أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
الرسول صلّى الله عليه وﺁله وسلّم مبنياً عليه ، وبالأخبار الدالّة على تعظيم قبورهم وعمارتها .
أقول : أمّا إطباقهم على البناء ففيه كلام ؛ فإنّ الأكثر من السلاطين والذين لا يمكن مخالفتهم ، سيما مع عدم الاهتمام بالمخالفة ، إذ غايته الكراهة .
وأمّا قبر الرسول فهو وقع في البناء لكونه بيته لا البناء عليه .
وأمّا تعظيم القبور فهو غير البناء عليه .
نعم ، يحسن التخصيص بما دلّ على فضل تعمير قبورهم ، كرواية [ الساجي ] (١) ـ كما في التهذيب ـ وفيها : « وجعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم ، وتحتمل المذلة والأذى فيكم ، فيعمرون قبوركم » إلى أن قال : « اُولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زوّاري غداً في الجنة ، يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس » (٢) ورواه في فرحة الغري أيضاً بسندين (٣) .
وتدلّ على فضل البناء عليها الروايات المتكثّرة المصرّحة بالأمر بالوقوف على باب الروضة أو القبة أو الناحية المقدّسة ، والاستئذان ، وتقبيل العتبة ، والدعاء عند ترائي القبة الشريفة ، ونحو ذلك مما وردت فيه الأخبار الغير العديدة ـ المؤذنة برضاهم ، بل ميلهم إلى هذه الأبنية الشريفة ـ والآمرة بآداب متوقّفة على وجود الباب والقبة والعتبة الموقوفة على البناء (٤) .
فلا ينبغي الريب في تخصيص عمومات المنع بغير قبورهم ، واستحباب البناء عليها مؤكّداً .
__________________
(١) في « هـ » و « ق » : التباني ، وفي « ح » : كلمة مبهمة ، وما أثبتناه موافق للتهذيب المطبوع راجع معجم رجال الحديث ٢١ : ٢٠٣ .
(٢) التهذيب ٦ : ٢٢ / ٥٠ ، الوسائل ١٤ : ٣٨٢ أبواب المزار ب ٢٦ ح ١ .
(٣) فرحة الغري : ٧٧ ـ ٧٨ .
(٤) انظر : كامل الزيارات الباب ٧٩ ، والوسائل ١٤ : ٣٤١ أبواب المزار ب ٦ .
ويحتمل قوياً التعدّي إلى قبور من علم انتسابه بالولادة إليه من الأبرار من أولادهم ؛ لاحتمال دخوله في ضمير الجمع في قوله : « قبوركم » .
وأمّا من لم يعلم انتسابه إليهم ، وكذا غير أولادهم من العلماء والصلحاء ، فلا أرى لإِخراجهم من عمومات الكراهة وجهاً . والقول بعدم انصرافها إليهم فاسد ، فالقول بالكراهة فيها أظهر .
ثم المراد بالبناء المكروه ما يسمّى بناءً عرفاً ، وأمّا مطلق التظليل ـ ولو بالصناديق والضرائح والخيام والفساطيط ـ فلا دليل على كراهته ، إلّا أنه ذكرها جماعة ، كما في القواعد وعن النهاية والمصباح والوسيلة والسرائر (١) . ولا بأس به ؛ لفتاواهم ، مع استثناء ما إذا تعلّق به غرض صحيح ، كما صرّح به بعضهم (٢) .
وتجديده بعد الاندراس ، كما في القواعد وعن النهاية والمبسوط والمصباح ومختصره والسرائر والمهذب والوسيلة (٣) والإِصباح ، بل على الأشهر ، كما صرّح به بعض من تأخّر (٤) .
لخبر الأصبغ ، ومرسلة الفقيه : « من جدّد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج عن ربقة الإِسلام » (٥) بناءً على ما هو المشهور والمنقول عن الصفّار أنه بالجيم (٦) ، وإن احتمل فيه احتمالات اُخر ، ولكن الاحتمال الأول ـ لكونه قريباً ، مع اعتضاده بفتوى الفحول ـ يكفي في المطلوب ، لكونه مقام التسامح . ولكنه مخصوص بقبور غير المعصومين ؛ لما مرّ .
__________________
(١) القواعد ١ : ٢١ ، والنهاية : ٤٤ ، ومصباح المتهجد : ٢٢ ، والوسيلة : ٦٩ ، والسرائر ١ : ١٧١ .
(٢) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٥٠ .
(٣) القواعد ١ : ٢١ ، والنهاية : ٤٤ ، والمبسوط ١ : ١٨٧ ، ومصباح المتهجد : ٢٢ ، والسرائر ١ : ١٧١ ، والمهذب ١ : ٦٥ ، والوسيلة : ٦٩ .
(٤) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٥٠١ ، وصاحب الحدائق ٤ : ١٣٤ .
(٥) الفقيه ١ : ١٢٠ / ٥٧٩ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ / ١٤٩٧ ، المحاسن : ٦١٢ / ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٢٠٨ أبواب الدفن ب ٤٣ ح ١ .
(٦) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٣٠٤ .
والجلوس عليه ، بلا خلاف ظاهر ؛ لما مرّ من موثّقة علي وخبر يونس (١) .
والمشي عليه ، عند جماعة ، بل عن الخلاف (٢) ، والمعتبر والتذكرة (٣) الإِجماع ظاهراً .
للمروي في المنتهى عن النبي صلّى الله عليه و ﺁله وسلّم : « لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إليّ من أن أطأ على قبر مسلم » (٤) .
ولكن تعارضه مرسلة الفقيه : « إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن كان مؤمناً استروح إلى ذلك ومن كان منافقاً وجد ألمه » (٥) .
ولذلك مال في المعتبر إلى عدم الكراهة ، وقال به في المدارك (٦) .
وخصّص جماعة الكراهة بما إذا لم يدخل لأجل الزيارة .
وظاهر المنتهى التوقف (٧) ، وهو في محلّه جدّاً .
وهاهنا مسائل اُخر متعلّقة بالمدافن والمقابر لا بدّ من ذكرها :
المسألة الاُولى :
يكره جعل المدفن في البيت ؛ للمروي في المحاسن وكنز الكراجكي ، عن أبي الدنيا المعمّر ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه و ﺁله وسلّم يقول : لا تتخذوا قبري عيداً ، ولا تتّخذوا قبوركم مساجد ، ولا بيوتكم قبوراً » (٨) .
