مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

بضميمة استلزامه لباقي الأحكام ؛ لمنع الاستلزام ، كما صرّح به بعض الأعلام (١) ، وتخلّف في الشهيد .

بل ـ مع الاستصحاب في المبان من الميت ـ لمضمرة أبي خالد ، المتقدّمة (٢) ، دلّت على وجوب الغسل في أكيل السبع أي ما بقي منه ، وهو عام لكلّ أكيل حتى اللحم ، خرج منه ما خرج بالدليل ، فيبقى الباقي .

ولو جعلت لفظة : « من » في قوله : « من الموتى » تبعيضية لا بيانية لكانت دلالته أوضح وأظهر ، وإن كانت على البيانية أيضاً ظاهرة ، سيما بملاحظة مرسلة أيوب بن نوح ، المتقدّمة (٣) في غسل المسّ ، المصرّحة بصدق الميتة على القطعة ، والرضوي المنجبر ضعفه بما مر : « وإن كان الميت أكله السبع فاغسل ما بقي منه ، وإن لم يبق منه إلّا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها » (٤) .

ويستفاد من الأخير بل الاُولى وجوب تغسيل جميع العظام أيضاً لو وجدت وإن كانت خاليةً عن اللحم ، كما عن الصدوقين في الرسالة (٥) والمقنع (٦) ، والإِسكافي (٧) ، وفي المعتبر (٨) ، والذكرى (٩) ، بل عزي إلى الأكثر أيضاً ؛ لما ذكر ، ولصحيحة علي ، ورواية القلانسي : عن الرجل يأكله السبع والطير فتبقى عظامه بغير لحم ، كيف يصنع به ؟ قال : « يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن » (١٠)

__________________

(١) المدارك ٢ : ٧٣ ، الحدائق ٣ : ٤٢٤ .

(٢) في ص ١١١ .

(٣) في ص ٦٦ .

(٤) فقه الرضا : ١٧٣ ، المستدرك ٢ : ٢٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ١ .

(٥) نقل عنها في المختلف ١ : ٤٦ .

(٦) المقنع : ١٩ .

(٧) نقل عنه في المختلف ١ : ٤٦ .

(٨) المعتبر ١ : ٣١٧ وفيه : والذي يظهر لي أنه لا تجب الصلاة إلا أن يوجد ما فيه القلب أو الصدر أو اليدان أو عظام الميت .

(٩) الذكرى : ٤٠ .

(١٠) الكافي ٣ : ٢١٢ الجنائز ب ٧٦ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٩ / ١٠٢٧ ، ١٠٢٨ ، الوسائل ٣ : ١٣٦

=

١٢١
 &

وإن كان لحماً مجرّداً أو عظماً منفرداً ، فظاهر الأكثر عدم الوجوب ، بل صرّح به في الأول الحلّي ، والديلمي ، والمنتهى ، والقواعد ، والذكرى ، والمختلف (١) ، ناسباً له إلى المشهور بين علمائنا ، وبالثاني جماعة . وفي الحدائق الاتّفاق على العدم في الأول ونفي القول بالوجوب في الثاني (٢) .

فإن ثبت الإِجماع فيهما ، وإلّا فيشكل ترك الغسل ، ولذا أثبته الإِسكافي (٣) في الثاني ، واحتمله بعض آخر فيهما .

والتمسّك للنفي فيهما بالأصل ـ بعد ما عرفت من المضمرة والرضوي ـ لا يتم . وفي الأول بما دلّ على نفي الصلاة فيه ، للتلازم ـ بعد ما عرفت من عدم ثبوته سيما مع التخلّف في السقط والصبي ـ لا يفيد . والاحتياط لا ينبغي أن يترك .

هذا في التغسيل ، وأمّا التكفين فالمشهور بين علمائنا ـ كما في المختلف (٤) ـ وجوبه في كلّ قطعة ذات عظم ، ونسبه الكركي (٥) إلى الأصحاب ، وبه صرّح في المنتهى ، والنافع (٦) ، وحكي عن المقنعة ، والنهاية ، والمبسوط ، والسرائر ، والمراسم (٧) ، والجامع ، والإِرشاد ، والتلخيص ، والتبصرة (٨) .

( واستدلّ ) (٩) له تارة : بقاعدة عدم سقوط الميسور .

__________________

=

أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٥ ، ٦ .

(١) السرائر ١ : ١٦٨ ، المراسم : ٤٦ ، المنتهى ١ : ٤٣٤ ، القواعد ١ : ١٧ ، الذكرى : ٤٠ ، المختلف ١ : ٤٦ .

(٢) الحدائق ٣ : ٤٢٧ ، ٤٢٦ .

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٦ .

(٤) المختلف ١ : ٤٦ .

(٥) جامع المقاصد ١ : ٣٥٧ .

(٦) المنتهى ١ : ٤٣٤ ، النافع : ١٥ .

(٧) المقنعة : ٨٥ ، النهاية : ٤٠ ، المبسوط ١ : ١٨٢ ، السرائر ١ : ١٦٧ ، المراسم : ٤٦ .

(٨) الجامع : ٤٩ ، الارشاد ١ : ٢٣٢ ، التبصرة : ١٥ .

(٩) في « ق » : واستدلوا .

١٢٢
 &

واُخرى : بمرسل أيوب المذكور (١) بضميمة عمومات تكفين الميت .

وثالثة : بصحيحة علي (٢) .

وفي الكلّ نظر :

أما الأول : فلما مرّ (٣) .

وأمّا الثاني : فلأنّ الثابت منه كون القطعة ميتة ، والعمومات تثبت التكفين للميت ، واتّحادهما غير معلوم .

وأمّا الثالث : فلاختصاصه بالعظام ، وعدم إفادته بنفسه للوجوب .

