أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
والرضوي : « وإذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش أمامها ، وإنّما يؤجر من تبعها لا من تبعته ، اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم ، فإنه من عمل المجوس ، وأفضل المشي في اتباع الجنازة ما بين جنبي الجنازة ، وهو مشي الكرام الكاتبين » (١) .
وعن المقنع والخلاف الاقتصار على الأول (٢) ؛ ولعلّهما أرادا مقابل الأمام منه لجعلهما إيّاه مقابلاً له .
ثم مقتضى إطلاق الرضوي أفضلية الثاني عن الأول . وصرّح بعض المتأخّرين بالعكس (٣) .
ولعلّه كونه أولى بمعنى الاتباع والتشييع ، ولما روي من مشي النبي صلّى الله عليه وﺁله خلف جنازة (٤) .
والأول ممنوع والثاني غير دالّ .
وأن يكون ماشياً ، كما عن النهاية والجامع والمعتبر وظاهر المقنع والمقنعة (٥) وجمل العلم وشرحه للقاضي ، والغنية والوسيلة والشرائع (٦) ؛ لفتوى هؤلاء .
مضافاً إلى كونه لازماً لما في الركوب من الكراهة بإجماع العلماء كافة ـ كما في المنتهى (٧) ـ وللنصوص المعتبرة كصحيحة البصري : « إنّي لأكره أن أركب والملائكة يمشون » (٨) .
__________________
(١) فقه الرضا : ١٦٩ ، المستدرك ٢ : ٢٩٨ أبواب الدفن ب ٤ ح ١ .
(٢) المقنع : ١٩ ، الخلاف ١ : ٧١٨ .
(٣) الحدائق ٤ : ٧٤ .
(٤) انظر الوسائل ٣ : ١٤٨ أبواب الدفن ب ٤ .
(٥) النهاية : ٣٦ ، الجامع : ٥٤ ، المعتبر ١ : ٢٩٣ ، المقنع : ١٩ ، المقنعة : ٧٩ .
(٦) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥١ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، الوسيلة : ٦٧ ، الشرائع ١ : ٤١ .
(٧) المنتهى ١ : ٤٤٥ .
(٨) الكافي ٣ : ١٧٠ الجنائز ب ٤١ ح ٢ ( بزيادة ) ، التهذيب ١ : ٣١٢ / ٩٠٦ ، الوسائل ٣ : ١٥٢ أبواب الدفن ب ٦ ح ١ ، ورواها في الفقيه مرسلة الفقيه ١ : ١٢٢ / ٥٨٨ .
ومرسلة ابن أبي عمير : « رأى رسول الله صلّى الله عليه وﺁله قوماً خلف جنازة ركباناً ، فقال : ما استحيى هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركباناً وقد أسلموه على هذه الحالة » (١) .
وخبر غياث : « كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأته إلّا من عذر » وقال : « يركب إذا رجع » (٢) .
ومقتضاه انتفاء الكراهة في الرجوع . وهو كذلك ؛ للأصل .
ومن المكروهات أيضاً : المشي أمام الجنازة مطلقاً ، كما في المنتهى وعن صريح السرائر والوسيلة والبيان (٣) ، والتذكرة (٤) ، وظاهر المقنع والمقنعة والاقتصاد (٥) ، والمراسم وجمل العلم (٦) ، بل في المنتهى الإِجماع عليه (٧) ؛ لخبر السكوني والرضوي السابقين (٨) .
والنهي فيهما وإن كان ظاهراً في الحرمة ، إلّا أنّ عدم القول بها مطلقاً ، مع ضعف الثاني ، مضافاً إلى النصوص المصرّحة بالجواز المصرّحة بالجواز ، كموثّقة إسحاق السابقة (٩) ، وصحيحة محمد : عن المشي مع الجنازة ، فقال : « بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها » (١٠) وروايته : « امش بين يدي الجنازة وخلفها » (١١) أوجب الحمل
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٧٠ الجنائز ب ٤١ ح ١ ، الوسائل ٣ : ١٥٢ أبواب الدفن ب ٦ ح ٣ .
(٢) التهذيب ١ : ٤٦٤ / ١٥١٨ ، الوسائل ٣ : ١٥٢ أبواب الدفن ب ٦ ح ٢ .
(٣) المنتهى ١ : ٤٤٥ ، السرائر ١ : ١٦٤ ، الوسيلة : ٦٧ ، البيان : ٧٨ .
(٤) التذكرة ١ : ٤٨ وفيه : المشي خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها أفضل من التقدم عليها . فتأمل .
(٥) المقنع : ١٩ ، المقنعة : ٧٩ ، الاقتصاد : ٢٤٩ .
(٦) المراسم : ٥١ ، جمل العلم ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥١ .
(٧) المنتهى ١ : ٤٤٥ .
(٨) في ص ٢٦١ ، ٢٦٠ .
(٩) في ص ٢٦٠ .
(١٠) الكافي ٣ : ١٦٩ الجنائز ب ٤٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٠ / ٤٦٧ ، الوسائل ٣ : ١٤٩ أبواب الدفن ب ٥ ح ١ .
(١١) الكافي ٣ : ١٧٠ الجنائز ب ٤٠ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ١٥٠ أبواب الدفن ب ٥ ح ٢ .
على الكراهة أي المرجوحية الإِضافية ، كما هي مراد القائلين بالكراهة ـ على ما صرّح به والدي رحمه الله ـ دون المعنى المصطلح ، لظهور دلالة الموثّقة على ثبوت فضل للمشي في الأمام أيضاً .
وأظهر منها المروي في الدعائم : « فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع » (١) .
فهما قرينتان على تعيين إرادة المرجوحية الإِضافية دون الكراهة المصطلحة ، فإنهما مجازان لا بدّ في تعيينهما من معيّن . ولا يصلح نفي الأجر في الرضوي (٢) لتعيين الثاني ؛ لضعفه ، والمسامحة إنما هي في إثبات الأجر دون نفيه .
