مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

ولم أعثر له في الباقيين على حجة ، بل الأخبار على عدم النقض بالثاني مصرّحة (١).

ومنها : الحيض فيظهر من بعضهم كونه ناقضا للوضوء (٢).

وتظهر الفائدة في ما إذا كانت متوضّئة وحاضت وأرادت الاشتغال بما يشترط فيه الوضوء وجوبا ولا يمنعه الحيض ، كالنوم ، وفي النفساء حيث إنّ لا أقل للنفاس.

والظاهر عدم كونه بنفسه ناقضا له ، للأصل وعدم الدليل.

ومثل قوله : « كل غسل فيه وضوء » (٣) لا يثبت ناقضية الحيض ، لأنّه مع عدم إفادته الوجوب ـ كما يأتي (٤) ـ لا يدل إلاّ على مطلوبية تقدم الوضوء على الغسل ، وهو لا يدل على مطلوبية وضوء آخر غير ما تقدم على سبب الغسل إلاّ بعد ثبوت انتقاضه.

ومنها : مس الميت.

والحقّ : عدم الانتقاض به أيضا ، كما يأتي في بحث غسل المس.

ثمَّ إنا قد ذكرنا أنّ هذه الأمور ليست أسبابا موجبة للوضوء ، وأمّا استحبابه بعروضها فالظاهر ثبوته في الجميع ، غير الحقنة والدم الخارج من السبيلين ، لما مرّ.

ويستحب أيضا للرعاف ، والقي‌ء ، والتخليل السائل منه الدم إذا استكره شي‌ء منها ، لصحيحة الحذّاء (٥) في الجميع ، والوشاء (٦) أيضا في الأوّل.

__________________

نواقض الوضوء ب ٦ ح ٤.

(١) راجع الوسائل ١ : ٢٦٤ أبواب نواقض الوضوء ب ٧.

(٢) كابن حمزة في الوسيلة : ٥٣ ، والعلامة في التحرير ١ : ٦.

(٣) سيأتي في المسألة من البحث السادس من غسل الجنابة.

(٤) التهذيب ١ : ١٤٣ ـ ٤٠٣ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ١٣ ـ ٢٦ ، الاستبصار ١ : ٨٣ ـ ٢٦٣ ، الوسائل ١ : ٢٦٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ١٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٤٨ ـ ١٠٢٤ ، الوسائل ١ : ٢٦٧. أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ١١.

٢١

وخروج البلل بعد الاستبراء ، لمكاتبة محمّد بن عيسى (١).

وبعد الاستنجاء بالماء من الغائط والبول للمتوضّئ قبله ولو كان قد استجمر ، لموثّقتي عمّار (٢) وسماعة (٣).

والظلم ، والكذب ، والزائد من الأربعة من باطل الشعر ، لموثقة سماعة (٤).

والغيبة ، لرواية الحسين بن زيد ـ الطويلة ـ في جمل المعاصي (٥).

والغضب ، للمروي في دعوات الراوندي : « إن غضب أحدكم فليتوضأ » (٦).

ولمس الكلب ، ومصافحة المجوسي ، للخبر فيهما (٧).

وبعد الوضوء الناقص لعذر بعد رفعه كالتقية والجبيرة ، خروجا من خلاف من أوجبه‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨ ـ ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٩ ـ ١٣٨ ، الوسائل ١ : ٢٨٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٩.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥ ـ ١٢٧ ، الاستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٤٩ ، الوسائل ١ : ٣١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٩ الطهارة ب ١٢ ح ١٧ ، الوسائل ١ : ٣١٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٦ ـ ٣٥ ، الاستبصار ١ : ٨٧ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ١ : ٢٦٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٨ ح ٣.

(٥) الفقيه ٤ : ٢ ، أمالي الصدوق : ٣٥٥.

(٦) دعوات الراوندي : ٥٢ ، المستدرك ١ : ٢٧٤ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ١.

(٧) الوسائل ١ : ٢٧٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١١ ح ١ ، ٢.

٢٢

الفصل الثاني :

في أقسامه‌

وهو على قسمين : واجب ومندوب.

فهاهنا بحثان.

البحث الأوّل : في الواجب منه.

وهو يجب للصلاة الواجبة ، بالإجماع بل الضرورة والكتاب والسنة المتواترة معنى.

وكما يجب لها شرعا يجب شرطا ، فيتوقف صحتها عليه أيضا بالأربعة.

ويكفيك في ذلك : قول أبي جعفر المروي في الفقيه والتهذيب : « لا صلاة إلاّ بطهور » (١) والروايات الواردة في وجوب إعادة الصلاة بترك الوضوء ونسيانه أو نسيان جزء منه (٢).

وذلك أيضا دليل آخر على وجوبه الشرعي ، لوجوب مقدمة الواجب ، كما أنّ الأوّل أيضا دليل على الثاني باعتبار كون الأمر بالشي‌ء نهيا عن ضده ، فالأمر بالوضوء حال إرادة الصلاة نهي عنها موجب لفسادها.

ثمَّ أكثر ما ذكر دليلا على الوجوبين يعم جميع الصلوات الواجبة يومية كانت أو غيرها ، فوجوبه شرعا وشرطا له مما لا شك فيه.

وأمّا صلاة الجنازة فليست صلاة حقيقة ، فلا ينافي العموم عدم وجوبه لها. مع أنه على فرض كونها صلاة تكون مخصّصة بالأدلة الآتية في موضعه.

والحق بالصلاة أجزاؤها المنسية ، وسجود السهو (٣). وقيل : سجود‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٥ ـ ١٢٩ ، التهذيب ١ : ٤٩ ـ ١٤٤ ، الوسائل ١ : ٣١٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٣٧٠ أبواب الوضوء ب ٣.

