مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

وأمّا النبطيّات فلا يعرفن في هذا الزمان أصلا ، فهو قد كفانا مئونة الاشتغال بتحقيق معناها.

ومنها‌ : أنّه حار أسود عبيط يخرج بدفع وحرقة ـ أي لذع لأجل الدفع والحرارة ـ بالإجماع والمستفيضة.

منها : حسنة البختري عن المرأة تستمرّ بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره ، قال ، فقال لها : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، وإذا كان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة » (١).

ومرسلة (٢) جميل وفيها : « وإن اشتبه فلم يعرف أيام حيضها فإنّ ذلك لا يخفى ، لأنّ دم الحيض دم عبيط حار ، ودم الاستحاضة دم أصفر بارد » (٣).

وصحيحة ابن عمار : « إنّ دم الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان واحد ، إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حار » (٤).

وموثّقة ابن جرير : « دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد » (٥).

وفي موثّقة إسحاق بن عمّار في الحبلى : « إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩١ الحيض ب ٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ ـ ٤٢٩ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

(٢) مذكورة في باب عدة المطلّقة المسترابة من الوافي ( منه ره ).

(٣) التهذيب ٨ : ١٢٧ ـ ٤٣٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٢ ـ ١١٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٠ أبواب العدد ب ٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٩١ الحيض ب ٩ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٩١ الحيض ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ ـ ٤٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

(٦) التهذيب ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٤١ ـ ٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

٣٨١

وفي مرسلة يونس ، الطويلة : « إنّ دم الحيض أسود يعرف » (١).

والمراد بالسواد هنا هو الحمرة الشديدة القريبة من السواد ، كما هو المتبادر في السواد المستعمل في الدماء المتأيّد بالمشاهدة والاعتبار.

ويشهد له : ما في مرسلة يونس « إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة » ثمَّ قال عليه‌السلام : « وقوله البحراني شبه معنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ دم الحيض أسود ، وإنّما سماه ( أبي ) بحرانيا لكثرته ولونه » الحديث ..

دلّ على اتّحاد المراد من الأسود ومن البحراني المفسّر في كتب اللغة (٢) ، والمعتبر ، والتذكرة (٣) ، بالحمرة الشديدة.

فلا تنافي بين ما مر وبين ما وصف الحيض بالحمرة ، كالمرسل الآتي في الحبلى « إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي » (٤) وغيره ، ولا بين كلام من وصفه بالسواد فقط ، كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمنتهى والتبصرة والإرشاد (٥) والتلخيص والتحرير (٦) وغيرها (٧) ، ومن وصفه بالحمرة كذلك ، كما عن المقنعة (٨).

نعم ، في النافع خيّر بين الوصفين ، وظاهره الاختلاف بينهما (٩).

وهو ليس بجيّد ، إلاّ أن يحمل على تفاوت مراتب الحمرة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٧٦ أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

(٢) كالنهاية لابن الأثير ١ : ٩٩ ، والصحاح ٢ : ٥٨٥ ، ولسان العرب ٤ : ٤٥.

(٣) المعتبر ١ : ١٩٧ ، التذكرة ١ : ٢٦.

(٤) سيأتي ذكره ص ٤٠٣.

(٥) النهاية : ٢٣ ، المبسوط ١ : ٤١ ، الوسيلة : ٥٦ ، المنتهى ١ : ٩٥ ، التبصرة : ٨ ، مجمع الفائدة ١ : ١٤١.

(٦) التحرير ١ : ١٣.

(٧) كالكفاية : ٣ ، والمفاتيح ١ : ١٤.

(٨) المقنعة : ٥٤.

(٩) المختصر النافع : ٩.

٣٨٢

وقد يزاد في الوصف : الغلظة والنتن. وليس عليهما دليل سوى المرويين في فقه الرضا عليه‌السلام والدعائم :

الأوّل : « وتفسير الاستحاضة أنّ دمها يكون رقيقا تعلوه صفرة ، ودم الحيض إلى السواد وله غلظة ، ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة ، ودم الاستحاضة بارد يسيل وهي لا تعلم » (١).

والثاني : « ودم الحيض كدر غليظ منتن ، ودم الاستحاضة دم رقيق » (٢).

وهما لضعفهما غير صالحين للاستناد وإن شهد لهما الاعتبار.

ثمَّ إنّ مقتضى التوصيف في تلك الأخبار : أنّ الأصل أنّ كلّ ما انتفت فيه تلك الأوصاف كلا أو بعضا لم يكن حيضا.

وبعبارة أخرى : كلّ ما كان حيضا كان متّصفا بالأوصاف ، كما أنّ مقتضى منطوق الشرط في الحسنة (٣) : أنّ الأصل أنّ كلّ ما وجدت فيه الأوصاف فهو حيض مطلقا ، إلاّ ما دلّ دليل على خلافه في الكلّيتين ، ويزاد الدليل على الكلّية الأخيرة في صورة الاشتباه مع الاستحاضة الحكم بانتفاء تلك الأوصاف عن المستحاضة في المستفيضة (٤) ، فإنّ مفادها أنّ المتّصف بها حينئذ حيض ، إلاّ إذا دلّ دليل على خلاف ذلك.

وبذلك يظهر أنّ الحق مع من حكم بكون اعتبار الأوصاف إثباتا ونفيا للحيض أصلا لا يتخلّف عنه إلاّ بدليل (٥).

