مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

لكلّ من أدخل ، وليس ، بل إنّما يدلّ على اشتراطها به للجنب أو المحدث المتوقّف صدقهما على تعلّق الحكم الشرعي الموقوف على التكليف. وأمّا الإجماع على السببية والشرطية فانتفاؤه في محل النزاع ظاهر.

فالصواب الاستدلال على وجوب الغسل عليه بعد البلوغ بتلك العمومات.

لا لأجل أنّها تدلّ على سببية الإدخال لوجوب الغسل ، ولتوقّف تأثير السبب على انتفاء المانع تدلّ على سببيته له حين رفع المانع الذي هو عدم البلوغ ، فيصير المعنى : إذا التقى الختانان وجب الغسل حين يمكن الوجوب وهو بعد البلوغ.

لأنّ (١) الظاهر ومقتضى الحقيقة من العمومات : السببية التامة التي تتضمّن رفع المانع ، أي ترتّب الوجوب على مجرّد الالتقاء. وتقييد المسبّب الذي هو الوجوب بحال ارتفاع المانع ليس بأولى من تقييد السبب الذي هو الالتقاء ، فليس الحمل على أنه إذا التقى الختانان وجب الغسل حين ارتفاع المانع أولى بالحمل على أنه إذا التقى الختانان حين عدم المانع وجب الغسل مطلقا.

بل (٢) لأجل أنّه لمّا كان الغسل واجبا لغيره خاصة ـ كما يأتي ـ فيكون الوجوب مقيّدا بحال وجوب الغير لا محالة ، ويكون المعنى : إذا التقى الختانان وجب الغسل بعد تعلّق وجوب الصلاة وإن لم يدخل بعد وقتها ، على ما عرفت في بحث الوضوء ، وتعلّق مثل ذلك الخطاب بغير المكلّف جائز قطعا ، لعدم استلزامه تعلّق حكم شرعي حال عدم البلوغ ، فبعد إطلاقه يجب الحكم بالدخول فيه ، فيجب الغسل عليه بعد البلوغ بمقتضاه.

نعم ، يتمشّى ذلك الاستدلال على القول بانتفاء الوجوب النفسي ، وأمّا‌

__________________

(١) هذه علّة للنفي في قوله : لا لأجل.

(٢) عطف على قوله : لا لأجل ..

٢٨١

على القول به فلا ، كما لا يخفى.

ولو غسل غير البالغ حين عدم البلوغ ، فهل يجزي عن غسله أم لا؟ الظاهر الثاني ، لأنّ صحته فرع تعلّق الأمر به ولا أمر قبله ، لاختصاص أوامره بموجباته المختصة بما بعد البلوغ.

ثمَّ إنه لا شك في عدم حرمة دخول المساجد وقراءة العزائم ونحوها على غير البالغ. فهل يحرم على الولي تمكينه منه ويجب على الغير منعه؟ الحقّ : لا ، للأصل ، فإنّ الثابت سببية الإدخال لحرمة هذه الأمور على المكلّف نفسه ، وأمّا غير ذلك فلا دليل عليه أصلا.

ز : لو وطئ الكافر حال كفره أو أمنى ، يجب عليه الغسل بعد إسلامه ، بالإجماع المحقّق والمحكي في كلام غير واحد (١).

أما على القول بكونه مكلّفا بالفروع ـ كما هو المشهور بل عليه اتّفاق فحول أصحابنا وعمدتهم ـ فظاهر.

وأمّا على القول بعدمه ـ كما ذهب إليه شرذمة من متأخّري الأخباريين (٢) ـ فللعمومات المتقدّمة بالتقريب المذكور في غير البالغ.

ومنه يظهر أنّ بناء وجوبه عليه على القول بكونه مكلّفا بالفروع ـ كما هو الظاهر من الأكثر ـ غير صحيح.

خلافا لبعض الأخباريين ، فلم يوجب عليه الغسل ، لقوله عليه‌السلام : « الإسلام يجبّ ما قبله » (٣).

ولعدم نقل أمرهم عليهم‌السلام ، أحدا ممّن أسلم ـ ولا يسلم عن حدث الجنابة غالبا ـ بالغسل ، مع كثرتهم وتوفّر الدواعي على نقله.

__________________

(١) منهم صاحب المدارك ١ : ٢٧٦.

(٢) منهم المحدّث الكاشاني في الوافي ٢ : ٨٢ والمحدث البحراني في الحدائق ٣ : ٣٩.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ١٩٩.

٢٨٢

والأوّل مردود : بالضعف وعدم الجابر ، مع أنه لا عموم فيه.

والثاني : بكفاية عمومات الغسل للأمر بغسلهم كسائر التكاليف ، على أنه نقل أمر قيس بالغسل حين أسلم (١).

وقال أسيد وسعد لمصعب وأسعد : كيف تصنعون إذا دخلتم هذا الأمر؟ قالا : نغتسل ونشهد شهادة الحق (٢).

ولا يجزي غسله حال كفره وإن كان واجبا في مذهبه وموافقا في الكيفية له في شرعنا ، لا لعدم صحته ، لعدم تأتّي نية القربة منه ، لمنعه. بل لأنّ الصحة عبارة عن موافقة الأمر ، وهي موقوفة على قصده امتثاله ، وهو في حقّه غير متحقّق ، وإن قصد امتثال أمر آخر ورد في مذهبه.

البحث الثاني : في أحكام الجنب.

