أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
وفي وجوب الوضوء عليها لكلّ صلاة ، كما عن الحلّي ، والشرائع ، والنافع (١) وأكثر المتأخّرين (٢) .
أو مع كلّ غسل ، كما عن المفيد (٣) ، وجُمل السيد (٤) ، والمعتبر (٥) ، والبشرى (٦) واختاره والدي العلّامة رحمه الله .
أو عدمه مطلقاً ، كما عن الناصريات (٧) ، والصدوقين (٨) ، والشيخ (٩) ، والحلبيين (١٠) ، وابن حمزة (١١) ، وسلّار (١٢) ، وفي اللوامع نسبه إلى ظاهر الأكثر .
أقوال ، أظهرها : الأخير ؛ للأصل ، وخلو النصوص عنه مع ورودها في مقام البيان .
للأول : إطلاق قوله سبحانه ( إِذا قُمْتُمْ ) (١٣) ، وثبوت نقض قليل هذا الدم فكثيره أولى ، وأصالة عدم إغناء الغسل عنه .
ويردّ الأول : باختصاصه بحدث النوم كما صرّح به في بعض المعتبرة (١٤) ،
__________________
(١) السرائر ١ : ١٥٣ ، الشرائع ١ : ٣٤ ، النافع : ١١ .
(٢) كالشهيدين في الذكرى : ٣٠ والروض : ٨٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٤٢
(٣) المقنعة : ٥٧ .
(٤) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ) ٣ : ٢٧ .
(٥) المعتبر ١ : ٢٤٧ .
(٦) نقل عنه في الذكرى : ٣٠ .
(٧) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٨ .
(٨) المقنع : ١٥ ونقل عن والده في الفقيه ١ : ٥٠ .
(٩) النهاية : ٢٨ ، مصباح المتهجد : ١٠ .
(١٠) أبو الصلاح في الكافي : ١٢٩ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ .
(١١) الوسيلة : ٦١ .
(١٢) المراسم : ٤٤ .
(١٣) المائدة : ٦ .
(١٤) كما في موثقة ابن بكير ، انظر الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٧ .
وبالرجال ، وإلحاق النسوة بهم إنّما هو بالإِجماع المفقود في المورد .
وتسليم العموم والتخصيص بالمحدثين بالإِجماع ومنع الحدث في المقام ـ كما في المدارك ـ (١) غير سديد ؛ لأنّ التخصيص حينئذٍ إنّما هو بالقدر الثابت عليه الإِجماع .
والثاني : بمنع الأولوية مع الأغسال .
والثالث : بأنه إنّما هو على تقدير الدليل على اللزوم ، وهو غير متحقّق .
وللثاني : قوله ـ في المرسلة الطويلة ـ لبنت أبي حبيش : « فلتدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة ، قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المثعب » (٢) فإنّ قوله : « وإن سال » يدلّ على كونها كثيرة .
ويردّ : بعدم دلالته على الوجوب كما ذكرنا غير مرّة (٣) .
والأخبار المصرّحة بأنّ كلّ غسل قبله أو فيه وضوء (٣) .
ويردّ أيضاً : بعدم الدلالة على الوجوب ، كما مرّ في موضعه .
سلّمنا ، ولكنه مقيّد بكونه محدثاً بالإِجماع ، ولم يثبت الحدث هنا .
وأيضاً : إذا كانت متوضّئةً ولم تحدث بالأحداث الصغريات يصدق أنّها توضّأت قبل الغسل .
نعم ، يثبت من ذلك أنه يجب الوضوء لو صدر عنها بعد الوضوء حدث أصغر ، وهو كذلك لعمومات إيجابه له .
__________________
(١) المدارك ٢ : ٣٤ .
(٢) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥ ح ١ والمَثعَب : مسيل الماء .
(٣) ولا يرد ـ لو حمل الغسل في المرسلة على غسل الحيض ـ أن الوضوء أيضاً غير واجب في الكثيرة وهذا بعيد أن يهمل حكمه الواجب واكتفى بالمستحبّ ؛ لأن الحكم بالاستحباب إنما هو لأجل الأصل فيمكن أن يكون واجباً وذكر الواجب في الثلاثة وأهمل حكم المنفرد كما لم يذكر الغسل الواحد للمتوسطة مع شمول الكلام لها ( منه رحمه الله ) .
(٤) انظر الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ .
والظاهر أنّ ذلك أيضاً مراد من نفى الوضوء هنا ، إلّا أنّ هذا الغسل يكفي عن الوضوء عن تلك الأحداث أيضاً .
ولخبر مروي في قرب الإِسناد (١) ، الآمر بالوضوء مع غسل الفجر ، الدالّ على تمام المطلوب بعدم الفصل .
ويردّ : بضعفة الخالي عن الجابر في المقام .
والقول في تغيير القطنة ، والخرقة ، وغسل ظاهر الفرج كما مرّ (٢) .
فروع :
أ : صرّح غير واحد من الأصحاب بأنّ اعتبار الجمع بين الصلاتين والاكتفاء بغسل على الجواز دون الوجوب ، فلو فرّقت وأفردت كلّ صلاة بغسل جاز ، وفي المدارك القطع به (٣) ، وعن المنتهى الإِجماع عليه واستحبابه (٤) .
ويدلّ عليه ما تقدّم من قوله لبنت أبي حبيش في المرسلة ، وإن أمكن ، الخدش في دلالته : بحمل الغسل على غسل الحيض .
وقوله فيها حكايةً عنها أيضاً : « وكانت تغتسل في كلّ صلاة » .
ويشعر به قوله في موثّقة يونس بن يعقوب : « فلتغتسل في وقت كلّ صلاة » (٥) .
ولا ينافيه الأمر بالاغتسال لكلّ صلاتين أو بثلاثة أغسال في كلّ يوم ، كما في الأخبار المتكثرة ؛ لعدم منافاة وجوب شيء لجواز غيره .
