مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-78-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

كموثقة سماعة ، وخبر الشحام ، وصحيحة منصور ، وحسنة الحلبي ، وموثقة البصري المتقدمة (١) .

وموثقة الساباطي : عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ، ومعه رجال نصارى ، ومعه عمّته وخالته مسلمتان ، كيف يصنع في غسله ؟ قال : « تغسله عمّته وخالته في قميصه ولا تقربه النصارى » وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة ، ومعهم نساء نصارى وعمّها وخالها معهم مسلمان ، قال : « يغسلانها ولا تقربها النصرانية ، كما كانت المسلمة تغسلها ، غير أنّه يكون عليها درع فيصبّ الماء من فوق الدرع » (٢) الحديث .

ورواية أبي الجوزاء ، وفيها : « وإذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه ويصببن عليه الماء صبّاً ، ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه » (٣) .

وبتلك الأخبار يخصّص عموم صحيحة البصري السابقة (٤) في المسألة الثانية الناشئ عن ترك الاستفصال ، وخبر الشحام (٥) الناشئ عن إطلاق نفي امرأة له مع احتمال إرادة ما يشمل ذات المحارم أيضاً منها كما يأتي .

ويؤيده ما في الروايات الكثيرة من السؤال عن غسل من مات ولا محرم له ولا مماثل (٦) .

والمشهور اختصاصه بحال الاضطرار ، واشتراط كونه من وراء الثياب ،

__________________

(١) تقدمت الروايات في ص ٩١ رقم ٢ ، ٣ وص ٩٦ رقم ٢ ، ٣ وص ٩٨ رقم ٢ .

(٢) الكافي ٣ : ١٥٩ ، الجنائز ب ٢٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٧ ، الوسائل ٢ : ٥١٧ أبواب غسل الميت ب ٢٠ ح ٥ .

(٣) التهذيب ١ : ٤٤١ / ١٤٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٠١ / ٧١١ ، الوسائل ٢ : ٥١٩ أبواب غسل الميت ب ٢٠ ح ٨ .

(٤) في ص ٩٠ .

(٥) المتقدّم في ص ٩١ .

(٦) نظر الوسائل ٢ : ٥٢٢ أبواب غسل الميت ب ٢٢ .

١٠١
 &

ودعوى الشهرة عليهما متكرّرة في كلام الأصحاب (١) ؛ تمسّكاً في الأول بمفهوم رواية الثمالي المتقدمة (٢) ، واختصاص الأخبار المجوّزة بصورة الاضطرار .

ويضعف الأول : بما مرّ من عدم دلالته على الحرمة ، والمعارضة مع المجوّزة بالعموم من وجه .

والثاني : بمنع الاختصاص أولاً ؛ لإِطلاق صحيحة منصور ، وعدم كونه ضائراً ـ ثانياً ـ بعد كونه في السؤال ؛ لكفاية الأصل والعمومات .

وفي الثاني (٣) بالأمر به في كثير من الأخبار المتقدّمة ، فتحمل عليها المطلقة منها أيضاً .

ويضعف : بمعارضة الأخبار المقيّدة مع صحيحة منصور (٤) ، ورواية أبي الجوزاء (٥) اللتين هما كالنص ، بل نصّان في عدم وجوب ستر غير العورة ، وهما راجحتان بموافقة الأصل ، مع أنّ أكثر المقيّدات خالٍ عن الدالّ على الوجوب .

ولذا خالف الشيخ في المبسوط (٦) ظاهراً ، والحلّي (٧) ، والفاضل في جملة من كتبه (٨) في الأول ، فقالوا بعدم الاختصاص . والحلبي (٩) ، والغنية (١٠) ، والإِصباح ،

__________________

(١) الروض : ٩٨ ، الذخيرة : ٨٢ ، الحدائق ٣ : ٣٩٣ .

(٢) في ص ٩٤ .

(٣) أي وتمسكا في الثاني وهو اشتراط كونه من وراء الثياب .

(٤) المتقدمة في ص ٩٦ .

(٥) المتقدمة في ص ١٠١ .

(٦) المبسوط ١ : ١٧٥ ، لم يصرح بالجواز بل احتاط بعدمه كما نقل عنه أيضاً في كشف اللثام ١ : ١٠٩ ومفتاح الكرامة ١ : ٤١٨ .

(٧) السرائر ١ : ١٦٨ .

(٨) المنتهى ١ : ٤٣٧ ونقله في كشف اللثام ١ : ١٠٩ عن التلخيص أيضاً .

(٩) نقل في كشف اللثام عن الكافي ولم نعثر عليه .

(١٠) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ فانه وإن لم يصرح بعدم الاشتراط ولكنه اطلق التغسيل ولم يقيده بكونه من وراء الثياب .

١٠٢
 &

والمدارك ، وأكثر الثالثة (١) في الثاني ، فقالوا بعدم الاشتراط . ووالدي العلّامة ـ رحمه الله ـ في الموضعين .

أقول : والمخالفة في الأول في محلّها ؛ لما مرّ .

وأمّا في الثاني فمشكلة ؛ لأن الأمر بستر العورة والتأزير في الصحيحة والرواية لا ينافي وجوب ستر سائر الأعضاء أيضاً بدليل آخر وإن خصّها بالذكر للأهميّة ، فلا تعارضان المقيّدات ، وتبقى هي بلا معارض سوى بعض المطلقات الواجب حمله على المقيّد .

وخلوّ أكثرها عن الدالّ على الوجوب بعد اشتمال بعضها عليه غير ضائر ، وهو موثّقة الساباطي (٢) حيث جعل المحرم كالمسلمة إلّا في أنّه تكون في المحرم تحت الدرع ، ولا يجوز أن تكون التفرقة في مطلق الرجحان ، لثبوته في المسلمة أيضاً ، وإن كان محلاً للنظر ، فتكون في الوجوب ، وجعلها (٣) في مراتبه بعيد غايته .