خلافاً للمحكي عن صريح المعتبر والذكرى وظاهر المبسوط والنهاية وموضع من المنتهى (٣) ، فلا كراهة مطلقاً ؛ للأمر به ، وإثبات الفضل له ، ونفي البأس عنه فيما تقدم (٤) .
ويجاب بعدم منافاة شيء منها للمرجوحية الإِضافية .
نعم ، لو أرادوا نفي الكراهة المصطلحة فالأولان ينفيانها ، ولكن لا نقول بها ونطالب من ادّعاها بالدليل .
فإن تمسّك بالنهي ، نجيب بأنه مجاز قطعاً في أحد المعنيين ، وإثبات الفضل يعيّن ما ذكرنا ، فلو عيّن الآخر بنفي الأجر نردّه بما مرّ ، أو بكونه طريقة أهل الكتاب نردّه بعدم دلالته على الزائد بهما على المرجوحية الإِضافية .
مع أنه مع تسليم تكافؤ المُعيِّنين يتكافأ المعنيان أيضاً ؛ لعدم المرجّح ، وما ذكرناه ثابت إجماعاً ، والآخر ساقط بالأصل وورود الأمر .
__________________
(١) دعائم الاسلام ١ : ٢٣٤ ، المستدرك ٢ : ٢٩٩ أبواب الدفن ب ٤ ح ٤ .
(٢) المتقدم في ص ٢٦١ .
(٣) المعتبر ١ : ٢٩٣ ، الذكرى : ٥٢ ، المبسوط ١ : ١٨٣ ، النهاية : ٣٦ ، المنتهى ١ : ٤٤٥ .
(٤) راجع ص ٢٦٢ .
وللمحكي عن الإِسكافي (١) ، فخصّ الكراهة بغير صاحب الجنازة ، وقال باستحباب مشيه بين يديها ؛ للأخبار المصرّحة بتقديم مولانا الصادق عليه السلام على سرير إسماعيل (٢) .
ويضعّف بأنه غير منافٍ لأفضلية التأخّر ، مع أنه يحتمل التقية ، لأنّ أفضليته مذهب العامة (٣) .
هذا كلّه في جنازة المؤمن ، وأمّا غيره فالحقّ في التقديم عليها الكراهة المصطلحة ، بل عن العماني فيه الحرمة (٤) ؛ للنهي عنه في المعتبرة (٥) ، وعدم دليل فيه على الراجحية المطلقة ، لاختصاص أكثر المرغّبات والأوامر صريحاً ، والجميع ظاهراً بجنازة المؤمن .
ومنه يظهر عدم استحباب التشييع لجنازة غيره أيضاً ، إلّا مع مصلحة داعية ، ومعها قد يجب .
ومنها : رجوع المشيّع حتى يدفن أو يأذن الولي ، إلّا من ضرورة ؛ لمرفوعة البرقي : « أميران وليسا بأميرين : ليس لمن شيّع جنازة أن يرجع حتى يدفن أو يؤذن له » (٦) الخبر .
ثم لو أذن له الولي في الانصراف لم يسقط استحباب إتمام التشييع ؛ للاستصحاب ، وحسنة زرارة وفيها : فلمّا صلّى على الجنازة قال وليّها لأبي جعفر : ارجع مأجوراً رحمك الله ، فإنك لا تقوى على المشي ، فأبى أن يرجع ـ إلى أن
__________________
(١) حكى عنه في الذكرى : ٥٢ .
(٢) انظر الوسائل ٢ : ٤٤١ أبواب الاحتضار ب ٢٧ .
(٣) في المغني ٢ : ٣٥٦ ما لفظه : أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة . . . وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي المشي خلفها أفضل . وانظر الاُم ١ : ٢٧٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٣١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٢ .
(٤) حكى عنه في الحدائق ٤ : ٧٢ .
(٥) انظر الوسائل ٣ : ١٤٩ أبواب الدفن ب ٥ .
(٦) الكافي ٣ : ١٧١ الجنائز ب ٤٢ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ١٤٦ أبواب الدفن ب ٣ ح ٦ .
قال ـ : « فليس بإذنه جئنا ولا بإذنه نرجع ، وإنما هو فضل وأجر طلبناه ، فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك » (١) .
ومنها : جلوس المشيّع حتى يوضع الميت في لحده ، كما عن العماني (٢) وابن حمزة ، والفاضلين ، والذكرى (٣) ؛ لصحيحة ابن سنان : « ينبغي لمن شيّع أن لا يجلس حتى يوضع في لحده ، فإذا وضع في لحده فلا بأس » (٤) .
وفي الدعائم : « إنّ الحسن بن علي مشى مع جنازة ، فلمّا انتهى إلى القبر وقف يتحدّث مع أبي هريرة وابن الزبير حتى وضعت الجنازة ، فلمّا وضعت جلس وجلسوا » (٥) .
وعن الشيخ والإِسكافي : عدم الكراهة (٦) ؛ لحسنة داود : رأيت أبا الحسن يقول : « ما شاء الله لا ما شاء الناس » فلمّا انتهى إلى القبر تنحّى فجلس فلمّا اُدخل الميت قام فحثا عليه التراب (٧) .
وخبر ابن الصامت : كان رسول الله صلّى الله عليه وﺁله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد ، فقال يهودي : إنّا لنفعل ذلك ، فجلس وقال : « خالفوهم » (٨) .
ويجاب عن الأول : بعدم منافاته الكراهة .
وعن الثاني : بعدم الثبوت ، ولو ثبت فمرجوح بالنسبة إلى ما ذكر بالضعف
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٧١ الجنائز ب ٤٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥٤ / ١٤٨١ ، الوسائل ٣ : ١٤٧ أبواب الدفن ب ٣ ح ٧ .
(٢) حكى عنه في المعتبر ١ : ٣٣٤ .
(٣) الوسيلة : ٦٩ ، المعتبر ١ : ٣٣٤ ، المنتهى ١ : ٤٤٦ ، الذكرى : ٥٣ .