وهي كثيرة ، فإنّ من الأمور ما يجب عليه ، وما يستحب ، وما يحرم ، وما يكره ، وما يباح.

فالأوّلان : الغسل عند وجوب غاياته الآتية أو استحبابها.

وأمّا المحرمة :

فمنها : الصلاة مطلقا واجبة كانت أو مندوبة ، بالإجماع والمستفيضة (٣). وصلاة الميت ليست صلاة ، ولو كانت فهي مستثناة بالأدلّة.

ومنها : الطواف ، كما يأتي في محله.

ومنها : قراءة إحدى العزائم الأربع بالإجماع المحقّق والمنقول في أحكام الراوندي والمعتبر والمنتهى والتذكرة (٤) واللوامع وغيرها (٥) ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٩٨ ـ ٣٥٥.

(٢) المغني لابن قدامة ١ : ٢٤٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٤.

(٤) فقه القرآن ( أحكام الراوندي ) ١ : ٥٠ ، المعتبر ١ : ١٨٦ ، المنتهى ١ : ٨٦ ، التذكرة ١ : ٢٤.

(٥) السرائر ١ : ١١٧.

٢٨٣

المعتبرة.

منها : حسنة محمّد : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلاّ السجدة » (١).

وموثّقة زرارة ومحمّد ، المروية في العلل بطريق صحيح : الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال : « نعم ، ما شاءا إلاّ السجدة ويذكران الله على كلّ حال » (٢).

والرضوي : « ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلاّ العزائم التي يسجد فيها ، وهي ألم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة اقرأ ، ولا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ومسّ الأوراق » (٣).

والمروي في المعتبر عن جامع البزنطي ، حيث قال بعد حكمه بجواز قراءة الجنب والحائض ما شاءا : إلاّ سور العزائم الأربع روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنّى ، عن الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

والأوّلان وإن لم يكونا صريحين ، لجواز كون الاستثناء من مجرد الاستحباب ، فلا ينافي الجواز.

والقول باستلزامه للاستحباب هنا ـ لكونه من العبادات فلا معنى للاستثناء ـ باطل ، لجواز أن يعني به ما عنوا في الزائد عن سبع آيات.

مع أنّ قراءة القرآن ليست كسائر العبادات التي يتوقّف جوازها على التوقيف ، وإنّما المتوقّف عليه استحبابها ، فيكون بدونه كقراءة الخطب ونحوها.

والحاصل : أنّ ما يحكم فيه بالاستحباب بعد ثبوت الجواز ما ثبت صحته المستلزمة لموافقته للمأمور به ، المستلزمة للثواب عليه كالصلاة في الحمام ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلا.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧١ ـ ١١٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢١٧ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٧.

(٢) العلل : ٢٨٨ ، الوسائل ٢ : ٢١٦ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٤.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٤٦٤ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١.

(٤) المعتبر ١ : ١٨٧ ، الوسائل ٢ : ٢١٨ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ١١.

٢٨٤

ولا صريحين في حرمة قراءة السورة ، لجواز إرادة الآية من السجدة ، فإنّها كالسورة من مجازاتها ، ولا مرجّح.

وشيوع التعبير عن السّور بأشهر ألفاظها وأكثريته غير مفيد في الترجيح ، وإنّما المفيد شيوع أشهر الألفاظ في كونه معبرا به عن السور وأكثريته ، وهو ممنوع ، وبينهما بون بعيد.

ولكن الأخيرين صريحان في الحرمة والسورة ، فالقول بهما ـ كما هو المشهور ـ متعيّن ، وضعفهما بعد الشهرة العظيمة والإجماعات المحكية (١) غير ضائر.

فتخصيص الحرمة بنفس الآية ، كما عن محتمل الانتصار (٢) والإصباح ، والفقيه ، والمقنع ، والهداية ، والغنية (٣) ، وجمل الشيخ ومبسوطه ومصباحه (٤) ومختصره والوسيلة (٥) والنافع (٦) ، مع بعد في الخمسة الأول ، واستوجهه بعض المتأخّرين (٧) وتردّد فيه في الكفاية (٨) ، غير جيّد.

نعم ، الظاهر منهما اختصاص الحرمة بنفس السورة ، فلو خصّت بها وبآية السجدة المجمع على حرمتها ولم يتعدّ إلى غيرهما ، لكان متجها ، للأصل.

والتعدّي إلى سائر أبعاضها مفرّعا له على تحريم السورة ـ كما فعله جماعة (٩) ـ لا وجه له ، لعدم صدق قراءة السورة على مطلق البعض ولو كان كلمة ، سيما‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها في ص ٢٨٢.

(٢) الانتصار : ٣١.

(٣) الفقيه ١ : ٤٨ ، المقنع : ١٣ ، الهداية : ٢٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٠ ، المبسوط ١ : ٢٩ ، مصباح المتهجد : ٨ ، الا أن فيها تحريم العزائم الأربع ، فيكون الاحتمال فيه مبنيا على احتمال إرادة الآية من لفظة العزائم.

(٥) الوسيلة : ٥٥ بالتقريب المتقدم.

(٦) المختصر النافع : ٨ قال فيه : فيحرم عليه قراءة العزائم.

(٧) صاحب كتاب رياض المسائل من مشايخ صاحب الحدائق ( منه رحمه‌الله ).

(٨) الكفاية : ٣.

(٩) منهم العلامة في القواعد ١ : ١٣ ، والشهيد في البيان : ٦٢ ، وصاحب المدارك ٢٧٩.

