مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

وخصوص المستفيضة : كصحيحتي ابن سنان وصفوان :

الأولى : عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ قال : « نعم » (١).

والثانية : عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أتصلي؟ قال : « تمسك عن الصلاة » (٢).

وحسنة سليمان (٣) ومرسلة حريز (٤) وغير ذلك ممّا يأتي ذكر بعضه.

والثاني للشرائع (٥) ، وعن المفيد (٦) ، والإسكافي (٧) ، والتلخيص ، وهو مذهب أبي حنيفة (٨) ، وأحمد (٩) ، والشافعي في الجديد (١٠) ، ونسبه في التذكرة إلى جمهور التابعين (١١).

لاستصحاب عدم الحيضية.

ولرواية السكوني : « ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل ، يعني أنها إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلاّ أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٧ الحيض ب ١١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٨٦ ـ ١١٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ـ ٤٧٤ ، الوسائل ٢ : ٣٢٩ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٣٩ ـ ٤٧٨ ، الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٩٧ الحيض ب ١١ ح ٦ ، الوسائل ٢ : ٣٣٣ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٨٦ ـ ١١٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ـ ٤٧٣ ، الوسائل ٢ : ٣٣٢ أبواب الحيض. ب ٣٠ ح ٩.

(٥) الشرائع ١ : ٣٢.

(٦) نقله عنه في التذكرة ١ : ٢٦ ، ولم نعثر عليه في المقنعة.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٣٦.

(٨) بداية المجتهد ١ : ٥٣.

(٩) المغني لابن قدامة الحنبلي ١ : ٣٤٧.

(١٠) المهذب للشيرازي ١ : ٣٩.

(١١) التذكرة ١ : ٢٦.

٤٠١

ورأت الدم تركت الصلاة » (١).

وصحيحة حميد : عن الحلبي ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين ، فقال : « تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة » (٢).

ولأنه يصح طلاقها مع رؤية الدم إجماعا ، ولا شي‌ء من الحائض يصح طلاقه كذلك.

ولأنّ شرع الاستبراء بالحيض لاستبانة عدم الحمل فلا يجامعه.

ويردّ الأول : بالمعارضة باستصحاب عدم سائر الأسباب أيضا ، مضافا إلى اندفاعه بما مرّ.

والثاني : بعدم الدلالة ، لجواز أن يكون المراد حقيقته ، وهو الإخبار عن عدم الاجتماع فيما مضى وإن تخلّف في الأزمنة اللاحقة ، كما ورد في أصل الحيض أنه كان قبل ذلك سنة.

ويؤيّده ما في بعض نسخ نوادر الراوندي ـ على ما في البحار ـ بعد ذكر قوله : « ما كان الله .. » : « فإذا رأت الدم وهي حبلى تدع الصلاة » (٣).

وأمّا قوله : « يعني أنّها إذا رأت .. » فيمكن أن يكون من كلام الراوي ، بل هو الظاهر ، فلا حجّية فيه.

مضافا إلى معارضته مع الأخبار المتقدّمة الراجحة عليه باعتبار الأحدثية والمخالفة لأكثر العامة والموافقة لمعظم الخاصة ، مع أنّه على فرض التكافؤ يتساقطان ويرجع إلى العمومات.

ومنه يظهر ردّ الثالث أيضا ، مضافا إلى عدم دلالته ، لعدم استجماع ما رأته‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٦ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ ـ ٤٨١ ، الوسائل ٢ : ٣٣٣ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٥ ، الاستبصار ١ : ١٣٩ ـ ٤٨٠ ، الوسائل ٢ : ٣٣٢ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٨.

(٣) بحار الأنوار ٧٨ : ١١١.

٤٠٢

شرائط الحيض ، لأنّ الدفقة والدفقتين لا تكون حيضا.

لا يقال : وقوع الدفقة في الأيام لا يكون إلاّ بحصولها في جميعها ، فتحصل الشرائط إذا كانت متوالية ، كما تشمله الرواية بترك الاستفصال.

لأنّ المراد بالأيام ليس معناها الحقيقي الذي هو الاستغراق ، ومجازه يمكن أن تكون الأيام المعهودة ، أي أيام الحيض ، ورؤية الدفقة فيها تتحقّق برؤية الدم فيها دفعة واحدة.

والرابع : بمنع الإجماع ، ولا دليل آخر على عدم صحة طلاق الحائض مطلقا ، كيف ويصح مع غيبة الزوج!؟

والخامس : بمنع كون العلّة في شرع الاستبراء بالحيض استبانة عدم الحمل ، لإمكان أن يكون تعبّدا أو معلّلا بحكمة خفية لا نعلمها ، كيف؟ لو كانت العلّة ذلك لكفت حيضة واحدة في جميع الموارد ، ولم يشترط في بعضها حيضتان ، وفي بعضها الأكثر ، وفي بعضها المدة.