(٣) كما في روض الجنان : ١٤.

٢٣

التلاوة (١). ويأتي الكلام في كل منها في محله.

وللطواف الواجب دون المندوب ، وليس شرطا له ( أيضا ) (١) كما يأتي في بحثه.

ولمسّ خط المصحف ، ووجب ، لحرمة مسّها بدونه كما يأتي.

ولنذر وشبهه. ومتعلقه إن تعين من وضوء أو غسل أو تيمم تعين ، وإلاّ كفى المسمّى مع مشروعيته في الصورتين ، فلا يكفي الوضوء مع غسل الجنابة ، أو غسل الجمعة يوم الأربعاء ، أو التيمم مع الماء ، لعدم كونه طهارة ، بل عدم ثبوت مشروعيته ، فلو نذره بخصوصه لم ينعقد.

ثمَّ لو نذره في وقت معيّن قيل : فإن صادف أحد أسبابه وجب (٢).

وفيه نظر ، لأنّه موقوف على صحة النذر ، وهو بإطلاقه ممنوع ، بل إطلاقه يصح إن كان المنذور راجحا مطلقا ، وإلاّ فلا ، فلا يصح نذر التيمم في وقت معين بالإطلاق.

وإن لم يصادفه ، فمع تعذّر تحصيله يسقط قطعا ، كنذر غسل الجنابة غدا مع تعذّر تحصيل الجنابة ، أو نذر التيمم عند النوم مع تعذّر إعدام الماء على القول باشتراط عدمه حينئذ أيضا.

ومع إمكانه ، فإن كان فعل تلك الطهارة راجحا على ما هي عليه قبل حصول موجبه ، يجب تحصيل الموجب ما لم يكن محرما ، سواء كان تحصيل الموجب أيضا راجحا في نفسه كالجنابة لغسله ، أو لا كالحدث للوضوء الرافع على القول بكونه أفضل من التجديدي.

وإن لم يكن راجحا على ما هو عليه ، لم يجب ، لأنّ النذر إن شمل مثل تلك‌

__________________

(١) المختلف : ٩٦.

(٢) لا توجد في « ه‍ ».

(٣) مشارق الشموس : ٢٥.

٢٤

الحال أيضا ، لم ينعقد ، لعدم الرجحان ، كالتيمم مع إهراق الماء لمن يجده ، فإنّ التيمم حينئذ ليس راجحا على الوضوء.

وقال والدي العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ بعدم وجوب تحصيل الموجب مطلقا. وهو غير جيد.

قيل : ويجب الوضوء أيضا للتحمل عن الغير (١).

فإن أريد ما يجب لأجل تحمل الصلاة ، فهو داخل في الوجوب لها ، وإن أريد غيره كما إذا نذر أحد الوضوء ومات قبل أن يأتي به ، فلم تثبت مشروعية التحمل فيه ، ولذا لم يذكره الأكثر.

تذنيب : لا يجب الوضوء بنفسه على المعروف من مذهب الأصحاب ، كما في المدارك (٢) ، وعن التذكرة (٣) والمحقق (٤) والكركي (٥) والعاملي (٦) وفي اللوامع والمعتمد : الإجماع عليه ، بل ظاهر (٧) أمالي الصدوق كون وجوبه لغيره خاصة من دين الإمامية (٨).

ويدلّ عليه : الأصل (٩) ، والإجماع الثابت من التتبع ، وممّا يعهد من فقهاء‌

__________________

(١) الألفية للشهيد : ٢٦.

(٢) المدارك ١ : ٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٥.

(٤) لم نعثر في كتب المحقق على دعوى المعروفية من مذهب الأصحاب ولم ينسب إليه في كتب المتأخرين ، والمظنون زيادة « الواو » بين المحقق والكركي. كما يؤيده تقديم التذكرة عليه في الذكر.

قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك : بل نقل جمع من الفقهاء الإجماع مثل العلامة في التذكرة والمحقق الشيخ علي والشهيد الثاني ونحوه في الذخيرة : ٢.

(٥) كما نقل عنه في الذخيرة وحاشية المدارك ، وفي مفتاح الكرامة ١ : ٥ نقل عنه في شرح الإرشاد.

(٦) روض الجنان : ٥١.

(٧) في « ه‍ » و « ق » بل عن ظاهر.

(٨) أمالي الصدوق : ٥١٤ ـ ٥١٥.

(٩) أي أصالة عدم وجوبه لأجل نفسه لوفاق الكل على وجوبه لغيره أو عدم وجوبه في غير وقت وجوب مشروط الطهارة إن قلنا بعدم تحقق الوجوب الغيري قبل وقت الغير ( منه ره ).

٢٥

الأعصار من عدم التزامهم رفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة لأنفسهم أو غيرهم ، ومفهوم الشرط في الآية (١).

والإيراد عليه : بأنّه يدل على وجوبه عند إرادتها ، لعدم إمكان إبقاء القيام على حقيقته ، والإرادة تتحقق قبل الوقت أيضا.

مردود (٢) بأنّ غايته وجوبه قبل الوقت أيضا ، ولا مانع من كون الواجب لغيره واجبا قبل دخول وقت الغير كما يأتي (٣).

مع أنّ عدم إمكان إبقاء القيام على حقيقته ممنوع ، فإنّه إنّما هو إذا قال : قمتم في الصلاة ، حتى تكون حقيقته هو القيام الذي هو جزؤها ، ولكنه قال : إلى الصلاة ، والمتبادر من القيام إلى الشي‌ء : التوجّه إلى إيجاده ، وظاهر أنّ ذلك لا يكون الاّ وقت تأتّي ذلك الشي‌ء وإمكان إيجاده.