٢٨٥

إذا لم يقصد قراءة غير البعض. ولا يتبادر من قراءة السورة قراءة كلّ بعض ، ويصح السلب عنها ، فيقال : ما قرأ السورة ولكن قرأ بعضها.

والاستعمال أحيانا ـ كما يقال للمشتغل بقراءة سورة : يقرأ السورة الفلانية ، مع أنه لم يقرأ إلاّ بعضها ـ أعم من الحقيقة ، مع أنّه إنّما هو إذا ظنّ إرادته إتمام السورة أو لم يعلم إرادة قراءة البعض.

فالقول بجواز قراءة سائر الأبعاض قويّ جدا ، والإجماع على عدمه سيما مع مخالفة من ذكر بكثرتهم في غير آية السجدة غير ثابت.

نعم ، لو قصد من قراءته الإتمام ، ارتكب المحرّم ولو عرض مانع منه (١).

ومنها : مسّ كتابة المصحف عند المعظم ، بل عليه الإجماع عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والغنية والذكرى (٢) ، بل لعلّه المحقّق ، لعدم ثبوت خلاف الإسكافي (٣) والمبسوط (٤) وقولهما بالكراهة كما نسب إليهما ، لأنّ إرادة الحرمة من الكراهة في العرف الأوّل شائعة ، مع أنّ في اللوامع تصريح الثاني في الجنب بالتحريم ، وإنّما قال بالكراهة في الحدث الأصغر.

ولو ثبت خلافهما ففي تحقّق الإجماع غير قادح ، فهو الحجة في المسألة ، مضافا إلى ما مرّ في بحث الوضوء ، مع سائر ما يتعلّق بهذه المسألة (٥).

ولا يلحق بها اسم الله سبحانه ، ولا أسماء الأنبياء والحجج وفاقا فيهما لمن تقدّم على الشيخين ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٦) ، وبعض من تأخّر‌

__________________

(١) وجهه مذكور في كتاب عوائد الأيام ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الخلاف ١ : ١٨ ، المعتبر ١ : ١٨٧ ، المنتهى ١ : ٨٧ ، التذكرة ١ : ٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، الذكرى : ٢٣.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٦.

(٤) المبسوط ١ : ٢٣ ، ٢٩.

(٥) في ص ٢١٦.

(٦) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٢.

٢٨٦

كالأردبيلي (١) ، وظاهر المدارك والكفاية (٢). وفي الأخيرين للمعتبر ، والمنتهى ، والتحرير (٣) أيضا ، ومعظم الثالثة (٤) أيضا.

للأصل المؤيّد بالمروي في المعتبر : يمسّ الدراهم وفيها اسم الله أو اسم رسوله؟ قال : « لا بأس به وربما فعلت ذلك » (٥) لترك الاستفصال يعم مس الاسم منه أيضا.

خلافا في الأوّل خاصة للكتب الثلاثة المذكورة (٦) ، ونهاية الإحكام (٧) مدّعيا عليه عمل الأصحاب في الثاني ، وانتفاء الخلاف في الرابع.

وفيهما للمقنعة ، وجمل الشيخ ومصباحه (٨) ومختصره ومبسوطه ، والسرائر والمهذب والوسيلة (٩) والإصباح والجامع وأحكام الراوندي والغنية والقواعد والإرشاد والتبصرة (١٠) والكركي (١١) ، والشهيد (١٢) بل الأكثر كما في شرح القواعد‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١ : ١٣٤.

(٢) المدارك ١ : ٢٨٠ ، الكفاية : ٣ قال : والمشهور تحريم مسّ شي‌ء مكتوب عليه اسم الله تعالى أو أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام.

(٣) المعتبر ١ : ١٨٨ ، المنتهى ١ : ٨٧ ، التحرير ١ : ١٢.

(٤) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : ٥٢ ، والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس : ١٦٤ ، وصاحب الحدائق ٣ : ٤٨.

(٥) المعتبر ١ : ١٨٨ ، الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٤.

(٦) يعني المعتبر والمنتهى والتحرير.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ١٠١.

(٨) المقنعة : ٥١ ولكن فيه تحريم مس أسماء الله فقط ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦١ ، مصباح المتهجد : ٨.

(٩) المبسوط ١ : ٢٩ ، السرائر ١ : ١١٧ ، المهذب ١ : ٣٤ ، الوسيلة : ٥٥.

(١٠) الجامع للشرائع : ٣٩ أحكام الراوندي ( فقه القرآن ) ١ : ٥٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٠ ، القواعد ١ : ١٣ ، ولكن فيه تحريم ما عليه اسم الله فقط ، الإرشاد ١ : ٢٢٥ ، التبصرة : ٨.

(١١) جامع المقاصد ١ : ٢٦٧.

(١٢) البيان : ٦٢ ، الدروس ١ : ٩٦ ، الذكرى : ٣٤.

٢٨٧

للمحقّق الثاني (١) ، بل عليه الإجماع كما عن الغنية (٢).

لموثّقة عمّار : « لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى » (٣) في الأوّل ، ونقل الإجماع ، ووجوب تعظيم شعائر الله فيهما.

ويضعف الأوّل : بعدم الدلالة على الحرمة. والثاني : بعدم الحجية. والثالث : بمنع الدليل على الكلية.