ثمَّ على المختار هل يجتمع معه مع استبانة الحمل أيضا؟ أو يشترط فيه عدم الاستبانة؟ وتظهر الفائدة في قضاء الصلاة لا في تركها عند رؤية الدم ، إذ لا ريب في البناء على أصالة عدم الحمل بدون استبانته.

الأول ـ وهو الأصح ـ لأكثر القائلين باجتماعه مع الحمل ، لما تقدّم ، وخصوص مرسلة محمّد : عن المرأة الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم ، قال : « تلك الهراقة من الدم ، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي ، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء » (١). وقريبة منها رواية أبي المعزى (٢).

والثاني للحلّي (٣) ، وعن الخلاف ، والمبسوط (٤) ، ونسبه في الأول إلى الأكثر ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٦ الحيض ب ١١ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٤ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٦.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩١ ، الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥.

(٣) السرائر ١ : ١٥٠.

(٤) الخلاف ١ : ٢٣٩ ، المبسوط ١ : ٦٨.

٤٠٣

وفي الثاني إلى الإجماع ، وصريح الأول اختصاص الخلاف بما بعد الاستبانة ، ويظهر ذلك من المعتبر أيضا ، حيث فسّر قوله في النافع (١) : أشهرها أنّها لا تحيض : بأنه مع استبانة الحمل.

للإجماع المنقول في الخلاف ، والرضوي : « والحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم ، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة. وقد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة ، والعمل من خواص الفقهاء على ذلك » (٢).

ويردّ الأول : بعدم الحجية ، وكذا الثاني سيما مع مخالفته مع ما حكم به أوّلا ونسبته إلى الرواية ، ولو سلّم فيعارض ما مرّ ، ويرجع إلى العمومات.

ثمَّ على المختار من الاجتماع مع الاستبانة أيضا فلا شك في كون الدم المتصف بالأوصاف في أيام العادة حيضا ، ويدلّ عليه الإجماع المركّب ، مضافا إلى الأخبار الدالّة على حيضية كلّ من الدمين (٣).

وإنّما الكلام في اشتراط الوصفين في الحكم بالحيضية ، أو الاتّصاف خاصة ، أو كونه في العادة كذلك ، أو أحدهما لا بعينه ، أو لا يشترط شي‌ء منهما ، بل المرأة كحالة عدم الحبل فتحيض بما تحيض به قبله ، فيه احتمالات ، ولم أعثر على مصرّح بالأول.

والثاني للصدوق ، قال : والحبلى إذا رأت الدم تركت الصلاة ، وذلك إذا رأت الدم كثيرا أحمر ، فإن كان قليلا أصفر فلتصلّ وليس عليها إلاّ الوضوء (٤). انتهى.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٠١ ، النافع : ٩.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩١ ، المستدرك ٢ : ٢٣ أبواب الحيض ب ٢٥ ح ١.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٢٧٥ ، ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٣ و ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٥١.

٤٠٤

وتدلّ عليه ـ بعد عمومات اعتبار الأوصاف (١) ـ مرسلة محمّد ، ورواية أبي المعزى ، المتقدّمتان (٢).

وموثّقة إسحاق : الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال : « إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (٣).

والثالث للشيخ في النهاية ، وكتابي الحديث (٤) ، ومال إليه في المعتبر ، والمدارك ، والبحار (٥) ، ولكنهم مع إثباتهم الحيضية لأيام العادة نفوها عمّا تأخّر عنها بعشرين يوما ، فسكتوا عمّا بينهما ، ويظهر من بعضهم أنهم يلحقونه بالعادة ، ومن آخر أنهم يلحقونه بما بعد العشرين.

وكيف كان ، فدليلهم عمومات حيضية ما تراه أيام العادة مطلقا.

وصحيحة محمّد : عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كلّ شهر ، فقال : « تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها » (٦).

وموثّقة سماعة : عن امرأة رأت الدم في الحمل ، قال : « تقعد أيامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثمَّ هي مستحاضة ) (٧).

وصحيحة الصحاف : « إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٢٧١ ، ٢٧٢ أبواب الحيض ب ١ و ٢.

(٢) ص ٤٠٤.

(٣) التهذيب ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٤١ ـ ٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

(٤) النهاية : ٢٥ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٠.

(٥) المعتبر ١ : ٢٠١ ، المدارك ٢ : ١٢ ، البحار ٧٨ : ٩٥.

(٦) الكافي ٣ : ٩٧ الحيض ب ١١ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٤ ، الاستبصار ١ : ١٣٩ ـ ٤٧٩ ، الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٧.

(٧) التهذيب ١ : ٣٨٦ ـ ١١٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٩ ـ ٤٧٧ ، الوسائل ٢ : ٣٣٢ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١١.

٤٠٥

من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضّأ وتحتشي بالكرسف وتصلّي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيها الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة ، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها » (١) الحديث.

