أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
وللثاني : بقوله في صحيحة زرارة ومحمد : « فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة أثواب ، فما زاد فمبتدع » (١) .
وبالتصريح بالسبع في الرضوي : « ثم يكفّن بثلاث قطع وخمس وسبع . فالثلاث : مئزر وعمامة ولفافة ، والخمس : مئزر وقميص وعمامة ولفافتان » (٢) بحمل السبع على الخمس المذكورة مع لفّافتين ، وإن لم يفسّرها .
ويضعّف الأول : بعدم الدلالة ؛ لما مرّ من احتمال إرادة خرقة العورة أو الثدي من المنطق ، فتكون اللفّافتان هما الواجبان .
والثاني : بأنّ المراد من خمسة أثواب الثلاثة مع الخامسة والعمامة ، ولو منع فالاحتمال قائم والاستدلال معه ساقط .
والثالث : بالإِجمال ، مع أنه لا يعلم أنّ ذكرها على سبيل الحكم أو الحكاية . مضافاً إلى أنه لا يصلح بنفسه للحجية ، وليس المقام مقام المسامحة ، لإِيجابه إتلاف المال والإِضاعة المنهي عنهما في الشريعة .
وأمّا للمرأة ، فقد يزاد الحبرة المذكورة ، ونسب زيادتها أيضاً إلى الشهرة ؛ لما ظهر ضعفه .
خلافاً لمن نفاها في الرجل ، ولبعض من أثبتها فيه ، كما في الشرائع والنافع ، وعن النهاية والوسيلة (٣) ، والإِصباح والتلخيص . وهو الأصح .
والنمط ، زاده في النافع والشرائع (٤) ، والمنتهى والقواعد (٥) ، وعن الكامل والمهذّب والمختلف (٦) . وعن المقنعة : التخيير بينه وبين لفّافة اُخرى (٧) .
__________________
(١) تقدمت في ص ١٧٩ .
(٢) تقدمت في ص ١٨٢ .
(٣) الشرائع ١ : ٤٠ ، النافع : ١٣ ، النهاية : ٣١ ، الوسيلة : ٦٥ .
(٤) راجع الرقم (٣) .
(٥) المنتهى ١ : ٤٣٨ ، القواعد ١ : ١٨ .
(٦) المهذب ١ : ٦٠ ، المختلف : ٤٥ .
(٧) المقنعة : ٨٢ .
وعن جماعة : الاقتصار على ذكر لفافة اُخرى زائدة عن اللفّافة المستحبة للرجل وعدم التعرّض للنمط (١) ؛ ولعلّه لعدم دليل عليه من الأخبار ، وعدم كون المقام مقام المسامحة . وهو في محلّه .
بل وكذا الكلام في اللفّافة أيضاً ؛ لما عرفت من عدم ثبوت الزائدة عن الواجب ـ على ما اخترناه من وجوب اللفّافتين والتخيير بين الثالثة والقميص ـ من الروايات .
وغاية ما يستدلّون لها في المرأة صحيحة محمد ، بحمل المنطق فيها على المئزر . ولا دليل عليه ، واحتمال خرقة الفخذين قائم . فإنّ المنطق كما في كتب اللغة : ما يشدّ في الوسط . ومحلّ شدّ الخرقة والمئزر عندهم واحد . فتعيين أحدهما تحكّم بارد ، والاستشهاد بفهم بعض الفقهاء (٢) القائلين بوجوب المئزر فاسد .
الثالثة : قالوا : كيفية التكفين أن يبدأ بالخامسة ، ويشدّها بعد وضع القطنة ، ثم يؤزره بالمئزر كما يؤزر الحي ـ على القول به ـ ثمَّ يلبسه القميص ، وعلى القول بنفيه يلبسه بعد شدّ الخرقة ، ثم يلفّه بإحدى اللفّافتين ، ثمَّ بالاُخرى التي يستحب كونها حبرة . وهذا هو نقل الأكفان إليه .
ويجوز العكس ، بأن يبسط الحبرة ، ويبسط عليها اللفّافة ، وعليها القميص ، وينقل إليه الميت بعد أن يشدّ بالخامسة ويؤزر بالمئزر على القول به .
وهذا الترتيب هو المشهور ، ويستفاد في غير المئزر من الأخبار .
أمّا تقديم الخرقة فمن حسنة حمران (٣) ، وصحيحة ابن سنان (٤) ، والرضوي : « وقبل أن تلبسه القميص تأخذ شيئاً من القطن ، وتجعل عليه حنوطه ، وتحشو به دبره ، وتضع شيئاً من القطن على قبله ، وتضع شيئاً من الحنوط ،
__________________
(١) كما في الخلاف ١ : ٧٠١ ، والمراسم : ٤٧ ، والمفاتيح ٢ : ١٦٥ ، والرياض ١ : ٦٠ .
(٢) كالشهيد في الذكرى : ٤٧ .
(٣) المتقدمة في ص ١٨٢ .
(٤) المتقدمة في ص ١٨٦ .
وتضمّ رجليه جميعاً ، وتشدّ فخذيه إلى وركيه بالمئزر شدّاً جيداً » (١) وذلك ظاهر في تأخّر القميص عن الخرقة .
نعم ، المذكور في موثّقة الساباطي (٢) أنه يبدأ بالقميص ثم بالخرقة ، والأمر في ذلك هيّن .
وأمّا تقديم القميص وتأخير الحبرة ، فمن رواية يونس (٣) والموثّقة .
وأمّا العمامة ، فصريح الموثّقة شدّها بعد اللفّافة ، وظاهر الحسنة أنه قبله ، بل هو صريح الرضوي : « ثم تعمّمه وتحنكه فيثنى على رأسه بالتدوير ، ويلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ، ثم يمدّ على صدره ، ثم يلفّ باللفّافة » (٤) الخبر .
هذا هو الكلام في الترتيب .
وأمّا الكيفية : ففي تلبّس القميص ولفّ اللفافتين واضحة .