ثمَّ على القول بالتحريم في الأوّل : ففي اختصاصه بالجلالة ـ كما في الموجز الحاوي ـ للأصل ، واحتمال اختصاص الموثّقة ، بجعل الإضافة بيانية. أو مع الرحمن ونحوه من الأعلام في سائر اللغات ، لكونه علما وظهور الإضافة في اللامية. أو مع سائر أسمائه تعالى ، وإن لم يكن أعلاما ، كما يعطي أحد الأخيرين ـ على ما قيل (٤) ـ كلام المقنعة ، والاقتصاد ، والمصباح (٥) ، ومختصره ، والوسيلة ، والغنية ، والجامع (٦) ، لاشتراك الجميع في وجوب التعظيم ، أوجه.

كما انّ في تعميم المنع لما جعل جزء اسم ـ كما في عبد الله ـ لقصد الواضع اسمه سبحانه ، وتخصيصه بغيره للخروج عن الاسم بالجزئية ، وجهين.

ومنها : اللبث في المساجد مطلقا ، وفاقا لغير شاذ يأتي (٧) ، بل للمعظم ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه (٨) ، بل عن المحقّق حيث نقل الإجماع على‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٢٦٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣١ ـ ٨٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨ ـ ١٣٣ ، الوسائل ٢ : ٢١٤ أبواب الجنابة ب ١٨ ح ١.

(٤) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٢.

(٥) المقنعة : ٥١ ، الاقتصاد : ٢٤٤ ، مصباح المتهجد : ٨.

(٦) الوسيلة : ٥٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، الجامع : ٣٩.

(٧) في ص ٢٩٠.

(٨) الخلاف ١ : ٥١٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

٢٨٨

وجوب الغسل (١) ، وفي المنتهى عدم معرفة الخلاف فيه (٢).

للإجماع وللآية الكريمة (٣) الناهية المفسّرة بهذا في صحيحة زرارة ومحمّد ، المروية في العلل : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال : « لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين ، إنّ الله يقول ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا » (٤) الحديث.

ومثلها المروي في تفسيري العياشي والقمي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (٥).

وفيما رواه الطبرسي عن الباقر عليه‌السلام إنّ معناه : لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب إلاّ مجتازين (٦).

ولا يضرّ ضمّ السكارى مع الجنب في إبقاء النهي على حقيقته ، لأنّ النهي فيهم إنما هو عن كونهم حين قرب المسجد سكارى ، بأن لا يشربوا في وقت يؤدّي إلى دخولهم المسجد حال سكرهم ، حيث إنّ السكران لا يصلح لتوجّه الخطاب.

مع أنّ الإجماع على عدم حرمة دخول السكران في المسجد غير ثابت ، ولذا قال في البحار : إنّه يمكن استنباط منع السكران من دخول المسجد عن الآية (٧).

وللمروي في الخصال ومجالس الصدوق : « ونهى أن يقعد الرجل في‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه نعم قد يستفاد من المعتبر ١ : ١٨٨ نفي الخلاف فيه حيث نسب الخلاف إلى سلاّر دون غيره.

(٢) المنتهى ١ : ٨٧.

(٣) النساء : ٤٣.

(٤) العلل : ٢٨٨ ، الوسائل ٢ : ٢٠٧ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٠.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٤٣ ـ ١٣٨ ، تفسير القمي ١ : ١٣٩ ، المستدرك ١ : ٤٥٩ ، الوسائل ٢ : ٢٠٧ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٠.

(٦) مجمع البيان ٢ : ٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢١٠ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٢٠.

(٧) البحار ٧٨ : ٣٧.

٢٨٩

المسجد وهو جنب » (١).

وصحيحة أبي حمزة : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام ، أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم ، ولا يمرّ في المسجد إلاّ متيمّما حتى يخرج منه ثمَّ يغتسل ، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ولا يجلسا فيها » (٢).

وأمّا على ما في بعض الكتب الاستدلالية فلا صراحة لها في الوجوب حيث عبّر فيها بقوله : « ولا يجلسان » (٣).

وتؤيّدها المستفيضة من المعتبرة ، كحسنتي جميل (٤) ومحمّد (٥) ، ورواية ابن حمران (٦) ، وغيرها مما بمعناها. بل استدلّ بها الأكثر ، وإن كان عندي محلّ نظر ، لعدم صراحتها في الوجوب وإن كانت لها محتملة ، كما ذكرنا غير مرّة.

خلافا للمحكي عن الديلمي فكرهه (٧) ، للأصل وصحيحة محمّد.

وعن الفقيه ، والمقنع ، فجوّزا نومه فيها (٨) ، لصحيحة محمّد بن القاسم : عن الجنب ينام في المسجد ، فقال : « يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » (٩).

__________________

(١) الخصال : ٣٢٧ ، أمالي الصدوق : ٣٤٧.

(٢) الكافي ٣ : ٧٣ الطهارة ب ٤٦ ح ١٤ ، الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣ والرواية مرفوعة وليست بصحيحة ، نعم رواها في التهذيب ١ : ٤٠٧ ـ ١٢٨٠ بسند صحيح ولكنها ليست مشتملة على حكم الحائض.

(٣) ولا يخفى أن في الكافي والوسائل أيضا ورد كذلك.

(٤) الكافي ٣ : ٥٠ الطهارة ب ٣٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٣٧١ ـ ١١٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢٠٩ أبواب الجنابة ١٥ ح ١٧.

(٦) التهذيب ٦ : ١٥ ـ ٣٤ ، الوسائل ٢ : ٢٠٦ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٥.

(٧) المراسم : ٤٢.