نعم ، قوله في المرسلة الطويلة لبنت أبي حبيش : « وأخّري الظهر وعجّلي
__________________
(١) قرب الاسناد : ١٢٧ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥ .
(٢) في ص ١٥ ، ١٦ .
(٣) المدارك ٢ : ٣٥ .
(٤) المنتهى ١ : ١٢٢ قال : ولا نعرف في ذلك خلافاً بين علمائنا .
(٥) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٦ ، الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١١ .
العصر واغتسلي غسلاً . . . » وفي صحيحة البصري : « فإذا كان الدم سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثم تصلّي صلاتين بغسل واحد » (١) وفي المروي في المعتبر ـ في الصحيح ـ عن كتاب ابن محبوب : « فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل » (٢) . يدلّ على وجوب الجمع المنافي للتفريق المستلزم لوجوب الاكتفاء بغسل واحد ، كما عن جماعة منهم : المفيد صريحاً ، والنافع ظاهراً (٣) . وهو الأحوط وإن كان الأول هو الأظهر ؛ لانحصار ما دلّ على وجوب الجمع بالأخير ، ويحمل هو على الاستحباب بقرينة سابقة .
ب : صرّح غير واحد بوجوب كون الطهارة والوضوء في الوقت ، فلا يصح قبله (٤) . وهو كذلك ؛ لقوله في صحيحة الصّحاف : « فلتتوضّأ ولتصلّ عند وقت كلّ صلاة » (٥) .
وفي روايات متعدّدة « فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (٦) .
وفي صحيحة ابن سنان : « تغتسل عند كلّ صلاة الظهر والعصر » إلى أن قال : « ثم تغتسل عند الصبح » (٧) الحديث .
وعدم ثبوت وجوب مقارنة الجميع كغسل المتوسّطة أو وضوئها غير ضائر ؛ للإِجماع المركب .
ومقتضى العندية مقارنة الغسل للصلاة ووجوب تعقيبها (٨) له عرفاً ـ كما
__________________
(١) تقدم مصدرها في ص ١٥ .
(٢) تقدم مصدرها في ص ١٩ .
(٣) المقنعة : ٥٧ ، النافع : ١١ .
(٤) كما صرح به في المبسوط ١ : ٦٨ ، والمهذب ١ : ٣٨ ، والذكرى : ٣١ .
(٥) الكافي ٣ : ٩٥ الحيض ب ١١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٦٨ / ٤٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٣٧٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧ .
(٦) كما في رواية أبي المعزا ورواية إسحاق بن عمار ( الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥ ، ٦ ) .
(٧) تقدم مصدرها في ص ٢٠ .
(٨) في « ق » تعقبها .
صرّح به جماعة (١) ـ فالقول بعدم وجوبها ضعيف ، وجواز انتظار الجماعة ـ كما عن النهاية والدروس (٢) ـ غير سديد .
نعم ، الظاهر عدم مضرّة الاشتغال بمقدّمات الصلاة ـ كالستر والاستقبال والأذان والإِقامة ـ في العندية العرفية
وفي وجوب مقارنة الوضوء أيضاً في القليلة والمتوسّطة قول محكي عن الشيخ ، والحلّي ، وظاهر الذكرى (٣) ؛ لكون هذا الدم حدثاً ، والصلاة بالحدث مخالفاً للأصل ، فيجب التقليل ما أمكن .
ولثبوت العفو عمّا لا يمكن الانفكاك عنه من هذا الدم دون غيره .
وللقطع بالخروج عن العهدة مع المقارنة دون الفصل .
ولتبادره من قولهم عليهم السلام : « تتوضّأ لكلّ صلاة » كما عن قولهم : « تغتسل عند كلّ صلاة » .
ولأنه لولاه لم يحتج إلى وضوء آخر للعصر والعشاء .
وقول آخر بالعدم منقول عن المختلف (٤) ؛ للأصل ، وصدق الامتثال ، وعمومات تجويز الطهارة في أوّل الوقت . وهو الأقوى ؛ لذلك .
وضعّف أوّل أدلّة المخالف : بالمنع عن وجوب التقليل المخالف للأصل هنا أولاً ، وبالمنع عن حدثية مطلق هذا الدم ثانياً .
فإن قيل : لا معنى لحدثيته إلّا كونه مانعاً عن مثل الصلاة ومرتفعاً بالطهارة كما في سائر الأحداث .
قلنا : الثابت منه حدثيته في الجملة ، لا حدثية كلّ جزء منه لكلّ صلاة . والحاصل : أنّ الحدثية ليست شيئاً زائداً على المانعية من الصلاة بل هي عينها ،
__________________
(١) المدارك ٢ : ٣٥ ، الذخيرة : ٧٦ ، الرياض ١ : ٤٨ .
(٢) نهاية الإِحكام ١ : ١٢٧ ، الدروس ١ : ٩٩ .
(٣) المبسوط ١ : ٦٨ ، السرائر ١ : ١٥٢ ، الذكرى : ٣١ .
(٤) المختلف : ٤١
فلا يثبت منها إلّا ما يثبت منها .
وثانيها : بعدم ثبوت المنع من مطلق هذا الدم حتى يحتاج إلى العفو .
وثالثها : بحصول القطع بما مرّ .
ورابعها : بمنع التبادر ، والفرق بين الفعل لشيء وعنده ظاهر (١) .
ج : يجب الغسل أو الوضوء بحصول السبب بعد الطهارة المتقدمة وإن لم يتّصل بوقت الصلاة ، وفاقاً للبيان ، والروض (٢) ، واللوامع ؛ لإِطلاق إيجابه لأحد الطهورين من غير تخصيص بالوقت .
