مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

يحتمل أن يكون منه ، ويجب البناء عليه.

خلافا لظاهر الحلّي حيث أطلق إعادتها الغسل إذا رأت بللا علمت أنه مني (١) ، والظاهر غير ما إذا علم أنه من الرجل. ولنهاية الإحكام حيث ألحق الظنّ بأنه منها بالعلم به (٢). ولا وجه لهما.

ج : لا يلزم في المني كونه أبيض ، بل قد يكون بلون الدم لكثرة الوقاع ، فهو موجب للغسل إذا قطع بكونه منيا ، أو اجتمعت فيه الأوصاف.

واحتمال العدم ـ كنهاية الإحكام ـ ضعيف ، وتعليله عليل.

د : رأيي الاحتلام إن لم يجد البلل لا غسل عليه مطلقا ، للأصل ، والإجماع ، وحسنة ابن أبي العلاء (٣).

وأمّا رواية محمّد : رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة ، ثمَّ قام فلم ير في ثوبه شيئا ، قال : فقال : « إن كان مريضا فعليه الغسل ، وإن كان صحيحا فلا شي‌ء عليه » (٤) فلمخالفتها للإجماع مطروحة أو مؤوّلة.

وإن وجدها فمع تيقّن كونها منيا يغتسل ، ومع الاشتباه يرجع إلى الأوصاف.

هـ : لو أمسك المني المنتقل عن موضعه عن الخروج ، لا يجب عليه الغسل ما لم يخرج. فإن خرج ، وجب إن علم أنه المني المنتقل أو غير المنتقل وإن لم تكن معه الأوصاف ، ولا يجب إن شك إلاّ مع الوصف. وكذا لا يجب الغسل على المرأة‌

__________________

٢٠١ أبواب الجنابة ب ١٣ ح ١.

(١) السرائر ١ : ١٢٢.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨ الطهارة ب ٣١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٢٠ ـ ٣١٦ ، الاستبصار ١ : ١٠٩ ـ ٣٦٢ ، الوسائل ٢ : ١٩٦ أبواب الجنابة ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٩ ـ ١١٢٥ ، الاستبصار ١ : ١١٠ ـ ٣٦٦ ، ، الوسائل ٢ : ١٩٥ أبواب الجنابة ب ٨ ح ٤.

٢٦١

بإحساسها انفصال المني عن موضعه بالتلذّذ والفتور ما لم يعلم بخروجه.

و : لو وجد المكلّف منيا في جسده أو ثوبه ، يجب عليه الغسل إذا علم أنه منه بالإجماع ، لما مرّ (١) من وجوبه بخروجه ، ولموثّقتي سماعة ، المتقدّمتين (٢).

ومقتضى إطلاقهما وإن كان وجوبه على واجده في جسده أو ثوبه وإن احتمل كونه من غيره ، لكن تقيّدان بما مرّ ، لرواية أبي بصير : عن الرجل يصيب بثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم ، قال : « ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضّأ » (٣). فإنها خاصة بما إذا لم يعلم أنّه منيّه بالإجماع ، فتكون أخصّ منهما فتخصّصان بها.

ولو قطع النظر عن خصوصيتها تتعارضان بالتساوي ويرجع إلى الأصل ، ومقتضاه ما ذكرناه أيضا.

وجعلهما أخصّ منها ، باعتبار تقييدهما بكون الوجدان بعد الانتباه من النوم وإطلاقها من هذه الجهة ، ولازمه تقييدها بذلك ، باطل ، إذ لم تقيّد الموثّقتان إلاّ بالوجدان بعد الانتباه مطلقا ، سواء كان مع فاصلة مدّة أو لا ، والوجدان في الرواية أيضا يكون بعد نوم لا محالة ، بل في قوله : « ولم يعلم أنه احتلم » دلالة على ذلك ، وإلاّ علم أنّه لم يحتلم فتتساويان.

ولو سلّم تقييدهما بذلك دونها ، فتتعارضان بالعموم من وجه ، لما ذكرنا من اختصاصها بغير العالم ، فيرجع إلى الأصل أيضا.

وحمل قوله : « وليتوضّأ » فيها على الغسل خلاف الأصل.

وإثباته بعدم وجوب الوضوء قطعا ، مردود : بأنّه إن أريد عدم وجوبه مطلقا فممنوع ، لجواز كونه محدثا بنوم أو غيره ، فيكون المعنى : وليتوضّأ إن كان محدثا‌

__________________

(١) في ص ٢٥٢ ، ٢٥٣.

(٢) في ص ٢٥٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٧ ـ ١١١٧ ، الاستبصار ١ : ١١١ ـ ٣٦٩ ، الوسائل ٢ : ١٩٨ أبواب الجنابة ب ١٠ ح ٣.

٢٦٢

بالحدث الأصغر.

وإن أريد عدم القطع بوجوبه ، فالغسل أيضا كذلك ، لجواز أن يكون قد اغتسل للجنابة بعد الانتباه بالمباشرة أو للجمعة أو غيره على التداخل ، فلا بدّ من التقييد بقوله : إن لم يكن اغتسل أيضا.

ومن هذا يظهر ضعف القول بوجوب الغسل بالوجدان في الثوب المختص ، في صورة كونه بعد الانتباه مطلقا ، كبعض المتأخّرين (١) ، أو قبل القيام من موضعه ، كالنهاية (٢).

ودعوى القطع بكونه منه حينئذ بشهادة الحال مطلقا (٣) ممنوعة ، وفي الجملة بهذه الصورة غير مخصوصة.

كما يظهر ضعف القول بوجوبه بوجدانه في المختص مطلقا ، كما هو ظاهر جماعة منهم : الشيخ (٤) ، والحلّي (٥) ، والفاضلان (٦) ، والشهيد (٧) ، وغيرهم (٨) ، وفي التذكرة الإجماع عليه.