مع أنّ التكفين لا بالنحو المعهود لا دليل له ، وبه في المقام قد لا يمكن ، ولذا قيل باعتبار القِطَع الثلاث وإن لم تكن بتلك الخصوصيات (٤) .

وربما احتمل اختصاص وجوبها بما تناله الثلاث عند الاتصال بالكلّ . فإن كان ممّا تناله اثنتان منها لفَّ فيهما ، وإن كان مما لا تناله إلّا واحدة لفّ فيها (٥) .

وفي الشرائع ، وعن التحرير والتذكرة ، ونهاية الإِحكام ، وفي القواعد : اختصاص التكفين بالصدر أو ما فيه ، ولفّ غيرهما مما فيه عظم في خرقة ، كما في اللحم والعظم المنفردين (٦) .

ولا دليل على شي‌ء من تلك الأقوال .

فالقول بعدم وجوب التكفين في غير جملة يصدق عليها الميت عرفاً قويّ ، وإن كان الأحوط عدم تركه فيما فيه الصدر ، كما ينبغي أن لا يترك اللفّ في خرقة‌

__________________

(١) في ص ٦٦ .

(٢) المتقدمة في ص ١٢١ .

(٣) في ص ١٢٠ من الإِشارة إلى عدم دلالته ، وأوكل التفصيل إلى محله .

(٤) الرياض ١ : ٦٩ .

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ١٠٩ .

(٦) الشرائع ١ : ٣٧ ، التحرير ١ : ١٧ ، التذكرة ١ : ٤١ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣٤ ، القواعد ١ : ١٧ .

١٢٣
 &

في كلّ جزء .

وكذا التحنيط لو كان الباقي محلّه ، كما عن التذكرة (١) ، وعليه يحمل كلام من أطلق كجماعة .

ثم ظاهر الأكثر اختصاص الأحكام المذكورة لذات العظم ـ من القِطَع الخالية عن الصدر ـ بالمبانة من الميت وعدم جريانها في المبانة من الحي ؛ للأصل ، وعدم جريان الأدلّة فيها .

وعمّم والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع ، والمعتمد ، وجماعة (٢) فيهما ؛ لمرسلة أيوب . وقد عرفت ما فيها (٣) . ولكنه أحوط ، وإن كان التخصيص أظهر .

الخامسة : من وجب عليه الرجم أو القود يغتسل قبله بالإِجماع المحقّق ، والمحكي في اللوامع والحدائق (٤) ، وعن المعتبر والذكرى نفي العلم بالخلاف فيه عن الأصحاب (٥) ؛ له ، ولرواية مسمع : « المرجوم والمرجومة يغتسلان ويتحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ، ثم يرجمان ويصلّى عليهما ، والمقتصّ منه بمنزلة ذلك يغتسل ويحنّط ويلبس الكفن ثم يقاد ويصلّى عليه » (٦) .

والرضوي : « وإن كان الميت مرجوماً بدأ بغسله وتحنيطه وتكفينه ثم يرجم بعد ذلك ، وكذلك القاتل إذا اُريد قتله قوداً » (٧) .

وهل ذلك على الوجوب فيكون عزيمة ؟ كما عن ظاهر الأكثر ، وهو صريح

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤١ .

(٢) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٤٣٤ ، والشهيد في الذكرى : ٤٠ ، وصاحب الحدائق ٣ : ٤٢٧ .

(٣) في ص ١٢٢ .

(٤) الحدائق ٣ : ٤٢٨ قال : ولو لا اتفاق الأصحاب قديماً وحديثاً على الحكم المذكور لأمكن المناقشة فيه .

(٥) المعتبر ١ : ٣٤٧ ، الذكرى : ٤٢ .

(٦) الكافي ٣ : ٢١٤ ، الجنائز ب ٧٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٣٤ / ٩٧٨ ، الوسائل ٢ : ٥١٣ أبواب غسل الميت ب ١٧ ح ١ .

(٧) فقه الرضا : ١٧٥ ، المستدرك ٢ : ١٨١ أبواب غسل الميت ب ١٧ ح ١ .

١٢٤
 &

الديلمي ، والحلّي (١) ، ووالدي رحمه الله ؛ لظاهر الخبرين .

أو لا فرخصة ؟ كما يحتمله كلام جماعة ، وتنظّر فيه في الذكرى (٢) ؛ للأصل ، وعدم صراحتهما في الوجوب . وهو الأظهر ؛ لذلك . فلا يجب أمره به ، لعدم المقتضي ، وإن استحب لو جهله .

والقول بوجوبه على الإِمام أو نائبه لا دليل له وإن قلنا بوجوب الاغتسال ، إلّا من باب الأمر بالمعروف .

والحقّ الموافق لقصر الحكم المخالف للأصل على مورده تخصيصه بالمرجوم والمقتول قوداً ، كما هو صريح المنتهى ، ونهاية الإِحكام (٣) ، وغير واحد من الثالثة (٤) ، وحكي عن ظاهر الأكثر (٥) ، بل عن المفيد ، والديلمي (٦) الاقتصار على الأخير .

خلافاً لظاهر الشرائع ، والقواعد ، وعن الجامع ، والذكرى (٧) ، وفي اللوامع نسبه إلى الجماعة ؛ للمشاركة في السبب . وهو قياس باطل .

وصريح الكركي (٨) وبعض آخر (٩) ، واستقربه في نهاية الإِحكام (١٠) أنّه يغتسل غسل الميت فيجب فيه ما يجب فيه حتى التثليث ؛ لبدليته الموجبة للمماثلة ، واقترانه بالتحنيط والتكفين .

__________________

(١) المراسم : ٤٦ ، السرائر ١ : ١٦٧ .

(٢) الذكرى : ٤٢ .

(٣) المنتهى ١ : ٤٣٤ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣٨ .

(٤) كشف اللثام ١ : ١١١ ، الحدائق ٣ : ٤٢٨ .

