مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

[ ولا يضرّ في وجوب إعادتها في البول ضمّ إعادة الوضوء المستحبة مع الصلاة في قوله ثانيا « فعليك .. » ] (١) إذ إرادة مطلق الرجحان في موضع مجازا بقرينة لا تنافي الوجوب الثابت بدليل آخر.

ومنه يظهر أنه لا يضرّ في وجوب إعادتها في الغائط أيضا جعله مثل البول ، لتحقّق المماثلة في مطلق الرجحان بينهما.

خلافا للمنقول عن العماني ، فلم يوجب الإعادة مطلقا (٢) ، بل جعلها أولى بحمل رواياتها على الأولوية ، لمعارضة أخبار الإعادة في البول مع خبري ابن أبي نصر وهشام.

الأولى : صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صليت أفأعيد؟ قال : « لا » (٣).

والثانية : في الرجل يتوضّأ وينسى غسل ذكره وقد بال ، فقال : « يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة » (٤).

وفي الغائط مع صحيحة علي وموثّقة عمّار.

الأولى : عن رجل ذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : « ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته ، أجزأه ذلك ولا إعادة عليه » (٥).

__________________

(١) ما بين المعقوفين في جميع النسخ هكذا : ولا يضر المستحبة ضم إعادة الوضوء في وجوب إعادتها في البول مع الصلاة في البول في قوله ثانيا « فعليك ». وهي كما ترى مشوشة ، فأصلحناها بما في المتن.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٠.

(٣) التهذيب ١ : ٥١ ـ ١٤٨ ، الاستبصار ١ : ٥٦ ـ ١٦٣ ، الوسائل ١ : ٢٩٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٤٨ ـ ١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٥٤ ـ ١٥٧ ، الوسائل ١ : ٣١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٥٠ ـ ١٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ـ ١٦١ ، قرب الإسناد : ١٩٦ ـ ٧٤٤ ، الوسائل ١ : ٣١٨ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٤.

٢٤١

والثانية : « لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي لم يعد الصلاة » (١).

ويضعف الكل : بأنّها شاذة ، ولشهرة القدماء مخالفة ، فعن درجة الحجية خارجة ، فللتعارض مع ما مرّ غير صالحة.

وللفقيه (٢) ووالدي العلاّمة ـ طاب ثراهما ـ في غسل الغائط خاصة ، فلم يوجبا في تركه الإعادة ، للأخيرتين الخاليتين عن المعارض ، إذ ليس إلاّ موثّقة سماعة (٣) ، وهي ضعيفة الدلالة ، لما مرّت إليه آنفا الإشارة ، سيما على نسخة نفي المماثلة.

ويضعف الأخيرتان بما مرّ من الشذوذ والمخالفة ، ويقوى ضعف دلالة الموثّقة بما ذكرناه ثمة ، وعدم حجية في النفي المذكور لاختلاف النسخ.

وللإسكافي فيه وفي غسل البول في خارج الوقت ، فلم يوجب الإعادة ، وخصها بالوقت في ترك غسل مخرج البول (٤) ، ولعل المخالفة الأولى لمثل ما مر للصدوق مع جوابه ، والثانية للجمع بين الأخبار المضعف بما مرّ مع عدم الشاهد.

وللمقنع ، فخصّ الإعادة بالوقت لمن تمسح بالأحجار خاصة دون خارجه وغير المتمسّح (٥) ، لموثّقة عمار : في من نسي أن يغسل دبره بالماء حتى صلّى إلاّ أنه قد تمسّح بثلاثة أحجار ، قال : « إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة ، وإن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ١٤٣ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ـ ١٥٩ ، الوسائل ١ : ٣١٨ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢١.

(٣) المتقدمة في ص ٢٤٠.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٩.

(٥) المقنع : ٥.

٢٤٢

وليتوضّأ لما يستقبل » (١).

ولا يخفى أنّ هذا الخبر عن المورد خارج ، وحمله على الاستحباب لازم ، لكفاية التمسّح بالأحجار إجماعا.

ثمَّ إنّ هذه المسألة ليست عين مسألة الصلاة مع نجاسة الثوب أو البدن ، كما توهّم (٢) ، بل هذه غيرها كما صرّح به والدي وغيره ، ويدلّ عليه تفاوت أقوالهم في المسألتين.

والجهل بالأصل أو الحكم كالنسيان ، لترك الاستفصال في الصحيحة الأولى (٣) ، بضميمة الإجماع المركّب في الغائط. بل الظاهر تحقّقه في نفس المورد أيضا ، لعدم فصل أحد بين الجهل والنسيان.

ولا تجب إعادة الوضوء. خلافا لنادر (٤) ، لبعض الأخبار (٥) المعارض بأكثر منه ، المرجوح عنه بالشذوذ.