وبأنّ حجية مفهوم الشرط إذا لم تظهر له فائدة غيره.

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) وقيل : يتعيّن الإرادة المتصلة لكونها أقرب المجازات ، بل قيل بعدم إمكان إرادة القيام منه إطلاقا لاسم السبب على المسبب ، إذ لا بدّ من إرادة الصلاة من القيام أيضا لعدم وجوبه لجزء الصلاة بل لنفسها ، فيلزم استعمال لفظ في استعمال واحد في مجازين بعلاقتين متغايرتين وهو غير جائز.

والحاصل : أن قوله : « قمتم » لا يمكن أن يكون مستعملا في « أردتم » بإطلاقه ، لعدم العلاقة ، فيكون مستعملا في أردتم القيام ، ولا يمكن أن يكون المراد بالقيام حقيقته ، لعدم وجوبه له بل للصلاة ، فيلزم المحذور المذكور ، مضافا إلى أنّه يصير المعنى : إذ أردتم الصلاة إلى الصلاة. وهو فاسد.

وفيه نظر ، لأنّ المستعمل في الصلاة هو القيام المأخوذ في المعنى المجازي دون قوله : « قمتم » فهو من قبيل سبك المجاز من المجاز.

نعم يمكن أن يمنع جواز مثل ذلك أيضا. وأيضا يمنع عدم وجوب الوضوء للقيام الذي هو جزء ، فيمكن إبقاء القيام المأخوذ في المعنى المجازي على حقيقته. غاية الأمر أن الآية لا تصريح فيها بالوجوب للصلاة ، ولا ضير فيه ، بل يمكن أن يقال : الوجوب يستلزم الوجوب للكل ، فتأمل. ( منه ره ).

(٣) في ص ٢٩.

٢٦

مردود : بمنع الاختصاص ، وإنّما هو إذا استدلّ عليها بأنّه لولاها لانتفت فائدة الشرط ، وهو غير تام ، بل المناط الفهم العرفي.

ويؤيد المطلوب أيضا : بعض الأخبار الواردة في علل الوضوء ، وأنّه للقيام بين يدي الله سبحانه (١) ، ومفهوم صحيحة زرارة : « إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور » (٢) حيث إنّ الظاهر منه تعلّق الحكم بكلّ من المتعاطفين بانفراده حتى يكون رفعه برفعه عنهما ، لا على سبيل الاستغراق الأفرادي حتى يكون المراد مجرد صدق الكلية عند دخول الوقت ، وعدمه المتحقق بانتفاء الوجوب عن الصلاة وحدها قبله.

مضافا إلى أنّ إرادة مجرد صدق الكلية يلغي ذكر الطهور لاستقلال الصلاة في الاشتراط ، إلاّ أنّ ذلك محتمل أيضا.

وقد يستدل أيضا : بأخبار دالّة على الوجوب الغيري مثبتة له (٣).

وهو غير جيد ، للوفاق على ثبوت الغيري ، والنزاع إنّما هو في نفي النفسي.

وثبوته معه ، وتلك الأخبار لا تنفيه ، لعدم المنافاة بين الوجوبين.

نعم ، في بعضها إشعار إلى نفيه ، كقول الصادق عليه‌السلام : « أنا أنام على ذلك ـ يعني حدث الجنابة ـ حتى أصبح » (٤) مع قوله في خبر أبي بصير : « الإمام لا يبيت ليلة ولله في عنقه حق » (٥).

خلافا لمجهول نقله عنه في الذكرى (٦) ، والظاهر ـ كما قاله جماعة ويظهر من‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٧ أبواب الوضوء ب ١ ح ٩ ، علل الشرائع : ٢٥٧ ، ٢٦٨ ، عيون الأخبار ٢ : ١٠٤ ، ١١٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٠ ـ ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨٠ ، الوسائل ٢ : ٢٢٧. أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٢.

(٥) الكافي ١ : ٤٠٨ الحجة ب ١٠٥ ح ٤.

(٦) الذكرى : ٢٣.

٢٧

قواعد الشهيد ـ أنّه العنبري من العامة (١) ، وإن كان ظاهر المدارك (٢) وبعض من تأخر عنه (٣) الميل إليه ، لاستفاضة النصوص الدالّة على وجوب الطهارة مطلقا ـ الظاهر في النفسي ـ بحصول أحد نواقضها.

وفيه : أنّه إن أريد ظهور الوجوب بنفسه في النفسي فهو ممنوع ، لأنّ الوجوب هو مطلوبية الشي‌ء حتما ، سواء كان مطلوبيته لأجل نفسه أو غيره.

فإن قيل : الغيري يحتاج إلى ملاحظة مصلحة الغير والأصل عدمها.

قلنا : النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة مصلحة في ذلك الشي‌ء.

فإن قيل : الأوّل يحتاج إلى ملاحظة الغير أيضا.

قلنا : غاية الأمر أنّه يكون في أحد الطرفين مخالف أصل ، وفي الآخر مخالفين ، ولا ترجيح عندنا حينئذ ، مع أنّ في النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة حيثية نفس ذلك الشي‌ء.

