مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

ومثلها المروي في العلل ، وزاد فيه : « ولا يجنب الباطن ، والفم من الباطن » (١).

وفيه أيضا : في غسل الجنابة : « إن شئت أن تمضمض وتستنشق فافعل وليس بواجب ، لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن ».

وخبر الحضرمي : « ليس عليك مضمضة واستنشاق لأنهما من الجوف » (٢).

ومن الظواهر : معاطف الآذان والآباط ، وعكن البطون في السمان ، وما تحت الثدي من النسوان ، إجماعا ، مع شهادة العرف في الكلّ ، وخصوص الرضوي المتقدّم (٣) في الأول.

ومنها : السرّة ، ومواضع الكيّ ، وما يبدو من الشق ومن الفرج ، وأمّا ما يبدو منه عند الجلوس لقضاء الحاجة فالظاهر كونه من الباطن. والأحوط : غسل ما ظهر من الباطن بالقطع.

ومن البواطن : داخل الفم والأنف والعين والصماخ والفرج بالإجماع والعرف.

والثقب التي في الاذن والأنف للحلقة إن كانت بحيث لا يرى باطنها فمن البواطن ، وإلاّ فمن الظواهر.

وشقوق الجراحات المحشوة بالدواء ، والثقب المحشوة بالنيل للزينة من الباطن ظاهرا إن استقرّ فيها الحشو بحيث لا يمكن إخراجه أو يعسر ، وإن أمكن ، فالظاهر وجوب الإخراج.

والرابع : المباشرة إجماعا‌ ، لما في الوضوء مع تفصيل ما يتعلّق بالمقام.

والخامس : إباحة الماء وإطلاقه وطهارته‌ ، وإباحة المكان الذي يتبعه الهواء‌

__________________

(١) العلل : ٢٨٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٦ أبواب الجنابة ب ٢٤ ح ٧ ، ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٤ الطهارة ب ١٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠١ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ١ : ٤٣٢ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١٠.

(٣) في ص ٣١٦.

٣٢١

الواقع فيه الغسل ، كما مرّ في الوضوء ، ويأتي في التيمّم.

والسادس : الترتيب‌ ، بتقديم الرأس على سائر الجسد ، بالإجماع المحكي عن الخلاف والانتصار والغنية والسرائر والتذكرة وغيرها (١) ، بل المحقّق حتى عن الصدوقين (٢) ، لتصريحهما بوجوب إعادة الغسل لو بدأ بغير الرأس ، فنسبة الخلاف هنا إليهما غير جيّد.

فالمخالف فيه منحصر بالإسكافي (٣) ، وهو في الإجماع غير قادح ، مع أنه أيضا لم يصرّح بالنفي ، بل قيل بإشعار كلامه بالثبوت (٤) ، فيكون إجماعا من الكلّ ، فهو الحجة فيه ، مع صحيحة حريز : في الوضوء يجف ، قال : قلت : فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال : « جف أو لم يجف اغسل ما بقي » قلت : وكذلك غسل الجنابة؟ قال : « هو بتلك المنزلة ، ابدأ بالرأس ثمَّ أفض على سائر جسدك » قلت : وإن كان بعض يوم؟ قال : « نعم » (٥).

وحسنة زرارة : « من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه ، لم يجد بدّا من إعادة الغسل » (٦).

والرضوي المنجبر ضعفه بما مرّ : « فإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس ، فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس » (٧).

المؤيدة بأخبار أخر قاصرة عن إفادة الوجوب ، إمّا لاشتمالها على لفظ الخبر ،

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٣٢ ، الانتصار ١ : ٣٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، السرائر ١ : ١٣٥ ، التذكرة ١ : ٢٤ ، وكالمنتهى ١ : ٨٣.

(٢) الفقيه ١ : ٤٩ ونقله فيه عن والده أيضا.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ١٠١.

(٤) القائل صاحب الرياض ١ : ٣٠.

(٥) التهذيب ١ : ٨٨ ـ ٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ١ : ٤٤٧ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤ الطهارة ب ٢٩ ح ٩ ، الوسائل ٢ : ٢٣٥ أبواب الجنابة ب ٢٨ ح ١.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٧٣ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ١.

٣٢٢

كصحيحة محمّد (١) وما يحذو حذوها ، أو على الترتيب الفعلي ، كالحسن (٢) ، أو على ما يمنع من حمل ما وضع للوجوب على حقيقته ، كموثّقة سماعة ، فإنّ فيها : « ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرات مل‌ء كفّيه » (٣) فإنّ التقييد بالثلاث مانع عن حمل الأمر على الوجوب.

ثمَّ بما ذكر يدفع الأصل وتقيّد الإطلاقات.

وأمّا صحيحة هشام (٤) ، المتضمّنة لأمر الصادق عليه‌السلام ، الجارية بغسل جسدها قبل الرأس في واقعة ، فمعارضة مع صحيحة محمّد (٥) ، المتضمنة للعكس في تلك الواقعة بعينها ، الراجحة على الأولى بشذوذها المخرج إيّاها عن الحجية.

ومنه يظهر أنّ الأخيرة دليل آخر مستقلّ على ما نحن فيه.

والمناقشة في الروايات : بعدم دلالتها على وجوب تقديم جميع أجزاء الرأس ، مردودة بعدم القول بالفصل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣ الطهارة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤٢٠ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.