وقوله في صحيحة الصحّاف : « فإن كان الدّم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضّأ » (٣) فإنّه يدلّ على كفاية السيلان في شيء ممّا بينها وبين المغرب ، لعدم إفادة « ما » الموصولة للعموم .
ولا ينافيه مفهوم قوله فيما بعده : « وإن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيباً فعليها الغسل » حيث إنّ لفظة : « إذا » مفيدة للعموم ؛ لعدم وجوب السيلان في جميع الوقت إجماعاً ، فالمنطوق ليس باقياً على عمومه قطعاً حتى يفيد المفهوم ما يضرّ .
وعلى هذا فتجب الثلاثة مع استمرار الكثرة من الفجر إلى الليل ، أو حدوثها قبل فعل كلّ من الصلاة ولو لحظة . ومع عدم استمرارها أو حدوثها كذلك ، فاثنان إن استمر أو حدث إلى الظهر ، وواحد إن لم يستمر ولم يحدث كذلك .
ولو حدثت الأقسام الثلاثة بين صلاتين ، كأن تكون قليلةً بعد الفجر ثم صارت متوسّطةً ثمَّ كثيرةً قبل الظهر ، يجب امتثال حكم كلٍّ منها ؛ لعدم ثبوت تداخل الأضعف في الأقوى هنا .
__________________
(١) لا يخفى أن المصنف ـ رحمه الله ـ لم يتعرض للجواب عن الدليل الخامس .
(٢) البيان : ٦٦ ، الروض : ٨٤ .
(٣) تقدم مصدرها في ص ٢٤ .
د : كلّما حصل سبب لزم موجبه للصلاة التي تتعقّبه وإن لم يتّصل بها ، ثم لو انقطع قبل الإِتيان بموجبه لا يلزم موجبه للصلاة التي بعدها .
فلو حصلت القليلة قبل الفجر توضّأت للفجر ، انقطع قبله أم لا ، ولو انقطع قبل الوضوء لا يلزم وضوء لصلاة الظهر ، ولو لم ينقطع قبل وضوء الفجر لزم الوضوء للظهر أيضاً وهكذا .
ولو حصلت المتوسّطة قبل الفجر غسلت له ، ولا شيء للظهر لو انقطعت قبل الغسل ، وتوضّأت للظهر والعصر لو انقطعت بعده .
ويحتمل وجوب الوضوء للعصر والعشاءين وغسل آخر للفجر الثاني مع الانقطاع بعد الغسل للفجر الأول أيضاً .
ويقوى الاحتمال فيما لو طرأت المتوسّطة بعد صلاة الصبح وانقطعت قبل الظهر مثلاً .
ولو حصلت الكثيرة قبل الصبح تغتسل له ولو انقطعت قبله ، والظاهر عدم وجوب الغسل حينئذٍ لغيره ، مع احتمال وجوب الثلاثة أيضاً .
ولو لم تنقطع قبله وجب غسل آخر للظهرين ، فلو انقطعت قبل غسل الظهر لم يجب للعشاءين مع احتمال وجوبه .
والحاصل : أنّ مقتضى أحكام المستحاضة وجوب الغسل للغداة في المتوسّطة والثلاثة في الكثيرة ، فإن ثبت إجماع على عدم وجوب غسل الغداة لو انقطعت المتوسّطة قبل وضوء صلاة العشاء ، وعدم وجوب غسل الظهرين أو العشاءين لو انقطعت الكثيرة قبل غسل الغداة أو الظهرين ـ كما قد يدّعى ـ فهو ، وإلّا فلا أرى وجهاً للسقوط .
ومنه يظهر حكم ما لو اجتمعت الأقسام الثلاثة فيما بين صلاتين واستمرّ أحدها أو انقطع الجميع .
هـ :
قيل : لو كان دمها ينقطع حيناً ، فإن اتّسع وقت انقطاعه الطهارة
والصلاة ، وجب انتظاره ، ما لم يضرّ بالفرض (١) .
ولا أرى للوجوب دليلاً ، والأصل يقتضي العدم .
و : ذات القليلة والمتوسّطة لا تجمع بين الفرض والنفل بوضوء ، بل تجدّد الوضوء للنافلة ولو غير المرتّبة في غير أوقات الصلاة ؛ لإطلاق كثير من الأخبار ، سيما روايات الصفرة (٢) .
وتجويز الشيخ (٣) الجمع ضعيف .
ودعوى تبادر اليومية أو الفريضة من الإِطلاقات ممنوعة جدّاً ؛ لشيوع غيرها أيضاً .
والثانية تجمع في الغسل صلاة الليل والفجر ، ولا يضرّ عدم المقارنة لصلاة الفجر ؛ إذ ثبوتها إنّما هو بالإِجماع المركّب ، ولا تثبت منه مضرّة صلاة الليل فيها .
وهل تشترط صحة صلاة الليل بالغسل فيه أم يجوز الاكتفاء بالوضوء وتأخير الغسل إلى الفجر ؟ الظاهر : الثاني ؛ لعدم دليل على اشتراط تهجّدها بالغسل سوى الرضوي (٤) القاصر دلالةً على الوجوب ، الخالي عن الجابر في المورد .
وذات الكثيرة تجمع بين صلاتي الليل والفجر ، بين الفرض ونفله وإن تقدّم عليه بغسل واحد ؛ لعدم منافاته للمقارنة العرفية .
مضافاً إلى صريح الرضوي في الأول المنجبر ضعفه بالإِجماع المحكي في اللوامع .
وتصلّي غير الرواتب والقضاء في غير أوقات الصلاة أو فيها مؤخّراً عن الصلاة من غير غسل آخر ولا وضوء إلّا مع حدث موجب لهما من مني أو بول أو نحوهما ؛ لعمومات الأمر بها ، وعدم ثبوت مانع عنها لها سوى الدم ، ولم تثبت
__________________
(١) جامع المقاصد ١ : ٣٤٢ .