المسألة الثالثة عشرة : من ذكر ترك واجب من الوضوء بعد الصلاة أعادهما ، للأصل ، وموثّقة سماعة : « من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء ، كان عليه إعادة الوضوء والصلاة » (٦).

ولو ذكر في أثنائها ، قطعها واستأنفها بعد إعادته لو جفّ ، للمستفيضة (٧).

المسألة الرابعة عشرة : لو توضّأ وضوءين وصلّى بعدهما ، ثمَّ ذكر خللا في أحدهما ، صحّت صلاته مطلقا على الأقوى ، لصحة أحد الوضوءين الكافية في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥ ـ ١٢٧ ، الاستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٤٩ ، الوسائل ١ : ٣١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ١.

(٢) كما في المدارك ١ : ٢٥٨ ، والحدائق ٢ : ٢٤.

(٣) المتقدمة في ص ٢٤٠ رقم ١.

(٤) هو الصدوق في المقنع : ٤ ، والفقيه ١ : ٢١.

(٥) الوسائل ١ : ٣١٧ ، ٣١٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ١ ، ٥.

(٦) التهذيب ١ : ١٠٢ ـ ٢٦٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٠ أبواب الوضوء ب ٣ ح ٣.

(٧) الوسائل ١ : ٣٧٠ أبواب الوضوء ب ٣.

٢٤٣

صحة الصلاة مطلقا ، على المختار من كفاية نية القربة.

وبه يندفع استصحاب حكم الحدث السابق في بعض الاحتمالات ، حيث لا قطع بالمزيل ، لاحتمال الخلل في الأوّل ، وعدم صحة الثاني ، لعدم (١) اشتماله على ما يشترط في النية ، لمنع ذلك.

والقول بأنه لو أوقعهما أو أحدهما بنية الندب مع ظهور الوجوب لم يصح ، لعدم شرعية المندوب مع الشغل بالواجب (٢) ، مدفوع : بمنع ذلك ، مع أنّ مناط التكليف هو اعتقاد المكلّف دون الواقع ، فهو عليه مندوب حين الوضوء.

وبذلك يندفع ما يستشكل به على بعض صور المسألة على اعتبار نية الوجه أو الاستباحة.

مع أنّه لو سلّم بطلان الأخير باعتبار عدم وقوعه على وجهه المعتبر ، أو عدم كونه مبيحا ، لعدم قصد الإباحة فيه ، يكفي صحة الأولى في المقام. ولا عبرة باحتمال كون الخلل فيه ، لكونه شكّا بعد الفراغ ، فتشمله أخبار عدم اعتبار الشك حينئذ ، كما اختاره في البشرى (٣) ، والمنتهى (٤) ، وبعض الأجلّة من المتأخّرين (٥).

والقطع بترك في أحدهما لا يوجب القطع بالترك في خصوص أحدهما ولا يخرجه عن الشك.

ودعوى تبادر غير مثل ذلك عن إخباره ممنوعة جدّا.

ومن ذلك يظهر أنّه لو صلّى بكلّ واحدة صلاة ، صحّت الصلاتان معا مطلقا.

وادّعى والدي ـ رحمه‌الله ـ الوفاق على إعادة الأولى هنا. وهو عندي غير‌

__________________

(١) في « ح » بعدم.

(٢) قاله في كشف اللثام ١ : ٦٥.

(٣) نقله عنه في البيان : ٥٢.

(٤) المنتهى ١ : ٧٥.

(٥) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٧٦.

٢٤٤

ثابت ، بل يظهر من كلامه ـ رحمه‌الله ـ عدم ثبوته عنده وإرادته (١) السكوتي.

والحاصل : أنّ عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ أصل ثابت من نصوصه ، فلا يلتفت إليه بالنسبة إلى شي‌ء من الوضوءين ، نظير وجدان المني في الثوب المشترك.

نعم ، لو فرض توقّف أمر على الوضوءين معا ، جاء بطلانه ، ولكنه غير متحقّق ، بل يكفي صحة الأول خاصة لصحة الصلاتين مطلقا.

والملخّص : أنّ الشك في الثاني غير مضرّ بعد صحة الأوّل في صحة الصلاة مطلقا ، والأوّل محكوم بالصحة للفراغ عنه.

وكذا الحكم لو علم الخلل في طهارتين من ثلاث ، أو ثلاث من أربع أو أربع من خمس.

فرع :

لو صلى بكلّ منهما صلاة وتيقّن الحدث بعد واحدة من الطهارتين ، تجب عليه الطهارة للصلاة اللاحقة مطلقا ، لأنه متيقّن بالحدث والوضوء الشاك في المتأخّر.

