مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وفي وجوب الوضوء عليها لكلّ صلاة ، كما عن الحلّي ، والشرائع ، والنافع (١) وأكثر المتأخّرين (٢) .

أو مع كلّ غسل ، كما عن المفيد (٣) ، وجُمل السيد (٤) ، والمعتبر (٥) ، والبشرى (٦) واختاره والدي العلّامة رحمه الله .

أو عدمه مطلقاً ، كما عن الناصريات (٧) ، والصدوقين (٨) ، والشيخ (٩) ، والحلبيين (١٠) ، وابن حمزة (١١) ، وسلّار (١٢) ، وفي اللوامع نسبه إلى ظاهر الأكثر .

أقوال ، أظهرها : الأخير ؛ للأصل ، وخلو النصوص عنه مع ورودها في مقام البيان .

للأول : إطلاق قوله سبحانه ( إِذا قُمْتُمْ ) (١٣) ، وثبوت نقض قليل هذا الدم فكثيره أولى ، وأصالة عدم إغناء الغسل عنه .

ويردّ الأول : باختصاصه بحدث النوم كما صرّح به في بعض المعتبرة (١٤) ،

__________________

(١) السرائر ١ : ١٥٣ ، الشرائع ١ : ٣٤ ، النافع : ١١ .

(٢) كالشهيدين في الذكرى : ٣٠ والروض : ٨٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٤٢‌

(٣) المقنعة : ٥٧ .

(٤) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ) ٣ : ٢٧ .

(٥) المعتبر ١ : ٢٤٧ .

(٦) نقل عنه في الذكرى : ٣٠ .

(٧) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٨ .

(٨) المقنع : ١٥ ونقل عن والده في الفقيه ١ : ٥٠ .

(٩) النهاية : ٢٨ ، مصباح المتهجد : ١٠ .

(١٠) أبو الصلاح في الكافي : ١٢٩ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ .

(١١) الوسيلة : ٦١ .

(١٢) المراسم : ٤٤ .

(١٣) المائدة : ٦ .

(١٤) كما في موثقة ابن بكير ، انظر الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٧ .

٢١
 &

وبالرجال ، وإلحاق النسوة بهم إنّما هو بالإِجماع المفقود في المورد .

وتسليم العموم والتخصيص بالمحدثين بالإِجماع ومنع الحدث في المقام ـ كما في المدارك ـ (١) غير سديد ؛ لأنّ التخصيص حينئذٍ إنّما هو بالقدر الثابت عليه الإِجماع .

والثاني : بمنع الأولوية مع الأغسال .

والثالث : بأنه إنّما هو على تقدير الدليل على اللزوم ، وهو غير متحقّق .

وللثاني : قوله ـ في المرسلة الطويلة ـ لبنت أبي حبيش : « فلتدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة ، قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المثعب » (٢) فإنّ قوله : « وإن سال » يدلّ على كونها كثيرة .

ويردّ : بعدم دلالته على الوجوب كما ذكرنا غير مرّة (٣) .

والأخبار المصرّحة بأنّ كلّ غسل قبله أو فيه وضوء (٣) .

ويردّ أيضاً : بعدم الدلالة على الوجوب ، كما مرّ في موضعه .

سلّمنا ، ولكنه مقيّد بكونه محدثاً بالإِجماع ، ولم يثبت الحدث هنا .

وأيضاً : إذا كانت متوضّئةً ولم تحدث بالأحداث الصغريات يصدق أنّها توضّأت قبل الغسل .

نعم ، يثبت من ذلك أنه يجب الوضوء لو صدر عنها بعد الوضوء حدث أصغر ، وهو كذلك لعمومات إيجابه له .

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٤ .

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥ ح ١ والمَثعَب : مسيل الماء .

(٣) ولا يرد ـ لو حمل الغسل في المرسلة على غسل الحيض ـ أن الوضوء أيضاً غير واجب في الكثيرة وهذا بعيد أن يهمل حكمه الواجب واكتفى بالمستحبّ ؛ لأن الحكم بالاستحباب إنما هو لأجل الأصل فيمكن أن يكون واجباً وذكر الواجب في الثلاثة وأهمل حكم المنفرد كما لم يذكر الغسل الواحد للمتوسطة مع شمول الكلام لها ( منه رحمه الله ) .

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ .

٢٢
 &

والظاهر أنّ ذلك أيضاً مراد من نفى الوضوء هنا ، إلّا أنّ هذا الغسل يكفي عن الوضوء عن تلك الأحداث أيضاً .

ولخبر مروي في قرب الإِسناد (١) ، الآمر بالوضوء مع غسل الفجر ، الدالّ على تمام المطلوب بعدم الفصل .

ويردّ : بضعفة الخالي عن الجابر في المقام .

والقول في تغيير القطنة ، والخرقة ، وغسل ظاهر الفرج كما مرّ (٢) .‌

فروع :

أ : صرّح غير واحد من الأصحاب بأنّ اعتبار الجمع بين الصلاتين والاكتفاء بغسل على الجواز دون الوجوب ، فلو فرّقت وأفردت كلّ صلاة بغسل جاز ، وفي المدارك القطع به (٣) ، وعن المنتهى الإِجماع عليه واستحبابه (٤) .

ويدلّ عليه ما تقدّم من قوله لبنت أبي حبيش في المرسلة ، وإن أمكن ، الخدش في دلالته : بحمل الغسل على غسل الحيض .

وقوله فيها حكايةً عنها أيضاً : « وكانت تغتسل في كلّ صلاة » .

ويشعر به قوله في موثّقة يونس بن يعقوب : « فلتغتسل في وقت كلّ صلاة » (٥) .

ولا ينافيه الأمر بالاغتسال لكلّ صلاتين أو بثلاثة أغسال في كلّ يوم ، كما في الأخبار المتكثرة ؛ لعدم منافاة وجوب شي‌ء لجواز غيره .