وتخصيص الرواية بالثوب المشترك لا دليل عليه ، والإجماع المدّعى في التذكرة غير مسموع ، مع أنّ منهم من فسّر المختص بما لم يحتمل أن يكون ما فيه من غيره ، فيمكن أن يكون ذلك مرادهم ، فيرجع إلى ما ذكرناه (٩) ، ولا يكون فرق‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٩.

(٢) النهاية : ٢٠.

(٣) كما في الرياض ١ : ٢٩.

(٤) المبسوط ١ : ٢٨ ، الاستبصار ١ : ١١١.

(٥) السرائر ١ : ١١٥.

(٦) المحقق في المعتبر ١ : ١٧٩ ، والشرائع ١ : ٢٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٨٠ ، والقواعد ١ : ١٣ ، التذكرة ١ : ٢٣.

(٧) الذكرى : ٢٧ ، البيان : ٥٤ ، الدروس ١ : ٩٥.

(٨) جامع المقاصد ١ : ٢٥٨.

(٩) في ص ٢٦٢.

٢٦٣

بين المختص بالمعنى المفهوم منه والمشترك.

ثمَّ المراد من العلم بكون المني منه أعمّ من العلم الحاصل بالدليل الشرعي. ويلزمه أنه لو احتمل كون المني سابقا على غسل رافع معيّن زمانه يجب الغسل أيضا ، لأصالة تأخّر الحادث. وأمّا أصالة الطهارة وعدم وجوب الغسل فلا تعارضان أصل التأخّر ، لكونه مزيلا لهما دون العكس ، كما بيّنا تحقيقه في الأصول.

نعم ، لو لم يعلم زمان الغسل واحتمل تأخّره عن آخر زمان احتمال إصابة المني ، يتعارض أصل تأخّره مع ما مرّ ، فيتساقطان ويرجع إلى الأصلين (١).

وكذا يلزمه وجوب الغسل على ذي النوبة لو كان الثوب ممّا يتناوبه شريكان إذا أصابه ولم يحتمل وصوله في نوبته من غيره ، وإن احتمل سبقه على النوبة ، وفاقا للكركي (٢) ، والدروس ، والروض ، والمسالك (٣) ، للأصل المذكور. وخلافا لظاهر جماعة وصريح اخرى (٤) ، لمعارضة الأصلين المتقدّمين ، المندفعين بالأصل المذكور ، لما مرّ.

ويحكم بجنابة من ذكرنا وجوب الغسل عليه من الوجدان في ثوبه وذي النوبة ، من آخر أوقات إمكانه ، على الأشهر الأظهر ، للأصل والاستصحاب.

فيعيد ما له إعادة من المشروطات بالطهارة ما تأخّر عنه إلى زمان الوجدان ، أو تحقّق طهارة رافعة.

وفي المبسوط حكم بوجوب قضاء كلّ صلاة صلاّها بعد آخر غسل رافع (٥).

هذا بالنسبة إلى الحدث. وأمّا الخبث فيبنى على مسألة الجاهل به من إعادته‌

__________________

(١) يعني أصالة الطهارة وأصالة عدم وجوب الغسل.

(٢) جامع المقاصد ١ : ٢٥٨.

(٣) الدروس ١ : ٩٥ ، الروض : ٤٩ ، المسالك ١ : ٧.

(٤) ظاهر المبسوط ١ : ٢٨ ، والتحرير ١ : ١٢ ، وصريح المدارك ١ : ٢٦٩ ، والحدائق ٣ : ٢٤.

(٥) المبسوط ١ : ٢٨.

٢٦٤

مطلقا ، أو في الوقت ، أو عدمها مطلقا.

وفي المبسوط حكم باستحباب إعادة كلّ صلاة صلاّها من أول نومة نامها في ذلك الثوب ، ووجوبها من آخر نومة نامها فيه ، ثمَّ قوّى عدم وجوب إعادة شي‌ء ممّا خرج وقته (١).

ونسب في المدارك إلى المبسوط : الرجوع عن حكم الحدث إلى القول المشهور (٢). وهو منه غفلة.

ز : لو وجد المني في ثوب بين شخصين مجتمعين فيه في زمان واحد ، كفراش أو لحاف ، ولم يعلم خروجه من واحد معيّن منهما ، لا يجب الغسل على أحد منهما ، ويجوز لهما أن يفعلا ما يفعله الطاهر ، وفاقا فيما لا تتوقّف صحته من أحدهما عليها من الآخر توقّف ابتناء أو معيّة ، للأصل ، كالصلاة ودخولهما المسجد وقراءة العزائم.

وعلى الأصح فيما له أحد التوقّفين ، كائتمام أحدهما بالآخر ، وصيرورتهما عدد الجمعة ، وكذا في ائتمام واحد بهما في صلاتين أو صلاة ، وحمل أحدهما الآخر إلى المسجد ، وفاقا للتذكرة والمنتهى والتحرير ونهاية الإحكام والمدارك (٣) واللوامع والمعتمد ، بل معظم الثالثة ، كما في الأخيرين ، للأصل ، وعدم مانع سوى العلم بخروج المني من واحد منهما غير معيّن ، وهو غير صالح للمنع ، إذ لم يترتّب بالأخبار حكم عليه سوى وجوب الغسل المنتفي هنا إجماعا ، ولا بالإجماع حكم يفيد في محل النزاع.

فإن قلت : الجنابة والمحدثية أمران مترتّبان على خروج المني وقد تعلّق بهما أحكام كثيرة ، ولازمه ثبوتها للجنب والمحدث مطلقا ، معيّنا كان أو غير معيّن.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨.

(٢) المدارك ١ : ٢٧٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣ ، المنتهى ١ : ٨١ ، التحرير ١ : ١٣ ، نهاية الإحكام ١ : ١٠١ ، المدارك ١ : ٢٧٠.