(٢) انظر ص ١٣ من الكتاب .
(٣) المبسوط ١ : ٤٨ .
(٤) فقه الرضا : ١٩٣ ، المستدرك ٢ : ٤٣ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .
مانعيته ولا وجوب الغسل لكلّ صلاة ، وإنّما الثابت وجوبه عليها الأغسال الثلاثة ، فتأمّل .
ز : النصوص خالية عن تعيين قدر القطنة وزمان اعتبار الدم ، فكان التعويل فيه على العرف والعادة ؛ لأنّه المعوّل في مثله .
ح : مقتضى الأخبار : إناطة الكثرة الموجبة للثلاثة بسيلان الدم من الكرسف وإن لم يخرج من الخرقة ولم يثقبها .
وعن ظاهر المقنعة اعتبار الخروج والسيلان منها فيها (١) . وهو ضعيف .
ط : لو لم يكن لها كرسف ولا خرقة ورأت دماً لم تعلم أنه أيّ الثلاثة تبني على الأقل ؛ لأصالة عدم خروج الزائد .
المسألة الثانية : الأقوى أنه يجوز للمستحاضة مطلقاً قراءة العزائم ، ومسّ المصاحف ، واللبث في مطلق المساجد ، مع الجواز في المسجدين . ولا يتوقّف شيء منها على شيء من الأعمال ؛ للأصل الخالي عن الصارف جداً .
خلافاً لجماعة ، وهم بين مَنْ مَنَع عن الأول فيما فيه الغسل قبله (٢) . ومَنْ مَنَع عن الثاني قبل الغسل والوضوء كلٌّ في مورده (٣) ؛ استناداً في القولين إلى دلالة وجوب الغسل على كونها محدثةً بالحدث الأكبر المانع عن القراءة والمسّ ، ووجوب الوضوء على كونها محدثةً بالأصغر المانع عن الأخير .
ويضعّف : بمنع الدلالة المدّعاة أولاً ، وبمنع كليّة المانعية ثانياً .
ومَنْ مَنَع عن الثالث قبل جميع الأعمال ؛ لصحيحة ابن عمار : « المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلّي فيها ولا يقربها بعلها ، وإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر » إلى أن قال : « وتضمّ فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج ، ولا يأتيها بعلها أيام قُرئها ، وإن كان الدم لا يثقب
__________________
(١) المقنعة : ٥٦ .
(٢) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٦٣ .
(٣) كالوحيد في شرح المفاتيح ـ مخطوط ـ .
الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء ، وهذه يأتيها بعلها إلّا في أيام حيضها » (١) .
أمر في الكثيرة بجعل سائر الجسد خارج المسجد ، وفي القليلة عقب دخول المسجد عن الوضوء .
ويضعّف أولاً : بعدم دلالتها على الحرمة أصلاً .
وثانياً : بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المسجد أبداً .
وثالثاً : بمنع الدلالة على ما ذكروه من التفصيل في اللبث والجواز جدّاً .
ورابعاً : بأنّ الأول بعد الأعمال الموجبة للجواز إجماعاً والنهي عن إتيان بعلها إنّما هو في أيّام الحيض .
وفي موثّقة عبد الرحمن (٢) ـ الواردة في حكاية امرأة أخيه في نفاسها ـ دلالة على الجواز . والتعقيب الثاني لا يدلّ على التعليق بوجه .
نعم ، لا بأس بالقول بالكراهة في الثلاثة حذراً عن المخالفة .
كما يكره لها دخول الكعبة أيضاً ، ولو مع الأفعال وفاقاً لجماعة (٣) ؛ للمرسلة (٤) .
وعن الشيخ وابن حمزة القول بالتحريم (٥) ، وليس بقويم .
نعم ، يحرم ذلك بل دخول المساجد مطلقاً ـ على القول بحرمة إدخال النجاسة الغير المتعدية أيضاً فيها ـ قبل تبديل القطنة والخرقة وغسل الفرج ، وهو أمر آخر ، بل بعد التبديل والغسل أيضاً لو تلطخ بعدهما .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٨٨ الحيض ب ٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .
(٢) الكافي ٣ : ٩٨ الحيض ب ١٢ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٨٥ أبواب النفاس ب ٣ ح ٩ .
(٣) منهم الحلّي في السرائر ١ : ١٥٣ والعلامة في التحرير ١ : ١٢٥ ، وصاحب الرياض ١ : ٤٩ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٤٩ الحج ب ١٥٣ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٩ / ١٣٨٩ الوسائل ١٣ : ٤٦٢ أبواب الطواف ب ٩١ ح ٢ .
(٥) المبسوط ١ : ٣٣١ ، الوسيلة : ٦١ .
وفي توقف جواز وطئها على جميع ما يتوقف عليه تجويز الصلاة من الأعمال ، فلا يجوز قبله مطلقاً ، كثيرة كانت الاستحاضة أو غيرها ، أغسالاً كانت الأعمال أم غيرها ، كما عن المقنعة ، والاقتصاد ، والجمل والعقود ، والكافي (١) ، والإِصباح ، والإسكافي (٢) ، والمصباح ، والحلّي ، والمنتهى (٣) ، ناسباً له إلى ظاهر عبارات الأصحاب .
أو على الغسل خاصةً ، فلا منع في المتوسطة والكثيرة بعده ، وفي القليلة مطلقاً ، كما عن الصدوقين في الرسالة ، والهداية (٤) .
أو عليه وعلى الوضوء ، كلٌّ في موقعه ، كما حكي عن ظاهر الأصحاب (٥) .
أو عليه مع تجديد الوضوء ، كما عن المبسوط (٦) .