وفي الخرقة قالوا : يربط أحد طرفيها في وسط الميت إمّا بشقّ رأسه أو بجعل خيط ونحوه فيه ، ثم يدخل الخرقة بين فخذيه من جانب ، ويضمّ عورته بها ضماً شديداً ، ويخرجها من الجانب الآخر ، ويدخلها تحت الشداد الذي على وسطه ، ثم يلفّ حقويه وفخذيه بما بقي منها لفّاً شديداً ، فإذا انتهت أدخل طرفها الآخر من الجانب الأيمن تحت الجزء الذي انتهت إليه . وفي خبر يونس دلالة على بعض هذه الأحكام .
وأمّا العمامة فيؤخذ وسطها ، ويثنى على رأسه بالتدوير ، ويلفّ عليه محنكاً ، ويخرج طرفاها من تحت الحنك ، ويلقيان على صدره فضل الشق الأيمن على
__________________
(١) فقه الرضا : ١٦٨ بتفاوت ، المستدرك ٢ : ٢١٧ أبواب الكفن ب ١٢ ح ١ .
(٢) المتقدمة في ص ١٨٦ .
(٣) الكافي ٣ : ١٤٣ الجنائز ب ١٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ / ٨٨٨ ، الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣ .
(٤) تقدم مصدره في هامش (١) .
الأيسر والأيسر على الأيمن .
يدلّ على تلك الكيفية : الرضوي السابق ، وعلى أكثرها خبر يونس أيضاً ، والمروي في الدعائم : « خذ العمامة من وسطها ، ثم انشرها على رأسه ، وردّها من تحت لحيته ، وعمّمه ، وأرخ ذنبيها مع صدره » (١) .
وعلى التحنيك : مرسلة ابن أبي عمير (٢) ، والإِجماع المحكي (٣) .
وقد ورد بالكيفية أخبار اُخر ، وما ذكرناه أشهر ، وحمل تلك الأخبار عليه ممكن ولو مع التكلّف .
الرابعة : للتكفين سوى ما مرّ واجبات ومستحبات اُخر ومكروهات :
أمّا الواجبات فمنها : أن لا يكون حريراً بالإِجماع ، كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإِحكام والذكرى وفي المدارك (٤) .
لمضمرة ابن راشد : عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن ، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى ؟ فقال : « إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس » (٥) .
والمروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وﺁله نهى أن يكفّن الرجال في ثياب الحرير » (٦) .
ويدلّ عليه الاستصحاب في الرجال أيضاً .
__________________
(١) دعائم الاسلام ١ : ٢٣١ ، وفيه : « ذيلها » بدل « ذنبيها » .
(٢) الكافي ٣ : ١٤٥ الجنائز ب ١٩ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٥ ، الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٢ .
(٣) كما حكاه في التذكرة ١ : ٤٣ .
(٤) المعتبر ١ : ٢٨٠ ، التذكرة ١ : ٤٣ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٢ ، الذكرى : ٤٦ ، المدارك ٢ : ٩٥ .
(٥) الكافي ٣ : ١٤٩ ، الجنائز ب ٢٢ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٤٣٥ / ١٣٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢١١ / ٧٤٤ الوسائل ٣ : ٤٥ أبواب التكفين ب ٢٣ ح ١ . العَصْب كفَلْس : بُرد يصبغ غزله ثم ينسج ، وقال السهيلي : العصب صبغ لا ينبت إلّا باليمن ( المصباح المنير : ٤١٣ ) .
(٦) الدعائم ١ : ٢٣٢ ، المستدرك ٢ : ٢٢٥ أبواب الكفن ب ١٨ ح ٢ .
والاستدلال بالرضوي : « لا يكفّنه في كتان ولا ثوب إبريسم » (١) وبما دلّ على مرجوحية التكفين بثوب الكعبة مع تجويز بيعه وهبته (٢) . غير جيّد ؛ لعدم دلالتهما على الحرمة بل غايتهما المرجوحية ، سيما مع ضمّ الكتان في الأول ، مضافاً إلى عدم نصّية الثاني في أنه لكونه حريراً ، فيمكن أن يكون لسواده أو غيره .
ولا ينافيه خبر السكوني : « نعم الكفن الحلّة » (٣) إذا لا يعتبر فيها أن يكون من الإِبريسم .
ومقتضى صريح المضمرة اختصاص الجواز بما إذا كان الخليط أكثر ، كما نقل عن جماعة (٤) ، فلا يجوز بالممتزج الذي لم يكن كذلك . وعن النهاية والاقتصاد (٥) : المنع عن الممتزج مطلقاً .
وكذا مقتضى إطلاقها تعميم المنع للمرأة أيضاً ، وعن الذكرى الإِجماع عليه (٦) . فاحتمال الجواز في المرأة ـ كما في المنتهى وعن نهاية الإِحكام (٧) ـ ضعيف ، والاستصحاب بما مرّ مندفع .
نعم ، يحتمل الجواز لها في الخرقة والخمار ، بناءً على ما صرّح به في بعض الأخبار من عدم كونهما من الكفن (٨) ، واختصاص النهي بالتكفين . ومنه يظهر تعدّي الجواز إلى العمامة والخرقة للرجال أيضاً ، إلّا أنّ بإزاء ما ذكر روايات اُخر
__________________
(١) فقه الرضا : ١٦٩ .
(٢) انظر الوسائل ٣ : ٤٤ أبواب التكفين ب ٢٢ .
(٣) التهذيب ١ : ٤٣٧ / ١٤٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢١١ / ٧٤٣ ، الوسائل ٣ : ٤٥ أبواب التكفين ب ٢٣ ح ٢ الحُلّة : إزار ورداء بُرد أو غيره ولا يكون إلّا من ثوبين أو ثوب له بطانة ( القاموس ٣ : ٣٧٠ ) .
(٤) قد يستفاد من المعتبر ١ : ٣٧١ ، والمدارك ٢ : ٩٦ .
(٥) النهاية : ٣١ ، الاقتصاد : ٢٤٨ .
(٦) الذكرى : ٤٦ .
(٧) المنتهى ١ : ٤٣٨ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٢ .
