : ٢٣ .
(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٦ .
(٤) المنتهى ١ : ١٤٢ .
(٥) مفاتيح الشرائع ١ : ٦١ .
(٦) شرح المفاتيح ( المخطوط ) .
(٧) عُرف الديك والفرس والدابة : منبت الشعر والريش من العنق . لسان العرب ٩ : ٢٤١ .
(٨) المعتبر ١ : ٣٧٦ ، والتذكرة ١ : ٦٢ .