٢٦٥

قلنا : لا نعلم من الجنابة والمحدثية إلاّ حالة شرعية حاصلة بعد خروج المني ، والمراد بالحالة الشرعية الوصف الجعلي من الشارع ، وهو كونه بحيث تتعلّق به أمور شرعية ، وبعد منع تعلّقها بغير المعيّن لا نسلّم كونه جنبا ومحدثا.

سلّمنا أنّ الجنابة والمحدثية أمران واقعيان مترتّبان على خروج المني مطلقا ، يعني أنهما حالتان غير كون الشخص مورد الأحكام الشرعية ، ولازمه كون واحد معيّن منهما واقعا غير معيّن عندنا جنبا ومحدثا ، ولكنه لا يضرّ إلاّ فيما علم فيه وجود الواحد لا بعينه من الفردين ، وكونه منشأ للأثر الشرعي من المانعيّة أو السببية أو غيرهما ، كما فيما إذا اشتبه ماء طاهر مع نجس ، فكلّ منهما بخصوصه وإن لم يكن نجسا ، ولكن واحد غير معيّن منهما نجس ، فإذا وقعا معا على ماء قليل فبوقوعهما معا فيه يعلم وقوع الواحد لا بعينه الذي هو معلوم النجاسة فيه ، لعدم خروجه عنهما ، ولأجله ينجس الماء القليل ، لصدق وقوع النجس وهو واحد غير معيّن منهما فيه وإن لم ينجس لخصوصية كلّ منهما.

وتوضيحه : أنّ ها هنا ثلاثة أمور : هذا بخصوصه ، وهذا بخصوصه ، وواحد لا بعينه منهما ، وحال كلّ منهما بخصوصه واقعا غير معلوم ، وظاهرا هو ما يوافق الأصل. وأما الواحد لا بعينه فخارج عن الأصل واقعا يقينا ، وظاهرا ، ففي المثال يقال : إنه نجس واقعا فكذا ظاهرا ، لتبعية الظاهر للواقع بعد معلوميته.

فكلّ مورد لم يعلم تحقّق الواحد لا بعينه لا يتحقّق الحكم المخالف للأصل ، كما إذا وقع أحد الماءين في قليل.

وكذا إذا علم تحقّقه ولكن من غير اجتماع في مورد واحد ، كما إذا وقع أحدهما في قليل وآخر في آخر ، أو علم تحقّقه في مورد واحد ولم يكن مؤثّرا ، وذلك كما في اجتماع الشريكين المذكورين في صلاة الجمعة ، فإنه قد تحقّق فيها هذا بخصوصه الذي ليس جنبا ظاهرا ، وهذا بخصوصه الذي أيضا كذلك ، والواحد الغير المعيّن الذي هو جنب ، ولكن بانضمام الخصوصيّين اللذين ليسا بجنبين قد تمَّ عدد الجمعة فانعقدت ، غاية الأمر تحقّق الواحد الغير المعيّن أيضا ، ووجوده‌

٢٦٦

بعد تمام عدد الجمعة بغير الجنب الشرعي ، وهو هذا بخصوصه وهذا بخصوصه ، والثالثة الأخرى لا تؤثّر في شي‌ء.

وكذا في سائر أمثلة المقام ، فإنّ صلاة هذا بخصوصه ، الصحيحة مرتبطة من جهة الائتمام بصلاة هذا بخصوصه ، الصحيحة أيضا ، فتكون صحيحة ، غاية الأمر كون الواحد غير معيّن منهما جنبا ، وهو غير مؤثّر في إبطال الخصوصيات ، وليس أمر آخر يؤثّر وجوده فيه.

وذلك بخلاف الماءين الواقعين في قليل ، فإنّه وإن لم ينجس بوقوع هذا بخصوصه وذلك بخصوصه ، ولكن بوقوعهما وقع واحد لا بعينه الذي هو نجس فيه أيضا ، فيصدق لأجله وقوع النجس (١) فيه ، فينجس لذلك لا للخصوصيات.

والحاصل : أنه إذا تحقّق الواحد لا بعينه في مورد بتحقّقهما فيه ، وثبتت مانعيّته لأمر لازم في المورد ، أو سببيته لأمر مضرّ فيه ، يكون تحقّقه مضرا ، كما في مثال الماء ، لا في غيره كما في مثال ما نحن فيه.

فإن قلت : كما أنّ باجتماع الشخصين يتحقّق الواحد لا بعينه الذي هو جنب ، فكذا تتحقّق باجتماع الصلاتين صلاة لا بعينها باطلة ، فتكون إحداهما لا بعينها باطلة.

قلنا : إنّ بعد صحة كلّ منهما بخصوصها لا يضرّ وجود الغير المعيّنة الباطلة ، مع أنّا نمنع تحقّقها هنا ، لأنّه إنّما هو في الأمور الغير المتوقّفة على جعل الشارع ، أو ما ثبت فيه جعله على الإطلاق ، وأمّا البطلان فليس هو إلاّ مخالفة المأمور به ، فتحقّقه فرع تحقّق الأمر ، وليس هنا أمر إلاّ بكلّ بخصوصه ، وصلاته صحيحة ، وليس هنا أمر آخر ، فلم تتحقّق صلاة باطلة ، ومن ذلك يعلم وجه آخر لما اخترناه في المورد.

__________________

(١) في « ه‍ » : المنجس.

٢٦٧

خلافا للمحقّقين (١) ، والشهيدين (٢) ، للقطع بجنابة أحدهما. وجوابه ظهر ممّا مرّ.

والظاهر ـ كما في المبسوط والمعتبر (٣) والإصباح والمنتهى والتذكرة والدروس والنفلية (٤) ـ استحباب الغسل لكلّ من الشريكين ، لفتوى هؤلاء الأجلّة ، والاحتياط ، منضمّا إلى ما في السنن من التسامح في الأدلّة.

الأمر الثاني : إدخال الذكر في القبل.

