مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

المجعولة والمقطعة نظر ، والشهرة الجابرة غير معلومة.

هـ : هل تجوز كتابته على جسد المحدث؟ الظاهر نعم ، لعدم صدق المس.

وكذا تجوز كتابة المحدث له بالإصبع ، لأن ما كتب لا يمسّ ، وما لم يكتب بعد ليس بمصحف.

و : لا يختص التحريم بالمسّ بالكف ولا بما تحلّه الحياة خاصة ، بل يحرم المسّ بجزء من البدن مطلقا ولو بالظفر والسن ، لصدق المسّ المحرّم بالخبر (١) المنجبر فيهما. نعم ، الظاهر عدم تحريم اصابة الشعر ، للشك في صدق المس وعدم حصول الخبر.

ز : لا يجوز المس بما غسل من أعضائه قبل تمام الوضوء ، لعدم ارتفاع الحدث أصلا إلاّ بتمامه.

المسألة السادسة : السلس ـ وهو من يتقاطر بوله ولا يقدر على استمساكه‌ ـ إن لم تكن له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة ، يجب عليه الوضوء لكلّ صلاة ، ويعفى عن الخارج في أثنائها ، على الأظهر الأشهر ، كما في الذخيرة وغيره (٢).

أمّا وجوب الوضوء لكلّ صلاة : فلناقضية الخارج.

والشك في نقض القطرات الخارجة بغير اختيار ـ باعتبار الشك في شمول إطلاقات ناقضية البول لها لندرتها ـ ضعيف ، لأنّ انصراف المطلق إلى الشائع الوجودي إنّما هو إذا صلح الشيوع قرينة لإرادته وكانت مفهمة لها ، وهو هنا غير معلوم. ولو كان كذلك لم يحتج إلى التقييد بعدم الفترة بقدر الصلاة كما قيّده الأصحاب ، ولم تكن القطرة الخارجة من غير صاحب السلس بلا اختيار ناقضا.

وأما العفو عن الخارج في الأثناء : فللإجماع ، ولزوم التكليف بما لا يطاق إن وجب لكلّ خارج ، والترجيح بلا مرجّح إن وجب للبعض ، مع أنّه لا يقدر على‌

__________________

(١) يعني الخبر المروي في مجمع البيان المتقدم في ص ٢١٦.

(٢) الذخيرة : ٣٩ ، الكفاية : ٣ ، الرياض ١ : ٢٥.

٢٢١

الطهارة بشي‌ء من الصلاة.

خلافا في الأول للمحكي عن المبسوط (١) ، ومال إليه طائفة من مشايخنا (٢) ، فيصلّي بوضوء واحد عدّة صلوات ولا يتوضّأ إلاّ مع البول اختيارا ، لاستصحاب صحة الوضوء مع الشك في الناقضية كما مرّ. وضعفه قد ظهر.

ولظاهر موثّقة سماعة : عن رجل يأخذه تقطير في فرجه إما دم وإما غيره ، قال : « فليضع خريطة وليتوضّأ وليصلّ ، فإنما ذلك بلاء ابتلي به ، فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ منه » (٣).

ولا ظهور لها في مطلوبهم ، لعدم تعيّن الوضوء المأمور به. ولا يفيد التعليل ، إذ لعلّه علّة للعفو عن الخبث أو عن الحدث في الأثناء. ولا آخر الحديث ، لجواز أن يكون المراد بالحدث الذي يتوضّأ البول والغائط.

ولحسنة ابن حازم : في الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه قال : « إذا لم يقدر على حبسه فالله سبحانه أولى بالعذر ، يجعل الخريطة » (٤).

قيل : ترك الاستفصال مع قيام احتمال كون السؤال عن الأحداث والأخباث ، والجواب بأنّه معذور ليس عليه شي‌ء سوى جعل الخريطة ، يفيد عدم كون الخارج حدثا (٥).

وفيه : أنه لم يجب إلاّ بجعل الخريطة لعدم سراية الخبث ، ولم ينف عنه وجوب شي‌ء آخر بأدلّته.