وإن أريد ظهور إطلاق الوجوب نحو قوله : إذا أحدثت توضّأ ، أو يجب عليك الوضوء ، فهو كذلك لو قلنا باختصاص الوجوب الغيري لشي‌ء بوقت ذلك الغير وحال وجوب فعله كما هو المشهور إذ وجوبه الغيري حينئذ يوجب تخصيص ذلك الإطلاق بوقت أو حال هو وقت ذلك الغير ، والأصل عدمه :

وأمّا لو لم نقل بذلك ، وقلنا بوجوبه بعد وجوب ذلك الغير وإن لم يدخل وقته ـ كما اختاره الأردبيلي (٤) وجماعة ممّن تأخّر عنه (٥) وهو الحق ـ فليس كذلك ، إذ يكون الوضوء بعد الحدث حينئذ واجبا على المكلّف ، دخل وقت الصلاة أم لا ،

__________________

(١) القواعد والفوائد ٢ : ٦٥ ، قال : ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر العنبري وذكر محقق الكتاب في الهامش : لعل الصحيح أبو بكر العربي فراجع.

(٢) المدارك ١ : ١٠.

(٣) كالمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢ ، والكفاية : ٢.

(٤) مجمع الفائدة ١ : ٦٧.

(٥) منهم صاحب المشارق : ٢٦.

٢٨

فلا يرتكب تخصيص في المطلقات.

والحاصل : أنّ الواجب واجب ، نفسيا كان أم غيريا ، فلا ينصرف إلى أحدهما إلاّ بدليل ، ولا دليل على الانصراف إلى النفسي إلاّ تخصيص المطلقات على الغيري خاصة ، ولا تخصيص على ذلك القول.

وأمّا ما قلنا من أن الحقّ : عدم توقّف وجوب ما يجب لغيره على دخول وقت ذلك الغير ، بل يتوقّف على وجوبه ، فتوضيحه بعد مقدمة هي : أنّه إذا قال الآمر : صم أول رجب ، تحصل للمأمور حالة غير ما كانت عليه قبل ذلك الأمر ، وهي صيرورته مكلّفا بصوم أول رجب ، فيصير صوم أول رجب واجبا عليه وإن لم يدخل بعد وقت فعله ، إذ لا يتوقّف وجوب الشي‌ء على دخول وقته ، فإنّ الوجوب هو المطلوبية الحتمية ، ويصدق على هذا الشخص أنّه مطلوب منه صوم أول رجب حتما ، وعلى صوم أول رجب أنّه مطلوب حتما ، بخلاف ما إذا قال : إذا دخل أول رجب آمرك بصومه ، فإنّه لم يجب بعد.

نظير ذلك : ما قاله الفقهاء في التوكيل التنجيزي والتعليقي ، فقالوا : يصح أن يقول الموكل : أنت وكيلي أن تفعل في الشهر الآتي كذا ، بأن يكون الآتي ظرفا للفعل دون التوكيل ، ولا يصح أن يقول : إذا دخل الشهر الآتي أنت وكيلي ، بأن يكون الشهر ظرفا للتوكيل ، فإنّ التوكيل في الأوّل تنجيزي وفي الثاني تعليقي.

وبعد ذلك نقول : إذا وجب شي‌ء لشي‌ء آخر ، فما لم يجب ذلك الآخر لا يجب هذا البتة ، إذ وجوبه تبعي ، وهو فرع وجوب متبوعه ، أي تعلّق الأمر به ، ولكن لا دليل على توقّف وجوبه على دخول وقته ، بل يرى أنّه لو أتى بذلك الغير قبل وقت ذلك يكفي ويعدّ ممتثلا ، فلو أمر المستطيع الذي بينه وبين مكة عشرة أيام بالحج ، فذهب إلى مكّة قبل الموسم بشهرين كفى ولو أمره بوجوب المقدمة صريحا أيضا. ولأنّ الأصل عدم تقييد وجوبه بوجوب ذلك الغير ، فلو قال : إذا أحدثت يجب عليك الوضوء من جهة الصلاة ، فالأصل عدم تقييد وجوبه بوقت الصلاة ، وكذا لو قال : يجب عليك ستر العورة لأجلها.

٢٩

غاية الأمر أنّ وجوبه موسّع لا يتضيّق إلاّ بحال إرادة الصلاة المتصلة ، ولذا لو توضأ أو ستر العورة قبل وقتها يمتثل ، فهو واجب موسّع من أول حدوث السبب إلى أوّل زمان التلبس بذلك الغير ، وهو مخيّر بين جميع أفراده.

فإن قلت : لا عقاب لو تركه قبل وقت الغير.

قلنا : كذلك بعده قبل تضيق وقت الغير ، وذلك لأجل أنّ هذا شأن الموسّع.

فإن قلت : قد سلّمت أنّ وجوب شي‌ء لغيره يتوقف على وجوبه ، وهو قبل الوقت غير معلوم لإمكان عدم البقاء.

قلنا : العلم الاستصحابي كاف في ذلك.

وظهر مما ذكرنا أنّه لا تترتب ثمرة نافعة على ذلك الخلاف ، إذ أنفع ما قالوه جواز نية الوجوب قبل الوقت ، وعلى ما ذكرنا يجوز مطلقا.

لا يقال : الوجوب الغيري وإن لم يتوقف على وقت ذلك الغير ، ولكن خصوص الوضوء كذلك ، لقوله : « إذا دخل الوقت .. » ، لعدم صراحة دلالته على ذلك واحتمال غيره كما مر.

البحث الثاني :

في الوضوء المستحب.

وهو على قسمين :

أحدهما : ما يستحب باعتبار السبب ، وهو ما ندبه الشارع للمتطهّر بحصول سبب موجب له.

وثانيهما : باعتبار الغاية وهو ما ندبه للمكلّف للتوصّل إلى أمر.

أمّا الأوّل : فأقسامه ما مرّ في بحث أسباب الوضوء ، والكلام ها هنا في الثاني.