(٤) التهذيب ١ : ٤٦٢ / ١٥٠٩ ، الوسائل ٣ : ٢١٢ أبواب الدفن ب ٤٥ ح ١ .
(٥) دعائم الإِسلام ١ : ٢٣٣ .
(٦) الخلاف ١ : ٧١٩ ، وحكاه في الذكرى : ٥٣ عن الإِسكافي .
(٧) الكافي ٣ : ١٩٨ الجنائز ب ٦٦ ح ١ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب الدفن ب ٢٩ ح ١ .
(٨) سنن أبي داود ٣ : ٢٠٤ / ٣١٧٦ ( بتفاوت يسير ) .
والأقدمية .
والظاهر اختصاص الكراهة بالمشيّع ، فلا يكره لمن لحق حين وضع الجنازة .
ومنها : الضحك له ؛ لقول أمير المؤمنين عليه السلام في النهج حين تبع جنازة فسمع رجلاً يضحك : « كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب » (١) .
وفي تنبيه الخاطر للورّام ، عن النبي صلّىٰ الله عليه وﺁله أنه قال : « من ضحك على جنازة أهانه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ، ولا يستجاب دعاؤه » (٢) .
ومنها : خروج النساء معها واتباعها ، كما عن الشيخ (٣) ، والفاضلين والشهيد (٤) ؛ لخبر غياث : « لا صلاة على جنازة معها امرأة » (٥) .
والمرويين في المجالس مسنداً ، والدعائم :
الأول : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وﺁله خرج فرأى نساءً قعوداً فقال : ما أقعدكنّ هاهنا ؟ قلن : للجنازة ، قال : أفتحملن مع من يحمل ؟ قلن : لا ، قال : أتغسلن مع من يغسل ؟ قلن : لا ، قال : أفتدلين فيمن يدلي ؟ قلن : لا ، قال : فارجعن مأزورات غير مأجورات » (٦) ونحوه روى السيد الحيدر في غرر الدرر مرسلاً (٧) .
والثاني إنّ رسول الله صلّى الله عليه وﺁله مشى مع جنازة ، فنظر إلى امرأة
__________________
(١) نهج البلاغة ٣ : ١٧٩ / ١٢٢ .
(٢) لم نعثر عليه في مجموعة ورّام ونقل عنها في الوسائل ٣ : ٢٣٣ أبواب الدفن ب ٦٣ ح ٥ .
(٣) الاستبصار ١ : ٤٨٦ قال في ذيل خبر غياث ما لفظه : فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية دون الحظر .
(٤) المعتبر ١ : ٣٣٤ ، المنتهى ١ : ٤٤٦ ، الذكرى : ٥٣ .
(٥) التهذيب ٣ : ٣٣٣ / ١٤٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ / ١٨٨٢ ، الوسائل ٣ : ١٤٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤٠ ح ٢ .
(٦) أمالي الطوسي : ٦٥٩ ، الوسائل ٣ : ٢٤٠ أبواب الدفن ب ٦٩ ح ٥ .
(٧) نقله عنه في البحار ٧٨ : ٢٦٤ / ٢٠ .
تتبعها ، فوقف وقال : « ردّوا المرأة » فردّت ، ووقف حتى قيل : قد توارت بجدار المدينة يا رسول الله ، فمضى (١) .
وبهما تخصّص عمومات التشييع وتقيّد إطلاقاتها .
خلافاً لبعض الثالثة فلم يكرهه (٢) ؛ لما روي من خروج البتول على جنازة أختيها (٣) .
وأجاب عمّا ذكر بالحمل على التقية .
ويجاب : بعدم منافاته للكراهة ، مع أنّ المذكور فيه صلاتها عليها . والحمل على التقية إنما يكون مع المعارضة .
نعم ، في خبر أبي بصير : « ليس ينبغي للمرأة الشابة أن تخرج إلى الجنازة وتصلّي عليها إلّا أن تكون امرأة دخلت في السن » (٤) .
ومقتضى خصوصيته تخصيص ما مرّ بالشابة ، إلّا أنّ الظاهر عدم قائل بالفرق .
المقام الثاني : فيما يتعلّق بالمدفن .
والواجب فيه أن يكون مع الإِمكان حفيرة في الأرض ، فلا يجوز وضعه في بناء أو تابوت بدون ضرورة ؛ تأسّياً بالنبي صلّى الله عليه وﺁله والأئمة الطاهرين ، واقتداءً بالصحابة والتابعين ، وجرياً على الطريقة المستمرة بين المسلمين ، وللأمر بالدفن كما في رواية العلل ، الآتية وغيرها (٥) .
__________________
(١) دعائم الإِسلام ١ : ٢٣٤ .
(٢) الحدائق ٤ : ٨٥ .
(٣) الكافي ٣ : ٢٥١ الجنائز باب النوادر ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٣٣٣ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٣ : ١٣٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٩ ح ١ و ٢ .
(٤) التهذيب ٣ : ٣٣٣ / ١٠٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ / ١٨٨١ ، الوسائل ٣ : ١٣٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٩ ح ٣ .
(٥) انظر الوسائل ٣ : ١٤١ أبواب الدفن ب ١ والأبواب التي اُشير إليها في هامشه .
والمتبادر منه المواراة في عمق الأرض ، وفي العاميّ المروي في المنتهى وغيره عن النبي صلّى الله عليه وﺁله : « احفروا وأوسعوا وعمّقوا » (١) .
وأن تكون سعته بقدر يسع جثته نائمة على القبلة على الوجه الآتي ، لوجوبه المتوقّف على ذلك .
وعمقاً على نحو يحرسها عن السباع غالباً ، ويكتم رائحته عن الانتشار ؛ بإجماع المسلمين ، ولأنّهما العلّة في شرع الدفن كما في المروي في العلل : « اُمر بالدفن لئلّا يظهر للناس فساد جسده وقبح منظره وتغيّر رائحته ، ولا يتأذّى الأحياء بريحه » (٢) إلى آخره .