وجعلها مميّزات عند الاشتباه مع الاستحاضة خاصة (٦) غير سديد ، وغفلة‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٢ و ١٩٤ وفيه : « رقة » بدل : « غلظة » والظاهر انها تصحيف : حرقة كما نقله في المستدرك ٢ : ٧ أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

(٢) الدعائم ١ : ١٢٧ ، المستدرك ٢ : ٧ أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

(٣) حسنة البختري المتقدمة ص ٢٨١.

(٤) المتقدمة ص ٢٨١.

(٥) كما في المدارك ١ : ٣١٣ ، والحدائق ٣ : ١٥٢.

(٦) كما في شرح المفاتيح : ( مخطوط ) ، والرياض ١ : ٣٥ ، ومفتاح الكرامة ١ : ٢٣٦.

٣٨٣

عن منطوق الشرط.

ثمَّ إنّ المعتبر في التمييز بينهما حين الاشتباه هو جميع الأوصاف المتقدّمة ، ولا يكفي البعض وإن اكتفي به في بعض الأخبار (١) ، لأنّه يكون أعمّ من الخبر المستجمع للجميع ، فيجب تقييده به.

ومنه يظهر أنّه لو اتّصف حينئذ دم ببعض أوصاف كلّ من الحيض والاستحاضة ، كأن يكون حارا أصفر ، أو باردا أسود ، تتعارض فيه الأخبار المميّزة بالوصف ، فلا يعمل بها فيه ، بل يرجع إلى القواعد الأخر.

ومنها‌ : أنّه يكون منغمسا في القطنة ، وهذا إنّما يعتبر مع اشتباهه بدم العذرة ، فيحكم حينئذ بالحيضية مع الانغماس ، وبالعذرة مع التطوّق.

وفاقا للأكثر في الحكمين ، لصحيحتي زياد (٢) ، وخلف (٣) ، والرضوي (٤) ، المصرّحة جميعا بهما.

وخلافا لظاهر الشرائع ، والنافع ، وصريح المعتبر (٥) ومحتمل المقنعة (٦) في الأول ، فتوقّفا فيه.

ولا وجه له بعد صراحة الأخبار المعتبرة المعمول بها عند الأكثر. مع أنّ مورد المسألة إنّما هو صورة الاشتباه ، وهو لا يكون إلاّ مع إمكان الحيضيّة إمّا باستجماع‌

__________________

(١) مثل صحيحة ابن عمّار المتقدّمة ص ٢٨١.

(٢) الكافي ٣ : ٩٤ الحيض ب ١٠ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٢ ـ ٤٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢٧٣ أبواب الحيض ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٩٢ الحيض ب ١٠ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٥ ـ ١١٨٤ ، الوسائل ٢ : ٢٧٢ أبواب الحيض ب ٢ ح ١.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٤ ، المستدرك ٢ : ٦ أبواب الحيض ب ٢ ح ١.

(٥) الشرائع ١ : ٢٩ ، المختصر النافع : ٩ ، المعتبر ١ : ١٩٨.

(٦) كذا في النسخ ، وليس موجودا في المقنعة ولم نعثر على من نسبه إليه والظاهر أنه مصحّف « القواعد » ـ لتشابه رمزيهما ـ ، قال في الرياض ١ : ٣٥ « .. وصريحه في المعتبر .. ويحتمله القواعد .. » ‌فراجع القواعد ١ : ١٤.

٣٨٤

الأوصاف إن قلنا باشتراطه في الإمكان أو بدونه إن لم نقل به ، فيثبت الحكم إمّا بإخبار اعتبار الأوصاف ، أو بالقاعدة المسلّمة عندهما من أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض إلاّ ما خرج بالدليل ، فلا مجال للتوقّف.

ومنه يظهر بطلان توجيه كلامهما : بأنّ الدم ربما لا يستجمع الشرائط (١) ، فإنّ الشرائط إن كانت معتبرة فلا يكون حيضا قطعا ، ولا يحصل الاشتباه ، وإلاّ فلا يوجب عدمها التوقّف.

وقد يجوّز عدم مخالفتهما ، ويوجّه عدم حكمهما بالحيضية في صورة الانغماس باتّكالهما على فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة ، فإذا تميّز دم العذرة بمميّزه ، فيرتفع الإشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض (٢).

وهو إنّما يتأتّى في غير كلام المعتبر ، وأمّا فيه ـ فلتصريحه بالتوقّف في الحكم بالحيضية ـ فلا.

ثمَّ ظاهر إطلاق إحدى الصحيحتين (٣) كفاية وضع القطنة وإخراجها بأيّ نحو اتّفق ، ولكن الأخرى (٤) قيّدته بالوضع والصبر هنيئة ثمَّ إخراجها هنيئة ، والعمل بها أحسن لتقييدها.

وأمّا ما ذكره بعضهم (٥) ـ من اعتبار الاستلقاء في رفع الرجلين وإدخال الإصبع ـ فلم نعثر على حجة له وإن نسبه إلى الأخبار ، ولعلّ نظره إلى أخبار القرحة (٦) ، والله اعلم.

ومنها‌ : الخروج عن الأيسر ، وهو معتبر عند الاشتباه مع دم القرحة فيحكم‌

__________________

(١) كما في الذكرى : ٢٨.

