مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ويحمل على الكراهة ؛ لصحيحة ابن سنان : « لا بأس بدخنة كفن الميت » (١) المجوّزة لها الغير المنافية للكراهة .

وأن يتبع الجنازة بالمجمرة ؛ للتصريح به في المعتبرة (٢) .

وأن يطيّب بغير الكافور والذريرة ؛ لرواية محمد : « ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور » (٣) وفي الخبر : « رأيت جعفر بن محمد عليهما السلام ينفض بكمه المسك من الكفن ويقول : هذا ليس من الحنوط في شي‌ء » (٤) وفي المرسل : « ولا يحنّط بمسك » (٥) .

وعن الغنية (٦) وبعض آخر (٧) : المنع ، وفي شرح القواعد للكركي : إنه المشهور (٨) ؛ لظاهر النهي .

ويدفع بالمعارضة مع مرسلة الفقيه : هل يقرب إلى الميت المسك والبخور ؟ قال : « نعم » (٩) .

ومع ذلك فالترك أحوط ؛ لكون الجواز بل الاستحباب مذهب العامة بل شعارهم ، كما صرّح به الأصحاب (١٠) .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠ أبواب التكفين ب ٦ ح ١٣ .

(٢) راجع الرقم (٦) ص ٢٢٠ .

(٣) الكافي ٣ : ١٤٧ الجنائز ب ٢٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٥ ، الوسائل ٣ : ١٨ أبواب التكفين ب ٦ ح ٥ .

(٤) قرب الإِسناد : ١٦٢ / ٥٩٠ ، الوسائل ٣ : ١٩ أبواب التكفين ب ٦ ح ١١ .

(٥) الكافي ٣ : ١٤٧ الجنائز ب ٢١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٢٢ / ٩٣٧ ، الوسائل ٣ : ١٨ أبواب التكفين ب ٦ ح ١١ .

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ .

(٧) كالشرائع ١ : ٣٩ ، والقواعد ١ : ١٩ ، والدروس ١ : ١٠٨ .

(٨) جامع المقاصد ١ : ٣٨٧ .

(٩) الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٦ ، الوسائل ٣ : ١٩ أبواب التكفين ب ٦ ح ٩ .

(١٠) كالحدائق ٤ : ٥٤ ، والرياض ١ : ٦٢ . وانظر من كتب العامة : المغني ٢ : ٣٣٧ وبدائع الصنائع

=

٢٢١
 &

وفي صحيحة ابن سرحان : قال الصادق عليه السلام في كفن الحذاء : « إنما الحنوط الكافور ، ولكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس » (١) .

ومنه يظهر الجواب عن استدلال الصدوق (٢) على الاستحباب ـ كما نقل عنه ـ بالمرسل المذكور ، وخبر غياث عن الصادق عليه السلام : « إن أباه كان يجمّر الميت العود فيه المسك » (٣) وما روى من تحنيط النبي صلّى الله عليه وﺁله بمثقال مسك سوى الكافور (٤) .

مضافاً إلى عدم دلالة الأول على الزائد على الجواز ، والأخير على الاستحباب في حق غيره صلّى الله عليه وﺁله ؛ لاحتمال الاختصاص ، كما جوّز جمع من الأصحاب (٥) .

وأن يكتب عليه بالسواد ، كما عن كتب الفاضلين (٦) ، وعن المقنعة والنهاية والمبسوط والاقتصاد والمصباح (٧) ، ومختصره ، والمراسم (٨) ، والوسيلة والجامع (٩) ،

__________________

=

١ : ٣٠٧ .

(١) الكافي ٣ : ١٤٦ الجنائز ب ١٩ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٦ / ١٤٠٤ ، الوسائل ٣ : ١٨ أبواب التكفين ب ٦ ح ٧ .

(٢) قال في الفقيه ١ : ٩١ يكره أن يجمر أو يتبع بمجمرة ولكن يجمر الكفن . . . ثم قال ـ بعد إيراد أحكام وروايات في التكفين والتحنيط ـ في ص ٩٣ : وروى أنه صلّى الله عليه وﺁله حنط بمثقال مسك سوى الكافور . . . ثم أورد بعد نقل روايات المرسلة المذكورة ، ولم يرو خبر غياث ولم يستدل به كما يظهر من المتن .

(٣) التهذيب ١ : ٢٩٥ / ٨٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٣٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠ أبواب التكفين ب ٦ ح ١٤ .

(٤) الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٢ .

(٥) كما جوزه في كشف اللثام ١ : ١٢١ ، والرياض ١ : ٦٢ .

(٦) المعتبر ١ : ٢٩٠ ، الشرائع ١ : ٤٠ ، النافع : ١٣ ، القواعد : ١٩ ، التحرير : ١٨ ، التذكرة ١ : ٤٥ .

(٧) المقنعة : ٧٨ ، النهاية : ٣٢ ، المبسوط ١ : ١٧٧ ، الاقتصاد : ٢٤٨ ، مصباح المتهجد : ١٨ .

(٨) نقله في كشف اللثام ١ : ١٢١ ولم نعثر عليه في المراسم .

(٩) الوسيلة ٦٧ ، الجامع : ٥٤ .

٢٢٢
 &

وغيرها (١) ، مع التصريح بالمنع في بعضها (٢) . لفتوى تلك الأخيار ـ وإن لم يكن له مستند من الأخبار ـ وإن احتمل شمول النهي عن التكفين في السواد أو في سواد له .

وعن المفيد : المنع من سائر الأصباغ (٣) . ولا بأس به .

وأن يقطع الكفن بالحديد ؛ لما عن التهذيب من قوله : سمعناه مذاكرة من الشيوخ وكان عليه عملهم (٤) . ومثله كافٍ في مقام التسامح .

الخامسة : ويستحب أن يجعل مع الميت الجريدة ، بالإِجماع المحقّق والمنقول متواتراً في كلام الأصحاب منهم : المدارك واللوامع والحدائق والبحار (٥) ، وفي المنتهى : إنه مذهب أهل البيت (٦) ، والظاهر أنه ضروري المذهب ؛ وهو الحجة فيه مع الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنىً .

كصحيحة زرارة : أرأيت الميت إذا مات لِمَ تجعل معه الجريدة ؟ فقال : « يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطباً » (٧) الحديث .

وحسنة البصري : لأيّ شي‌ء توضع على الميت الجريدة ؟ قال : « إنه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة » (٨) إلى غير ذلك .

والقول بالوجوب ـ كما هو ظاهر الصدوق في معاني الأخبار (٩) ـ شاذ ،

__________________

(١) كالدروس ١ : ١١٠ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٩٦ .

(٢) كالمقنعة والنهاية .

(٣) المقنعة : ٧٨ .

(٤) التهذيب ١ : ٢٩٤ .

(٥) المدارك ٢ : ١٠٨ ، الحدائق ٤ : ٣٨ ، بحار الأنوار ٧٨ : ٣١٥ .

(٦) المنتهى ١ : ٤٤٠ .

(٧) الكافي ٣ : ١٥٢ الجنائز ب ٢٤ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٨٩ / ٤١٠ ، الوسائل ٣ : ٢٠ أبواب التكفين ب ٧ ح ١ .

(٨) الكافي ٣ : ١٥٣ الجنائز ب ٢٤ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٢٧ / ٩٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢ أبواب التكفين ب ٧ ح ٧ .

(٩) معاني الأخبار : ٣٤٨ باب معنى التخضير .

٢٢٣
 &

والأخبار غير مفيدة له .

ولتكن اثنتين على الحقّ المشهور ، بل بالإِجماع المنقول والمحقّق ، لعدم مخالفة غير العماني ؛ للأخبار الآتية المصرّحة بالتعدّد .

خلافاً للمحكي عن العماني (١) ، فجعلها واحدة ؛ لخبري يحيى ، الآتيين ، وحسنة جميل : عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها ؟ فقال : « فوق القميص دون الخاصرة » فسألته من أيّ الجانب ؟ فقال : « من الجانب الأيمن » (٢) .

والجواب : أنّ روايتي يحيى مطلقتان بالنسبة إلى الوحدة والتعدّد ، فيجب تقييدهما بأخبار التعدّد . بل وكذلك الحسنة ، والاقتصار على الأيمن فيها لا يدلّ على الوحدة ؛ لجواز وضعهما معاً في الأيمن .

ولتكونا خضراوين بالإِجماع كما في اللوامع وغيره (٣) ؛ لأنه المفهوم من الروايتين الاُوليين .

ولرواية يونس : « ويجعل له قطعتين من جرائد النخل رطباً قدر ذراع ، يجعل له واحدة بين ركبتيه ، نصف ممّا يلي الساق ونصف ممّا يلي الفخذ ، ويجعل الاُخرى تحت إبطه الأيمن » (٤) .

ويدلّ عليه قول رسول الله صلّى الله عليه وﺁله كما في رواية يحيى بن عبادة : « خضّروا أصحابكم فما أقلّ المخضرين » قال : وما التخضير ؟ قال : « جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى الترقوة » (٥) وروايته الاُخرى الآتية (٦) .

بل لا تجزئ اليابسة ، لرواية محمد بن علي : عن السعفة اليابسة إذا قطعها

__________________

(١) كما نقل عنه في الرياض ١ : ٦١ .

(٢) الكافي ٣ : ١٥٤ الجنائز ب ٢٤ ح ١٣ ، الوسائل ٣ : ٢٦ أبواب التكفين ب ١٠ ح ٣ .

(٣) كالخلاف ١ : ٧٠٤ ، والمنتهى ١ : ٤٤٠ .

(٤) الكافي ٣ : ١٤٣ الجنائز ب ١٩ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣ .

(٥) الكافي ٣ : ١٥٢ الجنائز ب ٢٤ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٨٨ / ٤٠٨ ، الوسائل ٣ : ٢٦ أبواب التكفين ب ١٠ ح ١ .

(٦) في ص ٢٢٦ .

٢٢٤
 &

بيده هل يجوز للميت أن توضع معه في حفرته ؟ فقال : « لا يجوز اليابس » (١) .

وعن طائفة من كتب اللغة كالعين ، والمحيط ، وتهذيب اللغة (٢) اعتبار الرطوبة في المفهوم .

من النخل ، بلا خلاف ، كما هو صريح رواية يونس ، المتقدّمة والمستفاد من ظواهر الأخبار ، بل يستفاد منها كون الجريدة حيث يطلق يومئذٍ حقيقة في المتّخذ منه .

فإن لم يوجد منه فمن السدر ، فإن لم يوجد فمن الخلاف ، وفاقاً للأكثر ؛ لرواية سهل : إن لم يقدر على الجريدة ؟ فقال : « عود السدر » قيل : فإن لم يقدر على السدر ؟ فقال : « عود الخلاف » (٣) .

ثم إن لم يوجد الخلاف فمن كلّ شجر رطب ؛ لمرسلة الفقيه : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل ، فهل يجوز مكان الجريدة شي‌ء من الشجر غير النخل ـ إلى أن قال ـ : فأجاب عليه السلام : « يجوز من شجر آخر رطب » (٤) .

والرضوي : « فإن لم يقدر على جريدة من النخل فلا بأس بأن يكون من غيره بعد أن يكون رطباً » (٥) .

وظاهرهما وإن اقتضى بدليته عن النخل أوّلاً كما عن الفقيه (٦) ، والخلاف

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٢ / ١٣٨١ ، الوسائل ٣ : ٢٥ أبواب التكفين ب ٩ ح ١ .

(٢) العين ٦ : ٧٦ ، وتهذيب اللغة ١٠ : ٦٣٩ .

(٣) الكافي ٣ : ١٥٣ الجنائز ب ٢٤ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٢٩٤ / ٨٥٩ ، الوسائل ٣ : ٢٤ أبواب التكفين ب ٨ ح ٣ .

(٤) الفقيه ١ : ٨٨ / ٤٠٧ ، الوسائل ٣ : ٢٤ أبواب التكفين ب ٨ ح ١ ، ولا يخفى أن الرواية نقلها الصدوق عن علي بن بلال وله إليه طريق مذكور في مشيخة الفقيه ٤ : ٢١ . فتوصيفها بالمرسلة ليس على ما ينبغي .