نعم ، قوله في المرسلة الطويلة لبنت أبي حبيش : « وأخّري الظهر وعجّلي

__________________

(١) قرب الاسناد : ١٢٧ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥ .

(٢) في ص ١٥ ، ١٦ .

(٣) المدارك ٢ : ٣٥ .

(٤) المنتهى ١ : ١٢٢ قال : ولا نعرف في ذلك خلافاً بين علمائنا .

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٦ ، الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١١ .

٢٣
 &

العصر واغتسلي غسلاً . . . » وفي صحيحة البصري : « فإذا كان الدم سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثم تصلّي صلاتين بغسل واحد » (١) وفي المروي في المعتبر ـ في الصحيح ـ عن كتاب ابن محبوب : « فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل » (٢) . يدلّ على وجوب الجمع المنافي للتفريق المستلزم لوجوب الاكتفاء بغسل واحد ، كما عن جماعة منهم : المفيد صريحاً ، والنافع ظاهراً (٣) . وهو الأحوط وإن كان الأول هو الأظهر ؛ لانحصار ما دلّ على وجوب الجمع بالأخير ، ويحمل هو على الاستحباب بقرينة سابقة .

ب : صرّح غير واحد بوجوب كون الطهارة والوضوء في الوقت ، فلا يصح قبله (٤) . وهو كذلك ؛ لقوله في صحيحة الصّحاف : « فلتتوضّأ ولتصلّ عند وقت كلّ صلاة » (٥) .

وفي روايات متعدّدة « فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (٦) .

وفي صحيحة ابن سنان : « تغتسل عند كلّ صلاة الظهر والعصر » إلى أن قال : « ثم تغتسل عند الصبح » (٧) الحديث .

وعدم ثبوت وجوب مقارنة الجميع كغسل المتوسّطة أو وضوئها غير ضائر ؛ للإِجماع المركب .

ومقتضى العندية مقارنة الغسل للصلاة ووجوب تعقيبها (٨) له عرفاً ـ كما

__________________

(١) تقدم مصدرها في ص ١٥ .

(٢) تقدم مصدرها في ص ١٩ .

(٣) المقنعة : ٥٧ ، النافع : ١١ .

(٤) كما صرح به في المبسوط ١ : ٦٨ ، والمهذب ١ : ٣٨ ، والذكرى : ٣١ .

(٥) الكافي ٣ : ٩٥ الحيض ب ١١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٦٨ / ٤٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٣٧٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧ .

(٦) كما في رواية أبي المعزا ورواية إسحاق بن عمار ( الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥ ، ٦ ) .

(٧) تقدم مصدرها في ص ٢٠ .

(٨) في « ق » تعقبها .

٢٤
 &

صرّح به جماعة (١) ـ فالقول بعدم وجوبها ضعيف ، وجواز انتظار الجماعة ـ كما عن النهاية والدروس (٢) ـ غير سديد .

نعم ، الظاهر عدم مضرّة الاشتغال بمقدّمات الصلاة ـ كالستر والاستقبال والأذان والإِقامة ـ في العندية العرفية

وفي وجوب مقارنة الوضوء أيضاً في القليلة والمتوسّطة قول محكي عن الشيخ ، والحلّي ، وظاهر الذكرى (٣) ؛ لكون هذا الدم حدثاً ، والصلاة بالحدث مخالفاً للأصل ، فيجب التقليل ما أمكن .

ولثبوت العفو عمّا لا يمكن الانفكاك عنه من هذا الدم دون غيره .

وللقطع بالخروج عن العهدة مع المقارنة دون الفصل .

ولتبادره من قولهم عليهم السلام : « تتوضّأ لكلّ صلاة » كما عن قولهم : « تغتسل عند كلّ صلاة » .

ولأنه لولاه لم يحتج إلى وضوء آخر للعصر والعشاء .

وقول آخر بالعدم منقول عن المختلف (٤) ؛ للأصل ، وصدق الامتثال ، وعمومات تجويز الطهارة في أوّل الوقت . وهو الأقوى ؛ لذلك .

وضعّف أوّل أدلّة المخالف : بالمنع عن وجوب التقليل المخالف للأصل هنا أولاً ، وبالمنع عن حدثية مطلق هذا الدم ثانياً .

فإن قيل : لا معنى لحدثيته إلّا كونه مانعاً عن مثل الصلاة ومرتفعاً بالطهارة كما في سائر الأحداث .

قلنا : الثابت منه حدثيته في الجملة ، لا حدثية كلّ جزء منه لكلّ صلاة . والحاصل : أنّ الحدثية ليست شيئاً زائداً على المانعية من الصلاة بل هي عينها ،

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٥ ، الذخيرة : ٧٦ ، الرياض ١ : ٤٨ .

(٢) نهاية الإِحكام ١ : ١٢٧ ، الدروس ١ : ٩٩ .

(٣) المبسوط ١ : ٦٨ ، السرائر ١ : ١٥٢ ، الذكرى : ٣١ .

(٤) المختلف : ٤١

٢٥
 &

فلا يثبت منها إلّا ما يثبت منها .

وثانيها : بعدم ثبوت المنع من مطلق هذا الدم حتى يحتاج إلى العفو .

وثالثها : بحصول القطع بما مرّ .

ورابعها : بمنع التبادر ، والفرق بين الفعل لشي‌ء وعنده ظاهر (١) .

ج : يجب الغسل أو الوضوء بحصول السبب بعد الطهارة المتقدمة وإن لم يتّصل بوقت الصلاة ، وفاقاً للبيان ، والروض (٢) ، واللوامع ؛ لإِطلاق إيجابه لأحد الطهورين من غير تخصيص بالوقت .