وللمنتهى فيه أيضا ، فأوجب لكلّ صلاة وضوءا إلاّ للعصر والعشاء ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٦٨.

(٢) الرياض ١ : ٢٥ ، الدرة النجفية : ١٢ ، شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٩ ـ ١٠٢٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠ الطهارة ب ١٣ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٢٩٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٢.

(٥) شرح المفاتيح ( مخطوط ).

٢٢٢

فاكتفى بواحد للظهرين وبآخر للعشاءين ، بأن يجمع بينهما (١).

لصحيحة حريز : « إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل قطنا ثمَّ علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثمَّ صلّى يجمع الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل مثل ذلك في الصبح » (٢).

فإنّ الجمع له ظهور في كونهما بوضوء واحد. وفيه منع ظاهر.

وإن كانت له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة بأن يتقاطر في الأثناء مثل مرة أو مرتين ، فظاهر الأكثر أنّه أيضا كمن لا فترة له.

وهو مشكل ، إذ قد عرفت أنّ المعوّل فيه هو الإجماع ، وتحقّقه فيما نحن فيه غير معلوم ، والتكليف بما لا يطاق ، وانتفاؤه فيه معلوم.

وجوّز بعض مشايخنا أن يلحق بالمبطون ، فيتوضّأ كلّما أحدث ويبني على صلاته (٣).

وهو كذلك ، بل عليه الفتوى ، لخبر القماط : فيمن يجد غمزا أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، قال : فقال : « إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ، ثمَّ ينصرف إلى مصلاّه الذي كان يصلّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته » (٤) الحديث.

فإنّ إطلاقها يشمل السلس وغيره ، خرج الأخير بالإجماع فيبقى الباقي.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٧٣.

(٢) الفقيه ١ : ٣٨ ـ ١٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٨ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ١ : ٢٩٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ١.

(٣) الدرة النجفية : ١٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٥ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ٧ : ٢٣٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١١.

٢٢٣

ولزوم الفعل الكثير غير ضائر ، كما يأتي في المبطون (١).

وإن كانت له فترة تسع الطهارة وتمام الصلاة معتادة أو مظنونة بل أو محتملة يجب عليه التأخير إلى زمانها إن تعيّن ، وإلى آخر الوقت إن لم يتعيّن ، لعمومات اشتراط الوضوء المنتقض بخروج البول مطلقا لعمومات ناقضيته وإطلاقاتها.

ولو فجأ مثل ذلك الحدث في زمان الفترة ، ففي الوضوء والبناء ، أو إعادة الصلاة في فترة اخرى إن كانت له ، أو العفو ، احتمالات. أظهرها : الأوّل ، لخبر القمّاط. ولا يعارضه اشتراط الطهارة ومنافاة الفعل الكثير ، كما يأتي.

المسألة السابعة : حكم المبطون كالسلس بأقسامه على ما اخترناه. فالخالي عن الفترة بقدر الوضوء وبعض الصلاة يتوضّأ وضوءا واحدا ، للإجماع ، كما صرّح به في اللوامع أيضا ، ولنفي العسر والحرج.

وذو الفترة الكلية أي بقدر الطهارة وتمام الصلاة ولو احتمالية يؤخّرهما إلى زمان الفترة أو آخر الوقت ، لما مرّ.

ولو لم يؤخّر واتّفق التمام ففي صحة عمله إشكال. والظاهر العدم ، لعدم ثبوت مشروعية صلاته.

وذو الفترات الجزئية التي تسع الوضوء وشيئا من الصلاة يتوضّأ ويبني. وكذا ذو الفترة الكلية إن اتّفق الحدث في زمانها فجأة على الأظهر الأشهر. ولا يجب عليه التأخير إلى فترة أخرى لو كانت له ، لخبر القمّاط المتقدّم ، وموثّقة محمّد : « صاحب البطن يتوضّأ ثمَّ يرجع في صلاته فيتمّم ما بقي » (٢).

وتخصيصها بإرادة تجديد الوضوء بعد ما صلّى صلاة ثمَّ يرجع في الصلاة الباقية تخصيص بلا مخصّص ، لشمول إطلاقها الأثناء أيضا.