وإيجابه للغسل مجمع عليه ، والنصوص مصرّحة به ، كصحيحتي محمّد وابن سرحان :

الأولى : متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم » (٥).

وفي الثانية : « إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر كلاّ » (٦).

ولا يتوقّف الوجوب على إدخال الجميع ، بل يكفي التقاء الختانين بالإجماع والمستفيضة ، كصحيحة البختري : « إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة والغسل » (٧).

وصحيحة علي بن يقطين : عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها‌

__________________

(١) المحقق الأول في المعتبر ١ : ١٧٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢٥٩.

(٢) الشهيد الأول في البيان : ٥٤ ، والدروس ١ : ٩٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧ ، والروض : ٤٩.

(٣) المبسوط ١ : ٢٨ ، المعتبر ١ : ١٧٩.

(٤) المنتهى ١ : ٨٠ ، التذكرة ١ : ٢٣ ، الدروس ١ : ٩٥ ، النفلية : ٩٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦ الطهارة ب ٣٠ ح ١ ، التهذيب ١ : ١١٨ ـ ٣٠٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ٢ : ١٨٢ أبواب الجنابة ب ٦ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ١٠٩ الطلاق ب ٤١ ح ٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٠ أبواب المهور ب ٥٤ ح ٥.

(٧) الكافي ٦ : ١٠٩ الطلاق ب ٤١ ح ٢ ، الوسائل ٢١ : ٣١٩ أبواب المهور ب ٥٤ ح ٤.

٢٦٨

ولم ينزل ، أعليها غسل؟ وإن كانت ليس ببكر ثمَّ أصابها ولم يفض إليها أعليها غسل؟ قال : « إذا وقع الختان على الختان قد وجب الغسل » (١) وقريبة منها صحيحة الحلبي (٢).

وفي صحيحة زرارة ، الواردة في قضية الأصحاب : « أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » (٣).

ويعلم التقاء الختانين بغيبوبة الحشفة إجماعا ، لصحيحة محمّد بن إسماعيل : فيمن يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان ، متى يجب الغسل؟ قال : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : « نعم » (٤).

ولا ينافيه ما في صحيحة ابن يقطين ، المتقدّمة ، لجواز أن يكون قوله : « إذا وقع .. » بيانا لمطلق الحكم ، فيلزمه عدم الغسل في المسؤول عنه. مع أنّ غيبوبة الحشفة لا تستلزم الإفضاء.

ولا ما في السرائر عن النوادر : « يجب عليهما الغسل حين يدخله ، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما » (٥) ، لجواز عطف قوله : « وإذا التقى » على قوله : « حين يدخله ». ولو سلّم التنافي ، فتخرج عن الحجية بالشذوذ ومخالفة الإجماع.

وبمفهوم تلك الأخبار يقيّد إطلاق الأوليين المقتضي لوجوب الغسل بدخول الأقلّ من ذلك ، حيث إنّ صدق دخول الشي‌ء لا يتوقّف على دخول‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦ الطهارة ب ٣٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١١٨ ـ ٣١٢ ، الاستبصار ١ : ١٠٩ ـ ٣٦٠ ، ( بتفاوت يسير ) ، الوسائل ٢ : ١٨٣ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٣ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ١١٩ ـ ٣١٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٤ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦ الطهارة ب ٣٠ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ ـ ٣١١ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ٢ : ١٨٣ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٢.

(٥) مستطرفات السرائر : ١٠٤ ـ ٤٢ ، الوسائل ٢ : ١٨٥ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٩.

٢٦٩

جميعه ، بل يصدق على دخول جزء منه أيضا ، كما في قولك : أدخلت إصبعي في الجحر.

وكون الذكر ـ الذي هو مرجع الضمير ـ اسما للمجموع غير ضائر ، إذ لا يلزم اتّحاد المعنى التركيبي مع الأفرادي.

فلا يجب الغسل بدخول الأقلّ من ذلك ولو من مقطوع الحشفة أو المخلوق بلا حشفة ، لصدق عدم التقاء الختانين وعدم غيبوبة الحشفة.

خلافا لما احتمل بعضهم (١) من الاكتفاء فيهما بالمسمّى ، عملا بالإطلاق.

وهو حسن لو لا المفاهيم المقيّدة له ، مع أنّ المطلق ينصرف إلى الغالب ، ولكنهما يمنعان عن العمل به. بل مقتضاهما : عدم وجوب الغسل عليهما بالإدخال مطلقا ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب إلحاق قدر الحشفة منهما بها. فلو ثبت عليه الإجماع ، وإلاّ فالحكم به مشكل جدّا.

والحق ـ في المشهور ـ بالقبل ، الدبر مطلقا ، من الأنثى كان أو الذكر ، بل نقل عليه السيد بل الحلّي (٢) ظاهرا إجماع المسلمين ، بل ادّعى الأول عليه الضرورة من الدين ، مع فحوى صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٣) ، ومطلقات وجوبه بالإدخال ، وبالتقاء الختانين المفسّر في الصحيحة (٤) : بغيبوبة الحشفة ، المتحقّقة ها هنا ، والمروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ما أوجب الحدّ أوجب الغسل » (٥).

__________________

(١) المدارك ١ : ٢٧٢.

(٢) السرائر ١ : ١٠٨ ، ونقله عن السيد في المختلف : ٣١.

(٣) في ص ٢٦٩ رقم ٣.

(٤) المتقدمة في ص ٢٦٩ رقم ٤.

(٥) لم نعثر على المتن المذكور ، وقد يستفاد مضمونه ممّا ورد في الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٣ ، أبواب الجنابة ب ٦ ح ٤ ، أو من صحيحة زرارة المتقدمة ص ٢٦٩ رقم ٣. وسيشير إليه المصنف في ص ٢٧٣.