(٢) يعني به ما اشتمل على بيان فعل الإمام عليه‌السلام وأنه عليه‌السلام غسل مرتبا ، والظاهر أنه أشار بقوله : كالحسن إلى ما رواه زرارة ـ بسند فيه إبراهيم بن هاشم ـ في حديث كيفيّة غسل الجنابة : « قال : ثمَّ بدأ بفرجه ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف ثمَّ صب على منكبه الأيمن مرتين .. » ، الوسائل ٢ : ٢٣٥ أبواب الجنابة ب ٢٨ ح ٢ ، وتعرض لنحو هذا في الرياض ١ : ٣٠. ولكن لا يخفى أن الحسنة المذكورة أجنبية عن بيان فعل الإمام رأسا ، والتوهم نشأ من إرجاع الضمير في قوله « بدأ. » إلى الامام عليه‌السلام ، وهو خطأ منشؤه تقطيع الرواية ـ كما هو غير عزيز في الوسائل ـ وقد روى في الوسائل تمام الرواية في ب ٢٦ من أبواب الجنابة ، فراجع.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ٢ : ٢٣١ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٨.

(٤) التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ـ ٤٢٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٦ أبواب الجنابة ب ٢٨ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ٣٧١ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ـ ٤٢٣ ، الوسائل ٢ : ٢٣٧ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ١.

٣٢٣

وهل يدخل العنق في الرأس ، فيجب تقديمه على باقي الأعضاء ، ويجوز تقديمه على المنابت والوجه ، أو لا ، فيغسل مع الباقي ، ويقدّم جميع أجزاء المنابت والوجه عليه؟

المحكي عن صريح المقنعة ، والتحرير (١) ، وكتب الشهيد (٢) ، ناقلا عن الجماعة ، وظاهر أبي الصلاح (٣) ، والغنية ، والمهذب (٤) ـ وإن احتمل خلافه ـ : الأول. ونفى عنه بعض مشايخنا خلافا يعرف (٥) ، وقيل : بل هو كالإجماع (٦).

واستند فيه إلى مقابلة الرأس مع المنكب والكتف في مضمرة زرارة (٧) وموثّقة سماعة (٨) ، فإنّه لو لا دخول العنق في الرأس ، لكان إمّا مهملا ، أو داخلا في المنكب ، وهما باطلان قطعا.

ويخدشه : أنّه إن أريد بطلان دخوله في معنى المنكب ، فهو كذلك ، بل هو كذلك في الرأس أيضا.

وإن أريد دخوله في حكمه ، فأراد من غسل المنكب غسله مع العنق مجازا ، فلا نسلّم بطلانه ، كالرّجلين واليدين والعورة والبطن ، فإنّ شيئا منها لا يدخل في المنكب قطعا.

ولذا استشكل فيه جماعة من المتأخّرين ، منهم : صاحبا الذخيرة (٩) ورياض‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٢ ، التحرير ١ : ١٢.

(٢) البيان : ٥٥ ، الدروس ١ : ٩٦ ، الذكرى : ١٠٠.

(٣) الكافي : ١٣٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، المهذب ١ : ٤٦.

(٥) الحدائق ٣ : ٦٥.

(٦) الرياض ١ : ٣٠.

(٧) الكافي ٣ : ٤٣ الطهارة ب ٢٩ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٢٣٥ أبواب الجنابة ب ٢٨ ح ٢.

(٨) التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ٢ : ٢٣١ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٨.

(٩) الذخيرة : ٥٦.

٣٢٤

المسائل (١) ، بل عن الإشارة غسل كلّ من الجانبين إلى رأس العنق (٢) ، وهو ظاهر في غسله مع الجانبين.

وهو جيّد ، لإطلاق بعض الأخبار في غسل باقي الجسد بعد الرأس.

والأجود أن يحتاط بضمّه إلى الرأس ثمَّ غسله مع الجانبين ، نصفه مع الميامن ونصفه مع المياسر.

وفي وجوب الترتيب بين باقي الجسد ، فتقدّم الميامن كلّها على المياسر ، أو عدمه فيتخيّر وإن استحب ـ لاستحباب التيامن في الطهور ، والتفصّي عن الخلاف ـ وجهان ، بل قولان :

الأول للأكثر ، بل عليه الإجماع البسيط عن جميع من مرّ في الرأس وغيره ، والمركّب ـ ممّن رتب الرأس والوضوء ـ عن الفاضل (٣) والشهيدين (٤) ، للإجماعين المنقولين ، واستدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية ، والترتيب الذكري في جملة من الأخبار (٥) ، سيما مع إفادة الواو للترتيب عند الفرّاء ، خصوصا مع عطف اليمين على الرأس بها أيضا في بعض المعتبرة المفيدة فيه للترتيب قطعا ( مع أنّه لو لا الترتيب لكفى أن يقول : اغسل جسدك ) (٦).

والعامي : « إذا اغتسل النبي بدأ بميامنه وفضل الأيمن على الأيسر » (٧).

__________________

(١) على ما نقل عنه في الحدائق ٣ : ٦٥ ، ولا يخفى أنه غير الرياض المعروف وأنّ مؤلفه من مشايخ صاحب الحدائق الذي يعبّر عنه بشيخنا المحقق.

(٢) الإشارة : ٧٢.

(٣) المنتهى ١ : ٨٣ ، التحرير ١ : ١٢ ، التذكرة ١ : ٢٤.

(٤) الشهيد الأول في الذكرى : ١٠١ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٥٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٢ وب ٣١ ح ٦.

(٦) ما بين المعقوفين في النسخ كان مؤخرا عن الحديث العامي ، وقدمناه لاقتضاء السياق.