(٥) قال في كشف اللثام ١ : ١١١ : واقتصر الأكثر . . . على ما في الخبرين من المرجوم والمقتول قوداً . . .

(٦) المقنعة : ٨٥ ، المراسم : ٤٦ .

(٧) الشرائع ١ : ٣٧ ، القواعد ١ : ١٧ ، الجامع : ٥٠ ، الذكرى : ٤٢ .

(٨) جامع المقاصد ١ : ٣٦٦ .

(٩) كالمسالك ١ : ١٢ ، والمدارك ٢ : ٧١ .

(١٠) نهاية الاحكام ٢ : ٢٣٨ .

١٢٥
 &

وعن روض الجنان (١) احتمال الاكتفاء بغسل واحد ؛ للأصل ، ومعهودية الوحدة في غسل الأحياء . وأطلق الأكثر .

والمسألة محلّ توقّف ، وإن كان مقتضى الأصل أظهر . والتثليث أحوط ، بل يومئ إليه إضافة الغسل إلى الضمير في الرضوي .

ويسقط الغسل عنه بعد الموت لو اغتسل قبله ، كما عن الخلاف ، والمبسوط ، والمهذب ، والسرائر ، والمعتبر (٢) ، نافياً فيه عنه الريب ، وفي الشرائع والمدارك (٣) مصرّحاً فيه بكونه ظاهراً ؛ لظهور الأمر بتقديم التحنيط والتكفين ، والاقتصار على الصلاة بعد القتل في النص فيه ، بل في قوله : « بدأ » في الرضوي ، وفي إضافة الغسل إلى الضمير الراجع إليه إشعار بل دلالة عليه .

وتدلّ عليه أيضاً مرفوعة البرقي (٤) ، الصريحة في عدم تغسيل أمير المؤمنين المرجوم بعد الرجم .

ولكن الظاهر اختصاص السقوط بما إذا قتل بالسبب الذي له اغتسل ، فلو سبق موته قتله أو قتل بسبب آخر غير السببين غسّل ، للعمومات .

ولو غسل لأحد السببين وقتل للآخر ففي وجوب التغسيل أو استحباب الغسل ثانياً نظر ، والعدم أظهر .

والظاهر تداخل باقي الأغسال فيه فيكتفي به عنها . بل بها عنه أيضاً ؛ لما مرّ في بحث التداخل . والاحتياط عدمه .

وصريح الخبرين : تقديم التحنيط والتكفين أيضاً ، كما صرّح الفاضل في المنتهى بهما (٥) . ولا يضرّ عدم تعرّض الصدوقين ، والمفيد (٦) ، والجامع ، للأول ،

__________________

(١) روض الجنان : ١١٣ .

(٢) الخلاف ١ : ٧١٣ ، المبسوط ١ : ٢٨١ ، المهذب ١ : ٥٥ ، السرائر ١ : ١٦٧ ، المعتبر ١ : ٣٤٧ .

(٣) الشرائع ١ : ٣٧ ، المدارك ٢ : ٧٢ .

(٤) الكافي ٧ : ١٨٨ الحدود ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ٢٨ : ٩٩ أبواب حد الزنا ب ١٤ ح ٤ .

(٥) المنتهى ١ : ٤٣٤ .

(٦) كذا ، والموجود في الفقيه ١ : ٩٦ ، والمقنعة : ٨٥ خلافه فإنهما تعرضا للتحنيط فراجع .

١٢٦
 &

والمبسوط ، للثاني ، والشرائع (١) لهما ، بعد اشتمال النص .

__________________

(١) الجامع : ٥٠ ، المبسوط ١ : ١٨١ ، الشرائع ١ : ٣٧ .

١٢٧
 &

الفصل الثالث : في الغسل‌

والكلام إمّا في واجباته ، أو مستحباته ومكروهاته ، أو أحكامه . فهاهنا ثلاث مقامات :

المقام الأول : في واجباته ، وهي أمور :

الأول : إزالة النجاسة العارضة عنه قبل الغسل ، على الحقّ المشهور ، بل بلا خلاف كما في المنتهى (١) ، وإجماعاً كما في اللوامع ، وعن التذكرة ونهاية الإِحكام (٢) ، ونفى عنه الشبهة في شرح القواعد للكركي (٣) ، وجعله في المدارك (٤) مقطوعاً به في كلام الأصحاب .

لا للإِجماع المنقول .

ووجوب إزالة النجاسة الحكمية عنه والعينية أولى .

وإيقاع ماء الغسل على محل طاهر ، وصون ماء الغسل من التنجس .

وتوقّف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية التي لا تحصل إلّا مع ذلك .

ووجوبها في غسل الجنابة المستلزم لوجوبها في غسل الأموات ، للمعتبرة الدالّة على اتّحادهما بل في بعضها أنّه عينه .

والنصوص المستفيضة الآمرة بتقديم غسل الفرج على الغسل هنا ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٢٨ .

(٢) التذكرة ١ : ٣٨ ، نهاية الاحكام ٢ : ٢٢٣ .

(٣) جامع المقاصد ١ : ٣٦٨ .

(٤) المدارك ٢ : ٧٨ .

١٢٨
 &

كروايات ابن عبيد (١) ، وحريز (٢) ، والكاهلي (٣) ، واُم أنس (٤) ، وفي غسل الجنابة بضميمة ما يستفاد من المعتبرة من الاتّحاد ؛ وبتقديم تنقية الفرج كخبر يونس ، وفيه ـ بعد الأمر بتهيئة ماء السدر وغسل اليدين ـ : « ثم اغسل فرجه ونقّه » (٥) .

لضعف الأول : بعدم الحجية .

والثاني : بمنع الأولوية ، مع عدم استلزامه لوجوب التقديم .