وقوله في صحيحة الصحّاف : « فإن كان الدّم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضّأ » (٣) فإنّه يدلّ على كفاية السيلان في شي‌ء ممّا بينها وبين المغرب ، لعدم إفادة « ما » الموصولة للعموم .

ولا ينافيه مفهوم قوله فيما بعده : « وإن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيباً فعليها الغسل » حيث إنّ لفظة : « إذا » مفيدة للعموم ؛ لعدم وجوب السيلان في جميع الوقت إجماعاً ، فالمنطوق ليس باقياً على عمومه قطعاً حتى يفيد المفهوم ما يضرّ .

وعلى هذا فتجب الثلاثة مع استمرار الكثرة من الفجر إلى الليل ، أو حدوثها قبل فعل كلّ من الصلاة ولو لحظة . ومع عدم استمرارها أو حدوثها كذلك ، فاثنان إن استمر أو حدث إلى الظهر ، وواحد إن لم يستمر ولم يحدث كذلك .

ولو حدثت الأقسام الثلاثة بين صلاتين ، كأن تكون قليلةً بعد الفجر ثم صارت متوسّطةً ثمَّ كثيرةً قبل الظهر ، يجب امتثال حكم كلٍّ منها ؛ لعدم ثبوت تداخل الأضعف في الأقوى هنا .

__________________

(١) لا يخفى أن المصنف ـ رحمه الله ـ لم يتعرض للجواب عن الدليل الخامس .

(٢) البيان : ٦٦ ، الروض : ٨٤ .

(٣) تقدم مصدرها في ص ٢٤ .

٢٦
 &

د : كلّما حصل سبب لزم موجبه للصلاة التي تتعقّبه وإن لم يتّصل بها ، ثم لو انقطع قبل الإِتيان بموجبه لا يلزم موجبه للصلاة التي بعدها .

فلو حصلت القليلة قبل الفجر توضّأت للفجر ، انقطع قبله أم لا ، ولو انقطع قبل الوضوء لا يلزم وضوء لصلاة الظهر ، ولو لم ينقطع قبل وضوء الفجر لزم الوضوء للظهر أيضاً وهكذا .

ولو حصلت المتوسّطة قبل الفجر غسلت له ، ولا شي‌ء للظهر لو انقطعت قبل الغسل ، وتوضّأت للظهر والعصر لو انقطعت بعده .

ويحتمل وجوب الوضوء للعصر والعشاءين وغسل آخر للفجر الثاني مع الانقطاع بعد الغسل للفجر الأول أيضاً .

ويقوى الاحتمال فيما لو طرأت المتوسّطة بعد صلاة الصبح وانقطعت قبل الظهر مثلاً .

ولو حصلت الكثيرة قبل الصبح تغتسل له ولو انقطعت قبله ، والظاهر عدم وجوب الغسل حينئذٍ لغيره ، مع احتمال وجوب الثلاثة أيضاً .

ولو لم تنقطع قبله وجب غسل آخر للظهرين ، فلو انقطعت قبل غسل الظهر لم يجب للعشاءين مع احتمال وجوبه .

والحاصل : أنّ مقتضى أحكام المستحاضة وجوب الغسل للغداة في المتوسّطة والثلاثة في الكثيرة ، فإن ثبت إجماع على عدم وجوب غسل الغداة لو انقطعت المتوسّطة قبل وضوء صلاة العشاء ، وعدم وجوب غسل الظهرين أو العشاءين لو انقطعت الكثيرة قبل غسل الغداة أو الظهرين ـ كما قد يدّعى ـ فهو ، وإلّا فلا أرى وجهاً للسقوط .

ومنه يظهر حكم ما لو اجتمعت الأقسام الثلاثة فيما بين صلاتين واستمرّ أحدها أو انقطع الجميع .

هـ : قيل : لو كان دمها ينقطع حيناً ، فإن اتّسع وقت انقطاعه الطهارة‌

٢٧
 &

والصلاة ، وجب انتظاره ، ما لم يضرّ بالفرض (١) .

ولا أرى للوجوب دليلاً ، والأصل يقتضي العدم .

و : ذات القليلة والمتوسّطة لا تجمع بين الفرض والنفل بوضوء ، بل تجدّد الوضوء للنافلة ولو غير المرتّبة في غير أوقات الصلاة ؛ لإطلاق كثير من الأخبار ، سيما روايات الصفرة (٢) .

وتجويز الشيخ (٣) الجمع ضعيف .

ودعوى تبادر اليومية أو الفريضة من الإِطلاقات ممنوعة جدّاً ؛ لشيوع غيرها أيضاً .

والثانية تجمع في الغسل صلاة الليل والفجر ، ولا يضرّ عدم المقارنة لصلاة الفجر ؛ إذ ثبوتها إنّما هو بالإِجماع المركّب ، ولا تثبت منه مضرّة صلاة الليل فيها .

وهل تشترط صحة صلاة الليل بالغسل فيه أم يجوز الاكتفاء بالوضوء وتأخير الغسل إلى الفجر ؟ الظاهر : الثاني ؛ لعدم دليل على اشتراط تهجّدها بالغسل سوى الرضوي (٤) القاصر دلالةً على الوجوب ، الخالي عن الجابر في المورد .

وذات الكثيرة تجمع بين صلاتي الليل والفجر ، بين الفرض ونفله وإن تقدّم عليه بغسل واحد ؛ لعدم منافاته للمقارنة العرفية .

مضافاً إلى صريح الرضوي في الأول المنجبر ضعفه بالإِجماع المحكي في اللوامع .

وتصلّي غير الرواتب والقضاء في غير أوقات الصلاة أو فيها مؤخّراً عن الصلاة من غير غسل آخر ولا وضوء إلّا مع حدث موجب لهما من مني أو بول أو نحوهما ؛ لعمومات الأمر بها ، وعدم ثبوت مانع عنها لها سوى الدم ، ولم تثبت

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٣٤٢ .