وأما الصلاتان السابقتان فإن علم أنّ الحدث عقيب الصلاة ، صحّت الصلاتان معا.

وإن شك أنه قبلها أو بعدها ، فمقتضى قاعدة استصحاب شغل الذمة بكلّ من الصلاتين ، واستصحاب عدم امتثاله وعدم الإتيان به : وجوب إعادتهما معا ، كما عليه الأكثر.

ولكن مقتضى قاعدة عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ : صحتهما معا ، كما جوزه بعض الأجلّة (٢). وهو الأقوى ، لاندفاع الأصول الاستصحابية به ، وعدم‌

__________________

(١) في « ق » وأراد به.

(٢) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٧٦.

٢٤٥

تحقّق دليل ولا ثبوت إجماع على خلافه.

وإن علم أنه قبل الصلاة ، فيعيدهما معا ، لأنّ هنا شكّا في البطلان متعلّقا بكلّ من الصلاتين ، وقطعا فيه متعلّقا بواحد لا بعينه. والأوّل وإن لم يلتفت إليه لكونه بعد الفراغ ، ولكن الثاني لكونه قطعا يلتفت إليه قطعا ، نظير ثلاثة أوان مشتبهة ، واحد منها نجس ، فيجتنب عن الكلّ وإن لم يجتنب عن غير واحد.

فاللازم النظر فيما يستتبع ذلك القطع ، ومقتضاه : إعادة الصلاتين ، لأنّه مقتض للقطع باشتغال الذمة بصلاة معيّنة واقعا وإن لم يعلمها بعينها ، ولا يحصل القطع بالبراءة بفعل واحد منهما ، فيستصحب ذلك الاشتغال حتى يأتي بهما معا.

وفي حكم ما إذا علم أنّه قبلها ما لو علم وقت الحدث بعينه دون الصلاة ، فبحكم أصالة تأخّر الحادث يحكم بتأخّر الصلاة.

ثمَّ لو كانت الصلاتان مختلفتين عددا ، أتى بهما جميعا.

وإن اتّفقتا ، فالأظهر الموافق لقول الأكثر : أنه يأتي بواحدة ناويا له ما في الذمة ، لأصالة البراءة عن الزائد ، لأنّ ما اشتغل به صلاة واحدة يقينا لا غير ، ولا دليل على الزائد إلاّ عدم تعيّنها في نظره ، وهو غير موجب للتعدّد بوجه ، ولا موجب له إلاّ عدم إمكان تعيّنها في النية ، وهو غير موجب لعدم لزومه ، إذ اشتراط التعيين لأجل التميّز وانطباق الفعل على المأمور به واقعا ، وهو هنا حاصل ، لاتّحاده وتعيّنه في الواقع وإن لم يتعيّن في نظر المكلّف.

ويؤيده أيضا : النص الدالّ على الاجتزاء بالثلاث لمن نسي فريضة مجهولة من الخمس (١).

وحسنة زرارة : « وإن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمَّ صلّ العصر ، فإنما هي أربع مكان‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٥ أبواب قضاء الصلوات ب ١١.

٢٤٦

أربع » (١).

خلافا للشيخ (٢) والحلبيين (٣) ، فيعيد الصلاتين ، تحصيلا لليقين بالبراءة ، اعتبارا للجزم في النية ، لقوله : « من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته » (٤) والفائتة كانت بنيّة معيّنة ، ومراعاة لاختلاف حالهما في الجهر والإخفات.

والأوّل مندفع : بانّ الشغل ليس إلاّ بواحدة وقد فعلها ، فيحصل اليقين بالبراءة.

والثاني : بأنّه لا ترديد في النية ، بل ينوي ما في الذمة ، وعدم علمه به غير ضائر ، ولو سلّم فلا ضرر في مثل هذا الترديد ، كما مرّ في بحث النية.

وقوله : « كما فاتته » لا دلالة له ، إذا المتبادر منه أفعاله الخارجية ، مع أنه لم يجب التعيين في النية في الأصل أيضا إلاّ في صورة الاشتباه لأجل دفعه ، فكذا ها هنا.

والثالث : بمنع وجوب الجهر أو الإخفات هنا ، بل هو مخيّر ـ وادّعى في المعتمد الوفاق عليه ـ لأنّ الجهر مثلا إنّما هو فيما يعلم أنّه عشاء ، وأمّا ما لا يعلم فلا دليل على وجوبه فيه.

ثمَّ بما مرّ يعلم حال ما إذا أحدث حدثا واحدا عقيب ثلاث طهارات ، أو أربع ، أو خمس ، من المتمّم والمقصّر ، سواء كانت الكلّ تجديدية أو لا ، ولا ترتيب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ الصلاة ب ١٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤.