أو عدم توقّفه على شيء من ذلك ، كما عن المهذب ، والمعتبر ، والتحرير ، والتذكرة (٧) ، والدروس ، والبيان ، والكركي ، والمدارك ، والكفاية (٨) ، وجمع آخر من المتأخرين .
أقوال ، أقواها : أخيرها ؛ للأصل ، وعموم قوله سبحانه ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) ، وقوله ، ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ) (٩) ، وإطلاقات حل الوطء .
وصحيحة ابن سنان ، وفيها : « ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلّا أيام
__________________
(١) المقنعة : ٥٧ ، الاقتصاد ، ٢٤٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٤ ، الكافي : ١٢٩ .
(٢) نقل عنه في المعتبر ١ : ٢٤٨ .
(٣) مصباح المتهجد : ١١ ، السرائر ١ : ١٥٣ ، المنتهى ١ : ١٢١ .
(٤) الهداية : ٢٢ ونقله عن والده في الفقيه ١ : ٥٠ .
(٥) حكاه في الذكرى : ٣١ .
(٦) المبسوط ١ : ٦٧ .
(٧) المهذب ١ : ٣٨ ، المعتبر ١ : ٢٤٩ ، التحرير ١ : ١٦ ، التذكرة ١ : ٣٠ .
(٨) الدروس ١ : ٩٩ ، البيان : ٦٦ ، جامع المقاصد ١ : ٣٤٤ ، المدارك ٢ : ٣٧ ، الكفاية : ٦ .
(٩) البقرة : ٢٢٢ .
حيضها » (١) .
وصحيحة صفوان ، المتقدّمة (٢) حيث إنّ قوله فيها : « ويأتيها » عطف على قوله : « تغتسل » فلا يترتّب على المعطوف عليه كما توهّم ، مع أنه لا وجه للترتيب فيها أصلاً .
والرضوي : « فإذا دام دم المستحاضة ومضى عليه مثل أيام حيضها أتاها زوجها متى شاء بعد الغسل أو قبله » (٣) وغير ذلك مما يأتي .
للمخالف الأول : رواية زرارة والفضيل : « المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو يومين ، ثم تغتسل كلّ يوم ثلاث مرات » إلى أن قال : « فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها » (٤) .
وصحيحة البصري : عن المستحاضة أيطؤها زوجها وهل تطوف بالبيت ؟
قال : « تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه » إلى أن قال : « ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد ، وكلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت » (٥) .
دلّت على أنّ كل شيء استحلّت به الصلاة وكان مبيحاً لها فهو مبيح لإِتيان زوجها وطوافها .
والمروي في المعتبر عن مشيخة ابن محبوب : « في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها » إلى أن قال : « فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ويصيب منها زوجها [ إن أحب ] وحلّت لها الصلاة » (٦) .
والجواب عن الجميع بعدم الدلالة أصلاً :
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٢ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤ .
(٢) في ص ١٥ .
(٣) فقه الرضا : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ١٧ أبواب الحيض ب ١٩ ح ٢ .
(٤) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٢ .
(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩٠ ، الوسائل ٢ : ٣٧٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨ .
(٦) المعتبر ١ : ٢٥٦ ، الوسائل ٢ : ٣٧٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٤ ، ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
أمّا الاُولى فلأنها لا تدلّ إلّا على أنه إذا جازت لها الصلاة جاز وطؤها ، ولا شك أنّ بالخروج عن الحيض تجوز لها الصلاة ، ولا يمنع توقّفها على بعض الشرائط المقدورة عن جوازها ، ولذا يصح أن يقال : إذا لم تكن المرأة حائضاً تحلّ لها الصلاة ، مع أنّها قد تتوقّف على الوضوء والستر وغيرهما . وبالجملة فقد الشرط المقدور بل الواجب تحصيله لا ينافي الحلّية أصلاً .
ويؤكّد إرادة الخروج من الحيض من حلّية الصلاة مسبوقيتها بقوله : « تكف عن الصلاة أيام أقرائها » ولو لا تعيّن ذلك فلا شك في احتماله الموجب لسقوط الاستدلال .
والقول بأنّه مبني على ارتباط قوله : « فإذا حلّت » ورجوعه إلى صدر الخبر ، وهو تعسف ، إذ الظاهر ارتباطه بحكم المستحاضة (١) . ليس بشيء ؛ إذ المجموع حكم المستحاضة ، والضمير في : « لها » راجع إلى المستحاضة المذكورة أوّلاً التي يحكم بتحيّضها أيام أقرائها ، ولا دخل للرجوع والارتباط هنا ، بل جميع الجمل حكم مَنْ نصّ عليه في صدر الرواية بقوله : « المستحاضة . . . » وعلى هذا فتكون دلالة الرواية على ما اخترناه أظهر .
وأمّا الثانية : فبأن الذي أظن من معناها ـ ولا أقل من احتماله ـ أنّ قوله : « وكلّ شيء » عطف على قوله : « بغسل واحد » يعني : ولتجمع كلّ صلاتين بغسل وكذا بكلّ شيء تتوقّف الصلاة عليه من الوضوء وغسل البدن وغيرهما ، فلا يتوقّف كلّ صلاة من الصلاتين على تجديد شيء من هذه الاُمور ، كما لا يتوقّف على تجديد الغسل ، بل تجمع بين كلّ صلاتين بواحد منها ، وقوله : « فليأتها » حكم يتفرع على قوله : « فلتحتط ولتغتسل وتستدخل كرسفاً » .
وأمّا تفريع قوله : « فليأتها » على قوله : « وكل شيء » فلا أرى له سلاسة ، بل وجهاً . مع أنه على فرض تسليم التفريع لا دلالة فيها على وجوب التأخير وعدم
__________________
(١) كما قال به في الحدائق ٣ : ٢٩٣ .
الحلّية قبل هذه الاُمور أصلاً .