(٢) انظر ص ١٣ من الكتاب .

(٣) المبسوط ١ : ٤٨ .

(٤) فقه الرضا : ١٩٣ ، المستدرك ٢ : ٤٣ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .

٢٨
 &

مانعيته ولا وجوب الغسل لكلّ صلاة ، وإنّما الثابت وجوبه عليها الأغسال الثلاثة ، فتأمّل .

ز : النصوص خالية عن تعيين قدر القطنة وزمان اعتبار الدم ، فكان التعويل فيه على العرف والعادة ؛ لأنّه المعوّل في مثله .

ح : مقتضى الأخبار : إناطة الكثرة الموجبة للثلاثة بسيلان الدم من الكرسف وإن لم يخرج من الخرقة ولم يثقبها .

وعن ظاهر المقنعة اعتبار الخروج والسيلان منها فيها (١) . وهو ضعيف .

ط : لو لم يكن لها كرسف ولا خرقة ورأت دماً لم تعلم أنه أيّ الثلاثة تبني على الأقل ؛ لأصالة عدم خروج الزائد .

المسألة الثانية : الأقوى أنه يجوز للمستحاضة مطلقاً قراءة العزائم ، ومسّ المصاحف ، واللبث في مطلق المساجد ، مع الجواز في المسجدين . ولا يتوقّف شي‌ء منها على شي‌ء من الأعمال ؛ للأصل الخالي عن الصارف جداً .

خلافاً لجماعة ، وهم بين مَنْ مَنَع عن الأول فيما فيه الغسل قبله (٢) . ومَنْ مَنَع عن الثاني قبل الغسل والوضوء كلٌّ في مورده (٣) ؛ استناداً في القولين إلى دلالة وجوب الغسل على كونها محدثةً بالحدث الأكبر المانع عن القراءة والمسّ ، ووجوب الوضوء على كونها محدثةً بالأصغر المانع عن الأخير .

ويضعّف : بمنع الدلالة المدّعاة أولاً ، وبمنع كليّة المانعية ثانياً .

ومَنْ مَنَع عن الثالث قبل جميع الأعمال ؛ لصحيحة ابن عمار : « المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلّي فيها ولا يقربها بعلها ، وإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر » إلى أن قال : « وتضمّ فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج ، ولا يأتيها بعلها أيام قُرئها ، وإن كان الدم لا يثقب

__________________

(١) المقنعة : ٥٦ .

(٢) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٦٣ .

(٣) كالوحيد في شرح المفاتيح ـ مخطوط ـ .

٢٩
 &

الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء ، وهذه يأتيها بعلها إلّا في أيام حيضها » (١) .

أمر في الكثيرة بجعل سائر الجسد خارج المسجد ، وفي القليلة عقب دخول المسجد عن الوضوء .

ويضعّف أولاً : بعدم دلالتها على الحرمة أصلاً .

وثانياً : بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المسجد أبداً .

وثالثاً : بمنع الدلالة على ما ذكروه من التفصيل في اللبث والجواز جدّاً .

ورابعاً : بأنّ الأول بعد الأعمال الموجبة للجواز إجماعاً والنهي عن إتيان بعلها إنّما هو في أيّام الحيض .

وفي موثّقة عبد الرحمن (٢) ـ الواردة في حكاية امرأة أخيه في نفاسها ـ دلالة على الجواز . والتعقيب الثاني لا يدلّ على التعليق بوجه .

نعم ، لا بأس بالقول بالكراهة في الثلاثة حذراً عن المخالفة .

كما يكره لها دخول الكعبة أيضاً ، ولو مع الأفعال وفاقاً لجماعة (٣) ؛ للمرسلة (٤) .

وعن الشيخ وابن حمزة القول بالتحريم (٥) ، وليس بقويم .

نعم ، يحرم ذلك بل دخول المساجد مطلقاً ـ على القول بحرمة إدخال النجاسة الغير المتعدية أيضاً فيها ـ قبل تبديل القطنة والخرقة وغسل الفرج ، وهو أمر آخر ، بل بعد التبديل والغسل أيضاً لو تلطخ بعدهما .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٨ الحيض ب ٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .

(٢) الكافي ٣ : ٩٨ الحيض ب ١٢ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٨٥ أبواب النفاس ب ٣ ح ٩ .

(٣) منهم الحلّي في السرائر ١ : ١٥٣ والعلامة في التحرير ١ : ١٢٥ ، وصاحب الرياض ١ : ٤٩ .

(٤) الكافي ٤ : ٤٤٩ الحج ب ١٥٣ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٩ / ١٣٨٩ الوسائل ١٣ : ٤٦٢ أبواب الطواف ب ٩١ ح ٢ .

(٥) المبسوط ١ : ٣٣١ ، الوسيلة : ٦١ .

٣٠
 &

وفي توقف جواز وطئها على جميع ما يتوقف عليه تجويز الصلاة من الأعمال ، فلا يجوز قبله مطلقاً ، كثيرة كانت الاستحاضة أو غيرها ، أغسالاً كانت الأعمال أم غيرها ، كما عن المقنعة ، والاقتصاد ، والجمل والعقود ، والكافي (١) ، والإِصباح ، والإسكافي (٢) ، والمصباح ، والحلّي ، والمنتهى (٣) ، ناسباً له إلى ظاهر عبارات الأصحاب .

أو على الغسل خاصةً ، فلا منع في المتوسطة والكثيرة بعده ، وفي القليلة مطلقاً ، كما عن الصدوقين في الرسالة ، والهداية (٤) .

أو عليه وعلى الوضوء ، كلٌّ في موقعه ، كما حكي عن ظاهر الأصحاب (٥) .

أو عليه مع تجديد الوضوء ، كما عن المبسوط (٦) .