(٨) الفقيه ١ : ٤٨ ، المقنع : ١٤.

(٩) التهذيب ١ : ٣٧١ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ٢ : ٢١٠ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٨.

٢٩٠

والأصل مندفع بما مرّ ، والصحيحة بمعزل عن الحجية ، لمخالفتها للآية الكريمة والشهرة العظيمة ، وموافقتها للحنبلية (١) كما هي محكية ، مع أنّ إرادة الغسل من التوضّؤ ممكنة.

ولا يحرم الاجتياز فيما عدا المسجدين ، بالإجماع والآية والروايات.

وهل الجواز الجائز يختص المرور بالدخول من باب والخروج من آخر ، أو يشمل الدخول والخروج من باب واحد من غير انحراف وتردّد ، أو يشمل التردّد والمشي في الجوانب أيضا؟

الظاهر المتبادر من الآية والروايات المفسّرة لها ، بل صريحها ـ كما قيل (٢) ـ هو الأوّل ، كما هو ـ على ما حكي ـ مذهب الأكثر ، بل هو الأقوى والأظهر.

وتجويز شمولها للأخيرين بعيد عن الصواب.

ولو سلّم فلا يضرّ ، إذ مجرّد الاحتمال لا يكفي في الخروج عن المستثنى منه ، بل قضية الأصل تقتضي عدم خروج ما لم يقطع بخروجه.

وأمّا حسنة جميل : عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال : « لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣) وخبره : « للجنب أن يمشي في المساجد كلها ولا يجلس فيها إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤) وإن اقتضيا بإطلاقهما جواز التردّد ، إلاّ أنّ مقتضى تعارضهما مع الآية بالعموم من وجه ، ووجوب تقديم الكتاب حينئذ : حمل المرور والمشي فيهما على الاحتمال الأوّل.

مع أنّ اقتضاء الأولى لذلك ممنوع غايته ، لمنع صدق المرور على غير الأوّل ،

__________________

(١) المغني لابن قدامة ١ : ١٦٨.

(٢) قال به في الحدائق ٣ : ٥٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠ الطهارة ب ٣٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٠ الطهارة ب ٣٣ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٢٠٦ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٤.

٢٩١

بل الظاهر منه العبور.

ولا يجب عليه في الاجتياز اختيار أقرب الطريقين إذا تعدّد طريق الجواز ، لصدق العبور والاجتياز.

وهل يجب في الطريق الواحد العبور منه على أقرب المسافات ، أو يجوز الانحراف بحيث تزيد المسافة؟

الظاهر : الثاني إذا لم يخرج عن صدق العبور عرفا.

خلافا للمنتهى ، فأوجب اختيار الأقرب ، اقتصارا في محل المنع على قدر الضرورة (١).

وفيه : منع كونه محل المنع.

والبائرة من المساجد كالدائرة ولو لم يبق إلاّ أرضها ما لم تبلغ حد الموات ، لصدق اسم المسجد ، واستصحاب الحكم.

ولو اضطرّ الجنب إلى اللبث فيها ـ لعدم إمكان خروجه ، أو خوفه على مال محترم بالخروج ـ تيمّم ولبث ، لعموم البدلية ، كما يأتي.

ولا تلحق بالمساجد الضرائح المقدّسة والمشاهد المشرّفة والمواقف الكريمة ، كمشعر ومنى ، وفاقا للأكثر ، للأصل.

وخلافا في الأوّلين للشهيدين (٢) ، لاشتمالها على فائدة المسجدية ، وللمروي في بصائر الدرجات وقرب الإسناد وفيه : « يا أبا محمّد أما تعلم أنّه لا ينبغي لجنب أن يدخل بيوت الأنبياء » (٣).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٨٨.

(٢) نسبه إليهما في المدارك ١ : ٢٨٢ ، وقال الشهيد في الذكرى : ٣٥ يكره الاجتياز في المساجد للجنب والحائض مع أمن التلويث للتعظيم .. ولو علم التلويث حرم الجميع ، وألحق المفيد في العزية المشاهد المشرفة بالمساجد ، وهو حسن لتحقق معنى المسجدية فيها وزيادة. وانظر روض الجنان : ٨١.

(٣) بصائر الدرجات : ٢٤١ ـ ٢٣ ، قرب الإسناد : ٤٣ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٢ : ٢١١ أبواب الجنابة ب ١٦ ح ١.

٢٩٢

وفي إرشاد المفيد (١) ، وكشف الغمة (٢) ، ورجال الكشي وفيه : وأحدّ النظر إليه وقال : « هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جنب؟! » (٣).

وفي الخرائج والجرائح ، وفيه : فقال له أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام : « أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل على إمامك وأنت جنب؟! » (٤).

ولتساويهم حيّا وميّتا ـ كما هو المستفاد من الأخبار ـ يثبت الحكم في المطلوب.

ويجاب عنها بضعفها ، وعدم دلالتها على الحرمة مع أنّ في بيوتهم غالبا من لا يخلو عن جنابة أو حيض أو نفاس.

نعم ، لا شك في الكراهة ، لما مرّ.

ومنها : وضع الشي‌ء فيها ، على الأظهر الأشهر ، وعن الغنية الإجماع عليه (٥) ، بل عن الفاضل ، لنقله الإجماع على وجوب الغسل له (٦).

للرضوي المنجبر بالعمل : « ولهما ـ أي الجنب والحائض ـ أن يأخذا منه ، وليس لهما أن يضعا فيه » (٧) فإنّ المتبادر من تركيب « ليس لهما » التحريم.