(٨) الذي وجدنا التصريح به في بعض الأخبار أن العمامة والخرقة ليستا من الكفن ، ولم نعثر على رواية تصرح بأن الخمار ليس من الكفن فانظر الوسائل ٣ : ٦ أبواب التكفين ب ٢ .
دالّة على أنهما من الكفن ، والظاهر الجمع بحمل النفي على الواجب ، والإِثبات على المندوب ، ويلزمه التحريم في الرجل والمرأة ، فتأمّل .
وهل يشترط في الكفن أن يكون ممّا تجوز فيه الصلاة ، كما في النافع والقواعد واللوامع ، وعن الوسيلة والكافي والغنية (١) ؟
لا دليل على الكلية من الأخبار والأصل ، وصدق نحو القميص والعمامة والإِزار يدفعها . ولذا اقتصر جماعة كما في الشرائع والمنتهى ، وعن المبسوط والنهاية والاقتصاد (٢) والجامع والمعتبر والتحرير ونهاية الإِحكام (٣) ، والتذكرة (٤) ، على المنع من الحرير .
وربما يستظهر (٥) للكلية باختصاص أخبار التكفين بحكم التبادر بالقطن ، مضافاً إلى الأمر به المستلزم للوجوب في موثّقة عمار : « الكفن يكون برداً ، فإن لم يكن برد فاجعله كلّه قطناً ، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابرياً » (٦) .
ويلحق به ما اُجمع على جوازه ـ إن كان ـ ويبقى جواز الباقي ومنه ما لا تتمّ فيه الصلاة خالياً عن الدليل ، وهو كافٍ في المنع ، لوجوب تحصيل البراءة اليقينية في مثل المقام .
ولا يخفى أنه لو تمّ ذلك لانحصر الجواز في القطن ، ولثبت المنع عن الجلد
__________________
(١) النافع : ١٢ ، القواعد ١ : ١٨ ، الوسيلة : ٦٦ ، الكافي : ٢٣٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ .
(٢) الشرائع ١ : ٣٩ ، المنتهى ١ : ٤٣٨ ، المبسوط ١ : ١٧٦ ، النهاية : ٣١ ، الاقتصاد : ٢٤٨ .
(٣) الجامع : ٥٣ ، المعتبر ١ : ٢٨٠ ، التحرير ١ : ١٨ ، نهاية الإِحكام ٢٤٢ ، ولا يخفى أنه ولو اقتصر في أوّل كلامه على المنع عن الحرير إلّا أنه قال بعد سطور : ويشترط أن يكون مما يجوز فيه الصلاة . . .
(٤) التذكرة ١ : ٤٣ .
(٥) انظر الرياض ١ : ٥٨ .
(٦) الكافي ٣ : ١٤٩ الجنائز ب ٢٢ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٢٦٩ / ٨٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤٠ ، الوسائل ٣ : ٣٠ أبواب التكفين ب ١٣ ح ١ . السابري : نوع رقيق من الثياب . قيل نسبة إلى كور سابور كورة من فارس ومدينتها شهرستان ( المصباح المنير : ٢٦٣ ) .
ولو عمّا يؤكل بعد التذكية ، كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى (١) ـ وإن استشكل في بعضها (٢) في المذكى ممّا يؤكل ـ وعن الصوف والشعر والوبر ، كما عن الإِسكافي (٣) ، وعن الكتان ، كما عن الصدوق (٤) .
ولكن يخدشه أنّ الظاهر انعقاد الإِجماع في الكتان والصوف ؛ لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه . مضافاً في الأخير إلى الرضوي المنجبر : « ولا بأس في ثوب صوف » (٥) . ومعه يسقط الاستدلال بالموثّقة ؛ إذ بعد ثبوت الجواز في غير القطن يخرج الأمر به عن الوجوب ، فلا يصير دليلاً . والحمل على الوجوب التخييري ليس أولى من الاستحباب ؛ لكونهما مجازين .
وأنّه لا ينبغي الريب في صدق الثوب والقميص والإِزار واللفّافة والعمامة على المنسوج من الصوف والشعر والوبر ، وإطلاقها عليه شائع ، كما في الكساء وقباء الصوف وعمامة الخز وغيرها . فتكون إطلاقاتها أدلّةً لهذه الاُمور ولو كانت ممّا لا يؤكل ولا تجوز الصلاة فيه ، ومعه لا ينتهض وجوب تحصيل اليقين بالبراءة دليلاً .
نعم ، هو يحسن فيما لا يشمله الإِطلاق أو يشك في الشمول ، كالجلد والحصر ونحوهما ، حيث إنه لا يعلم دخوله في المأمور به ، فلا يعلم الامتثال .
ومنها : أن لا يكون مغصوباً ، للإِجماع ، وللنهي عن التصرف في مال الغير بدون إذنه .
وأن لا يكون نجساً ؛ لظاهر الإِجماع . وفي الاستدلال له (٦) بوجوب إزالة
__________________
(١) المعتبر ١ : ٤٣٧ ، التذكرة ١ : ٤٣ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٣ ، الذكرى : ٤٦ .
(٢) وهو نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٣ .
(٣) نقله في المعتبر ١ : ٢٨٠ عن الإِسكافي بالنسبة إلى الوبر .
(٤) الفقيه ١ : ٨٩ .
(٥) فقه الرضا : ١٦٩ .
(٦) كما استدل في الذكرى : ٤٦ .
النجاسة العارضة من الميت عن الكفن نظر ؛ لجواز الفرق .
ثم لو خولف أحد الثلاثة ، وكفّن في النجس أو المغصوب أو الحرير ، فهل حصل التكفين وسقط الوجوب الكفائي وإن أثم المباشر ، أو لم يحصل ووجب على المكلّفين التكفين كفاية ثانية ؟
مقتضى الاُصول الثاني ؛ لأنّ النهي يستلزم عدم كون الفرد المنهي عنه مأموراً به ، فلم يمتثل الأمر الواجب امتثاله كفاية ، فيبقى الوجوب الكفائي على حاله . والأصل عدم تقييد الأوامر بحالة عدم كونه مستوراً بهذا النحو من الستر .