ولو أوصى بدفنه في بيته اعتبرت الإِجازة أو الثلث .
__________________
(١) المتقدمتين في ص ٢٧٨ ، ٢٨٠ .
(٢) الخلاف ١ : ٧٠٧ ، ولم نعثر على ادعاء الإِجماع فيه ، وقد حكى عنه في المدارك ٢ : ١٥٢ .
(٣) المعتبر ١ : ٣٠٥ ، والتذكرة ١ : ٥٤ .
(٤) المنتهى ١ : ٤٦٨ بتفاوت يسير .
(٥) الفقيه ١ : ١١٥ / ٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٢٣١ أبواب الدفن ب ٦٢ ح ١ .
(٦) المعتبر ١ : ٣٠٥ ، المدارك ٢ : ١٥٣ .
(٧) المنتهى ١ : ٤٦٤ .
(٨) لم نعثر عليه في المحاسن ، كنز الكراجكي ٢ : ١٥٢ ، وفيه « لا تتخذوا قبري مسجداً » .
ولو كان في البلد أو القرية مقبرة يدفن فيها الموتى كان الدفن فيها أولى ؛ لما فيها من زيادة الزيارة والدعاء .
ويستحب أن يجعل الأقارب في مقبرة واحدة ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وﺁله وسلّم لمّا دفن ابن مظعون : « ادفن إليه من مات من أهله » (١) .
وقيل : الأولى أن يكون للإِنسان مقبرة ملك يدفن فيها أهله وأقاربه . ولو كان فيها مقبرة بها قوم صالحون كان الأحسن اختيارها ، لتناله بركتهم .
ويؤيده : ما روي في كتاب اختيار الرجال من أمر مولانا الرضا عليه السلام بحفر قبر يونس بن يعقوب ـ حين مات في المدينة ـ بالبقيع (٢) .
الثانية : لا يجوز دفن الكفّار وأولادهم بأصنافهم في مقبرة المسلمين ، بالإِجماع المحقّق ، والمحكي في شرح القواعد والشرائع (٣) ، وعن التذكرة ونهاية الإِحكام والذكرى وروض الجنان (٤) . ولا دفن المسلم في مقبرة الكفّار كذلك . ويستثنى من الأول الكافرة الحامل من مسلم ، بالإِجماع ، كما عن الخلاف (٥) .
الثالثة : يكره نقل الموتى عن بلد موتهم إلى غير المواضع المكرّمة والمشاهد المشرّفة ، بالإِجماع المحقّق ، والمحكي عن نهاية الإِحكام ( والمعتبر ) (٦) والتذكرة والذكرى (٧) ، وغيرها (٨) ؛ له ، ولمنافاته للتعجيل في الدفن المستحب بالإِجماع ،
__________________
(١) نقله في الذكرى : ٦٥ ، وعنه في البحار ٧٩ : ٤٨ .
(٢) رجال الكشي ٢ : ٦٨٤ .
(٣) جامع المقاصد ١ : ٤٤٨ ، ولم نعثر عليه في الشرائع ، ويحتمل وقوع التصحيف في ضبط الرمز ، فضبطه الناسخ « يع » بدل « مع » ، والمراد منه : اللوامع .
(٤) التذكرة ١ : ٥٤ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٨١ ، الذكرى : ٧٠ ، روض الجنان : ٣٢١ .
(٥) الخلاف ١ : ٧٣٠ .
(٦) ليست في « ق » .
(٧) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٨٣ ، المعتبر ١ : ٣٠٧ ، التذكرة ١ : ٥٤ ، الذكرى : ٦٤ .
(٨) كجامع المقاصد ١ : ٤٥٠ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ١٧٢ ، وكشف اللثام ١ : ١٣٨ .
والروايات المحمولة عليه (١) ، لعدم القول بالوجوب .
والمروي في الدعائم ـ المانع ضعفه عن إثبات الحرمة به ـ : رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رجلاً مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة ، فأنهكهم عقوبة ، وقال : « ادفنوا الأجساد في مصارعها ، ولا تفعلوا كفعل اليهود ينقلون موتاهم إلى بيت المقدس » (٢) .
وأمّا إليها فمستحب ، إجماعاً منّا ، كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة (٣) ، وفي اللوامع وغيرها (٤) ، وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن ، وهو مشهور بينهم لا يتناكرون ؛ له ، وللمروي في إرشاد القلوب وفرحة الغري من حكاية أمير المؤمنين وجنازة اليماني التي رآها في طرف الغري (٥) .
وللمرويين في عزّية المفيد ومصباح الشيخ مرسلاً :
الأول : وقد جاء حديث يدلّ على رخصته في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول إن وصّى الميت بذلك (٦) .
والثاني : وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة (٧) .
والمرويين في الكافي والتهذيب :
الأول : خبر علي بن سليمان : عن الميت يموت بعرفات ، يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم ، فأيهما أفضل ؟ فكتب : « يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل » (٨) .
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٤٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٧ .
(٢) الدعائم ١ : ٢٣٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣١٣ أبواب الدفن وما يناسبه ب ١٣ ح ١٥ .
(٣) المعتبر ١ : ٣٠٧ ، التذكرة ١ : ٥٤ ، الذكرى : ٦٤ .
(٤) كجامع المقاصد ١ : ٤٥٠ ، وروض الجنان : ٣١٩ .
(٥) إرشاد القلوب : ٤٤٠ ، ولم نعثر عليه في فرحة الغري .
(٦) نقله عن المسائل العزية ، في الذكرى : ٦٥ .
(٧) مصباح المتهجد : ٢٢ .
(٨) الكافي ٤ : ٥٤٣ الحج ب ٦٦ ح ١٤ ، التهذيب ٥ : ٤٦٥ / ١٦٢٤ وفيه : عن علي بن سليمان ، الوسائل ١٣ : ٢٨٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٤٤ ح ٢ .
والثاني : خبر سليمان ، وهو أيضاً مثله .
والمروي في المجمع وقصص الأنبياء للراوندي : « إن يعقوب لمّا مات حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس » (١) .