وتؤيّده صحيحة العلل ، المتقدّمة (٨) ، وصحيحة ابن سنان : عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضعان في‌

__________________

(١) إرشاد المفيد ٢ : ١٨٥ ، الوسائل ٢ : ٢١٠ أبواب الجنابة ب ١٦ ح ٢.

(٢) كشف الغمة ٢ : ١٦٩ ، الوسائل ٢ : ٢١١ أبواب الجنابة ب ١٦ ح ٣.

(٣) رجال الكشي ١ : ٣٩٩ ـ ٢٨٨ ، الوسائل ٢ : ٢١٢ أبواب الجنابة ب ١٦ ح ٥.

(٤) الخرائج والجرائح ١ : ٢٤٦ ـ ٢ ، الوسائل ٢ : ٢١٢ أبواب الجنابة ب ١٦ ح ٤.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

(٦) لم نعثر في كتبه الموجودة لي نقله الإجماع على وجوب الغسل له ، نعم قال في المنتهى ١ : ٨٨ لا يجوز له وضع شي‌ء في المساجد مطلقا ويجوز له أخذ ما يريد منها وهو مذهب علمائنا إلاّ سلاّر.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٦٣ أبواب الجنابة ب ١٠ ح ١.

(٨) في ص ٢٨٩.

٢٩٣

المسجد شيئا » (١).

خلافا للمحكي عن الديلمي (٢) وموضع من الخلاف (٣) ، فكرهاه ، للأصل.

وجوابه ظاهر. وحمل الكراهة على التحريم كما هو الشائع عندهم ممكن.

ولبعض المتأخّرين (٤) ، فخصّ التحريم بالوضع المستلزم للّبث.

قيل : لتعارض إطلاق تحريم الوضع وتجويز المشي ، فيرجع في محل الاجتماع إلى الأصل.

وضعفه ظاهر ، إذ لا تعارض أصلا.

ومقتضى إطلاق ما مرّ : حرمة الوضع فيه ولو من غير دخول ، كما صرّح به الأكثر. وهو كذلك. وما يدلّ على خلافه ـ كما يأتي ـ لا حجية فيه.

وأمّا الطرح فيه من الخارج فلا بأس به ، لعدم ثبوت صدق الوضع عليه ، ولو صدق ، فالشهرة الجابرة فيه غير معلومة.

ومقتضى صريح ما تقدّم : جواز الأخذ منه. وهو كذلك ، والإجماع منعقد عليه.

وأمّا ما في تفسير القمي : « ويضعان فيه الشي‌ء ولا يأخذان منه » ، فقلت : فما بالهما يضعان فيه الشي‌ء ولا يأخذان منه؟ قال : « فإنّهما يقدران على وضع الشي‌ء من غير دخول ولا يقدران على أن يأخذا منه حتى يدخلا » (٥) ، فلا يصلح للمعارضة ، لضعفه بنفسه ، ولمخالفته العمل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٣ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ٢ : ٢١٣ أبواب الجنابة ب ١٧ ح ١.

(٢) المراسم : ٤٢.

(٣) قال في كشف اللثام ١ : ٨١ وقد يظهر من الخلاف في موضع.

(٤) ابن فهد الحلّي في المقتصر : ٤٩.

(٥) تفسير القمي ١ : ١٣٩ ، الوسائل ٢ : ٢١٣ أبواب الجنابة ب ١٧ ح ٣.

٢٩٤

ومنها : دخول المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه يحرم مطلقا ولو اجتيازا ، على الأشهر ، بل عليه الإجماع في المعتبر والمدارك والتذكرة (١) ، وعن ظاهر الغنية (٢) ، ونفي الخلاف بين الأصحاب في الحدائق (٣).

لمفهوم قوله في صحيحة أبي حمزة : « ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد » (٤).

وتؤيّده حسنة جميل ، وروايته ، ورواية ابن حمران ، وحسنة محمّد (٥).

وللمروي في العيون والمجالس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلاّ لمحمّد وآله » (٦).

ولم يتعرّض جماعة ـ كالصدوقين (٧) والمفيد (٨) والديلمي (٩) والشيخ في الجمل والاقتصاد والمصباح (١٠) ومختصره ، والكيدري ـ له ، مع إطلاقهم جواز الاجتياز في المساجد ، وكأنّه لقصور ما ذكر عن إثبات الحرمة. وهو كذلك لو لا مفهوم الصحيحة ، ولكنه كاف في إثباتها.

ثمَّ لو احتلم في أحدهما يجب أن يتيمّم ، لدلالة المستفيضة (١١). فقول الشاذ (١٢) منّا بالاستحباب ضعيف.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٨٩ ، المدارك ١ : ٢٨٢ ، التذكرة ١ : ٢٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

(٣) الحدائق ٣ : ٤٩.

(٤) الكافي ٣ : ٧٣ الطهارة ب ٤٦ ح ١٤ ، الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣.

(٥) المتقدمة ص ٢٩٠ ، ٢٩١.

(٦) العيون ١ : ١٨٢ ، أمالي الصدوق : ٤٢٤ ، الوسائل ٢ : ٢٠٧ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٢.

(٧) الفقيه ١ : ٤٨ ، الهداية : ٢١ ، ونقل عن والد الصدوق في الذكرى : ٣٢.

(٨) المقنعة : ٥١.

(٩) المراسم : ٤٢.