(٥) فقه الرضا : ١٦٨ ، المستدرك ٢ : ٢١٤ أبواب التكفين ب ٧ ح ١ .

(٦) الفقيه ١ : ٨٨ وفي « ق » و « هـ » زيادة : والفاخر . وهو كتاب الجعفي ونقل عنه في البحار ٧٨ : ٣١٥ .

٢٢٥
 &

والسرائر والذكرى (١) ، والكامل ، إلّا أنهما لأعمّيتهما من الرواية المتقدّمة مطلقاً ، يجب تقييدهما بها ، كما يجب تقييدها برواية علي بن إبراهيم : « يجعل بدلها عود الرمان » (٢) فيقدّم الرمان على غير السدر والخلاف ، كما عن البيان ، والدروس (٣) ، واللمعة (٤) . بل ظاهرها بدلية الرمان عن النخل مطلقاً ، فيعارض الرواية السابقة بالعموم من وجه ، إلّا أنّ الشهرة بل عدم قول بتقديم الرمان عليهما أوجب ترجيح ما تضمنهما على ما تضمنه .

وحكي عن المفيد والديلمي (٥) وجماعة (٦) ـ كما في البحار (٧) ـ تقديم الخلاف على السدر ، ولا أعلم مستندهما . وربما قيل بالتخيير بعد النخل بين السدر والخلاف ثم الرمان (٨) .

ويستحب أن يكونا بقدر عظم الذراع ، كما عن المشهور ؛ للرضوي : « وروي أن الجريدتين كلّ واحدة قدر عظم ذراع » (٩) .

ولعلّهم حملوا عليها الذراع في رواية يونس ، السابقة (١٠) ، ورواية يحيى بن عبادة : « تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع ـ وأشار بيده ـ من عند ترقوته إلى

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧٠٤ ، السرائر ١ : ١٦٤ ، الذكرى : ٤٩ .

(٢) الكافي ٣ : ١٥٤ الجنائز ب ٢٤ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢٩٤ / ٨٦١ ، الوسائل ٣ : ٢٥ أبواب التكفين ب ٨ ح ٤ .

(٣) البيان : ٧٢ ، الدروس ١ : ١٠٩ .

(٤) المستفاد من اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٣٣ : التخيير بين النخل وكل شجر رطب ، نعم قال به الشهيد الثاني في شرح اللمعة ١ : ١٣٣ .

(٥) المقنعة : ٧٥ ، المراسم : ٤٨ .

(٦) منهم ابن سعيد في الجامع : ٥٣ .

(٧) بحار الأنوار ٧٨ : ٣١٥ .

(٨) كما نفى عنه البعد في بحار الأنوار .

(٩) فقه الرضا : ١٦٨ ، المستدرك ٢ : ٢١٥ أبواب التكفين ب ٨ ح ١ .

(١٠) في ص ٢٢٤ .

٢٢٦
 &

يده ، تلفّ مع ثيابه » (١) .

لأنها المعنى الحقيقي للذراع ـ كما قيل (٢) ـ والأصل عدم النقل .

ولا تنافيه حسنة جميل : « الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت ممّا يلي الجلد ، والاُخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص » (٣) .

لأنّ عظم الذراع أيضاً قدر شبر تقريباً .

وأمّا التقدير بأربع أصابع فما فوقها ـ كما عن العماني (٤) ـ فكأنه مستنبط من رواية يحيى بن عبادة ، الاُولى (٥) . وفيه تأمّل .

ثم الظاهر جواز الزيادة عمّا ذكر والنقيصة ما دام صدق الجريدة ، إذ يعتبر فيها طول ؛ لإِطلاق بعض الروايات وعدم ثبوت الوجوب من المقيدات .

ثم إنه يحصل الامتثال بوضعهما مع الميت كيف كان ـ ولو اختياراً ـ على الأظهر ، وفاقاً للمعتبر وشرح القواعد للكركي (٦) ؛ لمطلقات وضعهما للميت وضعة ، وعدم ثبوت دلالة المقيدات على لزوم التقيّد وتعيّنه ، مضافاً إلى خصوص رواية البصري : عن الجريدة توضع في القبر ، فقال : « لا بأس » (٧) .

ويستحب أن تجعل إحداهما على الأيمن والاُخرى على الأيسر كما هو ـ في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٢ الجنائز ب ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٣٩٦ ، الوسائل ٣ : ٢٧ أبواب التكفين ب ١٠ ح ٤ .

(٢) كشف اللثام ١ : ١١٧ .

(٣) الكافي ٣ : ١٥٢ الجنائز ب ٢٤ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠٩ / ٨٩٧ ، الوسائل ٣ : ٢٦ أبواب التكفين ب ١٠ ح ٢ .

(٤) كما نقل عنه في المختلف : ٤٤ .

(٥) المتقدمة في ص ٢٢٤ .

(٦) المعتبر ١ : ٢٨٨ ، جامع المقاصد ١ : ٣٩٢ .

(٧) الكافي ٣ : ١٥٣ الجنائز ب ٢٤ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٥٨ ، الوسائل ٣ : ٢٨ أبواب التكفين ب ١١ ح ٣ .

٢٢٧
 &

طريقة وضعهما ـ الأشهر ، بل عليه غير الجعفي ممن تقدّم أو تأخّر ؛ لرواية الفضيل : « توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن والأُخرى في الأيسر » (١) وحسنة جميل ، المتقدمة (٢) .

أو تجعل إحداهما في الأيمن والاُخرى بين الركبتين ، كما عن الجعفي (٣) ؛ لرواية يونس ، السابقة (٤) ، وقريب منها الرضوي (٥) .

وإن كان الاُول أولى ؛ للأشهرية . ولا يتعين على الأقوى ؛ للأصل .

ثم على الأول تجعل اليمنى عند الترقوة بين الجلد والقميص ، واليسرى عندها بين القميص واللفّافة ، كما في الحسنة .