والرابع لوالدي العلاّمة في اللوامع ، والمعتمد ، ويظهر من بعضهم (٢) ذهاب بعض آخر إليه أيضا.

لخلوّ أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وعدم حيضية الفاقدة له في غير أيام العادة عن المعارض ، فيحكم به قطعا ، ويحصل التعارض بين تلك الأخبار وبين ما يدلّ على حيضية ما في العادة في الحبلى أو مطلقا في الخالي عن الوصف في أيام العادة والمتّصف به في غيرها ، فيرجع إلى عمومات اجتماع الحيض مع الحمل ، ولازمه الحكم مع أحد الأمرين من الاتّصاف بالأوصاف ومصادفة العادة.

ولدفع توهّم إيجابه خرق المركّب قال والدي ـ رحمه‌الله ـ : إنّ الظاهر أنّ إطلاق كلام الأكثر في غير وقت العادة مقيّد بوجود الأوصاف ، ولذا صرّح الكلّ بموافقة الصدوق للمشهور مع تصريحه باعتبار الصفة ، بل المشترط للعادة لا ينكر كون ما ترى في غير وقتها حيضا إذا وجدت فيه أوصافه. انتهى.

والخامس لظاهر أكثر الموافقين في الاجتماع ، لعموماته.

أقول : لا يخفى أنّ خلوّ أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وعدم حيضية الفاقد له في غير أيام العادة عن المعارض مطلقا يخصّص تلك العمومات قطعا ، ولازمه عدم حيضية الخالي عن الوصف في غير أيام العادة ، فالحكم به لازم والقول‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٥ الحيض ب ١١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ـ ١١٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ ـ ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٠ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٣.

(٢) قد يظهر هذا من الرياض ١ : ٣٦ في قوله : وربما يجمع بين الأخبار .. فراجع.

٤٠٦

الخامس ساقط.

وأمّا اختيار الرابع ، والرجوع في الخالي عن الوصف في الأيام أو المتّصف في غيرها إلى عمومات الاجتماع ـ بعد تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وأخبار حيضية ما في العادة فيها واشتغال كلّ منهما بالآخر ـ إنّما كان تامّا لو كانت تلك العمومات كسائر عمومات الحيض فارغة في الموردين عن المعارض الآخر أيضا.

ولكنه تعارضها في المورد الأوّل أخبار اعتبار الوصف في الحيض مطلقا ، فإنّها أعم من وجه من عمومات الاجتماع.

ولا يفيد تخصيصها بأخبار حيضية الصفرة والكدرة في أيام العادة (١) ، لأنّ القدر المعلوم التخصيص في غير الحبلى ، وأمّا فيها ـ فلمعارضة أخبار حيضية الصفرة مطلقا مع أخبار عدمها في الحبلى ـ فلا ، كما تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى سائر عمومات التحيّض.

وفي المورد الثاني أخبار عدم حيضية ما بعد العادة مطلقا (٢) أو في الحبلى كصحيحة الصحاف (٣) ، فتتساقط الأخبار من الطرفين ، فيبقى الحكم في الموردين خاليا عن المستند.

وأصالة عدم تعلّق أحكام الحائض توجب عدم الحيضية فيهما كما هو مقتضى القول الأول ، فهو الأقرب إلاّ في أيام الاستظهار الثابت للحبلى بموثّقة سماعة ، المتقدّمة (٤) وما بينها وبين العشرة في صورة عدم التجاوز ، فيحكم بالحيضية كما في غير الحبلى ، لاستصحابها.

وتوهّم إيجابه خرق المركب فاسد ، لأنّه في أمثال المقام غير ثابت.

هذا في المعتادة ، وأمّا غيرها فالمناط فيه الأوصاف. فالمتّصف حيض ،

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٤.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥.

(٣) المتقدمة ص ٤٠٥.

(٤) المتقدمة ص ٤٠٥.

٤٠٧

لأخبار اعتبارها مطلقا أو في خصوص الحبلى ، مضافة إلى عمومات الاجتماع ، الخالية جميعا عن المعارض. وغيره ليس بحيض ، للأخبار النافية لحيضيته المخصّصة لعمومات الاجتماع ، فتأمّل.

المسألة الثالثة : اختلفوا بعد اتّفاقهم على أنّ الأصل في كلّ دم اتّصف بصفة الحيض أو وجد في أيام العادة كونه حيضا ـ كما هو مدلول المستفيضة المعتبرة ـ في غيرهما.

فالمشهور : أنّ كلّ دم يمكن شرعا ـ أي لا يمتنع بحكم الشارع ـ أن يكون حيضا فهو حيض ، بل في المعتبر ، والمنتهى ، وشرح القواعد للمحقّق الثاني (١) ، الإجماع عليه.

للإجماعات المنقولة. وأصالة عدم كونه من قرح ومثله.