والثالث : بمنع تنجّسه مطلقاً ، لكونه وارداً أو غسالة مطهّرة أو قبل حصول التطهير به .

ولو سلّم فبمنع اشتراط طهارته مطلقاً ، بل المسلّم منه ليس إلّا المجمع عليه ، وهو قبل الوصول إلى المحل ، وأمّا بعده فلا ، ولذا يزيل الخبث مع أنّ دليل الاشتراط فيهما واحد ، ولا تضرّ النجاسة الذاتية .

قيل : الغسل عبادة صحته تتوقّف على البيان ، وليس إلّا فيما صين ماؤه عن النجاسة مطلقاً ، وحيث لا يمكن من الذاتية اغتفر بالإِضافة إليها للضرورة دون غيرها (٦) .

قلنا : البيان بإطلاقات أوامر الاغتسال ، الشاملة للمورد أيضاً .

ودعوى عدم تبادر مثل ذلك الماء إن اُريد منها عدم تبادره بخصوصه فهو كذلك ، ومثله جميع أفراد الماء في ذلك . وإن اُريد عدم تبادر ما يشمله فهو ممنوع . وبالجملة : اللازم فيما هو بصدده تبادر الغير ، وهو غير حاصل .

__________________

(١ و ٢) التهذيب ١ : ٣٠٢ / ٨٧٨ ، الاستبصار ١ : ٢٠٦ / ٧٢٦ ، ٧٢٧ ، الوسائل ٢ : ٤٩١ ، ٤٩٢ ، أبواب غسل الميت ب ٦ ح ٢ و ١ .‌

(٣) الكافي ٣ : ١٤٠ ، الجنائز ب ١٨ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ / ٨٧٣ ، الوسائل ٢ : ٤٨١ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٥ .

(٤) التهذيب ١ : ٣٠٢ / ٨٨٠ ، الاستبصار ١ : ٢٠٧ / ٧٢٨ ، الوسائل ٢ : ٤٩٢ أبواب غسل الميت ب ٦ ح ٣ .

(٥) الكافي ٣ : ١٤١ ، الجنائز ب ١٨ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٤٨٠ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٣ .

(٦) الرياض ١ : ٥٣ .

١٢٩
 &

والرابع : بعدم العلم بالاشتغال بالزائد ، مع أنّه يحصل العلم بالبراءة من الإِطلاقات .

والخامس : بمنع الوجوب في غسل الجنابة أولاً ، وبمنع الاستلزام لو ثبت فيه ثانياً .

وكون غسل الميت مثل غسل الجنب كما في الأخبار لا يفيد المماثلة في جميع الأحكام ، ولو أفاد لما أفاد إلّا في جميع أجزاء الغسل وكيفياته لا الاُمور الخارجة منه .

والسادس : ـ مع معارضته بأخبار اُخر أقوى سنداً دالّة على الابتداء باليدين والرأس ، كحسنة الحلبي (١) ، وصحيحة يعقوب (٢) ، وغيرهما ـ : بمنع الدلالة ، لأنّ في الأمر بغسل الفرج الشامل للنجس وغيره لا دلالة على أنّه للنجاسة .

وتوهّم أنّه لولاه لزم إخراج الأمر عن حقيقته ، لعدم القول بوجوب البدأة بغسل الفرج بنفسه ، مدفوع : بأنّ معه أيضاً يلزم التقييد بصورة العلم بخروج النجاسة ، لعدم القول بالوجوب بدونه ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، مع أنّ خروجها ليس أغلبياً بحيث لا يلتفت إلى غيره .

ولو سلّم ذلك ، فلعلّه يكون لإِزالة العين المانعة عن وصول الماء لغلبة خروج الغائط .

مع أنّ الأمر به في أكثر الروايات لا يختص بالغسلة الاُولى ، بل بماء الكافور والقراح أيضاً ، وذلك قرينة واضحة على إرادة المستحب ، وفي بعضها : كما في المرة الاُولى . مع أنّ الروايتين الاُوليين لا تدلّان على الوجوب ، وفي الثالثة أمر بالغسل

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٣٨ ، الجنائز ب ١٨ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٢ .

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ ، الوسائل ٢ : ٤٨٣ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٧ .

١٣٠
 &

بماء السدر والحُرض (١) ثلاثاً ، وهو ليس بواجب إجماعاً .

بل (٢) لقوله في خبر يونس ـ بعد الأمر بإعداد ماء الكافور وغسل اليدين والفرج ـ : « وامسح بطنه مسحاً رفيقاً ، فإن خرج منه شي‌ء فأنقه ثم اغسل رأسه » (٣) الحديث .

وخبر أبي العباس : « واغمز بطنه غمزاً رفيقاً ، ثم طهره من غمز البطن ، ثم تضجعه ثم تغسله » (٤) الحديث .

ويؤيده الرضوي : « وتبدأ بغسل كفيه ، ثم تطهر ما خرج من بطنه » (٥) .

والإِيراد : بمنع ثبوت الحقيقة الشرعية للإِنقاء والتطهير ، فلعلّ المراد إزالة العين المانعة من وصول الماء ، يدفعه : عدم القول برجحان تقديم إزالة المانع على الغسل قطعاً ، بل غايته تقديمها في كلّ جزء على غسله .

ولا يضرّ ما في الثانية من تأخير الإِضجاع الغير الواجب قطعاً ؛ إذ خروج جزء من الحديث عن ظاهره لا يخرج غيره عنه .

واختصاص تلك الروايات بنجاسة خاصة وعضو مخصوص بعد عدم القائل بالفرق غير ضائر ، ولعلّه للغلبة لا للتغاير .

نعم ، الثابت فيه الإِجماع المركّب النجاسة العارضة قبل كل غسل فتجب إزالتها قبله . وأمّا العارضة في أثنائه سيما ما لا ينفك عنه غالباً كيد الغاسل وساتر المغسول ونحوهما فلا ، بل يكفي ماء الغسل عنه وعنها على الأصح .