أو عدم توقّفه على شي‌ء من ذلك ، كما عن المهذب ، والمعتبر ، والتحرير ، والتذكرة (٧) ، والدروس ، والبيان ، والكركي ، والمدارك ، والكفاية (٨) ، وجمع آخر من المتأخرين .

أقوال ، أقواها : أخيرها ؛ للأصل ، وعموم قوله سبحانه ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) ، وقوله ، ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ) (٩) ، وإطلاقات حل الوطء .

وصحيحة ابن سنان ، وفيها : « ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلّا أيام

__________________

(١) المقنعة : ٥٧ ، الاقتصاد ، ٢٤٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٤ ، الكافي : ١٢٩ .

(٢) نقل عنه في المعتبر ١ : ٢٤٨ .

(٣) مصباح المتهجد : ١١ ، السرائر ١ : ١٥٣ ، المنتهى ١ : ١٢١ .

(٤) الهداية : ٢٢ ونقله عن والده في الفقيه ١ : ٥٠ .

(٥) حكاه في الذكرى : ٣١ .

(٦) المبسوط ١ : ٦٧ .

(٧) المهذب ١ : ٣٨ ، المعتبر ١ : ٢٤٩ ، التحرير ١ : ١٦ ، التذكرة ١ : ٣٠ .

(٨) الدروس ١ : ٩٩ ، البيان : ٦٦ ، جامع المقاصد ١ : ٣٤٤ ، المدارك ٢ : ٣٧ ، الكفاية : ٦ .

(٩) البقرة : ٢٢٢ .

٣١
 &

حيضها » (١) .

وصحيحة صفوان ، المتقدّمة (٢) حيث إنّ قوله فيها : « ويأتيها » عطف على قوله : « تغتسل » فلا يترتّب على المعطوف عليه كما توهّم ، مع أنه لا وجه للترتيب فيها أصلاً .

والرضوي : « فإذا دام دم المستحاضة ومضى عليه مثل أيام حيضها أتاها زوجها متى شاء بعد الغسل أو قبله » (٣) وغير ذلك مما يأتي .

للمخالف الأول : رواية زرارة والفضيل : « المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو يومين ، ثم تغتسل كلّ يوم ثلاث مرات » إلى أن قال : « فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها » (٤) .

وصحيحة البصري : عن المستحاضة أيطؤها زوجها وهل تطوف بالبيت ؟

قال : « تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه » إلى أن قال : « ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد ، وكلّ شي‌ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت » (٥) .

دلّت على أنّ كل شي‌ء استحلّت به الصلاة وكان مبيحاً لها فهو مبيح لإِتيان زوجها وطوافها .

والمروي في المعتبر عن مشيخة ابن محبوب : « في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها » إلى أن قال : « فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ويصيب منها زوجها [ إن أحب ] وحلّت لها الصلاة » (٦) .

والجواب عن الجميع بعدم الدلالة أصلاً :

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٢ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤ .

(٢) في ص ١٥ .

(٣) فقه الرضا : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ١٧ أبواب الحيض ب ١٩ ح ٢ .

(٤) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٢ .

(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩٠ ، الوسائل ٢ : ٣٧٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨ .

(٦) المعتبر ١ : ٢٥٦ ، الوسائل ٢ : ٣٧٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٤ ، ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .

٣٢
 &

أمّا الاُولى فلأنها لا تدلّ إلّا على أنه إذا جازت لها الصلاة جاز وطؤها ، ولا شك أنّ بالخروج عن الحيض تجوز لها الصلاة ، ولا يمنع توقّفها على بعض الشرائط المقدورة عن جوازها ، ولذا يصح أن يقال : إذا لم تكن المرأة حائضاً تحلّ لها الصلاة ، مع أنّها قد تتوقّف على الوضوء والستر وغيرهما . وبالجملة فقد الشرط المقدور بل الواجب تحصيله لا ينافي الحلّية أصلاً .

ويؤكّد إرادة الخروج من الحيض من حلّية الصلاة مسبوقيتها بقوله : « تكف عن الصلاة أيام أقرائها » ولو لا تعيّن ذلك فلا شك في احتماله الموجب لسقوط الاستدلال .

والقول بأنّه مبني على ارتباط قوله : « فإذا حلّت » ورجوعه إلى صدر الخبر ، وهو تعسف ، إذ الظاهر ارتباطه بحكم المستحاضة (١) . ليس بشي‌ء ؛ إذ المجموع حكم المستحاضة ، والضمير في : « لها » راجع إلى المستحاضة المذكورة أوّلاً التي يحكم بتحيّضها أيام أقرائها ، ولا دخل للرجوع والارتباط هنا ، بل جميع الجمل حكم مَنْ نصّ عليه في صدر الرواية بقوله : « المستحاضة . . . » وعلى هذا فتكون دلالة الرواية على ما اخترناه أظهر .

وأمّا الثانية : فبأن الذي أظن من معناها ـ ولا أقل من احتماله ـ أنّ قوله : « وكلّ شي‌ء » عطف على قوله : « بغسل واحد » يعني : ولتجمع كلّ صلاتين بغسل وكذا بكلّ شي‌ء تتوقّف الصلاة عليه من الوضوء وغسل البدن وغيرهما ، فلا يتوقّف كلّ صلاة من الصلاتين على تجديد شي‌ء من هذه الاُمور ، كما لا يتوقّف على تجديد الغسل ، بل تجمع بين كلّ صلاتين بواحد منها ، وقوله : « فليأتها » حكم يتفرع على قوله : « فلتحتط ولتغتسل وتستدخل كرسفاً » .

وأمّا تفريع قوله : « فليأتها » على قوله : « وكل شي‌ء » فلا أرى له سلاسة ، بل وجهاً . مع أنه على فرض تسليم التفريع لا دلالة فيها على وجوب التأخير وعدم

__________________

(١) كما قال به في الحدائق ٣ : ٢٩٣ .

٣٣
 &

الحلّية قبل هذه الاُمور أصلاً .

