أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٢
كموثقة سماعة ، وخبر الشحام ، وصحيحة منصور ، وحسنة الحلبي ، وموثقة البصري المتقدمة (١) .
وموثقة الساباطي : عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ، ومعه رجال نصارى ، ومعه عمّته وخالته مسلمتان ، كيف يصنع في غسله ؟ قال : « تغسله عمّته وخالته في قميصه ولا تقربه النصارى » وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة ، ومعهم نساء نصارى وعمّها وخالها معهم مسلمان ، قال : « يغسلانها ولا تقربها النصرانية ، كما كانت المسلمة تغسلها ، غير أنّه يكون عليها درع فيصبّ الماء من فوق الدرع » (٢) الحديث .
ورواية أبي الجوزاء ، وفيها : « وإذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه ويصببن عليه الماء صبّاً ، ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه » (٣) .
وبتلك الأخبار يخصّص عموم صحيحة البصري السابقة (٤) في المسألة الثانية الناشئ عن ترك الاستفصال ، وخبر الشحام (٥) الناشئ عن إطلاق نفي امرأة له مع احتمال إرادة ما يشمل ذات المحارم أيضاً منها كما يأتي .
ويؤيده ما في الروايات الكثيرة من السؤال عن غسل من مات ولا محرم له ولا مماثل (٦) .
والمشهور اختصاصه بحال الاضطرار ، واشتراط كونه من وراء الثياب ،
__________________
(١) تقدمت الروايات في ص ٩١ رقم ٢ ، ٣ وص ٩٦ رقم ٢ ، ٣ وص ٩٨ رقم ٢ .
(٢) الكافي ٣ : ١٥٩ ، الجنائز ب ٢٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٧ ، الوسائل ٢ : ٥١٧ أبواب غسل الميت ب ٢٠ ح ٥ .
(٣) التهذيب ١ : ٤٤١ / ١٤٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٠١ / ٧١١ ، الوسائل ٢ : ٥١٩ أبواب غسل الميت ب ٢٠ ح ٨ .
(٤) في ص ٩٠ .
(٥) المتقدّم في ص ٩١ .
(٦) نظر الوسائل ٢ : ٥٢٢ أبواب غسل الميت ب ٢٢ .
ودعوى الشهرة عليهما متكرّرة في كلام الأصحاب (١) ؛ تمسّكاً في الأول بمفهوم رواية الثمالي المتقدمة (٢) ، واختصاص الأخبار المجوّزة بصورة الاضطرار .
ويضعف الأول : بما مرّ من عدم دلالته على الحرمة ، والمعارضة مع المجوّزة بالعموم من وجه .
والثاني : بمنع الاختصاص أولاً ؛ لإِطلاق صحيحة منصور ، وعدم كونه ضائراً ـ ثانياً ـ بعد كونه في السؤال ؛ لكفاية الأصل والعمومات .
وفي الثاني (٣) بالأمر به في كثير من الأخبار المتقدّمة ، فتحمل عليها المطلقة منها أيضاً .
ويضعف : بمعارضة الأخبار المقيّدة مع صحيحة منصور (٤) ، ورواية أبي الجوزاء (٥) اللتين هما كالنص ، بل نصّان في عدم وجوب ستر غير العورة ، وهما راجحتان بموافقة الأصل ، مع أنّ أكثر المقيّدات خالٍ عن الدالّ على الوجوب .
ولذا خالف الشيخ في المبسوط (٦) ظاهراً ، والحلّي (٧) ، والفاضل في جملة من كتبه (٨) في الأول ، فقالوا بعدم الاختصاص . والحلبي (٩) ، والغنية (١٠) ، والإِصباح ،
__________________
(١) الروض : ٩٨ ، الذخيرة : ٨٢ ، الحدائق ٣ : ٣٩٣ .
(٢) في ص ٩٤ .
(٣) أي وتمسكا في الثاني وهو اشتراط كونه من وراء الثياب .
(٤) المتقدمة في ص ٩٦ .
(٥) المتقدمة في ص ١٠١ .
(٦) المبسوط ١ : ١٧٥ ، لم يصرح بالجواز بل احتاط بعدمه كما نقل عنه أيضاً في كشف اللثام ١ : ١٠٩ ومفتاح الكرامة ١ : ٤١٨ .
(٧) السرائر ١ : ١٦٨ .
(٨) المنتهى ١ : ٤٣٧ ونقله في كشف اللثام ١ : ١٠٩ عن التلخيص أيضاً .
(٩) نقل في كشف اللثام عن الكافي ولم نعثر عليه .
(١٠) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ فانه وإن لم يصرح بعدم الاشتراط ولكنه اطلق التغسيل ولم يقيده بكونه من وراء الثياب .
والمدارك ، وأكثر الثالثة (١) في الثاني ، فقالوا بعدم الاشتراط . ووالدي العلّامة ـ رحمه الله ـ في الموضعين .
أقول : والمخالفة في الأول في محلّها ؛ لما مرّ .
وأمّا في الثاني فمشكلة ؛ لأن الأمر بستر العورة والتأزير في الصحيحة والرواية لا ينافي وجوب ستر سائر الأعضاء أيضاً بدليل آخر وإن خصّها بالذكر للأهميّة ، فلا تعارضان المقيّدات ، وتبقى هي بلا معارض سوى بعض المطلقات الواجب حمله على المقيّد .
وخلوّ أكثرها عن الدالّ على الوجوب بعد اشتمال بعضها عليه غير ضائر ، وهو موثّقة الساباطي (٢) حيث جعل المحرم كالمسلمة إلّا في أنّه تكون في المحرم تحت الدرع ، ولا يجوز أن تكون التفرقة في مطلق الرجحان ، لثبوته في المسلمة أيضاً ، وإن كان محلاً للنظر ، فتكون في الوجوب ، وجعلها (٣) في مراتبه بعيد غايته .