٢٧٠

مضافا في الأوّل ، إلى إيجابه في قوله سبحانه ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (١) بمطلق الملامسة الشاملة للمطلوب بنفسها والمفسّرة في صحيحة أبي مريم ، وفيها : « وما يعني بهذا ـ أو لامستم النساء ـ إلاّ المواقعة في الفرج » (٢) : بالمواقعة في الفرج الشامل للدبر لغة وعرفا ، أو المحتمل شموله له الكافي في المقام ، لعدم تقيد الملامسة المطلقة إلاّ بما علمت تقييدها به. وفي أخبار أخر : بالإدخال أو المباشرة (٣) الشاملين له أيضا.

وإلى مرسلة حفص : عن رجل يأتي أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتيين ، فيه الغسل » (٤).

وفي الثاني ، إلى الإجماع المركّب المحقّق ، والمحكي عن السيّد (٥) ، وحسنة الحضرمي : « من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا » (٦).

ويضعف الأوّل من أدلّتهما (٧) : بعدم الحجية.

والثاني (٨) : بعدم الدلالة ، لأنّه عليه‌السلام ، لم يرتّب وجوب الغسل على وجوب الحد حتى يتم ، بل إيجابهم الغسل على إيجابهم الحد ، فدلّ كلامه عليه‌السلام ، بالتنبيه على أنّ إيجابهم الحد علّة لإيجابهم الغسل ، وهو كذلك : لأنّهم‌

__________________

(١) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢ ـ ٥٥ وفيه : « إلاّ المواقعة دون الفرج » ، الاستبصار ١ : ٨٧ ـ ٢٧٨ ، الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٤.

(٣) لم نعثر على خبر فسّرت فيه الملامسة بالإدخال أو المباشرة. نعم قد فسّرت في بعض الأخبار بالجماع أو الوقاع ، انظر الوسائل ١ : ٢٧٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ١١ إلى ١٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١٤ ـ ١٦٥٨ ، الاستبصار ١ : ١١٢ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ٢ : ٢٠٠ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ١.

(٥) مر في ص ٢٧٠.

(٦) الكافي ٥ : ٥٤٤ النكاح ب ٩٣ ح ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٢٩ أبواب النكاح المحرم ب ١٧ ح ١.

(٧) وهو الإجماع الذي نقله عن السيد.

(٨) هي صحيحة زرارة المتقدمة في ٢٦٩.

٢٧١

أرباب القياس ، وكانوا به يعملون ، وعليه يعتمدون ، فيلزمهم إيجابهم الغسل بعد إيجابهم الحدّ ، ولا دلالة له على عليّة مطلق وجوبه لوجوبه ، وبذلك يندفع ما استشكل على الرواية من تمسّكه عليه‌السلام بالقياس.

والثالث (١) ـ مع عدم جريانه في الثاني ، للحكم بوجوب المهر والرجم أيضا في أخبار مطلق الإدخال ـ : بأنّ جعل الإدخال فيه بالنسبة إلى المدخول فيه مطلقا باقيا على حقيقته اللغوية يوجب خروج الأكثر بالتقييد ، بل عدم بقاء غير المأتيين من أفراده الغير المحصورة ، ومثله غير جائز قطعا ، فلا محيص عن جعله مجازا عن إدخال خاص ، ودخول الإدخال في الدبر في معناه المجازي المراد غير معلوم جدّا ، سيما مع انصراف المطلق إلى الشائع ، والوطء في الدبر ، الخالي عن الإنزال من الأفراد النادرة.

والقول (٢) بإرادة الغيبوبة في الدبر خاصة منها في الصحيحة (٣) بقرينة صدرها ، حيث إنّه ليس قريب الفرج ما يصلح لها إلاّ الدبر ، مردود : بأنّه لا دلالة فيها على تحقّق الالتقاء في المجامعة قريب الفرج ، بل حكم عليه‌السلام بأنّ الغسل في الالتقاء ، ليعلم السائل أنّه لا غسل فيما سئل عنه. مع أنّه صحة هذا القول إنما هي على اختصاص إطلاق الفرج بالقبل ، مع أنّ هذا القائل يعمّمه ليتمّم بعض أدلّته الأخر.

هذا كلّه ، مع أنّه على فرض تسليم الإطلاق يقيّد البتة بأخبار التقاء الختانين الغير المتحقّق هنا ، لانحصاره حقيقة بالوطء في القبل.

وحمل مطلق غيبوبة الحشفة عليه وتفسيره بها لا يثبت التعميم ، إذ ارتكاب التجوّز في الموضوع والمفسّر ليس بأولى من ارتكاب التجوّز أو التخصيص في‌

__________________

(١) وهو مطلقات وجوبه بالإدخال.

(٢) قال به البهائي في الحبل المتين : ٣٨.

(٣) يعني صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدمة ص ٢٦٩.

٢٧٢

المحمول والمفسّر.

وعدم تحقّق الالتقاء الحقيقي في القبل أيضا ـ لتغاير مدخل الذكر مع موضع الختان ـ غير ثابت. ولو سلّم ، فلا يمنع من صدق الالتقاء العرفي حقيقة.ة مع أنّ إدراج الغيبوبة المفسّرة له في المطلقات يوجب خروج الأكثر أيضا.

ومنه يعلم وجه ضعف الرابع (١).

والخامس (٢) : بعدم ثبوت الرواية وعدم نقلها في شي‌ء من الكتب ، ولعلّه هو نقل فحوى قوله في صحيحة زرارة ، فتوهّم أنه رواية. مع أنّه لو صحّ ، لم يجز جعله من باب العموم ، لما مرّ من إيجابه خروج الأكثر ، ولو جعل منه أيضا ، لوجب تقييده بما مرّ من أخبار الالتقاء.