ثمَّ ثبوت هذا القسم من الوضوء المستحب ، إمّا يكون بتصريح الشارع‌

٣٠

بمطلوبيته للأمر الفلاني ، أو يتوقف حصول مندوب أو جوازه عليه ، لأنّ مقدمة المندوب مندوبة ، ولا فرق في ذلك بين كون ما يتوقف عليه نفس فعل مطلوب ، أو مرتبة من مراتب كماله. وأمّا مرجوحية فعل مباح بدون الوضوء ، فهي لا تدل على مطلوبية الوضوء لأجل فعل ذلك ، إذ غايتها توقف ارتفاع كراهة المباح على الطهارة ، ولا دلالة لذلك على مطلوبيتها له بوجه.

وقد أدرج جماعة بعض ما من هذا القبيل في أقسام الوضوء المستحب (١) وهو في غير موقعه.

وتظهر الفائدة في مشروعية ضم تلك الغاية في النية.

وعلى هذا فالأولى أن نذكر ما كان من هذا القبيل بعنوان آخر ، أو يدرج في أحكام الوضوء كما فعلوه في الغسل.

وقد ظهر من ذلك أنّ ها هنا ثلاث عنوانات :

الأوّل : الوضوء المستحب باعتبار الأسباب.

والثاني : المستحب باعتبار الغايات.

والثالث : الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث.

أمّا الأوّل : فقد مرّ.

وأمّا الثاني : فله أقسام كثيرة باعتبار الغايات ، وهي أمور :

منها : الصلاة المندوبة ، لاشتراطها به بالإجماع.

وعموم قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٢) وقوله : « الصلاة ثلاثة أثلاث ، ثلث طهور .. » (٣) وقوله : « ثمانية لا تقبل منهم صلاة ومنهم تارك الوضوء » (٤) وقوله عليه‌

__________________

(١) انظر المنتهى ١ : ١٧٧ ، وكشف اللثام ١ : ٧ ، والحدائق ٢ : ١٣٨ ـ ١٤٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٩ ـ ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ـ ١٦٠ ، المحاسن : ٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢ ـ ٦٦ ، الوسائل ١ : ٣٦٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ٨.

(٤) الفقيه ١ : ٣٦ ـ ١٣١ ، و ٤ : ٢٥٨ ـ ٨٢٤ ، المحاسن : ١٢ ـ ٣٦ ، الوسائل ١ : ٣٦٩ أبواب الوضوء ب ٢ ح ٤.

٣١

السلام : « إن ذكرت وأنت في صلاتك أنّك تركت شيئا من وضوئك فانصرف » (١) إلى غير ذلك.

وشرط المستحب مستحب. والاستدلال على الاشتراط بإطلاق ما دل على وجوب إعادة الصلاة على من نسي الوضوء أو شيئا منه ونحوه غير جيّد ، لعدم الوجوب في النوافل.

ومنها : صلاة الجنازة كما يذكر في محله.

ومنها : الطواف المندوب كما يأتي في موضعه.

ومنها : ما لا يشترط فيه الطهارة من مناسك الحج ، لصحيحة ابن عمار : « لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلاّ الطواف فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » (٢).

ومنها : مسّ كتابة المصحف المندوب ، وتلاوته ، وكتابته ، وتعليقه وحمله ، للشهرة الكافية في إثبات الاستحباب في الجميع.

مضافا في الأوّل إلى اشتراط جواز مسه به ، وفي الثاني إلى المرويات في قرب الإسناد وعدة الداعي والخصال :

الأوّل : أقرأ المصحف ثمَّ يأخذني البول ، فأقوم وأبول وأستنجي وأغسل يدي وأعود إلى المصحف ، فأقرأ فيه؟ قال : « لا حتى تتوضأ للصلاة » (٣) دلّ على مرجوحية التلاوة المستحبة بدون الوضوء ، فيتوقف كمالها ـ الذي هو مطلوب ـ على الوضوء فيكون مطلوبا.

والثاني : « لقارئ القرآن بكل حرف يقرؤه في الصلاة قائما مائة حسنة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤ الطهارة ب ٢٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٣ ، الوسائل ١ : ٣٧١ أبواب الوضوء ب ٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٤١ ، الوسائل ١ : ٣٧٤ أبواب الوضوء ب ٥ ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ٣٩٥ ـ ١٣٨٦ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب قراءة القرآن ب ١٣ ح ١.

٣٢

وقاعدا خمسون ، ومتطهرا في غير الصلاة خمس وعشرون حسنة ، وغير متطهر عشر حسنات » (١) دل على توقف بعض كمال القراءة عليه ، فيستحب.

والثالث : « لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر » (٢).

وفي بعض النسخ : « لا يقرب » مقام : « لا يقرأ » وعليه لا يتم الاستدلال ، واستلزام بعض أفراد القراءة للقرب لا يستلزم الاستحباب للقراءة.

ثمَّ ظاهر إطلاق كلام الأصحاب ومقتضى إطلاق باقي الروايات : عدم التفرقة بين التلاوة من المصحف أو من ظهر القلب ، فيستحب الوضوء لهما.

وفي الثالث إلى مطلقات ما دل على مرجوحية مس المصحف ـ الصادق على مس الورق اللازم للكتابة الراجحة بنفسها ـ ( على غير وضوء ). (٣)

والاستدلال له بصحيحة علي : عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن وهو على غير وضوء؟ قال : « لا » (٤) غير جيد ، لأنّ حمل عدم الحلية على الكراهة ليس بأولى من تقييد الكتابة بما كان معها مس الخط.

وفي الرابع إلى خبر ابن عبد الحميد : « لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ، ولا تمس خطه ، ولا تعلّقه » (٥).