ومنه يظهر وجه عدم دلالة الثالثة أيضاً ، مضافاً إلى أنّ الاستدلال بها إنّما يكون له وجه لو عطفنا قوله : « حلّت » على « أحبّ » ولا ضرورة تستدعيه ، بل الظاهر أو المحتمل لا أقلّ : عطفه على قوله : « ويصيب » كما أنه عطف على قوله : « تمسك » يعني بعد أيام القرء تمسك القطنة ويجوز وطؤها وتحلّ لها الصلاة .
هذا ، مع ما في الجميع من أنهم يشترطون في حلّية الصلاة الاحتشاء واستدخال القطنة والتلجّم والاستثفار ـ كما يأتي (١) ـ ولا يمكن الوطء مع هذه الاُمور ، ولو اُريد غير تلك الاُمور من الأفعال لم يكن معنى حلّية الصلاة ، ولم يكن إرادته أولى من إرادة معنى آخر ، كالحلّية بأن تأتي بمقدماتها ثم يواقعها .
مضافاً إلى أنّ حلّية الصلاة ـ كما عرفت ـ إنما هي بعد الغسل أو الوضوء في الوقت مقارناً للصلاة ، ولا تحل بغسل أو وضوء آخر ، ولازمه عدم جواز الوطء إلّا في أوقات الصلاة قبل إيقاعها ، ولعلّهم لا يقولون به ، بل عدم جوازه أبداً ، إذ بعد الغسل أو الوضوء يجب الاشتغال بالصلاة فوراً ، ولا تحلّ الصلاة بغسل آخر بعد الصلاة إلّا أن تغتسل غسلاً آخر للصلاة بعد الوقاع ، فتأمّل .
للثاني : قوله : « فحين تغتسل » في موثّقة سماعة ، المتقدّمة في القليلة (٢) .
ورواية مالك : عن وطء المستحاضة : « ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها » إلى أن قال : « ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام ، ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل » (٣) .
وقوله : « ولا يأتيها بعلها أيام قرئها » في صحيحة ابن عمار ، السابقة (٤) ، بحمل القرء على الطهر بقرينة لزوم التكرار لولاه ، حيث إنّه منع عن قرئها أيام
__________________
(١) في ص ٤١ .
(٢) في ص ١٤ .
(٣) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٩ أبواب الاستحاضة ب ٣ ح ١ .
(٤) في ص ١٢ .
حيضها أوّلاً ، وليحصل التخالف بينها وبين القليلة المفهوم من قوله أخيراً : « وهذه يأتيها بعلها » .
والرضوي : « وإن زاد دمها على أيامها اغتسلت للفجر » إلى أن قال : « وهذه صفة ما تعمله المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها ، والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد أن تغتسل وتنظف ، لأن غسلها يقوم مقام الطهر للحائض » .
وقوله أيضاً : « وإن رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد من الصلاة عشرة أيام ثم تغتسل يوم حادي عشرها » فبين أقسام المستحاضة وأحكامها إلى أن قال : « فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة ومتى اغتسلت على ما وصفت حل لزوجها أن يغشاها » .
والجواب : أما عن الاُولى : فبعدم الدلالة على الحرمة قبل الاغتسال غايتها المرجوحية ، مع أن إرادة حين جواز الغسل ، أي : مضي أيام الحيض ، ممكنة ، وهو وإن كان مجازاً ولكن الحمل على بعد الغسل أيضاً مجاز لا ترجيح له على الأول كثيراً .
وأما عن الثانية : فمع ما مرّ من عدم الدلالة على التحريم ، بأنّ الظاهر منها غسل الحيض الذي يكره الغشيان قبله .
وأما عن الثالثة : فمع ما تقدّم أيضاً سيما مع أنه لولاه لزم التخصيص بما قبل الأعمال ، بعدم دليل على إرادة الطهر من القُرء ، فيحتمل الحيض ولا تكرار فيه ، إذ يمكن أن يكون المراد بقوله : « المستحاضة » الحائض كما عبّر عنها بها كثيراً في الروايات ، فالأول حكم الحائض والثاني حكم المستحاضة .
والمراد : أن الحائض لا يقربها بعلها أيام حيضها ، وإذا جاز دمها وصارت مستحاضة تفعل كذا وكذا ، ولا يقربها بعلها أيضاً أيام حيضها .
وأما قوله : « وهذه
يأتيها بعلها » فيمكن أن يكون إشارة إلى التي جازت أيامها المذكورة أوّلاً ، لا خصوص التي دمها لا يثقب الكرسف ، فيكون بياناً لجواز
وطء المستحاضة في غير أيام حيضها ، ويكون التخصيص المذكور بقوله : « وهذه » لمقابلة قوله : « المستحاضة ـ أي الحائض ـ لا يقربها بعلها » .
وأما عن الرابعة : فبوجوب الحمل على الكراهة بقرينة قوله السابق في أدلة المختار ، مع أنّ الظاهر من قوله : « وقت الغسل وبعد أن تغتسل » عدم التوقّف على الغسل ؛ إذ المراد بوقت الغسل وقت جوازه .
والحاصل : أن بعد ما ذكر أنه إذا زاد الدم على الأيام اغتسلت للفجر ، قال : « ووقت جواز نكاحها وقت غسلها وبعده » أي وقت زيادة الدم وما بعده ، فإن ذلك قائم مقام طهر الحائض وإن لم يكن طهراً حقيقة لوجود الدم .
وأما قوله : « ومتى اغتسلت على ما وصفت » فبيانه : أنه عليه السلام ذكر أوّلاً أنها إذا رأت أكثر من عشرة أيام تغتسل اليوم الحادي عشر ثم تفعل عمل المستحاضة ، إلى أن دخلت ثانياً في أيام حيضها ، فحينئذٍ تركت الصلاة أيضاً إلى اليوم الحادي عشر فقوله : « متى اغتسلت » إشارة إلى غسل اليوم الحادي عشر الذي به تخلص عن الحيض ، لا أغسال الاستحاضة ، ولذا أخّره عن قوله : « فإذا دخلت » إلى آخره ، ولو منع من تعيّن ذلك فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال .
وللثالث : أخبار توقّفه على حلّ الصلاة الذي هو الخروج عن الحدث الذي يتوقف على الغسل أو الوضوء كل في موقعه . وقد عرفت جوابه .
وللرابع : المروي في قرب الإِسناد وفيه : قلت : يواقعها زوجها ؟ قال : « إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضّأ ثمَّ يواقعها » (١) .
وجوابه : أنه ضعيف لا يصلح للحجية . مع أنه علّق الوجوب على طول الاستحاضة ، ومفهومه إمّا عدم وجوب الغسل والوضوء أو عدم جواز الوطء ولو مع الغسل قبله ، وكلّ منهما خلاف الواقع ، فارتكاب نوع من التجوز فيه لازم .
الثالثة : المشهور : عدم توقّف صحة صومها على غير الأغسال من الأفعال
__________________
(١) قرب الاسناد : ١٢٧ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥ .
وتوقّفها عليها ، بل في اللوامع ادّعى على الحكمين الإِجماع ، كما نسب ثانيهما في المدارك إلى مذهب الأصحاب (١) .
للأصل في الأول ، ومكاتبة ابن مهزيار في الثاني : امرأة طهرت من حيضها أو نفاسها من أول شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين ، فهل يجوز صومها وصلاتها ، أم لا ؟ فكتب [ عليه السلام ] « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها » (٢) الخبر . . .
والتفرقة بين الصلاة والصوم مع عدم قول بها غير ضائرٍ ، كالإِشكال الوارد في تتمة الخبر (٣) ، لأن الخلل والإِشكال في بعضه لا يخرجان ما فيه عن الحجية ، مع إمكان التأويل بما يرفع الخلل ويدفع الإِشكال ، كما هو مذكور في كتب الأصحاب (٤) .
خلافاً في الأول للمحكي عن ظاهر صوم النهاية ، والسرائر (٥) ، فحكما بالفساد إذا أخلّت بما عليها ، وهو يشمل الوضوء وتغيير القطنة ، وعن ظاهر الإِصباح والمروي عن الأصحاب في طهارة المبسوط ، فالفساد إذا أخلّت بالغسل أو الوضوء (٦) . ولا دليل لشيء منهما .
__________________
(١) المدارك ٢ : ٣٨ .
(٢) الكافي ٤ : ١٣٦ الصيام ب ٥٥ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٧ ، الوسائل ٢ : ٣٤٩ أبواب الحيض ب ٤١ ح ٧ .
(٣) تتمة الخبر ـ على ما في الكافي والتهذيب ـ : « لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة عليها السلام والمؤمنات من نسائه بذلك » وهكذا في الطبعة الجديدة من الفقيه ، ولكن المنقول من الفقيه في الوسائل وروضة المتقين ٣ : ٤٠٦ وجامع الأحاديث ٢ : ٥٤٨ ليس مشتملاً على كلمة « فاطمة » وكذا في علل الشرائع : ٢١٣ .
(٤) انظر الحدائق ٢ : ٢٩٧ .
(٥) النهاية : ١٦٥ ، السرائر ١ : ١٥٣ .
(٦)
المبسوط ١ : ٦٨ قال : وإذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال وتجديد الوضوء لم يحرم
عليها شيء
=
وفي الثاني للمحكي عن المبسوط (١) ، والمعتبر (٢) ، فتوقّفا في الحكم ، وهو ظاهر جمع من المتأخّرين ، كالمدارك والبحار (٣) وشرح القواعد للهندي ، وشرح الإِرشاد للأردبيلي والحدائق (٤) ؛ لما في الخبر من الوهن سنداً ، لإضماره ، والخلل متناً كما مرّ ، والقصور دلالةً ، لعدم التصريح بوجوب قضاء الصوم ، بل نهايته الرجحان المحتمل للاستحباب ، ولاحتمال أن يكون لفظ « تقضى صومها » من باب التفعل ويكون المعنى : أنّ صومها صحيح دون الصلاة .
وهو في محلّه جدّاً ، والاحتياط لا يترك مهما أمكن .
ثم المتوقّف عليه على القول به هل هو الأغسال النهارية فقط لكلّ يوم كما عن المنتهى ، والتذكرة ، والبيان (٥) ، ونسبه في اللوامع إلى الجماعة ، أو غسل الفجر خاصةً ، أو ليلته اللاحقة كذلك ، أو السابقة كذلك ، أو الليلتين ؟ كما جعل كلاً منها بعضهم وجهاً ، ولم يبيّنه جماعة كالشيخ ، وابني إدريس وسعيد (٦) ، والفاضل في القواعد والتحرير والإِرشاد والنهاية (٧) ، فعبّروا بالأغسال الظاهرة في العموم .
ويحتمل قوياً : عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية والليلية الماضية والمستقبلة ؛ إذ لا يستفاد غير ذلك من المكاتبة ، فإنّ ظاهرها ترك
__________________
=
مما يحرم على الحائض . . . وإن لم تفعل ما يجب عليها وصامت فقد روى أصحابنا أن عليها القضاء .
(١) لعلّ وجه نسبة التوقف إلى المبسوط ، أنه أسند الحكم إلى رواية الأصحاب ولم يصرّح فيه بإثبات ونفي ولكنه في كتاب الصوم من المبسوط ١ : ٢٨٨ صرّح بأنه متى لم تفعل ما تفعله المستحاضة وجب عليها قضاء الصلاة والصوم .
(٢) المعتبر ١ : ٢٤٨ .