(٢) كما في الرياض ١ : ٣٥.

(٣) وهي صحيحة زياد المتقدمة ص ٣٨٤.

(٤) وهي صحيحة خلف المتقدمة ص ٣٨٤.

(٥) روض الجنان : ٦٠.

(٦) الآتية عن قريب.

٣٨٥

بالحيضية معه وبالقرحة مع الخروج عن الأيمن. وفاقا للفقيه ، ونهاية الإحكام ، والسرائر ، والبيان ، والقواعد ، والإرشاد ، والتذكرة (١) ، وعن المقنع ، والمقنعة ، والمبسوط ، والمهذب (٢) ، والإصباح ، والوسيلة ، والجامع ، والنهاية (٣) ، والتلخيص ، بل الأكثر ، كما ذكره في التذكرة (٤) ، وجمع ممّن تأخر (٥).

لمرفوعة أبان ، المروية في التهذيب ، وفيها : « مرها فلتستلق على ظهرها ، ثمَّ ترفع رجليها ، ثمَّ تستدخل إصبعها الوسطى ، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة » (٦).

والرضوي : « وإن اشتبه عليها الحيض ودم القرحة فربما كان في فرجها قرحة ، فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل إصبعها ، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض » (٧).

وبالشهرة ـ كما مرّت ـ ينجبر ضعفهما ، كما أنّ الأخيرة بها وبالأحدثية ـ التي هي من المرجّحات المنصوصة ـ تترجّح على مرفوعة أبان ، المروية في الكافي (٨) بالعكس ، إن قلنا بتعدد روايتي الكافي والتهذيب أو باتّحادهما مع سقوط نسخة التهذيب بترجيح الكافي عليها بأضبطيته وأقدميته أو باضطراب نسخه حيث إنّه نقل عن ابن طاوس توافق نسخ التهذيب القديمة للكافي (٩) ، وعن الذكرى‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٤ ، نهاية الاحكام ١ : ١١٦ ، السرائر ١ : ١٤٦ ، البيان : ٥٧ ، القواعد ١ : ١٤ ، مجمع الفائدة ١ : ١٤ ، التذكرة ١ : ٢٦.

(٢) المقنع : ١٦ ، المقنعة : لم نعثر عليه فيه ، ولكن نقله عن المفيد في مفتاح الكرامة ١ : ٣٣٨ ، المبسوط ١ : ٤٣ ، المهذّب ١ : ٣٥.

(٣) الوسيلة : ٥٧ ، الجامع للشرائع : ٤١ ، النهاية : ٢٤.

(٤) التذكرة ١ : ٢٦.

(٥) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٦ ، وصاحبا الرياض ١ : ٣٥ ، والذخيرة : ٦٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٨٥ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ٢ : ٣٠٧ أبواب الحيض ب ١٦ ح ٢.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٣ ، المستدرك ٢ : ١٤ أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٩٤ الحيض ب ١٠ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٧ أبواب الحيض ب ١٦ ح ١.

(٩) نقله عنه في الذكرى : ٢٨.

٣٨٦

موافقة كثير من نسخه له (١).

وأمّا إن قلنا باتّحادهما وترجيح نسخة التهذيب بموافقتها الشهرة ، ومطابقتها لعبارة الصدوق ـ التي قالوا : هي متون الأخبار ـ وفتوى المفيد ، وشهادة بعض النسوة المتديّنة بذلك ، كما ذكره بعض مشايخنا (٢) ، أو بتكافئهما ، فلا يكون للأخيرة المنجبرة معارض ، لسقوط نسخة الكافي ، إمّا بالمرجوحية ، أو بالتكافؤ ، وبقاء الأخيرة بلا معارض.

وخلافا للكليني (٣) ، والمحكي عن الإسكافي (٤) ، والبشرى (٥) ، والذكرى ، والدروس (٦) ، فعكسوا ، لمرفوعة الكافي وترجيحها على ما في التهذيب بما مرّ.

ويضعّف : بأنّه لو سلّم ترجيحها عليه فلا نسلّم ترجيحها على الرضوي ، بل الرجحان له كما عرفت.

وللمعتبر وظاهر المنتهى (٧) ، والمقدس الأردبيلي (٨) ، والمدارك (٩) ، ووالدي العلاّمة ، وجمع آخر من متأخّري المتأخّرين (١٠) ، بل نسبه والدي إلى أكثر المتأخّرين ، فلم يعتبروا الجانب بالمرّة.

__________________

(١) الذكرى : ٢٨.

(٢) هكذا حكى في الرياض ١ : ٣٥ عن بعض المشايخ شهادة المتدينة من النسوة ، وقد يكون مراده أستاذه الوحيد البهبهاني حيث قال : ولأنّ المعروف من النساء والمشهور بينهن أنّ الأمر كذلك فاستعلم منهنّ. شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٣) الكافي ٣ : ٩٤.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٣٦.

(٥) للسيّد جمال الدين بن طاوس ، نقله عنه في الذكرى : ٢٨.

(٦) الذكرى : ٢٨ ، الدروس ١ : ٩٧.

(٧) المعتبر ١ : ١٩٩ ، المنتهى ١ : ٩٥.

(٨) مجمع الفائدة ١ : ١٤١.

(٩) المدارك ١ : ٣١٨.