وفحوى المرويين في كامل الزيارة ، وفي الكافي والفقيه والعلل والعيون والخصال :
الأول : « إنّ نوحاً استخرج تابوتاً من الحرم فيه عظام آدم ، فدفنه في الغري » (٢) .
والثاني : « إنّ موسى استخرج عظام يوسف من شاطئ النيل وحمله إلى الشام » (٣) .
وكون الأول عمل اليماني ، والتعبير في الثانيين بالرخصة والجواز المجتمعين مع الكراهة أيضاً ، والاختصاص في الرابعين بالحرم ، ووقوع الأخيرين في الشرع السالف ، غير ضائر ؛ لأنّ المناط في الأول تقرير الأمير بل تحسينه المستفاد من قوله : « أنا والله ذلك الرجل » .
والمراد بالرخصة والجواز في الثانيين ليس معناهما الأعم ، لتحقّقه في غير المشاهد أيضاً ، بل أقلهما الإِباحة المستلزمة للاستحباب في المقام ، لعدم القائل بها .
والثبوت في النقل إلى الحرم بالرابعين يستلزمه في غيره ـ من المواضع التالية له في الفضل ـ بالإِجماع المركب .
وكفاية الوقوع في شرع وعدم النسخ لنا للاستصحاب .
إلّا أنه يرد على الأخيرين : أنّ مع ورود الأوامر بالتعجيل في شرعنا لا يتمّ
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٢٦٦ ، ونقل عن قصص الأنبياء للراوندي في البحار ٧٩ : ٦٧ .
(٢) كامل الزيارات : ٣٨ ـ ٣٩ .
(٣) الكافي ٨ : ١٥٥ / ١٤٤ ، الفقيه ١ : ١٢٣ / ٥٩٤ ، العلل : ٢٩٦ / ١ ، العيون ١ : ٢٠٣ / ١٨ ، الخصال : ٢٠٥ / ٢١ .
الاستصحاب .
وقد يتمّم دلالتهما بنقلهم عليهم السلام مع التقرير عليه .
وفيه ما فيه ؛ إذ ليس هاهنا موضع التقرير ولا حجيته .
ويؤيّد المطلوب بل يثبته : قولهم عليهم السلام : « لكل امرئ ما نوى » و « إنّما الأعمال بالنيّات » (١) فيصل القاصدُ بذلك تَمَسُّكَه بمن له مرتبة الشفاعة وله بمن توسّل به العناية ، إلى ما قصده ونواه ، وهل يتوسّل العبد إلّا بمولاه ؟
بل يدلّ على المطلوب أتمّ دلالة ، ويبيّنه كتبيان النور على الطور : ما ورد في الروايات المعتبرة المتواترة المملوءة منها كتب المزار في الزيارات المتكثّرة ـ خصوصاً الواردتين عن الرضا والهادي عليهما السلام (٢) ـ القائلة بنحو قوله : وأمن من لجأ إليكم ، وفاز من تمسّك بكم ، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله ، ومن أتاكم فقد نجا . وقوله : وأشهد أنّ المتوسّل بكم غير خائب ، وأنّ من وصل حبله بحبلكم فقد وصل بالعروة الوثقى ، إلى غير ذلك ممّا ملئ منه الكتب .
وأيّ لجأ وتمسّك واعتصام وتوسّل ووصل أعلى وآكد وأظهر وأشدّ من طرح الجسم في فناهم ، وإلقاء القالب في حماهم ، وتعفير الخدود في سددهم السنية ، ووضع الرؤوس على أعتابهم العليّة ، بل الظاهر أنّ أهل العرف يعدّون ذلك أعلى أصناف الالتجاء والتمسّك ، وأقصى مراتب الاعتصام والتوسّل . رزقنا الله سبحانه التوسّد في ترابهم ، وعفر وجوهنا في أعتابهم .
وبما ذكرنا كلّه تخصّص عمومات المنع ، بل لا اعتبار بها عند ما ذكر أصلاً .
ثم بعض ما تقدم وإن كان مختصاً بصورة وصية الميت ، إلّا أنّ كثيراً منها أعم ، ومنها حديث التوسّل والاعتصام .
بل ممّا ذكر يظهر عدم استثناء صورة خوف انفجار الميت وتقطّعه لبعد
__________________
(١) راجع الوسائل ١ : ٤٦ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ .
(٢) الفقيه ٢ : ٣٦٩ و ٣٧٠ / ١٦٢٤ و ١٦٢٥ .
المسافة ، فإنّ دليل استثنائها ما يدلّ على حرمة الميت ، وإلّا فالانفجار والتقطّع حاصلان لا محالة ، ولا ينافي التقطّع في سبيلهم والانفجار في طريق الالتجاء إلى حرمهم للحرمة ، بل هو عين الاحترام والعزة .
هذا كلّه قبل الدفن ، وأمّا بعده فذهب جماعة ـ منهم : القواعد وعن المنتهى والتلخيص والتذكرة والمختلف ونهاية الإِحكام والعزّية والسرائر والإِصباح والذكرى والبيان (١) ـ إلى الحرمة .
ولا دليل عليها سوى استلزامه النبش المحرّم . وهو غير المدّعى ؛ إذ الكلام بعد النبش وقد يحصل بفعل غير المكلّف . مع منع حرمة اللازم هنا ؛ إذ ليس دليلها إلّا الإِجماع المنتفي هاهنا .
فإذاً الجواز أقوى ، وفاقاً لوالدي رحمه الله ، وهو المحكي عن ظاهر النهاية والمبسوط والمصباح (٢) ، ومختصره ، والإِسكافي (٣) ، وابن حمزة (٤) ، والكركي (٥) .
ويؤيّده ما تقدّم من نقل آدم ويوسف (٦) ، بل ما نقل من نقل جماعة من العلماء بعد دفنهم ، كالمفيد والمرتضى وشيخنا البهائي ، لأنّ الظاهر أنّ ذلك لم يكن إلّا بتجويز فقهاء العصر .
وهل يكره ذلك ـ كما عن أكثر من ذكر ـ لاشتهار الحرمة ، أو لا ، لما ذكر من أدلّة الفضيلة ؟ فيه تردّد وإن كان الأخير أولى [ لقصور ] (٧) مستند الحرمة وضعفه .