ومنه يظهر وجه عدم دلالة الثالثة أيضاً ، مضافاً إلى أنّ الاستدلال بها إنّما يكون له وجه لو عطفنا قوله : « حلّت » على « أحبّ » ولا ضرورة تستدعيه ، بل الظاهر أو المحتمل لا أقلّ : عطفه على قوله : « ويصيب » كما أنه عطف على قوله : « تمسك » يعني بعد أيام القرء تمسك القطنة ويجوز وطؤها وتحلّ لها الصلاة .

هذا ، مع ما في الجميع من أنهم يشترطون في حلّية الصلاة الاحتشاء واستدخال القطنة والتلجّم والاستثفار ـ كما يأتي (١) ـ ولا يمكن الوطء مع هذه الاُمور ، ولو اُريد غير تلك الاُمور من الأفعال لم يكن معنى حلّية الصلاة ، ولم يكن إرادته أولى من إرادة معنى آخر ، كالحلّية بأن تأتي بمقدماتها ثم يواقعها .

مضافاً إلى أنّ حلّية الصلاة ـ كما عرفت ـ إنما هي بعد الغسل أو الوضوء في الوقت مقارناً للصلاة ، ولا تحل بغسل أو وضوء آخر ، ولازمه عدم جواز الوطء إلّا في أوقات الصلاة قبل إيقاعها ، ولعلّهم لا يقولون به ، بل عدم جوازه أبداً ، إذ بعد الغسل أو الوضوء يجب الاشتغال بالصلاة فوراً ، ولا تحلّ الصلاة بغسل آخر بعد الصلاة إلّا أن تغتسل غسلاً آخر للصلاة بعد الوقاع ، فتأمّل .

للثاني : قوله : « فحين تغتسل » في موثّقة سماعة ، المتقدّمة في القليلة (٢) .

ورواية مالك : عن وطء المستحاضة : « ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها » إلى أن قال : « ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام ، ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل » (٣) .

وقوله : « ولا يأتيها بعلها أيام قرئها » في صحيحة ابن عمار ، السابقة (٤) ، بحمل القرء على الطهر بقرينة لزوم التكرار لولاه ، حيث إنّه منع عن قرئها أيام

__________________

(١) في ص ٤١ .

(٢) في ص ١٤ .

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٩ أبواب الاستحاضة ب ٣ ح ١ .

(٤) في ص ١٢ .

٣٤
 &

حيضها أوّلاً ، وليحصل التخالف بينها وبين القليلة المفهوم من قوله أخيراً : « وهذه يأتيها بعلها » .

والرضوي : « وإن زاد دمها على أيامها اغتسلت للفجر » إلى أن قال : « وهذه صفة ما تعمله المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها ، والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد أن تغتسل وتنظف ، لأن غسلها يقوم مقام الطهر للحائض » .

وقوله أيضاً : « وإن رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد من الصلاة عشرة أيام ثم تغتسل يوم حادي عشرها » فبين أقسام المستحاضة وأحكامها إلى أن قال : « فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة ومتى اغتسلت على ما وصفت حل لزوجها أن يغشاها » .

والجواب : أما عن الاُولى : فبعدم الدلالة على الحرمة قبل الاغتسال غايتها المرجوحية ، مع أن إرادة حين جواز الغسل ، أي : مضي أيام الحيض ، ممكنة ، وهو وإن كان مجازاً ولكن الحمل على بعد الغسل أيضاً مجاز لا ترجيح له على الأول كثيراً .

وأما عن الثانية : فمع ما مرّ من عدم الدلالة على التحريم ، بأنّ الظاهر منها غسل الحيض الذي يكره الغشيان قبله .

وأما عن الثالثة : فمع ما تقدّم أيضاً سيما مع أنه لولاه لزم التخصيص بما قبل الأعمال ، بعدم دليل على إرادة الطهر من القُرء ، فيحتمل الحيض ولا تكرار فيه ، إذ يمكن أن يكون المراد بقوله : « المستحاضة » الحائض كما عبّر عنها بها كثيراً في الروايات ، فالأول حكم الحائض والثاني حكم المستحاضة .

والمراد : أن الحائض لا يقربها بعلها أيام حيضها ، وإذا جاز دمها وصارت مستحاضة تفعل كذا وكذا ، ولا يقربها بعلها أيضاً أيام حيضها .

وأما قوله : « وهذه يأتيها بعلها » فيمكن أن يكون إشارة إلى التي جازت أيامها المذكورة أوّلاً ، لا خصوص التي دمها لا يثقب الكرسف ، فيكون بياناً لجواز

٣٥
 &

وطء المستحاضة في غير أيام حيضها ، ويكون التخصيص المذكور بقوله : « وهذه » لمقابلة قوله : « المستحاضة ـ أي الحائض ـ لا يقربها بعلها » .

وأما عن الرابعة : فبوجوب الحمل على الكراهة بقرينة قوله السابق في أدلة المختار ، مع أنّ الظاهر من قوله : « وقت الغسل وبعد أن تغتسل » عدم التوقّف على الغسل ؛ إذ المراد بوقت الغسل وقت جوازه .

والحاصل : أن بعد ما ذكر أنه إذا زاد الدم على الأيام اغتسلت للفجر ، قال : « ووقت جواز نكاحها وقت غسلها وبعده » أي وقت زيادة الدم وما بعده ، فإن ذلك قائم مقام طهر الحائض وإن لم يكن طهراً حقيقة لوجود الدم .