والوصفان متلازمان غالباً ، ولو فرض الانفكاك بينهما وجب مراعاتهما .
والسرداب من المحفورات ، فيجوز الدفن فيه وسدّ بابه .
ولو تعذّر الحفر أجزأ مواراته في البناء بما يُحصّل الوصفين .
ويكره دفنه في الأرض بالتابوت إجماعاً ، كما عن المبسوط والخلاف (٣) .
ويجب أن تكون الأرض ممّا يجوز التصرّف فيها لذلك ، إمّا بكونها مباحة ، أو مرخّصاً فيها من قبل المالك ، خالية من ميت آخر حيث يحرم النبش .
وهل يجوز الدفن في ملك الميت مع عدم رضا الوارث أو كونه صغيراً فيكون من المستثنيات كمؤن التجهيز ، أم لا ؟
الظاهر : الثاني ؛ للأصل .
ومستحباته :
حفر القبر إلى الترقوة أو قدر قامة معتدلة ، إجماعاً ، كما في ظاهر
__________________
(١) المنتهى ١ : ٤٦١ ، المعتبر ١ : ٢٩٥ .
(٢) علل الشرائع : ٢٦٨ ، الوسائل ٣ : ١٤١ أبواب الدفن ب ١ ح ١ .
(٣) المبسوط ١ : ١٨٧ ، الخلاف : نقل عنه في كشف اللثام ١ : ١٣٤ . ولم نعثر عليه في مظانّه .
المدارك (١) ، والقواعد (٢) ، وعن الخلاف والغنية والتذكرة (٣) ؛ وهو الحجة فيهما .
مضافاً في الأول إلى مرسلة الصدوق : « حدّ القبر إلى الترقوة » (٤) .
وفيهما إلى مرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه السلام قال : « حد القبر إلى الترقوة ، وقال بعضهم : إلى الثدي ، وقال بعضهم : قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر » (٥) .
ومرسلة سهل : « روى أصحابنا أنّ حد القبر إلى الترقوة » (٦) إلى آخر ما سبق .
والقدح في الاستدلال للقامة بهما بعدم معلومية القائل (٧) غير جيّد ؛ إذ الظاهر أنّ المعنى : أنّ ابن أبي عمير روى عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام أنه إلى الترقوة ، وعن بعض آخر عنه أنه إلى القامة . فهو خبر مرسل آخر ، ومثل ذلك شائع في المجاورات مع تعدّد الروايتين .
نعم يتمّ ذلك القدح في المرسلة الاُولى ، فإنّ فيها : قال الصادق عليه السلام كذا ، وقال بعضهم كذا ، وأمّا في [ الاُخريين ] (٨) فلا ، ولو سلّم الاحتمال الضعيف فهو لا يضرّ في مقام المسامحة سيما مع الانضمام بالإِجماعات المنقولة .
ولعلّ لذلك مع ضميمة عدم القائل لم يلتفتوا إلى التقدير بالثدي ، أو لإِجماله لترديده بين الثاء المثلثة ، والنون ليكون المراد الرشح ، فلا يصلح دليلاً
__________________
(١) المدارك ٢ : ١٣٧ .
(٢) القواعد ١ : ٢١ ، تعرّض للمسألة بدون دعوى الإِجماع ، ولعل الصحيح : « شرح القواعد » وهو جامع المقاصد ١ : ٤٣٩ .
(٣) الخلاف ١ : ٧٠٥ ـ ٧٠٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، التذكرة ١ : ٥٢ .
(٤) الفقيه ١ : ١٠٧ / ٤٩٨ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب الدفن ب ١٤ ح ٢ .
(٥) التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٩ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب الدفن ب ١٤ ح ٢ .
(٦) الكافي ٣ : ١٦٥ الجنائز ب ٣٦ ح ١ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب الدفن ب ١٤ ح ٢ .
(٧) كما في الرياض ١ : ٦٤ .
(٨) في النسخ : الأولين .
لشيء منهما . كما لا يصلح آخر المرسلة الأخيرة من قول السجاد عليه السلام : « احفروا لي حتى يبلغ الرشح » دليلاً للأخير ، لجواز كون أرض البقيع بحيث يصل إلى الندى قبل الترقوة .
ثم بما مرّ من دليل القامة يخصّص عموم خبر السكوني : « نهي النبي صلّى الله عليه وﺁله وسلّم أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع » (١) حيث إنّها أقلّ منها ، مع احتمال اختصاص النهي ببلده ـ أي المدينة ـ لقرب الرطوبة .
وجعل لحد له ، بالإِجماع كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة (٢) ؛ له ، وللتلحيد لرسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم ولسعد بن معاذ بحضوره كما في العلل (٣) ؛ ولتوقّف الوضع في اللحد المأمور به ـ كما في المستفيضة منها : المروي في العلل : « ثم ضعه في لحده » (٤) ونحوه في الرضوي (٥) ـ عليه ، وما يتوقّف عليه المستحب مستحب .
وهو أن يحفر بعد البلوغ إلى أرض القبر في حائطه ممّا يلي القبلة حفيرة ، بالإِجماع ؛ له ، وللمروي ظاهراً في الدعائم عن الصادق عليه السلام قال : « اللحد هو أن يشق للميت في القبر مكانه الذي يضجع فيه مما يلي القبلة مع حائط القبر ، والضريح أن يشق له وسط القبر » (٦) إلى آخره .
يسع الميت طولاً وعرضاً ؛ لأنها معدّة له . ويتمكّن الجالس من الجلوس فيه عمقاً إجماعاً ؛ لمرسلة ابن أبي عمير ، وفيها : « وأمّا اللحد فبقدر ما يمكن فيه
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٦٦ الجنائز ب ٣٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٦ الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب الدفن ب ١٤ ح ١ .
(٢) الخلاف ١ : ٧٠٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، التذكرة ١ : ٥٢ .
(٣) علل الشرائع : ٣٠٩ ب ٢٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٣٠ أبواب الدفن ب ٦٠ ح ٢ .