مضافاً إلى جواز شمول قوله في خبر الشحام ، المتقدّم (٤) : « وإن كان له فيهن امرأة فليغسّل في قميص » لذوات المحارم ، لثبوت نوع اختصاص ، وبُعده يُجبر بذكر ذي الرحم قبل ذلك دون ها هنا مع الاتّحاد قطعاً .

فالقول بالاشتراط في غاية القوة ، وبالاحتياط أوفق ، فتأمّل .

الخامسة : يجوز تغسيل الأجنبية ابن أقلّ من ثلاث سنين إجماعاً كما في المنتهى (٥) واللوامع ، وعن التذكرة ونهاية الإِحكام (٦) في ابن الثلاث .

وهو الحجة فيه مضافاً إلى العمومات ، وخبر ابن النمير : عن الصبي إلى

__________________

(١) المدارك ٢ : ٦٥ ، وفي الرياض ١ : ٧٠ أنه لا يخلو عن القوة لولا الشهرة العظيمة .

(٢) المتقدمة في ص ١٠١ .

(٣) أي جعل التفرقة في مراتب الرجحان .

(٤) في ص ٩١ .

(٥) المنتهى ١ : ٤٣٦ .

(٦) التذكرة ١ : ٤٠ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣١ .

١٠٣
 &

كم تغسّله النساء ؟ فقال : « إلى ثلاث سنين » (١) .

وموثّقة الساباطي : في الصبي تغسّله امرأة ؟ فقال : « [ إنّما ] تغسّل الصبيان النساء » (٢) .

مجرّداً ؛ للأصل وظاهر الوفاق . اختياراً وفاقاً للأكثر ؛ للأصل والإِطلاق ، وخلافاً للمحكي عن النهاية ، وظاهر الوسيلة ، والسرائر (٣) . ولا دليل له .

لا ابن الثلاث أو أكثر ، وفاقاً لصريح الكركي ، والشرائع ، والمحكي عن المبسوط (٤) ، والإِصباح حيث قيّدوا بالأقلّ ؛ لمفهوم الغاية في الخبر المتقدّم الدالّ على عدم الجواز ، حيث إنّ السؤال في المنطوق عن الجواز قطعاً ، لعدم رجحان فيه .

وخلافاً للأكثر في ابن الثلاث ؛ إمّا لدخول الغاية في المُغيّى ، أو للإِجماعات المحكية ، والعمومات وإطلاق الموثّقة .

والأول ممنوع ، بل الحق خلافه . والثاني مدفوع : بعدم الحجية . والثالث بلزوم التقييد والتخصيص بمفهوم الغاية .

ولوالدي ـ رحمه الله ـ وللمنقول عن الصدوق (٥) ، والمفيد ، والديلمي (٦) في ابن الخمس مجرّداً ، وعن الأخيرين (٧) في ابن الأكثر فوق الثياب .

وكأنّ الأول لإِطلاق الموثّقة الواجب تقييده . والثاني لما اختاره من جواز التغاير مع الستر المتقدّم بطلانه .

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٠ ، الجنائز ب ٣٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣١ وفيه : أبو النمير وكذا في التهذيب ١ . ٣٤١ / ٩٩٨ ، الوسائل ٢ : ٥٢٦ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ١ .

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٥ / ١٤٣٨ ، الوسائل ٢ : ٥٢٧ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ٢ .

(٣) النهاية : ٤٢ ، الوسيلة : ٦٣ ، السرائر ١ : ١٦٨ .

(٤) جامع المقاصد ١ : ٣٦٤ ، الشرائع ١ : ٣٧ ، المبسوط ١ : ١٧٦ .

(٥) الفقيه ١ : ٩٤ نقله عن شيخه ابن الوليد ولكن مورد كلامه الابنة دون الابن ، ولعله يستفاد بالأولوية .

(٦) المقنعة : ٨٧ ، المراسم : ٥٠ .

(٧) كما في المقنعة والمراسم في الصفحة المشار إليها .

١٠٤
 &

وعن ابن سعيد في ابن الأكثر من الثلاث مطلقاً فوق الثياب (١) وعن ابن حمزة فيه إلى أن يراهق (٢) . ولا دليل تامّاً لهما

والتمسّك بالأصل في بعض ما ذكر مع كون العبادة توقيفية فاسد ، وبالعمومات مع المفهوم المتقدّم باطل .

ومثلها الأجنبي فيغسّل بنت أقلّ من ثلاث سنين ، وفاقاً لغير المعتبر ، بل عن نهاية الإِحكام الإِجماع في بنت الثلاث (٣)

لا للمروي عن جامع محمد بن الحسن : في الجارية تموت مع الرجال ، إلى أن قال : « وإن كانت معه بنت أقلّ من خمس سنين غسّلت » (٤) وإن كان ضعفه في المورد منجبراً بالشهرة والإِجماع المنقول .

لمعارضته مع مرسلة التهذيب : في الجارية تموت مع الرجل فقال : « إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسّل » (٥) .

وتضعيفها لما في متنها من الاختلاف (٦) ضعيف ؛ لأنّه إن اُريد به نفي الغسل عن الأقل ، وعمومه مخالف للشهرة ، فكم من عام يخالف عمومه الأدلة الناطقة ؛ وإن اُريد التخصيص بالأقل فكم من تخصيصات غير ظاهر وجهها لنا ؛ وإن اُريد اضطرابها من جهة ظهور اتّحادها مع ذلك المروي واختلافهما في الأقلّ والأكثر ـ كما قيل (٧) ـ فمع منع الظهور يوجب الوهن فيهما ، مع أن نسخ الفقيه في الأقلّ والأكثر في ذلك المروي مختلفة ، كما صرّح به الوافي (٨) ، وعلى أيّ تقدير فهو

__________________

(١) الجامع : ٥٠ .

(٢) الوسيلة : ٦٣ .

(٣) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣١ .

(٤) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢ ، الوسائل ٢ : ٥٢٨ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ٤ .

(٥) التهذيب ١ : ٣٤١ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢ : ٥٢٧ أبواب غسل الميت ب ٢٣ ح ٣ .