وحسنة ابن مسلم وموثّقته ، المتقدّمتين (٢) ، فإنّهما شاملتان لجميع الدماء سوى ما ترى في الأيام الزائدة على العشرة الأولى والناقصة عن عشرة الطهر ، وهو ممّا يمتنع كونه حيضا.

وما دلّ على أنّ الدم مطلقا ـ قبل وقت الحيض كذلك (٣) كموثّقة سماعة (٤) ، أو الصفرة قبله كذلك كرواية علي بن أبي حمزة (٥) وغيرها ، أو بيومين كصحيحة ابن حكيم (٦) وغيرها ـ حيض.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٠٣ ، المنتهى ١ : ٩٨ ، جامع المقاصد ١ : ٢٨٨.

(٢) ص ٣٩٢.

(٣) اي مطلقا ـ بلحاظ عدد الأيام.

(٤) الكافي ٣ : ٧٧ الحيض ب ٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢٨٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٢٨٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ٦.

٤٠٨

وما دلّ على ترتّب أحكام الحائض على مجرّد رؤية الدم كصحيحة ابن حازم « أيّ ساعة ترى الدم فهي تفطر » (١).

وموثّقة محمّد : في المرأة ترى الدم من أوّل النهار في شهر رمضان أتفطر أم تصوم؟ قال : « تفطر إنّما فطرها من الدم » (٢).

ورواية أبي الورد : عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم ، قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين » (٣) الحديث. وفي معناها أحاديث عديدة.

وفحوى أخبار الاستظهار لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها (٤) الشامل لغيرها بطريق أولى.

ولأنّه لو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض ، إذ لا تعيّن ، والصفات إنّما تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقا.

ويؤيده ثبوت الحكم في كثير من جزئيات موارد الإمكان ، كما في حال الحمل والتمييز وأيام العادة وغيرها.

خلافا للناصريات ، والسرائر ، ونهاية الإحكام (٥) ، والأردبيلي ، والمدارك (٦) ، فصرّحوا بأنّ الصفرة في أيام الطهر طهر ، وظاهر الأول الإجماع عليه.

للأصل ، واستصحاب لوازم الطهر ، وعمومات العبادة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٤ ـ ١٢١٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٦ ـ ٤٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٥ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ١٥٣ ـ ٤٣٥ ، الوسائل ٢ : ٣٦٧ أبواب الحيض ب ٥٠ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٣ الحيض ب ١٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٩٢ ـ ١٢١٠ ، الاستبصار ١ : ١٤٤ ـ ٤٩٥ ، الوسائل ٢ : ٣٦٠ أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٠ ، السرائر ١ : ١٤٦ ، نهاية الإحكام ١ : ١٤٥.

(٦) مجمع الفائدة ١ : ١٤٦ ، المدارك ٢ : ٨.

٤٠٩

ومرسلة يونس وفيها : « وكلّ ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض » (١).

وصحيحة محمّد وفيها : « وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضّأت وصلّت » (٢).

وصحيحة البجلي : عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ، ثمَّ طهرت وصلّت ، ثمَّ رأت دما أو صفرة ، قال : « إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصلاة » (٣).

وفي موثّقة الجعفي : « وإن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلّت » (٤).

وما مرّ من الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الأوصاف (٥).

والمروي في قرب الإسناد والمسائل : « ولا غسل عليها من صفرة تراها إلاّ في أيام طمثها » (٦).

وفي دعائم الإسلام : « في المرأة ترى الدم أيام طهرها إن كان دم الحيض فهو بمنزلة الحائض وعليها منه الغسل ، وإن كان دما رقيقا فتلك ركضة من الشيطان تتوضّأ وتصلّي ويأتيها زوجها » (٧).

وهو الحق ، لما ذكر.

ويجاب عن أدلّة المخالف :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٧٩ أبواب الحيض ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣٠ ، الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٠ الحيض ب ١٣ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٩٣ أبواب النفاس ب ٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ٤.

(٥) ص ٣٨٣ ، ٣٨٤.

(٦) قرب الإسناد : ٢٢٥ ـ ٨٨٠ ، الوسائل ٢ : ٢٨٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ٨ ، مسائل علي بن جعفر نقل عنها في البحار ٧٨ : ٧٦ ـ ٧.

(٧) دعائم الإسلام ١ : ١٢٧ ، المستدرك ٢ : ٤٣ ، أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٢.

٤١٠

أما عن الأوّل : فبعدم حجية الإجماع المنقول سيما مع مخالفة هؤلاء الفحول ، على أنّهم لم يدعوه إلاّ على حيضية ما يمكن أن يكون حيضا أي شرعا ، والإمكان في أيام الطهر مع عدم الوصف ممنوع جدّا ، كيف وقد وردت النصوص على عدم حيضيته.