__________________

(١) في ص ٢٢٦.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٠ ـ ١٠٣٦ ، الوسائل ١ : ٢٩٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٤.

٢٢٤

وصحيحة الفضيل : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني ، أو أذى ، أو ضربانا ، فقال : « انصرف ثمَّ توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا » (١) الحديث ، فإنّها بإطلاقها تشمل المبطون أيضا.

وخروج غيره بالإجماع ـ لو كان ـ لا يضر ، وعدم التصريح فيها بخروج الحدث لا يقدح ، لأنّ المراد من لا يقدر على الإمساك قطعا ، لوجوب التحفّظ مع إمكانه ، ووجوب الإعادة لو لم يتحفّظ.

والقول بعدم مقاومة تلك الأخبار لما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة ، وعدم وقوع الفعل الكثير فيها ، فتجب الإعادة فيما أمكن لذي الفترة الكلية الذي فجأه الحدث ، مدفوع :

أمّا الأوّل : فبمنع ثبوت اشتراط الطهارة الحاصلة أولا مطلقا ، ولا دليل عليه ، ( وأما ) (٢) مطلقها فيحصل في الأثناء ( أيضا ) (٣) ، ولم يثبت اشتراط استمرارها إلى آخر الصلاة مطلقا.

وبعض الأخبار الشاملة للمقام إمّا معارضة بمثلها أو عامة بالنسبة إلى ما مرّ ، أو غير صريح الدلالة على الخلاف ، كرواية ابن الجهم : عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : « إن كان قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ رسول الله فلا يعيد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد » (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ـ ١٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ ـ ١٥٣٣ ، الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٣) لا توجد في « ق ».

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٥ ـ ٥٩٦ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ ـ ١٥٣١ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

٢٢٥

فإنّها معارضة مع صحيحة زرارة (١) ، وموثّقته (٢) ، وموثّقة ابنه عبيد (٣) ، وأعم من البطن ، ومحتملة لأن يراد منها إعادة الوضوء دون الصلاة.

وأمّا الثاني ، فبمنع كون الوضوء فعلا كثيرا ، ومنع إيجاب مطلقه ولو مثل ذلك ـ لو قلنا به ـ للبطلان.

مع أنّه لو سلّم الأمران جميعا ، فالموثّقة مقيّدة لأخبارهما قطعا فيجب العمل بها.

وقد يستدلّ أيضا للمطلوب بمثل صحيحة محمّد : « صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته » (٤).

وفيه نظر ، لاحتمال أن يراد بالوضوء الوضوء المأمور به أولا قبل الدخول في الصلاة ، وبالبناء عدم القطع ، أي يبني على صحة صلاته ولا يقطعها بالحدث في الأثناء ، ولم يعلم انفهام المعنى المتعارف بين المتفقّهة الآن من البناء في زمان المعصوم ، وإنّما حملناه على المتعارف في رواية الفضيل ، لقرينة قوله : « ما لم ينقض الصلاة » (٥) إلى آخره.

وغير القادر على حفظ الريح كالبطن ، لخبر القمّاط (٦) ورواية الفضيل.

المسألة الثامنة : لو تيقّن الطهارة أو الحدث وشك في الآخر بنى. على المتيقّن‌ إجماعا ، وهو مع الاستصحاب حجة ، مضافا فيهما (٧) إلى الرضوي المنجبر : « فإن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٨ ـ ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٢ ـ ١٥٣٥ ، الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهد ب ١٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٨ ـ ١٣٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٦ الصلاة ب ٣٣ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٤١٢ أبواب التشهد ب ١٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٠ ـ ١٠٣٦ ، الوسائل ١ : ٢٩٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٤.

(٥) المتقدمة في ص ٢٢٤.

(٦) تقدم في ص ٢٢٣.

(٧) أي في تيقن الطهارة وتيقن الحدث.

٢٢٦

شككت في الوضوء وكنت على يقين من الحدث فتوضّأ ، وإن شككت في الحدث وكنت على يقين من الوضوء فلا ينقض الشك اليقين إلاّ أن تستيقن » (١).