(٧) أسندها العلامة في المنتهى ١ : ٨٣ إلى عائشة ، والذي عثرنا عليه في كتبهم عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدأ بشق رأسه الأيمن ثمَّ الأيسر ثمَّ أخذ بكفيه الماء فقال بهما على رأسه .. وكان رسول الله يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله. السنن للبيهقي ١ : ١٨٤ ، ٢١٦.

٣٢٥

ولزوم تقديم الأيمن في غسل الميت بالإجماع والنصوص (١) ، مع ما ورد في بعض الأخبار أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة (٢).

ولما في المستفيضة المروية في العلل والعيون وغيرهما من الكتب المعتبرة : « أن تغسيل الميّت لأجل خروج النطفة ، فلذلك غسّل غسل الجنابة » (٣) ومقتضاها : أنّه عينه ، فيتّحدان في جميع الأحكام.

ويضعّف الأولان : بمنع حجية الإجماع المنقول جدّا ، سيما مع وجود المخالف في الأول ، والفاصل في الثاني.

والثالث : بحصول البراءة اليقينية بمطلق الغسل ، للإطلاقات.

والرابع : بمنع استلزامه الترتيب الفعلي ، سيما مع تصريح الجمهور بعدم إفادة الواو له ، والعطف على الرأس بالواو لا يوجب إرادة الترتيب منها ، إذ لعلّه أراد بيان وجوب مطلق غسله ، واستفيد الترتيب فيه من مواضع أخر.

والخامس : بمنع الدلالة ، وقد فضّل الصدر والظهر في بعض الأخبار أيضا.

والسادس : بمنع دلالة التشبيه على المماثلة في جميع الأحكام ، فلعلّها في أصل الوجوب ، أو مع بعض أحكام أخر ، سيما مع اختلافهما في أحكام كثيرة. مع أنّ عموم المماثلة إنّما كان مفيدا لو قال : غسل الجنابة كغسل الميت ، وأمّا العكس ـ كما هو المذكور ـ فلا يفيد إلاّ ثبوت جميع أحكام غسل الجنابة لغسل الميت ، غاية الأمر أنّه يتخلّف في بعض الأحكام التي منها عدم وجوب الترتيب بدليل آخر ، مع أنّ عدم وجوبه لا يعدّ من أحكامه ، فإنّه قضية الأصل.

والسابع : بأنّ مقتضاه عدم ترك شي‌ء ممّا يجب في غسل الجنابة لا عدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٦ أبواب غسل الميت ب ٣.

(٣) العلل : ٣٠٠ ، العيون ٢ : ١١٢ ، الوسائل ٢ : ٤٧٨ أبواب غسل الميت ب ١ ح ٣ ، ٤.

٣٢٦

الزيادة عليه ، ولذا يغسّل الميت ثلاثة أغسال ، ويجب في بعضها الخليط.

والحاصل : أنّ تغسيل الميت غسل الجنابة لا ينافي أن يجب فيه أمر زائد على ما يجب فيه ، فإنّ مع الترتيب أيضا يتحقّق غسل الجنابة.

ولضعف تلك الوجوه ، مضافا إلى الأصل والإطلاقات المنضمّة مع ترك الاستفصال في صحيحة زرارة : رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة ، إلى أن قال : « وإن كان استيقن رجع وأعاد الماء عليه ما لم يصب بلة » إلى أن قال : « وإن رآه وبه بلّة مسح عليه وأعاد الصلاة » (١) الحديث ، المؤيّدة بالرضوي حيث قال بعد ذكر كيفية الغسل : « تصبّ على رأسك ثلاث أكف ، وعلى جانبك الأيمن مثل ذلك ، وعلى جانبك الأيسر مثل ذلك ، وعلى صدرك ثلاث أكف ، وعلى الظهر مثل ذلك. وقد يروي : تصبّ على الصدر من حدّ مدّ العنق ، ثمَّ تمسح سائر بدنك بيديك » (٢) بل بصحيحة حريز ، المتقدّمة (٣) المصرّحة بوجوب البدأة بالرأس قبل سائر الجسد وعدم التعرض للسائر.

مال (٤) جماعة من المتأخّرين ، كشيخنا البهائي (٥) ، والمجلسي (٦) ، وصاحبي المدارك والذخيرة والوافي (٧) ، وغيرهم إلى الثاني ، وفاقا للمحكي عن ظاهر طائفة من القدماء ، كالصدوقين (٨) ، والقديمين (٩) ، وصاحب الإشارة (١٠) ، وهو قويّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ٢ : ٢٦٠ أبواب الجنابة ب ٤١ ح ٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨١ ، المستدرك ١ : ٤٧٠ أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٢.

(٣) في ص ٣٢٢.

(٤) اي ولضعف تلك الوجوه مال ..

(٥) الحبل المتين : ٤١.

(٦) البحار ٧٨ : ٥٤.

(٧) المدارك ١ : ٢٩٥ ، الذخيرة ٥٦ ، الوافي ٦ : ٥١٧.

(٨) علي بن بابويه ، نقله عنه في الفقيه ١ : ٤٦ ، ومحمّد بن علي في المقنع : ١٢ ، والهداية : ٢٠ ،

(٩) وهما الإسكافي والعماني ، نقله عنهما في الذكرى : ١٠١.

(١٠) الإشارة : ٧٢.

٣٢٧

جدّا ، وأمر الاحتياط ظاهر.