ثم التشكيك في المسألة ـ كبعض أجلّة المتأخرين (٦) ـ في غير موقعه ،

__________________

(١) الحُرض ـ بالضم ـ : الأشنان .

(٢) مرتبطة بقوله في ص ١٢٨ : لا للإِجماع . . .

(٣) تقدم مصدره في ص ١٢٩ .

(٤) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٠٦ / ٧٢٤ ، الوسائل ٢ : ٤٨٤ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٩ .

(٥) فقه الرضا : ١٦٦ ، المستدرك ٢ : ١٦٧ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٣ .

(٦) كشف اللثام ١ : ١١٢ .

١٣١
 &

وحصول الطهارة من نجاسة دون اُخرى بعد دلالة النصوص لا بعد فيه ، مع أنّه يجوز زوال العرضية بما يزول به سائر النجاسات وتوقف زوال الذاتية على أمر آخر .

الثاني : النية ، ووجوبها فيه هو الأصح ، وفاقاً للمعظم ، بل عن الخلاف الإِجماع عليه (١) ، وفي شرح القواعد للكركي : أنّه ظاهر المذهب (٢) .

لا لتشبيهه بغسل الجنابة ؛ لأنّه لا يوجب النية على غير المغسول . ولا لوجوب الترتيب فيه فيكون غسلاً حقيقياً ؛ لعدم دلالته .

بل لعموم ما دلّ على اعتبارها في العمل ، خرج ما على خروجه دليل دلّ ، وبقي الباقي . ولتوقّف صدق امتثال الأوامر الواجب بديهة عليها بحكم العرف كما مرّ ، وبذلك يثبت اشتراط القربة فيها .

فالتردّد فيه ـ كما في المدارك ، وظاهر كفاية الأحكام ، وعن المعتبر ، ونهاية الإِحكام ، والتذكرة (٣) ، بل هو ظاهر الشرائع والنافع (٤) ، حيث لم يذكرها فيهما ، أو نفي اعتبارها فيه مطلقاً كما عن مصريات السيد (٥) ـ ضعيف . وقد حكي عن المنتهى (٦) أيضاً . وما عندنا من نسخته المصحّحة مصرّحة بالوجوب ، وإن لم تكن عبارتها خاليةً عن الاضطراب .

وفي وجوب تعدّد النية بتعدّد الغسلات ، كما عن الإِشارة ، وروض‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧٠٣ .

(٢) جامع المقاصد ١ : ٣٦٨ .

(٣) المدارك ٢ : ٨١ ، الكفاية : ٦ ، المعتبر ١ : ٢٦٥ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣ ، التذكرة ١ : ٣٨ .

(٤) الشرائع ١ : ٣٨ ، النافع : ١٢ .

(٥) كذلك في كشف اللثام ١ : ١١٢ قال : وحكى عن مصريات السيد ، ولم نعثر على الحاكي .

(٦) المنتهى ١ : ٤٣٥ قال : ولا يجب في غسل الميت النية ولا التسمية ، وعن أحمد روايتان ، والأصح الوجوب . لنا : أنه غسل واجب فهو عبادة وكل عبادة تجب فيها النية . احتجوا بأن الأصل عدم الوجوب والنقل لا يثبت إلا بالشرع . احتج أحمد بأنه غسل يجب تعبداً عن غير نجاسة فوجهه باقية كالجنابة ولمّا تعذرت النية والتسمية من الميت اعتبرت في الغاسل . والجواب المعارضة بأن نقول غسل وجب تعبداً عن غير نجاسة فلا تجب النية على الغير كالجنابة .

١٣٢
 &

الجنان (١) ، وجماعة ، واختاره والدي رحمه الله ؛ للتغاير بينها اسماً وصورة ومعنى . وعدمه بل كفاية واحدة للثلاث في أولها ، كما عن اللمعة والذكرى (٢) ، وفي المدارك وكفاية الأحكام (٣) ، أي بشرط الاستدامة الحكمية إلى آخر الثلاث ؛ لظهور عدم قولهم بصحة الباقي ولو فعل رياءً أو بلا قصد ، قولان ، أصحّهما : الثاني ؛ للأصل ، وصدق الامتثال ، كما في أجزاء الصلاة . ولا دخل للتغاير في وجوب التعدّد بعد إرادة الجميع أولاً من غسل الميت .

ثمَّ إن اتّحد الغاسل تولّى النية ولم تجزئ عن غيره . وإن تعدّدوا واشتركوا في الصبّ والتقليب نووا جميعاً .

ولو كان البعض يصبّ والآخر يقلّب فالمشهور ـ كما في اللوامع ـ وجوبها على الصابّ ؛ لأنّه الغاسل حقيقةً ، إذ حقيقة الغسل إجراء الماء ، وهو منه .

وعن الذكرى (٤) إجزاؤها من المقلّب أيضاً ، وقوّاه والدي في اللوامع ؛ لأنّ الجريان في بعض الأعضاء وإن حصل بفعل الأول إلّا أنّ حصوله في البعض الآخر يتوقّف على فعل الثاني .

ولتصريح المعتبرة بأنّ الثاني هو الغاسل ، كموثّقة سماعة : عن رجل مات وليس عنده إلّا النساء ، قال : « تغسّله امرأة ذات محرم تصبّ النساء عليها الماء » (٥) .

ونحوها موثّقة البصري (٦) ، وحسنة الحلبي (٧) ، والرضوي (٨) ، وغيرها .

__________________

(١) الاشارة : ٧٥ ، روض الجنان : ٩٩ .

(٢) اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٢٢ ، الذكرى : ٤٤ ، وليس فيهما تصريح بكفاية الواحدة ، نعم قد يستفاد من إطلاق كلامهما .