(١٠) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : ٦٢ ، والكفاية : ٣.

٣٨٧

لاضطراب متن الحديث واختلافه ، مع ترجيح كلّ من الروايتين بوجه كما مرّ ، ومخالفة اعتبار الجانب للاعتبار ، إذ القرحة تكون في كلّ من الجانبين والحيض محله الرحم ، وهي ليست في الأيسر ، وفساد توهّم كون وضع الرحم بحيث يستلزم خروج الحيض من الأيسر ودم القرحة من الأيمن عند الاستلقاء ، على أنّ النسوان لا يدركن ذلك.

قال والدي : كل امرأة رأيناها وسألناها اعترفت بعدم إدراك الجانب للخروج.

ويضعّف : بأنّ غاية ما في الباب سقوط الروايتين بالاضطراب ، وبقاء الرضوي خاليا عن المعارض. ومخالفة الاعتبار بعد شهادة النص غير مسموعة ، فإنّ الشرعيات تعبدية.

ومنها‌ : أنّه لا يكون أقلّ من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة ، بالإجماعين في الموضعين ، وهو الحجة فيهما ، مضافا إلى المعتبرة كالصحاح الثلاث لبني عمار ويقطين ويحيى.

الأولى : « إنّ أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام » (١).

الثانية : « أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة » (٢).

الثالثة : « أدناه ثلاثة وأبعده عشرة » (٣) وغيرها من الأخبار المتكثرة.

وصحيحة ابن سنان المخالفة للثاني ظاهرا : « أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنى ما يكون ثلاثة » (٤) شاذة غير صالحة للحجية. مع أنّ إرادة أكثر العادات كما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٥ الحيض ب ١ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٣ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٥٦ ـ ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ ـ ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٢٩٦ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٧٥ الحيض ب ١ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٥٦ ـ ٤٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ ـ ٤٤٧ ، الوسائل ٢ : ٢٩٤ أبواب الحيض ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٠ ، الاستبصار ١ : ١٣١ ـ ٤٥١ ، الوسائل ٢ : ٢٩٧ أبواب الحيض

٣٨٨

هو الواقع ممكنة ، بل لإرادة أكثر الحيض مساوية ، ولا يمكن إرادة ذلك في أكثرية العشرة وأقلية الثلاثة ، لأنّه ليس كذلك قطعا ، كما أنّ المشاهدة به حاكمة.

وفي اشتراط التوالي في الثلاثة وعدمه ـ بكونها في جملة العشرة ـ قولان :

الأول ـ وهو الأظهر ـ للمحكي عن الصدوقين في الرسالة ، والهداية (١) ، والإسكافي (٢) ، والجمل ، والمبسوط (٣) ، والسيد (٤) ، وابني حمزة وإدريس (٥) ، والمعتبر ، والمنتهى ، والقواعد ، والبيان (٦) ، والمحقّق الثاني ناسبا له إلى أكثر الأصحاب (٧) كجماعة من المتأخّرين (٨) بل نسبه بعضهم إلى الشهرة العظيمة (٩). واستقرب والدي ـ رحمه‌الله ـ دعوى الإجماع عليه.

للرضوي الصريح المنجبر ضعفه بالشهرتين : « وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات » (١٠) مضافا إلى استصحاب عدم الحدث.

والإيراد على الأول : بأنّه خرج مخرج الغالب دون الكلّي ، وإلاّ لكان منافيا لقوله عليه‌السلام قبل ذلك : « فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى » (١١) مندفع بعدم منافاة‌

__________________

ب ١٠ ح ١٤.

(١) الفقيه ١ : ٥٠ نقله عن رسالة أبيه ، الهداية : ٢١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٦.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٣ ، المبسوط ١ : ٤٢.

(٤) لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة ولا على ناقل عنه.

(٥) الوسيلة : ٥٦ ، السرائر ١ : ١٤٣.

(٦) المعتبر ١ : ٢٠٢ ، المنتهى ١ : ٩٨ ، القواعد ١ : ١٤ ، البيان : ٥٨.

(٧) جامع المقاصد ١ : ٢٨٧.

(٨) منهم العلامة في التذكرة ١ : ٢٦ ، وصاحبا كشف اللثام ١ : ٨٦ ، والذخيرة : ٦٣.

(٩) نسبه في الرياض ١ : ٣٦.

(١٠) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ١٢ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١.

(١١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ١٢ أبواب الحيض ب ٩ ح ١ ، في المستدرك : « فان زاد الدم .. ».

٣٨٩

قوله السابق له إلاّ بالإطلاق ، وهو لا ينافي إرادة الكلية من قوله اللاحق ، لوجوب تقييد السابق باللاحق.

وقد يستدلّ أيضا : بعمومات التكليف بالعبادة ، فلا يخرج منها إلاّ ما علم.

وبأصالة عدم تعلّق أحكام الحائض بها.

وبثبوت العبادة في الذمة باليقين فلا يسقط إلاّ مع اليقين بالمسقط ، ولا يقين حين فقد التوالي.

وبتبادره من مثل قولهم : أقلّ الحيض ثلاثة.

والكلّ منظور فيه ، لا لما أورد على الأول : بأنّ العمومات مخصّصة قطعا بما دلّ على حرمة العبادة على الحائض ، فهي أيضا مخصوصة بغير الحائض ، ولا يدري أنّ تلك المرأة داخلة في العمومات أو الخصوصات.