(٦) قال في المعتبر ١ : ٣٢٤ : والرواية مرسلة ومتنها مضطرب فلا عبرة بها .

(٧) الرياض ١ : ٦٩ .

(٨) الوافي ٣ : الجزء الثالث عشر ص ٤٦ ( الطبع الحجري ) .

١٠٥
 &

عن الحجية معزول .

بل لعمومات « من غسّل ميتاً » و « غسل الميت على الحي واجب » ونحوهما ، الخالية عن معارضة أدلّة اشتراط المماثلة مطلقاً أو اختياراً ، لاختصاصها بالرجل والمرأة .

اختياراً (١) مجرّدة ؛ للأصل .

[ لا ] (٢) بنت الثلاث ، وفاقاً لمن ذكر في الابن وإن شملها العمومات ، لخروجها بخبر ابن النمير (٣) [ بضميمة ] (٤) عدم القول بالمنع في الابن والجواز في البنت ، وإن كان في العكس .

خلافاً فيها مطلقاً للأكثر ، ومع الاضطرار لطائفة ذكرهم قد مرّ . وفوق الثياب لجمع آخر منهم : المفيد ، والديلمي ، وابنا حمزة وسعيد (٥) ، مع تجويز التغسيل مجرّداً في الأقلّ كالأولين ، أو بدونه كالأخيرين . وفي بنت الأقلّ من خمس للمحكي عن الصدوق (٦) . وفي بنت الخمس لوالدي ـ قدس سره ـ وبعض آخر ممّن تأخّر ، ونقله في اللوامع عن المفيد ، والديلمي ، وليس كذلك .

نعم هما جوّزا تغسيل بنت الأكثر من الثلاث فوق الثياب اضطراراً ، بناءً على قولهم بعدم اشتراط المماثلة مع الاضطرار .

ودليل الجميع : الجمع بين الأصل والعمومات ، والمحكي من الإِجماع ، والمروي عن الجامع (٧) ، وما استدلّوا على تغسيل المغاير مع الاضطرار .

__________________

(١) متعلق بقوله في صدر المطلب : فيغسّل بنت أقل من ثلاث سنين .

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى .

(٣) المتقدم في ص ١٠٣ .

(٤) في النسخ : وبضميمة . والصحيح حذف الواو .

(٥) تقدمت مصادر أقوالهم في ص ١٠٤ .

(٦) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢ نقلا عن جامع ابن الوليد .

(٧) كما رواه في الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢ .

١٠٦
 &

وجواب الكلّ ظاهر .

وللمعتبر ، فلم يجوّزه مطلقاً (١) ؛ لأصالة حرمة النظر .

وفيها نظر ، ولو سلّمت فالغسل لا يتوقّف عليه .

وقد يتأيّد بذيل الموثّق المتقدّم (٢) : عن الصبية ، ولا تصاب امرأة تغسّلها ، قال : « يغسّلها رجل أولى الناس بها » .

وهو ـ مع عدم ظهوره في إطلاق المنع حتى فيما إذا لم يوجد الأولى ـ لا يدلّ على مطلوبه ، بل على خلافه أدلّ ، إذ الأولى كثيراً مّا يكون أجنبياً كأبناء الأعمام والأخوال .

السادسة : عن النهاية ، والمقنعة ، والمبسوط (٣) ، والإِسكافي (٤) ، والمراسم ، والوسيلة (٥) ، والصهرشتي (٦) وابن سعيد ، والتذكرة (٧) ، وفي الشرائع ، والمنتهى ، والقواعد (٨) وغيرها ، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة (٩) ، بل عن التذكرة النسبة إلى علمائنا (١٠) ، وفي الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفاً سوى المحقق (١١) : أنّه مع فقد المماثل المسلم والمحرم ووجود المماثل الكافر يُغسّل وجوباً بعد اغتساله .

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢٤ .

(٢) في ص ١٠٣ .

(٣) النهاية : ٤٢ ، المقنعة : ٨٦ ، المبسوط ١ : ١٧٥ .

(٤) نقل عنه في الذكرى : ٣٩ .

(٥) المراسم : ٥٠ ، الوسيلة : ٦٣ .

(٦) نقل عنه في الذكرى : ٣٩ .

(٧) الجامع : ٥٠ ، التذكرة ١ : ٣٩ .

(٨) الشرائع ١ : ٣٧ ، المنتهى ١ : ٤٣٦ ، القواعد ١ : ١٧ .

(٩) الذكرى : ٣٩ ، جامع المقاصد ١ : ٣٦١ ، الروضة ١ : ٤٠٩ .

(١٠) التذكرة ١ : ٣٩ .

(١١) الذكرى : ٣٩ .

١٠٧
 &

ويدلّ عليه موثّقة عمّار (١) ، ورواية زيد (٢) ، والرضوي (٣)

ولا يضرّ خلوّها عن الدال على الوجوب ؛ لأنّ عمومات وجوب غسل الميت بعد كون الكافر مكلفاً بالفروع تكفي في إثباته ، غاية الأمر اشتراط صحة العبادات عنه بالإِسلام ، للتوقّف على النية المتوقّفة عليه ، وهو منتفٍ للأخبار المذكورة .

فالاستدلال بها حقيقة على نفي شرطية الإِسلام حين التعذّر دون الوجوب ، ولازمه نفي اشتراط النية حينئذٍ ، ولا ضير فيه بعد دلالة الأخبار ، وإن قلنا باشتراطها في غيره . ومدخليتها في حقيقة الغسل غير معلومة .

وأمّا جعل لازمه صحة نية الكافر ـ كبعض المتأخّرين (٤) ـ فهو غريب ؛ لعدم تأتّي نية التقرّب بذلك منه ، وإلّا لما كان كافراً .

خلافاً للمحقّقَينْ في المعتبر وشرح القواعد فنفياه (٥) ، ونسب إلى ابن سعيد أيضاً (٦) ، بل هو ظاهر من لم يذكر الحكم كالعماني ، والجعفي (٧) ، والقاضي ، والحلبي ، وابن زهرة الحلبي ، والشيخ في الخلاف (٨) ، وتوقّف في الذكرى (٩) .