والأوّل من دليلي الأوّل (٣) : بأنّ ملامسة النساء وإن كان مطلقا وكذا الجماع والمباشرة اللذين فسّرت بهما ، ولكن تفسيرها في الصحيحة : بمواقعة الفرج تخصيصها مع تفسيريها ، فالمراد بملامسة النساء هو مواقعة الفرج. والفرج وإن كان بحسب اللغة شاملا للدبر ، إلاّ أنه غير ممكن الإرادة هنا ، لاستلزامه خروج الأكثر.

فالمراد به إمّا معناه المجازي ، فيمكن أن يكون هو القبل خاصة ، أو العرفي.

وصدقه على غيره أيضا غير معلوم ، بل صرّح بعض اللغويين بأنه في العرف يطلق على القبل في الأكثر (٤).

__________________

(١) وهو مطلقات وجوب الغسل بالتقاء الختانين.

(٢) وهو المروي عن أمير المؤمنين المتقدم في ص ٢٧٠ رقم ٥.

(٣) أي يضعّف الدليل الأوّل على الحكم الأوّل وهو إيجاب الوطء في دبر المرأة للغسل ، وتقدم الدليل الأوّل ص ٢٧١ رقم ١.

(٤) كما في المصباح المنير : ٤٦٦.

٢٧٣

وجعل الملامسة من قبيل المطلق حتى يدخل فيه ما لم يعلم خروجه يوجب أيضا خروج الأكثر. فصدق شي‌ء من تلك المعاني على ما يشمل المورد غير معلوم ، مع أنّ المطلق أيضا ينصرف إلى الشائع.

والثاني منهما : بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه.

والأوّل من دليلي الثاني (١) : بعدم ثبوته في القبل أولا ، وعدم ثبوت المحقّق من المركّب ، وعدم حجية المنقول ثانيا.

والثاني منهما (٢) : بعدم دلالة كونه جنبا يوم القيامة على جنابته في الدنيا ، فمن المحتمل أن يكون ذلك العمل موجبا للجنابة الأخروية التي هي حالة غير الجنابة الدنيوية قطعا.

وأمّا عدم نقائه بماء الدنيا فلا يدل على جنابته فيها ، إذ من الجائز أن يكون المراد أنّه تحصل له بهذا العمل خباثة باطنية موجبة للجنابة الأخروية غير مرتفعة بماء الدنيا. أو يكون المراد بماء الدنيا جميع المياه الدنيوية ، ويكون المعنى : جاء يوم القيامة جنبا وكان بحيث لو غسل يوم القيامة بجميع ماء الدنيا لم يحصل له النقاء.

خلافا في الأوّل لطائفة من الطبقة الثالثة ، كالكفاية والمفاتيح والمدارك والبحار (٣) ، والفاضل الهندي (٤) والمحقق الخوانساري (٥) ، والحدائق (٦) ، فتردّدوا في وجوب الغسل وعدمه ، وإن كان الأخير إلى الأخير كالأوّلين إلى الأوّل أميل ،

__________________

(١) أي يضعف الدليل الأول ـ وهو الإجماع ـ على الحكم الثاني وهو إيجاب الوطء في دبر الذكر للغسل.

(٢) وهو حسنة الحضرمي المتقدمة ص ٢٧١.

(٣) الكفاية : ٣ ، المفاتيح ١ : ٥٣ ، المدارك ١ : ٢٧٤ ، البحار ٧٨ : ٦٠.

(٤) كشف اللثام ١ : ٧٨.

(٥) مشارق الشموس : ١٦١.

(٦) الحدائق ٣ : ٩.

٢٧٤

وهو (١) محكي (٢) عن المبسوط مطلقا كبعضهم (٣) ، أو عن موضع منه كآخر (٤) ، لمعارضة ما تمّت دلالته على الوجوب عندهم بما مرّ مع ما يأتي.

وللشيخ في الاستبصار والنهاية (٥) ، والديلمي (٦) ، وبعض متقدّمي أصحابنا ـ نقله عنه الشيخ في الحائريات (٧) ـ وحكاه السيّد (٨) عن بعض الشيعة ، ونسبه في الحدائق (٩) إلى ظاهر الكليني والصدوق ، فنفوا وجوب الغسل فيه صريحا.

وهو الأقوى ، للأصل المنضمّ مع ما عرفت من ضعف أدلّة الوجوب.

مع أنّه لو سلّمت دلالتها كلاّ أو بعضا فهي أعم مطلقا من مرفوعة البرقي : « إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها » (١٠).

والخاص مقدم على العام سيما مع موافقة العام للعامة ـ كما صرّح به في‌

__________________

(١) أي التردد.

(٢) في « ق » : المحكي.

(٣) أي كما حكاه بعضهم عن المبسوط ، وهو كاشف اللثام والمحقق الخوانساري.

(٤) كما نقله في مفتاح الكرامة ١ : ٣٠٧ عن طهارة المبسوط ، راجع المبسوط كتاب الطهارة ١ : ٢٧ ، فذكر أنّ فيه روايتين ، ولم يرجّح شيئا ، وحكم في كتاب النكاح ٤ : ٢٤٢ ، بوجوب الغسل ، وفي كتاب الصوم ١ : ٢٧٠ ، جعل الجماع في دبر المرأة من نواقض الصوم ثمَّ قال : وقد روي أنّ الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلاّ إذا أنزل معه وانّ المفعول به لا ينتقض صومه بحال ، والأحوط. الأول.

(٥) الاستبصار ١ : ١١٢ ، النهاية : ١٩.

(٦) نسبه العلامة في المختلف : ٣٠ الى ظاهر الديلمي ، وقد يستفاد من المراسم : ٤١.

(٧) المسائل الحائرية ( الرسائل العشر ) : ٢٨٦.

(٨) كما في المختلف : ٣١.

(٩) الحدائق ٣ : ٥ ، وذكر في وجه النسبة أنّهما رويا الرواية الدالة على عدم وجوب الغسل.