وأمّا على الثاني : فبمعارضته بأصالة عدم كونه حيضا ، وكون الأصل في دماء النساء الحيضية ممنوع ، وخلقه فيهن لغذاء الولد لا يوجبه ، فإنّ الخلق غير القذف ، والدماء الأخر موجودة فيهن أيضا.

وأمّا عن الثالث ـ فمع أنّ دلالته إنّما هي على تقدير كونه بيانا للحيضية ، وأما إذا كان المراد بيان الأولية والثانوية كما عليه حمله الأكثر كما مرّ فلا يدلّ إلاّ على بعض الموارد الجزئية ـ أنّها عامة بالنسبة إلى ما ذكر ، فيجب تخصيصه به.

وبه يجاب عن الرابع والخامس ، مضافا في الأول إلى أنه إنّما يتضمّن الحكم في بعض الجزئيات وهو قبل الحيض ، ومع ذلك يتضمّن خلافه في البعض الآخر وهو ما بعد الحيض.

وأمّا عن السادس : فبمنع الأولوية.

وأمّا عن السابع : فبمنع انتفاء اليقين الشرعي ، ومنع تخصيص اعتبار الصفات بما ذكر.

وأمّا عن المؤيّد : فبأنّه ـ مع كونه قياسا ـ يعارض بانتفاء الحكم في كثير من الموارد الأخر ، كالزائد على العادة مع التجاوز عن العشرة ، وفي الأقلّ من ثلاثة أيام والأكثر من عشرة وغير ذلك.

المقام الثاني : في بيان أقسام النساء‌ ، والدم الذي تتحيّض به كلّ منهن ، والذي لا تتحيّض به.

وأقسامهنّ على ما يستفاد من أخبار الباب أربعة‌ :

٤١١

المبتدأة : وهي التي ابتدأت الحيض أو ابتدأها (١).

والمضطربة : وهي من لم تستقرّ لها عادة.

وذات العادة وهي من استقرّت عادتها في الحيض وعرفتها.

والناسية : وهي التي استقرّت عادتها ونسيتها.

والمبتدأة بالمعنى المذكور هي المبتدأة بالمعنى الأخص ، وقد يطلق على الأولى والثانية معا ، وهي المبتدأة بالمعنى الأعم ، والمضطربة على ذلك الإطلاق تطلق على الناسية ، فتجعل الأقسام ثلاثة ، والأمر لفظي.

وما قيل (٢) من ظهور الفائدة في رجوع القسم الثاني إلى عادة أهلها وعدمه فاسد جدّا ، لعدم إناطة الحكم في النصوص بتلك الألفاظ أصلا.

نعم ، الظاهر أنّ منشأ الاختلاف : الاختلاف في اتّحاد أحكام القسمين الأولين واختلافها ، فمن سمّى القسمين باسم واحد نظر إلى اتّحاد المضطربة بالمعنى الأول مع المبتدأة بالمعنى الأخص فيما يتعلّق بها من أحكام الباب ، وهو أولى لذلك ، فتكون الأقسام الكلية المختلفة باختلافها في الأحكام ثلاثة : المبتدأة وذات العادة والناسية.

والكلام في كلّ منها إمّا في تحيضها أو في قدر حيضها ووقته.

القسم الأوّل : المبتدأة‌ الشاملة لمن كان ابتداء حيضها أو بعده قبل استقرار العادة ، وقد عرفت أنّ الكلام فيها إمّا في تحيضها أو في قدره ، فهاهنا موضعان :

الموضع الأول : في بيان تحيّضها‌ يعني الحكم بكون دمها حيضا.

فنقول : إنّ المبتدأة بالمعنى الأعم إذا رأت الدم ففي تحيّضها بمجرد الرؤية مطلقا فتترك العبادة ، أو استظهارها بفعلها حتى يستمرّ إلى الثلاثة فتتحيّض‌

__________________

(١) اي ابتدأها الحيض ، فعلى الأول تصير المبتدأة اسم فاعل وتكسر الدال ، وعلى الثاني اسم مفعول ، كما في الحدائق ٣ : ١٨٧ وغيره.

(٢) كما في الرياض ١ : ٣٨.

٤١٢

كذلك ، أو الأول مع كون الدم بصفة الحيض خاصة ، أقوال :

الأول عن المبسوط ، والإصباح ، والجامع ، وظاهر المقنعة ، ونهاية الشيخ (١) ، والوسيلة ، والذكرى (٢) ، ونسب إلى المنتهى ، والمختلف ، ونهاية الإحكام (٣) ، وكلماتها تحتمله.

لأصالة عدم الآفة ، وقاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، وعموم النصوص المستفيضة في التحيّض بمجرّد رؤية الدم (٤) الناشئ عن ترك الاستفصال في أكثرها ، وخصوص بعضها في أول من تحيض (٥) ، والأخبار الدالّة على التحيّض برؤية الدم المتّصف (٦) بضميمة عدم الفصل.