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٩ ، الجنائز ب ٢٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٧ ، الوسائل ٢ : ٥١٥ أبواب غسل الميت ب ١٩ ح ١ .

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٣ / ١٤٣٣ ، الاستبصار ١ : ٢٠٣ / ٧١٨ ، الوسائل ٢ : ٥١٦ أبواب غسل الميت ب ١٩ ح ٢ .

(٣) فقه الرضا : ١٧٣ ، المستدرك ٢ : ١٨٢ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ١ .

(٤) الحدائق ٣ : ٤٠٢ .

(٥) المعتبر ١ : ٣٢٦ ، جامع المقاصد ١ : ٣٦٢ .

(٦) نسبه إليه في كشف اللثام ١ : ١٠٩ ، قال : وهو ظاهر الجامع لنسبة الحكم فيه إلى رواية ضعيفة ، انظر الجامع : ٥٠ .

(٧) نسب إليهما عدم الذكر في الذكرى : ٣٩ .

(٨) المهذب ١ : ٥٤ إلى ٥٦ ، الكافي : ١٣٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ، الخلاف ١ : من ٦٩١ إلى ٧٣٢ .

(٩) الذكرى : ٣٩ .

١٠٨
 &

لضعف الأخبار ، وما في نية الكافر من عدم الاعتبار ، ونجاسته فلا يفيد الطهارة للأغيار .

ويضعّف الأول : بكفاية العمومات مع ما لضعفها من الانجبار .

والثاني : بعدم الاعتبار بعد دلالة الأخبار .

والثالث : بإمكان الغسل في الكثير أو الجاري ، أو من غير ملاقاته الماء ، غايته تنجّس الميت بنجاسة عرضية لمباشرته بعد التغسيل أو عنده ، وهو غير ضائر ، وتطهير المسلم المغاير له ممكن .

والظاهر الاقتصار على الذمّي ، كما هو مورد الروايات .

وظاهر بعضهم ، وصريح والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ أنّه وإن كان واجباً إلّا أنّه ليس بغسل حقيقي . وهو صحيح إن ثبت مدخلية النية في حقيقة الغسل مطلقاً .

ولا يعاد الغسل بعد رفع الضرورة كسائر موارد الامتثال ؛ لدلالة الأمر على الإِجزاء ، وعدم اجتماع البدل والمبدل .

السابعة : الخنثى المشكل ومن اشتبهت ذكوريته واُنوثيته إن لم يبلغ الثلاث فأمره واضح .

وإن بلغ فالحقّ جواز تغسيله لكلّ من الذكر والاُنثى وبالعكس ؛ للعمومات الخالية عن المخصّص سوى الأخبار المانعة عن تغسيل المغاير الذي هو في المورد غير معلوم .

الثامنة : في صحة الغسل من غير المكلّف من المميّز ، وعدمها قولان :

الأول عن الفاضلين في بعض كتبهما (١) ، لصحة نية القربة منه ، ودلالة الأخبار على جواز عتقه ووصيته وصدقته (٢) ونحوها .

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢٦ ، التذكرة ١ : ٤٠ .

(٢) انظر الوسائل ١٩ : ٢١١ أبواب الوقوف والصدقات ب ١٥ ، وص ٣٦٠ أبواب الوصايا ب ٤٤ وج ٢٣ : ٩١ أبواب العتق ب ٥٦ .

١٠٩
 &

والثاني عن الدروس (١) ؛ لعدم وقوع النية منه على الوجه المعتبر شرعاً .

وظاهر الذكرى (٢) واللوامع التوقّف .

وقد يبنى القولان على اعتبار النية في الغسل وعدمه .

أقول : الكلام إمّا في وجوبه ، أو جوازه بمعنى الصحة والامتثال أو ترتب الأثر عليه .

فإن كان الأول فعدمه ظاهر ، وإلّا لم يكن غير مكلّف . وأخبار جواز العتق ونحوه منه إن جعلت أدلّة على التكليف ـ كبعضهم (٣) ـ خرج عن الموضوع ، وإلّا فجواز بعض الاُمور منه بدليل لا يوجب تعلّق أمر آخر به .

وإن كان الثاني فلتوقّف العلم بترتّب الأثر وحصول الامتثال بشمول العمومات الطلبية له يبتني عليه ، فإن قلنا بالشمول صحّ ، وتأتّي النية منه ، وإلّا ـ كما هو الأظهر ـ فلا وإن لم يتوقّف الغسل على النية .

وعلى القول بالصحة لا يجب عليه ، وهو ظاهر . ولا على المكلّف الغير المحرم ولا المماثل أمره ؛ لعدم الدليل .

__________________

(١) الدروس ١ : ١٠٤ .

(٢) الذكرى : ٤٠ .

(٣) قد يكون ناظراً إلى قول المحدث الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٤ في كيفية الجمع بين الأخبار المختلفة في البلوغ ، من أن التوفيق بين الأخبار يقتضي اختلاف معنى البلوغ بحسب السن بالاضافة إلى أنواع التكاليف ، كما يظهر مما روي في باب الصيام أنه لا يجب على الاُنثى قبل إكمالها الثلاث عشرة سنة إلا إذا حاضت قبل ذلك ، وما روي في باب الحدود « أن الاُنثى تؤاخذ بها وهي تؤخذ لها تامة إذا اكملت تسع سنين » إلى غير ذلك مما ورد في الوصية والعتق ونحوهما أنها تصح من ذي العشر .

١١٠
 &

الفصل الثاني في المغسول‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : وجوب تغسيل كلّ مسلم إن كان معتقداً للحق ضروريّ .