أو الاُولى كما ذكر ، والثانية عند وركه ؛ للرضوي : « واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده ، ثمَّ تمدّ عليه قميصه ، والآخر عند وركه » (٦) .

ولا يتعين الأول ، كما ذهب إليه الأكثر ومنهم الصدوق في المقنع (٧) ، وإن كان أفضل ؛ لأنه الأشهر .

ولا الثاني ، كما عن الصدوق في الفقيه (٨) ووالده (٩) ، للأصل ، وعدم دلالة الروايات على اللزوم ، بل الظاهر عدم إرادة القوم فيما اختاروه أيضاً سوى بيان الأفضل .

وأمّا جعل اليمنى عند الحقو على الجلد ، واليسرى على الإِزار ، كما عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٣ الجنائز ب ٢٤ ح ٦ ، الوسائل ٣ : ٢٧ أبواب التكفين ب ١٠ ح ٦ .

(٢) في ص ٢٢٧ .

(٣) كما نقل عنه في الذكرى : ٤٩ .

(٤) في ص ٢٢٤ .

(٥) المتقدم في ص ٢٢٥ .

(٦) فقه الرضا : ١٦٨ ، المستدرك ٢ : ٢١٣ أبواب الكفن ب ٦ ح ١ .

(٧) المقنع : ١٩ .

(٨) الفقيه ١ : ٩١ .

(٩) نقل عنه في المختلف : ٤٤ .

٢٢٨
 &

الاقتصاد والمصباح (١) ، ومختصره ، أو وضعهما كالمشهور ، إلّا أنّ اليسرى تحت اليد كما عن المراسم (٢) ، فلا دليل عليه بخصوصه .

كلّ ذلك مع عدم المانع من تقية أو غيرها ولو كان نسياناً . ومعه توضع حيث أمكن ـ ولو في القبر ـ قولاً واحداً ؛ للمستفيضة كمرفوعة سهل : ربما حضرني من أخافه ، فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويناه . فقال : « أدخلها حيث ما أمكن » (٣) ونحوها غيرها بزيادة : « وإن وضعت في القبر فقد أجزأه » (٤) .

وفي مكاتبة أحمد بعد السؤال عن حضور المرجئة : « وأما الجريدة فليستخف بها ولا يرونه ، وليجهد في ذلك جهده » (٥) .

وفي مرسلة الفقيه : « مرّ رسول الله صلّى الله عليه وﺁله على قبر يعذّب صاحبه ، فدعا بجريدة فشقّها نصفين ، فجعل واحدة عند رأسه والاُخرى عند رجليه » (٦) .

ويحتمل أن يكون المراد بالشقّ فيها القطع ، فلا يثبت معها ما استحبه

__________________

(١) الاقتصاد : ٢٤٩ ، مصباح المتهجد : ١٩ .

(٢) المراسم : ٤٩ .

(٣) الكافي ٣ : ١٥٣ الجنائز ب ٢٤ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٣٢٧ / ٩٥٦ ، الوسائل ٣ : ٢٨ أبواب التكفين ب ١١ ح ١ .

(٤) التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٥٧ ، الوسائل ٣ : ٢٨ أبواب التكفين ب ١١ ح ٢ .

(٥) التهذيب ١ : ٤٤٨ / ١٤٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٣ أبواب التكفين ب ٧ ح ٩ والمرجئة بغير تشديد من الإِرجاء بمعنى التأخير ، وفي معنى الكلمة أقوال مختلفة ولا يبعد أن يكون الخبر ما فسّره في المقالات والفرق : ٥ قال ما لفظه : فلمّا قتل علي عليه السلام التقت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت مع طلحة والزبير وعائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان إلا القليل منهم من شيعته ومن قال بإمامته بعد النبي صلّى الله عليه وﺁله ، وهم السواد الأعظم وأهل الحشو وأتباع الملوك وأعوان كل من غلب أعني الذين التقوا مع معاوية فسموا جميعاً المرجئة . . . وانظر أيضاً مقباس الهداية ٢ : ٣٦٩ .

(٦) الفقيه ١ : ٨٨ / ٤٠٥ ، الوسائل ٣ : ٢٨ أبواب التكفين ب ١١ ح ٤ .

٢٢٩
 &

بعضهم (١) من الشقّ .

وبعضهم استحب وضع القطن عليها (٢) ، وكأنه لاستبقاء الرطوبة .

وينافيه ما مرّ به من الإلصاق بالجلد ، فالترك أولى .

وذكر الأكثر ـ ومنهم الصدوق في الهداية (٣) ـ استحباب كتابة الشهادة بالتوحيد عنه عليهما ، بل زادوا الشهادة بالرسالة والإِمامة للأئمة بأسمائهم المقدّسة .

ولا نص عليه بخصوصه ، إلّا أن الشهرة العظيمة ، وتصريح الأجلّة ، وطلب اليمن والبركة كافية في الإِثبات ؛ للمسامحة .

وهل يختص استحباب الجريدتين بالمكلّف ، كما يوهمه ظاهر التعليل بمنعهما عن العذاب ؟ أو لا ، كما يقتضيه إطلاق الأخبار وظاهر فتاوى الأصحاب ، فتوضعان لكلّ ميت حتى الصغير والمجنون ؟

الظاهر : الثاني ، لما مرّ ، وإفادتهما في حق غير المكلّف لدفع الوحشة ، وحصول الاُنس الذي هو أيضاً علّة اُخرى كما يستفاد من بعض الروايات (٤) . بل الوحشة أيضاً نوع عذاب غير مخصوص بالمكلّفين .

السادسة : يستحب أن يضع في يمين الميت مع الجريدة كتاباً يكتب فيه إقراره في حياته ، وتستشهد بما فيه جماعة ، على ما ذكره الشيخ في المصباح (٥) ، بل رواه ، كما في المنتهى (٦) . وهو كافٍ في إثبات استحبابه .

وطريقه على ما ذكره أن يهيّئه كلّ أحد في حياته ، فيقول قبل أن يكتب :

__________________

(١) لم نعثر على شخصه ، وقال في البحار ٧٨ : ٣١٥ : واستحباب الشق كما ذكره بعض الأصحاب غير ثابت .