(٣) المدارك ٢ : ٨١ ، الكفاية : ٦ .

(٤) الذكرى : ٤٤ .

(٥) تقدم مصدرها في ص ٩١ .

(٦ و ٧) تقدم مصدرهما في ص ١٠١ .

(٨) فقه الرضا : ١٦٦ ، المستدرك ١ : ٩٨ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٣ .

١٣٣
 &

ولا يخفى أنّ مقتضى الدليل الأوّل اشتراكهما ، ومقتضى الثاني اختصاص الثاني ، فلا وجه لإِجزاء نية أحدهما .

والتحقيق : أنّ الغَسل ـ كما مر ـ هو إجراء الماء على العضو ، فإن حصل ذلك من الصابّ في جميع الأعضاء وإن توقّف إجراؤه على تقليب الغير ، فالغاسل هو الصابّ والنية عليه ، والمقلّب ليس إلّا كنازع الثوب . وإن حصل منهما بأن يصبّ أحدهما إلى عضو ويجري الآخر إلى الباقي بمعونة يد أو تحريك عضو بعد الصبّ ، فالغسل منهما والنية عليهما . وإن كان الصبّ من أحدهما ويدلك الآخر جميع الأعضاء بحيث يحصل غسل الجميع منه أيضاً وإن جرى الجزء الأول من الصاب فيكفي نية الدالك ، لحصول الغسل بفعله ، والصابّ آلة له ، وعليه تنزّل المعتبرة المتقدّمة .

ومع التعدّد لو ترتّبوا بأن يغسل كلّ واحد منهم بعضاً اعتبرت من كلّ واحد عند ابتداء فعله .

الثالث : تغسيله ثلاثاً : بماء السدر ، وبماء الكافور ، وبالقراح . وفاقاً لغير الديلمي (١) في التثليث ، كما في المدارك ، وروض الجنان ، والمعتبر (٢) ، بل عن الخلاف الإِجماع عليه (٣) ؛ للنصوص المستفيضة ، كصحيحتي ابن مسكان وخالد :

الاُولى : عن غسل الميت ، قال : « اغسله بماء وسدر ، ثمَّ اغسله على أثر ذلك غسلة اُخرى بماء وكافور وذريرة (٤) إن كانت ، واغسله ثالثة بماء قراح » قلت : ثلاث غسلات لجسده كله ؟ قال : « نعم » (٥) .

__________________

(١) المراسم : ٤٧ قال : الواجب تغسيله مرة بماء القراح .

(٢) المدارك ٢ : ٧٩ ، روض الجنان : ٩٨ ، المعتبر ١ : ٢٦٥ .

(٣) الخلاف ١ : ٦٩٤ .

(٤) هي فتات قصب الطيب ، وهو قصب يجاء به من الهند كقصب النشاب . ( أساس البلاغة : ١٤٢ ) .

(٥) الكافي ٣ : ١٣٩ ، الجنائز ب ١٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٨ / ٢٨٢ ، الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ١ .

١٣٤
 &

والثانية : عن غسل الميت كيف يغسل ؟ قال : « بماء وسدر ، واغسل جسده كله ، واغسله اُخرى بماء وكافور ، ثم اغسله اُخرى بماء » (١) .

وحسنة الحلبي : « إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوباً يستر عورته إما قميصاً أو غيره ، ثمَّ تبدأ بكفيه ، وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده ، وابدأ بشقه الأيمن ، فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفّها على يدك اليسرى ، ثم أدخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير أن ترى عورته ، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة اُخرى بماء وكافور وشي‌ء من حنوطه ، ثم اغسله بماء بحت غسلة اُخرى » (٢) .

وخبره : « يغسّل ثلاث غسلات : مرة بالسدر ، ومرة بالماء يطرح فيه الكافور ، ومرة اُخرى بالماء القراح ، ثم يكفّن » (٣) الحديث .

ورواية الكاهلي : « استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ، ثم تلين مفاصله ، فإن امتنعت عليك فدعها ، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض ، فاغسله ثلاث غسلات وأكثر من الماء ، وامسح بطنه مسحاً رفيقاً ، ثم تحول إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ، ثم تثني بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه ، واغسله برفق ، وإياك والعنف ، واغسله غسلاً ناعماً ، ثم اضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ، ثم اغسله من قرنه إلى قدمه ، وامسح يدك على بطنه وظهره بثلاث غسلات ، ثم رده إلى جنبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر ، فاغسله ما بين قرنه إلى قدمه ، وامسح يدك على ظهره وبطنه بثلاث غسلات ، ثم ردّه إلى قفاه فابدأ بفرجيه بماء الكافور ، فاصنع كما صنعت أول مرة ، اغسله ثلاث‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٣ ، الوسائل ٢ : ٤٨٣ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٦ .

(٢) الكافي ٣ : ١٣٨ الجنائز ب ١٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٩٩ / ٨٧٤ ، الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٢ .

(٣) الكافي ٣ : ١٤٠ ، الجنائز ب ١٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٠ / ٨٧٦ ، الوسائل ٢ : ٤٨١ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٤ .

١٣٥
 &

غسلات بماء الكافور والحرض ، وامسح يدك على بطنه مسحاً رفيقاً ، ثم تحوّل إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولاً » إلى أن قال : « ثم ردّه على ظهره ، ثم اغسله بماء القراح كما صنعت أولاً » (١) الحديث .