وأمّا المخالف فإن لم يكن محكوماً بكفره فالحقّ ـ كما صرّح به في القواعد والتحرير (١) ، والإِرشاد (٢) ، واللوامع ، مدّعياً عليه في الأخير وفي غيره الشهرة ـ وجوب تغسيله ، وكان نظره إلى أنّه مراد من جوّزه بإزاء من حرّمه كما صرّح بذلك بعض المشايخ (٣) .

للعمومات مثل : « غسل الميت واجب على الحي » (٤) .

ومضمرة أبي خالد : « اغسل كلّ شي‌ء من الموتى الغريق وأكيل السبع وكلّ شي‌ء ، إلّا ما قتل بين الصفّين ، فإن كان به رمق غسّل وإلّا فلا » (٥) .

مع كراهيّته للمؤمن ، كما في القواعد والمنتهى والشرائع وعن المبسوط والنهاية والجامع (٦) ، ونسبها الكركي إلى المشهور بين الأصحاب عند [ عدم ] (٧) التعين .

__________________

(١) القواعد ١ : ١٧ ، التحرير ١ : ١٧ وفيه : كل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله الا الخوارج والغلاة .

(٢) الارشاد ١ : ٢٢٩ .

(٣) الحدائق ٣ : ٤٠٩ .

(٤) ورد مؤداه في بعض الروايات مثل موثقة سماعة « غسل الميت واجب » . انظر الوسائل ٢ : ٤٧٧ أبواب غسل الميت ب ١ .

(٥) الكافي ٣ : ٢١٣ ، الجنائز ب ٧٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ وفيه : إغسل كل الموتى . . . الاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٣ ، الوسائل ٢ : ٥٠٦ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٣ .

(٦) القواعد ١ : ١٧ ، المنتهى ١ : ٤٣٥ ، الشرائع ١ : ٣٩ ، المبسوط ١ : ١٨١ ، النهاية : ٤٣ ، الجامع : ٥٧ .

(٧) ما بين المعقوفين وضعناه لاستقامة المعنى ، قال في جامع المقاصد ١ : ٣٦٨ : والمشهور بين الأصحاب كراهية التعرض إليه إلّا أن يتعيّن فيجب .

١١١
 &

ولا بأس بها ؛ للشهرة .

وهي هنا بمعنى المرجوحية بالإِضافة إلى ارتكاب المخالف له ، كما كانت الأولوية في الولي بمعنى الراجحية بالإِضافة إلى ارتكاب غيره ، كما إذا طلب سلطان من واحد من جماعة حاضرين لديه إحضار سوقي كان حضوره لازماً البتة ، فارتكاب الوزير بنفسه له مرجوح بالإِضافة إلى العبيد ، لا بمعنى أقلية الثواب ، إذ لا معنى محصّل له هنا ، ولا بالمعنى المصطلح في غير العبادات ، لمنافاته الوجوب ، بل مطلق الرجحان .

خلافاً للمقنعة والمحكي عن المراسم (١) ، والمهذب والسرائر (٢) ، وبعض الثالثة (٣) ، فحرّموه ؛ إمّا لكفره ، وهو ممنوع ؛ أو لكونه عبادة فيحرم بدون التوقيف ولا توقيف ، وقد عرفت ثبوته ، ودعوى عدم انصراف الإِطلاقات إلى مثله غريبة ؛ أو لأنّ تغسيل الميت لاحترامه ولا احترام له ، وانحصار العلة فيه ، مع أنّه صرّح في الأخبار بغيره .

ولمن نفى وجوبه كالمدارك والكفاية والذخيرة (٤) ، وهو بين احتمال الحرمة لأحد الوجهين ، وقد عرفت ضعفها ، والاستحباب لعموم مرغّبات الغسل دون موجباته التي تصلح للحجية ، وضعفه ظاهر ، والإِباحة لفقد العموم والأصل ، فإن أراد ما أمر به الشارع ، ورتّب عليه الطهارة ، وعدم وجوب الغسل بالمسّ ، فلا يستباح بالأصل ، وإن أراد صورة الغسل فهي غير محل النزاع .

ولبعض الأجلة (٥) فحرّمه مع قصد الكرامة له ، أو للنحلة ، وجوّزه بقصد

__________________

(١) المقنعة : ٨٥ ، المراسم : ٤٥ وفيه : وهو ( يعني تغسيل الميت ) على ضربين أحدهما الغسل فيه واجب على الميت نفسه قبل موته ، والآخر يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقداً للحق .

(٢) المهذب ١ : ٥٤ ، السرائر ١ : ١٥٨ .

(٣) الحدائق ٣ : ٤٠٥ ، الرياض ١ : ٧٠ .

(٤) المدارك ٢ : ٦٩ ، الكفاية : ٦ ، الذخيرة : ٨٠ .

(٥) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١١٠ .

١١٢
 &

إكرام إظهار الشهادة أو من غير إرادة الكرامة ، وهو خروج عن المسألة .

ثم المشهور ـ بل في شرح القواعد أنّه لا نعرف من أحد تصريحاً بخلافه (١) ـ أنّه يغسل غسلهم ؛ لقولهم : « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » (٢) .

وفي دلالته نظر ، والأولى بالنظر ما قالوا من أنّه يغسل غسلنا لو لم نعرف كيفية غسلهم .

والأظهر تغسيله كغسلنا مطلقاً ، إلّا أنّه إذا غسله المخالف كغسلهم يسقط عنّا ؛ لظاهر الإِجماع ، والخبر المذكور .

وإن كان كافراً فلا يجوز غسله ولا كفنه ولا دفنه ولا الصلاة عليه ، بإجماعنا المحقّق ، والمحكي (٣) متواتراً ؛ وهو الحجة في جميع أقسامه ، من الذمي والحربي ، والغلاة ، والخوارج ، والنواصب .

مضافاً في الأول بأصنافه ـ بضميمة الإِجماع المركّب ـ إلى موثّقة الساباطي : في النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت ، قال : « لا يغسّله مسلم ولا كرامة ، ولا يدفنه ، ولا يقوم على قبره وإن كان أباه » (٤) .