وهنا مسائل :

المسألة الأولى : ظاهر عبارات الأصحاب : عدم وجوب الابتداء بالأعلى في شي‌ء من الأعضاء. وهو كذلك ، للأصل ، والصحيحة المصرّحة باكتفاء الإمام بغسل ما بقي في ظهره بعد الإتمام من اللمعة (١). وليس فيها تصريح أو ظهور في النسيان أو الغفلة المنافيين للعصمة ، إذ لعل الراوي ظنّ فراغه عن الغسل وإن لم يفرغ عليه‌السلام بعد ، وإن طالت المدّة ، لعدم اشتراط الموالاة في الغسل.

وأمّا قوله في حسنة زرارة : « ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ، ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين ، وعلى منكبه الأيسر مرتين » (٢). وفي صحيحته : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك » (٣) فلا يفيد الوجوب ، لكونه إخبارا.

مع أنّ التقييد في الأولى بالمرّتين يمنع عن الحمل على الوجوب لو أفاده أيضا ، واحتمال إرادة تحديد المغسول في الثانية قائم.

المسألة الثانية : حكم السرّة والعورتين على القول بعدم الترتيب بين الجانبين واضح.

وأمّا على القول بالترتيب فيجب غسل كلّ نصف منهما مع الجانب الذي يليه مع زيادة شي‌ء من باب المقدّمة.

ويحتمل الاكتفاء بغسلهما مع أحد الجانبين ، لعدم الفصل المحسوس ، وامتناع إيجاب غسلهما مرتين.

مع أنّ شمول الإجماعات المنقولة التي هي عمدة أدلّة ذلك القول لمثل ما نحن فيه غير معلوم ، ولذا اكتفى في الذكرى ـ الذي هو أحد ناقلي الإجماع ـ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ الطهارة ب ٢٩ ح ١٥ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ ـ ١١٠٨ ، الوسائل ٢ : ٢٥٩ أبواب الجنابة ب ٤١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣ الطهارة ب ٢٩ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧٠ ـ ١١٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ٢٦ ح ٥.

٣٢٨

بالغسل مع أحد الجانبين (١).

المسألة الثالثة : المخلّ بالترتيب الواجب نسيانا أو جهلا يعيد على ما يحصله. واللمعة المغفلة تغسل مع الجانبين إن كانت في الرأس ، ومع الأيسر إن كانت في الأيمن على القول بالترتيب بينهما ، ووحدها على القول الآخر ، وكذا إن كانت في الأيسر.

المسألة الرابعة : يصح الغسل بالارتماس و (٢) الانغماس في الماء إجماعا ، للنصوص المستفيضة :

منها : صحيحة زرارة ، وفيها ـ بعد ذكر الترتيب ـ : « ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده » (٣).

وحسنة الحلبي : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك من غسله » (٤).

ومثله صحيحته ، إلاّ أنّ فيها « اغتمس » مكان « ارتمس » (٥). وغير ذلك.

ومقتضى صريح الأخبار : اشتراط وحدة الارتماس عرفا في صحّة الغسل.

وهل المراد منها توالي غمس الأعضاء في الماء بحيث يتّحد الرمس ، وكذا زمان رمس الجميع عرفا كما هو المشهور؟ أو المراد منها عدم التفرقة بين الأعضاء في الغمس وحده ، بأن يغمس عضوا ثمَّ يخرجه ويغمس آخر مبنيا على سقوط التعدّد والترتيب ، حتى لو غمس رجله في الماء بعد ما نوى فصبر ساعة ، ثمَّ غمس عضوا‌

__________________

(١) الذكرى : ١٠٢.

(٢) في « ق » : أو.

(٣) راجع ص ٣٢٨ الهامش (٣).

(٤) الكافي ٣ : ٤٣ الطهارة ب ٢٩ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٤٨ ـ ٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ـ ٤٢٤ ، الوسائل ٢ : ٢٣٣ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٢.

(٥) الفقيه ١ : ٤٨ ـ ١٩١ ، الوسائل ٢ : ٢٣٢ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٥.

٣٢٩

آخر ، وهكذا إلى أن يغطّى كلّه بالماء صحّ ، كما حكي عن بعض المحققين (١) ، ومال إليه بعض المعاصرين (٢)؟

الحقّ هو الأوّل ، لأنّه الظاهر المتبادر من وحدة ارتماس الشخص.

مع أنّه على الثاني يلغو قيد الوحدة ، إذ غمس كلّ عضو ليس غمس الجنب ، فلا يحصل غمسه حينئذ ، ويكفي قوله : « ارتمس الجنب » عن قيد الوحدة.

ومع قطع النظر عن ذلك ، فلا شك في قيام الاحتمالين ، فيجب الإتيان بالأول ، عملا بمقتضى الشغل اليقيني ، واستصحابا للجنابة وأحكامها.

نعم ، الظاهر كفاية الارتماسة الواحدة عرفا ، بأن لا يتخلّل بين غمس الأعضاء سكون محسوس وإن لم يكن في آن واحد حقيقة أو عرفا ، بل كان بحركة متّصلة بطيئة في الجملة.

وعلى هذا فلا ينافيها التخليل المتوقّف إيصال الماء إلى جميع البشرة عليه لو لم يؤخّره ، بل لا ينافي الدفعة العرفية أيضا.

ولا بدّ من مقارنة النية لابتداء الشروع في الارتماس للغسل ، فلا يصح ما عن الألفية من صحة الغسل مع التأنّي لو قارنت النية الانغماس التام (٣).

ثمَّ اشتراط الوحدة بالمعنى الأول يستلزم اشتراطها بالمعنى الثاني ، إذ انتفاء الثاني يوجب انتفاء الأول. فلو فرّق الأعضاء في الرمس في الارتماسي ، لم يكن غسله صحيحا ، لانتفاء الوحدة.