ومنه يظهر عدم ترتّب سائر آثار التكفين عليه ، كتأخّر الصلاة والدفن ؛ لظهور أن المراد الكفن المشروع المأمور به .
وهل تجب في التكفين النية ، كما هو ظاهر المحكي عن الروض (١) ؟
الظاهر نعم ؛ لوجوب امتثال أوامر التكفين المتوقّف على النية عرفاً ، فلو كفّن بدونها لم يمتثل ، ويلزمه وجوب التكفين ثانياً مع النية ، لعدم دليل على سقوط التكليف الكفائي بدون حصول الامتثال .
وجعل المطلوب مجرّد الستر على النحو الخاص ، كما في إزالة الخبث والأمر بالمعروف والشهادة ونحوها فاسد ؛ لأن في هذه الاُمور وإن لم يمتثل الأمر ، إلّا أنه لمّا تحقّقت الفائدة المطلوبة في الخارج لم يبق أمر حتى يجب امتثاله ، لامتناع تحصيل الحاصل ، والمطلوب في المقام غير معلوم ، وكونه هو الستر الخاص فقط ممنوع . لِمَ لا يجوز أن يكون المقصود نفس التعبّد أو هما معاً ؟ ولذا لا يسقط التكليف بحصول ذلك الستر من غير المكلّف ، كريح أو سيل أو نحوه .
وأمّا مستحباته : فأن يكون الكفن من طهور أموال كلّ شخص ؛ لمرسلة الفقيه ؛ « إنّا أهل بيت حجّ صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا » (٢) .
__________________
(١) الروض : ١٠٤ .
(٢) الفقيه ١ : ١٢٠ / ٥٧٧ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب التكفين ب ٣٤ ح ١ .
وأن يكون قطناً بالإِجماع ، كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإِحكام (١) ، وفي اللوامع ؛ له ، ولموثّقة عمّار ، المتقدّمة (٢) ، ولخبر أبي خديجة : « الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به ، والقطن لاُمة محمد صلّى الله عليه وﺁله » (٣) .
محضاً ، كما في المنتهى (٤) ، وعن المبسوط والوسيلة (٥) ، والإِصباح ، بل عليه الإِجماع عن نهاية الإِحكام (٦) ، لأنه المتبادر من كونه قطناً .
وأبيض ، بلا خلاف ، كما في المنتهى (٧) ، وعن الخلاف (٨) . بل إجماعاً كما عن نهاية الإِحكام والمعتبر (٩) ، لخبري جابر : « ليس من لباسكم شيء أحسن من البياض ، فالبسوه وكفّنوا به موتاكم » (١٠) .
وموثّقة ابن القداح : « البسوا البياض ، فإنه أطيب وأطهر ، وكفّنوا فيه موتاكم » (١١) .
والمروي في العلل : إنّ عليّاً عليه السلام كان لا يلبس إلّا البياض أكثر ما يلبس ويقول : « فيه تكفين الموتى » (١٢) .
__________________
(١) المعتبر ١ : ٢٨٤ ، التذكرة ١ : ٤٣ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٢ .
(٢) في ص ٢٠٦ .
(٣) الكافي ٣ : ١٤٩ الجنائز ب ٢٢ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٢ الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٢ أبواب التكفين ب ٢٠ ح ١ .
(٤) المنتهى ١ : ٤٣٨ .
(٥) المبسوط ١ : ١٧٦ ، الوسيلة : ٦٦ .
(٦) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٢ .
(٧) المنتهى ١ : ٤٤١ .
(٨) الخلاف ١ : ٧٠٢ .
(٩) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٢ ، المعتبر ١ : ٢٨٤ .
(١٠) الكافي ٣ : ١٤٨ الجنائز ب ٢٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٠ ، الوسائل ٣ : ٤١ أبواب التكفين ب ١٩ ح ٢ .
(١١) الكافي ٦ : ٤٤٥ الزي والتجمّل ب ٤ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤١ أبواب التكفين ب ١٩ ح ١ .
(١٢) لم نعثر عليه في العلل ، وهو مروي في قرب الإِسناد : ١٥٢ / ٥٥٢ .
وفي مجالس ابن الشيخ : « خير ثيابكم البياض ، فليلبسه أحياؤكم وكفّنوا فيه موتاكم » (١) .
ويستثنى منه الحبرة ، فالمستحب فيها الحمرة ؛ للمعتبرة (٢) .
وجديداً ، بلا خلاف ، كما في المنتهى ، وشرح القواعد الكركي (٣) ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وﺁله والأئمة عليهم السلام كذا كفّنوا . إلّا في ثوب كان يصلي فيه ، كما في المنتهى (٤) ؛ للنصوص .
وجيّداً . وفي المنتهى : يستحب اتّخاذ الكفن عن أفخر الثياب وأحسنها (٥) ؛ لمرسلة ابن أبي عمير : « أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم » (٦) ونحوها المروي عن مدينة العلم (٧) ، والعلل ، وفلاح السائل ، ودعوات الراوندي (٨) .
ورواية أبي خديجة : « تنوّقوا في الأكفان ، فإنكم تبعثون بها » (٩) والتنوق : التجود والمبالغة فيه .
وصحيحة يونس ، المتقدّمة (١٠) وغيرها .
وأن يكون من جملة أكفانه ثوب صلّى فيه ؛ لمرسلة ابن المغيرة : « يستحب أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف ، فإنّ ذلك يستحب أن يكفّن فيما كان
__________________
(١) مجالس الشيخ الطوسي : ٣٩٨ ، الوسائل ٥ : ٢٧ أبواب أحكام الملابس ب ١٤ ح ٥ .
(٢) انظر الوسائل ٣ : ٦ أبواب التكفين ب ٢ .
(٣) المنتهى ١ : ٤٤١ ، جامع المقاصد ١ : ٣٩٧ .
(٤) المنتهى ١ : ٤٤٢ .
(٥) المنتهى ١ : ٤٤١ .
(٦) الكافي ٣ : ١٤٨ الجنائز ب ٢٢ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٣٩ أبواب التكفين ب ١٨ ح ٣ .
(٧) نقلها في فلاح السائل : ٦٩ عن مدينة العلم للصدوق .