وفي الأوّل (٢) إلى المستفيضة :

منها : صحيحة زرارة : فإن حرّك إلى جنبه شي‌ء ولم يعلم به ، قال : « لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام ، حتى يجي‌ء من ذلك أمر بيّن ، وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ، ولكن ينقضه يقين آخر » (٣).

وموثّقة ابن بكير : « إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت » (٤).

وخبر البصري : أجد الريح في بطني حتى أظن أنّها قد خرجت ، فقال : « ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح » (٥) وغير ذلك.

وأمّا المروي في قرب الإسناد : عن رجل يكون على وضوء وشك على وضوء هو أم لا ، قال : « إذ ذكر وهو في صلاته انصرف وتوضّأ وأعادها ، وإن ذكر وقد

فرغ من صلاته أجزأه ذلك » (٦) ، فمع ضعفه بنفسه وشذوذه غير مفيد للوجوب ، والإجزاء بعد الصلاة يؤكّده أيضا.

وفي الثاني (٧) إلى إطلاقات وجوب الوضوء للصلاة وعموماته ، خرج ما خرج‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٧ ، المستدرك ١ : ٣٤٢ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ١.

(٢) أي مضافا في الأوّل يعني به تيقن الطهارة.

(٣) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٢ ـ ٢٦٨ ، الوسائل ١ : ٤٧٢ أبواب الوضوء ب ٤٤ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٣٧ ـ ١٣٩ ، التهذيب ١ : ٣٤٧ ـ ١٠١٨ ، الاستبصار ١ : ٩٠ ـ ٢٨٨ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٥.

(٦) قرب الإسناد ١٧٧ ـ ٦٥١ ، الوسائل ١ : ٤٧٣ أبواب الوضوء ب ٤٤ ح ٢.

(٧) أي مضافا في الثاني يعني تيقن الحدث.

٢٢٧

فيبقى الباقي.

وأمّا صحيحة محمّد : رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال : « يمضي على صلاته ولا يعيد » (١) فهي إنما فيما بعد الصلاة ، ولا اعتبار بالشك في الوضوء بعدها ظاهرا ـ كما يأتي في بحث الصلاة ـ وإن وجب الوضوء لصلاة أخرى. مع أنّها أعم من الشك بعد اليقين ، فيجب التخصيص بالمروي في قرب الإسناد المنجبر في المقام الذي هو أخص.

وفي حكم الشك في الصورتين الظن على الأظهر الأشهر ، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب (٢) ، وأكثر ما مرّ يدلّ عليه.

وممّن جعل مبنى الحكم الاستصحاب وتوهّم انحصار دليله في ظن البقاء ، من توهّم ابتناء الحكم على الظن ببقاء الوضوء ودورانه معه.

وفيه : عدم انحصار المبنى ودليله.

وقد يتوهّم تعارض مفهومي ينقضه يقين آخر ولا ينقض اليقين بالشك ، وربما يرجع الثاني في الثاني باعتضاده بالأصل.

وفيه : أنّ المفهومين من باب اللقب فلا اعتبار بهما ، فالاستصحاب الثابت حجيته ولو مع ظن الزوال دالّ على الحكم في الصورتين بلا معارض ، مضافا إلى العمومات ، وخصوص خبر البصري.

ثمَّ اليقين والشك وإن اجتمعا في الزمان ، ولكن زمان متعلّقهما مختلف فلا يرد إشكال ، ولا حاجة في رفعه (٣) إلى حمل اليقين على الظن أو الحدث على السبب ، مع أنّهما لا يفيدان أصلا كما لا يخفى.

المسألة التاسعة : لو تيقّنهما وشك في المتأخّر تطهّر مطلقا ، وفاقا للمشهور ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٤ و ١٠٢ ـ ٢٦٧ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٥.

(٢) كما نسبه في مشارق الشموس : ١٤٢.

(٣) في « ق » دفعه.