وخبر يونس : « فضعه على المغتسل مستقبل القبلة ، فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفع من رجليه إلى فوق الركبة ، فان لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة ، واعمد إلى السدر فصيّره في طست ، وصبّ عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شي‌ء ، وصبّ الآخر في الإِجّانة التي فيها الماء ، ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإِنسان من الجنابة إلى نصف الذراع ، ثم اغسل فرجه ونقّه ، ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ، ثم اضجعه إلى جانبه الأيسر وصبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات ، وادلك بدنه دلكاً رفيقاً ، وكذلك ظهره وبطنه ، ثم اضجعه على جانبه الأيمن وافعل به مثل ذلك ، ثم صبّ الماء من الإِجّانة واغسل الإِجّانة بماء قراح ، واغسل يديك إلى المرفقين ، ثم صبّ الماء في الآنية وألق فيها حبّات كافور ، وافعل به كما فعلت في المرة الاُولى ابدأ بيديه ثم بفرجه ، وامسح بطنه مسحاً رفيقاً فإن خرج شي‌ء فأنقه ، ثم اغسل رأسه ، ثم اضجعه على جنبه الأيسر ، واغسل جنبه الأيمن وظهره وبطنه ، ثم اضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول مرة ، ثم اغسل يديك إلى المرفقين والآنية وصبّ فيه الماء القراح ، واغسله بالماء القراح كما غسلت في المرتين الاُوليين » (٢) الخبر . إلى غير ذلك من الأخبار .

والرضوي : « غسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة ، إلّا أنّ غسل الحي

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٠ ، الجنائز ب ١٨ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ / ٨٧٣ ، الوسائل ٢ : ٤٨١ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٥ .

(٢) الكافي ٣ : ١٤١ ، الجنائز ب ١٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧ ، الوسائل ٢ : ٤٨٠ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٣ .

١٣٦
 &

مرّة واحدة بتلك الصفات ، وغسل الميت ثلاث مرّات على تلك الصفات » (١) .

وخلافاً لمن ذكر (٢) ، فاكتفى بالواحد القراح . للأصل . وهو بما مرّ مندفع .

والتشبيه بغسل الجنابة . وهو فيما عدا الوحدة ـ لو أفاد العموم ـ لما مرّ سيما الرضوي مخصّص .

وقوله عليه السلام ـ وقد سئل عن الميت وهو جنب ـ : « يغسّل غسلاً واحداً » (٣) . والواحد بالنوع منه متبادر ، ولذا فسّره الأصحاب كذلك ، فالمراد منه التداخل ، ولولا تبادره يجب الحمل عليه أو الطرح .

وللمحكي عن ابني حمزة وسعيد (٤) في الوجوب ، فقالا : باستحباب الخليطين وإن أوجبا ثلاثة أغسال ؛ لمثل ما مرّ مع دفعه قطعاً .

فروع :

أ : المعتبر في الخليط ما يصحّح الإِضافة عرفاً ولا يلزمها ، أي يصدق معه ماء السدر والكافور ، ولا يخرجه عن الإِطلاق .

أمّا الأول ؛ كما هو المنقول عن الخلاف ، والمصباح (٥) ، ومختصره ، والجملين (٦) ، والفقيه ، والهداية ، والمقنع (٧) ، والوسيلة ، والإِصباح ، والغنية ، والكافي (٨) ، والإِشارة (٩) ، والإِرشاد ، والتبصرة ، والتحرير (١٠) ، والنافع ، ومحتمل

__________________

(١) فقه الرضا : ١٨١ ، المستدرك ٢ : ١٧٠ أبواب غسل الميت ب ٣ ح ١ .

(٢) وهو الديلمي كما تقدم في ص ١٣٤ .

(٣) الوسائل ٢ : ٥٣٩ أبواب غسل الميت ب ٣١ .

(٤) الوسيلة : ٦٤ ، الجامع : ٥١ .

(٥) الخلاف ١ : ٦٩٤ ، مصباح المتهجد : ١٨ .

(٦) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٠ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٥ .

(٧) الفقيه ١ : ٩٠ ، الهداية : ٢٤ ، المقنع : ١٨ .

(٨) الوسيلة : ٦٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ، الكافي للحلبي : ١٣٤ .

(٩) الاشارة : ٧٥ .

(١٠) الارشاد ١ : ٢٣٠ ، التبصرة : ١١ ، التحرير ١ : ١٧ .

١٣٧
 &

الشرائع (١) ، وصريح المدارك (٢) ، بل عزاه بعض من تأخّر إلى الأكثر (٣) : فللأمر بالغسل بماء السدر وماء الكافور في رواية الكاهلي ، المتقدّمة (٤) ، وموثّقة الساباطي : « الجرة الاُولى التي يغسل بها الميت بماء السدر ، والجرة الثانية بماء الكافور تفتّ فيها فتّاً قدر نصف حبة ، والجرة الثالثة بماء القراح » (٥) فلا بد من صدق الاسم عرفاً .

وبهما يقيّد ما اُطلق فيه الغسل بالسدر ، أو بماء وسدر ، وماء وكافور ، أو شي‌ء منهما .

مع أنّ المتبادر من الغسل به أو به وبماء أو بماء وشي‌ء منهما وجود قدر يصدق معه ماء السدر . ولو منع التبادر فلا شك في احتماله ، ومعه يجب تحصيلاً للبراءة اليقينية ، فلا يجزئ القليل الذي لا يصدق معه اسم الماءين .

خلافاً لجماعة ـ منهم والدي العلّامة ـ فاكتفوا بمسمّى السدر والكافور ، وإن لم تثبت الإِضافة عرفاً ، ونسبه في البحار ، والحدائق (٦) ، واللوامع ، إلى المشهور .

ولعلّ وجه الاختلاف في دعوى الشهرة الاختلاف في فهم المراد ممّا أطلقوا من قولهم : ما يصدق عليه الاسم ، على أنه أسماء الماءين أو أسماء السدر والكافور .

وبالجملة مستندهم إطلاق السدر والكافور وشي‌ء منهما ، مع عدم نصوصية‌

__________________

(١) النافع : ١٢ ، الشرائع ١ : ٣٨ قال : ثم يغسل بماء السدر . . . وأقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم .

(٢) المدارك ٢ : ٨٢ .

(٣) قال في الرياض ١ : ٥٣ ويكفي منه فيه ما يصدق معه ماء السدر على الأشهر الأظهر .

(٤) في ص ١٣٥ .

(٥) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٢ : ٤٨٤ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ١٠ . فتّ الشي‌ء : كسره بالأصابع كِسَراً صغيرة .

(٦) بحار الأنوار ٧٨ : ٢٩٢ ، الحدائق ٣ : ٤٥٣ .

١٣٨
 &

ما قيد الأول بسبع ورقات ، والثاني بنصف حبّة أو حبّات في الوجوب .

ويضعّف : بأنّهما وإن كانا مطلقين صادقين على المسمّى أيضاً إلّا أنّ الغسل بهما المأمور به لا يتحقّق عرفاً بمطلق المسمّى . وأيضاً : صدقهما ـ مع أنّ ماء السدر والكافور لا يصدقان على ما يدخله قدر رأس إبرة أو نصف حنطة منهما قطعاً ـ لا يفيد ؛ لوجوب حمل المطلق على المقيد .

وللمحكي عن المفيد ، فقدّر السدر برطل ونحوه (١) ، وعن القاضي فبرطل ونصفه (٢) . ولم نعثر لهما على دليل .

وعن بعضهم . فبسبع ورقات (٣) .

ولعله لخبر ابن عبيد : عن غسل الميت ، قال : تطرح عليه خرقة ثم يغسل فرجه ، ويوضّأ وضوء الصلاة ، ثم يغسل رأسه بالسدر والاُشنان ، ثم الماء والكافور ، ثم بالماء القراح ، يطرح فيه سبع ورقات صحاح في الماء » (٤) .

ونحوه خبر حريز إلّا أنّ فيه : « ثم يوضّأ » (٥) .

وفيه : أنّ ظاهرهما إلقاؤها في القراح كما صرّح به في رواية ابن عمار أيضاً ؛ « أمرني أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ أن أعصر بطنه ثم اُوضّئه ، ثم أغسله بالاُشنان ، ثم أغسل رأسه بالسدر ولحيته ، ثم اُفيض على جسده ، ثم أدلك به جسده ثم اُفيض عليه ثلاثاً ، ثم أغسله بالماء القراح ، ثم اُفيض عليه الماء بالكافور وبالماء القراح وأطرح فيه سبع ورقات سدر » (٦) .

__________________

(١) المقنعة : ٧٤ .

(٢) المهذب ١ : ٥٦ .

(٣) كذلك حكي في الشرائع ١ : ٣٨ عن بعضهم ولم نعثر على شخصه .

(٤ و ٥) التهذيب ١ : ٣٠٢ / ٨٧٨ و ٨٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٠٦ / ٧٢٦ و ٧٢٧ ، الوسائل ٢ : ٤٩١ و ٤٩٢ أبواب غسل الميت ب ٦ ح ١ و ٢ .

(٦) التهذيب ١ : ٣٠٣ / ٨٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٠٧ / ٧٢٩ ، الوسائل ٢ : ٤٨٤ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٨ .

١٣٩
 &

ثم المستفاد من تلك الروايات حيث جوّزت طرح الأوراق الصحاح في الماء القراح عدم صدق الغسل بماء السدر معه ، ويلزمه وجوب كونه مطحوناً أو ممروساً (١) في الغسل الأول . وهو كذلك وفاقاً لجماعة (٢) ؛ لذلك [ و ] (٣) لتوقف صدق مائه والغسل به عليه . وخلافاً لبعض من اكتفى بمسمّاه ؛ لصدق المسمّى (٤) . ودفعه ظاهر .

وأمّا الثاني (٥) ؛ كما هو صريح القواعد ، والتذكرة ، ونهاية الإِحكام (٦) ، ومحكي عن الإِشارة ، والجامع (٧) ، ونسبه في الحدائق واللوامع إلى المشهور (٨) ؛ فللأمر في عدّة أخبار ـ تقدّم بعضها ـ بالغسل بماء وسدر وماء وكافور ، أو ماء فيه شي‌ء منهما ، والمضاف ليس ماءً . والتجوّز في السدر والكافور بعلاقة ما كان ـ حيث خرجا بالتمريس والتفتيت والاستهلاك في الماء عن حقيقتهما ـ لا يوجب التجوّز في الماء أيضاً .

وقد يتمسّك بمطهّرية الماءين ، وغير المطلق لا يطهّر .

والمقدّمتان ممنوعتان في المقام ، وإثبات الاُولى بوجوب الترتيب وطهارة الماء وإزالة الخبث ضعيف غايته .

خلافاً لظاهر المنتهى (٩) ـ كما قيل ـ حيث جعل غسل الرأس بالرغوة من

__________________

(١) مَرَسَ الدواء : نقعه في الماء ومرثه باليد حتى تتحلل أجزاؤه .

(٢) كما اختاره في المدارك ٢ : ٨٢ ، والذخيرة : ٨٤ ، والرياض ١ : ٥٣ .

(٣) ما بين المعقوفين لاستقامة المعنى .

(٤) قال في الروض : ٩٩ : وينبغي كونه مطحوناً أو ممروساً في الماء بحيث تظهر به الفائدة المطلوبة منه ، وفي وجوب ذلك نظر .

(٥) أي : اشتراط عدم خروج الماء عن الإِطلاق .

(٦) القواعد ١ : ١٧ ، التذكرة ١ : ٣٨ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٢٣ .

(٧) إشارة السبق : ٧٥ ، ولم نعثر عليه في الجامع وحكى عنه في كشف اللثام ١ : ١١٢ .

(٨) الحدائق ٣ : ٤٥٤ .

(٩) المنتهى ١ : ٤٢٨ .

١٤٠