هذا كلّه مع عدم الوصية ، وأمّا معها ومخالفتها لمانع أو بدونه فالنقل
__________________
(١) القواعد ١ : ٢١ ، المنتهى ١ : ٤٦٤ ، التذكرة ١ : ٥٤ ، المختلف : ١٢٣ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٨٣ ، السرائر ١ : ١٧٠ ، الذكرى : ٦٥ ، البيان : ٨١ .
(٢) النهاية : ٤٤ ، والمبسوط ١ : ١٨٧ ، ومصباح المتهجد : ٢٢ .
(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٢٣ ، والذكرى : ٦٥ .
(٤) الوسيلة : ٦٩ .
(٥) جامع المقاصد ١ : ٤٥١ .
(٦) راجع ص ٢٨٦ .
(٧) في النسخ الثلاث : لظهور ، وما أثبتناه هو الصحيح .
واجب ؛ عملاً بعمومات الوصية .
الرابعة : يحرم نبش القبر بالإِجماع المحقّق ، والمحكي في المنتهى واللوامع وعن المعتبر والتذكرة ونهاية الإِحكام والذكرى (١) ، وغيرها (٢) .
وهو الدليل عليه ، لا ما قيل من أنه مثلة بالميت وهتك لحرمته (٣) ؛ لمنعه . ولا أخبار قطع النباش ؛ لظهورها في كون القطع للسرقة أو للمجموع ، وفي خبر الجعفي : « تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب » (٤) .
وعلى هذا فيقتصر في الحكم بالتحريم على موضع الإِجماع ، فلا يحرم فيما لا إجماع فيه ، كأن يقع في القبر ما له قيمة وإن قلّت ، أو يدفن في أرض بغير إذن مالكها ، أو بلا غسل أو كفن ، أو إلى غير القبلة ، أو يكفن في ثوب مغصوب ، أو لأن يستشهد على عينه ، أو لصيرورة المدفون رميماً ، وغير ذلك .
المقام الثالث : فيما يتعلق بالدفن
والواجب منه ثلاثة :
الأول : مواراته في الأرض على الوجه المتقدم في أول المقام الثاني (٥) .
والثاني : دفنه مستقبلاً بوجهه إلى القبلة ، كما في المنتهى والقواعد وعن المقنعة والنهاية والمبسوط والغنية والجامع والنافع والشرائع والمعتبر (٦) ، وفي اللوامع ،
__________________
(١) المنتهى : لم نعثر عليه فيه ونقله عنه في الرياض ١ : ٦٧ ، المعتبر ١ : ٣٠٨ ، التذكرة ١ : ٥٤ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٨٠ ، الذكرى : ٧٦ .
(٢) كمفاتيح الشرائع ٢ : ١٧٢ ، والذخيرة : ٣٤٤ .
(٣) كما في المعتبر ١ : ٣٠٨ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ١٧٢ .
(٤) الكافي ٧ : ٢٢٨ الحدود ب ٣٩ ح ٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧٨ أبواب الحدود ب ١٩ ح ٢ .
(٥) راجع ص ٢٦٧ .
(٦) المنتهى ١ : ٤٥٩ ، القواعد ١ : ٢١ ، المقنعة : ٨٠ ، النهاية : ٣٨ ، المبسوط ١ : ١٨٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، الجامع للشرائع : ٥٤ ، المختصر النافع : ١٣ ، الشرائع ١ : ٤٢ ، المعتبر ١ : ٢٩١ .
وغيرها (١) . بل هو المشهور كما صرّح به جماعة (٢) ، بل بلا خلاف كما عن شرح الجمل للقاضي (٣) ، وفي المدارك : إنه مذهب الأصحاب (٤) ، مؤذناً بدعوى الإِجماع ، بل عن ظاهر التذكرة إجماعنا عليه (٥) .
لا لما دلّ على وجوبه حال الاحتضار الموجب له هنا بالأولوية ؛ لمنع الأولوية ، مضافاً إلى الاختلاف في الكيفية .
ولا لصحيحة معاوية الحاكية لوصية البراء بجعل وجهه إلى رسول الله صلّى الله عليه وﺁله إلى القبلة فجرت به السنّة (٦) ؛ لأنّ السنّة فيها وإن لم تكن ظاهرةً في الندبية بل الظاهر منها إرادة الطريقة ، إلّا أنها تحتمل الأعمية .
بل للرضوي ، والمروي في الدعائم ، ودعوات الراوندي ، المنجبر ضعفها بما مرّ :
الأول : « ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة » (٧) .
والثاني ، وفيه : « قال : اضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، ولا تكبّوه لوجهه ولا تلقوه على ظهره ، ثم قال للذي وليه : ضع يدك على أنفه حتى يتبيّن لك استقبال القبلة » (٨) إلى آخره .
والثالث : « فإذا وضعته في قبره فضعه على يمينه مستقبل القبلة » (٩) .
__________________
(١) كالذكرى : ١٦ ، والروضة البهية ١ : ١٤٦ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ١٧١ .
(٢) كالمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٣٩ ، وصاحب الحدائق ٤ : ٦٨ .
(٣) شرح الجمل : ١٥٤ .
(٤) المدارك ٢ : ١٣٦ .
(٥) التذكرة ١ : ٥٢ .
(٦) الكافي ٣ : ٢٥٤ الجنائز ب ٩٥ ح ١٦ ، الفقيه ٤ : ١٣٧ / ٤٧٩ ، التهذيب ٩ : ١٩٢ / ٧٧١ ، وفي الجميع بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٢٣٠ أبواب الدفن ب ٦١ ح ١ و ٢ .
(٧) فقه الرضا (ع) : ١٧٠ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب الدفن ب ٥١ ح ٢ بتفاوت يسير .
(٨) الدعائم ١ : ٢٣٨ بتفاوت ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٧٥ أبواب الدفن وما يناسبه ب ٥١ ح ١ .
(٩) دعوات الراوندي : ٢٦٥ .
المعتضدة بخبر ابن سيّابة في حديث الرجل الذي قطع رأسه : « إذا صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته إلى القبلة » (١) .
خلافاً للمحكي عن ابن حمزة فاستحبّه (٢) ، وقد ينسب إلى جمل الشيخ ، والديلمي أيضاً ، لحصر الأول الواجب في واحد هو دفنه (٣) ، وعدم تعرّض الثاني لذكره (٤) ؛ للأصل الواجب تركه بما مرّ .