والاستدلال به وبالمروي في المنتهى والذكرى : « لا يمس المصحف إلاّ الطاهر » (٦) للخامس مخدوش : بأنّ الحمل غير المس ، وبينهما عموم من وجه ، كالاستدلال برواية الخصال على النسخة الأخيرة : باختلاف النسخ.

__________________

(١) عدة الداعي : ٢٦٩ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب قراءة القرآن ب ١٣ ح ٣.

(٢) الخصال : ٦٢٧ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب قراءة القرآن ب ١٣ ح ٢.

(٣) في جميع النسخ : على الوضوء ، غيّرناه لاستقامة المعنى ، وهو متعلق بقوله : مسّ المصحف.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٧ ـ ٣٤٥ ، الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٢٧ ـ ٣٤٤ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ـ ٣٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٨٤. أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

(٦) المنتهى ١ : ٧٦ ، الذكرى : ٣٣.

٣٣

ومنها : دخول المساجد ، للمروي في مجالس الصدوق : « من أتاها متطهرا طهّره الله من ذنوبه وكتب من زوّاره » (١).

وفي مصباح الشريعة : « إذا قصدت باب المسجد فاعلم أنّك قصدت باب ملك عظيم لا يطأ بساطه إلاّ المطهّرون » (٢).

ومرسلة الفقيه : « إنّ بيوتي في الأرض المساجد ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثمَّ زارني » (٣).

وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أحسن الطهور ثمَّ مشى إلى المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث » (٤).

والإيراد عليها : بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة في المعنى المراد ممكن ، إلاّ أنّ قوله في الأخير : « ما لم يحدث » كالقرينة على إرادته ، ولكن الثابت منه استحباب الوضوء ثمَّ المشي الى المسجد دون الوضوء لدخول المسجد ، وكذا المروي في إعلام الدين للديلمي : « من توضأ ثمَّ خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته : بسم الله الذي خلقني فهو يهدين ، هداه الله للإيمان » (٥).

فالاقتصار في الاستدلال على الاشتهار أولى.

والتمسك باستحباب صلاة التحية المتوقفة على الوضوء غير جيد ، وقد يضم معه استحباب المبادرة إليها وكراهة الوضوء في المسجد ، ولا بأس به.

قالوا : ويتأكد الاستحباب إذا أراد الجلوس ، لمرسلة العلاء : « إذا دخلت المسجد وأنت تريد الجلوس فلا تدخله إلاّ طاهرا » (٦).

__________________

(١) مجالس الصدوق : ٢٩٣ ـ ٨ ، الوسائل : ٣٨٠ أبواب الوضوء ب ١٠ ح ٢.

(٢) مصباح الشريعة : ٨٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ ـ ٧٢١ ، الوسائل ١ : ٣٨١ أبواب الوضوء ب ١٠ ح ٤.

(٤) الدعائم ١ : ١٠٠.

(٥) أعلام الدين : ٣٥٢ وعنه في المستدرك ١ : ٢٩٧ أبواب الوضوء ب ١٠ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ٥ : ٢٤٥ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٢.

٣٤

وفيه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ أنّ دلالتها على التأكيد (١) إنما تتم لو دلّت على اختصاص الاستحباب به حتى يحمل على مرتبة مؤكدة منه ، ولا تدل عليه إلاّ بمفهوم وصف لا حجية فيه ، ولعله لذلك لم يذكره جماعة.

وألحق ابن حمزة بالمسجد كل مكان شريف (٢).

ومنها : الكون على الطهارة ، أي لمجرد كونه غير محدث ذا حالة يصلح معها ما يشترط به من دون قصد شي‌ء آخر من غاياته ، فيكون الغرض منه هذا الأثر في نفسه خاصة.

والحاصل أنّ الكون على الوضوء أمر مستحب ، وهو موقوف على التوضؤ توقف المسبب على السبب ، فيستحب لأجل ذلك وإن لم يكن له غاية أخرى.

والحجة في استحباب ذلك الكون صحيحة ابن عمار : « الوضوء أفضل على كل حال » (٣).

فإنّ الظاهر منها الكون على الوضوء لا الإتيان به ، لمكان قوله : « على كل حال » والكون عليه يتوقف على الإتيان به.

والمروي في مجالس ابن الشيخ : « إن استطعت أن تكون في الليل والنهار على طهارة فافعل ، فإنّك تكون إذا متّ على طهارة شهيدا » (٤).

والظاهر أن المراد بالطهارة فيه الطهارة من الحدث وإن لم تثبت الحقيقة الشرعية.

والمروي في نوادر الراوندي : « كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بالوا توضؤوا مخافة أن تدركهم الساعة » (٥) يعني مخافة أن تدركهم وهم محدثون ،

__________________

(١) في « ق » التأكد.

(٢) الوسيلة : ٤٩.

(٣) قد تقدم تمام الرواية في ص ٣٢.

(٤) لم نجده فيه ، بل وجدناه في أمالي المفيد : ٤٦.

(٥) نوادر الراوندي : ٣٩ ، البحار ٧٧ : ٣١٢ ـ ٢٨.

٣٥

فتدل على استحباب الكون على الطهارة في كل وقت.

والاستدلال بمرغبات التطهير والوضوء ، والدالّة على الثواب على كل فعل منه على ذلك غير جيد ، إذ لا يثبت منها إلاّ استحباب هذا الفعل لا لأجل ذلك الأثر الخاص ، فإنّها تدل على الثواب عليه ولو كان تجديديا ، مع أنّه غير محصّل لذلك الأثر ، واستحبابه بنفسه غير استحباب ذلك الأثر.