(٤) علل الشرائع : ٣٠٦ ب ٢٥١ .
(٥) فقه الرضا : ١٧٠ .
(٦) دعائم الاسلام ١ : ٢٣٧ ، المستدرك ٢ : ٣١٥ أبواب الدفن ب ١٥ ح ٢ .
الجلوس » (١) .
واللحد أفضل من الشقّ ـ الذي هو الضريح ، وهو أن يحفر في أرض القبر شقاً يوضع فيه الميت ويسقف ـ إجماعاً ، وفي المنتهى أنه قول العلماء (٢) ؛ لما ذكر .
ولا ينافيه ما دلّ على أمر مولانا الباقر عليه السلام بالشق له ؛ لاحتمال الاختصاص به ، لكونه جسيماً وكون أرض البقيع رخوة ، فلا يحتمل الحفيرة الواسعة فينهدم ، صرّح بذلك في خبر الحلبي : « وشققنا له الأرض شقّاً لأنه كان بادناً » (٣) .
وفي الدعائم : إنّ الصادق عليه السلام ضرّح لأبيه عليه السلام ، احتاج إلى ذلك لأنه كان جسيماً (٤) .
وكذا لا ينافيه أمر مولانا الرضا عليه السلام أيضاً بالتضريح وقوله : « فإن أبوا إلّا أن يلحّدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً ، فإنّ الله سيوسّعه ما شاء » (٥) لما ذكر ، كما يرشد إليه ذيله ، أو لمانع آخر من التلحيد الوسيع فيه من مدفون ونحوه .
ومنه تظهر أفضلية الشق في صورة المانع كما صرّح به جماعة (٦) ، وعن الإِسكافي (٧) والمعتبر (٨) : أنه يعمل حينئذٍ شبه اللحد من بناء في قبلته .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٩ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب الدفن ب ١٤ ح ٢ .
(٢) المنتهى ١ : ٤٦١ .
(٣) الكافي ٣ : ١٤٠ الجنائز ب ١٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٠ / ٨٧٦ ، الوسائل ٣ : ١٦٦ أبواب الدفن ب ١٥ ح ٣ .
(٤) دعائم الإِسلام ١ : ٢٣٧ ، المستدرك ٢ : ٣١٦ أبواب الدفن ب ١٥ ح ٣ .
(٥) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٤٥ ب ٦٠ ، الأمالي للصدوق : ٥٢٦ / ١٧ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب الدفن ب ١٥ ح ٤ وفي « ح » بدل « ما شاء » : « إن شاء الله » .
(٦) كالعلامة في التذكرة ١ : ٥٢ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٣٩ ، والشهيد في الذكرى : ٦٥ .
(٧) نقل عنه في الذكرى : ٦٥ .
(٨) المعتبر ١ : ٢٩٦ .
وتشريج (١) اللحد وتنضيده بعد وضع الميت فيه ، باللبن والطين ، على وجه يمنع دخول التراب فيه ، بالإِجماع كما في المدارك (٢) واللوامع ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً (٣) ؛ وهو الحجة فيه ، مضافاً إلى المستفيضة :
كصحيحة ابن تغلب : « جعل عليّ على قبر رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم لبناً » (٤) .
وخبر ابن عمار : « ثم تضع الطين واللبن » (٥) .
ونحوه المروي في دعوات الراوندي (٦) والمعتبرة (٧) المشعرة بالمداومة عليه (٨) .
ويقوم مقام اللبن ما يساويه في المنع من تعدي التراب إليه ، كالحجر والقصب والخشب ، كما عن الغنية والمنتهى والمهذب (٩) .
ويدلّ عليه المروي في العلل : « نزل رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم قبر سعد بن معاذ ، ولحّده ، وسوّى عليه اللبن ، وجعل يقول : ناولني حجراً ناولني تراباً رطباً ، يسدّ به ما بين اللبن » (١٠) الحديث .
ولا يستفاد منه إطلاق اللبن على ما يعمّ الحجر ؛ لجواز أن يكون الحجر لسدّ
__________________
(١) شرجت اللبن شرجا : نضدته أي ضممت بعضه إلى بعض ـ مجمع البحرين ٢ : ٣١٢ .
(٢) المدارك ٢ : ١٤١ .
(٣) المنتهى ١ : ٤٦١ .
(٤) الكافي ٣ : ١٩٧ الجنائز ب ٦٥ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب الدفن ب ٢٨ ح ١ .
(٥) التهذيب ١ : ٤٥٧ / ١٤٩٢ ، الوسائل ٣ : ١٨٠ أبواب الدفن ب ٢١ ح ٦ .
(٦) الدعوات : ٢٦٦ ، المستدرك ٢ : ٣٢٤ أبواب الدفن ب ٢١ ح ٧ .
(٧) الكافي ٣ : ١٩٦ الجنائز ب ٦٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣١٦ / ٩٢٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٧ أبواب الدفن ب ٢١ ح ٢ .
(٨) وجه الإِشعار أنه قد ورد في المعتبرة قوله : « إذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم صل وحدته . . . » وهذا مشعر باستقرار البناء في تلك الأزمنة على وضع اللبن حيث اقتصر عليه السلام الأمر بالدعاء عنده ولم يأمره بوضع اللبن ، وهو مما يستفاد من الرياض ١ : ٦٥ .
(٩) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، المنتهى ١ : ٤٦١ ، المهذب ١ : ٤٣ .
(١٠) تقدم مصدره ص ٢٧٠ .
الخلل .
ويبتدأ في التشريج من جانب الرأس ؛ للمحكي عن الراوندي : أنه عمل العارفين من الطائفة (١) .
وتسطيح القبر بعد طمّه ، إجماعاً منّا كما في شرح القواعد (٢) ، وصرّح به جماعة ، وفي المنتهى : « إنه قول علمائنا أجمع (٣) ؛ له ، ولاستحباب التربيع المستلزم له .
وللرضوي : « والسنّة أنّ القبر يرفع أربع أصابع مفرّجة من الأرض ، وإن كان أكثر فلا بأس ، ويكون مسطّحاً ، ولا يكون مسنّماً » (٤) .