(٣) المدارك ٢ : ٣٩ ، بحار الأنوار ٧٨ : ١١٣ .
(٤) كشف اللثام ١ : ١٠٢ ، مجمع الفائدة ١ : ١٦٣ ، الحدائق ٣ : ٣٠١ .
(٥) المنتهى ١ : ٥٨٦ ، التذكرة ١ : ٣٠ ، البيان : ٦٦ .
(٦) المبسوط ١ : ٦٨ ، السرائر ١ : ١٥٣ ، الجامع : ٤٤ .
(٧) القواعد ١ : ١٦ ، التحرير ١ : ١٦ ، الإرشاد ١ : ٢٢٩ ، نهاية الإِحكام ١ : ١٢٧ .
جميع الأغسال ، فالحكم فيها بقضاء كلّ يوم يمكن أن يكون لجميع ما ذكرنا ، ولكلّ واحد ، ولكلّ اثنين ، والأوّل يقيني والباقي مشكوك فيه .
ودعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة ، غير مسموعة ؛ إذ لا سبيل إلى القطع بالشرعيات من غير جهة النقل التي هي هنا مفقودة .
والأقوى منه ـ باعتبار عموم الخبر من جهة ترك الاستفصال أو إطلاقه حيث يدلّ على أن ترك الغسل لكلّ صلاتين يوجب القضاء سواء ترك الجميع أم لا ـ الحكم بالبطلان بترك النهارية ألبتة ، وأما الليلية فلإِجمالها من جهة أنه لا يعلم أنّ سبب الأمر بالقضاء في الخبر الليلية الماضية أو المستقبلة لا يفيد في الحكم .
ثم على القول بالتوقّف على جميع الأغسال أو النهارية خاصة هل يجب تقديم غسل الفجر عليه أم لا ؟
ظاهر الدليل : الثاني ؛ للأصل ، وصدق الإِتيان بما عليها .
وقيل بالأول ؛ لدلالة التوقّف على كون الاستحاضة حدثاً مانعاً من الصوم ، فيجب رفعه قبل الدخول فيه .
وفيه نظر ظاهر .
نعم ، لو قلنا بالتوقّف على غسل الليلة الماضية فتركها يُبطل إلّا مع تقديم غسل الفجر عليه .
الرابعة : انقطاع الدم بعد إيقاع ما يجب من الطهارتين لا يوجب سقوط مقتضاه للصلاة الآتية ، بل يجب لها مع بقائه بعد الطهارة ولو بلحظة ، سواء كان انقطاع بُرءٍ أو فترة كما مر .
نعم ، لو قلنا بأن المعتبر حصول الدم أوقات الصلاة لا يجب معه .
وهل يؤثّر ذلك الانقطاع في الطهارة الحاضرة لو حدث بعدها وقبل الصلاة إمّا مطلقاً ، كما عن المبسوط ، والمهذب ، والإِصباح ، والسرائر ، والذكرى (١) ، أو
__________________
(١) المبسوط ١ : ٦٨ ، المهذب ١ : ٣٨ ، السرائر ١ : ١٥٣ ، الذكرى : ٣١ .
إذا كان انقطاع بُرءٍ دون فترة ، كما عن ظاهر الخلاف وفي القواعد ، والمنتهى (١) ، ومال إليه جمع من متأخّري المتأخّرين (٢) ، أو مع فترة متّسعة للطهارة والصلاة ثانياً ، كما عن نهاية الفاضل (٣) ؛ فإنهم قالوا بالتأثير فيبطلها ويوجب الوضوء ، لأنّ هذا الدم حدث مغتفر بعد الطهارة وقبل الصلاة حال الضرورة ، وهي الاستمرار أو عدم البرء ، فلا ينسحب فيما لا ضرورة فيه ، أعني حال الانقطاع مطلقاً أو للبرء .
أو لا يؤثّر مطلقاً ، كما عن المحقّق والجامع (٤) ؟
الأقوى : الأخير ؛ لاستصحاب جواز الدخول في الصلاة قبل الانقطاع ، وعدم معلومية تقييده (٥) بالاستمرار ، ولأنه لم يثبت تأثير هذا الدم شرعاً زائداً على إيجاب ما فَعَلَتْ ، وأمّا غيره فلا .
وكونه حدثاً مطلقاً ممنوع ، ولو سلّم فكونه مؤثّراً في شيء زائداً على ما فَعَلَتْ غير ثابت (٦) .
وممّا ذكرنا ظهر عدم تأثيره في بطلان الطهارة والصلاة لو حصل في أثناء الصلاة فتستمرّ في صلاتها . خلافاً لجماعة (٧) ، فقالوا بتأثيره وإيجابه للوضوء وإعادة الصلاة ، هذا .
ثمَّ إنه على فرض التأثّر في الصورتين فالتخصيص بالوضوء لا وجه له ، بل اللازم في كلّ دم تأثيره فيما يوجبه .
هذا كلّه إذا لم يصدر حدث آخر غير الدم ، وأمّا لو حصل غيره من ريح أو
__________________
(١) الخلاف ١ : ٢٥١ ، القواعد ١ : ١٦ ، المنتهى ١ : ١٢٢ .
(٢) المدارك ٢ : ٤٠ ، الحدائق ٣ : ٣٠٢ .
(٣) نهاية الاحكام ١ : ١٢٨ .
(٤) المعتبر ١ : ١١٢ ، الجامع : ٤٥ .
(٥) في « ق » و « هـ » تقيده .
(٦) والاستدلال للمختار بثبوت العفو ليس بجيد ، إذ الخصم يمنع بثبوته ويخصه بصورة الاستمرار ويدعى تبادرها أيضاً من الأخبار . ( منه رحمه الله ) .
(٧) منهم الشهيد في الدروس ١ : ٩٩ .