٢٢٨

لتكافؤ الاحتمالين الموجب لتساقطهما الرافع لليقين بالطهارة الواجب للمشروط بها ، ولعمومات وجوب الوضوء وإطلاقاته ، والرضوي المنجبر بالشهرتين (١) : « وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيّهما أسبق فتوضّأ » (٢).

وإطلاقه يشمل ما لو علم وقت الحدث بالخصوص ، فلا يضرّ عدم تكافؤ الاحتمالين حينئذ ، لأصالة تأخّر الوضوء الحادث عن وقت الحدث.

ولا تنافيه الموثّقة المتقدّمة (٣) حيث لا يقين بالحدث ، لمنع عدم اليقين به ، بل هو متيقّن لا محالة في زمان ، ولا دليل على اشتراط تيقّن لحوقه بالطهارة.

ثمَّ ما ذكرنا من الأدلّة يعمّ صورتي الجهل والعلم بالحالة السابقة على الأمرين ، فالحكم ثابت في الصورتين.

خلافا للكركي ، وظاهر المعتبر (٤) ، فمع العلم يأخذ بضد السابقة ، لانتقاضها بورود ضدّها يقينا ، ولا يعلم ارتفاع الضد لجواز تعاقب المثلين فيجب استصحابه.

ويضعف : بأنّ ورود ضد الضدّ أيضا متيقّن وارتفاعه غير معلوم ، فيستصحب.

فإن قيل : المعتبر من الأمرين أثرهما دون نفسهما ، وتحقّق أثر ضدّ الضد غير معلوم لجواز التوالي فيستصحب أثر الضدّ.

وبعبارة أخرى : الضدّ هو الأثر ، وحصول ضدّ الضدّ غير معلوم.

والحاصل : أنّ في صورة تيقن الطهارة تكون هناك طهارتان بمعنى الأثر : متيقّنة ومشكوكة ، وحدث بمعناه متيقّن ، والمتيقّنة قد ارتفعت بالمتيقّن ، والمشكوكة لا تعارضه فيبنى عليه ، وقس عليه صورة تيقّن الحدث.

__________________

(١) المحققة والمحكية ، كما حكاها في كشف اللثام ١ : ٧٥.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٧ ، المستدرك ١ : ٣٤٢ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ١.

(٣) ص ٢٢٧.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٢٣٦ ، المعتبر ١ : ١٧١.

٢٢٩

وبعبارة أخرى : الحالة السابقة مرتفعة قطعا ، والمضادّة له متحقّقة كذلك ، وتحقّق المماثلة للثانية مشكوك فيه ، فتستصحب المضادة.

قلنا : وجود المماثلة بعد زمان الحالة السابقة يقيني أيضا ، لحصول الفعل المماثل بعده ، وهو إمّا قبل الضدّ أو بعده ، وعلى التقديرين يكون الأثر المماثل متحققا في زمانه ، وارتفاعه مشكوك فيه ، لاحتمال البعدية فيستصحب.

ولظاهري (١) المنتهى ، والمختلف (٢) ، فيأخذ بمثل السابقة مع العلم ، فلا يتطهر مع العلم بالطهارة لتيقّن نقضها ، وعدم إمكان الطهارة عن حدث مع بقاء السابقة ، فتكون الطهارة الثانية بعد الحدث ونقضها مشكوك فيه. وقس عليه صورة العلم بالحدث.

قيل : ذلك إنّما يكون مع العلم بالتعاقب وعدم احتمال التوالي فيخرج عن مسألة الشك (٢).

قلت : ولكن قوله : ونقضها مشكوك فيه ، يدخله فيها.

والظاهر أنّ مراده صورة العلم بالتعاقب مع احتمال التعدد في كلّ من الأمرين المتحقّقين بعد الحالة السابقة ، فيدخل في مسألة الشك ، ولكن لا يكون من المسألة المبحوث عنها ، بل من السابقة ، أي : تيقّن الطهارة أو الحدث والشك في رفعه ، وحكمه حكمه.

المسألة العاشرة : لو تيقّن ترك غسل عضو أو بعضه أو مسحه ، أتى به وبما بعده إن كان ، سواء كان في أثناء الوضوء أو بعده.