وهل يصح ذلك في الترتيبي بأن يغمس رأسه أوّلا في الماء ثمَّ الأيمن ثمَّ‌

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الرياض ١ : ٣١ ، ولعلّ المراد بالمحكي عنه هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٠.

(٢) قال في مفتاح الكرامة ١ : ٣١٩ : إليه مال الأستاذ المعتبر أدام الله تعالى حراسته ، والمراد منه كاشف الغطاء راجع كشف الغطاء : ١٢٠.

(٣) الألفية : ٣١.

٣٣٠

الأيسر ، أو يصبّ على رأسه ثمَّ غمس الجانبين ، أم لا ، بل يشترط في الترتيبي خروج العضو من الماء وصبّه عليه؟

المذكور في كلام أكثر القدماء ـ في بيان الغسل الترتيبي ـ لفظ الصبّ أو ما بمعناه من الإفاضة أو الوضع على العضو ، ككلام الإسكافي (١) ، والنهاية والمقنعة للشيخين ، والهداية للصدوق ، والوسيلة والمراسم وغيرها (٢) ، بل في مجالس الصدوق في وصف دين الإمامية : من أراد الغسل من الجنابة ـ إلى أن قال ـ : ثمَّ يضع على رأسه ثلاث أكف من الماء ، ويميّز الشعر بأنامله حتى يبلغ الماء أصول الشعر كلّه ، ثمَّ يتناول الإناء بيده ويصبّه على رأسه وبدنه (٣). بل مقتضى الأدلّة وجوب الصب واعتباره ، إذ جميع أخبار الترتيب ، الواردة في بيان مهيّة الغسل مصرّحة بالصبّ.

وقد صرّح بذلك بعض أجلّة المتأخّرين في شرحه على القواعد ، وقال : إنّ أدلّة الترتيب منحصرة في الصب (٤). وبعد انحصارها به لا وجه للتعدّي ، بل منها ما هو صريح في وجوبه.

ففي رواية حكم بن حكيم في غسل الجنابة : « ثمَّ أفض على رأسك وجسدك » (٥).

وفي صحيحة حريز ، المتقدّمة : « ثمَّ أفض على سائر جسدك » (٦).

وفي صحيحة زرارة : عن غسل الجنابة ، فقال : « أفض على رأسك ثلاث‌

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ١٠١.

(٢) النهاية : ٢١ ، المقنعة : ٥٢ ، الهداية : ٣٠ ، الوسيلة : ٥٦ ، المراسم : ٤٢ ، وكالمهذب ١ : ٤٦ ، والسرائر ١ : ١٢١.

(٣) مجالس الصدوق : ٥١٥.

(٤) صرح به في كشف اللثام ١ : ٨٠.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٩ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٧.

(٦) في ص ٣٢٢.

٣٣١

أكف ، وعن يمينك وعن يسارك » (١).

ويؤيّده : مفهوم الوصف بالواحدة في حسنة الحلبي وصحيحته المتقدّمتين (٢).

وعلى هذا فلا ينبغي الريب في اعتبار الصبّ في الترتيبي.

خلافا لصريح والدي ـ رحمه‌الله ـ في اللوامع ، فقال بصحة الترتيبي برمس الأعضاء ترتيبا ، وبه يفتي جمع ممّن عاصرناهم وبعض من مشايخنا (٣) ، تمسّكا ببعض إطلاقات الغسل.

وهو غريب غايته ، لأنّه ـ مع ظهوره في الصب ـ مطلق بالنسبة إلى أخبار الترتيب ، فكما يقيّد بالترتيب لأخباره فيجب تقييده بالصب أيضا ، لتضمّن أخبار الترتيب له ، مع أنّ الغسل مطلق بالنسبة إلى نفس الصب أيضا ، فتقييده به لازم البتة.

ودعوى : أنّ المراد بالصب الغسل ، من غرائب الدعاوي.

والتمسّك بإطلاق قول الفقهاء بوجوب غسل الرأس والجسد من غير تقييد بالصبّ أو الإفاضة ، مردود : بأنّ ذلك الإطلاق إنّما هو في كلام جماعة من اللاحقين ، وأمّا القدماء فكلام كلّهم أو جلّهم ـ كما عرفت ـ مخصوص بالصب.

ومع ذلك فأيّ حجة في إطلاق بعض العبارات؟! سيما مع تصريح الصدوق بأنّ من دين الإمامية : الصب. وشيوعه في زمن الحج بحيث يحدس بأنّهم لا يغسلون ترتيبا إلاّ بالصب. هذا.

ثمَّ إنّ المعتبر صدق أنّه ارتمس أو اغتمس في الماء ، أي : مقل فيه وغاص وكتم ، كما فسّرهما اللغويّون بها (٤) ، بحيث صدق ذلك في العرف ، لأنّه المرجع في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٧ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ٢ : ٢٤١ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ٦.

(٢) في ص ٣٣٠.

(٣) كشف الغطاء : ١٢١.

(٤) منهم الجوهري في الصحاح ٣ : ٩٣٦ ( رمس ) : ٩٥٦ ( غمس ) ، والفيروزآبادي في القاموس

٣٣٢

معرفة المعاني في مثل المقام. ولا شك أنّه لا يتوقّف على إلقاء نفسه في الماء بعد خروج جميع بدنه منه ، كما قاله بعض المتأخّرين (١) ، بل لو كان نصف جسده بل أزيد داخلا فيه وغاص في الماء ، يقال : إنّه ارتمس ومقل فيه. ولذا ورد في الحديث : « إذا وقع الذباب في طعامكم فامقلوه ، فإنّ في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر سمّا ، يقدّم الذي فيه السم » (٢) فأمر بمقل الذباب مع تحقّق المقل بالنسبة إلى بعضه.