وأمّا ما ذكره بعضهم منهم والدي ـ قدس‌سره ـ من أنّ هذا القسم من الوضوء مراد من قال : إنّه مستحب بنفسه ، فمراده من الوضوء ليس نفس الفعل ، بل الكون على الوضوء ، فإنّهم بعد ما يذكرون غايات ذلك الكون يقولون إنه بنفسه أيضا مستحب ، فلا يرد ما قيل من أنّ هذا غير الاستحباب بنفسه.

وهل يستحب هذا الفعل بنفسه أم لا؟ مقتضى الأصل وعدم الدليل : الثاني.

والاستدلال عليه بمطلقات الأمر بالوضوء ومرغباته ، سيما بعد الحدث كقوله : « من أحدث ولم يتوضّأ فقد جفاني » (١) والدالّة على الثواب عليه لا يفيد ، إذ يمكن أن يكون ذلك لاستحبابه الغيري الثابت في كل حال.

ومنها : التأهب للفريضة قبل وقتها ، لاستحباب الصلاة في أول وقتها الحقيقي الموقوفة على الوضوء قبله ، لا لأجل مطلق أخبار فضيلة أول الوقت ، لأنّ المراد منه الأوّل العرفي الغير المتوقف على الوضوء قبله ، بل للأمر بالمسارعة والاستباق ولما دل على أفضلية الأوّل فالأوّل المثبت لأفضلية الحقيقي أيضا.

وهل يختص الاستحباب بمن يتمكن من إيقاعها في أول الوقت وإن لم يرده ، حيث ان استحباب شي‌ء لا يتوقف على إرادته ، أو يستحب لمن يعلم عدم تمكنه منه أيضا؟ مقتضى الدليل المذكور وبضميمة الأصل : الأوّل.

__________________

(١) إرشاد القلوب : ٩٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٢ أبواب الوضوء ب ١١ ح ٢.

٣٦

وقيل بالثاني (١) ، للأمر بالمسارعة وإطلاق المروي في الذكرى : « ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة حتى يدخل وقتها » (٢). وفيهما نظر.

وقد يخصّ استحباب التأهب بمن علم عدم تيسّر الوضوء له بعد دخول الوقت أو خاف ذلك. ولا يخفى أنّ ذلك ليس تأهّبا ، مع أنّ الظاهر حينئذ وجوب التوضؤ.

ومنها : التجديد لكل صلاة ، للاشتهار والمستفيضة.

منها : المروي في الدعائم عن النبيّ والوصيّ : أنّهما ( كانا ) يجدّدان الوضوء لكل صلاة ، يبتغيان بذلك الفضل (٣).

ورواية سماعة : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام فصلى الظهر والعصر بين يدي ، وجلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة ، ثمَّ قال لي : « توضأ » فقلت : جعلت فداك أنا على وضوء ، فقال : « وإن كنت على وضوء » (٤).

ومرسلة الفقيه : « تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله وبلى والله » (٥) وضعفها سندا غير ضائر لوجوه.

بل مطلقا (٦) ، لمرسلة الفقيه : « الوضوء على الوضوء نور على نور » (٧).

وأخرى : « من جدد وضوءه لغير حدث جدد الله توبته من غير استغفار » (٨)

__________________

(١) كما قال به في غنائم الأيام : ٨.

(٢) الذكرى : ١١٩.

(٣) الدعائم ١ : ١٠٠ ، المستدرك ١ : ٢٩٤ ، ٢٩٥ أبواب الوضوء ب ٨ ح ١ ، ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٧٢ ، الطهارة ب ٤٦ ح ٩ ، الوسائل ١ : ٣٧٦ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦ ـ ٨١ ، الوسائل ١ : ٣٧٧ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٦.

(٦) عطف على قوله : لكل صلاة يعني : يستحب تجديد الوضوء مطلقا ولو مع عدم إرادة الصلاة.

(٧) الفقيه ١ : ٢٦ ـ ٨٢ ، الوسائل ١ : ٣٧٧ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٨.

(٨) الفقيه ١ : ٢٦ ـ ملحق بحديث ٨٢ ، الوسائل ١ : ٣٧٧ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٧.

٣٧

ومرسلة سعدان : « الطهر على الطهر عشر حسنات » (١).

ولا تعارضها موثقة ابن بكير : « إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت » (٢) ، لأنها أعم مطلقا منها باعتبار شمولها للتوضؤ على جهة الابتداء والوجوب واعتقاد بطلان الأوّل.

ثمَّ المستحب لكل صلاة إنما هو مرة واحدة ، لأنها الظاهرة من الروايات ، والثابتة اشتهاره بين العلماء. وأما مطلقا (٣) فالظاهر استحبابه مطلقا ، للإطلاقات. وقد يستثنى الكثرة المفرطة بحكم العرف والعادة ، ولا بأس به.

ومنها : طلب الحاجة الراجحة شرعا ، لخبر ابن سنان : « من طلب حاجة وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومنّ إلاّ نفسه » (٤).

ويظهر وجه تخصيصنا بالراجحة مع إطلاق الجماعة مما مر في صدر المبحث.

ومنها : زيارة قبور المؤمنين ، لقول بعضهم : إنّ فيه رواية (٥). وهو كاف في المقام ، سيما مع الشهرة.

ومنها : النوم ، لرواية الصدوق : « من تطهر ثمَّ آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده » (٦).

ومثله في ثواب الأعمال والمحاسن ، وزاد في الأخير : « فإن ذكر أنه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره كائنا ما كان ، لم يزل في صلاة ما ذكر الله » (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٢ الطهارة ب ٤٦ ح ١٠ ، الوسائل ١ : ٣٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ح ١ وفيه « إذا استيقنت انك قد أحدثت فتوضأ .. » ، التهذيب ١ : ١٠٢ ـ ٢٦٨ ، الوسائل ١ : ٢٤٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٧.