والمروي في المحاسن : « لا تدع قبراً إلّا سوّيته » (٥) وفي آخر : « ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته » (٦) والتسوية هو التسطيح .
ويؤيّده قول القاسم بن محمد كما في المنتهى : رأيت قبر النبي والقبرين عنده مسطّحة لا مُشرفة (٧) .
وتربيعه ، بالإِجماع كما في المدارك (٨) ، واللوامع ، للرضوي المتقدّم ، وخبر ابن مسلم : « تربّع قبره » (٩) .
والروايات في الخصال ، والعلل ، والدعائم :
__________________
(١) حكاه عن الراوندي في الذكرى : ٦٦ .
(٢) جامع المقاصد ١ : ٤٤٣ .
(٣) المنتهى ١ : ٤٦٢ .
(٤) فقه الرضا : ١٧٥ ، المستدرك ٢ : ٣٣٥ أبواب الدفن ب ٢٩ ح ١ .
(٥) المحاسن : ٦١٣ / ٣٤ .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٦ / ٩٦٩ .
(٧) المنتهى ١ : ٤٦٢ .
(٨) المدارك ٢ : ١٤٣ .
(٩) الكافي ٣ : ١٩٥ الجنائز ب ٦٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٥ / ٩١٦ ، الوسائل ٣ : ١٨١ أبواب الدفن ب ٢٢ ح ٢ .
الأول : « القبور تربّع ولا تسنّم » (١) .
والثاني : لأيّ علّة يربّع القبر ؟ قال : « لعلّة البيت لأنه نزل مربّعاً » (٢) .
والثالث : عن أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ربّع قبره (٣) .
ورفعه أربع أصابع باتّفاق الأصحاب ، كما عن المعتبر (٤) ، بل العلماء كما في المنتهى (٥) ، بل بالإِجماع كما في المدارك (٦) ؛ لخبري محمد وعقبة :
الأول : « يرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع » (٧) .
والثاني : « قال النبي صلّى الله عليه وﺁله وسلّم : وارفع قبري من الأرض أربع أصابع » (٨) . الحديث .
مفرّجات أو مضمومات مخيّراً بينهما ، كما في المنتهى ، وشرح القواعد ، وعن الذكرى (٩) ، ويحتمله كلام من أطلق ، كما في الشرائع ، والقواعد ، وعن التحرير والإِرشاد (١٠) ، بل حكي عن الأكثر (١١) .
لورود الاُولى في الرضوي المتقدم وخبر ابن مسلم : « وتلزق القبر بالأرض إلّا قدر أربع أصابع مفرّجات » (١٢) وحسنة حماد : « وارفع قبري أربع أصابع
__________________
(١) الخصال : ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ١٨٢ أبواب الدفن ب ٢٢ ح ٥ .
(٢) علل الشرائع : ٣٠٥ ب ٢٤٨ ، الوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب الدفن ب ٣١ ح ١٢ .
(٣) دعائم الاسلام ١ : ٢٣٨ ، المستدرك ٢ : ٣٣٦ أبواب الدفن ب ٢٩ ح ٢ .
(٤) المعتبر ١ : ٣٠١ .
(٥) المنتهى ١ : ٤٦٢ .
(٦) المدارك ٢ : ١٤٣ .
(٧) الكافي ٣ : ٢٠١ الجنائز ب ٦٧ ح ١٠ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب الدفن ب ٣١ ح ١ .
(٨) الكافي ١ : ٤٥٠ الحجة أبواب التاريخ ب ١ ح ٣٦ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب الدفن ب ٣١ ح ٣ .
(٩) المنتهى ١ : ٤٦٢ ، جامع المقاصد ١ : ٤٤٣ ، الذكرى : ٤٧ .
(١٠) الشرائع ١ : ٤٣ ، القواعد ١ : ٢١ ، التحرير ١ : ٢٠ ، الارشاد ١ : ٢٦٤ .
(١١) كما حكاه في كشف اللثام ١ : ١٣٥ .
(١٢) راجع ص ٢٧٣ الرقم (٩) .
مفرّجات » (١) .
والثاني في موثّقة سماعة : « ويرفع قبره من الأرض أربع أصابع مضمومة » (٢) .
واقتصر جماعة ـ كما عن المفيد والديلمي والاقتصاد (٣) ، والحلبيين (٤) ، وابني حمزة وإدريس (٥) ، والنافع والتذكرة ونهاية الإِحكام (٦) ـ على الاُولى ، بل نسب إلى الأشهر (٧) ، والعماني على الثانية (٨) . وكلٌّ منهما يردّ برواية الآخر .
ولا يستحب الرفع زائداً ولو كان شبراً ، بل يكره ، لدعوى الإِجماع في المنتهى على كراهة الزائد عن الأربع (٩) ، والمروي في العيون : « لا ترفعوا قبري أكثر من أربع أصابع مفرّجات » (١٠) .
خلافاً للمحكي عن ابن زهرة ، فخيّر بين الشبر وبين الاُولى (١١) ، وعن القاضي فبينه وبين الثانية (١٢) ، وعن بعض آخر فبين الثلاثة (١٣) ، واختاره والدي قدس الله روحه ؛ لخبر إبراهيم : « إنّ قبر رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم رفع
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٠٠ الجنائز ب ٦٧ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٥ / ٩١٦ ، الوسائل ٣ : ١٩٣ أبواب الدفن ب ٣١ ح ٥ وليس في المصادر كلمة « مفروجات » .
(٢) الكافي ٣ : ١٩٩ الجنائز ب ٦٧ ، ح ٢ التهذيب ١ : ٣٢٠ / ٩٣٢ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب الدفن ب ٣١ ح ٤ .
(٣) المقنعة : ٨١ ، المراسم : ٥١ ، الاقتصاد : ٢٥٠ .
(٤) الكافي : ٢٣٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ .
(٥) الوسيلة : ٦٨ ، السرائر ١ : ١٦٥ .