(٨) العلل : ٣٠١ ، فلاح السائل : ٦٩ ، الدعوات : ٢٥٤ .
(٩) الكافي ٣ : ١٤٩ الجنائز ب ٢٢ ح ٦ ، الوسائل ٣ : ٣٩ أبواب التكفين ب ١٨ ح ٤ .
(١٠) في ص ١٨٧ .
يصلّي فيه » (١) .
ومرسلة الفقيه : « إذا أردت أن تكفّنه فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف فافعل » (٢) .
وتدلّ عليه أيضاً رواية سهل ، المتقدّمة (٣) .
وأن يخاط بخيوطه لا من غيره ، كما في القواعد والشرائع والمنتهى (٤) ، وعن المبسوط والجامع (٥) ، والإِصباح ؛ لفتوى هؤلاء .
وأن يطيّب بالذريرة ينثرها عليه ، إجماعاً من أهل العلم كافة ، كما عن المعتبر (٦) ؛ للمعتبرة (٧) .
قيل : والظاهر أنّ المراد بها طيب خاص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد وما والاها (٨) . وعن التبيان : أنها فتات قصب الطيب ، وهي قصب يجاء به من الهند وكأنه قصب النشاب (٩) . وفي المبسوط : يعرف بالقمحة (١٠) . والظاهر أنه وجد الآن طيب معروف بهذا الاسم ، فهو المستحب .
وأن يكتب فيه اسمه وشهادة التوحيد بهذه الصورة : فلان أو فلان بن فلان ـ كما عن الديلمي (١١) ـ يشهد أن لا إله إلّا الله ؛ لخبر أبي كهمس : « إن الصادق
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٤٨ الجنائز ب ٢٢ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ١٥ أبواب التكفين ب ٤ ح ٢ .
(٢) الفقيه ١ : ٨٩ / ٤١٣ الوسائل ٣ : ١٥ أبواب التكفين ب ٤ ح ١ .
(٣) في ص ١٨٢ .
(٤) القواعد ١ : ١٩ ، الشرائع ١ : ٤٠ ، المنتهى ١ : ٤٤٢ .
(٥) المبسوط ١ : ١٧٧ ، الجامع : ٥٤ .
(٦) المعتبر ١ : ٢٨٥ .
(٧) انظر الوسائل ٣ : ٣٥ أبواب التكفين ب ١٥ .
(٨) قاله في الرياض ١ : ٥٩ .
(٩) التبيان ١ : ٤٤٨ .
(١٠) المبسوط ١ : ١٧٧ .
(١١) المراسم : ٤٨ .
عليه السلام كتب في حاشية كفن إسماعيل : أنه يشهد أن لا إله إلّا الله » (١) .
بل يزاد : وحده لا شريك له أيضاً ، كما عن المبسوط ، والنهاية ، والمهذب (٢) .
بل الشهادة على الرسالة والإِمامة لكلّ واحد واحد بأسمائهم الشريفة ، كما عن كتب الشيخ (٣) ، والمهذب والوسيلة والغنية ، والإِرشاد والجامع (٤) ، وفي المنتهى والشرائع والقواعد (٥) . مع احتمال إرادة ذكر أسمائهم الشريفة بعد الشهادتين حسب ، في الأربعة الأخيرة .
لفتوى هؤلاء الأجلة ، مع دعوى الإِجماع ـ كما عن الخلاف (٦) ـ عليه ، وهما كافيان في المقام بعد انفتاح باب الجواز بالإِجماع والخبر السابق مع أصالته .
مضافاً إلى المروي في مصباح الأنوار : « أنّ كثير بن عباس كتب في أطراف كفن سيدة النساء عليها السلام : تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً صلّى الله عليه وﺁله رسول الله » (٧) .
فلا يتعيّن الاقتصار على شهادة التوحيد ، كما اقتصر في الهداية وعن الفقيه والمراسم والمقنعة (٨) ، وغيرها .
على حاشية الكفن ، كما في الخبر المذكور ، وصرّح جماعة (٩) بالكتابة على
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢ و ٣٠٩ / ٨٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥١ ، ٥٢ أبواب التكفين ب ٢٩ ح ١ ، ٢ .
(٢) المبسوط ١ : ١٧٧ ، النهاية : ٣٢ ، المهذب ١ : ٦٠ .
(٣) كالنهاية . ٣٢ ، والمبسوط ١ : ١٧٧ ، والاقتصاد : ٢٤٨ .
(٤) المهذب ١ : ٦٠ ، الوسيلة : ٦٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ، الارشاد ١ : ٢٣١ ، الجامع : ٥٤ .
(٥) المنتهى ١ : ٤٤١ ، الشرائع ١ : ٤٠ ، القواعد ١ : ١٩ .
(٦) الخلاف ١ : ٧٠٦ .
(٧) رواه في بحار الأنوار ٧٨ : ٣٣٥ عن مصباح الأنوار .
(٨) الهداية : ٢٣ ، الفقيه ١ : ٨٧ ، المراسم : ٤٨ ، المقنعة : ٧٨ .
(٩) كالنهاية : ٣٢ ، والمعتبر ١ : ٢٨٥ ، والرياض ١ : ٥٩ .
اللفّافتين والقميص ؛ ولعلّه لتأدية جميع احتمالات الرواية . ولكن صرّح في المروي في الاحتجاج ، وكتاب الغيبة للشيخ بأنه كتب على إزار إسماعيل (١) ، والمراد به اللفّافة كما مرّ ، فالاقتصار عليه في الحكم بالاستحباب بخصوصه أولى وإن جاز في غيره أيضاً .
وأن يزاد في المكتوب الجوشن الكبير ؛ للمروي في جُنّة الأمان للكفعمي عن السجاد عليه السلام : « إنّ الحسين عليه السلام قال : أوصاني أبي عليه السلام بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه وأن أكتبه في كفنه » (٢) .