(١٠) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٠ ، الاقتصاد : ٢٤٤ ، المصباح : ٨.

(١١) الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥.

(١٢) هو ابن حمزة في الوسيلة : ٧٠.

٢٩٥

وفي حكم الاحتلام فيهما الجنابة في اليقظة أو دخول الجنب فيهما سهوا ، أو عمدا لضرورة أم لا ، لعدم تعقّل الفرق كما قيل (١) ، بل لعموم بدلية التيمم فيجب مع إمكانه.

وأمّا المكروهة :

فمنها : الأكل والشرب على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الغنية والتذكرة (٢) وغيرهما (٣) ، للمستفيضة :

منها : مرسلة الفقيه : « الأكل على الجنابة يورث الفقر » (٤).

والأخرى : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأكل على الجنابة » وقال : « إنه يورث الفقر » (٥).

ونحوهما المروي في الخصال والمجالس (٦).

وصحيحة الحلبي : « إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضّأ » (٧).

ورواية السكوني : « ولا يذوق ـ أي الجنب ـ شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض ، فإنه يخاف منه الوضح » (٨).

والرضوي : « وإذا أردت أن تأكل على جنابتك ، فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثمَّ كل واشرب إلى أن تغتسل ، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف‌

__________________

(١) قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٧٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٢٥.

(٣) حاشية المدارك : ٤٥.

(٤) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٧٨ ، الوسائل ٢ : ٢٢٠ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٦.

(٥) الفقيه ٤ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٥.

(٦) الخصال : ٥٠٤ ـ ٢ ، أمالي الصدوق : ٣٤٤ ـ ١ ، المستدرك ١ : ٤٦٦ أبواب الجنابة ب ١٣ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨١ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٥١ الطهارة ب ٣٣ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ١٣٠ ـ ٣٥٧ ، الاستبصار ١ : ١١٦ ـ ٣٩١ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٢. الوضح بالتحريك : البرص.

٢٩٦

عليك البرص ، ولا تعد إلى ذلك » (١) إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الفقيه ، فلم يجوّزهما له (٢) ، لظاهر النهي.

ويضعف : بوجوب حمله على التنزيه.

لا لمعارضته مع موثّقة ابن بكير : عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ؟ قال : « نعم ، يأكل ويشرب ويقرأ ويذكر الله ما شاء » (٣).

لأنّ بعد تخصيص النهي بما قبل الإتيان بما اجمع على أنّه مزيل للكراهة تكون أدلّته أخص مطلقا من الموثّقة فتخصّصها.

بل لعدم قول به إلاّ منه ، فيضعف لأجله روايات النهي ، ويقصر عن إثبات الزائد عن الكراهة. مع أنّ التعليل في عبارته مشعر بإرادته الكراهة أيضا كما قيل (٤).

ثمَّ مقتضى المرسلتين وإن كان الكراهة مطلقا ، فلا تزول إلاّ بالغسل وزوال الجنابة ، إلاّ أنّ مقتضى مفهومي الغاية والشرط في البواقي : تقييدهما وزوالها بغير الغسل أيضا إذا أتى بما ذكر فيها.

ثمَّ الأمر المزيل لها قبله هل هو الوضوء خاصة؟ كما عن المقنع (٥) ، أو هو أو المضمضة والاستنشاق؟ كما عن المنتهى والتحرير ونهاية الإحكام والدروس (٦) ، أو‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٤٦٦ أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٤٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠ الطهارة ب ٣٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ١١٤ ـ ٣٧٩ ، الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٢.

(٤) قاله في الرياض ١ : ٣٣.

(٥) المقنع : ١٣.

(٦) المنتهى ١ : ٨٩ ، التحرير ١ : ١٢ ، نهاية الإحكام ١ : ١٠٤ ، الدروس ١ : ٩٦.

٢٩٧

الأخيران فقط؟ كالقواعد (١) وعن الخمسة (٢) وأتباعهم ، بل نسب إلى المشهور (٣) ، أو هما مع غسل اليدين؟ كما عن الفقيه والهداية والأمالي (٤) ، أو هو مع المضمضة؟ كالمعتبر (٥) ، أو هما مع غسل الوجه؟ كالنفلية (٦) ، أو هو مع المضمضة ، أو الوضوء ، أو غسل اليدين ، مع أفضلية الأوّلين؟ كالمدارك (٧) ، أو كل مما ذكر تخييرا؟ كأحد المحتملين في اللوامع والمعتمد. فيه أقوال ، منشؤها : اختلاف الأخبار التي منها ما تقدّم.

ومنها : صحيحة زرارة : « الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب » (٨).

وصحيحة البصري : أيأكل الجنب قبل أن يتوضّأ؟ قال : « إنّا لنكسل (٩) ، ولكن ليغسل يده ، والوضوء أفضل » (١٠).

مضافا إلى اختلاف الأفهام في كيفية تعارضها ـ من جهة دلالة بعضها على عدم انتفاء الكراهة إلاّ بالتوضّؤ ، وآخر على انتفائها بالمضمضة وغسل اليد وعدمه بدونهما ، وثالث بغيرهما ـ وفي وجه الجمع بينها.

__________________

(١) القواعد ١ : ٦.

(٢) هم الشيخ الصدوق ، ووالده ، والشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ـ نقله عنهم وعن اتباعهم المحقق في المعتبر ١ : ١٩١.

(٣) نسبه الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٢.

(٤) الفقيه ١ : ٤٦ ، الهداية : ٢٠ ، أمالي الصدوق : ٥١٦.