(٢) الذكرى : ٤٩ ، المسالك ١ : ١٤ ، المدارك ٢ : ١١٢ .

(٣) الهداية : ٢٣ .

(٤) انظر الوسائل ٣ : ٢٣ أبواب التكفين ب ٧ ح ١٠ .

(٥) مصباح المتهجد : ١٧ .

(٦) لم نعثر عليه في المنتهى .

٢٣٠
 &

« بسم الله الرّحمن الرّحيم أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّ الجنة حقّ وأنّ النار حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور » .

ثم يكتب : « بسم الله الرّحمن الرّحيم شهد الشهود المسمّون في هذا الكتاب أنّ أخاهم في الله عزّ وجلّ فلان بن فلان ـ ويذكر اسم الرجل ـ أشهدهم واستودعهم وأقرّ عندهم أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنه مُقر بجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وأنّ علياً وليّ الله وإمامه ، وأنّ الأئمة من ولده أئمته ، وأنّ أوّلهم الحسن والحسين عليهما السلام وعلي ابن الحسين عليه السلام ومحمد بن علي عليه السلام وجعفر بن محمد عليه السلام وموسى بن جعفر عليه السلام وعلي بن موسى عليه السلام ومحمد بن علي عليه السلام وعلي بن محمد عليه السلام والحسن بن علي عليه السلام والقائم الحجة عليه السلام ، وأنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وأن محمّداً صلّى الله عليه وﺁله وسلّم رسوله جاء بالحقّ ، وأنّ علياً عليه السلام ولي الله والخليفة من بعد رسول الله محمّداً صلّى الله عليه وﺁله وسلّم ومستخلفه في اُمته مؤدياً لأمر ربه تبارك وتعالى ، وأنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم وابنيها الحسن والحسين عليهما السلام ابنا رسول الله صلّى الله عليه وﺁله وسلّم وسبطاه وإماما الهدى وقائدا الرحمة ، وأنّ علياً عليه السلام ومحمداً وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمداً وعليّاً وحسناً والحجة عليهم السلام أئمة وقادة ودعاة إلى الله عزّ وجلّ وحجّة على عباده » .

ثم يقول للشهود : يا فلان ويا فلان المسمّين في هذا الكتاب أثبتوا لي هذه الشهادة عندكم حتى تلقوني بها عند الحوض ، ثم يقول الشهود يا فلان : « نستودعك الله ، والشهادة والإِخاء والإِقرار لمودوعة عند رسول الله صلّى الله عليه وﺁله ، ونقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته » .

ثم تطوى الصحيفة وتطبع وتختم بخاتم الشهود وخاتم الميت ويوضع عن ‌

٢٣١
 &

يمين الميت مع الجريدة .

وتكتب الصحيفة بكافور وعود على جهة غير مطيب ، أي يؤخذ العود مكان القلم من غير أن يُبرى أو يلطّخ بشي‌ء ومن غير أن يطيب هذا .

ويستفاد من بعض الأخبار غفران الميت بشهادة أربعين رجلاً بعد موته بأن يقولوا : « إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً فاغفر له » (١) وأمّا كتابة تلك الشهادة بعد الموت ، فلا دليل عليها .

السابعة : الكفن الواجب للميت غير المرأة ذات البعل يؤخذ من أصل تركته ، مقدّماً على الديون والوصايا ، بإجماع الطائفة كما صرّح به جماعة (٢) ، ونفى عنه الخلاف في المنتهى وشرح القواعد (٣) وغيرهما ؛ لاستفاضة النصوص .

منها : صحيحة زرارة : عن رجل مات وعليه دين وخلف قدر ثمن كفنه ، قال : « يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلّا أن يتجر عليه إنسان يكفنه ويقضي دينه مما ترك » (٤) .

وخبر السكوني : « أوّل شي‌ء يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث » (٥) وروى نحوه في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام (٦) .

ومقتضى إطلاق الأخبار وفتاوى علمائنا الأخيار : تقديمه على حق المرتهن وغرماء المفلس ؛ لعدم خروج المال عن الملك .

وتردّد في المرهون وفي حق المجني عليه في شرح القواعد (٧) ؛ لاقتضائهما الاختصاص .

__________________

(١) انظر الوسائل ٣ : ٢٨٥ أبواب الدفن ب ٩٠ .

(٢) التذكرة ١ : ٤٤ ، الذكرى : ٥٠ ، روض الجنان : ١٠٩ .

(٣) المنتهى ١ : ٤٤٢ ، جامع المقاصد ١ : ٤٠٠ .

(٤ و ٥) الكافي ٧ : ٢٣ الوصايا ب ١٧ ح ٢ ، ٣ ، الفقيه ٤ : ١٤٣ / ٤٩٢ ، ٤٨٨ ، التهذيب ٩ : ١٧١ / ٦٩٧ ، ٦٩٨ الوسائل ١٩ : ٣٢٨ ، ٣٢٩ أبواب الوصايا ب ٢٧ ح ٢ ، وب ٢٨ ح ١ .

(٦) دعائم الاسلام ١ : ٢٩٨ .

(٧) جامع المقاصد ١ : ٤٠١ .

٢٣٢
 &

وهو اجتهاد في مقابلة الأخبار ، إلّا أن يستشكل في شمولها لهما لشيوع غيرهما ، وانصراف المطلق إلى الشائع .

والمندوب مع الوصية يكون من الثلث . وبدونها يتوقّف إخراجه عن التركة على إجازة الورثة إن كانوا جميعاً من أهلها بعد إخراج الديون ؛ لأصالة عدم تعلّقه بالمال . وتستحب لهم الإِجازة ، كما تستحب على سائر المطّلعين من المكلّفين كفاية ؛ لتوقّف التكفين المستحب كذلك عليه ، واستحباب مقدّمة المستحب .

وكذا الكلام في الوصف المندوب للواجب من الجودة ونحوها ، فيتوقّف إخراج الأجود بل الجيّد على إجازة الوارث .