مضافاً إلى جواز شمول قوله في خبر الشحام ، المتقدّم (٤) : « وإن كان له فيهن امرأة فليغسّل في قميص » لذوات المحارم ، لثبوت نوع اختصاص ، وبُعده يُجبر بذكر ذي الرحم قبل ذلك دون ها هنا مع الاتّحاد قطعاً .
فالقول بالاشتراط في غاية القوة ، وبالاحتياط أوفق ، فتأمّل .
الخامسة : يجوز تغسيل الأجنبية ابن أقلّ من ثلاث سنين إجماعاً كما في المنتهى (٥) واللوامع ، وعن التذكرة ونهاية الإِحكام (٦) في ابن الثلاث .
وهو الحجة فيه مضافاً إلى العمومات ، وخبر ابن النمير : عن الصبي إلى
__________________
(١) المدارك ٢ : ٦٥ ، وفي الرياض ١ : ٧٠ أنه لا يخلو عن القوة لولا الشهرة العظيمة .
(٢) المتقدمة في ص ١٠١ .
(٣) أي جعل التفرقة في مراتب الرجحان .
(٤) في ص ٩١ .
(٥) المنتهى ١ : ٤٣٦ .
(٦) التذكرة ١ : ٤٠ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣١ .
كم تغسّله النساء ؟ فقال : « إلى ثلاث سنين » (١) .
وموثّقة الساباطي : في الصبي تغسّله امرأة ؟ فقال : « [ إنّما ] تغسّل الصبيان النساء » (٢) .
مجرّداً ؛ للأصل وظاهر الوفاق . اختياراً وفاقاً للأكثر ؛ للأصل والإِطلاق ، وخلافاً للمحكي عن النهاية ، وظاهر الوسيلة ، والسرائر (٣) . ولا دليل له .
لا ابن الثلاث أو أكثر ، وفاقاً لصريح الكركي ، والشرائع ، والمحكي عن المبسوط (٤) ، والإِصباح حيث قيّدوا بالأقلّ ؛ لمفهوم الغاية في الخبر المتقدّم الدالّ على عدم الجواز ، حيث إنّ السؤال في المنطوق عن الجواز قطعاً ، لعدم رجحان فيه .
وخلافاً للأكثر في ابن الثلاث ؛ إمّا لدخول الغاية في المُغيّى ، أو للإِجماعات المحكية ، والعمومات وإطلاق الموثّقة .
والأول ممنوع ، بل الحق خلافه . والثاني مدفوع : بعدم الحجية . والثالث بلزوم التقييد والتخصيص بمفهوم الغاية .
ولوالدي ـ رحمه الله ـ وللمنقول عن الصدوق (٥) ، والمفيد ، والديلمي (٦) في ابن الخمس مجرّداً ، وعن الأخيرين (٧) في ابن الأكثر فوق الثياب .
وكأنّ الأول لإِطلاق الموثّقة الواجب تقييده . والثاني لما اختاره من جواز التغاير مع الستر المتقدّم بطلانه .
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٦٠ ، الجنائز ب ٣٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣١ وفيه : أبو النمير وكذا في التهذيب ١ . ٣٤١ / ٩٩٨ ، الوسائل ٢ : ٥٢٦ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ١ .
(٢) التهذيب ١ : ٤٤٥ / ١٤٣٨ ، الوسائل ٢ : ٥٢٧ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ٢ .
(٣) النهاية : ٤٢ ، الوسيلة : ٦٣ ، السرائر ١ : ١٦٨ .
(٤) جامع المقاصد ١ : ٣٦٤ ، الشرائع ١ : ٣٧ ، المبسوط ١ : ١٧٦ .
(٥) الفقيه ١ : ٩٤ نقله عن شيخه ابن الوليد ولكن مورد كلامه الابنة دون الابن ، ولعله يستفاد بالأولوية .
(٦) المقنعة : ٨٧ ، المراسم : ٥٠ .
(٧) كما في المقنعة والمراسم في الصفحة المشار إليها .
وعن ابن سعيد في ابن الأكثر من الثلاث مطلقاً فوق الثياب (١) وعن ابن حمزة فيه إلى أن يراهق (٢) . ولا دليل تامّاً لهما
والتمسّك بالأصل في بعض ما ذكر مع كون العبادة توقيفية فاسد ، وبالعمومات مع المفهوم المتقدّم باطل .
ومثلها الأجنبي فيغسّل بنت أقلّ من ثلاث سنين ، وفاقاً لغير المعتبر ، بل عن نهاية الإِحكام الإِجماع في بنت الثلاث (٣)
لا للمروي عن جامع محمد بن الحسن : في الجارية تموت مع الرجال ، إلى أن قال : « وإن كانت معه بنت أقلّ من خمس سنين غسّلت » (٤) وإن كان ضعفه في المورد منجبراً بالشهرة والإِجماع المنقول .
لمعارضته مع مرسلة التهذيب : في الجارية تموت مع الرجل فقال : « إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسّل » (٥) .
وتضعيفها لما في متنها من الاختلاف (٦) ضعيف ؛ لأنّه إن اُريد به نفي الغسل عن الأقل ، وعمومه مخالف للشهرة ، فكم من عام يخالف عمومه الأدلة الناطقة ؛ وإن اُريد التخصيص بالأقل فكم من تخصيصات غير ظاهر وجهها لنا ؛ وإن اُريد اضطرابها من جهة ظهور اتّحادها مع ذلك المروي واختلافهما في الأقلّ والأكثر ـ كما قيل (٧) ـ فمع منع الظهور يوجب الوهن فيهما ، مع أن نسخ الفقيه في الأقلّ والأكثر في ذلك المروي مختلفة ، كما صرّح به الوافي (٨) ، وعلى أيّ تقدير فهو
__________________
(١) الجامع : ٥٠ .
(٢) الوسيلة : ٦٣ .
(٣) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣١ .
(٤) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢ ، الوسائل ٢ : ٥٢٨ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ٤ .
(٥) التهذيب ١ : ٣٤١ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢ : ٥٢٧ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ٣ .