(٣) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢ ، وأبو الصلاح في الكافي : ١٥٠ ، وهما وإن لم يذكرا الفرع بعينه ، ولكن يمكن استفادته مما ذكراه ـ فيمن فاتت منه صلاة واحدة من الخمس غير معلومة ـ أنه يقضى الخمس بأسرها ، فتأمل.

(٤) عوالي اللئالي ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

٢٤٧

أصلا ، لاتّحاد الفائتة ، ففي الخمس مثلا المتمّم يعيد ثلاثا (١) ، والمقصّر اثنتين (٢).

ولو علم فساد طهارتين من يوم قبل الصلاة ، فالمتمّم يعيد أربعا والمقصّر ثلاثا مع مراعاة الترتيب ، بأنّ يصلّي الأوّل ثنائية فرباعية فثلاثية فرباعية ، والثاني ثنائية فثلاثية فثنائية.

ولو علم فساد ثلاث من يوم أو أربع ، يجب الخمس في التمام والأربع في القصر.

وبما ذكر يمكن استخراج حكم ما إذا علم فساد الطهارتين أو أكثر من أكثر من يوم متمّما كان أو مقصّرا أو متبعّضا أو مشتبها عليه الحال.

__________________

(١) يعني ثنائية فرباعية فثلاثية.

(٢) يعني ثنائية فثلاثية.

٢٤٨

الباب الثاني :

في الأغسال‌

وهي واجبة ومندوبة ، فهنا مطلبان :

المطلب الأوّل

في الواجبة منها

وهي ستّة نذكر في فصول ستّة‌

٢٤٩
٢٥٠

الفصل الأوّل :

في غسل الجنابة‌

والكلام فيه إما في سبب الجنابة ، أو أحكام الجنب ، أو غاية غسلها ، أو واجباته ، أو آدابه ، أو أحكامه ، ففيه أبحاث :

البحث الأوّل : في سببها‌ ، وهو أمران :

الأمر الأوّل : خروج المني‌. ولا بدّ أولا من بيان أنّ حقيقة المني هل هو الماء المسبوق بالشهوة المقارن للتلذّذ المعقب للفتور؟ بأن تكون تلك الأوصاف أجزاء حقيقته أو من لوازم ذاته ، كما صرّح بعض العامة (١) ، وسمعته من بعض أرباب المعقول قال : إنّ المني إنّما يتكوّن في الأنثيين حال التلذّذ لأجله فيدفع ، ويشعر به كلام بعض فقهائنا المتأخّرين أيضا (٢) ، تمسّكا بالوجدان وبالأخبار النافية للغسل مع انتفائها. أو هو حقيقة معيّنة خارجة عنها تلك الأوصاف غير لازمة لها وإن كانت معروضة لها غالبا؟ كما هو الظاهر من كلام الأكثر ، لما دلّ على إمكان العلم بكون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف ، كالأخبار الواردة فيمن وجد (٣) المني في ثوبه ولم ير أنه احتلم ، ولما دلّ على وجوب الغسل بخروج (٤) الماء المشتبه بعد الغسل وقبل الاستبراء مع فقده تلك الأوصاف. أو لا يعلم شي‌ء من الأمرين؟ فيتوقّف ، لضعف متمسّك القولين.

أمّا الأوّل من الأوّل : فلأن المسلّم من الوجدان أنّ ما جمع الأوصاف مني ،

__________________

(١) نقل ابن قدامة في المغني ١ : ٢٣٠ عن أبي حنيفة ومالك واحمد أن الموجب للغسل خروج المني : وهو الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عن اشتداد الشهوة.

(٢) قد يشعر به كلام المدارك ١ : ٢٢٦.

(٣) في « ق » : في وجدان.

(٤) في « ق » : لخروج.

٢٥١

دون أنّ ما لم يجمعها ليس منيا ، ولذا قد يعلم كون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف.

وأما الثاني منه : فلأنّه يمكن أن يكون نفي الغسل في فاقد الأوصاف لأجل عدم العلم بكونه منيا ، لا للعلم بعدمه.

وأمّا الأوّل من الثاني : فلأنّ طريق العلم بوجود شي‌ء لا ينحصر في معرفة جميع أجزائه الحقيقية أو لوازمه الذاتية ، فقد يعرف وجود المني بأمر آخر غير تلك الأوصاف ، ولا يعلم وجود ذلك الأمر فيما علم فيه فقد تلك الأوصاف.

وأمّا الثاني منه : فلأنّ الخارج بعد الغسل قبل الاستبراء يمكن أن يكون من بقية ما اجتمعت فيه الأوصاف الخارج أولا.

والحقّ ، هو الثالث ، لما ذكر.