وفيه وفي الثاني والثالث إلى المنقول في المعتبر عن شرح الرسالة للسيد ، ـ المنجبر ضعفه بما مرّ ـ : روي عن أبي عبد الله عليه السلام : « النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي والمشرك ، وأن يكفّنه ويصلّي عليه » (٥) .

وفي الأخيرين إلى المرويّ في الاحتجاج من قول مولانا الحسين عليه السلام

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٣٦٨ .

(٢) انظر الوسائل ٢٢ : ٧٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ . وهي مؤدى القاعدة المعروفة بقاعدة الإِلزام .

(٣) كما في التهذيب ١ : ٣٣٥ ، التذكرة ١ : ٤ ، الذكرى : ٤٢ .

(٤) الكافي ٣ : ١٥٩ الجنائز ب ٢٩ ح ١٢ . ولم يرد فيه : « وإن كان أباه » ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٦ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢ : ٥١٤ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ١ .

(٥) المعتبر ١ : ٣٢٨ ، الوسائل ٢ : ٥١٤ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ٢ .

١١٣
 &

لمعاوية : « لو قتلنا شيعتك ما كفنّاهم ولا غسّلناهم ولا صلّينا عليهم ولا دفناهم » (١) .

وكذا من صار كافراً بإنكار الضروري ؛ لظاهر الإِجماع .

فرع : لو وجد ميت ولم يعلم هل هو مسلم أم كافر . فإن كان في دار الإِسلام غسّل وكفّن وصلّي عليه ؛ للعمومات .

وإن كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر ولو كان فيه علامة المسلم ؛ إذ لا علامة إلّا ويشارك فيه كافر ، كذا قيل (٢) . ومقتضى العمومات هنا أيضاً التغسيل .

ولو اشتبه موتى المسلمين بالكفّار في غير الشهداء يغسّل الجميع ؛ لوجوب مقدّمة الواجب ، إذ لا تعارضه حرمة سبب الحرام ، لدخول كلّ فرد في العمومات ، فتأمّل .

الثانية : يجب تغسيل أطفال المسلمين ومجانينهم ، بالإِجماع ، والعمومات ، وما تقدم في تغسيل الصبي والصبية ، وفحوى أخبار السقط ، الآتية .

وكذا السقط منهم إذا استكمل أربعة أشهر ، فيغسّل وجوباً بلا خلاف يعرف من غير العامّة ، كما صرّح به بعض الخاصة (٣) ، ونسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم (٤) .

ولخبر زرارة : « السقط إذا تمّ به أربعة أشهر غسّل » (٥) ونحوها مرفوعة أحمد (٦) .

والرضوي ـ المنجبر بما مرّ ـ : « إذا أسقطت المرأة وكان السقط تامّاً غسّل

__________________

(١) الاحتجاج : ٢٩٦ ، الوسائل ٢ : ٥١٥ أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ٣ .

(٢) المعتبر ١ : ٣١٥ .

(٣) كشف اللثام ١ : ١٠٧ .

(٤) المنتهى ١ : ٤٣٢ .

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٦ الجنائز ب ٧٣ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٤ .

(٦) التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٦٠ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٢ .

١١٤
 &

وحنّط وكفّن ودفن ، وإن لم يكن تامّاً فلا يغسّل ويدفن بدنه ، وحدّ إتمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر » (١) .

وهو وإن لم يُثبت زيادة من الرجحان إلّا أنّه يثبت الوجوب بالإِجماع المركّب .

وبموثّقتي سماعة أيضاً : عن السقط إذا استوى خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن ؟ فقال : « كلّ ذلك يجب عليه » (٢) .

واستواء الخلقة إنّما هو بتمام أربعة أشهر ؛ لا لما قيل (٣) من الأخبار الدالّة على بعث الملكين الخلاقين بعد تمام أربعة أشهر (٤) ، لعدم دلالتها على تمام الخلقة في الأربعة أصلاً ؛ بل للرضوي المنجبر المتقدّم .

ولكن يعارضه مفهوم مرفوعة أحمد ، ورواية زرارة .

الاُولى : « إذا تمّ له ستة أشهر فهو تام ، وذلك أن الحسين بن علي ـ عليهما السلام ـ ولد وهو ابن ستة أشهر » (٥) .

وكذا الثانية (٦) ، غير أنّ فيها بدل « إذا تمَّ له ستة أشهر » : « إذا سقط لستة أشهر » .

والأصل معهما ، إلّا أنّ الظاهر أنّ التمامية تكون في اُمور في الخلقة والحياة والنموّ وغيرها ، فبالأربعة أشهر تتم الخلقة وبالستة الحياة ، ويشعر به التعليل بتولّد الحسين حيث بقي ، ويتم بعض مراتبها بالبلوغ ، وبعضها ببدوّ سن الوقوف ،

__________________

(١) فقه الرضا : ١٧٥ ، المستدرك ١٧٥ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ١ .

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٨ ، الجنائز ب ٧٤ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦٢ ، الوسائل ٢ : ٥٠١ أبواب غسل الجنابة ب ١٢ ح ١ .

(٣) الرياض ١ : ٦٩ .

(٤) انظر الكافي ٦ : ١٣ كتاب العقيقة ب ٦ ح ٣ ، ٦ ، ٧ .

(٥) تقدم مصدرها في ص ١١٤ .

(٦) التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ ، أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٣ .

١١٥
 &

وهكذا ، فلا يعلم التعارض ، ويتعيّن العمل بالرضوي . وبه وبسائر ما مرّ يقيد إطلاق خبر ابن الفضيل : عن السقط كيف أصنع به ؟ فكتب : « السقط يدفن بدمه في موضعه » (١) .

ثمَّ المستفاد من الرضوي والموثقتين وجوب التكفين والتدفين ، كما عن المبسوط ، والمقنعة ، والنهاية ، والمراسم ، والجامع (٢) ، والمنتهى ، والتبصرة ، والإِرشاد ، والتذكرة ، والتلخيص ، ونهاية الإِحكام (٣) .