(١٠) الكافي ٣ : ٤٧ الطهارة ب ٣١ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٦ ، الاستبصار ١ : ١١٢ ـ ٣٧١ ، الوسائل ٢ : ٢٠٠ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٢.

٢٧٥

الاستبصار (١) ويدل عليه كلام السيّد ـ وتأيّده (٢) بصحيحة الحلبي : عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إن أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال : « ليس عليها غسل ، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل » (٣) ، فإنّ الظاهر من الفرج هو القبل ، فيعم ما دونه الدبر أيضا ، بل يشعر به لفظ « الإصابة » أيضا ، وبما يأتي من الأخبار النافية للغسل عن المرأة (٤).

وعزل هذا الخاص عن مقاومة العام لشذوذه ، حيث إنّه لا يعلم العامل به إلاّ الديلمي ، والشيخ المفتي بخلافه في باقي كتبه ، وأما الصدوق والكليني ، فهما لم يصرّحا بعدم الوجوب وإن أوردا حديثه ، وهو لا يدلّ عليه وإن صرّحا بعدم إيرادهما إلاّ ما يفتيان بصحته ، مردود : بأنّ الشذوذ لا يحصل بعدم العلم بالعامل ، بل بالعلم بعدم العامل ، فعدم العلم بمخالفة الصدوق والكليني كاف في المقام ، سيما مع أنّ الظاهر موافقتهما لما مرّ ، مع أنّ العامل غير منحصر بهم ، لنقل الشيخ والسيد عن بعض الأصحاب أيضا.

وجعل الخبر الموافق لعمل ثلاثة بل خمسة من القدماء ـ مع احتمال عمل بعض آخر لم نعلمه ، وعدم مخالفة طائفة جمّة من المتأخّرين له ـ شاذا ، عجيب غايته.

هذا ، مضافا إلى أنّ أدلّة الوجوب لو تمّت ، لتعارضت مع مفهوم أخبار الالتقاء المتلقّاة بالقبول عند الجميع بالعموم من وجه ، فلو لا ترجيح المفهوم بمخالفة العامة ، لوجب الرجوع إلى الأصل.

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١١٢.

(٢) مصدر معطوف على قوله : موافقة .. ، والضمير راجع إلى الخاص.

(٣) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨٥ ، التهذيب ١ : ١٢٤ ـ ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١١١ ـ ٣٧٠ ، الوسائل ٢ : ١٩٩ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١.

(٤) في ص ٢٧٨.

٢٧٦

ودعوى شمول أخبار الالتقاء للمورد ضعيف كما مر (١).

وخلافا لمن سبق بصنفيه (٢) في الثاني (٣) ، مضافا إلى المحقّق في النافع والشرائع ، فتردّد (٤) ، والمعتبر (٥) والأردبيلي (٦) فنفيا الوجوب صريحا.

وهو الحق ، لما مرّ من الأصل ، مضافا إلى مفهوم أخبار الالتقاء المعارض مع ما مرّ ـ لو دلّ ـ بالعموم من وجه ، الموجب للرجوع إلى الأصل أيضا.

مع أنّ بعد انتفاء الوجوب في الأوّل بالخبر الخاص يثبت هنا أيضا بالإجماع المركّب الذي ادّعوه ، بل لعلّ ثبوته هنا أشدّ وأظهر.

وقد ظهر مما مرّ عدم وجوب الغسل بوطء البهيمة بدون الإنزال إدخالا واستدخالا ، كما هو الأشهر على ما صرّح به جمع ممّن تأخّر (٧). خلافا لجماعة (٨) ، بل نسبه في اللوامع إلى الشهرة ، فأوجبوا الغسل لبعض ما مرّ مع جوابه.

فروع :

أ : المفعول به إن كان امرأة موطوءة في قبلها يجب عليها الغسل وإن لم ينزل إجماعا ، بل ضرورة ، وهو الحجة فيه ، مضافا إلى صحيحة محمّد ، المتقدّمة (٩).

ولا يجب إن كان غيرها سواء كان امرأة موطوءة في دبرها أو غلاما كذلك وإن أنزل الفاعل ، للأصل الخالي عن معارضة أكثر ما تقدّم ـ لو قلنا بمعارضة له في الفاعل ـ لاختصاص طائفة منه بالفاعل وإجمال طائفة أخرى ، وهي ما تضمّن‌

__________________

(١) في ص ٢٧٢.

(٢) المختصر النافع : ٨ ، الشرائع ١ : ٢٦.

(٢) في ص ٢٧٤ ممن تردد في وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة ، ومن جزم بعدم وجوب الغسل.

(٣) يعني : الوطء في دبر الغلام.

(٤) المعتبر ١ : ١٨١.

(٥) مجمع الفائدة ١ : ١٣٣.

(٦) نسبه إلى الأكثر في المدارك ١ : ٢٧٦ ، وإلى المشهور في الحدائق ٣ : ١٢.

(٧) منهم العلامة في المختلف : ٣١ ، والشهيد في الذكرى : ٢٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧.

(٨) في ص ٢٦٨.

٢٧٧

قوله : « وجب الغسل ».

مضافا في المرأة إلى مرفوعة بعض الكوفيين : في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة قال : « لا ينقض صومها وليس عليها غسل » (١).

ومرسلة ابن الحكم : « إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل » (٢).

ومنه يظهر عدم وجوب الغسل على المرأة لو قلنا بوجوبه على الفاعل أيضا ، ولذا فرّق بينهما بعض المتأخّرين ، فلم يوجب الغسل عليها مع ميله إلى وجوبه عليه (٣) ، والفاضل في المنتهى والقواعد ، فتردّد فيها مع قوله بوجوبه عليه (٤).

ب : وطء الميت كالحي أو استدخال آلته يوجب الغسل على الحي ، على المعروف منهم ، للاستصحاب وظواهر الالتقاء.