وقد يزاد الجوشن الصغير أيضاً ، استناداً إلى ما رواه السيد ابن طاووس في المهج : « إنه من كتبه على كفنه استحيى الله أن يعذبه » (٣) ثم ذكر ما في جنة الأمان عن السجّاد ، ولكني ما رأيت شيئاً من ذلك في شرح الجوشن الصغير في نسخة المهج التي كانت عندي ، وكانت مصحّحة جدّاً .
ومع ذلك قال شيخنا المجلسي في البحار بعد ذكر ذلك من المهج : ظهر لي من بعض القرائن أنّ هذا ليس من السيد ، وليس هذا إلّا شرح الجوشن الكبير . وكأنّ كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جدّه السعيد تقي الدين الحسن بن داود لمناسبة لفظ الجوشن واشتراكهما في اللقب في حاشية الكتاب ، فأدخله النسّاخ في المتن (٤) . انتهى .
ولا مناسبة كثيرة لهذا الدعاء مع المقام أيضاً ، فعدم استحبابه بخصوصه أظهر .
وربما يزاد القرآن بتمامه أو بعض آياته ؛ للمروي في العيون عن الصيرفي ،
__________________
(١) الاحتجاج : ٤٨٩ ، ولم نعثر عليه في الغيبة للشيخ ، نعم هو مروي في الغيبة للصدوق المعروف بـ ( إكمال الدين ) : ٧١ .
(٢) جنة الأمان ( المصباح ) : ٢٣٨ والرواية مروية في هامش الكتاب .
(٣) مهج الدعوات : ٢٣٠ .
(٤) هذه العبارة صورة مفصلة لما عثرنا عليه في بحار الأنوار ٩١ : ٣٢٧ .
قال : توفّي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي سندي بن شاهك ، فحمل على نعشه ونودي عليه : هذا إمام الرافضة ، فسمع سليمان بن أبي جعفر الصياح ونزل من قصره ، وحضر جنازته وغسّله وحنّطه بحنوط فاخر ، وكفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمس مائة دينار عليها القرآن كلّها (١) .
وفيه : أنه ليس من فعل المعصوم ولا تقرير منه فيه . وحضور الرضا عليه السلام ـ كما ورد ـ لا يفيد تقريره ؛ لعدم إظهاره نفسه المقدّسة ، وعدم التمكّن من المخالفة لو ظهر .
نعم ، عن كتاب الغيبة للشيخ عن أبي الحسن القمي : إنه دخل على محمد ابن عثمان العمري ـ رضي الله عنه ـ أحد النوّاب الأربعة ، فوجده وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليه آيات من القرآن وأسماء الأئمة على حواشيها ، فقلت : يا سيدي ما هذه الساجة ؟ فقال : لقبري تكون فيه واُوضع عليها ، أو قال : اُسند إليها (٢) . الحديث .
وفي دلالته أيضاً نظر ؛ إذ لا يدلّ جواز كتابة القرآن على حواشي الساجة التي ليست معرضاً لوصول نجاسة الميت ، على جوازها على الكفن الذي هو معرض له ، سيما في مقابل العورتين والرجلين وتحت الجسد .
وأمّا التيمّن والتبرك والاستشفاع ، فمع عدم انحصارها بالكتابة في الكفن لا يثبت استحباب الخصوص ، كما هو محط الكلام في المقام ، مع أنها معارضة بإساءة الأدب والتخفيف .
وجواز الشهادتين وأسامي الأئمة لا يثبت جواز الغير ، لقلّتها ، فيسعها مكان يبعد عن سوء الأدب ولا يعلم وصول النجاسة إليه ، مع اختلاف كثير من أحكامها مع القرآن ، كما في مسّ المحدث وقراءة الجنب والحمل والتعليق وغيرها .
__________________
(١) عيون أخبار الرضا ١ : ٨١ .
(٢) الغيبة : ٢٢٢ .
والأفضل أن يكتب ما يكتب بالتربة الحسينية ، كما ذكره الشيخان (١) والفاضلان (٢) ، بل الأصحاب كما ذكره بعض الأجلّة (٣) ، وسائر متأخّريهم كما ذكره بعض آخر (٤) ؛ له ، وللتبرك ، والجمع بين المندوبين من الكتابة وجعل التربة مع الميت المستفاد من المروي في الاحتجاج في التوقيع الرفيع الخارج في جواب مسائل الحميري : أنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب : « يوضع مع الميت ويخلط بحنوطه إن شاء الله » وسأل فقال : روي لنا عن الصادق عليه السلام : أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه : إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله . فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر ؟ فأجاب : « يجوز » (٥) .
ومع عدمها يكتب بمطلق الطين والماء ، كما عن الإِسكافي ، وعزيّة المفيد (٦) ، وكتب الشهيد (٧) ، بل نسبه في اللوامع إلى الجماعة .
والظاهر اشتراط التأثير في الكتابة ، كما عن السرائر والمختلف (٨) ، والمنتهى (٩) ، والذكرى (١٠) ، ورسالة المفيد (١١) ، بل عليه يحمل إطلاق الأكثر ؛ لأنه المعهود بل المتبادر منها . فإن لم يتيسّر فبالماء المطلق .
وأمّا تجويز الكتابة بالإِصبع من غير تأثير مطلقاً ، كما عن الاقتصاد والمصباح
__________________
(١) المقنعة : ٧٨ ، النهاية : ٣٢ .
(٢) الشرائع ١ : ٤٠ ، التحرير ١ : ١٨ .
(٣) كشف اللثام ١ : ١٢٠ .
(٤) الرياض ١ : ٥٩ .
(٥) الاحتجاج : ٤٨٩ .
(٦) نقل عنه وعن الإِسكافي في كشف اللثام ١ : ١٢٠ .
(٧) كالذكرى : ٤٩ ، والدروس ١ : ١١٠ ، والبيان : ٧٢ .
(٨) السرائر ١ : ١٦٢ ، المختلف : ٤٦ .
(٩) نقل عنه في كشف اللثام ١ : ١٢٠ ، وهو ساقط من المنتهى المطبوع ج ١ : ٤٤١ فراجع .
(١٠) الذكرى : ٤٩ .
(١١) نقل عنهما في كشف اللثام ١ : ١٢٠ ، والسرائر ١ : ١٦٢ .
ومختصره والمراسم (١) ، أو مع فقد التربة ، كما عن المشهور ، أو مع فقد الطين والماء مطلقاً ، كما عن الإِسكافي والعزيّة (٢) فلا دليل عليه ، إلّا أن يستند فيه إلى دعوى الشهرة (٣) وفتوى الأجلّة ، ولا بأس به .
وأن يغسل الغاسل قبل التكفين يديه إلى المرفقين ؛ للرضوي : « فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك » (٤) .
والأفضل إلى المنكبين ؛ لصحيحة محمد : « يغسل ، ثم يغسله يديه من العاتق ، ثم يلبسه أكفانه ، ثم يغتسل » (٥) .
ثلاثاً ؛ لصحيحة ابن يقطين : « ثم يغسل الذي غسّله يده قبل أن يكفّنه إلى المنكبين ثلاث مرات ، ثم إذا كفّنه اغتسل » (٦) .
والرجلين ؛ لخبر عمار : « ثم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين » (٧) .
والمستفاد من أكثر تلك الأخبار وفاقاً لبعض الأصحاب (٨) : أولوية تأخير غسل المسّ عن التكفين ؛ ويدلّ عليه أيضاً المروي في الخصال : « من غسّل منكم ميتاً فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه » (٩) .
__________________
(١) الاقتصاد : ٢٤٨ ، مصباح المتهجد : ١٨ ، المراسم : ٤٨ .
(٢) نقل عنهما في كشف اللثام ١ : ١٢٠ ، والمختلف : ٤٦ .
(٣) كما ادعاها في المختلف ٤٦ ، وكشف اللثام ١ : ١٢٠ .
(٤) فقه الرضا : ١٦٧ ، المستدرك ٢ : ١٦٧ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٣ .
(٥) الكافي ٣ : ١٦٠ الجنائز ب ٣١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٣ : ٥٦ أبواب التكفين ب ٣٥ ح ١ .
(٦) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ ، الوسائل ٢ : ٤٨٣ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٧ .
(٧) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٢ : ٤٨٤ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ١٠ .
(٨) كما اختاره في المدارك : ٢ : ٩٩ .
(٩) الخصال : ٦١٨ حديث أربعمائة ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب غسل المس ب ١ ح ١٣ .
فما ذكره جماعة من الأصحاب كما عن الوسيلة والفقيه والنهاية والمبسوط والسرائر والجامع والمعتبر والشرائع والنافع (١) ، وفي اللوامع والمنتهى والقواعد والتذكرة (٢) ، وغيرها (٣) ، من استحباب تقديم الغسل كما عن الأول ، أو مع الوضوء كما عن الثاني ، أو الوضوء مطلقاً أو مع تعسّر الغسل كالبواقي ، فإن أرادوا به غسل المسّ ـ كما صرّح به بعضهم (٤) ـ فليس عليه دليل ، وما علّلوه به عليل .
ومع ذلك يردّه ما ذكر ، وما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز . ولذلك لا ينتهض فتاوى هؤلاء أيضاً لإِثباته لنا .
وإن أرادوا الغسل للتكفين ـ كما عن الذكرى والنزهة (٥) ، بل عن الأخير أنّ به روايةً (٦) ـ فلا بأس أن يقول به ويحكم باستحبابه ؛ لما اُشير إليه من الرواية ، وإن كانت ضعيفةً مرسلة ومتنها غير معلوم ، لما يتحمل المقام من المسامحة .
مع أنّ إرادته من الصحيحة : « الغسل في سبعة عشر موطناً » إلى أن قال : « وإذا غسّلت ميتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد » (٧) ممكنة ، كما قال بعضهم لأجل تلك الرواية ، سيما بملاحظة عدم كونه غسل المسّ ، لذكره ، وعدم ظهور قول بالغسل بعد التكفين ، كما هو مقتضى الحقيقة .
وأما مكروهاته : فأن يكفّن في السواد بالإِجماع ، كما عن المعتبر والتذكرة
__________________
(١) الوسيلة : ٦٥ ، الفقيه ١ : ٩١ ، النهاية : ٣٥ ، المبسوط ١ : ١٧٩ ، السرائر ١ : ١٦٤ ، الجامع : ٥٢ ، المعتبر ١ : ٢٨٤ ، الشرائع ١ : ٣٩ ، النافع : ١٣ .
(٢) المنتهى ١ : ٤٣٨ ، القواعد ١ : ١٨ ، التذكرة ١ : ٤٤ .
(٣) كالدروس ١ : ١١٠ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٨٩ ، والروض : ١٠٥ .
(٤) كالمنتهى والروض .
(٥) الذكرى : ٢٤ ، نزهة الناظر : ١٦ .
(٦) قال في النزهة : وقد روي « أنه إذا أراد تغسيل الميت يستحب له أن يغتسل قبل تغسيله وكذلك إذا أراد تكفينه » .
(٧) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ٣ : ٣٠٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١ .
ونهاية الإِحكام (١) ، وعن المنتهى : بلا خلاف (٢) ، لخبري ابن المختار ، أحدهما : « لا يكفّن الميت في السواد » (٣) والآخر : « لا يحرم الرجل في الثوب الأسود ولا يكفّن به » (٤) .
نعم ، في المروي في الدعائم : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وﺁله كفّن حمزة في نَمِرة سوداء » (٥) وهي كساء من الصوف يلبسها الأعراب . كذا في الصحاح (٦) .
ولكن الفتوى على مقتضى الخبرين ؛ للأحدثية والأشهرية ، بل عدم دلالة الأخير إلّا على الجواز ، وهو مسلّم ، مع احتمال أن يكون مقام الضرورة ، كما يدلّ عليه ما نقل من قصور كفنه عن ستر جميع بدنه ، فجعل النبي على رجليه الحشيش (٧) .
بل في كلّ صبغ ، كما عن الذكرى (٨) ، بل عن المهذّب والإِصباح (٩) : الحرمة . لفتوى هؤلاء الأجلّة ، والتأسّي بصاحب الشريعة ، واستحبابِ البياض المستلزم لها على قول لا يخلو عن القوة .