وأما قوله : « ومتى اغتسلت على ما وصفت » فبيانه : أنه عليه السلام ذكر أوّلاً أنها إذا رأت أكثر من عشرة أيام تغتسل اليوم الحادي عشر ثم تفعل عمل المستحاضة ، إلى أن دخلت ثانياً في أيام حيضها ، فحينئذٍ تركت الصلاة أيضاً إلى اليوم الحادي عشر فقوله : « متى اغتسلت » إشارة إلى غسل اليوم الحادي عشر الذي به تخلص عن الحيض ، لا أغسال الاستحاضة ، ولذا أخّره عن قوله : « فإذا دخلت » إلى آخره ، ولو منع من تعيّن ذلك فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال .

وللثالث : أخبار توقّفه على حلّ الصلاة الذي هو الخروج عن الحدث الذي يتوقف على الغسل أو الوضوء كل في موقعه . وقد عرفت جوابه .

وللرابع : المروي في قرب الإِسناد وفيه : قلت : يواقعها زوجها ؟ قال : « إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضّأ ثمَّ يواقعها » (١) .

وجوابه : أنه ضعيف لا يصلح للحجية . مع أنه علّق الوجوب على طول الاستحاضة ، ومفهومه إمّا عدم وجوب الغسل والوضوء أو عدم جواز الوطء ولو مع الغسل قبله ، وكلّ منهما خلاف الواقع ، فارتكاب نوع من التجوز فيه لازم .

الثالثة : المشهور : عدم توقّف صحة صومها على غير الأغسال من الأفعال

__________________

(١) قرب الاسناد : ١٢٧ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥ .

٣٦
 &

وتوقّفها عليها ، بل في اللوامع ادّعى على الحكمين الإِجماع ، كما نسب ثانيهما في المدارك إلى مذهب الأصحاب (١) .

للأصل في الأول ، ومكاتبة ابن مهزيار في الثاني : امرأة طهرت من حيضها أو نفاسها من أول شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين ، فهل يجوز صومها وصلاتها ، أم لا ؟ فكتب [ عليه السلام ] « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها » (٢) الخبر . . .

والتفرقة بين الصلاة والصوم مع عدم قول بها غير ضائرٍ ، كالإِشكال الوارد في تتمة الخبر (٣) ، لأن الخلل والإِشكال في بعضه لا يخرجان ما فيه عن الحجية ، مع إمكان التأويل بما يرفع الخلل ويدفع الإِشكال ، كما هو مذكور في كتب الأصحاب (٤) .

خلافاً في الأول للمحكي عن ظاهر صوم النهاية ، والسرائر (٥) ، فحكما بالفساد إذا أخلّت بما عليها ، وهو يشمل الوضوء وتغيير القطنة ، وعن ظاهر الإِصباح والمروي عن الأصحاب في طهارة المبسوط ، فالفساد إذا أخلّت بالغسل أو الوضوء (٦) . ولا دليل لشي‌ء منهما .

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٨ .

(٢) الكافي ٤ : ١٣٦ الصيام ب ٥٥ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٧ ، الوسائل ٢ : ٣٤٩ أبواب الحيض ب ٤١ ح ٧ .

(٣) تتمة الخبر ـ على ما في الكافي والتهذيب ـ : « لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة عليها السلام والمؤمنات من نسائه بذلك » وهكذا في الطبعة الجديدة من الفقيه ، ولكن المنقول من الفقيه في الوسائل وروضة المتقين ٣ : ٤٠٦ وجامع الأحاديث ٢ : ٥٤٨ ليس مشتملاً على كلمة « فاطمة » وكذا في علل الشرائع : ٢١٣ .

(٤) انظر الحدائق ٢ : ٢٩٧ .

(٥) النهاية : ١٦٥ ، السرائر ١ : ١٥٣ .

(٦) المبسوط ١ : ٦٨ قال : وإذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال وتجديد الوضوء لم يحرم عليها شي‌ء

=

٣٧
 &

وفي الثاني للمحكي عن المبسوط (١) ، والمعتبر (٢) ، فتوقّفا في الحكم ، وهو ظاهر جمع من المتأخّرين ، كالمدارك والبحار (٣) وشرح القواعد للهندي ، وشرح الإِرشاد للأردبيلي والحدائق (٤) ؛ لما في الخبر من الوهن سنداً ، لإضماره ، والخلل متناً كما مرّ ، والقصور دلالةً ، لعدم التصريح بوجوب قضاء الصوم ، بل نهايته الرجحان المحتمل للاستحباب ، ولاحتمال أن يكون لفظ « تقضى صومها » من باب التفعل ويكون المعنى : أنّ صومها صحيح دون الصلاة .

وهو في محلّه جدّاً ، والاحتياط لا يترك مهما أمكن .

ثم المتوقّف عليه على القول به هل هو الأغسال النهارية فقط لكلّ يوم كما عن المنتهى ، والتذكرة ، والبيان (٥) ، ونسبه في اللوامع إلى الجماعة ، أو غسل الفجر خاصةً ، أو ليلته اللاحقة كذلك ، أو السابقة كذلك ، أو الليلتين ؟ كما جعل كلاً منها بعضهم وجهاً ، ولم يبيّنه جماعة كالشيخ ، وابني إدريس وسعيد (٦) ، والفاضل في القواعد والتحرير والإِرشاد والنهاية (٧) ، فعبّروا بالأغسال الظاهرة في العموم .

ويحتمل قوياً : عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية والليلية الماضية والمستقبلة ؛ إذ لا يستفاد غير ذلك من المكاتبة ، فإنّ ظاهرها ترك‌

__________________

=

مما يحرم على الحائض . . . وإن لم تفعل ما يجب عليها وصامت فقد روى أصحابنا أن عليها القضاء .

(١) لعلّ وجه نسبة التوقف إلى المبسوط ، أنه أسند الحكم إلى رواية الأصحاب ولم يصرّح فيه بإثبات ونفي ولكنه في كتاب الصوم من المبسوط ١ : ٢٨٨ صرّح بأنه متى لم تفعل ما تفعله المستحاضة وجب عليها قضاء الصلاة والصوم .