(٦) قال في المعتبر ١ : ٣٢٤ : والرواية مرسلة ومتنها مضطرب فلا عبرة بها .
(٧) الرياض ١ : ٦٩ .
(٨) الوافي ٣ : الجزء الثالث عشر ص ٤٦ ( الطبع الحجري ) .
عن الحجية معزول .
بل لعمومات « من غسّل ميتاً » و « غسل الميت على الحي واجب » ونحوهما ، الخالية عن معارضة أدلّة اشتراط المماثلة مطلقاً أو اختياراً ، لاختصاصها بالرجل والمرأة .
اختياراً (١) مجرّدة ؛ للأصل .
[ لا ] (٢) بنت الثلاث ، وفاقاً لمن ذكر في الابن وإن شملها العمومات ، لخروجها بخبر ابن النمير (٣) [ بضميمة ] (٤) عدم القول بالمنع في الابن والجواز في البنت ، وإن كان في العكس .
خلافاً فيها مطلقاً للأكثر ، ومع الاضطرار لطائفة ذكرهم قد مرّ . وفوق الثياب لجمع آخر منهم : المفيد ، والديلمي ، وابنا حمزة وسعيد (٥) ، مع تجويز التغسيل مجرّداً في الأقلّ كالأولين ، أو بدونه كالأخيرين . وفي بنت الأقلّ من خمس للمحكي عن الصدوق (٦) . وفي بنت الخمس لوالدي ـ قدس سره ـ وبعض آخر ممّن تأخّر ، ونقله في اللوامع عن المفيد ، والديلمي ، وليس كذلك .
نعم هما جوّزا تغسيل بنت الأكثر من الثلاث فوق الثياب اضطراراً ، بناءً على قولهم بعدم اشتراط المماثلة مع الاضطرار .
ودليل الجميع : الجمع بين الأصل والعمومات ، والمحكي من الإِجماع ، والمروي عن الجامع (٧) ، وما استدلّوا على تغسيل المغاير مع الاضطرار .
__________________
(١) متعلق بقوله في صدر المطلب : فيغسّل بنت أقل من ثلاث سنين .
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى .
(٣) المتقدم في ص ١٠٣ .
(٤) في النسخ : وبضميمة . والصحيح حذف الواو .
(٥) تقدمت مصادر أقوالهم في ص ١٠٤ .
(٦) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢ نقلا عن جامع ابن الوليد .
(٧) كما رواه في الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢ .
وجواب الكلّ ظاهر .
وللمعتبر ، فلم يجوّزه مطلقاً (١) ؛ لأصالة حرمة النظر .
وفيها نظر ، ولو سلّمت فالغسل لا يتوقّف عليه .
وقد يتأيّد بذيل الموثّق المتقدّم (٢) : عن الصبية ، ولا تصاب امرأة تغسّلها ، قال : « يغسّلها رجل أولى الناس بها » .
وهو ـ مع عدم ظهوره في إطلاق المنع حتى فيما إذا لم يوجد الأولى ـ لا يدلّ على مطلوبه ، بل على خلافه أدلّ ، إذ الأولى كثيراً مّا يكون أجنبياً كأبناء الأعمام والأخوال .
السادسة : عن النهاية ، والمقنعة ، والمبسوط (٣) ، والإِسكافي (٤) ، والمراسم ، والوسيلة (٥) ، والصهرشتي (٦) وابن سعيد ، والتذكرة (٧) ، وفي الشرائع ، والمنتهى ، والقواعد (٨) وغيرها ، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة (٩) ، بل عن التذكرة النسبة إلى علمائنا (١٠) ، وفي الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفاً سوى المحقق (١١) : أنّه مع فقد المماثل المسلم والمحرم ووجود المماثل الكافر يُغسّل وجوباً بعد اغتساله .
__________________
(١) المعتبر ١ : ٣٢٤ .
(٢) في ص ١٠٣ .
(٣) النهاية : ٤٢ ، المقنعة : ٨٦ ، المبسوط ١ : ١٧٥ .
(٤) نقل عنه في الذكرى : ٣٩ .
(٥) المراسم : ٥٠ ، الوسيلة : ٦٣ .
(٦) نقل عنه في الذكرى : ٣٩ .
(٧) الجامع : ٥٠ ، التذكرة ١ : ٣٩ .
(٨) الشرائع ١ : ٣٧ ، المنتهى ١ : ٤٣٦ ، القواعد ١ : ١٧ .
(٩) الذكرى : ٣٩ ، جامع المقاصد ١ : ٣٦١ ، الروضة ١ : ٤٠٩ .
(١٠) التذكرة ١ : ٣٩ .
(١١) الذكرى : ٣٩ .
ويدلّ عليه موثّقة عمّار (١) ، ورواية زيد (٢) ، والرضوي (٣)
ولا يضرّ خلوّها عن الدال على الوجوب ؛ لأنّ عمومات وجوب غسل الميت بعد كون الكافر مكلفاً بالفروع تكفي في إثباته ، غاية الأمر اشتراط صحة العبادات عنه بالإِسلام ، للتوقّف على النية المتوقّفة عليه ، وهو منتفٍ للأخبار المذكورة .
فالاستدلال بها حقيقة على نفي شرطية الإِسلام حين التعذّر دون الوجوب ، ولازمه نفي اشتراط النية حينئذٍ ، ولا ضير فيه بعد دلالة الأخبار ، وإن قلنا باشتراطها في غيره . ومدخليتها في حقيقة الغسل غير معلومة .
وأمّا جعل لازمه صحة نية الكافر ـ كبعض المتأخّرين (٤) ـ فهو غريب ؛ لعدم تأتّي نية التقرّب بذلك منه ، وإلّا لما كان كافراً .
خلافاً للمحقّقَينْ في المعتبر وشرح القواعد فنفياه (٥) ، ونسب إلى ابن سعيد أيضاً (٦) ، بل هو ظاهر من لم يذكر الحكم كالعماني ، والجعفي (٧) ، والقاضي ، والحلبي ، وابن زهرة الحلبي ، والشيخ في الخلاف (٨) ، وتوقّف في الذكرى (٩) .