ولا ينافي ذلك الوحدة ، لأنّ المراد وحدة ارتماس الشخص في إدخال ما يتوقّف صدق الارتماس عليه في الماء ، ولا شك أنّ مثل هذا الشخص ارتمس عرفا ارتماسة واحدة.

نعم ، الظاهر اعتبار خروج الرأس والرقبة ، بل الأحوط خروج بعض آخر أيضا ، حتى يصدق عرفا أنّه ارتمس بعد ما لم يكن كذلك ، فإنّه هو الظاهر المتبادر من الحديث ، فلا يحكم بصحة غسل من كان منغمسا في الماء ، فنوى وخرج ، أو تحرّك إلى جانب آخر ، وإن ادّعى والدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد : الإجماع على صحة الغسل وإن لم يخرج شي‌ء من الأعضاء.

نعم ، يجب على من كان بعضه في الماء أن يحرّك قدمه حتى يصل الماء المتجدّد حال الارتماسة الواحدة تحت قدميه ، لا لتوقّف صدق الارتماسة الواحدة عليه ، بل لوجوب إيصال ماء الغسل إلى كلّ جزء من بدنه بالإجماع والنصوص ، فلا يفيد وصول الماء قبل ذلك الارتماس إلى جزء ، وهو الظاهر ، ولا بعد تمام الارتماس الواحد ، لأنّه ليس ماء الغسل ، بل هو منحصر بماء الارتماسة ، ولذا يحكم بوجوب كون التخليل فيما يحتاج إليه في تلك الحالة.

__________________

المحيط ٢ : ٢٤٣ ( غمس ) ، ٢٢٨ ( رمس ).

(١) الكفاية : ٣ ، ونسبه صاحب الحدائق إلى شيخه عبد الله بن صالح البحراني في الحدائق ٣ : ٨١.

(٢) طب الأئمة : ١٠٦ بتفاوت يسير ، البحار ٦١ : ٣١٢ ـ ٧.

٣٣٣

ولذا لو أغفل موضعا في الارتماسي حتى انقضت الارتماسة الواحدة ، يستأنف الغسل عند الفاضل في المنتهى ، ووالده (١) ، والدروس ، والبيان (٢) ، وإن خالف فيه في القواعد (٣) ، فيكتفي بغسل اللمعة مطلقا. وهو الأقوى ، لترك الاستفصال المفيد للعموم في صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٤) المتضمّنة لحكم من ترك بعض ذراعه أو جسده.

وهنا قولان آخران أيضا : أحدهما : أنّه يكتفي بغسلها وما بعدها ، وكأنّه مبني على ترتب الارتماس حكما.

والآخر : يستأنف مع طول الزمان ، ويغسلها مع قصره ، ولعلّ وجهه : عدم صدق الدفعة العرفية مع طوله ، وصدقها مع قصره.

ويردّ الأوّل : بعدم دليل عليه ، بل عدم معنى محصّل له ، بل بطلان المبني عليه.

والثاني : بعدم صدق الدفعة وعدم كفايتها مطلقا ، بل لا بدّ من غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.

والظاهر عدم وجوب وصول الماء إلى جميع الأعضاء حال دخول الجميع في الماء ، فلو خرجت رجله من الماء غمرت في الوحل قبل دخول رأسه أو بالعكس ، أجزأ على إشكال في الأخير ، لصدق غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.

المسألة الخامسة : يصح الغسل تحت المطر بلا خلاف يعرف ، لصحيحة علي : عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٨٤ ، ونقل فيه عن والده أيضا.

(٢) الدروس ١ : ٩٧ ، البيان : ٥٦.

(٣) القواعد ١ : ١٤.

(٤) في ص ٣٢٦.

٣٣٤

أجزأه ذلك » (١).

ومرسلة ابن أبي حمزة : في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده ، أيجزيه ذلك من الغسل؟ قال : « نعم » (٢).

وهل يجب فيه الترتيب كما عن الحلّي (٣) والمعتبر (٤)؟ أو لا ، بل يجري مجرى الارتماس أيضا مع غزارة المطر ، كما عن المقنعة (٥) والإصباح وظاهر الاقتصاد والمبسوط (٦) وجملة من كتب الفاضل (٧) ، واختاره والدي ـ رحمه‌الله ـ ونسبه إلى الأكثر؟

الظاهر الثاني ، لإطلاق الروايتين ، الخالي عن التقييد ، لما عرفت من عدم دلالة غير حسنة زرارة والرضوي (٨) على الوجوب ، مع أنّه يتضمّن مثل الصب والإفاضة الذي هو فعل المكلّف ، فلا يشمل المورد.

وأمّا هما ، فالرضوي لضعفه الخالي عن الجابر في المقام غير حجّة. والحسنة لدلالتها على ترك الرأس إلى أن يفرغ من الغسل ، بل على تأخير إرادة غسل الرأس لمكان « ثمَّ » غير مفيدة ، لجواز أن يكون لا بدّية إعادة الغسل في المورد الذي يحكمون فيه بعدم الترتيب لأجل ذلك التأخير ، حيث إنّ كلّ من يقول بعدم وجوب الترتيب هنا يجريه مجرى الارتماس في لزوم غسل جميع البدن دفعة عرفية متواليا من غير تراخ ، ولذا قيدوا المطر بالغزير.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤ ـ ٢٧ ، التهذيب ١ : ١٤٩ ـ ٤٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ـ ٤٢٥ ، قرب الإسناد : ١٨٢ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣١ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤ الطهارة ب ٣٠ ح ٧ ، الوسائل ٢ : ٢٣٢ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٤.