والقول بتغيّر الموضوع ، فلا يجري الاستصحاب ، ضعيف ، لعدم تغيّره أصلا ، فإن مسّ ختان فلانة أو المواقعة في فرج فلانة كانت موجبة للغسل ، ولم يتغير شي‌ء منها ، وإن تغيّرت حياتها ولم يعلم تقييد الموضوع بالحياة.

ولا يجب تغسيل الميت في شي‌ء من الحالين ، للأصل ، وعدم معلومية إرادة الأغسال من الغسل ، وعدم دليل على وجوب الأغسال فيما تعذّر الغسل.

ج : النائم كالمستيقظ فاعلا وقابلا ، بالإجماع على الظاهر ، وهو الحجة فيه ، وعموم كثير من الأدلّة.

قيل : علّق فيها وجوب الغسل بتحقّق الإدخال ، أو الالتقاء ، أو نحوهما ، وتحقّق الوجوب حينئذ في حق النائم لا معنى له ، لعدم تعلّق التكليف به ، والتعلّق بعده يحتاج إلى دليل.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٩ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ٢ : ٢٠٠ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٩ ـ ٩٧٧ ، الوسائل ٢ : ٢٠٠ أبواب الجنابة ب ١٢ ذ ح ٣.

(٣) المفاتيح ١ : ٥٣.

(٤) المنتهى ١ : ٨١ ، القواعد ١ : ١٣.

٢٧٨

قلنا : علّق على الإدخال وجوب الغسل غيرا ، وهو لا ينافي تعلّقه بالنائم ، كما يأتي بيانه في الفرع السادس.

ولا بدّ في وجوب الغسل عليه من العلم بالوقوع ، فمجرّد دعوى الوقاع معه لا يثبت الفعل وسائر أحكامه عليه ولو حصل الظن. ومنه تظهر ندرة ترتّب الثمرة فيه.

والسكر والإغماء كالنوم ، والإكراه كالطوع.

د : في وجوب الغسل بإدخال الذكر الملفوف في مثل خرقة أو الداخل في آلة من نحو فضة أو نحاس ، أو إدخاله مجرّدا في فرج كذلك ، أقوال ذكرها والدي العلاّمة في اللوامع : الوجوب مطلقا ، والعدم كذلك ، والأوّل في الملفوف بالرقيقة والثاني في غيره.

والأصل مع الثاني ، سيّما في الداخل في آلة نحاسية ونحوها ، والاحتياط مع الأوّل ، خصوصا في الملفوف بالخرقة ، سيما الرقيقة.

هـ : لا يجب الغسل على الفاعل والقابل بإيلاج الذكر في قبل الخنثى المشكل ، ولا بإيلاج قبله في قبل أو دبر مطلقا ، ولا بإيلاج في دبره على الأقوى ، ويجب عليهما في الأخير على القول الآخر (١).

ولو أولج الذكر في قبل الخنثى والخنثى بالأنثى ، قالوا : يجب الغسل على الخنثى ، لأنّها إمّا ذكر أو أنثى ، دون الذكر والأنثى ، لجواز إيلاج الذكر بالذكر ، أو الأنثى بالأنثى ، فيكونان كواجدي المني في المشترك (٢).

وما قالوه إنّما يصح على القول بكون الخنثى إمّا ذكرا أو أنثى. وأمّا لو قلنا بأنها طبيعة ثالثة ، فيحتمل عدم وجوب الغسل عليها أيضا ، كما يحتمل وجوبه‌

__________________

(١) وهو القول بوجوب الغسل بالوطء في الدبر.

(٢) تقدم البحث عنه في ٢٦٥.

٢٧٩

عليهما أيضا (١).

ولو أولج أحد الخنثيين أو كلّ منهما بالأخرى ، لا يجب الغسل على واحد منهما ، ويحتمل وجوبه عليهما على القول بالطبيعة الثالثة ، فتأمّل.

و : يجب الغسل على البالغ بوطئه غير البالغ ، أو وطء غير البالغ إيّاه ، لعموم الأدلّة.

وهل يجب على غير البالغ بعد بلوغه؟ قيل : لا ، للأصل الخالي عن معارضة العمومات الموجبة له بالدخول والالتقاء ، لظهور تعلّقها بالمكلّفين.

وقال الشهيد (٢) والكركي (٣) ووالدي العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ وجماعة (٤) : نعم ، لأنّ العمومات الموجبة وإن لم تتعلّق به لكونها من خطاب الشرع المتوقّف على التكليف ، ولكن لا يتوقّف تعلّق الأحكام الوضعية التي منها سببية الإدخال للجنابة الموجبة للغسل بعد التكليف وشرطية الغسل للصلاة عليه ، فيجب بعد البلوغ لذلك.

أقول : بعد تسليم اختصاص العمومات بالمكلّفين لا مناص عن القول باختصاص السببية للجنابة بهم أيضا ، إذ لا دليل على تلك السببية إلاّ تلك العمومات ، فإنّه لا دليل عاما أو مطلقا على كون الإدخال سببا للجنابة ، بل إنّما ينتزع ذلك من وجوب الغسل وسائر الأحكام الشرعية. بل نقول : لا نعلم الجنابة إلاّ ذلك ، فبعد اختصاص الأحكام الشرعية ـ التي هي إمّا منشأ انتزاع الجنابة أو نفسها ـ بالمكلّفين ، فلا وجه لإثبات الجنابة لغيرهم.

وكذا اشتراط الصلاة بالغسل ، فإنّه إنّما يفيد لو كان دليل على اشتراطها به‌

__________________

(١) اما احتمال عدم وجوبه عليها فلجواز أن لا يكون شي‌ء من الموضعين فرجا ولا ذكرا. وأما احتمال وجوبه عليهما فلاحتمال كونهما فرجا وذكرا معا ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الدروس ١ : ٩٥ ، البيان : ٥٤.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٢٥٧.

(٤) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٨٢.

٢٨٠