والثالث : إضجاعه على جنبه الأيمن ، فيكون رجلاه شرقيين ورأسه غربياً ، وفاقاً لغير الجامع ممّن ذكر ، وعليه نفي الخلاف ، والإِجماع عن شرح الجمل والتذكرة (٥) ؛ للروايات المتقدّمة المنجبرة . وخلافاً للمحكي عن الجامع ، فجعله سنّة (٦) .
ويستثنى من الأول ـ وهو مواراته في الأرض ـ ما إذا مات في سفر البحر ، فإنه يلقى في البحر بعد الغسل والتكفين والصلاة ، إمّا مثقلاً بحجر ونحوه ، أو مستوراً في وعاء ثقيل كالخابية ، مخيّراً بين الأمرين كما في النافع والشرائع والمنتهى والقواعد (٧) واللوامع وغيرها (٨) . بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر (٩) .
لورود الأول في مرسل أبان ، ومرفوع سهل ، وخبر أبي البختري :
الأول : « الرجل يموت مع القوم في البحر ، يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٤٨ / ١٤٤٩ ، الوسائل ٢ : ٥١١ أبواب غسل الميت ب ١٥ ح ١ .
(٢) الوسيلة : ٦٢ .
(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٧ .
(٤) المراسم : ٤٧ .
(٥) شرح الجمل : ١٥٤ ، التذكرة ١ : ٥٢ .
(٦) الجامع للشرائع : ٥٤ .
(٧) المختصر النافع : ١٣ ، الشرائع ١ : ٤٢ ، المنتهى ١ : ٤٦٤ ، القواعد ١ : ٢١ .
(٨) كالذكرى : ٦٤ ، وجامع المقاصد ١ : ٤٤٧ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ١٧١ .
(٩) كصاحب الحدائق ٤ : ٧١ ، وصاحب الرياض ١ : ٦٢ .
ويثقل ويرمى في البحر » (١) .
والثاني : إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط قال : « يكفّن ويحنّط ويلقى في الماء » (٢) .
والثالث : « إذا مات الميت في البحر غسّل وكفّن وحنّط ، ثم يوثق في رجليه حجر ويرمى به في الماء » (٣) وبمضمونها الرضوي (٤) .
والثاني في صحيحة ابن الحر : عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به ؟ قال : « يوضع في خابية ويوكى رأسها ويطرح في الماء » (٥) .
وعن الشيخ تقديم الثاني ؛ لصحة مستنده ، وصونه الميت عن الحيوانات وهتك الحرمة ، فإن تعذّر فالأول (٦) .
وليس بشيء ؛ لحجية مستند الأول أيضاً ، ووجوب الصون والاحترام ما دام ظاهراً ، لا بعد الدفن ، ولذا لا يصان في القبر عن الحشرات .
وفي وجوب الاستقبال حين الإِلقاء ، كما عن الإِسكافي والشهيدين (٧) ، واُضيف إلى المشهور (٨) . أو استحبابه ، كما نسبه في اللوامع إلى الأكثر ، قولان ،
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢١٤ الجنائز ب ٧٧ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ / ٩٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٥٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب الدفن ب ٤٠ ح ٣ .
(٢) الكافي ٣ : ٢١٤ الجنائز ب ٧٧ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ / ٩٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٦٠ ، الوسائل ٣ : ٢٠٧ أبواب الدفن ب ٤٠ ح ٤ .
(٣) الفقيه ١ : ٩٦ / ٤٤١ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ / ٩٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٦١ بتفاوت يسير ، قرب الإِسناد : ١٣٨ / ٤٩١ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب الدفن ب ٤٠ ح ٢ .
(٤) فقه الرضا (ع) : ١٧٣ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٤٥ أبواب الدفن وما يناسبه ب ٣٧ ح ١ .
(٥) الكافي ٣ : ٢١٣ الجنائز ب ٧٧ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٦ / ٤٤٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ / ٧٦٢ ، الوسائل ٣ : ٢٠٥ أبواب الدفن ب ٤٠ ح ١ .
(٦) الخلاف ١ : ٧٠٥ .
(٧) حكاه عن الإِسكافي في الذكرى : ٦٤ ، وقال به الشهيد الأول في الذكرى : ٦٤ والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣١٦ .
(٨) كما في الرياض ١ : ٦٢ .
والثاني موافق للأصل ، فهو الأجود .
وهل الإِلقاء إنما هو بعد تعذّر النقل إلى البرّ في زمان لا يعتريه الفساد ، كما هو ظاهر الأكثر ومقتضى مفهوم المرفوع ، أو يجوز ابتداءً كما عن بعضهم (١) ؛ لإِطلاق البواقي ؟ الظاهر : الأول ؛ حملاً للمطلق على المقيد ، كما يقيّد إطلاق المقيد في الإِلقاء بتقييد المطلقات بالتثقيل أو الستر .
ويستثنى من الثاني ما إذا التبست القبلة ، أو تعذّر صرف الميت إليها ، كأن يموت في بئر ونحوه وتعذّر الإِخراج والصرف . ووجهه ظاهر .
ومن صُور التعذّر : ما إذا ولد توأمان ملصقاً ظهر أحدهما بالآخر ـ كما اتّفق في بلدتنا ـ فيستقبل بأحدهما مخيّراً . وأما القطع والاستقبال بهما فتنفيه حرمة القطع وعدم دليل وجوب الاستقبال ؛ لانحصاره في المرويين (٢) الخاليين عن الجابر في المقام ، المنصرفين إلى الشائع .
وقد يستثنى أيضاً الكافرة الحاملة من المسلم بنكاح أو ملك أو شبهة خاصة ـ كما عن جماعة (٣) ـ أو مطلقاً ولو بالزنا كما عن بعضهم (٤) ، فيستدبر بها القبلة في مقبرة المسلمين حتى يكون الولد إلى القبلة ، على المشهور ، بل عليه الإِجماع عن الخلاف والتذكرة (٥) ؛ لرواية يونس (٦) .