والثاني للسرائر ، والمعتبر (٧) ، وعن السيّد (٨) ، والإسكافي (٩) ، والديلمي (١٠) ، والحلبي (١١) ، بل الشرائع ، والنافع ، والقواعد ، والدروس ، والبيان (١٢) ، وإن احتاط في الأخيرين في تعلّق التروك بمجرّد الرؤية.

لعمومات أوامر العبادة ، فلا تسقط إلاّ باليقين.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٤٢ ، الجامع : ٤٢ ، المقنعة : ٥٤ ، النهاية : ٢٦.

(٢) الوسيلة : ٥٧ ، الذكرى : ٢٩.

(٣) نسبه في كشف اللثام ١ : ٩٦ ، انظر المنتهى ١ : ١٠٩ ، المختلف ١ : ٣٧ ، نهاية الاحكام ١ : ١١٨.

(٤) انظر ص ٤٠٨ ، ٤٠٩.

(٥) كموثقة سماعة الآتية في ص ٤١٨.

(٦) انظر ص ٣٨١.

(٧) السرائر ١ : ١٤٦ ، المعتبر ١ : ٢١٣.

(٨) حكى عنه في المعتبر ١ : ٢١٣.

(٩) حكى عنه في جامع المقاصد ١ : ٣٣٠.

(١٠) حكى عنه الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ) ولم نعثر عليه في المراسم.

(١١) الكافي : ١٢٨.

(١٢) الشرائع ١ : ٣٢ ، النافع : ١٠ ، القواعد ١ : ١٦ ، الدروس : ١ : ٩٧ ، البيان : ٦٤.

٤١٣

والثالث للمدارك والذخيرة (١) ، لأخبار التمييز الدالّة منطوقا أو مفهوما على أنّ ما ليس بصفة الحيض فليس بحيض ، وأنّ ما تراه في اليوم واليومين إن لم يكن دما عبيطا تصلّي ذينك اليومين كما مرّ (٢) ، ومفهوم قوله : « إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة » (٣).

وهو الحقّ ، لما ذكر.

ويجاب عن دليل الأول ، أمّا عن الأصل : فبمنعه. وأمّا عن القاعدة : فبمنعها. وأمّا عن العمومات : فبوجوب تخصيصها بأخبار التمييز لأخصّيتها ، مع أنّ في بعضها ذكر رؤية الحيض والطمث وعوده ، وصدقه في المورد ممنوع.

وأمّا عن الخصوصات المذكورة : فبعدم دلالتها ، لمنع صدق من تحيض ما لم يستمرّ دمها إلى الثلاثة أو كان بالصفة ، مع أنّه لو سلّم لتعارضت مع أخبار التمييز بالعموم من وجه ، فتتساقطان ويرجع إلى أصالة عدم سقوط العبادات.

وعن الأخير : بمنع عدم الفصل.

مع أنّه قد ادّعى في المدارك كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف بالأوصاف لا غيره ، وهو الظاهر من المنتهى (٤) حيث إنّه بعد ما اختار قول الشيخ احتجّ بأخبار التمييز ، وبأنّ الاحتياط لو كان معتبرا في المبتدأة لكان كذلك في ذات العادة ، لعدم الفارق.

ثمَّ أجاب عن إبداء الفارق بوجود الظن في الثاني دون محل النزاع بوجود الظن فيه أيضا ، لأنّ المظنون أنّ المرأة البالغة إذا رأت ما هو بصفة الحيض أنّه حيض ، وهذا كالصريح في كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف.

__________________

(١) المدارك : ٣٢٨ ، الذخيرة : ٦٤.

(٢) ص ٣٨١.

(٣) تقدم ص ٣٨٢.

(٤) المنتهى ١ : ١٠٩.

٤١٤

ومنه يظهر أنه الظاهر من المختلف (١) أيضا ، لأنّه صرّح فيه بأنّ مختاره فيه كما اختاره في المنتهى ، ولذا نسب في المدارك إليه التصريح باختصاص محلّ النزاع (٢).

والقول بأنّ الاحتجاج بالدليل الأخصّ لا يخصّص الدعوى العامة ، إذ لعلّه لدفع مذهب الخصم وتتميم المطلوب بعدم الفصل (٣) ، مقدوح : بأنه خلاف الظاهر ، مع أنّ وجه ظهور كلامه في الاختصاص لا يختص بذلك بل بعده ما يؤكّده ظهورا كما ذكرنا.

واستدلاله بقاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض غير ضائر ، إذ الشأن في تعيين ما يمكن عنده ، ولعلّه لا يرى غير المتّصف من الأفراد الممكنة ، سيما مع تعريفه دم الحيض بأنّه دم متّصف بكذا وكذا.

ومنه يظهر إمكان أن يكون الوجه في عدم التقييد أولا هو الاتكال على ما عرّفوا به دم الحيض ، بل يظهر احتمال وجه لعدم تقييد أكثرهم العنوان بالمتصف أيضا ، حيث إنّهم عرّفوا أولا دم الحيض مطلقا أو مقيّدا بالأغلب بذلك.