ويدلّ على وجوب الإتيان به وجوب الإتيان بالمأمور به ، وصحيحة زرارة : « وإن تيقّنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا » (٤).

__________________

(١) عطف على قوله : خلافا للكركي.

(٢) المنتهى ١ : ٧٤ ، المختلف : ٢٧.

(٣) روض الجنان : ٤٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ أبواب الوضوء

٢٣٠

وحسنة الحلبي : « إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف وأتمّ الذي نسيته من وضوئك وأعد صلاتك » (١).

وعليه (٢) وعلى الإتيان بما بعده وجوب الترتيب ، وصحيحة زرارة : « وإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس ثمَّ أعد على الرجل » (٣).

والأخرى : عن رجل بدأ بيده قبل وجهه وبرجليه قبل يديه ، قال : « يبدأ بما بدأ الله وليعد ما كان فعل » (٤).

وصحيحة ابن حازم : في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : « يغسل اليمين ويعيد اليسار » (٥).

وحسنة الحلبي : « إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه وذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضّأ » (٦) أي غسل ، لأنّه معنى‌

__________________

ب ٤٢ ح ١.

(١) الكافي ٣ : ٣٤ الطهارة ب ٢٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٣ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٣.

(٢) عطف على قوله : وجوب الإتيان به .. يعني يدلّ على وجوب الإتيان به وبما بعده وجوب الترتيب ..

(٣) الكافي ٣ : ٣٤ الطهارة ب ٢٢ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٩ ، التهذيب ١ : ٩٧ ـ ٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ١ : أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٩٧ ـ ٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ـ ٢٢٤ ، الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٩٧ ـ ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ـ ٢٢٥ ، الوسائل ١ : ٤٥١ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤ الطهارة ب ٢٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٩٩ ـ ٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ١ : ٤٥٢ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٩.

٢٣١

الوضوء.

وموثّقة أبي بصير : « إن نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه ، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل اليمين ثمَّ اغسل اليسار ، وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك » (١).

وأمّا ما دلّ بظاهره على إعادة الوضوء كخبر ابن حكيم : عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس ، قال : « يعيد الوضوء إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا » (٢).

وموثّقة سماعة : « من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله في القرآن كان عليه إعادة الوضوء والصلاة » (٣).

أو على عدم إعادة ما بعد المنسي كمرسلة الفقيه : عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضّأ موضع لم يصبه الماء ، فقال : « يجزيه أن يبلّه من بعض جسده » (٤).

وصحيحة علي : عن رجل توضأ ونسي غسل يساره ، فقال : « يغسل يساره وحدها ولا يعيد وضوء شي‌ء غيرها » (٥).

أو على عدم غسل شي‌ء لا المنسي ولا ما بعده كرواية محمّد : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فامضه ولا إعادة عليك فيه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥ الطهارة ب ٢٢ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٩٩ ـ ٢٥٨ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٤٥٢ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥ الطهارة ب ٢٢ ح ٩ ، العلل : ٢٨٩ ـ ١ ، الوسائل ١ : ٤٤٨ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٠٢ ـ ٢٦٦ ، الوسائل ١ : ٤٥١ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٣٦ ـ ١٣٣ ، عيون الأخبار ٢ : ٢٢ ـ ٤٩ ، الوسائل ١ : ٤٧٢ أبواب الوضوء ب ٤٣ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٩٨ ـ ٢٥٧ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ـ ٢٢٦ ، قرب الإسناد ١٧٧ ـ ٦٥٠ ، الوسائل ١ : ٤٥٢ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٧.

(٦) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٤ ، الوسائل ١ : ٤٧١ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٦.

٢٣٢

فلا يصلح (١) للاحتجاج ، لمخالفتها لعمل الكلّ الموجب لشذوذها ، المخرج إيّاها عن الحجية.

مضافا إلى ما في الأوّل ، من عدم الدلالة على الوجوب.

وفي الثاني ، من ظهوره في حال جفاف الكلّ الموجب للإعادة إجماعا بقرينة إعادة الصلاة ، إذ مع الإتيان بها لا يبقى البلل غالبا.