وأمّا الحرمة فخالية عن الحجة سوى الأمر بالبياض في الموثّقة (١٠) . وهو على
__________________
(١) المعتبر ١ : ٢٨٩ ، التذكرة ١ : ٤٣ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٤٣ .
(٢) المنتهى ١ : ٤٣٨ .
(٣) الكافي ٣ : ١٤٩ الجنائز ب ٢٢ ح ١١ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٤ ، الوسائل ٣ : ٤٣ أبواب التكفين ب ٢١ ح ١ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٤١ الحج ب ٨٣ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٥ / ١٣٩٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣ أبواب التكفين ب ٢١ ح ٢ .
(٥) دعائم الاسلام ١ : ٢٣٢ المستدرك ٢ : ٢٢٥ أحكام الكفن ب ١٨ ح ٢ .
(٦) الصحاح ٢ : ٨٣٨ وفيه : بُردة من الصوف تلبسها الأعراب .
(٧) الكافي ٣ : ٢١١ الجنائز ب ٧٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٠٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٨ .
(٨) الذكرى : ٤٨ .
(٩) المهذب ١ : ٦٠ ، ونقله في كشف اللثام ١ : ١١٥ عن الإِصباح .
(١٠) موثقة ابن القداح المتقدمة في ص ٢٠٩ .
الندب محمول ؛ لرواية الدعائم (١) ، المنجبرة ، مع وهن إرادة الوجوب منه ، لعطفه على الأمر باللبس الذي هو غير واجب قولاً واحداً .
وفي الممتزج بالحرير ؛ لفتوى الأجلّة (٢) ، واستحباب محضية القطنة .
وعن النهاية والاقتصاد والمهذب (٣) : المنع . وهو كذلك مع عدم كون الخليط أكثر ـ كما مرّ ـ لا مطلقاً ؛ للمضمر (٤) .
وفي الكتان ، وفاقاً للأكثر ؛ لمرسلة يعقوب بن يزيد : « لا يكفّن الميت في كتان » (٥) .
وهي عن الدلالة على الحرمة خالية ، فالقول بها ـ كما عن ظاهر الصدوق (٦) ، سيما مع دعوى الإِجماع كما عن الغنية (٧) على الجواز ـ ضعيف .
وعدم انصراف إطلاقات التكفين إليه غير مضرّ ، بل المضرّ انصرافها إلى غيره ، وهو ممنوع .
والرضوي المتقدّم : « لا يكفّنه في كتان ولا ثوب إبريسم » (٨) ليس نصّاً في التحريم ؛ لجواز كون الجملة خبريةً .
وتعلّقه بالإِبريسم المحرّم قطعاً لا يفيد ؛ لإِمكان إرادة مطلق المرجوحية دون الكراهة حتى يلزم استعمال اللفظ في المجاز والحقيقة .
وأن يبلّ الخيوط التي يخاط به الكفن بالريق ، بلا خلاف ، كما يعطيه
__________________
(١) المتقدمة في ص ٢١٨ .
(٢) كما أفتى به في المبسوط ١ : ١٧٦ ، والوسيلة : ٦٧ ، والتحرير ١ : ١٨ .
(٣) النهاية : ٣١ ، الاقتصاد : ٢٤٨ ، المهذب ١ : ٥٩ .
(٤) يعني به مضمرة ابن راشد المتقدمة في ص ٢٠٤ .
(٥) التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢١١ / ٧٤٥ ، الوسائل ٣ : ٤٢ أبواب التكفين ب ٢٠ ح ٢ .
(٦) الفقيه ١ : ٨٩ .
(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ .
(٨) تقدم في ص ٢٠٥ .
المعتبر (١) ؛ لذلك وإن لم يعلم مستند آخر . لا بغيره ؛ للأصل الخالي عن مطلق المعارض ولو فتوى فقيه .
وأن يتّخذ الأكمام للقميص المبتدأ دون الملبوس ، بل المستحب فيه قطع أزراره .
وعن الأصحاب : القطع بالأحكام الثلاثة .
وتدلّ عليها مرسلة ابن سنان : الرجل يكون له القميص أيكفّن فيه ؟ قال : « يقطع أزراره » قلت : وكُمّه ؟ قال : « لا ، إنما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كُمّاً ، فأمّا إذا كان ثوباً لبيساً فلا يقطع منه إلّا الأزرار » (٢) .
وعلى خصوص الثالث : صحيحة ابن بزيع : سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص اُعدّه لكفني ، فبعث به إليّ ، فقلت : كيف أصنع ؟ فقال : « اَنزع أزراره » (٣) .
ومقتضاها وجوب القطع ، فالقول به متعيّن إلّا أن ثبت إجماع على عدمه ، وهو مشكل .
وليس في عدم ذكره فيما ورد في خبري ابن سنان وعيسى ، المرويين في العلل ، وخبر ابن ربعي عن ابن عباس ، المروي في المجالس من أنّ رسول الله صلّى الله عليه وﺁله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه (٤) ، ولم يتعرّض فيها لقطع الأزرار ، دلالة على عدم القطع ، لأنّ الغرض ذكر تشريفه لها بقميصه لا بيان الأحكام .
وأن يجمّر (٥) الأكفان بالدخنة الطيبة ؛ للنهي عنه في المستفيضة (٦) .
__________________
(١) المعتبر ١ : ٢٨٩ .
(٢) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٦ ، الوسائل ٣ : ٥١ أبواب التكفين ب ٢٨ ح ٢ .
(٣) التهذيب ١ : ٣٠٤ / ٨٨٥ ، الوسائل ٣ : ٥٠ أبواب التكفين ب ٢٨ ح ١ .
(٤) علل الشرائع : ٤٦٩ / ٣٢ ، ٣١ ، مجالس الصدوق : ٢٥٨ / ١٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨ ، ٤٩ أبواب التكفين ب ٢٦ ح ٢ ، ٣ ، ٤ .
(٥) جمّر ثوبه : بخّره ( المصباح المنير : ١٠٨ ) .
(٦) انظر الوسائل ٣ : ١٧ أبواب التكفين ب ٦ .