والمخرج من التركة ليس إلّا الأدون ممّا يصدق عليه الاسم ، إلّا أن يبلغ حدّاً انصرفت الإِطلاقات إلى غيره .

واحتمال مراعاة القصد في الجنس بحسب حال الميت في الإِخراج عن التركة لا دليل عليه ، والقياس على بعض ما روي فيه ذلك باطل ، وشهادة العرف به ممنوعة .

والكفن الواجب لذات البعل على بعلها ولو كانت موسرةً إذا كان موسراً ولو بإرثه من تركتها ، إجماعاً كما في المدارك (١) واللوامع ، وعن صريح الخلاف ونهاية الإِحكام (٢) ، وظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى (٣) .

لخبر السكوني ، ومرسلة الصدوق المنجبر ضعفها ـ لو كان بما ذكر .

الأول : « على الزوج كفن امرأته إذا ماتت » (٤) .

والثاني : « كفن المرأة على زوجها إذا ماتت » (٥) .

__________________

(١) المدارك ٢ : ١١٧ .

(٢) الخلاف ١ : ٧٠٨ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٧ .

(٣) المعتبر ١ : ٣٠٧ ، المنتهى ١ : ٤٤٢ ، التذكرة ١ : ٤٤ ، الذكرى : ٥٠ .

(٤) التهذيب ١ : ٤٤٥ / ١٤٣٩ ، الوسائل ٣ : ٥٤ أبواب التكفين ب ٣٢ ح ٢ .

(٥) الفقيه ٤ : ١٤٣ / ٤٩١ ، الوسائل ٣ : ٥٤ أبواب التكفين ب ٣٢ ح ١ .

٢٣٣
 &

ومقتضى إطلاقهما كفتاوى الأصحاب عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة ، المدخول بها وغيرها ، المطيعة والناشزة ، والدائمة والمنقطعة ، وإن كان الشمول للأخيرة محل نظر وتأمل ، بل قد ينظر في الناشزة أيضاً ، لعدم انصراف الإِطلاق إلى نحوها .

وفيه : أنّ الموجب للنظر انصرافه إلى غيرها بحيث يتبادر ، وهو ممنوع .

وكذا إن كان معسراً ، وفسّروه بأن لا يفضل ماله عن قوت يومه وليلته له ولعياله وما يستثني في دينه ، إذا أمكن له ـ على الأظهر ـ كما احتمله في المدارك (١) ؛ للإِطلاق .

ودعوى غلبة إيساره وانصراف المطلق إلى الغالب باطلة ؛ لمنع الغلبة الموجبة للتبادر .

ولو لم يمكن له كفنت من تركتها ؛ لتقييد التكاليف بالإِمكان قطعاً ، فتبقى إطلاقات كون الكفن على التركة في حق مثل هذه خالية عن المخصّص .

ولو لم يكن لها أيضاً مال تكون كغيرها من فاقدي الكفن ، كما يأتي .

ولو ماتا معاً لم يجب كفتها عليه ؛ لخروجه عن التكليف ، فلا يشمله النص .

ولو مات بعدها وجب من تركته ؛ لسبق التعلّق .

ولو أوصت الموسرة بكفنها نفذت من الثلث ؛ لعمومات الوصية . وسقط عنه .

وفي إلحاق سائر المؤن الواجبة بالكفن ـ كالأكثر (٢) ـ إشكال ، والأصل يدفعه .

ولا يلحق بالزوجة غيرها ممن تجب نفقته ؛ للأصل . إلّا المملوك ، فإنّ كفنه ومؤن تجهيزه على مولاه بالإِجماع .

__________________

(١) المدارك ٢ : ١١٨ .

(٢) أي : كما ألحقها أكثر الفقهاء .

٢٣٤
 &

الثامنة : لو لم يكن للميت تركة تفي بكفنه يكفّن من الزكاة وجوباً ، على الأظهر ، وفاقاً للمنتهى والكركي والأردبيلي (١) ووالدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع ، وعن جمع آخر .

لموثّقة فضل : ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفّن به أشتري له كفنه من الزكاة ؟ فقال : « أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه ، فيكونون هم الذين يجهزونه » قلت : فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فاُجهزه أنا من الزكاة ؟ قال : « إنّ أبي كان يقول : حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً ، فوارِ بدنه وعورته ، وجهّزه وكفّنه وحنّطه ، واحتسب بذلك من الزكاة » (٢) .

واستحباباً عند جماعةٍ (٣) ؛ للأصل المندفع بالأمر الذي هو حقيقة في الوجوب .

ولو لم توجد الزكاة أيضاً فالمصرّح به في كلام الأصحاب أنه لا يجب على المسلمين بذله ـ وإن استحب لمرغّبات التكفين ـ بل يدفن بلا كفن ، وفي المدارك : إنّ هذا ممّا ليس خلاف فيه بين العلماء (٤) ، وفي اللوامع : الإِجماع عليه ؛ للأصل ، وعدم الدليل .

أقول : إن ثبت الإِجماع ، وإلّا فيدفع الأصل بوجوب التكفين من غير شرط ـ لأصالة عدم الاشتراط ـ كفايةً على كلّ أحد ، وهو يتوقّف على بذله الكفن ، ومقدمة الواجب المطلق واجبة .

ومنع وجوبه المطلق لأنه يثبت بالإِجماع الغير الثابت منه إلّا المشروط ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٤٢ ، جامع المقاصد ١ : ٤٠٢ ، مجمع الفائدة ١ : ٢٠٠ .

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٥ / ١٤٤٠ ، قرب الإِسناد : ٣١٢ / ١٢١٦ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب التكفين ب ٣٣ ح ١ .

(٣) انظر الجامع : ٥٧ ( فيظهر من كلامه الاستحباب ) ، الحدائق ٤ : ٦٦ قال : ويجوز . . . ، وفي كشف اللثام ١ : ١٢٢ قال : ويحتمل الاستحباب .

(٤) المدارك ٢ : ١١٩ .

٢٣٥
 &

يندفع بعدم اختصاص دليله بالإِجماع .