(٦) النافع : ١٤ .
(٧) كما في الرياض ١ : ٦٦ .
(٨) حكاه عنه في الذكرى : ٦٧ .
(٩) المنتهى ١ : ٤٦٢ .
(١٠) عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٨٢ / ٦ ، الوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب الدفن ب ٣١ ح ١١ .
(١١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ .
(١٢) المهذب ١ : ٦٤ .
(١٣) انظر جامع المقاصد ١ : ٤٤٣ .
شبراً من الأرض » (١) .
ويجاب : بأنه لا يعارض ما مرّ ؛ لجواز الاختصاص ، ولسقوطه بنقل خلافه كما مرّ .
ووضع حجر أو خشب عند الرأس ، فيه اسم الميت علامة ليزار ويترحّم عليه ، لفعل النبي صلّى الله عليه وﺁله ذلك بقبر ابن مظعون ، كما في الدعائم (٢) ، والكاظم عليه السلام بقبر ابنة له ، كما في خبر يونس : لمّا رجع من بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفَيْد ، فأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر » (٣) ووجوده على قبر اُمّ المهدي عليه السلام في حياة أبي محمد عليه السلام ، كما في إكمال الدين (٤) .
ووضع الحصباء عليه ؛ لفعل النبي صلّى الله عليه وﺁله ذلك بقبر ابنه ، وفي مرسلة ابان : « قبر رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم محصّب حصباء حمراء » (٥) .
ومكروهاته :
فرش القبر بالساج وشبهه ، كما عن الوسيلة (٦) ، وفي الشرائع والنافع (٧) ، والقواعد (٨) .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٦٩ / ١٥٣٨ ، علل الشرائع : ٣٠٧ ( بسند آخر ) ، الوسائل ٣ : ١٩٣ أبواب الدفن ب ٣١ ح ٨ .
(٢) دعائم الاسلام ١ : ٢٣٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٣٤٤ أبواب الدفن ب ٣٥ ح ١ .
(٣) الكافي ٣ : ٢٠٢ الجنائز ب ٦٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ / ١٥٠١ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ / ٧٦٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٣ أبواب الدفن ب ٣٧ ح ٢ .
(٤) إكمال الدين ٢ : ٤٣١ / ٧ ، الوسائل ٣ : ٢٠٣ أبواب الدفن ب ٣٧ ح ٣ .
(٥) التهذيب ١ : ٤٦١ / ١٥٠٢ ، الوسائل ٣ : ٢٠٣ أبواب الدفن ب ٣٧ ح ١ ، ورواه مرسلاً في الكافي ٣ : ٢٠١ الجنائز ب ٦٨ ح ٢ .
(٦) الوسيلة : ٦٩ .
(٧) الشرائع ١ : ٤٣ ، المختصر النافع : ١٤ .
(٨) القواعد ١ : ٢١ .
وعلّل بكونه لازماً لوضع خدّه على التراب (١) .
وفيه : منع الملازمة ، لإِمكان وضع التراب على الساج .
وباستلزامه الإِتلاف المنهي عنه من دون رخصة (٢) .
وهو ـ لو تمّ ـ لدلّ على الحرمة .
مع أنّ عموم « الناس مسلّطون على أموالهم » (٣) [ وما مرّ في كتابة الكفن من عمل العمري ـ رضي الله عنه ـ الساجة (٤) ، ومرسلة الفقيه : روي عن أبي الحسن الثالث إطلاق في أن يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت الساج (٥) ، بل المكاتبة الآتية ـ حيث إنّ التقييد فيها في السؤال ـ تفيد الرخصة .
ولا كراهة مع الضرورة اتّفاقاً ، ومنها النداوة ؛ لمكاتبة ابن بلال : ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه ، هل يجوز ذلك ؟ فكتب : « ذلك جائز » (٦) .
والمراد بتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت ] (٧) .
وفي كراهة وضع الفرش عليه مطلقاً ، أو عدمها كذلك ، أو الثاني مع
__________________
(١) كما في كشف اللثام ١ : ١٣٨ .
(٢) كما في الرياض ١ : ٦٦ .
(٣) عوالي اللاۤلي ٣ : ٢٠٨ / ٤٩ .
(٤) راجع ص ٢١٤ .
(٥) الفقيه ١ : ١٠٨ / ٤٩٩ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب الدفن ب ٢٧ ح ٣ .
(٦) الكافي ٣ : ١٩٧ الجنائز ب ٦٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٦ / ١٤٨٨ ، الوسائل ٣ : ١٨٨ أبواب الدفن ب ٢٧ ح ١ .
(٧) قد وقع في النسخ الثلاث تقديم وتأخير في العبارة ، وهي هكذا : يفيد الرخصة ، والمراد بتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت . ولا كراهة مع الضرورة اتفاقاً ، ومنها النداوة ، لمكاتبة ابن بلال : « ربما مات الميت » وما مرّ في كتابة الكفن من عمل العمري ـ رضي الله عنه ـ الساجة ، ومرسلة الفقيه : روي عن أبي الحسن الثالث إطلاق في أن يفرشُ القبر بالساج ويطبق على الميت الساج ، بل المكاتبة الآتية حيث إن التقييد فيها في السؤال عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه ، هل يجوز ذلك ؟ فكتب : ذلك جائز .
النداوة والأول بدونها ، أوجه ، بل أقوال ، والأصل مع الثاني ، وتؤيده الأخبار الواردة في فرش قبر النبي صلّى الله عليه وﺁله وسلّم بالقطيفة (١) وإن احتمل كونه لأجل النداوة .
وجعل تراب غير القبر فيه ونقله إليه ؛ لمرسلة الفقيه : « كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت » (٢) .
وخبري السكوني : أحدهما : « نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه » (٣) . والآخر : « لا تطيّنوا القبر من غير طينه » (٤) .
وإطلاقها يتناول حال الدفن وبعده ، فتخصيص الإِسكافي بالأول (٥) لا وجه له ، وهو بدليل الفرق مطالب .