إلاّ أنّ في مرسلة ابن رباط : « فأمّا المني فهو الذي يسترخي العظام ويفتر منه الجسد وفيه الغسل » (١) ومقتضى أصالة الحقيقة في الحمل كون ذلك من حقيقته.

والمروي في نوادر الراوندي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فأمّا المني فهو الماء الذي تكون منه الشهوة » (٢).

وإذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّهم صرّحوا بأنّ خروج ما علم أنّه مني موجب للغسل مطلقا ، سواء كان خروجه في اليقظة أو النوم ، وكان خارجا من الرجل أو المرأة ، وكان الخارج مع الشهوة والتلذّذ والفتور أو لا ، إن فرض العلم به بدون الأوصاف.

وهو محل الوفاق بين علماء الإسلام كافة إذا كان خارجا من الرجل مع الأوصاف ، وأخبار الفريقين به متواترة معنى بلا معارض (٣). وبين علمائنا خاصة‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠ ـ ٤٨ ، الاستبصار ١ : ٩٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٢ : ١٩٠ أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٧.

(٢) نوادر الراوندي : ٤٥ ، المستدرك ١ : ٢٣٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ١٩٤ أبواب الجنابة ب ٨ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٩.

٢٥٢

كما صرّح به جماعة (١) إذا كان خارجا منه بدون الأوصاف كلاّ أو بعضا ، وهو الحجة فيه.

مضافا إلى إطلاقات وجوب الغسل بالماء الأكبر (٢) ، وعموم موثّقتي سماعة ، المستفاد من ترك الاستفصال :

إحداهما : عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم ، ويجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال : « نعم » (٣).

والأخرى : عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنه احتلم ، قال : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته » (٤).

ولا تعارضها صحيحة ابن أبي يعفور : الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ. وينظر فلا يجد شيئا ثمَّ يمكث الهوين بعد فيخرج ، قال : « إن كان مريضا فليغتسل ، وإن لم يكن مريضا فلا شي‌ء عليه » قال : قلت : فما فرق بينهما؟

قال : « لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة وقوة ، وإن كان مريضا لم يجئ إلاّ بفتور » (٥).

لأنّ الخارج فيها غير معيّن ، فيمكن أن يكون هو الماء المشتبه.

ومنه يعلم عدم معارضة صحيحة ابن سعد (٦) ورواية ابن أبي طلحة ،

__________________

(١) منهم العلامة في التذكرة ١ : ٢٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٧٨.

(٢) الوسائل ٢ : ١٨١ أبواب الجنابة ب ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩ الطهارة ب ٣١ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٦٨ ـ ١١١٩ ، الاستبصار ١ : ١١١ ـ ٣٦٨ ، الوسائل ٢ : ١٩٨ أبواب الجنابة ب ١٠ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٧ ـ ١١١٨ ، الاستبصار ١ : ١١١ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ٢ : ١٩٨ أبواب الجنابة ب ١٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٨ الطهارة ب ٣١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٩ ـ ١١٢٤ ، الاستبصار ١ : ١١٠ ـ ٣٦٥ ، الوسائل ٢ : ١٩٥ أبواب الجنابة ب ٨ ح ٣ باختلاف في المتن في الجميع.

(٦) الكافي ٣ : ٤٧ الطهارة ب ٣٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٢٣ ـ ٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٦ أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢.

٢٥٣

المتقدّمة (١) ، حيث إنّ تبادر خروج المني من الإنزال في عهد المعصوم غير معلوم.

ولو تنزّلنا عن ذلك فغايتهما العموم فيتعارضان بالعموم من وجه ، والترجيح مع الأولى بمخالفة العامة ، كما صرّح به الجماعة ، وبموافقة الأصحاب.

ومنه يعلم الجواب عن رواية ابن الفضيل ، الآتية ، وصحيحة علي : عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبّلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » (٢).

حيث إنّ المحتمل فيها رجوع المستتر في « كان » إلى الخارج دون المني.

مع أنّه لو أرجح إليه أيضا ، لم يضر ، إذ تصير الرواية حينئذ مخالفة لعمل جلّ الأصحاب بل كلّهم ، فتخرج عن الحجية.

ومنه يعلم جواب آخر عن هذه الروايات لو سلّمت دلالتها.

هذا كلّه ، مع أنّ لنا أن نقول بدلالة الموثّقتين على وجوب الغسل مع العلم بعدم الشهوة أيضا بخصوصهما ، حيث إنّهما دلّتا على وجوبه مع عدم العلم بها ، ولو لا وجوبه مع العلم بالعدم أيضا ، لما وجب مع عدم العلم ، لأصالة عدم تحقّق الشهوة ، فتأمّل.