__________________
(١) الكافي ٣ : ١٥٩ ، الجنائز ب ٢٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٧ ، الوسائل ٢ : ٥١٥ أبواب غسل الميت ب ١٩ ح ١ .
(٢) التهذيب ١ : ٤٤٣ / ١٤٣٣ ، الاستبصار ١ : ٢٠٣ / ٧١٨ ، الوسائل ٢ : ٥١٦ أبواب غسل الميت ب ١٩ ح ٢ .
(٣) فقه الرضا : ١٧٣ ، المستدرك ٢ : ١٨٢ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ١ .
(٤) الحدائق ٣ : ٤٠٢ .
(٥) المعتبر ١ : ٣٢٦ ، جامع المقاصد ١ : ٣٦٢ .
(٦) نسبه إليه في كشف اللثام ١ : ١٠٩ ، قال : وهو ظاهر الجامع لنسبة الحكم فيه إلى رواية ضعيفة ، انظر الجامع : ٥٠ .
(٧) نسب إليهما عدم الذكر في الذكرى : ٣٩ .
(٨) المهذب ١ : ٥٤ إلى ٥٦ ، الكافي : ١٣٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ، الخلاف ١ : من ٦٩١ إلى ٧٣٢ .
(٩) الذكرى : ٣٩ .
لضعف الأخبار ، وما في نية الكافر من عدم الاعتبار ، ونجاسته فلا يفيد الطهارة للأغيار .
ويضعّف الأول : بكفاية العمومات مع ما لضعفها من الانجبار .
والثاني : بعدم الاعتبار بعد دلالة الأخبار .
والثالث : بإمكان الغسل في الكثير أو الجاري ، أو من غير ملاقاته الماء ، غايته تنجّس الميت بنجاسة عرضية لمباشرته بعد التغسيل أو عنده ، وهو غير ضائر ، وتطهير المسلم المغاير له ممكن .
والظاهر الاقتصار على الذمّي ، كما هو مورد الروايات .
وظاهر بعضهم ، وصريح والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ أنّه وإن كان واجباً إلّا أنّه ليس بغسل حقيقي . وهو صحيح إن ثبت مدخلية النية في حقيقة الغسل مطلقاً .
ولا يعاد الغسل بعد رفع الضرورة كسائر موارد الامتثال ؛ لدلالة الأمر على الإِجزاء ، وعدم اجتماع البدل والمبدل .
السابعة : الخنثى المشكل ومن اشتبهت ذكوريته واُنوثيته إن لم يبلغ الثلاث فأمره واضح .
وإن بلغ فالحقّ جواز تغسيله لكلّ من الذكر والاُنثى وبالعكس ؛ للعمومات الخالية عن المخصّص سوى الأخبار المانعة عن تغسيل المغاير الذي هو في المورد غير معلوم .
الثامنة : في صحة الغسل من غير المكلّف من المميّز ، وعدمها قولان :
الأول عن الفاضلين في بعض كتبهما (١) ، لصحة نية القربة منه ، ودلالة الأخبار على جواز عتقه ووصيته وصدقته (٢) ونحوها .
__________________
(١) المعتبر ١ : ٣٢٦ ، التذكرة ١ : ٤٠ .
(٢) انظر الوسائل ١٩ : ٢١١ أبواب الوقوف والصدقات ب ١٥ ، وص ٣٦٠ أبواب الوصايا ب ٤٤ وج ٢٣ : ٩١ أبواب العتق ب ٥٦ .
والثاني عن الدروس (١) ؛ لعدم وقوع النية منه على الوجه المعتبر شرعاً .
وظاهر الذكرى (٢) واللوامع التوقّف .
وقد يبنى القولان على اعتبار النية في الغسل وعدمه .
أقول : الكلام إمّا في وجوبه ، أو جوازه بمعنى الصحة والامتثال أو ترتب الأثر عليه .
فإن كان الأول فعدمه ظاهر ، وإلّا لم يكن غير مكلّف . وأخبار جواز العتق ونحوه منه إن جعلت أدلّة على التكليف ـ كبعضهم (٣) ـ خرج عن الموضوع ، وإلّا فجواز بعض الاُمور منه بدليل لا يوجب تعلّق أمر آخر به .
وإن كان الثاني فلتوقّف العلم بترتّب الأثر وحصول الامتثال بشمول العمومات الطلبية له يبتني عليه ، فإن قلنا بالشمول صحّ ، وتأتّي النية منه ، وإلّا ـ كما هو الأظهر ـ فلا وإن لم يتوقّف الغسل على النية .
وعلى القول بالصحة لا يجب عليه ، وهو ظاهر . ولا على المكلّف الغير المحرم ولا المماثل أمره ؛ لعدم الدليل .
__________________
(١) الدروس ١ : ١٠٤ .
(٢) الذكرى : ٤٠ .
(٣) قد يكون ناظراً إلى قول المحدث الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٤ في كيفية الجمع بين الأخبار المختلفة في البلوغ ، من أن التوفيق بين الأخبار يقتضي اختلاف معنى البلوغ بحسب السن بالاضافة إلى أنواع التكاليف ، كما يظهر مما روي في باب الصيام أنه لا يجب على الاُنثى قبل إكمالها الثلاث عشرة سنة إلا إذا حاضت قبل ذلك ، وما روي في باب الحدود « أن الاُنثى تؤاخذ بها وهي تؤخذ لها تامة إذا اكملت تسع سنين » إلى غير ذلك مما ورد في الوصية والعتق ونحوهما أنها تصح من ذي العشر .
الفصل الثاني في المغسول
وفيه مسائل :
المسألة الاُولى : وجوب تغسيل كلّ مسلم إن كان معتقداً للحق ضروريّ .