وعن ظاهر الشرائع ، والتحرير ، اللف في خرقة حملاً للتكفين عليه (٤) .

وهو مشكل ، بل ضعيف ؛ لبيان التكفين في الأخبار بأنّه كذا وكذا ، مع أنّ عمومات التكفين تشمل المقام أيضاً .

بل مقتضى الرضوي وجوب التحنيط ، كما عن ظاهر الإِرشاد والتلخيص ، ولكن ضعفه الخالي عن الجابر المعلوم يمنع عن إثباته إلّا أن يثبت بعموم أدلّة تحنيط الأموات . والأحوط عدم تركه .

ولو لم يستكمل الأربعة لم يغسّل إجماعاً ، وعن المعتبر : أنّه مذهب العلماء خلا ابن سيرين (٥) ، وفي المنتهى : بغير خلاف (٦) ؛ للأصل ، والرضوي ، وخبر ابن الفضيل ، ومفهوم الموثقتين . بل يدفن بدمه كما في الأولين ، وظاهرهما عدم الأمر بشي‌ء آخر .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٨ ، الجنائز ب ٧٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ / ٩٦١ ، الوسائل ٢ : ٥٠٢ أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٥ .

(٢) المبسوط ١ : ١٨٠ ، المقنعة : ٨٣ ، النهاية : ٤١ ، المراسم : ٤٦ ، الجامع : ٤٩ .

(٣) المنتهى ١ : ٤٣٢ ، التبصرة : ١٥ ، الارشاد ١ : ٢٣٢ ، التذكرة ١ : ٤٠ ، نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣٤ ، وفيه : السقط إذا كمل له أربعة أشهر وجب أن يغسل . . . ولو كان له أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن إجماعاً .

(٤) الشرائع ١ : ٣٨ ، التحرير ١ : ١٧ .

(٥) المعتبر ١ : ٣٢٠ .

(٦) المنتهى ١ : ٤٣٢ .

١١٦
 &

ولكن في المعتبر ، والشرائع ، والنافع ، والمنتهى (١) ، وعن المفيد ، والديلمي ، والقاضي (٢) ، والكيدري ، بل في اللوامع أنه ظاهر الأكثر ، بل ظاهر المعتبر (٣) أنه مذهب أهل العلم : أنّه يلفّ في خرقة ويدفن . ولا شك أنّه أولى ؛ لفتوى هؤلاء الأجلّاء ، بل هو أحوط .

والجنين الميت في بطن الميت لا يغسّل ؛ للأصل ، بل هو كجزء أصله يكفي غسلها عن غسله . ولو خرج أو اُخرج بعد الموت عن الحي أو الميت يغسّل ؛ لعمومات غسل السقط او الميت ، سواء اُخرج منقطعاً أو متّصلاً .

ولو ماتت حامل وخرج بعض قطع الجنين الميت منه ففي تغسيل الخارج نظر ، والعدم أظهر .

وكذا لو خرج بعضه وبقي البعض متّصلاً من غير تقطّع سواء أمكن إخراج التمام أو لا ، وإن كان الإِخراج والتغسيل مع الإِمكان أحوط ، بل أظهر .

الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب كما صرّح به جماعة ، وفي المعتبر (٤) : أنّه إجماع أهل العلم خلا شاذّ من العامّة (٥) ، وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ولا خلاف فيه بين علماء الأمصار إلّا الحسن البصري وسعيد بن المسيب (٦) ، بل عليه إجماع المسلمين في اللوامع : أنّ الشهيد الميت في معركة القتال لا يغسّل ولا يكفّن ، بل يصلّى عليه ويدفن ؛ واستفاضت به النصوص :

كحسنة زرارة وابن جابر : كيف رأيت ؟ الشهيد يدفن بدمائه ؟ قال : « نعم

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢٠ ، الشرائع ١ : ٣٨ ، النافع : ١٥ ، المنتهى ١ : ٤٣٢ .

(٢) المقنعة : ٨٣ ، المراسيم : ٤٦ ، المهذب ١ : ٥٦ .

(٣) المعتبر ١ : ٣٢٠ .

(٤) المعتبر ١ : ٣٠٩ .

(٥) قال ابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٢٢٧ ان الجمهور على ترك غسله . . . وكان الحسن وسعيد ابن المسيب يقولان يغسل كل مسلم .

(٦) المنتهى ١ : ٤٣٣ .

١١٧
 &

في ثيابه بدمائه ، ولا يحنّط ولا يغسّل ويدفن [ كما هو ] » (١) .

وصحيحة أبي مريم على طريق الفقيه : « الشهيد إذا كان به رمق غسّل وكفّن وحنّط وصلّي عليه ، وإن لم يكن به رمق دفن في ثيابه » (٢) .

وصحيحة ابن تغلب : عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسّل ويكفّن ويحنّط ؟ قال : « يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلّا أن يكون به رمق ثم مات ، فإنّه يغسّل ويكفّن ويحنّط ويصلّى عليه » (٣) .

وحسنته : « الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسّل ، إلّا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد ، فإنّه يغسّل ويكفّن ويحنّط » (٤) .

ومضمرة أبي خالد ، المتقدّمة في المسألة الاُولى (٥) .

والرضوي : « وإن كان الميت قتيل المعركة في طاعة الله لم يغسّل ، ودفن في ثيابه التي قتل فيها بدمائه ، ولا ينزع منه من ثيابه شي‌ء إلّا أنّه لا يترك عليه شي‌ء معقود ، مثل الخف ، وتحل تكته ، ومثل المنطقة والفروة ، وإن أصابه شي‌ء من دم لم ينزع عنه شي‌ء إلّا أنّه يحل المعقود ، ولم يغسّل إلّا أن يكون به رمق ثم يموت بعد ذلك ، فإذا مات بعد ذلك غسّل كما يغسّل الميت ، وكفّن كما يكفّن الميت ، ولا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١١ ، الجنائز ب ٧٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٦ ، الوسائل ٢ : ٥٠٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٨ .