وهو الحقّ المشهور (٣) ، بل المجمع عليه عندنا أيضا ـ لشذوذ المخالف ـ إذا كان من المرأة كذلك ، لما مرّ من الإجماع ، وللمستفيضة من النصوص :

كرواية معاوية بن حكيم : « إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة ، جامعها الرجل أو لم يجامعها ، في نوم كان ذلك أو في يقظة ، فإنّ عليها الغسل » (٤).

__________________

(١) ستأتي في الصفحة ٢٥٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٠ ـ ٣١٧ ، الاستبصار ١ : ١٠٤ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٢ : ١٩٤ أبواب الجنابة ب ٨ ح ١.

(٣) عطف على قوله : وهو محلّ الوفاق ، في الصفحة ٢٥٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٢ ـ ٣٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٠٦ ـ ٣٤٧ ولكن فيه عن معاوية بن عمار ، الوسائل ٢ : ١٨٩ أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٤.

٢٥٤

وصحيحة محمّد بن إسماعيل : عن المرأة ترى في منامها فتنزل ، عليها غسل؟ قال : « نعم » (١) وقريبة منها حسنة أديم بن الحر (٢).

وصحيحة الحلبي : عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل ، قال : « إن أنزلت فعليها الغسل ، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل (٣).

وصحيحة الأشعري وفيها : « إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل » (٤).

ورواية محمّد بن الفضيل وفيها : « إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل » (٥).

ورواية ابن أبي طلحة وفيها : « أليس قد أنزلت من شهوة؟ » قلت : بلى ، قال : « عليها غسل » (٦) إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن المقنع ، فنفى عنها الغسل إذا أمنت من غير جماع ، ولكن كلامه فيه ينفيه في احتلامها خاصة (٧) ، ويميل إلى ذلك كلام صاحب الوافي (٨).

لروايات دالّة على ذلك كصحيحتي عمر بن يزيد ، في إحداهما : قلت : فإن‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢٤ ـ ٣٣٣ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ٢ : ١٩٠ أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣١٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٥ ـ ٣٤٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٩ أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٢٣ ـ ٣٣١ ، الاستبصار ١ : ١٠٧ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ٢ : ١٨٧ أبواب الجنابة ب ٧ ح ٥.

(٤) قد تقدم مصدرها في ص ٢٥٣.

(٥) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣٢٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٥ ـ ٣٤٥ ، قرب الاسناد : ٣٩٥ ـ ١٣٨٧ ، الوسائل ٢ : ١٨٩ ، أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٣.

(٦) التهذيب ١ : ١٢٢ ـ ٣٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٠٥ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٢ : ١٩٠ ، أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٥.

(٧) المقنع : ١٣.

(٨) الوافي ٦ : ٤١٠.

٢٥٥

أمنت هي ولم يدخله ، قال : « ليس عليها الغسل » (١).

وفي الأخرى بعد قول السائل : ففخذت لها فأمذيت وأمنت هي : « ليس عليك وضوء ولا عليها الغسل » (٢) وصحيحة ابن أذينة : المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم ، قال : « ليس عليها الغسل » (٣).

ورواية عبيد بن زرارة : هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟

قال : « لا » (٤) وغير ذلك.

ويضعّف : بأنّها لمخالفتها لعمل قدماء الأصحاب شاذة ، وعن الحجية خارجة ، فلا تصلح للاستناد ، فكيف للمعارضة. ومع ذلك فاحتمال أن يراد بالإمناء انفصاله عن مستقرّه وإن لم يخرج من الفرج ، بل انصبّ إلى الرحم ـ كما هو الغالب في النساء ـ في أكثرها ممكن.

هذا كله في صورة العلم بكون الخارج منيا. وأمّا لو اشتبه فيعتبر في الرجل الصحيح بالدفق ومقارنة الشهوة ، أي التلذّذ ، وفتور البدن بعده ، فيجب الغسل فيما اشتمل عليها جميعا ، ولا يجب فيما فقد فيه بعضها. وفي المريض والمرأة بالثانيتين (٥) خاصة.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣٢١ ، الاستبصار ١ : ١٠٦ ـ ٣٤٨ ، الوسائل ٢ : ١٩٠ أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٨.

(٢) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ١٠٦ ـ ٣٤٩ ، الوسائل ٢ : ١٩١ أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢٠.

(٣) التهذيب ١ : ١٢٣ ـ ٣٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٧ ـ ٣٥١ ، الوسائل ٢ : ١٩١ أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢١.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٤ ـ ٣٣٢ ، الاستبصار ١ : ١٠٧ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٢ : ١٩٢ أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢٢.

(٥) يعني مقارنة الشهوة والفتور.