بل يدلّ عليه نحو قوله : « الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب » (١) فإن المفروض عليه ليس الميت ولا أحد بخصوصه إجماعاً ، فمعناه : الكفن ـ أي وضعه ـ فريضة على كلّ أحد من المسلمين كفاية . . .

ثمّ لو وفت التركة ببعض القِطَع ، أو لم يوجد إلّا البعض يكتفي بما يوجد من ثوبين أو واحد جوازاً إجماعاً ، ووجوباً عند الأكثر ، بل غير شاذ ممّن تأخّر (٢) ؛ لأصالة بقاء وجوب ما يمكن ، حيث إنه يجب كلّ قطعة بأمر منفرد ، والأصل عدم الارتباط والاشتراط ، فيمتثل ما تيسّر . مبْتدئاً من اللفافة ، ثم القميص ، ثم المئزر على القول به . كذا رتّب في شرح القواعد (٣) وغيره . ولي في وجوبه نظر .

ولو وجد بعض ثوب لم يجب على الأظهر ما زاد على ساتر العورة الواجب مطلقاً إجماعاً ؛ للأصل ، وكون وجوبه تبعياً ساقطاً بسقوط متبوعه ، وعدم دلالة مثل « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٤) .

ولو وجد الكفن الممنوع منه ، فإن كان منعه لإِطلاق كالحرير والمغصوب ، اتّجه المنع هنا أيضاً ، للإِطلاق . وتخصيصه بحال الاختيار للانصراف إليه غير جيّد . وإن كان للإِجماع كالنجس ، اتّجه الجواز بل الوجوب ، لاختصاصه بصورة وجود غيره .

ولو كان هناك كفن وميتان ، فإن اختص بأحدهما يكفّن به ، وإلّا تخيّر .

وعن المعتبر الميل إلى جعلهما في كفن (٥) .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٩١ / ٨٥١ ، الوسائل ٣ : ٨ أبواب التكفين ب ٢ ح ٧ .

(٢) قال في الحدائق ٤ : ١٤ : وأما الوجوب فمحل إشكال .

(٣) جامع المقاصد ١ : ٤٠١ .

(٤) غوالي اللاۤلي ٤ : ٥٨ وفيه : لا يترك الميسور بالمعسور .

(٥) المعتبر ١ : ٣٣١ .

٢٣٦
 &

ولم تثبت مشروعيته ، وفعل النبي صلّى الله عليه وﺁله كذلك في قتلى اُحُد (١) غير ثابت .

التاسعة : وما سقط من الميت من شعر أو ظفر أو لحم أو غيرها يجب جعله في كفنه على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإِجماع في المدارك (٢) واللوامع وعن التذكرة ونهاية الإِحكام (٣) ؛ لمرسلة ابن أبي عمير : « وإن سقط منه شي‌ء فاجعله في كفنه » (٤) .

خلافاً للمحكي عن الجامع (٥) ، فقال باستحبابه . وصريح الأمر الوارد في الخبر المنجبر بما ذكر ـ مع حجيته في نفسه ـ يدفعه .

وهل يجب غسله ؟ صرّح في شرح القواعد (٦) واللوامع ، مدّعياً عليه في الأخير الإِجماع ؛ لخبر البصري : عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم ، قال : « لا يمس منه شي‌ء اغسله وادفنه » (٧) .

ولم يذكره في الشرائع والمنتهى والقواعد (٨) . والأصل يقتضي العدم ، والخبر المذكور لا يثبته ؛ لجواز كون المرجع في ضميري « اغسله وادفنه » الميت .

العاشرة : لو خرجت من الميت نجاسة ولقيت كفنه ، فقبل وضعه في القبر يغسل ، وبعده يقرض مطلقاً ، وفاقاً للشرائع والنافع والمنتهى والقواعد (٩) ، وعن‌

__________________

(١) انظر سنن ابن ماجه ١ : ٤٨٥ ، وسنن أبي داود ٣ : ١٩٥ / ٣١٣٦ .

(٢) المدارك ٢ : ١٢١ .

(٣) التذكرة ١ : ٤٥ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٥٠ .

(٤) الكافي ٣ : ١٥٥ الجنائز ب ٢٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٢٣ / ٩٤٠ ، الوسائل ٢ : ٥٠٠ أبواب غسل الميت ب ١١ ح ١ .

(٥) الجامع : ٥١ .

(٦) جامع المقاصد ١ : ٤٠٣ .

(٧) الكافي ٣ : ١٥٦ الجنائز ب ٢٧ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٢٣ / ٩٤٢ ، الوسائل ٢ : ٥٠٠ أبواب غسل الميت ب ١١ ح ٣ .

(٨) انظر الشرائع ١ : ٤١ ، المنتهى ١ : ٤٣١ ، القواعد ١ : ١٩ .

(٩) الشرائع ١ : ٤١ ، النافع : ١٥ ، المنتهى ١ : ٤٣١ ، القواعد ١ : ١٨ .

٢٣٧
 &

الصدوقين (١) ، والحلّي (٢) ، بل عن الأكثر كما في المدارك والبحار (٣) واللوامع .

للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية : « فإن خرج منه شي‌ء بعد الغسل فلا تعد الغسل ، ولكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده ، فإن خرج منه شي‌ء في لحده لم تغسل كفنه ، ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه ، ومددت أحد الثوبين على الآخر » (٤) .

وبه تخصص إطلاقات الغسل ، المتقدّمة في بحث الغسل (٥) ، ومطلقات القرض كحسنة الكاهلي : « إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي‌ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض » (٦) . وبمعناها مرسلة ابن أبي عمير (٧) .

خلافاً للكركي (٨) والمحكي عن المحقّق (٩) ، فخصّصا القرض بعد الوضع بصورة عدم إمكان الغسل ، واستقربه والدي في اللوامع ؛ لحرمة إتلاف المال ، خرج ما إذا لم يمكن الغسل فيبقى الباقي .

ويضعّف : بأن الإِتلاف قد تحقّق ، ولذا تراهم يستدلّون لحرمة الحرير والزائد عن القدر المستحب في التكفين : بأنه إضاعة للمال . ومع التسليم فالنصّ جوّزه ، كما في صورة عدم إمكان الغسل .