(٣) السرائر ١ : ١٣٥.

(٤) المعتبر ١ : ١٨٥.

(٥) لم نعثر عليه في المقنعة.

(٦) الاقتصاد : ٢٤٥ ، المبسوط ١ : ٢٩.

(٧) كالمنتهى ١ : ٨٤ ، والتذكرة ١ : ٢٤ ، والتحرير ١ : ١٢.

(٨) المتقدمين ص ٣٢٢.

٣٣٥

فيبقى إطلاق الروايتين خاليا عمّا يوجب تقييده في محلّ النزاع وإن قيّد بالترتيب في صورة عدم غزارة المطر بالإجماع بل الرضوي المنجبر ، وبالدفعة العرفية مع غزارته بالإجماع.

مع أنّه على فرض دلالة الخبرين يتعارضان مع روايتي المطر بالعموم من وجه ، والمرجع إلى إطلاقات الغسل.

وأمّا أخبار الارتماس فغير جارية هنا قطعا ، لعدم تحقّق الارتماس فيه وإن كثرت الغزارة.

دليل الأوّل : عدم منافاة الروايتين للترتيب ، فلا يخرج عن مقتضى أدلّته ، بل دلالة الصحيحة على ثبوته ، إذ لا يمكن أن يكون المراد بقوله : « اغتساله بالماء » : المماثلة في الجريان ، لتضمّن السؤال للغسل المستلزم إيّاه ، فيكون في الكيفية التي منها الترتيب والارتماس. والثاني غير ممكن في المورد ، فيكون الأول.

وفيه : ما مرّ من عدم نهوض أخبار الترتيب في المورد. وما ذكره في الصحيحة إنّما يصح إذا كان : يغتسل (١) اغتساله بالماء ، وإنّما هو : « يغسله » المستند إلى المطر ، ولا معنى لاستناد الترتيب إليه.

مع أنّه يمكن أن تكون المماثلة في شمول جميع أجزاء البدن والوصول إليه من أصول الشعور ونحوها.

ولا يبعد إلحاق الميزاب وشبهه بالمطر في انتفاء الترتيب مع الغزارة المستلزمة للدفعة العرفية بحسبها ، لا للقياس بالمطر ، بل لعدم شمول أدلّة الترتيب ، كما مرّ.

__________________

(١) في « ق » يغسل.

٣٣٦

البحث الخامس : في آداب غسل الجنابة وسننه‌ ، وهي أمور :

منها : إمرار اليد‌ على ما جرى عليه الماء من الجسد.

لا للرضوي المتقدّم في مسألة ترتيب الجانبين (١) ، كما قيل (٢) ، لأنّ المسح المذكور فيه إنّما هو لإيصال الماء المصبوب على الصدر إلى البدن ، ولذا قيّده بالسائر ، وهو غير ما نحن فيه.

ولا للاستظهار ، لأنّ مع يقين الوصول لا استظهار ، ومع عدمه إلاّ بإمرار اليد يجب ، ولا يكفي الظن في المقام.

نعم ، يمكن الاستدلال به في الجملة فيما اكتفى فيه بظن الأصل كأصالة عدم الحائل.

بل للإجماع المنقول عن الخلاف والتذكرة وظاهر المعتبر والمنتهى (٣) ، وصحيحة زرارة المتقدّمة في صدر مسألة الارتماس (٤) ، حيث دلّت لفظة « إن » الوصلية على أولوية الدلك. وليس هي في الارتماسي ، لإيجابه انتفاء الدفعة المعتبرة فيه ، بل عدم إمكان ذلك الجمع تحت الماء. فيكون في الترتيبي ، ويكون المعنى : أجزأه ذلك وإن أوجب انتفاء الدلك المطلوب.

ومنه يظهر اختصاص الاستحباب هنا بالترتيبي ، وقد صرّح به بعض مشايخنا أيضا.

ومنها : الموالاة‌ ، لفتوى جمع من الأصحاب (٥) ، وعموم آيات المسارعة‌

__________________

(١) في ص ٣٢٧.

(٢) القائل هو صاحب الرياض ١ : ٣٢.

(٣) الخلاف ١ : ١٢٨ ، التذكرة ١ : ٢٤ ، المعتبر ١ : ١٨٥ ، المنتهى ١ : ٨٥.

(٤) ص ٣٢٩.

(٥) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٧٤ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٩٨.

٣٣٧

والاستباق (١) ، وكراهة الكون على الجنابة.

ولا تجب إجماعا كما في ظاهر المدارك والبحار (٢) ويشعر به كلام التهذيب (٣) أيضا ، وبلا خلاف كما في صريح الحدائق (٤) ، للأصل ، وصدق الامتثال ، وصحيحتي هشام (٥) ومحمّد (٦) في قضية أم إسماعيل ، والجارية.

وحسنة اليماني : « إنّ عليا لم ير بأسا أن يغسل الرجل رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند الصلاة » (٧).

والرضوي : « ولا بأس بتبعيض الغسل بغسل يديك وفرجك ورأسك ، وتؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة » (٨).

وصحيحة حريز ، المتقدّمة في ترتيب الرأس (٩) ، وهي تدلّ على نفي وجوب الموالاة بمعنييها المتقدّمين في الوضوء. بل يستفاد ذلك من سائر الأخبار أيضا.