٢٥٦

لا لكون الثلاثة صفات لازمة غالبا في الأوّل (١) ، والثاني في الثانيين (٢) ، كما قيل (٣) ، لأنّ المستفاد منها ليس إلاّ الظن ، إذ المفروض عدم حصول العلم بكونه منيا ، وإلاّ فيخرج عن المقام ، والظن غير معتبر ، إذ لا ينقض يقين الطهارة إلاّ بمثله.

بل في الحكم الأوّل (٤) للأوّل (٥) ، لمنطوق الجزء الأوّل من صحيحة علي ، المتقدّمة (٦) ، وفي الثاني له (٧) للأصل ، مضافا إلى منطوق جزئها الثاني في بعض أفراده (٨) مع مفهوم الأوّل فيه أيضا ، وأمّا مفهومه في غيره ومفهوم الجزء الثاني فلتعارضهما وعدم المرجّح لا اعتبار بهما ، فالمرجع في موردهما هو الأصل.

ثمَّ هذه الصحيحة وإن شملت بظاهرها الثاني ، أي المريض أيضا ، إلاّ أنّه اخرج منها ، لعدم اعتبار الدفق في المريض بالمعتبرة ، فهي مخصصة لها بالصحيح ، إذ اشتراط الحكم بكونه منيا بالدفق كما هو صريحها مخصوص به ، وبقي المريض كالمرأة تحت الأصل. إلاّ أنّه اخرج عن الأصل مع الخروج بالشهوة ، ووجب عليه الغسل ، لصحيحة ابن أبي يعفور ، المتقدّمة (٩).

__________________

(١) يعني الرجل الصحيح.

(٢) يعني مقارنة الشهوة في المريض والمرأة.

(٣) المعتبر ١ : ١٧٧ ، التذكرة ١ : ٢٣.

(٤) يعني بالحكم الأوّل وجوب الغسل فيما اشتمل على الصفات الثلاثة.

(٥) أي للرجل الصحيح.

(٦) في ص ٢٥٤.

(٧) أي الحكم الثاني للرجل الصحيح ، وهو عدم وجوب الغسل في الفاقد.

(٨) أي في بعض أفراد الفاقد وهو الفاقد للشهوة والفتور ، وحاصل المراد أنّ منطوق الجزء الثاني ومفهوم الجزء الأول متوافقان في عدم وجوب الغسل لفاقد الشهوة والفتور ، وأمّا بالنسبة إلى واجد الشهوة والفتور وفاقد الدفع فيتعارض فيه المفهومان فإنّ مقتضى مفهوم الجزء الأوّل عدم وجوب الغسل فيه بينما أنّ مقتضى مفهوم الجزء الثاني وجوب الغسل.

(٩) في ص ٢٥٣.

٢٥٧

وحسنة زرارة : « إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربما كان هو الدافق لكنه يجي‌ء مجيئا ضعيفا ليست له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا ، فاغتسل منه » (١).

وصحيحة ابن عمار : عن رجل احتلم فلمّا انتبه وجد بللا قليلا ، قال :« ليس بشي‌ء إلاّ أن يكون مريضا فإنّه يضعف فعليه الغسل » (٢).

ولا يتوهّم عموم الأخيرة للخالي عن الشهوة أيضا ، لأنّ معنى قوله : « احتلم » أنّه رأى ذلك في المنام قطعا.

ويمكن أن يكون المراد منه ما معه الشهوة ، بل هو الظاهر ، كما صرّح به والدي ـ رحمه‌الله عليه ـ في اللوامع.

والشهوة المتحقّقة حينئذ وإن كانت في النوم إلاّ أنّها كافية ، كما هو صريح صحيحة ابن أبي يعفور. وذلك بخلاف الدفع والفترة المعتبرين في الصحيح ، للأصل ، واختصاص دليله باليقظة.

وأخرجت المرأة عن الأصل المذكور مع الشهوة في النوم أو اليقظة ، ووجب عليها الغسل ، لصحيحة ابن سعد ، المتقدّمة (٣) وما يتعقّبها من الروايتين بالتقريب المتقدّم من حملهما على المشتبه ، أو على العموم ولو من جهة ترك الاستفصال.

ثمَّ مقتضى إطلاق الأخبار فيهما وإن كان كفاية الثاني (٤) خاصة ، إلاّ أنّها يقيّد إطلاقها بمرسلة ابن رباط ، المتقدّمة (٥) ، فإنّها تعارض إطلاقات اعتبار‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨ الطهارة ب ٣١ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ ـ ١١٢٩ ، الوسائل ٢ : ١٩٦ أبواب الجنابة ب ٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨ الطهارة ب ٣١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٨ ـ ١١٢٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٩ ـ ٣٦٣ ، الوسائل ٢ : ١٩٤ أبواب الجنابة ب ٨ ح ٢.

(٣) في ص ٢٥٣.

(٤) يعني مقارنة الشهوة.