وللمحكي عن الشيخين (١٠) وبني حمزة والبراج وسعيد (١١) ، فأطلقوا القرض ؛

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٢ ، ونقله في المختلف ١ : ٤٣ عن علي بن بابويه .

(٢) السرائر ١ : ١٦٩ .

(٣) المدارك ٢ : ١١٦ ، بحار الأنوار ٧٨ : ٢٩٥ .

(٤) فقه الرضا : ١٦٩ ، المستدرك ٢ : ٢٢٦ أحكام الكفن ب ١٩ ح ١ ـ إلى قوله : خرج منه .

(٥) في ص ١٧٨ ، ١٧٧ .

(٦ و ٧) الكافي ٣ : ١٥٦ الجنائز ب ٢٨ ح ١ ، ٣ ، التهذيب ١ : ٤٤٩ / ١٤٥٧ ، الوسائل ٢ : ٥٤٢ و ٥٤٣ أبواب غسل الميت ب ٣٢ ح ٣ و ٤ .

(٨) جامع المقاصد ١ : ٣٧٩ .

(٩) لم نعثر على كلامه هذا ولا على من حكى عنه .

(١٠) لم نعثر على كلام المفيد . وقال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٤٣ ، والمبسوط ١ : ١٨١ .

(١١) الوسيلة : ٦٥ ، المهذب ١ : ٥٩ ، الجامع : ٥٢ .

٢٣٨
 &

لإِطلاق الحسن والمرسل بعد تقييد مطلقات الغسل بهما ، لاختصاصهما بما أصاب الكفن ، وعمومها بالنسبة إليه وإلى الجسد .

وهو كان حسناً لولا الرضوي الذي هو أخص منهما ، ولذا يحكم بالقرض أيضاً فيما لم يشمله الرضوي أيضاً ، وهو ما إذا خرج قبل الوضع وأصابه بعده أو قبله وعلم بعده .

هذا كلّه إذا لم تتفاحش النجاسة بحيث يؤدّي القرض إلى كشف بدن الميت وهتكه وعدم إمكان مدّ الثوب الآخر عليه ، وإلّا فعن الشهيدين والكركي (١) سقوط القرض فيغسل إن أمكن ، وإلّا يسقط هو أيضاً . وللمقال فيه مجال .

الحادية عشرة : تكفين المحرم كالمحلّ حتى في تغطية الرأس والوجه ، على الأشهر الأظهر ، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا (٢) ، وعن الخلاف الإِجماع عليه (٣) ؛ للعمومات المتقدّمة والخصوصات الآتية في المبحث الآتي (٤) .

خلافاً للمحكي عن السيد والجعفي والعماني (٥) ، فأوجبوا كشف الرأس ، وزاد الثاني الرجلين ؛ لاستصحاب حكم الإِحرام ، ودلالة النهي عن تطييبه على بقاء إحرامه ، والنبوي العامي : « ولا تخمروا رأسه » (٦) ، والاكتفاء في بعض أخبارنا بتغطية الوجه (٧) .

ويضعّف الأول : بأنّ حكم الإِحرام كان على المحرم نفسه ، ولا يمكن استصحابه ، لخروجه بالموت عن التكليف .

والثاني : بمنع الدلالة .

__________________

(١) الذكرى : ٥٠ ، روض الجنان : ١١٠ ، جامع المقاصد ١ : ٣٧٩ .

(٢) المنتهى ١ : ٤٤٣ .

(٣) الخلاف ١ : ٦٩٧ .

(٤) في ص ٢٤٩ .

(٥) نقله في المعتبر ١ : ٣٢٦ عن ابن أبي عقيل وعن السيد المرتضى في شرح الرسالة .

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ .

(٧) انظر الوسائل ٢ : ٥٠٣ أبواب غسل الميت ب ١٣ .

٢٣٩
 &

والثالث : بمنع الحجية .

والرابع : بأنه مفهوم ضعيف ، ومع ما أمر بتغطية الرأس معارض .

البحث الرابع : في تحنيطه .

وهو واجب بالإِجماع كما في المنتهى (١) واللوامع ، وعن الخلاف والتذكرة (٢) ، وفي المدارك : إنّه المعروف من مذهب الأصحاب (٣) ؛ للأمر به في الأخبار الآتية . وعن ظاهر المراسم الاستحباب (٤) ، وهو شاذّ مردود بالأوامر .

بعد التأزير بالمئزر ، ندباً على الظاهر ، عند المحكي عن ظاهر المقنعة والنهاية والمبسوط والوسيلة (٥) ، وصريح التحرير ونهاية الإِحكام والمنتهى والمراسم (٦) ؛ ولعلّه لخبر يونس الآتي حيث جعل الوضع على القميص بعد التحنيط .

مع جواز التأخير عن لبس القميص عند الأول والأخيرين ، وبعد لبسه ولبس العمامة عند المهذب (٧) .

ولعلّه لظاهر الموثّقة وفيها : « ثم القميص ، تشدّ الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتى لا يظهر منه شي‌ء ، واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٣٩ .

(٢) الخلاف ١ : ٧٠٨ ، التذكرة ١ : ٤٤ .

(٣) المدارك ٢ : ٩٦ .

(٤) في كشف اللثام ١ : ١١٩ حكى الاستحباب عن ظاهر المراسم . والموجود في المراسم : ٤٩ هكذا : ثم يأخذ الكافور فيسحقه سحقاً بيده ويضعه على مساجده . وهذه العبارة كما ترى غير ظاهرة في الاستحباب . نعم أتبعها بذكر مستحبات ربّما تصير قرينة على إرادة الاستحباب من العبارة المذكورة ، فتأمل ولاحظ مفتاح الكرامة ١ : ٤٤٧ .

(٥) المقنعة : ٧٨ ، النهاية : ٣٦ ، المبسوط ١ : ١٧٩ ، الوسيلة : ٦٦ .

(٦) التحرير ١ : ١٨ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٦ ، المنتهى ١ : ٤٣٩ ، المراسم : ٤٩ .

(٧) المهذب ١ : ٦١ .

٢٤٠