(٣) أي الوضوء التجديدي الذي يستحب ولو مع عدم إرادة الصلاة ، استحبابه مطلق غير مقيد بالمرّة.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٧٧ ، الوسائل ١ : ٣٧٤ أبواب الوضوء ب ٦ ح ١.

(٥) الذكرى : ٢٣. قال في كشف اللثام ١ : ٧ : لم أظفر لخصوصه بنصّ.

(٦) الفقيه ١ : ٢٩٦ ـ ١٣٥٣ ، الوسائل ١ : ٣٧٨ أبواب الوضوء ب ٩ ح ٢.

(٧) ثواب الأعمال : ١٨ ، المحاسن : ٤٧ ـ ٦٤ ، الوسائل ١ : ٣٧٨ أبواب الوضوء ب ٩ ح ١ ، ٢.

٣٨

وتلك الزيادة قرينة على إرادة الوضوء من الطهارة ، فلا يرد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها.

ويتأكد لنوم الجنب ، لا لصحيحة الحلبي : عن الرجل ، أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال : « يكره ذلك حتى يتوضأ » (١) ، لما مر في أول المبحث ، بل لما في الغنية والمنتهى وظاهر التذكرة والمعتبر (٢) من الإجماع عليه.

مضافا إلى موثقة سماعة : عن الرجل يجنب ثمَّ يريد النوم ، قال : إن أحب أن يتوضأ فليفعل والغسل أفضل » (٣).

ومنها : ذكر الحائض ، كما يأتي في باب الحيض.

ومنها : تغسيل الجنب الميت وجماع غاسله ، لحسنة شهاب : عن الجنب يغسّل الميت أو غسّل ميتا ، أله أن يأتي أهله ثمَّ يغتسل؟ فقال « سواء ، لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت ، وإن غسل ميتا توضأ ثمَّ أتى أهله ، ويجزيه غسل واحد لهما » (٤).

والرضوي : « إذا أردت أن تغسل جنبا فتوضأ للصلاة ثمَّ اغسله ، وإذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثمَّ جامع » (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٧٩ ، الوسائل ١ : ٣٨٢ أبواب الوضوء ب ١١ ح ١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، المنتهى ١ : ٨٩ التذكرة ١ : ٢٥ ، المعتبر ١ : ١٩١.

ولا يخفى أن معقد الإجماع في كلام المذكورين هو كراهة النوم للجنب قبل أن يتوضأ وقد ناقش المصنف في صدر البحث في كفايتها لإثبات استحباب الوضوء ولهذا لم يستدل بصحيحة الحلبي ، والمظنون أنه اعتمد في نقل الإجماع عن هؤلاء على نقل كشف اللثام حيث قال ـ بعد الاستدلال بصحيح الحلبي ـ : وفي الغنية والمنتهى وظاهر المعتبر والتذكرة الإجماع عليه. كشف اللثام ١ : ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧٠ ـ ١١٢٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٨ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٥٠ الجنائز ب ٩٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٤٨ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ٢ : ٢٦٢ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٣ ـ بتفاوت.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٣ ، المستدرك ٢ : ١٩٤. أبواب غسل الميت ب ٢٩ ح ١ ، وفيهما « إذا أردت أن تغسل ميتا وأنت جنب .. ».

٣٩

ومنه يظهر ضعف تخصيص بعض المتأخرين الثاني بما إذا كان كالأول (١) ، لاختصاص ظاهر الحسنة.

ومنها : إدخال الميت في قبره ، لخبر محمّد والحلبي : « توضأ إذا أدخلت الميت القبر » (٢).

والرضوي : « تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت » (٣).

ولا يخفى أنّ دلالتهما موقوفة على تجوز أن إضمار لا قرينة عليه ، إلاّ أن يدّعى الإجماع على عدم استحباب الوضوء بعد الإدخال.

ومنها : وطء جارية بعد أخرى ، لمرسلة التميمي : « إذا أتى الرجل جاريته ثمَّ أراد أن يأتي الأخرى توضأ » (٤).

ولعل منها يطرّد الحكم في غير الجارية من النسوان أيضا ـ كما ذكروه ـ لتنقيح المناط.

ويؤيده خبر الوشاء : « كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا جامع وأراد أن يجامع أخرى توضأ وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة » (٥).

__________________

(١) حاصل المراد : أن بعض المتأخرين لم يحكم باستحباب الوضوء لجماع الغاسل للميت على نحو الإطلاق بل خصصه بما إذا كان جنبا ، أخذا بظاهر السؤال في حسنة شهاب حيث إنّ الضمير في قوله : « أو غسل ميتا .. » راجع الى الجنب. ولكن الرضوي كاف في إثبات التعميم.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢١ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ٣ : ٢٢١ أبواب الدفن ب ٥٣ ح ١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٨٣ ، المستدرك ٢ : ٣٦١ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٥٩ ـ ١٨٣٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٤ ح ٢.

(٥) لا يخفى ان هذه الرواية هي التي سيتعرض لها المصنف بقوله : للمروي في كشف الغمة ٢ : ٣٠٢ وفيه :

« عن دلائل الحميري عن الحسن بن علي الوشاء قال : قال فلان بن محرز : بلغنا أن أبا عبد الله عليه‌السلام كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فأحب أن تسأل أبا الحسن الثاني عليه‌السلام عن ذلك ، قال الوشاء : فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة ، وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة » وهكذا نقل عنه في البحار ٤٩ : ٦٣ ، والحدائق ٢ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، والوسائل ١ : ٣٨٥

٤٠