وأمّا المخالف فإن لم يكن محكوماً بكفره فالحقّ ـ كما صرّح به في القواعد والتحرير (١) ، والإِرشاد (٢) ، واللوامع ، مدّعياً عليه في الأخير وفي غيره الشهرة ـ وجوب تغسيله ، وكان نظره إلى أنّه مراد من جوّزه بإزاء من حرّمه كما صرّح بذلك بعض المشايخ (٣) .
للعمومات مثل : « غسل الميت واجب على الحي » (٤) .
ومضمرة أبي خالد : « اغسل كلّ شيء من الموتى الغريق وأكيل السبع وكلّ شيء ، إلّا ما قتل بين الصفّين ، فإن كان به رمق غسّل وإلّا فلا » (٥) .
مع كراهيّته للمؤمن ، كما في القواعد والمنتهى والشرائع وعن المبسوط والنهاية والجامع (٦) ، ونسبها الكركي إلى المشهور بين الأصحاب عند [ عدم ] (٧) التعين .
__________________
(١) القواعد ١ : ١٧ ، التحرير ١ : ١٧ وفيه : كل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله الا الخوارج والغلاة .
(٢) الارشاد ١ : ٢٢٩ .
(٣) الحدائق ٣ : ٤٠٩ .
(٤) ورد مؤداه في بعض الروايات مثل موثقة سماعة « غسل الميت واجب » . انظر الوسائل ٢ : ٤٧٧ أبواب غسل الميت ب ١ .
(٥) الكافي ٣ : ٢١٣ ، الجنائز ب ٧٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ وفيه : إغسل كل الموتى . . . الاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٣ ، الوسائل ٢ : ٥٠٦ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٣ .
(٦) القواعد ١ : ١٧ ، المنتهى ١ : ٤٣٥ ، الشرائع ١ : ٣٩ ، المبسوط ١ : ١٨١ ، النهاية : ٤٣ ، الجامع : ٥٧ .
(٧) ما بين المعقوفين وضعناه لاستقامة المعنى ، قال في جامع المقاصد ١ : ٣٦٨ : والمشهور بين الأصحاب كراهية التعرض إليه إلّا أن يتعيّن فيجب .
ولا بأس بها ؛ للشهرة .
وهي هنا بمعنى المرجوحية بالإِضافة إلى ارتكاب المخالف له ، كما كانت الأولوية في الولي بمعنى الراجحية بالإِضافة إلى ارتكاب غيره ، كما إذا طلب سلطان من واحد من جماعة حاضرين لديه إحضار سوقي كان حضوره لازماً البتة ، فارتكاب الوزير بنفسه له مرجوح بالإِضافة إلى العبيد ، لا بمعنى أقلية الثواب ، إذ لا معنى محصّل له هنا ، ولا بالمعنى المصطلح في غير العبادات ، لمنافاته الوجوب ، بل مطلق الرجحان .
خلافاً للمقنعة والمحكي عن المراسم (١) ، والمهذب والسرائر (٢) ، وبعض الثالثة (٣) ، فحرّموه ؛ إمّا لكفره ، وهو ممنوع ؛ أو لكونه عبادة فيحرم بدون التوقيف ولا توقيف ، وقد عرفت ثبوته ، ودعوى عدم انصراف الإِطلاقات إلى مثله غريبة ؛ أو لأنّ تغسيل الميت لاحترامه ولا احترام له ، وانحصار العلة فيه ، مع أنّه صرّح في الأخبار بغيره .
ولمن نفى وجوبه كالمدارك والكفاية والذخيرة (٤) ، وهو بين احتمال الحرمة لأحد الوجهين ، وقد عرفت ضعفها ، والاستحباب لعموم مرغّبات الغسل دون موجباته التي تصلح للحجية ، وضعفه ظاهر ، والإِباحة لفقد العموم والأصل ، فإن أراد ما أمر به الشارع ، ورتّب عليه الطهارة ، وعدم وجوب الغسل بالمسّ ، فلا يستباح بالأصل ، وإن أراد صورة الغسل فهي غير محل النزاع .
ولبعض الأجلة (٥) فحرّمه مع قصد الكرامة له ، أو للنحلة ، وجوّزه بقصد
__________________
(١) المقنعة : ٨٥ ، المراسم : ٤٥ وفيه : وهو ( يعني تغسيل الميت ) على ضربين أحدهما الغسل فيه واجب على الميت نفسه قبل موته ، والآخر يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقداً للحق .
(٢) المهذب ١ : ٥٤ ، السرائر ١ : ١٥٨ .
(٣) الحدائق ٣ : ٤٠٥ ، الرياض ١ : ٧٠ .
(٤) المدارك ٢ : ٦٩ ، الكفاية : ٦ ، الذخيرة : ٨٠ .
(٥) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١١٠ .
إكرام إظهار الشهادة أو من غير إرادة الكرامة ، وهو خروج عن المسألة .
ثم المشهور ـ بل في شرح القواعد أنّه لا نعرف من أحد تصريحاً بخلافه (١) ـ أنّه يغسل غسلهم ؛ لقولهم : « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » (٢) .
وفي دلالته نظر ، والأولى بالنظر ما قالوا من أنّه يغسل غسلنا لو لم نعرف كيفية غسلهم .
والأظهر تغسيله كغسلنا مطلقاً ، إلّا أنّه إذا غسله المخالف كغسلهم يسقط عنّا ؛ لظاهر الإِجماع ، والخبر المذكور .
وإن كان كافراً فلا يجوز غسله ولا كفنه ولا دفنه ولا الصلاة عليه ، بإجماعنا المحقّق ، والمحكي (٣) متواتراً ؛ وهو الحجة في جميع أقسامه ، من الذمي والحربي ، والغلاة ، والخوارج ، والنواصب .
مضافاً في الأول بأصنافه ـ بضميمة الإِجماع المركّب ـ إلى موثّقة الساباطي : في النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت ، قال : « لا يغسّله مسلم ولا كرامة ، ولا يدفنه ، ولا يقوم على قبره وإن كان أباه » (٤) .