ثمَّ لو سلّمنا عدم الظهور في الاختصاص فلا شك في الاحتمال. وبه يبطل الإجماع المركّب الذي ادّعوه.

نعم ، ظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد (٤) الإجماع على عدم الفرق ، ولكنه غير صالح لإثبات الإجماع ، لعدم حجيته.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر الجواب عن دليل الثاني أيضا.

ثمَّ على المختار من عدم تحيّضها برؤية الدم الغير المتّصف هل تتحيّض إذا استمرّ ذلك الدم ثلاثة أيام أم لا؟

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٧.

(٢) المدارك : ١ : ٣٢٨.

(٣) قاله في شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٤) جامع المقاصد ١ : ٣٣٠.

٤١٥

صرّح بالأول الديلمي (١) ، والحلّي ، والمنتهى (٢) ، مدّعيا عليه في الأخير أنه مذهب علمائنا أجمع ، فإن ثبت فهو ، وإلاّ ففيه تأمل.

وظاهر المحكي عن المقنع ، والمقنعة (٣) : عدم كون الصفرة والكدرة حينئذ حيضا ، حيث حكما بالاستبراء مع رؤيتهما.

الموضع الثاني : في قدر حيضها‌ ووقته بعد الحكم بكونها حائضا ، ونبيّن هذا الموضع في مسائل :

المسألة الأولى : إذا حكم بكونها حائضا إمّا برؤيتها الدم المتّصف ، أو بالاستمرار إلى الثلاثة إن قلنا بالحيضية معه فيحكم بكون المرئي حيضا إن لم يتجاوز العشرة ولو لم يتّصف بالصفة.

لاستصحاب الحيضية. وموثّقة سماعة : عن الجارية البكر أول ما تحيض ، إلى أن قال : « فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » (٤).

وموثّقتي ابن بكير :

أولاهما : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ الدم تركت الصلاة عشرة أيام » (٥).

والأخرى : « في الجارية أول ما تحيض يدفع عنها الدم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي ( حتى يمضي ) أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى‌

__________________

(١) نقله عنه في المدارك ١ : ٣٢٩ ولم نعثر عليه في المراسم.

(٢) السرائر ١ : ١٤٦ ، المنتهى ١ : ١٠٠.

(٣) المقنع : ١٥ ، ولم نعثر عليه في المقنعة.

(٤) الكافي ٣ : ٧٩ الحيض ب ٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٢ : ٣٠٤ أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ـ ٤٦٩ ، الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٦.

٤١٦

ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة » (١).

وحسنة محمّد وموثّقته المتقدّمتين (٢).

ولا تضرّ معارضة أخبار التمييز مع تلك الأخبار ، لموافقة الاستصحاب مع هذه.

وفي حكم الدم : النقاء المتخلّل بين الدمين في العشرة الغير المتجاوز عنها ، بإجماع جميع فقهائنا ، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين ، بل جمع آخر منهم والدي العلاّمة رحمه‌الله ، لاستصحاب الحيضية ، وعدم كون الطهر مطلقا أقلّ من العشرة ، كما مرّ (٣).

الثانية : لو انقطع دمها بعد الثلاثة فما فوقها ، ولم تر حتى مضى أقلّ الطهر من الانقطاع ثمَّ رأته يحكم بالحيضية المستقلة مع الصفات ، لا بدونها إلاّ إذا استمرّ ثلاثة أيام إن قلنا بالإجماع على حيضيته.

والأكثر حكموا بالحيضية مطلقا ، لبعض الأخبار (٤) المعارضة بروايات التمييز ، وللبناء على أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض.

وقد عرفت ما فيه (٥).

الثالثة : إذا تجاوز دمها العشرة ، فإن كان لها تمييز رجعت إليه على الحق المشهور ، بل عليه الإجماع في المعتبر ، والتذكرة (٦) ، واللوامع ، وعن الخلاف ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠٠ ـ ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ـ ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ ، وفي المصدر بدل « عنها » : « عليها ».

(٢) ص ٣٨٢.

(٣) في ص ٣٩٦.

(٤) كموثقة سماعة المتقدمة ص ٤١٦.

(٥) في ص ٤١٣.

(٦) المعتبر ١ : ٢٠٤ ، التذكرة ١ : ٣١.

٤١٧

والمنتهى (١) ، وأسنده في الكفاية إلى الأصحاب (٢) ، وفي الدروس إلى ظاهرهم (٣) ، لأخبار اعتبار الصفات إثباتا ونفيا ، ومنها الدالّة عليه في خصوص استمرار الدم (٤).

وعن الصدوقين (٥) ، والمفيد ، وابن زهرة (٦) : عدم التعرّض للرجوع إلى التمييز.