وفي وجوبها على خائف فجأة الحدث الأكبر قول ، استنادا إلى حرمة إبطال العمل ، وكذا الخائف فجأة الأصغر ـ على القول بإبطاله الغسل ـ لذلك ، وهو ضعيف.

ومنها : البول أمام الغسل‌ إن أمكن ، للاتّفاق على رجحانه ، وللمحافظة‌

__________________

(١) البقرة : ١٣٣ ، المائدة : ٤٨.

(٢) المدارك ١ : ٢٩٨ ، البحار ٧٨ : ٥٧.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٥.

(٤) الحدائق ٣ : ٨٣.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ـ ٤٢٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٦ أبواب الجنابة ب ٢٨ ح ٤.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ٣٧١ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ـ ٤٢٣ ، الوسائل ٢ : ٢٣٧ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٤٤ الطهارة ب ٣٠ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ٣٧٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٨ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٣.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٧٤ أبواب الجنابة ب ٢١ ح ١.

(٩) في ص ٣٢٢.

٣٣٨

على الغسل من طريان مزيله ، وللنصوص :

منها صحيحة البزنطي : عن غسل الجنابة ، إلى أن قال : « وتبول إن قدرت على البول ، ثمَّ تدخل يدك في الإناء ثمَّ اغسل ما أصابك منه » (١) الحديث.

ومضمرة ابن هلال : عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : « إنّ الغسل بعد البول إلاّ أن يكون ناسيا ، فلا يعيدنّ الغسل » (٢).

والرضوي : « فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى تخرج فضلة المني التي في إحليلك. وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شي‌ء عليك ، وتنظف موضع الأذى منك » (٣).

والتمسّك بالنبوي : « من ترك البول على أثر الجنابة ، أو شك تردّد بقية الماء في بدنه ، فيورثه الداء الذي لا دواء له » (٤) غير جيّد ، لأنّه يدلّ على رجحانه بعد الجنابة لا قبل الغسل ، فيحصل امتثاله بالبول بعد الغسل إذا اغتسل بعد الجنابة بلا مهلة.

وظاهر تلك الأخبار كلاّ أو بعضا وإن كان الوجوب ، إلاّ أنّ جماعة من علمائنا الأعلام كالسيد والحلّي (٥) والفاضلين (٦) ، والشهيدين (٧) وجلّ من تأخّر (٨)

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣١ ـ ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤١٩ ، الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٥ ـ ٤١٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٠ ـ ٤٠٧ ، الوسائل ٢ : ٢٥٢ أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١٢.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨١ ، المستدرك ١ : ٤٧٠ أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٢.

(٤) الجعفريات : ٢١ ، المستدرك ١ : ٤٨٥ أبواب الجنابة ب ٣٧ ح ١ بتفاوت في المتن.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) ١٨٨ ، السرائر ١ : ١١٨.

(٦) المحقق في المعتبر ١ : ١٨٥ ، والشرائع ١ : ٢٨ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٢٤ ، والمختلف ١ : ٣٢ ، والقواعد ١ : ١٣.

(٧) الأول في الدروس ١ : ٩٦ ، والبيان : ٥٥ ، والثاني في الروضة ١ : ٩٤ ، والمسالك ١ : ٨.

(٨) كالمدارك ١ : ٢٩٨ ، والمفاتيح ١ : ٥٧ ، والكفاية : ٣ ، والرياض ١ : ٣١.

٣٣٩

عنهم لم يقولوا به ، لضعف الأولى دلالة ، لمكان الجملة الخبرية الغير الدالّة على الوجوب ، سيما مع ورودها في سياق الأوامر المستحبة. والثانيتين سندا ، مع ما في أولاهما من العلّة باعتبار التفرقة بين النسيان وعدمه في إعادة الغسل.

مضافا إلى أنّ مقتضى حقيقتها انحصار الغسل بما بعد البول ، وأنّ قبله ليس غسلا أو ليس صحيحا ، وليس كذلك قطعا ، فيكون مجازا ، وهو يمكن أن يكون الغسل الكامل.

خلافا لأعيان القدماء وتابعيهم ، كالصدوقين في المقنع والهداية (١) ، والشيخين في المقنعة والمبسوط والاستبصار والجمل والعقود والمصباح (٢) ومختصره ، والجعفي والكيدري (٣) ، والحلبي والقاضي والديلمي (٤) وابني حمزة وزهرة (٥) وصاحبي الإصباح والجامع (٦) ، فقالوا بوجوبه ، واختاره بعض مشايخنا.

واحتاط بالقول به بعض آخر منهم (٧).

ونفى عنه البأس في الذكرى ، ونسبه إلى معظم الأصحاب (٨).

وعن الغنية دعوى الإجماع عليه (٩).

وقد يقال بالوجوب التخييري بينه وبين الاستبراء بالاجتهاد ، وعزي ذلك إلى‌

__________________

(١) الهداية : ٢٠ ، ولم نعثر عليه في المقنع ولا على كلام والد الصدوق.

(٢) المفيد في المقنعة : ٥٢ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٢٩ ، والاستبصار ١ : ١١٨ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) ١٦١ ، والمصباح : ٩.

(٣) نقله عنهما في الذكرى : ١٠٣.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٣ ، المهذب ١ : ٤٥ ، المراسم : ٤١.

(٥) الوسيلة : ٥٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) ٥٥٤.

(٦) الجامع للشرائع : ٣٩.

(٧) قال الوحيد البهبهاني ـ بعد تضعيف أدلة الوجوب ـ : والأحوط البناء على الوجوب. شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٨) الذكرى : ١٠٣.

(٩) الغنية : ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤.

٣٤٠