وعلى الثاني : بأنه معارض بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.

وعلى الثالث : بالمنع من ثبوتها في الذمة ، فإنّه أول الكلام ، بل مقتضى الأصل عدم التعلّق.

وعلى الرابع : بأنّه لو تمَّ في الثلاثة ، لزم مثله في العشرة ، لاشتراكهما في الإطلاق في أخبار المسألة.

لأنا نجيب عما أورد على الأول بأنّ تخصيص العمومات إنّما هو بالحائض المعلوم حيضها إجماعا ، بل هي المراد من الحائض قطعا ، لأنّ الألفاظ وإن كانت أسامي للمعاني النفس الأمرية إلاّ أنّها مقيّدة بالعلم هنا إجماعا ، بل في مطلق مقامات التكاليف.

وعمّا أورد على الثاني : بأنّها لو كانت حائضا ، لحرمت عليها العبادات المشروطة بالطهارة أيضا لأجل أنّها حائض ، وهذا أيضا تكليف بترك العبادة من‌

٣٩٠

هذه الجهة ، والأصل عدمه ، فالتكليف بالعبادة متحقّق إمّا بالفعل أو الترك ، والأصل عدم كلّ منهما ، فيتعارضان ، وتبقى أصالة عدم تعلّق أحكام الحائض كحرمة الوطء والمنع عن المسجد والعزائم ونحو ذلك خالية عن المعارض.

وعمّا أورد على الثالث : بأنّ للمستدلّ أن يتمسّك بالاستصحاب في صورة رؤيتها الدم بعد دخول الوقت ومضيّ مقدار الطهارة والصلاة ، وإلحاق غيرها بعدم القائل بالفرق ، إلاّ أن يعارض ذلك بصورة رؤيتها الدم قبل الوقت.

وعمّا أورد على الرابع : بأنّ خروج العشرة بالإجماع أو دليل آخر عن معناه المتبادر لا يوجب خروج غيرها أيضا. مع أنّهم يقولون باشتراط التوالي في العشرة أيضا ، ولا يجعلون النقاء المتخلّل في العشرة طهرا ، غاية الأمر أنّه لا يلزم عندهم في العشرة المتوالية رؤية الدم كلّ يوم.

بل لاندفاع الثلاثة الأولى : بأنّ ذات العادة يجب عليها ترك العبادة بمجرد رؤية الدم ، وهكذا المبتدأة بالمعنى الأعم عند جماعة (١) ، فالعمومات بهذه المرأة مخصّصة وأحكام الحائض بها متعلّقة ، والعبادات عنها ساقطة. فيبقى الكلام في تعلّق القضاء بها لو لم تتوال الثلاثة ، ولا شك أنّ الأصل عدمه المستلزم للحيضية الموجبة لعدم اشتراط التوالي ، بل يكفي لو منع ذلك الحكم في غير ذات العادة أيضا ، ويسقط الاستدلال ، لأنّ بثبوت الحيضية في ذات العادة يثبت في غيرها أيضا بالإجماع المركّب ، ولا تفيد المعارضة بغير ذات العادة والتمسّك بالإجماع المركّب فيها ، إذ بتمامية المعارضة أيضا يسقط الاحتجاج بالأصول.

واندفاع الرابع أوّلا : بمنع التبادر ، ولذا لا يلزم التوالي على من نذر صيام ثلاثة أيام ما لم يقيّد بالتوالي.

وثانيا : بتوقّف تماميته على كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضا خاصة وهو‌

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٤٢ ـ ٤٣ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٠٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٨٧ ، المحقق السبزواري في الذخيرة : ٦٤.

٣٩١

غير معلوم ، فلا تكون الثلاثة الأقلّ إلاّ متوالية أبدا ، ويرجع النزاع إلى مجرد اشتراط التوالي في رؤية الدم في الثلاثة الأولى وعدمه.

والحاصل : أنّ اشتراط التوالي في الأقلّ المنحصر قطعي مجمع عليه ، والخلاف في صورة التجاوز عنه ، ولا يكون الحيض حينئذ ثلاثة ، بل أكثر ، ومدلول قولهم : أقلّ الحيض ثلاثة : إنّما هو في المنحصر.

الثاني : للشيخ في النهاية وعن الاستبصار (١) ، والقاضي (٢) ، وإليه ذهب جملة من متأخّري المتأخّرين ، منهم المحقّق الأردبيلي ، والفاضل الهندي (٣) ، واختاره جماعة من مشايخنا الأخباريين (٤).

لكون ما يمكن أن يكون حيضا وما يشمل على الأوصاف وما يقع في العادة حيضا.

ولحسنة محمّد : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٥) وقريبة منها موثّقته (٦).

دلّتا على أنه متى رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلا سواء كان الأول يوما أو أزيد ، فإن كان قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى.

ومرسلة يونس وفيها : « وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة أيام‌

__________________

(١) النهاية : ٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٣٠.

(٢) جواهر الفقه : ١٥.

(٣) مجمع الفائدة ١ : ١٤٣ ، كشف اللثام ١ : ٨٦.

(٤) منهم صاحب الحدائق ٣ : ١٥٩.

(٥) الكافي ٣ : ٧٧ الحيض ب ٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥٩ ـ ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٩٦ أبواب الحيض ب ١١ ح ٣.