(٥) في ص ٢٥٢.

٢٥٨

الشهوة بالعموم من وجه ، والأصل مع عدم كفايته واعتبار الفترة أيضا فيهما ، كما صرّح به في المريض في المعتبر والمنتهى (١) ، ويظهر اعتبارها في المرأة عن بعضهم.

وأمّا اعتبار الدفق مع الشهوة ، كما احتمله في نهاية الإحكام (٢) ، أو اعتبار الثلاثة فيها ، كظاهر النافع (٣) ضعيف. كالقول بكفاية الدفق في الرجل الصحيح ، كما هو المحكي (٤) عن ظاهر نهاية الإحكام والوسيلة والمبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره ، والجملين والمقنعة والتبيان والمراسم والكافي ومجمع البيان والإصباح والروض وأحكام الراوندي.

ولعلّه لإطلاق الآية (٥) بتوصيف الماء بالدافق.

وضعفه ظاهر ، إذ توصيف بعض أفراد المني ـ وهو ما يتكوّن منه الإنسان ـ بالدافق لا يستلزم اتّصاف جميعها به.

وفي اعتبار رائحة الطلع ، أو العجين رطبا وبياض البيض جافّا ، كالتذكرة (٦) ، والشهيدين (٧) ، والكركي (٨) نافيا عنه الخلاف. أو عدمه ، كالأكثر ، كما في اللوامع ، قولان ، أقواهما : الأخير ، للأصل.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٧٨ ، المنتهى ١ : ٧٩.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١٠٠.

(٣) المختصر النافع : ٧ قال : ولو اشتبه اعتبر بالدفق وفتور البدن. وتكفي في المريض الشهوة.

(٤) الحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٧٨ وراجع نهاية الإحكام ١ : ١٠٠ ، الوسيلة : ٥٥ ، المبسوط ١ : ٢٧ ، الاقتصاد : ٢٢٤ ، المصباح : ٨ ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٢٥ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٠ ، المقنعة : ٥١ ، التبيان ١٠ : ٣٢٤ ، المراسم :ة ٤١ ، الكافي : ١٢٧ ، مجمع البيان ٥ : ٤٧١ ، الروض : ٤٩ ، أحكام الراوندي ( فقه القرآن ) : ٣٢.

(٥) الطارق : ٦.

(٦) التذكرة ١ : ٢٣.

(٧) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٧ ، والبيان : ٥٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧ ، والروض : ٤٩.

(٨) جامع المقاصد ١ : ٢٥٥.

٢٥٩

فروع :

أ : الخارج من غير الطبيعي لا يوجب الغسل مطلقا ، للصحاح الثلاثة لأبي الفضل وزرارة ، المتقدّمة في الأحداث الموجبة للوضوء (١) ، والمصرّح به في إحداها : أنّه عليه‌السلام ليس في بيان ما ينقض الوضوء خاصة حيث ذكر المني أيضا.

وبها يقيّد إطلاق وجوب الغسل بخروج المني ، مضافا إلى انصرافه إلى الشائع.

فالقول بالوجوب معه مطلقا ، أو مع انسداد الطبيعي ، أو مع الاعتياد ، أو كون المخرج من الصلب ، أو الإحليل أو البيضتين ، ضعيف.

ودعوى ظاهر الوفاق عليه في الثاني ـ كما في المعتمد ـ غير مقبولة.

ويلزم ممّا ذكرنا : اعتبار خروجه في الخنثى المشكل من الفرجين ولو مع اعتياد أحدهما.

ب : الخارج من فرج المرأة إن علم كونه من الرجل ، لم يوجب عليها الغسل ، للإجماع ، وخبر البصري : في المرأة تغتسل من الجنابة ثمَّ ترى نطفة الرجل بعد ذلك ، هل يوجب عليها غسل؟ فقال : « لا » (٢).

وكذا إن شك في كونه منه أومنها ، بل ولو ظنّ أنه منها ، للأصل ، وصحيحة منصور (٣) ، وخبر ابن خالد : عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فيخرج منه شي‌ء قال : « يعيد الغسل » قلت : فالمرأة يخرج منها شي‌ء بعد الغسل ، قال : « لا تعيد » قلت : فما فرق بينهما؟ قال : « لأنّ ما يخرج من المرأة هو ماء الرجل » (٤) أي‌

__________________

(١) راجع ص ٧ ، ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩ الطهارة ب ٣٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٤٦ ـ ٤١٣ ، الوسائل ٢ : ٢٠٢ أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٨ ـ ٤٢١ ، الوسائل ٢ : ٢٠١ أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٩ الطهارة ب ٣٢ ح ١ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ـ ٣٩٩ ، العلل : ٢٨٧ ، الوسائل ٢ :

٢٦٠