(٢) المعتبر ١ : ٢٤٨ .

(٣) المدارك ٢ : ٣٩ ، بحار الأنوار ٧٨ : ١١٣ .

(٤) كشف اللثام ١ : ١٠٢ ، مجمع الفائدة ١ : ١٦٣ ، الحدائق ٣ : ٣٠١ .

(٥) المنتهى ١ : ٥٨٦ ، التذكرة ١ : ٣٠ ، البيان : ٦٦ .

(٦) المبسوط ١ : ٦٨ ، السرائر ١ : ١٥٣ ، الجامع : ٤٤ .

(٧) القواعد ١ : ١٦ ، التحرير ١ : ١٦ ، الإرشاد ١ : ٢٢٩ ، نهاية الإِحكام ١ : ١٢٧ .

٣٨
 &

جميع الأغسال ، فالحكم فيها بقضاء كلّ يوم يمكن أن يكون لجميع ما ذكرنا ، ولكلّ واحد ، ولكلّ اثنين ، والأوّل يقيني والباقي مشكوك فيه .

ودعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة ، غير مسموعة ؛ إذ لا سبيل إلى القطع بالشرعيات من غير جهة النقل التي هي هنا مفقودة .

والأقوى منه ـ باعتبار عموم الخبر من جهة ترك الاستفصال أو إطلاقه حيث يدلّ على أن ترك الغسل لكلّ صلاتين يوجب القضاء سواء ترك الجميع أم لا ـ الحكم بالبطلان بترك النهارية ألبتة ، وأما الليلية فلإِجمالها من جهة أنه لا يعلم أنّ سبب الأمر بالقضاء في الخبر الليلية الماضية أو المستقبلة لا يفيد في الحكم .

ثم على القول بالتوقّف على جميع الأغسال أو النهارية خاصة هل يجب تقديم غسل الفجر عليه أم لا ؟

ظاهر الدليل : الثاني ؛ للأصل ، وصدق الإِتيان بما عليها .

وقيل بالأول ؛ لدلالة التوقّف على كون الاستحاضة حدثاً مانعاً من الصوم ، فيجب رفعه قبل الدخول فيه .

وفيه نظر ظاهر .

نعم ، لو قلنا بالتوقّف على غسل الليلة الماضية فتركها يُبطل إلّا مع تقديم غسل الفجر عليه .

الرابعة : انقطاع الدم بعد إيقاع ما يجب من الطهارتين لا يوجب سقوط مقتضاه للصلاة الآتية ، بل يجب لها مع بقائه بعد الطهارة ولو بلحظة ، سواء كان انقطاع بُرءٍ أو فترة كما مر .

نعم ، لو قلنا بأن المعتبر حصول الدم أوقات الصلاة لا يجب معه .

وهل يؤثّر ذلك الانقطاع في الطهارة الحاضرة لو حدث بعدها وقبل الصلاة إمّا مطلقاً ، كما عن المبسوط ، والمهذب ، والإِصباح ، والسرائر ، والذكرى (١) ، أو

__________________

(١) المبسوط ١ : ٦٨ ، المهذب ١ : ٣٨ ، السرائر ١ : ١٥٣ ، الذكرى : ٣١ .

٣٩
 &

إذا كان انقطاع بُرءٍ دون فترة ، كما عن ظاهر الخلاف وفي القواعد ، والمنتهى (١) ، ومال إليه جمع من متأخّري المتأخّرين (٢) ، أو مع فترة متّسعة للطهارة والصلاة ثانياً ، كما عن نهاية الفاضل (٣) ؛ فإنهم قالوا بالتأثير فيبطلها ويوجب الوضوء ، لأنّ هذا الدم حدث مغتفر بعد الطهارة وقبل الصلاة حال الضرورة ، وهي الاستمرار أو عدم البرء ، فلا ينسحب فيما لا ضرورة فيه ، أعني حال الانقطاع مطلقاً أو للبرء .

أو لا يؤثّر مطلقاً ، كما عن المحقّق والجامع (٤) ؟

الأقوى : الأخير ؛ لاستصحاب جواز الدخول في الصلاة قبل الانقطاع ، وعدم معلومية تقييده (٥) بالاستمرار ، ولأنه لم يثبت تأثير هذا الدم شرعاً زائداً على إيجاب ما فَعَلَتْ ، وأمّا غيره فلا .

وكونه حدثاً مطلقاً ممنوع ، ولو سلّم فكونه مؤثّراً في شي‌ء زائداً على ما فَعَلَتْ غير ثابت (٦) .

وممّا ذكرنا ظهر عدم تأثيره في بطلان الطهارة والصلاة لو حصل في أثناء الصلاة فتستمرّ في صلاتها . خلافاً لجماعة (٧) ، فقالوا بتأثيره وإيجابه للوضوء وإعادة الصلاة ، هذا .

ثمَّ إنه على فرض التأثّر في الصورتين فالتخصيص بالوضوء لا وجه له ، بل اللازم في كلّ دم تأثيره فيما يوجبه .

هذا كلّه إذا لم يصدر حدث آخر غير الدم ، وأمّا لو حصل غيره من ريح أو

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٥١ ، القواعد ١ : ١٦ ، المنتهى ١ : ١٢٢ .

(٢) المدارك ٢ : ٤٠ ، الحدائق ٣ : ٣٠٢ .

(٣) نهاية الاحكام ١ : ١٢٨ .

(٤) المعتبر ١ : ١١٢ ، الجامع : ٤٥ .

(٥) في « ق » و « هـ » تقيده .

(٦) والاستدلال للمختار بثبوت العفو ليس بجيد ، إذ الخصم يمنع بثبوته ويخصه بصورة الاستمرار ويدعى تبادرها أيضاً من الأخبار . ( منه رحمه الله ) .

(٧) منهم الشهيد في الدروس ١ : ٩٩ .

٤٠