(٢) الفقيه ١ : ٩٧ / ٤٤٦ ، وسند الصدوق إلى أبي مريم صحيح في المشيخة وهو : أبوه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان ابن عثمان ، عن أبي مريم . ( الفقيه ٤ : ٢٣ ) . ورواها في الكافي ٣ : ٢١١ ب ٧٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧١ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٧ ، الوسائل ٢ : ٥٠٦ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ١ .

(٣) الكافي ٣ : ٢١٠ ، الجنائز ب ٧٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٥ ، الوسائل ٢ : ٥٠٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٧ .

(٤) الكافي ٣ : ٢١٢ ، الجنائز ب ٧٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٣٢ / ٩٧٣ ، الوسائل ٢ : ٥١٠ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٩ .

(٥) في ص ١١١ .

١١٨
 &

يترك عليه شي‌ء من ثيابه » (١) .

إنّما الخلاف في تعيين الشهيد الذي ذلك حكمه أنّه هل هو المقتول بين يدي المعصوم خاصة ؟ كما في الشرائع ، والقواعد ، وعن المقنعة ، والمراسم (٢) .

أو مع نائبه الخاص أيضاً ؟ كما عن المبسوط ، والنهاية ، والمهذب ، والوسيلة ، والسرائر ، والجامع ، والمنتهى (٣) ، وفي اللوامع نسبه إلى الأكثر ، ومال إليه جمع ممّن تأخّر (٤) .

أو في كلّ جهاد مأمور به ولو حال الغيبة ؟ كما عن المعتبر ، والغنية ، والإِشارة (٥) ، وظاهر الكافي (٦) ، والذكرى ، والمدارك (٧) ، وصريح الكركي (٨) ، ووالدي العلّامة ـ رحمه الله ـ ومحتمل نهاية الإِحكام ، والتذكرة (٩) .

الحقّ هو الثاني ، فلا يغسّل المقتول بين يدي الإِمام أو نائبه الخاص ، ويغسّل غيره .

أمّا الأول : فللرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة ، المؤيّد بسائر الأخبار .

وأمّا الثاني فللعمومات الخالية عن المخصّص المعلوم ؛ إذ ليس إلّا روايات السقوط عن الشهيد والمقتول في سبيل الله ، وفي طاعة الله ، وما قتل بين الصفّين .

وثبوت الحقيقة الشرعية للأولين في غير من ذكرنا لنا غير معلوم ، واستعمالهما‌

__________________

(١) فقه الرضا : ١٧٤ ، المستدرك ٢ : ١٧٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٥ .

(٢) الشرائع ١ : ٣٧ ، القواعد ١ : ١٧ ، المقنعة : ٨٤ ، المراسم : ٤٥ .

(٣) المبسوط ١ : ١٨١ ، النهاية : ٤٠ ، المهذب ١ : ٥٥ ، الوسيلة : ٦٣ ، السرائر ١ : ١٦٦ ، الجامع : ٤٩ ، المنتهى ١ : ٤٣٣ .

(٤) كما يظهر من مجمع الفائدة ١ : ٢٠١ والرياض ١ : ٦٨ .

(٥) المعتبر ١ : ٣١١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ، الاشارة : ٧٦ .

(٦) كذا نقل في كشف اللثام ١ : ١١١ ولم نعثر عليه في الكافي للحلبي .

(٧) الذكرى : ٤١ ، المدارك ٢ : ٧١ .

(٨) جامع المقاصد ١ : ٣٦٥ .

(٩) نهاية الإِحكام ٢ : ٢٣٦ ، التذكرة ١ : ٤١ .

١١٩
 &

فيه في الأخبار لا يفيده ، لأنّه أعم من الحقيقة ، كإرادة كلّ قربة من الثاني في آية الصدقات (١) ، وتبادره منه في العرف المتأخّر لا يثبته ، لأصالة التأخّر .

وضعف المتضمّن للثالث ، الخالي عن الجابر في غير من ذكر ـ حيث صرّح بعضهم (٢) بمخالفة التعدّي إليه للشهرة العظيمة ـ يمنع من التخصيص به .

وعدم ثبوت إفادة لفظة « ما » الموصولة الواردة في الرابع (٣) للعموم ، يُضعّف شموله له .

والأولون احتجّوا للسقوط : بالإِجماع ، ولعدمه بالعمومات مع ضعف الرضوي . وقد عرفت دفعه .

والآخرون استدلّوا للسقوط : بصدق سبيل الله . وقد مرَّ جوابهُ .

وإذا عرفت عدم ثبوت السقوط في غير الحاضر عند الحجة أو نائبه الخاص تعلم أنّه لا تترتّب فائدة في بحثنا عن سائر متعلّقات تلك المسألة وفروعها .

الرابعة : إذا وجد بعض الميت ، فإن كان قطعة فيه عظم ، يجب تغسيله سواء كانت ممّا فيه الصدر والقلب أو الصدر وحده أو غيره ، على المشهور ، بل في المنتهى : بغير خلاف بين علمائنا (٤) ، وعن الخلاف الإِجماع عليه (٥) .

لا لعدم سقوط الميسور بالمعسور ؛ لعدم دلالته كما هو في محلّه مذكور .

ولا للصحيح الآتي الآمر بتغسيل عظام الميت وتكفينها والصلاة عليها ؛ لظهوره في مجموع العظام ، مع اشتماله على ما لم يقل به أحد لو عمّمت بحيث تشمل الأبعاض أيضاً .

ولا ـ في الصدر أو ما يشمله ـ للأخبار الدالّة على وجوب الصلاة عليه (٦)

__________________

(١) ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ . . . وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ . . . ) . . ( التوبة : ٦٠ ) .

(٢) كما في الرياض ١ : ٦٨ .

(٣) راجع ص ١١١ ، مضمرة أبي خالد .

(٤) المنتهى ١ : ٤٣٤ .

(٥) الخلاف ١ : ٧١٦ .

(٦) انظر الوسائل ٣ : ١٣٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ .

١٢٠