وفيه وفي الثاني والثالث إلى المنقول في المعتبر عن شرح الرسالة للسيد ، ـ المنجبر ضعفه بما مرّ ـ : روي عن أبي عبد الله عليه السلام : « النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي والمشرك ، وأن يكفّنه ويصلّي عليه » (٥) .
وفي الأخيرين إلى المرويّ في الاحتجاج من قول مولانا الحسين عليه السلام
__________________
(١) جامع المقاصد ١ : ٣٦٨ .
(٢) انظر الوسائل ٢٢ : ٧٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ . وهي مؤدى القاعدة المعروفة بقاعدة الإِلزام .
(٣) كما في التهذيب ١ : ٣٣٥ ، التذكرة ١ : ٤ ، الذكرى : ٤٢ .
(٤) الكافي ٣ : ١٥٩ الجنائز ب ٢٩ ح ١٢ . ولم يرد فيه : « وإن كان أباه » ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٦ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢ : ٥١٤ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ١ .
(٥) المعتبر ١ : ٣٢٨ ، الوسائل ٢ : ٥١٤ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ٢ .
لمعاوية : « لو قتلنا شيعتك ما كفنّاهم ولا غسّلناهم ولا صلّينا عليهم ولا دفناهم » (١) .
وكذا من صار كافراً بإنكار الضروري ؛ لظاهر الإِجماع .
فرع : لو وجد ميت ولم يعلم هل هو مسلم أم كافر . فإن كان في دار الإِسلام غسّل وكفّن وصلّي عليه ؛ للعمومات .
وإن كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر ولو كان فيه علامة المسلم ؛ إذ لا علامة إلّا ويشارك فيه كافر ، كذا قيل (٢) . ومقتضى العمومات هنا أيضاً التغسيل .
ولو اشتبه موتى المسلمين بالكفّار في غير الشهداء يغسّل الجميع ؛ لوجوب مقدّمة الواجب ، إذ لا تعارضه حرمة سبب الحرام ، لدخول كلّ فرد في العمومات ، فتأمّل .
الثانية : يجب تغسيل أطفال المسلمين ومجانينهم ، بالإِجماع ، والعمومات ، وما تقدم في تغسيل الصبي والصبية ، وفحوى أخبار السقط ، الآتية .
وكذا السقط منهم إذا استكمل أربعة أشهر ، فيغسّل وجوباً بلا خلاف يعرف من غير العامّة ، كما صرّح به بعض الخاصة (٣) ، ونسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم (٤) .
ولخبر زرارة : « السقط إذا تمّ به أربعة أشهر غسّل » (٥) ونحوها مرفوعة أحمد (٦) .
والرضوي ـ المنجبر بما مرّ ـ : « إذا أسقطت المرأة وكان السقط تامّاً غسّل
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٩٦ ، الوسائل ٢ : ٥١٥ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ٣ .
(٢) المعتبر ١ : ٣١٥ .
(٣) كشف اللثام ١ : ١٠٧ .
(٤) المنتهى ١ : ٤٣٢ .
(٥) الكافي ٣ : ٢٠٦ الجنائز ب ٧٣ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٤ .
(٦) التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٦٠ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٢ .
وحنّط وكفّن ودفن ، وإن لم يكن تامّاً فلا يغسّل ويدفن بدنه ، وحدّ إتمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر » (١) .
وهو وإن لم يُثبت زيادة من الرجحان إلّا أنّه يثبت الوجوب بالإِجماع المركّب .
وبموثّقتي سماعة أيضاً : عن السقط إذا استوى خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن ؟ فقال : « كلّ ذلك يجب عليه » (٢) .
واستواء الخلقة إنّما هو بتمام أربعة أشهر ؛ لا لما قيل (٣) من الأخبار الدالّة على بعث الملكين الخلاقين بعد تمام أربعة أشهر (٤) ، لعدم دلالتها على تمام الخلقة في الأربعة أصلاً ؛ بل للرضوي المنجبر المتقدّم .
ولكن يعارضه مفهوم مرفوعة أحمد ، ورواية زرارة .
الاُولى : « إذا تمّ له ستة أشهر فهو تام ، وذلك أن الحسين بن علي ـ عليهما السلام ـ ولد وهو ابن ستة أشهر » (٥) .
وكذا الثانية (٦) ، غير أنّ فيها بدل « إذا تمَّ له ستة أشهر » : « إذا سقط لستة أشهر » .
والأصل معهما ، إلّا أنّ الظاهر أنّ التمامية تكون في اُمور في الخلقة والحياة والنموّ وغيرها ، فبالأربعة أشهر تتم الخلقة وبالستة الحياة ، ويشعر به التعليل بتولّد الحسين حيث بقي ، ويتم بعض مراتبها بالبلوغ ، وبعضها ببدوّ سن الوقوف ،
__________________
(١) فقه الرضا : ١٧٥ ، المستدرك ١٧٥ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ١ .
(٢) الكافي ٣ : ٢٠٨ ، الجنائز ب ٧٤ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦٢ ، الوسائل ٢ : ٥٠١ أبواب غسل الجنابة ب ١٢ ح ١ .
(٣) الرياض ١ : ٦٩ .
(٤) انظر الكافي ٦ : ١٣ كتاب العقيقة ب ٦ ح ٣ ، ٦ ، ٧ .
(٥) تقدم مصدرها في ص ١١٤ .
(٦) التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ ، أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٣ .
وهكذا ، فلا يعلم التعارض ، ويتعيّن العمل بالرضوي . وبه وبسائر ما مرّ يقيد إطلاق خبر ابن الفضيل : عن السقط كيف أصنع به ؟ فكتب : « السقط يدفن بدمه في موضعه » (١) .
ثمَّ المستفاد من الرضوي والموثقتين وجوب التكفين والتدفين ، كما عن المبسوط ، والمقنعة ، والنهاية ، والمراسم ، والجامع (٢) ، والمنتهى ، والتبصرة ، والإِرشاد ، والتذكرة ، والتلخيص ، ونهاية الإِحكام (٣) .