(٦) التهذيب ١ : ١٥٦ ـ ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ ـ ٤٤٩ ، الوسائل ٢ : ٢٩٦ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١.

٣٩٢

من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى تتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض » (١) الحديث.

والجواب عن غير الأخيرة : بأنّ دلالته على المورد بالعموم ، فيجب تخصيصه بما مرّ ، لما مرّ.

وعن الأخيرة : بعدم حجيتها ، لمخالفتها شهرة القدماء طرّا. ولو سلّمت فهي معارضة للرضوي المتقدّم (٢) والترجيح له من جهة الأحدثية ، ولو سلّم عدم الترجيح فيرجع إلى استصحاب عدم الحدث.

وقد يجاب عن الحسنة والموثّقة : بمنع كون ما تقدّم حيضا ما لم تتوال فيه الثلاثة ، فبدونه لا يكون حيضة حتى يكون الباقي من الحيضة الأولى.

وفيه : أنّ معنى الحديث : أنّ الدم المرئي بعد انقطاعه وقبل العشرة بعض من الحيضة الأولى ، أي يجب جعل المجموع حيضا واحدا أوّليّا ، وذلك لا يتوقّف على تسمية ما سبق حيضا. والحاصل : أنّ هذا حكم منه عليه‌السلام بالحيضية والأولية معا ، لا أنّه حكم بالأولية خاصة حتى يتوقّف صدقها على ثبوت الحيضية أوّلا.

ثمَّ على القول المختار : فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث ولو ضعيفا؟ كما عن المحقّق الثاني في شرح القواعد (٣) ، وابن فهد في المحرّر (٤) ، والحلبي في معطي الكافي (٥) ، والغنية (٦) ، وابن سعيد ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٢) في ص ٣٨٩.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٢٨٧.

(٤) نقله عنه في كشف اللثام ١ : ٨٦.

(٥) الكافي في الفقه : ١٢٨ ، قال في كشف اللثام ١ : ٨٦ : ويعطيه ما في الكافي.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

٣٩٣

نافيا عنه الخلاف (١) ، وظاهر المبسوط أنّه مسلّم عند القائلين بالتوالي (٢).

أم يكفي وجوده في كلّ يوم من الثلاثة وإن لم يستوعبها؟ كما عن الروض (٣) ، وظاهر الفاضل (٤) ، واختاره في المدارك ، وعزاه إلى الأكثر (٥) ، ولكن ظاهر شرح القواعد ندرة القول به حيث نسبه إلى أنه قد يوجد في بعض الحواشي (٦).

أم يعتبر وجوده في أوّل الأوّل وآخر الآخر وجزء من الوسط؟ كما عن بعض المتأخّرين (٧) ، ونفى الشيخ البهائي عنه البعد (٨).

أقوال ، أقواها : الأخير ، لمثل قولهم عليهم‌السلام : « أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام ».

فإنّه لا يصدق على من رأت في الدقيقة الأخيرة من اليوم الأول والأولى من الثالث ، كما هو مقتضى القول الثاني ، بل المتبادر منه عدم تحقّق الحائضية في أقلّ من ثلاثة أيام تامة.

وأظهر منه في ذلك المعنى قوله في موثّقة ابن بكير في المبتدأة التي استمرّ بها الدم : « ثمَّ تترك الصلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقلّ ما يكون من الطمث ، وهو ثلاثة أيام » (٩) الحديث.

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٤٣.

(٢) المبسوط ١ : ٦٧.

(٣) الروض : ٦٢.

(٤) المنتهى ١ : ٩٨ ، التذكرة ١ : ٣٥.

(٥) المدارك : ١ : ٣٢٢.

(٦) جامع المقاصد ١ : ٢٨٧.

(٧) لم نعثر عليه ، نعم قال في الحدائق ٣ : ١٦٩ ونسب الى السيد حسن ابن السيد جعفر معاصر شيخنا الشهيد الثاني.

(٨) لحبل المتين : ٤٧.

(٩) التهذيب ١ : ٤٠٠ ـ ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ـ ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥.

٣٩٤

فإنّ المتبادر من ترك الصلاة والجلوس ثلاثة أيام تركها وجلوسها ثلاثة أيام تامة ، لصحة السلب عن الأقلّ ولو بدقيقة.

وبذلك يقيّد إطلاق مفهوم الرضوي المتقدّم (١) ، حيث إنّه يصدق رؤية الدم ثلاثة أيام برؤية المسمّى في كلّ يوم ، لعدم وجوب المطابقة بين الظرف والمظروف.

ويسقط لأجله القول الثاني ، فإنّ مستنده ليس إلاّ ذلك العموم ، مع أنّه ضعيف وانجباره في المقام غير معلوم.

كما أنّ بعمومات الحكم بالحيض مع الأوصاف وفي أيام العادة منضمة مع ما دلّ على أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة يندفع أصالة عدم الحدث التي هي مستند القول الأول ، ويسقط لأجله ذلك القول أيضا. ولا دلالة لقوله عليه‌السلام في مرسلة يونس : « فإن استمرّ بها الدم ثلاثة فهي حائض » (٢) عليه ، لأنّ مقابل ذلك الاستمرار الانقطاع المذكور فيها فلا حكم للمفهوم غيره.