ولا دلالة فيها أصلاً ، كما لا حجية للإِجماع المنقول ، إلّا أن يقال مقتضى الرواية : دفن الولد معها من غير إخراج ، ويجب الاستقبال به والدفن في مقبرة
__________________
(١) حكاه في المدارك ٢ : ١٣٤ عن ظاهر المقنعة والمعتبر ، ولكن قال في المقنعة : ٨٦ إذا مات الإِنسان في البحر ولم يوجد له أرض يدفن فيها . . .
(٢) وهما المرويان في الدعائم ودعوات الراوندي وقد تقدما في ص ٢٩٠ .
(٣) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٣٧ ، وصاحب الرياض ١ : ٦٣ .
(٤) كالمحقق في المعتبر ١ : ٢٩٢ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢١ لإِطلاق كلامهما .
(٥) الخلاف ١ : ٧٣٠ ، التذكرة ١ : ٥٤ .
(٦) التهذيب ١ : ٣٣٤ / ٩٨٠ ، الوسائل ٣ : ٢٠٥ أبواب الدفن ب ٣٩ ح ٢ .
المسلمين ، وهو موقوف على ما ذكر .
ولكن يخدشه أيضاً : عدم انصراف أدلّة الاستقبال والدفن في مقبرتهم إلى مثل ذلك ، ولذا تردّد بعضهم في الحكم (١) ، ونسبه في النافع إلى القيل مشعراً بالتردّد (٢) ، وهو في موقعه . ولو ثبت الحكم أيضاً فليس محلاً للاستثناء ؛ إذ لا يجب دفن الكافرة فضلاً عن الاستقبال بها .
وأما مستحباته فاُمور :
منها : وضع جنازة الرجل قرب القبر عند رجليه ، بأن يكون رأسه مما يلي الرجل ، والمرأة مما يلي القبلة عرضاً ، نسبهما في المنتهى إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإِجماع عليهما (٣) ، كما عن التذكرة ونهاية الإِحكام والغنية الإِجماع على الثاني (٤) ؛ وهو الحجة فيهما .
مضافاً في الأول إلى موثّقة عمّار : « لكل شيء باب ، وباب القبر من قبل الرجلين ، إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين » (٥) .
وتؤيده الروايات الآمرة بوضعها أسفل القبر (٦) .
وفيهما إلى الرضوي : « وإن كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد ، وتأخذ الرجل من قبل رجليه ، تسلّه سلاً » (٧) وقريب منه المروي في الخصال والفقيه (٨) .
وبما مرّ من الإِجماعات يقيّد إطلاق الأول .
__________________
(١) كصاحب الحدائق ٤ : ٧٠ .
(٢) المختصر النافع : ١٤ .
(٣) المنتهى ١ : ٤٥٩ .
(٤) التذكرة ١ : ٥٢ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٧٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ .
(٥) التهذيب ١ : ٣١٦ / ٩١٩ ، الوسائل ٣ : ١٨٢ ، أبواب الدفن ب ٢٢ ح ٦ .
(٦) الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب الدفن ب ١٦ .
(٧) فقه الرضا (ع) : ١٧١ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٤٤ أبواب الدفن وما يناسبه ب ٣٦ ح ١ .
(٨) الخصال : ٦٠٤ / ٩ ، الفقيه ١ : ١٠٨ / ٤٩٩ .
ومنها : الصبر قليلاً بعد وضع الجنازة ، وعدم المفاجأة بالميت إلى القبر ، إجماعاً ؛ له ، وللمعتبرة ، كصحيحة ابن سنان (١) ، وروايات ابن عطية (٢) وابن عجلان (٣) ويونس (٤) .
ثم النقل ثانياً ، والوضع والصبر قليلاً ، ثم النقل إلى شفير القبر ووضعه عليه ، ثم إدخاله القبر حتى يتحقّق وضعان آخران بعد الوضع الأول ، على الأشهر .
للمروي في العلل ، وفيها : « ولكن ضعه قريب شفير القبر واصبر عليه هُنَيّة ، ثمَّ قدّمه قليلاً واصبر عليه لتأخذ اُهبته ، ثم قدّمه إلى شفير القبر » (٥) ونحوه الرضوي (٦) .
وبهما يقيّد إطلاق الأخبار الخالية عن التثليث التي هي مستند من اكتفى بالوضع مرة ، كما عن الإِسكافي (٧) ، وآخر كلام المحقّق (٨) .
وربما نقل عن بعضهم اختصاص التعدّد بالرجل (٩) ، ولم أعثر على مستند الفرق .
ومنها : إنزال الميت إلى القبر سابقاً برأسه من قبل الرجلين من القبر إن كان رجلاً ، والمرأة عرضاً .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣١٣ / ٩٠٨ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب الدفن ب ١٦ ح ١ .
(٢) التهذيب ١ : ٣١٢ / ٩٠٧ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب الدفن ب ١٦ ح ٢ .
(٣) الكافي ٣ : ١٩١ الجنائز ب ٦٠ ح ١ ، العلل : ٣٠٦ / ١ ، الوسائل ٣ : ١٦٨ أبواب الدفن ب ١٦ ح ٥ .
(٤) الكافي ٣ : ١٩١ الجنائز ب ٦٠ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ١٦٨ أبواب الدفن ب ١٦ ح ٤ .
(٥) العلل : ٣٠٦ / ٢ .
(٦) فقه الرضا (ع) : ١٧٠ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣١٧ أبواب الدفن وما يناسبه ب ١٦ ح ١ .
(٧) حكاه عنه في الذكرى : ٦٥ .
(٨) المعتبر ١ : ٢٩٨ .
(٩) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٣٣ .
للإِجماع المحكي عن الغنية فيهما (١) ، وعن ظاهر نهاية الإِحكام والمنتهى والتذكرة في الثاني (٢) ، وللرضوي السابق (٣) ، وخبر عبد الصمد : « إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلاً يسلّ سلاً ، والمرأة تؤخذ عرضاً » (٤) .
وخبر عمرو بن خالد : « يسلّ الرجل سلاً ، وتستقبل المرأة استقبالاً » (٥) .
والمروي في الخصال : « الميت يسلّ من قبل رجليه سلاً ، والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد » (٦) .
بل في الأمر بالسلّ في الرجل من قبل الرجلين إرشاد إلى ما ذكره في الرجل أيضاً .