وعن ظاهر الشرائع ، والتحرير ، اللف في خرقة حملاً للتكفين عليه (٤) .
وهو مشكل ، بل ضعيف ؛ لبيان التكفين في الأخبار بأنّه كذا وكذا ، مع أنّ عمومات التكفين تشمل المقام أيضاً .
بل مقتضى الرضوي وجوب التحنيط ، كما عن ظاهر الإِرشاد والتلخيص ، ولكن ضعفه الخالي عن الجابر المعلوم يمنع عن إثباته إلّا أن يثبت بعموم أدلّة تحنيط الأموات . والأحوط عدم تركه .
ولو لم يستكمل الأربعة لم يغسّل إجماعاً ، وعن المعتبر : أنّه مذهب العلماء خلا ابن سيرين (٥) ، وفي المنتهى : بغير خلاف (٦) ؛ للأصل ، والرضوي ، وخبر ابن الفضيل ، ومفهوم الموثقتين . بل يدفن بدمه كما في الأولين ، وظاهرهما عدم الأمر بشيء آخر .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٠٨ ، الجنائز ب ٧٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦١ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٥ .
(٢) المبسوط ١ : ١٨٠ ، المقنعة : ٨٣ ، النهاية : ٤١ ، المراسم : ٤٦ ، الجامع : ٤٩ .
(٣) المنتهى ١ : ٤٣٢ ، التبصرة : ١٥ ، الارشاد ١ : ٢٣٢ ، التذكرة ١ : ٤٠ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣٤ ، وفيه : السقط إذا كمل له أربعة أشهر وجب أن يغسل . . . ولو كان له أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن إجماعاً .
(٤) الشرائع ١ : ٣٨ ، التحرير ١ : ١٧ .
(٥) المعتبر ١ : ٣٢٠ .
(٦) المنتهى ١ : ٤٣٢ .
ولكن في المعتبر ، والشرائع ، والنافع ، والمنتهى (١) ، وعن المفيد ، والديلمي ، والقاضي (٢) ، والكيدري ، بل في اللوامع أنه ظاهر الأكثر ، بل ظاهر المعتبر (٣) أنه مذهب أهل العلم : أنّه يلفّ في خرقة ويدفن . ولا شك أنّه أولى ؛ لفتوى هؤلاء الأجلّاء ، بل هو أحوط .
والجنين الميت في بطن الميت لا يغسّل ؛ للأصل ، بل هو كجزء أصله يكفي غسلها عن غسله . ولو خرج أو اُخرج بعد الموت عن الحي أو الميت يغسّل ؛ لعمومات غسل السقط او الميت ، سواء اُخرج منقطعاً أو متّصلاً .
ولو ماتت حامل وخرج بعض قطع الجنين الميت منه ففي تغسيل الخارج نظر ، والعدم أظهر .
وكذا لو خرج بعضه وبقي البعض متّصلاً من غير تقطّع سواء أمكن إخراج التمام أو لا ، وإن كان الإِخراج والتغسيل مع الإِمكان أحوط ، بل أظهر .
الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب كما صرّح به جماعة ، وفي المعتبر (٤) : أنّه إجماع أهل العلم خلا شاذّ من العامّة (٥) ، وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ولا خلاف فيه بين علماء الأمصار إلّا الحسن البصري وسعيد بن المسيب (٦) ، بل عليه إجماع المسلمين في اللوامع : أنّ الشهيد الميت في معركة القتال لا يغسّل ولا يكفّن ، بل يصلّى عليه ويدفن ؛ واستفاضت به النصوص :
كحسنة زرارة وابن جابر : كيف رأيت ؟ الشهيد يدفن بدمائه ؟ قال : « نعم
__________________
(١) المعتبر ١ : ٣٢٠ ، الشرائع ١ : ٣٨ ، النافع : ١٥ ، المنتهى ١ : ٤٣٢ .
(٢) المقنعة : ٨٣ ، المراسيم : ٤٦ ، المهذب ١ : ٥٦ .
(٣) المعتبر ١ : ٣٢٠ .
(٤) المعتبر ١ : ٣٠٩ .
(٥) قال ابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٢٢٧ ان الجمهور على ترك غسله . . . وكان الحسن وسعيد ابن المسيب يقولان يغسل كل مسلم .
(٦) المنتهى ١ : ٤٣٣ .
في ثيابه بدمائه ، ولا يحنّط ولا يغسّل ويدفن [ كما هو ] » (١) .
وصحيحة أبي مريم على طريق الفقيه : « الشهيد إذا كان به رمق غسّل وكفّن وحنّط وصلّي عليه ، وإن لم يكن به رمق دفن في ثيابه » (٢) .
وصحيحة ابن تغلب : عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسّل ويكفّن ويحنّط ؟ قال : « يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلّا أن يكون به رمق ثم مات ، فإنّه يغسّل ويكفّن ويحنّط ويصلّى عليه » (٣) .
وحسنته : « الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسّل ، إلّا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد ، فإنّه يغسّل ويكفّن ويحنّط » (٤) .
ومضمرة أبي خالد ، المتقدّمة في المسألة الاُولى (٥) .
والرضوي : « وإن كان الميت قتيل المعركة في طاعة الله لم يغسّل ، ودفن في ثيابه التي قتل فيها بدمائه ، ولا ينزع منه من ثيابه شيء إلّا أنّه لا يترك عليه شيء معقود ، مثل الخف ، وتحل تكته ، ومثل المنطقة والفروة ، وإن أصابه شيء من دم لم ينزع عنه شيء إلّا أنّه يحل المعقود ، ولم يغسّل إلّا أن يكون به رمق ثم يموت بعد ذلك ، فإذا مات بعد ذلك غسّل كما يغسّل الميت ، وكفّن كما يكفّن الميت ، ولا
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢١١ ، الجنائز ب ٧٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٦ ، الوسائل ٢ : ٥٠٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٨ .