ثمَّ هل يعتبر الثلاثة بلياليها كما عن الإسكافي (٣) ، والمنتهى ، والتذكرة (٤)؟

أم يكفي ما عدا الليلة الأولى كما احتمله بعض المحقّقين (٥)؟

ظاهر الدليل : الثاني ، لصدق الثلاثة أيام ، بل لو لا عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها لكان الاقتصار على النهار خاصة محتملا.

ولو رآه أوّل الليلة الأولى لم ينقص لأجله من الثلاثة أيام شي‌ء البتة.

والظاهر عدم الخلاف في كفاية اليوم الملفّق هنا ، فلو رأى أول الظهر‌

__________________

(١) ص ٣٨٩.

(٢) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٣) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٠٢.

(٤) المنتهى ١ : ٩٧ ، التذكرة ١ : ٢٦.

(٥) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٦.

٣٩٥

من الأول تمّت الثلاثة بأول الظهر من الرابع ولم يتوقّف على تمامه ، فتأمّل.

ولنختم هذا المقام بمسائل ثلاث :

المسألة الأولى : لا حدّ لأكثر الطهر على المشهور ، بل بلا خلاف ، كما عن الغنية (١) ، للأصل.

وعن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة أشهر (٢). وحمل على الغالب (٣).

وعن البيان (٤) احتمال أن يكون نظره إلى عدة المسترابة.

وأقلّه عشرة أيام إجماعا قطعيا في المتوسّط بين الحيضتين المستقلّتين ، ومحكيا (٥) مستفيضا في مطلقه الشامل للمتخلّل في أثناء الحيضة الواحدة ، لاستفاضة النصوص المعتبرة.

منها : صحيحة محمّد : « لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيام فما زاد ، أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم » (٦).

وفي مرسلة يونس : « أدنى الطهر عشرة أيام » وفيها أيضا : « ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيام » (٧).

خلافا لبعض متأخّري المتأخّرين ، فخصّ الحكم بما بين الحيضتين ، وجوّز كون المتخلّل في أثناء الحيضة أقلّ من عشرة (٨).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

(٢) الكافي في الفقه : ١٢٨.

(٣) كما حمله العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٧.

(٤) البيان : ٥٨.

(٥) كما حكاه في الخلاف ١ : ٢٣٨ ، وروض الجنان : ٦٣ ، والمدارك ١ : ٣١٩.

(٦) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣١ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٧ أبواب الحيض ب ١١ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٨ أبواب الحيض ب ١١ ح ٢.

(٨) الحدائق ٣ : ١٦٠.

٣٩٦

لصحيحة محمّد ، المتقدّمة ، بجعل مبدأ العشرتين فيها انقطاع الدم الأول ، لكون الثانية كذلك قطعا ، وإلاّ لزم أقلّية الطهر المتخلّل بين الحيضتين عن العشرة ، وهو باطل إجماعا ، فلو لم يجعل الأيام المتخلّلة في الحيضة الأولى طهرا لزم زيادة الحيض عن العشرة في بعض الصور وهو محال ، والتخصيص بغير ذلك خلاف الأصل.

ورواية البصري الواردة في المرأة إذا طلّقها زوجها (١) ، والتقريب فيها أيضا كما تقدّم.

ومرسلة يونس وفيها : « إذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثمَّ انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة » (٢) الحديث.

والأخبار المصرّحة بأنه إذا انقطع الدم تستبرئ ، فإن كانت القطنة نقيّة فقد طهرت (٣) ، فإنّها شاملة بعمومها لما إذا عاد الدم قبل العشرة أيضا.

وموثّقة يونس بن يعقوب : المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تدع الصلاة » قلت : فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تصلّي » قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تدع الصلاة » قلت : « فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تصلّي » قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تدع الصلاة ، تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع الدم عنها وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة » (٤).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٨ الطلاق ب ٢٦ ح ١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٠٥ أبواب العدد ب ١٥ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٠٨ أبواب الحيض ب ١٧.

(٤) الكافي ٣ : ٧٩ الحيض ب ٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ ـ ١١٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٣١ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٥ أبواب الحيض ب ٦ ح ٢.

٣٩٧

وموثّقة أبي بصير : عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام ، وترى الدم أربعة أيام والطهر ستّة أيام ، فقال : « إن رأت الدم لم تصلّ ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوما » (١) الحديث.

والرضوي : « والحدّ بين الحيضتين القرء وهو عشرة أيام بيض ، فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى ، وإن رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجّل من الحيضة الثانية » (٢).

والجواب عن الأول : منع تعيّن كون مبدإ الثانية الانقطاع ، لجواز جعل مبدئهما الرؤية وتخصيص الفقرة الثانية بما إذا تخلّلت عشرة طاهرة بين الحيضتين ، وليس إبقاء هذه على العموم وتخصيص الأولى بما إذا لم يزد أيام الدمين على العشرة أولى من عكسه.

سلّمنا وجوب جعل المبدأين الانقطاع ، ولكن نقول : إنّ الفقرة الأولى مخصّصة قطعا بما إذا لم تتجاوز أيام الحيض عن العشرة ، وإنّما الكلام في تعيين أيام الحيض ، ومقتضى عمومات أقلّ الطهر كون مدة النقاء منها أيضا فلا يزاد تخصيص.