وتجصيصه ، بإجماعنا ، كما في المنتهى والتذكرة وعن المبسوط ونهاية الإِحكام (٦) .
للمستفيضة الناهية عنه ، كموثّقة علي : « لا يصلح البناء على القبر ، ولا الجلوس عليه ، ولا تجصيصه ، ولا تطيينه » (٧) .
وفي حديث المناهي المروي في الفقيه : « ونهى أن يجصّص القبور » (٨) .
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٩٧ الجنائز ب ٦٥ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب الدفن ب ٢٧ ح ٢ ، ومن طريق العامة : سنن البيهقي ٣ : ٤٠٨ .
(٢) الفقيه ١ : ١٢٠ / ٥٧٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٢ أبواب الدفن ب ٣٦ ح ٣ .
(٣) الكافي ٣ : ٢٠٢ الجنائز ب ٦٨ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ / ١٥٠٠ ، الوسائل ٣ : ٢٠٢ أبواب الدفن ب ٣٦ ح ١ .
(٤) الكافي ٣ : ٢٠١ الجنائز ب ٦٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ / ١٤٩٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٢ أبواب الدفن ب ٣٦ ح ٢ .
(٥) حكاه عنه في الذكرى : ٦٧ .
(٦) المنتهى ١ : ٤٦٣ ، والتذكرة ١ : ٥٤ ، والمبسوط ١ : ١٨٧ ، ونهاية الإِحكام ٢ : ٢٨٤ .
(٧) التهذيب ١ : ٤٦١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ / ٧٦٧ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ١ .
(٨) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٤ .
والمروي في معاني الأخبار عن النبي صلّى الله عليه وﺁله وسلّم : « إنه نهى عن تقصيص القبور » قال : وهو التجصيص (١) .
وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الظاهر والباطن .
وربما تخصّ الكراهة بالباطن دون الظاهر ؛ جمعاً بينه وبين ما تقدّم من أمر مولانا الكاظم عليه السلام بتجصيص قبر ابنته (٢) ، فإنّ الظاهر منه تجصيص الظاهر ، ولا بأس به .
وربما يجمع بتخصيص التجصيص المباح بهم وبأولادهم ؛ لجوازه في قبور الأنبياء والأئمة وأولادهم والعلماء والصلحاء ، لاستمرار الناس عليه من غير نكير ، مع كونه تعظيماً لشعائر الله وتحصيلاً لكثير من المصالح الدينية ، مضافاً إلى ورود أخبار المنع مورد الغالب ، وهو ما عداهم .
وفيه : أنّ الجمع بما ذكر وإن كان ممكناً ، إلّا أنه لا دليل على تعيينه حتى يوجب تخصيص المانع ، لجواز الجمع بما مرّ ، أو بالفرق بين الابتداء والاندراس ، كما عن الشيخ والكركي (٣) ، أو بوجود داعٍ آخر لم نطّلع عليه .
وأمّا تجويزه في قبور من ذكر ، فإن اُريد عدم الحرمة فغيرهم أيضاً كذلك إجماعاً ، وإن اُريد عدم الكراهة فالإِطلاقات تشملها ، وما ذكروه لا يصلح لتقييدها ، لأنّ استمرار الناس ـ لو سلّم ـ فإنّما هو في التعمير والبناء دون التجصيص ، بل لا ندري منهم قبراً مجصّصاً ، سيما باطنه .
وكونه تعظيماً ممنوع ، ولا مصلحة دينية فيه ، وكون الغالب غير من ذكر بحيث ينصرف الإِطلاق إليه ممنوع .
فالأظهر تعميم الكراهة في التجصيص ، مع احتمال قريب في انتفائها في
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢٧٩ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٥ .
(٢) الكافي ٣ : ٢٠٢ الجنائز ب ٦٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ / ١٥٠١ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ / ٧٦٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٣ أبواب الدفن ب ٣٧ ح ٢ .
(٣) الشيخ في النهاية : ٤٤ ، والمبسوط ١ : ١٨٧ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٤٩ .
الظاهر .
والبناء عليه ، إجماعاً ، كما عن المبسوط والتذكرة (١) ، سواء كان القبر في أرض مباحة مسبّلة أو مملوكة .
لاستفاضة النصوص على النهي عنه المحمول على الكراهة إجماعاً :
منها : الموثّقة المتقدّمة (٢) ، ورواية يونس : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم أن يصلّى على قبر ، أو يقعد عليه ، أو يبنى عليه » (٣) .
ورواية المدائني : « لا تبنوا على القبور » إلى أن قال : « فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم كره ذلك » (٤) .
والتخصيص بالأرض المباحة ـ كبعضهم (٥) ـ لا وجه له .
والمتبادر منها كراهة البناء على القبر ، فلا يكره الدفن في موضع فيه بناء ولو على قبر آخر .
والتعليق ينبئ على العلّية ، فالمكروه البناء عليه لأجل القبر ، فلا يكره بناء بيت فيه قبر لو خرب .
واستثنى الشهيد (٦) ، وجماعة (٧) من ذلك الحكم قبور الأنبياء والأئمّة ، مدّعياً فيه إطباق الإِمامية على أن يبنوا عليها ، مخصّصاً للعمومات بإجماعهم على البناء في عهود كانت الأئمة ظاهرة بينهم وبعدهم من غير نكير ، وبكون قبر
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٨٧ ، والتذكرة ١ : ٥٤ .
(٢) في ص ٢٧٨ رقم ٧ .
(٣) التهذيب ١ : ٤٦١ / ١٥٠٤ وج ٣ : ٢٠١ / ٤٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ / ١٨٦٩ ، المقنع : ٢١ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٢ .
(٤) التهذيب ١ : ٤٦١ / ١٥٠٥ ، المحاسن : ٦١٢ / ٣٢ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٣ .
(٥) المبسوط ١ : ١٨٧ .
(٦) الدروس ١ : ١١٦ .
(٧) كصاحب الرياض ١ : ٦٦ .