ومنها : أن يكون النازل في قبر المرأة من محارمها ، إجماعاً في الرجحان ، كما عن التذكرة والمنتهى (٧) ؛ لخبر السكوني : « المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حياتها » (٨) .
وأولى المحارم زوجها ؛ لخبر ابن عمار : « الزوج أحق بأمرها حتى يضعها في لحدها » (٩) .
وينبغي أن يأخذها زوجها من قبل وركها ، وإن لم يكن لها زوج فأولى الناس
__________________
(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ .
(٢) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٧٥ ، والمنتهى ١ : ٤٥٩ ، والتذكرة ١ : ٥٢ .
(٣) راجع ٢٩٤ .
(٤) التهذيب ١ : ٣٢٥ / ٩٥٠ ، الوسائل ٣ : ٢٠٤ أبواب الدفن ب ٣٨ ح ١ .
(٥) التهذيب ١ : ٣٢٦ / ٩٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٠٤ أبواب الدفن ب ٣٨ ح ٢ .
(٦) الخصال : ٦٠٤ .
(٧) التذكرة ١ : ٥٢ ، المنتهى ١ : ٤٥٩ .
(٨) الكافي ٣ : ١٩٣ الجنائز ب ٦٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ / ٩٤٨ ، الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب الدفن ب ٢٦ ح ١ .
(٩) الكافي ٣ : ١٩٤ الجنائز ب ٦٣ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ / ٩٤٩ ، الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب الدفن ب ٢٦ ح ٢ .
بها ؛ للرضوي : « فإذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها مما ينال وركها » (١) .
وخبر ابن خالد : « ويكون أولى الناس في مؤخّرها » (٢) .
بل عن جُمل العلم والنهاية والمبسوط والمنتهى : الوجوب (٣) .
وخلوّ الأخبار عن الدال على الوجوب يضعّفه .
وأمّا الرجل : فعن النهاية والمبسوط والوسيلة والمقنعة والمعتبر والمنتهى والنافع ونهاية الإِحكام : أولوية نزول الأجنبي في قبره (٤) .
ولا مستند له عموماً من النصوص .
نعم ورد فيها كراهة نزول الوالد قبر ولده ، كالروايات الأربعة للعبادلة الثلاثة (٥) .
وعلّلت في المروي في الدعائم وغيره بخوف رقّة قلبه وجزعه المحبط لأجره (٦) .
وإثبات أولوية الأجنبي لفتاوى من ذكر وإن أمكن ، ولكن لولا معارضتها مع المروي في الدعائم : « ويكون أولى الناس بها على مؤخّرها ، وأولى الناس بالرجال على مقدّمه » (٧) وفي العلل : « إذا جئت بأخيك إلى القبر ـ إلى أن قال : ـ
__________________
(١) فقه الرضا (ع) : ١٧١ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٢٨ أبواب الدفن وما يناسبه ب ٢٢ ح ٤ .
(٢) التهذيب ١ : ٣٢٦ / ٩٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٠٤ أبواب الدفن ب ٣٨ ح ٢ .
(٣) جمل العلم ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥١ ، النهاية : ٣٧ ، المبسوط ١ : ١٨٦ ، المنتهى ١ : ٤٥٩ .
(٤) النهاية : ٣٩ ، المبسوط ١ : ١٨٧ ، الوسيلة : ٦٨ ، والمقنعة : ٨٠ وفيها : ينزله وليه أو من يأمر الولي بذلك ، المعتبر ١ : ٢٩٧ ، المنتهى ١ : ٤٦٢ ، المختصر النافع : ١٤ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٧٥ .
(٥) روايتا عبد الله بن راشد : الكافي ٣ : ١٩٣ الجنائز ب ٦٣ ح ١ ، الوسائل ٣ : ١٨٥ أبواب الدفن ب ٢٥ ح ٢ ، الكافي ٣ : ١٩٤ الجنائز ب ٦٣ ح ٧ ، الوسائل ٣ : ١٨٦ أبواب الدفن ب ٢٥ ح ٧ ، رواية عبد الله بن محمد بن خالد : التهذيب ١ : ٣٢٠ / ٩٢٩ ، الوسائل ٣ : ١٨٦ أبواب الدفن ب ٢٥ ح ٥ ، رواية عبد الله العنبري : الكافي ٣ : ١٩٤ الجنائز ب ٦٣ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٣٢٠ ـ ٩٣٠ ، الوسائل ٣ : ١٨٦ أبواب الدفن ب ٢٥ ح ٦ .
(٦ و ٧) الدعائم ١ : ٢٣٧ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الدفن وما يناسبه ب ٢٦ ح ٢ .
ثم ضعه في لحده ، وإن استطعت أن تلصق خدّه بالأرض وتحسر عن خدّه ، وليكن أولى الناس به مما يلي رأسه » (١) .
وعلى هذا فالحكم بالأولوية مشكل وعدمها أظهر .
ولا يتعيّن عدد في النازل ـ شفع أو وتر ـ بل التعيين إلى الولي .
ويستحب أن يكون النازل متطهراً ، كما صرّح به جماعة ؛ لموثّقة الحلبي ومحمد : « توضّأ إذا أدخلت الميت القبر » (٢) ونحوه الرضوي (٣) .
وفي دلالتهما نظر .
وأن يحفى النازل ، ويكشف رأسه ، ويحلّ أزراره ؛ لظاهر الوفاق ، والمستفيضة من النصوص المصرّحة بالأحكام الثلاثة (٤) .
وعدم حلّ مولانا أبي الحسن عليه السلام أزراره عند دخول قبر ـ كما في بعض الأخبار (٥) ـ لا ينافي الكراهة ، مع احتمال كونه لمانع .
ومنها : حلّ عقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه بعد وضعه في قبره ؛ لصحيحة ابن حمزة : يحلّ كفن الميت ؟ قال : « نعم ويبرز وجهه » (٦) .
ومرسلة الفقيه : « ويحلّ عقد كفنه كلها ويكشف عن وجهه » (٧) .
وخبر أبي بصير : عن [ عقد ] كفن الميت ، قال : « إذا أدخلته القبر فحلّها » (٨) .
__________________
(١) علل الشرائع : ٣٠٦ / ١ .
(٢) التهذيب ١ : ٣٢١ / ٩٣٤ ، الوسائل ٣ : ٢٢١ أبواب الدفن ب ٥٣ ح ١ .