وعن الحلبي : رجوع المضطربة أولا إلى نسائها ، فإن فقدن فإلى التمييز ، والمبتدأة إلى نسائها خاصة إلى أن تستقرّ لها عادة (٧).

ولا دليل يعتدّ به لشي‌ء منها يصلح لمعارضة أخبار التمييز.

وأمّا موثّقة سماعة : عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها ، قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقلّه ثلاثة أيام » (٨) الدالّة بظاهرها على رجوع المبتدأة إلى النساء أولا.

ففيها : منع تلك الدلالة ، إذ السؤال إنّما هو عمّن لا تعرف أقراءها ، ولا نسلّم أن صاحبة التمييز لا تعرفها ، فهي واردة في غير ذات التمييز.

وظاهر الكفاية (٩) التردّد بين الرجوع إلى التمييز وبين الرجوع إلى الأيام‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٣٠ ، المنتهى ١ : ١٠٤.

(٢) الكفاية : ٤.

(٣) الدروس ١ : ٩٨.

(٤) راجع ص ٣٨١ من الكتاب.

(٥) الفقيه ١ : ٥٠ نقل فيه عن والده ، المقنع ١ : ١٥.

(٦) المقنعة : ٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

(٧) الكافي : ١٢٨.

(٨) الكافي ٣ : ٧٩ الحيض ب ٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ ـ ١١٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ـ ٤٧١ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ٢.

(٩) الكفاية : ٤.

٤١٨

الذي هو شأنها حين فقد التمييز والنساء.

بل ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين (١) ترجيح الثاني ، لقوله في مرسلة يونس ، الطويلة : « وأمّا السنّة الثالثة فهي التي ليست لها أيام متقدّمة ولم تر الدم قط ورأت أول ما أدركت واستمرّ بها ، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأوّلى ـ والثانية ، وذلك أن امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : إنّي استحضت حيضة شديدة » إلى أن قال : « تحيّضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة » (٢) الخبر.

وموثّقة سماعة ، المتقدّمة (٣) ، وموثّقتي ابن بكير :

إحداهما : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ تركت الصلاة عشرة أيام ، ثمَّ تصلّي عشرين يوما ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلّت سبعة وعشرين يوما » (٤). وبمضمونها الأخرى (٥).

ويجاب عنها : بأنّها معارضة لإطلاقات التمييز بالعموم من وجه. والترجيح للإطلاقات ، لأشهريتها رواية وفتوى ، وأصحّيتها سندا ، واعتضادها بالإجماعات المستفيضة نقلا.

هذا ، مع ما في المرسلة من اختصاصها بفاقدة التمييز التي هي غير المسألة ، كما يدلّ عليه قوله في آخرها : « وإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ١٩٤.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٣) ص ٤١٨.

(٤) التهذيب ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ـ ٤٦٩ ، الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٠ ـ ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ـ ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥.

٤١٩

فلم تزل الاستحاضة دائرة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنتها السبع ، والثلاث والعشرون ، لأنّ قصتها قصة حمنة » الحديث.

وما في الموثّقة من عدم المنافاة ، إذ مع الرجوع إلى التمييز يكون أيضا أكثر الجلوس عشرة وأقلّه ثلاثة.

وما في الأخيرتين من عدم الحجية ، لعدم عامل بمضمونها بخصوصه ولو في فاقدة التمييز أيضا كما يأتي ، مع أنّ ثانيتهما ليست مروية عن إمام.

ثمَّ إنّه يتوقّف حصول التمييز على أمور :

الأوّل‌ : أن لا ينقص المشابه للحيض عن الثلاثة مع تواليها ولا يزيد على العشرة ، لعموم ما دلّ على اعتبار الأمرين في الحيض.

وليس في إطلاق ما دلّ على اعتبار الصفات مخالفة لذلك ، لورودها في بيان الوصف دون المقدار. وعلى فرض المخالفة ظاهرا يجب تقييده بما دلّ على اعتبارهما ، لظاهر الإجماع.

وبه يجاب عمّا في رواية يونس من أنّ المختلطة عليها أيامها تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام وكثيرها.

ولو قطع النظر عن الإجماع ووجوب التقييد يحصل التعارض فيرجع إلى الأصل ، ولا شك أنه مع عدم التحيّض ، لعمومات العبادة وأصالة عدم تعلّق أحكام الحيض بها.

فتوهّم عدم اعتبار هذا الشرط ـ كبعض مشايخنا الأخباريين (١) ، ونقله والدي ـ رحمه‌الله ـ في اللوامع عن ظاهر المبسوط (٢) ـ لا وجه له ، فلا تمييز لفاقدته.

وهل تتحيّض ببعض ما زاد على العشرة ممّا يمكن جعله حيضا وبالناقص مع‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ١٩٥.

(٢) لاحظ المبسوط ١ : ٤٣ ، ٤٤.

٤٢٠