(٥) المعتبر ١ : ١٩١.

(٦) النفلية : ١٠.

(٧) المدارك ١ : ٢٨٤.

(٨) الكافي ٣ : ٥٠ الطهارة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٢٩ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ١.

(٩) كذا في جميع النسخ والمصادر ، ولكن قال في الوافي ٦ : ٤٢٣ ويشبه أن يكون مما صحّف وكان « إنا لنغتسل » لأنهم عليهم‌السلام أجل من أن يكسلوا في شي‌ء من عبادة ربهم جلّ وعز.

(١٠) التهذيب ١ : ٣٧٢ ـ ١١٣٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٠ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٧.

٢٩٨

وتحقيق المقام بعد بيان أمرين :

أحدهما : أنّه لا دلالة لاستحباب أمر عند ارتكاب آخر ثابت الكراهة على انتفائها بعد فعل ذلك المستحب بوجه من الوجوه.

ومن ذلك يظهر عدم كون الصحيحتين من أخبار المقام منافيتين للأخبار المتقدّمة أصلا ، غايتهما استحباب ما ذكر فيهما للجنب عند الأكل والشرب.

وثانيهما : أنّ المصرّح به في الأخبار أنّ كراهة الأكل والشرب للجنب إنما هي لأمرين : أحدهما : إيراثه الفقر. والآخر : إيجابه البرص. والمستفاد من روايتي السكوني والرضوي : انتفاء الثاني خاصة بفعل ما ذكر فيهما دون الأوّل أيضا ، ولازمه تخفيف الكراهة بفعله ، إذ تخفيف مرجوحية ما فيه جهتا مرجوحية بزوال إحداهما لا انتفائها رأسا. وعلى هذا فلا تعارض بين الروايتين وصحيحة الحلبي أيضا ، لأنّها تدلّ بمفهوم الغاية على انتفاء مطلق النهي بالتوضّؤ ، وهما تدلاّن على انتفاء خوف البرص بغسل اليد والمضمضة ، أو مع الاستنشاق أيضا.

نعم ، يعارض منطوق الرضوي المصرّح ببقاء ذلك الخوف قبل الثلاثة مطلقا ـ وإن غسلت يدك وتمضمضت ـ مع مفهوم رواية السكوني الدالّ على انتفاء الخوف بالأمرين مطلقا ـ سواء كان معهما الاستنشاق أم لا ـ بالعموم من وجه ، وإذ لا مرجّح فيرجع إلى أصالة بقاء الكراهة وعدم تخفيفها بدون الثلاثة.

ومن ذلك ظهر أنّ حق القول في المسألة انتفاء الكراهة بالوضوء وتخفيفها بغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق.

وعن ظواهر الاقتصاد ، والمصباح (١) ، ومختصره ، والسرائر ، والنهاية (٢) ، وفي الشرائع (٣) : تخفيفها بالأخيرين ، من غير تعرّض للانتفاء بالوضوء.

__________________

(١) الاقتصاد : ٢٤٤ ، مصباح المتهجد : ٩.

(٢) السرائر ١ : ١١٨ ، النهاية : ٢١.

(٣) الشرائع ١ : ٢٧.

٢٩٩

قيل : لعلّه لتعليل النهي عن الأكل على الجنابة بإيراثه الفقر ، وما ذكر لا يرفع الجنابة التي هي العلّة (١).

وفيه : أنّ مقتضى مفهوم الغاية في الصحيحة انتفاء النهي الذي هو المعلول بالوضوء ، وهو كاشف عن عدم عليّة مطلق الجنابة. مع أنّه لو كانت العلّة لما كان وجه للخفّة ، لعدم تخفيف الجنابة بالاستنشاق والمضمضة.

ثمَّ لا شك في عدم اعتبار تعدّد الأمور المذكورة بتعدّد الأكل والشرب مع الاتّصال.

وهل يعتبر مع التراخي مطلقا ، أو إذا طال الزمان ، أو تخلّل الحدث ، أو لا يعتبر مطلقا؟ أظهرها الأول ، لعموم قوله : « إذا أردت » ـ في الرضوي ـ وعدم القول بالفصل بين ما فيه وبين الوضوء في ذلك.

ويمكن اعتبار تخلّل الحدث في تعدّد الوضوء خاصة ، فتأمّل.

ومنها : قراءة غير العزائم من القرآن مطلقا ، وفاقا للمحكي عن الخصال والمراسم وابن سعيد (٢) ، لرواية الخدري : « يا علي ، من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن ، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما » (٣).

المؤيدة بالمروي في الخصال : « سبعة لا يقرؤون القرآن » وعدّ منهم : الجنب والنفساء والحائض (٤).

وبروايتي قرب الإسناد والخصال ، المتقدّمتين في الوضوء المستحب (٥).

وجعلهما مؤيدتين ، لاحتمال إرادة نفي الإباحة الخاصة أو الاستحباب‌

__________________

(١) قاله صاحب الرياض ١ : ٣٣.

(٢) الخصال : ٣٥٨ ، المراسم : ٤٢ ، الجامع : ٣٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٥٨ ـ ١٧١٢ ، العلل : ٥١٤ ـ ٥ ، أمالي الصدوق : ٤٥٥ ـ ١ ، الوسائل ٢ : ٢١٦ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٣.

(٤) الخصال : ٣٥٧ ح ٤٢.

(٥) في ص ٣٢ ، ٣٣.

٣٠٠