(٣) فقه الرضا (ع) : ١٨٣ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٦١ أبواب الدفن وما يناسبه ب ٤٤ ح ١ .
(٤) الوسائل ٣ : ١٧٠ أبواب الدفن ب ١٨ .
(٥) التهذيب ١ : ٣١٤ / ٩١٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٢ ، الوسائل ٣ : ١٧١ أبواب الدفن ب ١٨ ح ٦ .
(٦) التهذيب ١ : ٤٥٧ / ١٤٩١ ، الوسائل ٣ : ١٧٢ أبواب الدفن ب ١٩ ح ١ .
(٧) الفقيه ١ : ١٠٨ / ٥٠٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٣ أبواب الدفن ب ١٩ ح ٥ .
(٨)
التهذيب ١ : ٤٥٠ / ١٤٦٣ ، الوسائل ٣ : ١٧٢ أبواب الدفن ب ١٩ ح ٣ ، وما بين
المعقوفين من
=
وخبر ابن عمار : قال : « فإذا وضعته في قبره فحلّ عقدته » (١) .
والرضوي : « وحلّ عقد كفنه ، وضع خدّه على التراب » (٢) .
وهو المراد من شقّ الكفن من عند الرأس الوارد في صحيحتي حفص (٣) وابن أبي عمير (٤) .
ويستفاد من الأخير استحباب وضعه خدّه على التراب ، وبه صرّح كثير من الأصحاب (٥) ؛ ويدلّ عليه ـ سوى ما مرّ ـ خبر محفوظ الإِسكاف (٦) ، وروايتا ابن عجلان (٧) .
ومنها : ما مرّ في مرسلة الفقيه من أنه « يجعل له وسادة من تراب ، ويجعل خلف ظهره مَدَرة لئلّا يستلقي » (٨) .
ومنها : أن يجعل معه شيء من التربة المباركة ؛ لأنّها أمان من كلّ خوف ، كما ورد في الأخبار (٩) .
__________________
=
المصدر .
(١) التهذيب ١ : ٤٥٧ / ١٤٩٢ ، الوسائل ٣ : ١٨٠ أبواب الدفن ب ٢١ ح ٦ .
(٢) فقه الرضا (ع) : ١٧٠ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣١٩ أبواب الدفن وما يناسبه ب ١٩ ح ١ .
(٣) التهذيب ١ : ٤٥٨ / ١٤٩٣ ، الوسائل ٣ : ١٧٢ أبواب الدفن ب ١٩ ح ٢ .
(٤) الكافي ٣ : ١٩٦ الجنائز ب ٦٥ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٣١٧ / ٩٢١ ، الوسائل ٣ : ١٧٣ أبواب الدفن ب ١٩ ح ٦ .
(٥) منهم الشيخ في النهاية : ٣٨ ، والعلامة في نهاية الإِحكام ٢ : ٢٧٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ١٤٧ .
(٦) الكافي ٣ : ١٩٥ الجنائز ب ٦٤ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٧ / ٩٢٣ ، الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب الدفن ب ٢٠ ح ٤ .
(٧) الأولى : الكافي ٣ : ١٩٥ الجنائز ب ٦٤ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣١٧ / ٩٢٢ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب الدفن ب ٢٠ ح ٥ ، والاُخرى : التهذيب ١ : ٣١٣ / ٩٠٩ ، الوسائل ٣ : ١٧٦ أبواب الدفن ب ٢٠ ح ٨ .
(٨) راجع ص ٢٩٨ رقم (٧) . والمدَرَة : قطعة من الطين اليابس . القاموس ٢ : ١٣٦ .
(٩) كامل الزيارات : ٢٧٨ ب ٩٢ .
ولصحيحة الحميري : عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، فهل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب : « يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله » (١) .
والرضوي : « ويجعل في أكفانه شيء من طين القبر ، قبر الحسين عليه السلام » (٢) .
وما روي أن امرأة قذفها القبر مراراً ، لأنّها كانت تزني وتحرق أولادها ، فأخبرت اُمّها الصادق عليه السلام بذلك ، فقال : « اجعلوا معها شيئاً من تربة الحسين عليه السلام » (٣) .
وفي جعلها تحت خدّه كما عن المفيد والحلّي والشهيد (٤) ، أو في وجهه كما عن الاقتصاد والعزّية (٥) ، أو تلقاء وجهه كما في قول آخر للشيخ كما ذكره الحلّي (٦) ، ويحتمل اتّحاده مع سابقه ، أو في كفنه كما عن بعضهم (٧) ، أو كيف اتّفق كما عن النهاية والمبسوط والمختلف (٨) بل نسب إلى الأكثر (٩) ، أقوال : أجودها : أحد الأخيرين ؛ لعدم دليل على غيرهما ، سوى ما استدلّ به للثالث من المروي في المصباح من الترغيب في وضع لبنة من الطين مقابل وجهه (١٠) .
وإرادة طين القبر منه غير معلومة وإن فهمه الشيخ ، وغيره (١١) ، وشيوع
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٧٦ / ١٤٩ ، الاحتجاج : ٤٨٩ ، الوسائل ٣ : ٢٩ أبواب التكفين ب ١٢ ح ١ .
(٢) فقه الرضا (ع) : ١٨٤ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢١٧ أبواب الكفن ب ١٠ ح ٣ بتفاوت في المتن .
(٣) المنتهى ١ : ٤٦١ ، وعنه في الوسائل ٣ : ٢٩ أبواب التكفين ب ١٢ ح ٢ .
(٤) حكاه عن المفيد في الذكرى : ٦٦ ، الحلي في السرائر ١ : ١٦٥ ، الشهيد الثاني في البيان : ٧٩ .
(٥) الاقتصاد : ٢٥٠ ، نقله عن العزّية في الذكرى : ٦٦ .
(٦) السرائر ١ : ١٦٥ .
(٧) كصاحب الحدائق ٤ : ١١٣ .
(٨) النهاية : ٣٥ ، المبسوط ١ : ١٨٦ ، المختلف : ١٢١ .
(٩) كما في الرياض ١ : ٦٥ .
(١٠) مصباح المتهجد : ٦٧٨ .
(١١) كصاحب الحدائق ٤ : ١١٢ .