نعم ، لو كانت أيام الدمين المتجاوزة عن العشرة خارجة بخصوصها وأوجبت حيضية النقاء إخراج شي‌ء آخر ليتم التقريب ، وذلك كما إذا قال : اقتلوا المشركين ، وعلم إخراج الكتابي ، ولم يعلم إخراج المجوس لا يحكم بخروجه ، ولو دلّ كلام على خروجه بعمومه تعارض التخصيصان ، أمّا لو دلّ كلام بعمومه على أنّ المجوس أيضا من الكتابي فلا يتعارض التخصيصان ، بل يحكم بخروج‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨٠ ـ ١١٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٢ ـ ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٨٦ أبواب الحيض ب ٦ ح ٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ١٢ أبواب الحيض ب ٩ ح ١.

٣٩٨

المجوس أيضا.

هذا ، مع أنه لو سلّمنا تعارض التخصيص وتوقّفنا ، لزم الحكم بحيضية النقاء ، للاستصحاب. ولا تعارضه عمومات العبادة ، لخروج الحائض الشرعي منها قطعا ، وهذه حائض بالدليل الشرعي الذي هو الاستصحاب. مع أنّه لا كلام في وجوب العبادة عليها قبل رؤية الدم الثاني ، لأصالة عدم رؤيته ، وإنّما الكلام بعد رؤيته ، ووجوب قضاء الصوم حينئذ لثبوت كونها حائضا شرعا.

لا يقال : قبل رؤية الثاني محكومة بعدم كونها حائضا ، لأصالة عدم الرؤية ، فيستصحب هذا الحكم.

قلنا : بعد رؤية الثاني وانتفاء أصالة عدمها لا يصح استصحاب الحكم المبني عليها كما بيّن في موضعه.

وممّا ذكر يظهر الجواب عن الثلاثة المتعقّبة للأول أيضا.

وعن الخامس : بأنّه لا يدلّ إلاّ على فعل الصلاة بعد الطهارة ظاهرا في الثلاثة أو الأربعة ، وهو كذلك ، ولا يدلّ على جعلها طهرا بعد رؤية الدم في الثلاثة أو الأربعة الثانية ، وكذا في الثالثة ، وهو ظاهر جدّا.

نعم ، في الحديث إشكال من جهة أخرى ، ولذا حمل ذلك وغيره مما بمضمونه على أنها تفعل ذلك لتحيّرها واحتمالها الحيض عند كلّ دم والطهر عند كلّ نقاء إلى أن يتعيّن لها الأمران (١) ، بل هذا هو مراد الشيخ في الاستبصار (٢) ممّا حمل ذلك عليه وفسّره به.

ومن ذلك يعلم أنّ توقّف الفاضل في المنتهى (٣) في الفتوى بمضمونه على ما حمله في الاستبصار عليه ليس توقّفا في مسألة أقلّ الطهر المتخلّل كما قد يتوهّم (٤) ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٠٧.

(٢) الاستبصار ١ : ١٣٢.

(٣) المنتهى ١ : ١٠٥.

(٤) كشف اللثام ١ : ٨٧.

٣٩٩

كيف وقد صرّح قبل ذلك بأنّها لو رأت ثلاثة أيام ثمَّ انقطع ثمَّ رأت اليوم العاشر أو قبله وانقطع كان الدمان وما بينهما حيضا (١) واستدلّ عليه : بأخبار أقلّ الطهر ، ولا حمل الشيخ عليه قولا بجواز أقلّية الطهر المتخلّل من العشرة.

وعن السادس : بضعفة المانع عن العمل به الخالي عن الجابر في المقام ، مع جريان ما أجيب به عن الثلاثة الأول فيه أيضا.

المسألة الثانية : في اجتماع الحيض مع الحبل وعدمه قولان :

الأول ـ وهو الأظهر ـ للأكثر ، منهم : الصدوقان (٢) ، والسيد (٣) ، والشيخ في النهاية والخلاف والتهذيب والاستبصار (٤) ، والإصباح ، والحلّي (٥) ، والمنتهى ، والتذكرة ، والقواعد (٦) ، وشرحه (٧) ، والدروس ، والمدارك (٨). ومال إليه في المعتبر (٩) ، وعليه الشهرة في كلام جماعة (١٠) ، بل في الناصريات الإجماع عليه (١١) ، وهو قول مالك (١٢) ، والشافعي في القديم (١٣).

لاستصحاب الحالة السابقة ، والعمومات المثبتة لحيضيّة الدم في النساء مطلقا أو مع الوصف أو في أيام العادة.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٠٥.

(٢) المقنع : ١٦ ، ونقله في المعتبر ١ : ٢٠٠ عن والد الصدوق.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١.

(٤) النهاية ٢٥ ، الخلاف ١ : ٢٣٩ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٠.

(٥) السرائر ١ : ١٥٠.

(٦) المنتهى ١ : ٩٦ ، التذكرة ١ : ٢٦ ، القواعد ١ : ١٤.

(٧) جامع المقاصد ١ : ٢٨٧.

(٨) الدروس ١ : ٩٧ ، المدارك ١ : ١٢.

(٩) المعتبر ١ : ٢٠١.

(١٠) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٨٦ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٥.

(١١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١.

(١٢) بداية المجتهد ١ : ٥٣.

(١٣) المهذب للشيرازي ١ : ٣٩.

٤٠٠