(٢) الفقيه ١ : ٩٧ / ٤٤٦ ، وسند الصدوق إلى أبي مريم صحيح في المشيخة وهو : أبوه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان ابن عثمان ، عن أبي مريم . ( الفقيه ٤ : ٢٣ ) . ورواها في الكافي ٣ : ٢١١ ب ٧٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧١ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٧ ، الوسائل ٢ : ٥٠٦ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ١ .
(٣) الكافي ٣ : ٢١٠ ، الجنائز ب ٧٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٥ ، الوسائل ٢ : ٥٠٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٧ .
(٤) الكافي ٣ : ٢١٢ ، الجنائز ب ٧٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٣٢ / ٩٧٣ ، الوسائل ٢ : ٥١٠ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٩ .
(٥) في ص ١١١ .
يترك عليه شيء من ثيابه » (١) .
إنّما الخلاف في تعيين الشهيد الذي ذلك حكمه أنّه هل هو المقتول بين يدي المعصوم خاصة ؟ كما في الشرائع ، والقواعد ، وعن المقنعة ، والمراسم (٢) .
أو مع نائبه الخاص أيضاً ؟ كما عن المبسوط ، والنهاية ، والمهذب ، والوسيلة ، والسرائر ، والجامع ، والمنتهى (٣) ، وفي اللوامع نسبه إلى الأكثر ، ومال إليه جمع ممّن تأخّر (٤) .
أو في كلّ جهاد مأمور به ولو حال الغيبة ؟ كما عن المعتبر ، والغنية ، والإِشارة (٥) ، وظاهر الكافي (٦) ، والذكرى ، والمدارك (٧) ، وصريح الكركي (٨) ، ووالدي العلّامة ـ رحمه الله ـ ومحتمل نهاية الإِحكام ، والتذكرة (٩) .
الحقّ هو الثاني ، فلا يغسّل المقتول بين يدي الإِمام أو نائبه الخاص ، ويغسّل غيره .
أمّا الأول : فللرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة ، المؤيّد بسائر الأخبار .
وأمّا الثاني فللعمومات الخالية عن المخصّص المعلوم ؛ إذ ليس إلّا روايات السقوط عن الشهيد والمقتول في سبيل الله ، وفي طاعة الله ، وما قتل بين الصفّين .
وثبوت الحقيقة الشرعية للأولين في غير من ذكرنا لنا غير معلوم ، واستعمالهما
__________________
(١) فقه الرضا : ١٧٤ ، المستدرك ٢ : ١٧٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٥ .
(٢) الشرائع ١ : ٣٧ ، القواعد ١ : ١٧ ، المقنعة : ٨٤ ، المراسم : ٤٥ .
(٣) المبسوط ١ : ١٨١ ، النهاية : ٤٠ ، المهذب ١ : ٥٥ ، الوسيلة : ٦٣ ، السرائر ١ : ١٦٦ ، الجامع : ٤٩ ، المنتهى ١ : ٤٣٣ .
(٤) كما يظهر من مجمع الفائدة ١ : ٢٠١ والرياض ١ : ٦٨ .
(٥) المعتبر ١ : ٣١١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ، الاشارة : ٧٦ .
(٦) كذا نقل في كشف اللثام ١ : ١١١ ولم نعثر عليه في الكافي للحلبي .
(٧) الذكرى : ٤١ ، المدارك ٢ : ٧١ .
(٨) جامع المقاصد ١ : ٣٦٥ .
(٩) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣٦ ، التذكرة ١ : ٤١ .
فيه في الأخبار لا يفيده ، لأنّه أعم من الحقيقة ، كإرادة كلّ قربة من الثاني في آية الصدقات (١) ، وتبادره منه في العرف المتأخّر لا يثبته ، لأصالة التأخّر .
وضعف المتضمّن للثالث ، الخالي عن الجابر في غير من ذكر ـ حيث صرّح بعضهم (٢) بمخالفة التعدّي إليه للشهرة العظيمة ـ يمنع من التخصيص به .
وعدم ثبوت إفادة لفظة « ما » الموصولة الواردة في الرابع (٣) للعموم ، يُضعّف شموله له .
والأولون احتجّوا للسقوط : بالإِجماع ، ولعدمه بالعمومات مع ضعف الرضوي . وقد عرفت دفعه .
والآخرون استدلّوا للسقوط : بصدق سبيل الله . وقد مرَّ جوابهُ .
وإذا عرفت عدم ثبوت السقوط في غير الحاضر عند الحجة أو نائبه الخاص تعلم أنّه لا تترتّب فائدة في بحثنا عن سائر متعلّقات تلك المسألة وفروعها .
الرابعة : إذا وجد بعض الميت ، فإن كان قطعة فيه عظم ، يجب تغسيله سواء كانت ممّا فيه الصدر والقلب أو الصدر وحده أو غيره ، على المشهور ، بل في المنتهى : بغير خلاف بين علمائنا (٤) ، وعن الخلاف الإِجماع عليه (٥) .
لا لعدم سقوط الميسور بالمعسور ؛ لعدم دلالته كما هو في محلّه مذكور .
ولا للصحيح الآتي الآمر بتغسيل عظام الميت وتكفينها والصلاة عليها ؛ لظهوره في مجموع العظام ، مع اشتماله على ما لم يقل به أحد لو عمّمت بحيث تشمل الأبعاض أيضاً .
ولا ـ في الصدر أو ما يشمله ـ للأخبار الدالّة على وجوب الصلاة عليه (٦)
__________________
(١) ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ . . . وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ . . . ) . . ( التوبة : ٦٠ ) .
(٢) كما في الرياض ١ : ٦٨ .
(٣) راجع ص ١١١ ، مضمرة أبي خالد .
(٤) المنتهى ١ : ٤٣٤ .
(٥) الخلاف ١ : ٧١٦ .
(٦) انظر الوسائل ٣ : ١٣٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ .