مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

منهما ، ولا تلزم منه حرمتها حيث إنها عبادة ، لأنّ قراءة القرآن ليست من التوقيفيّات التي لم تتحمل الإباحة والكراهة ، كما مرّ.

وحاصله : أنّ عدم إبقاء الكراهة على المعنى المصطلح فيما يقول به إنّما هو إذا كانت ممّا ثبتت صحته المستلزمة للثواب والمطلوبيّة ، ولم يثبت ذلك فيما نحن فيه.

وتؤيّد المطلوب أيضا الرواية العامية عن علي عليه‌السلام : « لم يكن يحجب النّبيّ ـ أو قال يحجزه ـ عن قراءة القرآن شي‌ء سوى الجنابة » (١).

خلافا لجماعة ، فخصّوا الكراهة بالزائد على السبع ، إمّا مطلقا ، كالمعتبر والنافع والمنتهى والقواعد (٢) ، والكركي (٣) ، وغيرهم (٤) ، لمضمرة سماعة : عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال : « ما بينه وبين سبع آيات » (٥).

أو مع اشتدادها في الزائد على السبعين ، كما في الشرائع والكفاية (٦) واللوامع والمعتمد ، وغيرها ، لمضمرته الأخرى ، وفيها بدل سبع آيات : سبعين آية (٧).

دلّتا على جواز قراءة ما نقص عن السبع.

ولكونها عبادة لا يكون الجواز فيه إلاّ مع المطلوبية المنافية للكراهة. مع أنّ المستفاد من مفهوم الوصف عدم قراءة الجنب للزائد المحمول على الكراهة ، لضعف القول بالتحريم كما يأتي ، فلا يكون الناقص مكروها.

__________________

(١) سنن ابن ماجه ١ : ١٩٥ ـ ٥٩٤ ، وراجع مستدرك الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الجنابة ب ١٢.

(٢) المعتبر ١ : ١٩٠ ، المختصر النافع : ٩ ، المنتهى ١ : ٨٧ ، القواعد ١ : ١٣.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٢٦٩.

(٤) كالمهذب ١ : ٣٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٥٠ ، الاستبصار ١ : ١١٤ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢١٨ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٩.

(٦) الشرائع : ٢٧ ، الكفاية : ٣.

(٧) التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٥١ ، الاستبصار ١ : ١١٤ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢١٨ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ١٠.

٣٠١

ويضعّف : بمنع استلزام الجواز هنا للمطلوبية ، بل التساوي. ومنع كون مطلق قراءة القرآن عبادة ، وإنّما هو فيما سلّمنا الثواب عليه وهو في المقام ممنوع ، كما مرّ.

مع أنّه لو استلزمها ، لكانت الكراهة فيه أيضا بمعنى لا ينافيها قطعا.

وبعدم حجية مفهوم الوصف.

مع أنّ حملهما على شدة الكراهة ممكن ، كما ارتكبوه في خبر السبعين.

ولأخرى (١) ، فنفوها مطلقا ، كما في المدارك والبحار وعن جمل الشيخ (٢) ، للأصل ، وعموم قوله عزّ شأنه ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ ) (٣) والأخبار المصرّحة بأنه يقرأ القرآن ، أو ما شاء منه ، أو بنفي البأس عن قراءته ، كصحيحتي الفضيل (٤) والحلبي (٥) ، وموثّقة ابن بكير (٦) ، وغيرها.

والأول بما مرّ مندفع. والثاني به مخصوص ، مع أنّه لثبوت حرمة قراءة العزائم على الجنب يكون في الآية تقييد قطعا ، وهو كما يمكن أن يكون في المقروء بتقييده بغير العزائم يمكن أن يكون في القارئ بتخصيصه بالمتطهّر ، وحينئذ لا ينافي ما مرّ مطلقا ، وإذ لم يتعيّن أحد الاحتمالين يحصل فيه الإجمال المنافي للاستدلال.

ومنه يعلم أنه لا يمكن الحكم بكون الآية أعم من وجه ممّا مرّ.

__________________

(١) يعني : وخلافا لجماعة أخرى.

(٢) المدارك ١ : ٢٨٥ ، البحار ٧٨ : ٥٠ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦١.

(٣) المزمل : ٢٠.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٤٧ ، الاستبصار ١ : ١١٤ ـ ٣٨٠ ، الوسائل ٢ : ٢١٧ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٥.

(٥) التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٤٨ ، الاستبصار ١ : ١١٤ ـ ٣٨١ ، الوسائل ٢ : ٢١٧ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٥٠ الطهارة ب ٣٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ١١٤ ـ ٣٧٩ ، الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٢.

٣٠٢

والثالث غير مناف للكراهة ، إذ لا يثبت منه إلاّ الجواز المتحقّق معها أيضا.

ولثالثة (١) ، فحرّموها إمّا مطلقا ، كالديلمي في أحد قوليه (٢) ، لروايتي الخصال والخدري ، المتقدّمتين (٣). أو في الزائد على السبع ، كما عن القاضي (٤) ، وظاهر المقنعة والنهاية (٥) ، وبعض الأصحاب كما في المختلف (٦) ، ومحتمل التهذيبين (٧) ، للمضمرة الأولى ، وبها تخصّص الروايتان. أو على السبعين ، كما نقله في المنتهى عن بعض الأصحاب (٨) ، للمضمرة الثانية.

ويضعّف الأول : بقصور الروايتين عن إثبات حرمتها من حيث الدلالة ، لخلوّهما عن الدالّ عليها ، وعدم انتهاضهما له لو دلّتا ، لمعارضتهما مع الأخبار المجوّزة الراجحة عليهما بالأكثرية عددا ، والأصحيّة سندا ، والأوضحية دلالة ، وبالموافقة للمشهور ونقل الإجماع على الجواز ، كما عن الانتصار والخلاف والغنية وأحكام الراوندي والمعتبر (٩) ، ولعموم الكتاب ، والمخالفة للعامة (١٠). مع كون المرجع أصالة عدم الحرمة لو لا الترجيح.

والثانيان : بجميع ما مرّ ، مضافا إلى أنّ دلالتهما بمفهوم الوصف الذي ليس بحجة.

__________________

(١) يعني : وخلافا لجماعة ثالثة.

(٢) نقله عنه في الدروس ١ : ٩٦.

(٣) في ص ٣٠٠.

(٤) نقله عنه في الدروس ١ : ٩٦.

(٥) المقنعة : ٥٢ على ما في بعض نسخها ، النهاية : ٢٠.

(٦) المختلف : ٣٢.

(٧) التهذيب ١ : ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ١١٥.

(٨) المنتهى ١ : ٨٧.

(٩) الانتصار : ٣١ ، الخلاف ١ : ١٠١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، فقه القرآن ( أحكام الراوندي ) ١ : ٥٠ ، المعتبر ١ : ١٨٦.

(١٠) بداية المجتهد ١ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٧.

٣٠٣

وتوهّم أخصيتهما عن المجوّزات ـ لاختصاصهما بالسبع أو السبعين فتقدّمان عليها ـ فاسد جدا ، لاختصاصها بما عدا العزائم أيضا.

ثمَّ إنّه لا فرق في الكراهة بين القراءة من ظهر القلب أو من المصحف ، لإطلاق الأدلّة. كما لا فرق فيها في السبع أو السبعين ـ على القول بالاختصاص بهما ـ بين الآي الطويلة والقصيرة ، ولا بين السبع أو السبعين المجتمعة في القرآن أو المتفرقة.

نعم ، الظاهر المتبادر منها المتوالية والمتغايرة ، فبحكم الأصل لا كراهة في المتراخية والواحدة المتكررة.

ومنها : حمل المصحف ، لفتوى الجماعة ، كما في اللوامع. ويؤيّده بل يدلّ عليه أيضا نهي الجنب عن تعليقه في رواية إبراهيم بن عبد الحميد (١).

ومنها : تعليقه ، لما مرّ.

ومنها : مسّ ما عدا الكتابة في المصحف ، لروايتي المجمع :

إحداهما : « لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مس المصحف ».

والأخرى عن الباقر عليه‌السلام : في قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : « من الأحداث والجنابات » (٢).

ورواية ابن عبد الحميد : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا » (٣).

وشمولها للخط المحرّم مسّه بدلالة خارجية لا يضرّ في المطلوب ، بعد صدق مسّ المصحف عليه أيضا. وضعفها مانع عن إثبات التحريم بها في غير موضع الانجبار الذي هو مسّ الخط. مع أنّ الثانيتين غير دالّتين عليه ، كالآية وسائر ما بمضمونهما.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢٧ ـ ٣٤٤ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ـ ٣٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

(٢) مجمع البيان ٥ : ٢٢٦ ، الوسائل ١ : ٣٨٥ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٥.

(٣) المصدر المذكور في الرقم ١.

٣٠٤

ولو دلّ حديث على التحريم ، فتأويله أو طرحه متعيّن ، لمعارضته مع الرضوي المنجبر بالأصل والشهرة التي كادت أن تكون إجماعا : « لا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ، ومسّ الأوراق » (١).

فالقول به ـ كما عن السيد (٢) ـ ضعيف جدّا.

ومنها : النوم ، بالإجماع ، كما في المعتبر والمنتهى ، وعن الغنية وظاهر التذكرة (٣) ، فهو فيه الحجة ، مضافا إلى المعتبرة :

كصحيحة الحلبي : عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ قال : « يكره ذلك حتى يتوضّأ » (٤).

ومفهوم الرضوي : « ولا بأس أن تنام على جنابتك بعد أن تتوضّأ وضوء الصلاة » (٥).

والمروي في العلل : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلاّ على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد » (٦).

وصحيحة عبد الرحمن : عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال : « إنّ الله يتوفّى الأنفس عند منامها ، ولا يدري ما يطرقه من البليّة ، إذا فرغ فليغتسل » (٧).

وموثّقة سماعة : عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم ، قال : « إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل ، والغسل أفضل من ذلك ، فإن نام فلم يتوضّأ ولم يغتسل ، فليس عليه‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٦٤ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ١٩٠.

(٣) المعتبر ١ : ١٩١ ، المنتهى ١ : ٨٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٢٥.

(٤) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٧٩ ، الوسائل ٢ : ٢٢٧ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٢٩٨ أبواب الوضوء ب ١١ ح ١.

(٦) العلل : ٢٩٥ ، الوسائل ٢ : ٢٢٧ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٣٧٢ ـ ١١٣٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٨ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٤.

٣٠٥

شي‌ء » (١).

وجه دلالة الأخيرين : أنّ مقتضاهما استحباب الغسل للجنب قبل النوم ، فيكره ضدّه ، وهو : النوم ، بناء على ما أثبتناه (٢) من كون الأمر الاستحبابي نهيا تنزيهيا عن ضدّه الخاص.

وبالأخيرة وبصحيحة الأعرج : « ينام الرجل وهو جنب وتنام المرأة وهي جنب » (٣) يضعّف انتهاض ما كان ظاهره التحريم لإثباته ، مع أنّه للإجماع مخالف.

ثمَّ مقتضى الأولى مؤيّدا بالثانية ، كظاهر الأكثر ، بل عليه الإجماع في اللوامع : انتفاء الكراهة بالوضوء. وهو كذلك ، لذلك.

فإطلاق الكراهية ـ كما عن الاقتصاد (٤) ـ بعيد عن السداد. وكذلك ما قيل من تخفيفها به (٥) ، وحكي عن ظاهر النهاية والسرائر (٦) ، فإنّ مفهوم الغاية صريح في انتهاء الكراهة.

وليس مقتضى أحبّيّة الغسل من الوضوء ـ كما في الموثّقة ـ ولا مقتضى التعليل بما علّل في الصحيحة بقاءها إلى الاغتسال أصلا ، بل مقتضاهما استحباب الغسل ، وهو مسلّم.

وأضعف منهما : القول بالزوال بالمضمضة والاستنشاق ، لعدم دليل عليه.

ولا تزول الكراهة بإرادة العود إلى الجماع كما في البحار (٧) ، للأصل ، وعدم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٣ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ ـ ١١٢٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٨ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٦.

(٢) في « ه‍ » بيناه.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٩ ـ ١١٢٦ ، الوسائل ٢ : ٢٢٨ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٥.

(٤) الاقتصاد : ٢٤٤.

(٥) قاله في كشف اللثام ١ : ٨٢ ، والرياض ١ : ٣٣.

(٦) النهاية : ٢١ ، السرائر ١ : ١١٨.

(٧) البحار ٧٨ : ٥٦.

٣٠٦

دلالة مستنده ، وهي مرسلة الفقيه المذكورة بعد صحيحة الحلبي ، المتقدّمة : « أنا أنام على ذلك ، وذلك إني أريد أن أعود » (١).

لا لما قيل من أنّ المراد العود إلى الانتباه ، يعني : أنّي أعلم أن لا أموت (٢) ، لبعده غايته.

بل لأنه يمكن أن يكون المشار إليه في ذلك الوضوء ، والتعليل لترك الغسل.

وهل يقوم التيمّم مقام الوضوء عند عدم الماء في إزالة الكراهة؟ الظاهر العدم ، للأصل.

نعم ، مفاد ( المروي في العلل ) (٣) بدليته عنه عنده في الاستحباب. وهو كذلك ، بل هو مقتضى عموم بدليته. ويتخيّر حينئذ في نية البدلية عن أحد الطهورين ، ولعلّ عن الغسل أفضل.

ومنها : الخضاب ، وهو ما يتلوّن به اللحية والأطراف من حناء وغيره ، كما قيل (٤) ، والأولى بحكم التبادر : ونحوه (٥).

وكراهته هي الأظهر الأشهر بل من غير خلاف ظهر ، ونسبته إلى الصدوق في الفقيه غير جيّد ، لنفيه البأس عنه (٦) ، وهو لا ينافي الكراهة على الأصح ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٧) ، فهو حجّة المسألة ، مضافا إلى المستفيضة :

كرواية ابن جذاعة : « لا تختضب الحائض ولا الجنب ، ولا تجنب وعليها‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨٠ ، الوسائل ٢ : ٢٢٧ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٢.

(٢) قال به في الحدائق ٣ : ١٤١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : الموثقة ، وهو سهو كما يظهر بالمراجعة.

(٤) قاله في الرياض ١ : ٣٣.

(٥) أي تبديل غيره بنحوه ( منه رحمه‌الله ).

(٦) الفقيه ١ : ٤٨.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

٣٠٧

خضاب ، ولا يجنب هو وعليه خضاب ، ولا يختضب وهو جنب » (١).

ورواية ابن يونس : عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب؟ فكتب عليه‌السلام : « لا أحبّ له » (٢).

وروايتي مسمع (٣) وأبي سعيد (٤) والمروي في مكارم الأخلاق : « يكره أن يختضب الرجل وهو جنب » وقال : « من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء ، فإنّ الشيطان يحضرهما عند ذلك » (٥).

ولا يحرم إجماعا محقّقا ومنقولا ، للأصل ، وخلوّ ما مرّ جميعا من الدالّ عليه ، مضافا إلى المستفيضة المجوّزة له ، كحسنة الحلبي (٦) وروايات السكوني (٧) وأبي جميلة (٨) وعلي (٩) وموثّقة سماعة (١٠) مع إشعار رواية ابن يونس ، والعلّة المذكورة في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٢ ـ ٥٢١ ، الاستبصار ١ : ١١٦ ـ ٣٨٨ ، الوسائل ٢ : ٢٢٢ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٨١ ـ ٥١٩ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٢٢ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ١ : ١٨١ ـ ٥١٨ ، الاستبصار ١ : ١١٦ ـ ٣٨٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٢ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٨١ ـ ٥١٧ ، الاستبصار ١ : ١١٦ ـ ٣٨٦ ، الوسائل ٢ : ٢٢١ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٤.

(٥) مكارم الأخلاق ١ : ١٩١ ـ ٥٦٥ ، ٥٦٦ ، وليس فيه قوله : فان الشيطان .. ، نعم هو وارد في ذيل حديث آخر فانظر المكارم والوسائل ٢ : ٢٢٣ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ١٠.

(٦) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٣ ح ١١ ، الوسائل ٢ : ٢٢٣ ، أبواب الجنابة ب ٢٣ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٣ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ١٣٠ ـ ٣٥٧ ، الاستبصار ١ : ١١٦ ـ ٣٩١ ، الوسائل ٢ : ٢٢١ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٣.

(٨) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٣ ح ٩ ، الوسائل ٢ : ٢٢١ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ١.

(٩) التهذيب ١ : ١٨٣ ـ ٥٢٥ ، الاستبصار ١ : ١١٦ ـ ٣٩٠ ، الوسائل ٢ : ٢٢٢ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٧.

(١٠) التهذيب ١ : ١٨٢ ـ ٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ١١٦ ـ ٣٨٩ وفيه : عن علي ، الوسائل ٢ : ٢٢٢ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٦.

٣٠٨

رواية المكارم.

ومنها : الأدهان ، لصحيحة حريز : الجنب يدهن ثمَّ يغتسل؟ قال : « لا » (١).

ومنها : الجماع إذا كانت الجنابة من الاحتلام ، للمروي في مجالس الصدوق والخصال : « وكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل وخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلاّ نفسه » (٢).

وأما المباحة (٣) : فما عدا ما ذكر ، للأصل السالم عن المعارض.

البحث الثالث : في غايات غسل الجنابة.

أي ما يغسل له ، وهو بين ما يجب الغسل له وما يستحب.

أما الأول : فيجب للصلاة الواجبة بأنواعها شرعا وشرطا ، بالضرورة ، والكتاب ، والسنّة المتواترة التي منها ما دلّ على إعادة الصلاة بترك غسل الجنابة أو بعضها.

ففي رواية الحلبي : فيمن أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج الشهر : « عليه أن يقضي الصلاة والصيام » (٣).

وفي رواية الصيقل : فيمن تيمّم وقام يصلي ، فمرّ به نهر وقد صلّى ركعة : « فليغتسل وليستقبل الصلاة » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٣ ح ٦ ، التهذيب ١ : ١٢٩ ـ ٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٢ : ٢٢٠ أبواب الجنابة ب ٢١ ح ١.

(٢) مجالس الصدوق : ٢٤٨ ، الخصال : ٥٢٠.

(٣) يعني الأمور المباحة للجنب ، فهي معطوفة على قوله : أمّا المكروهة في ص ٢٩٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٣١١ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ٢ : ٢٥٧ أبواب الجنابة ب ٣٩ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٦ ـ ١٢٧٧ ، الاستبصار ١ : ١٦٨ ـ ٥٨١ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٣٨٣ أبواب التيمم ب ٢١ ح ٦.

٣٠٩

وفي رواية زرارة : فيمن ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة حتى دخل في الصلاة : « إن رآه وبه بلّة مسح عليه وأعاد الصلاة » (١) إلى غير ذلك.

والحق بها أجزاؤها المنسية والمرغمتان (٢) وسجود التلاوة. وعدم وجوبه لصلاة الميت ، للمعارض ، أو انتفاء الحقيقة.

ولواجب الطواف بالإجماع والمستفيضة دون مندوبه وإن وجب للازمه (٣).

ولصوم رمضان على المشهور. ويأتي الكلّ في محلّه.

وللواجب من مسّ المصحف ، وقراءة العزائم ، ودخول المسجدين على القول بحرمته على الجنب ، واللبث في كلّ مسجد ، ووضع شي‌ء فيه ، لتحريمها على الجنب كما مرّ.

وللنذر وشبهه.

وقيل : للتحمّل عن الغير (٤). وعرفت ما فيه في بحث الوضوء (٥).

والحقّ : انحصار وجوبه بالغير ، فلا يجب لنفسه ، وفاقا للحلّي (٦) ، والمحقّق (٧) ، والكركي (٨) ، والشهيدين (٩) ، بل أكثر المتأخّرين كما في اللوامع ، بل هو المشهور مطلقا كما في الحدائق (١٠) والمعتمد ، للأصل ، حيث إنّ الكلّ قائلون‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ٢ : ٢٦٠ أبواب الجنابة ب ٤١ ح ٢.

(٢) وهما سجدتا السهو.

(٣) وهو دخول المسجد الحرام.

(٤) الشهيد في الألفية : ٢٦.

(٥) راجع ص ٢٥.

(٦) السرائر ١ : ٥٨ ، ١٢٩.

(٧) الشرائع ١ : ١١.

(٨) جامع المقاصد ١ : ٢٦٤.

(٩) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٨٦ ، والشهيد الثاني في الروض : ٥١.

(١٠) الحدائق ٣ : ٦١.

٣١٠

بالغيري ، وتؤيّده : صحيحة زرارة ، المتقدّمة في مسألة وجوب الوضوء (١).

والاستدلال بالآية (٢) ، وبأخبار الجنب إذا فجأها الحيض قبل الغسل ـ كحسنة الكاهلي : في المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل ، قال : « قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل » (٣) وبمضمونها موثّقات حجّاج (٤) وزرارة (٥) وأبي بصير (٦) وابن سنان (٧) ، حيث إنّها ظاهرة في أنّ نفي الغسل بمجي‌ء ما يفسد الصلاة لأجل أنها الغرض منه ـ ضعيف.

أما الأولى : فلتوقّف الاستدلال على عطف قوله ( إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) على ( فَاغْسِلُوا ) وهو غير معلوم ، لجواز العطف على ( إِذا قُمْتُمْ ) وما ذكروا في إثبات الأول غير صالح للتعيين.

وأمّا الثانية : فلأنّ النهي عن الاغتسال فيها إمّا للجواز ، لوروده بعد الأمر ، كما قيل ، أو للمرجوحية من الحرمة أو الكراهة ، كما هو الظاهر منهم ومقتضى النهي.

فعلى الأول كما يمكن أن يكون تجويز التأخير لانحصار وجوبه في الغيري وعدم وجوب الغير حينئذ ، يمكن أن يكون لأجل اشتراط تضيق وجوبه المانع عن‌

__________________

(١) راجع ص ٢٧‌

(٢) المائدة : ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ ـ ١١٢٨ ، الوسائل ٢ : ٣١٤ أبواب الحيض ب ٢٢ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٩٥ ـ ١٢٢٧ ، الاستبصار ١ : ١٤٧ ـ ٥٠٤ ، الوسائل ٢ : ٢٦٤ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٣٩٥ ـ ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٤٦ ـ ٥٠٢ ، الوسائل ٢ : ٢٦٣ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٤.

(٦) التهذيب ١ : ٣٩٥ ـ ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٤٧ ـ ٥٠٣ ، الوسائل ٢ : ٢٦٣ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٥.

(٧) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩٥ ـ ١٢٢٣ ، الوسائل ٢ : ٢٦٥ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٩.

٣١١

جواز تأخيره ، بتضيق وقت ذلك الغير ، كما هو المتّفق عليه بين أرباب القولين ، فإذا لم يجب ذلك الغير لا يكون مضيّقا. وعدّه بعيدا ـ كما في اللوامع ـ لا وجه له.

وعلى الثاني لا يمكن أن يكون النهي لوجوبه الغيري ولأنّ الغير هو الغرض منه ، لأنّه غير صالح للنهي ، ولذا أفتى القائلون بالغيري بجوازه قبل وجوب الغير بل باستحبابه. وكون مشروعيته له لا يستلزم كونه في وقته. فلا محالة يكون النهي لأمر آخر ( يسببه ) (١) مجي‌ء مفسد الصلاة ، فيمكن أن يكون المراد أنّ سبب مشروعية الغسل رفع الحدث به وحدوث الحالة المبيحة ، فإذا جاء مفسد الصلاة لا يحصلان ، فلا يشرع الغسل. يعبّر عن الحدث ومانع الاستباحة بمفسد الصلاة ، لأنّ العامة لا يفهمون منهما غالبا إلاّ ذلك ، بل في رواية سعيد بن يسار : في المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة أم غسل للجنابة والحيض؟ فقال : « قد أتاها ما هو أعم من ذلك » (٢) إشعار به.

وخلافا للمحكي عن ابن شهرآشوب (٣) وابن حمزة (٤) ، والمنتهى والتحرير ، والمختلف (٥) ، والمدنيات للفاضل ، ووالده (٦) ، والراوندي (٧) ، وجماعة من المتأخّرين كالأردبيلي (٨) ، والمدارك (٩) ، والذخيرة ، والكفاية (١٠) ، وعزاه الأول (١١) إلى السيد (١٠) ،

__________________

(١) في « ح » و « ه‍ » : بنسبة ، وفي « ق » : بنيّة ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٣١٤ أبواب الحيض ب ٢٢ ح ٢ بتفاوت.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٨٠.

(٤) الوسيلة : ٥٤.

(٥) المنتهى ١ : ٩٣ ، التحرير ١ : ١٢ ، المختلف : ٢٩.

(٦) نسبه إليه في المختلف : ٢٩.

(٧) فقه القرآن ١ : ٣١.

(٨) مجمع الفائدة ١ : ١٣٦.

(٩) الذخيرة : ٥٥ ، الكفاية : ٣.

(١٠) يعني ابن شهرآشوب كما في كشف اللثام ١ : ٨٠.

(١١) الذريعة للمرتضى ١ : ١١٢.

٣١٢

وأنكره الحلّي (١).

لمعلّقات وجوب الغسل على الجنابة أو الدخول أو الإنزال أو التقاء الختانين من دون اشتراط شي‌ء آخر ، من الآية والروايات ، فيكون واجبا لنفسه.

وموجبات تغسيل من مات جنبا غسل الجنابة (٢) ، من غير تقييدها بوجوب غايته عليه.

وصحيحة عبد الرحمن ، المتقدّمة في نوم الجنب (٣) ، أمر فيها بالغسل خوفا من الموت في المنام قبله ، ولو لا وجوبه بنفسه ، لم يأمر به ولم يتصوّر خوف منه.

ويجاب عن الأول : بما مرّ في الوضوء (٤). مع أنّه قد عرفت كون الآية محتملة لوجهين.

وعن الثاني : بمنع وجوب التغسيل وإنّما هو مندوب.

ولو سلّم ، فلا يثبت وجوب الغسل حال الحياة نفسيا ، لجواز أن يكون لوجوب التغسيل علّة أخرى غير استدراك الواجب الفائت ، بل هو الظاهر.

وعن الثالث : بأنّ الأمر فيه ليس للوجوب ، باعتراف المستدلّ أيضا ، فإنّه لا يقول بالتضييق بإرادة النوم ، والندب ملتزم عند القائل بالغيري ، والخوف إنّما هو من ملاقاة الله سبحانه جنبا ، ولا شك أنّه مما يكره.

وأمّا الثاني : فيستحب للمندوب من الصلاة والطواف والمس ولبث المساجد ودخول المسجدين وقراءة العزائم ، ووجهه ظاهر.

وللنوم ، لصحيحة عبد الرحمن وموثّقة سماعة ، المتقدّمتين (٥).

ولتلاوة القرآن ودخول المساجد والكون على الطهارة والتأهّب للفريضة.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٣٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٤٠ ، ٥٤١ أبواب غسل الميت ب ٣١ ح ٥ إلى ٨.

(٣) ص ٣٠٥.

(٤) راجع ص ٢٨.

(٥) في ص ٣٠٥.

٣١٣

ويظهر وجه الجميع ممّا ذكر في استحباب الوضوء لها.

البحث الرابع : في واجباته‌ وهي أمور :

الأوّل : النية‌ مقارنة لأول أفعاله الواجبة ، أو المستحبة ، أو مقدماته ، مستدامة حكما إلى الفراغ ، على ما تقدّم تحقيقها ، وما يتعلّق بها في الوضوء.

وهل يجب في غسل الجنابة قصد كونه للجنابة ، أم يكفي قصد الغسل وإن لم يلتفت إلى أنه غسل جنابة؟

الأظهر : الثاني ، للأصل ، وعدم دليل على وجوب ذلك القصد.

وتعدّد الأغسال المستقرة في الذمة وجوبا أو استحبابا وعدم التميّز إلاّ بالقصد لا يفيد ، لما مرّ في بحث الوضوء من عدم وجوب قصد المميّز إلاّ مع اشتمال المأمور به على جزء لا يتحقّق إلاّ بالقصد ، فيجب قصده حينئذ.

فإن قلت : قد صرّحت الأخبار بأنّ غسل الجنابة واجب ، ووردت الأوامر المتعدّدة بغسل الجنابة ، فيكون المأمور به هو الإتيان بغسل الجنابة لا مطلق الغسل ، فتكون الجنابة قيدا للمأمور به ، وتحقّق الغسل المقيّد بهذا القيد إنّما هو بالقصد ، فيجب قصده.

قلنا : يمكن أن يكون المعنى أنّ الغسل للجنابة واجب ، بأن يكون القيد بيانا للسبب لا جزءا للمأمور به ، مع أنّه إنّما يفيد للقصد على القول بعدم ثبوت التداخل قهرا.

ومنه يظهر عدم وجوب قصد المميّز في شي‌ء من الأغسال الواجبة والمستحبة أيضا ، لجريان الكلام فيها بعينه.

فلو كان على أحد عشرة أغسال ، وأراد عدم التداخل ، فغسل عشر مرات ، يصحّ ويبرأ عن الجميع وإن لم يعيّن في كلّ واحد أنه أيّ غسل. ولو غسل خمسا برئ من خمس. وعدم تعيّنه غير ضائر ، كما مرّ في الوضوء.

٣١٤

وفرّق في المعتبر بين الأغسال المندوبة والواجبة (١) ، فقال باشتراط نية السبب في الأولى دون الثانية. ولا وجه له.

والثاني : غسل البشرة‌ بما يسمّى غسلا ولو كان كالدهن ، كما مرّ في الوضوء.

والثالث : استيعاب جميع البشرة بالغسل‌ ، فلو أهمل جزءا منها لم يجزئ إجماعا ، وهو الحجة فيه. مضافا إلى الأصل ، والاستصحاب ، والمستفيضة من الأخبار الآمرة بغسل الجسد كلّه.

كصحيحة زرارة ، وفيها : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ، ليس بعده ولا قبله وضوء ، وكلّ شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته » (٢).

وموثّقة سماعة ، وفيها : « ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه » (٣).

ومرسلة الفقيه ، وفيها : « لأنّ الجنابة خارجة من كلّ جسده ، فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه » (٤).

والدالّة على وجوب غسل كلّ جزء الشامل بإطلاقه أو عمومه لليسير والكثير ، كمفهوم صحيحة محمّد : عن الجنب به الجرح فيتخوّف الماء إن أصابه ، قال : « فلا يغسله إن خشي على نفسه » (٥).

والاختصاص بموضع الجرح غير ضائر ، لعدم الفاصل.

وصحيحة زرارة وفيها : قلت له : رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة ، فقال : « إذا شك ثمَّ كانت به بلّة وهو في صلاته مسح بها عليه ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٦١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٠ ـ ١١٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ ، أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ٢ : ٢٣١ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٨.

(٤) الفقيه ١ : ٤٤ ـ ١٧١ ، الوسائل ٢ : ١٧٨ أبواب الجنابة ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٢ ح ١.

٣١٥

وان كان استيقن رجع وأعاد عليه الماء ما لم يصب بلة » (١).

أو على عدم طهارة ما لم يصبه الماء وعدم إجزائه ، كمفهوم صحيحة محمّد وحسنة زرارة.

ففي الأولى : « فما جرى عليه الماء فقد طهر » (٢).

وفي الثانية : « فما جرى عليه الماء فقد أجزأه » (٣).

وبالقسمين الأخيرين يظهر ضعف قول من احتمل عدم البطلان بخروج الجزء اليسير ، تمسّكا بصدق غسل تمام الجسد معه (٤). مع أنّه ممنوع جدّا.

ثمَّ إنّه يتفرّع على ما ذكر : وجوب إيصال الماء إلى تحت الشعر بتخليله مطلقا ، كثيفا كان أو خفيفا ، وإلى تحت كلّ مانع يرفعه.

ويدلّ على الأول أيضا بخصوصه ـ بعد الإجماع المحقّق ، المصرّح به في كلام جماعة ، منهم : المدارك واللوامع والمعتمد ، وعن الفاضل (٥) وأمالي الصدوق (٦) ـ النبوي المقبول : « تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر وانقوا البشرة » (٧).

والرضوي المنجبر : « وميّز الشعر بأناملك عند غسل الجنابة ، فإنّه يروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّغ الماء تحته في أصول الشعر كلّها ، وخلّل أذنيك بإصبعيك ، وانظر أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢٢ ح ٢ باختلاف يسير ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ٢ : ٢٦٠ أبواب الجنابة ب ٤١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣ الطهارة ب ٢٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤٢٠ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣ الطهارة ب ٢٩ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٢.

(٤) مشارق الشموس للمحقق الخوانساري : ١٧٠.

(٥) المدارك ١ : ٢٩٢ ، ولم نعثر على دعوى الإجماع في كتب الفاضل.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٦.

(٧) سنن ابن ماجه ١ : ١٩٦ ـ ٥٩٧.

٣١٦

إلاّ ويدخل تحتها الماء » (١).

وبهذه الأدلّة تخصّص بالوضوء صحيحة زرارة : أرأيت ما كان تحت الشعر؟ قال : « كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » (٢).

ويخصّص بغير ذلك ما نفى غسل البواطن.

ولا منافاة في كفاية ثلاث غرفات للرأس ، ولا في صحيحة محمّد : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها » (٣) لما ذكر.

أما الأول : فلوصول الثلاث إلى البشرة لو كشف شعر الرأس واللحية.

وأما الثاني : فلإمكان أن يكون المراد بالموصول البشرة ، يعني : البشرة التي بلغ عليها بلل الماء من الشعر أجزأها ، ولا يحتاج إلى إجراء الماء عليها معها ، ولا إلى التخليل ، بل لا يحصل له معنى تام غير ذلك ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فاحتمال عفو ما تحت الشعور الكثيفة والاكتفاء بالظاهر ـ كما عن المحقّق الأردبيلي (٤) ـ غير جيّد.

وعلى الثاني (٥) بخصوصه : ما تقدم في بحث الوضوء ، من صحيحة علي ، وحسنة ابن أبي العلاء (٦) ، مضافا إلى الرضوي : « وإن كان عليك خاتم فحوّله عند الغسل ، وإن كان عليك دملج وعلمت أنّ الماء لا يدخل تحته فانزعه » (٧).

وتوهّم مخالفة ذيل حسنة ابن أبي العلاء ، فاسد ، لاختصاصها بالوضوء ،

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٣ ، المستدرك ١ : ٤٧٩ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٦ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٨٢ الحيض ب ٧ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ ـ ١٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٨ ـ ٥٠٨ ، الوسائل ١ : ٣١١ أبواب الحيض ب ٢٠ ح ٢.

(٤) مجمع الفائدة ١ : ١٣٧.

(٥) هذا عطف على قوله : ويدل على الأول ، المتقدم في ص ٣١٦.

(٦) المتقدمتين في ص ١٠٦.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٤٨٢ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ١.

٣١٧

وقد مرّ دفعها فيه أيضا.

نعم ، ربما تشعر بالمخالفة موثّقة عمار : في الحائض تغتسل وعلى جسدها الزعفران لم يذهب به الماء ، قال : « لا بأس به » (١).

وخبر السكوني : « كنّ نساء النبي إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن ، وذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن » (٢).

وصحيحة الخراساني : الرجل يجنب فيصيب جسده ورأسه الخلوق ، والطيب ، والشي‌ء اللكد مثل علك الروم والطراز وما أشبهه ، فيغتسل ، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره ، قال : « لا بأس » (٣).

ولكنها غير ناهضة للمعارضة ، لشذوذها ، ومخالفتها لعمل الأصحاب ، المخرجة إيّاها عن الحجية.

مع أنّ عدم إذهاب الماء بالزعفران ـ كما في الأول ـ لا يستلزم عدم وصول الماء تحته ، وبقاء الصفرة والأثر ـ كما في الأخيرين ـ لا يستلزم بقاء العين المانعة من وصول الماء ، ولذا لا تجب إزالتهما في التطهير من النجاسات ، فهنا أولى.

فروع :

أ : ظاهر الأصحاب على ما صرّح به جماعة : عدم وجوب غسل الشعر ، بل في المعتبر (٤) ، وشرح القواعد للكركي (٥) ، واللوامع ، والمعتمد ، وعن الذكرى (٦) :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٢ ، الحيض ب ٧ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٥٥ ـ ٢٠٨ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ ـ ١٢٤٨ ، الوسائل ٢ : ٢٤٠ أبواب الجنابة ب ٣٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٩ ـ ١١٢٣ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢ : ٢٣٩ أبواب الجنابة ب ٣٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٤ ح ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٠ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ٢ : ٢٣٩ أبواب الجنابة ب ٣٠ ح ١.

(٤) المعتبر ١ : ١٩٤.

(٥) جامع المقاصد ١ : ٢٧٨ ولكن لم ينقل الإجماع.

(٦) الذكرى : ١٠٠.

٣١٨

الإجماع عليه ، وهو الحجة فيه ، مضافا إلى الأصل المؤيّد بخلوّ الأخبار البيانية عنه ، مع خروجه عن مسمّى الجسد قطعا ، وبالصحيح : « لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة » (١) الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.

وربما نسب إلى المقنعة (٢) الخلاف في ذلك وإيجاب غسل الشعر. وفيه تأمّل.

ويظهر الميل إليه عن جماعة من متأخّري المتأخّرين (٣) ، للنبوي المتقدّم. وصحيحة محمّد ، المتقدّمة (٤).

وصحيحة حجر : « من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار » (٥).

وموثّقة الساباطي : عن المرأة تغتسل وقد ( امتشطت ) بقرامل ولم تنقض شعرها ، كم يجزيها من الماء؟ قال : « مثل الذي يشرب شعرها » (٦) الحديث.

ولدخوله في مصداق الرأس والجانب الأيمن والأيسر الواردة في الأخبار.

ويضعّف الأول : بالضعف الخالي عن الانجبار. والبواقي : بعدم الدلالة :

أمّا الثاني : فلما مرّ. مع أنّه لو أفاد ذلك ، لدلّ على عدم لزوم بلوغ الماء جسدها ، وكفاية بلوغه الشعر ، وهم لا يقولون به.

وأمّا الثالث : فلإجمال ما يترك في الشعر ، فكما يمكن أن يكون المعنى : من ترك شعرة ولم يغسلها ، يمكن أن يكون : من ترك شعرة ولم يخللها ولم يغسل ما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ الطهارة ب ٢٩ ح ١٦ ، التهذيب ١ : ١٦٢ ـ ٤٦٦ ، الوسائل ٢ : ٢٥٥ أبواب الجنابة ب ٣٨ ح ٣.

(٢) المقنعة : ٥٢.

(٣) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٥٦.

(٤) راجع ص ٣١٦.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٥ ـ ٣٧٣ ، أمالي الصدوق : ٣٩١ ـ ١١ ، الوسائل ٢ : ١٧٥ أبواب الجنابة ب ١ ح ٥.

(٦) الفقيه ١ : ٥٥ ـ ٢٠٨ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢ : ٢٥٧ أبواب الجنابة ب ٣٨ ح ٦ وفي النسخ : « انبسطت » بدل « امتشطت ».

٣١٩

تحتها.

مع أنه يمكن أن تكون لفظة « من » بيانية ، فيكون المراد مقدار شعرة ، بل لا يبعد دعوى ظهور هذا المعنى من ذلك التركيب.

وأمّا الرابع : فلأنّ مثل القدر المذكور فيه حين عدم نقض الشعر ممّا لا بدّ منه في تروية الرأس.

وأمّا [ دخوله ] (١) في الرأس والجانبين ، فلو سلّم إنّما يفيد مع عموم فيها ، وليس كذلك.

ثمَّ ما ذكر من عدم وجوب غسل الشعر ، إنّما هو إذا لم يتوقّف غسل البشرة عليه ، وإلاّ فيجب لوجوب ما لا يتم الواجب إلاّ به ، فيجب غسل الحاجبين والأهداب لذلك ، بل الاحتياط أن يغسل جميع الشعور.

ب : يجب غسل الظفر بالإجماع. وحكم المتجاوز منه عن حدّ الإصبع وما تحته من الجلدة ما مرّ في بحث الوضوء ، إلاّ أنّه لمّا انحصر الدليل فيه في المورد بالإجماع الغير المعلوم تأتّيه إلى المتجاوز أيضا يتأتّى الإشكال فيه. وكونه من الجسد محلّ المنع.

ج : يجب غسل العضو الزائد والسلعة وأمثالها ، لصدق الجسد على الأوّل بل الثاني ، مع تضمّن الثاني بعض الجسد الغير المتيقّن غسله إلاّ بغسل الجميع.

د : الواجب غسل الظواهر دون البواطن بالإجماع والمستفيضة :

كخبر زرارة : « إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » (٢).

ومرسلة الواسطي : الجنب يتمضمض؟ قال : « لا ، إنّما يجنب الظاهر » (٣).

__________________

(١) في جميع النسخ : وجوبه ، وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١ : ٤٣١ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٣١ ـ ٣٦٠ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٢ : ٢٢٦ أبواب الجنابة ب ٢٤ ح ٦.

٣٢٠