وفي الثالث ، أنه غير دالّ على عدم غسل ما بعده ، فإنّه يحتمل أن يكون المراد الإجزاء في غسل هذا الموضع المنسي ببلّة بعض جسده وعدم الاحتياج إلى ماء آخر.

وفي الرابع ، أنّ الوضوء حقيقة في الغسل ، فمفاده أنه لا يعيد غسل شي‌ء آخر ، ولا ينافي وجوب المسح عليه بعد ذلك.

وفي الخامس ، من الإجمال المسقط للاستدلال ، فإنّ قوله : « ذكرته » كما يمكن أن يراد به تذكّر تركه ، يمكن أن يراد به تذكّر فعله تذكّرا ما ، أي ولو بالاحتمال البعيد ، ولم يتيقّن بتركه. ويكون المراد بقوله : « مضى » الخروج عنه.

وتكون لفظة « من » بيانية أو تبعيضية. والمراد بالمضي الفراغ من الفعل ، فيكون مرجعه إلى الشك بعد الفراغ.

وخالف الإسكافي في إعادة ما بعده إذا كان المتروك دون الدرهم ، واكتفى بغسل المتروك خاصة (٢) ، واستند برواية (٣) غير ثابتة عندنا.

هذا إذا ذكر قبل الجفاف المبطل ، وإلاّ استأنف إجماعا ، ووجهه ظاهر.

__________________

(١) خبر لقوله قبل سطور : واما ما دل بظاهره ..

(٢) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٧.

(٣) نقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : قد روى توقيت الدرهم ابن سعيد عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وابن منصور عن زيد بن علي. ومنه حديث أبي أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقال الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل كلام ابن الجنيد ـ : إن الأصحاب لم يعتبروا مذهب أبي علي والأخبار لم تثبت عندهم. وراجع سنن البيهقي ١ : ٨٤.

٢٣٣

ويدلّ عليه إطلاق خبر ابن حكيم ، وموثقة سماعة ، الخالي عن الشذوذ في المقام.

وبه وبما مرّ في مسألة الموالاة (١) تقيّد الإطلاقات ، مع عدم تصريح فيها بما ينافي المطلوب.

المسألة الحادية عشرة : لو شك في فعل من أفعال الوضوء ، فإمّا يكون قبل الفراغ أو بعده. فعلى الأوّل يأتي به وبما بعده ، ولا يستأنف إلاّ مع جفاف ما قبله ، للإجماع في الكلّ ، والأصل ، والاستصحاب في الأوّل (٢) ، وأدلّة الترتيب في الثاني ، والأصل وعدم المقتضي في الثالث ، وأدلّة الإعادة مع الجفاف في الرابع.

مضافا في الأوّل إلى صحيحة زرارة : « إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء » (٣).

بل في الثاني أيضا حيث إنّ الشك في السابق يوجب الشك في الغسل والمسح الصحيحين اللذين هما المرادان منهما في اللاحق أيضا.

ولا ينافيها موثّق ابن أبي يعفور : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء ، إنّما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » (٤) حيث دلّ صدره على عدم إعادة شي‌ء مع الدخول في غيره ، ومفهوم ذيله على عدم اعتبار الشك في شي‌ء إذا لم يكن فيه ، لجواز رجوع ضمير « غيره » في صدره إلى الوضوء ،

__________________

(١) في ص ١٤٦.

(٢) المراد بالأول ، وجوب الإتيان بالمشكوك المستفاد من قوله : « يأتي به » ، والمراد بالثاني وجوب الإتيان بما بعده ، وبالثالث عدم استيناف الوضوء في غير صورة الجفاف ، وبالرابع وجوب الاستيناف في صورة الجفاف.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٢ ، مستطرفات السرائر : ٢٥ ـ ٣ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ١.

٢٣٤

وعدم إفادة ذيله الحصر إن أريد مفهوم الحصر كما بيّنا في الأصول (١) ، مع عدم لزوم اتّحاد الشيئين ، فيمكن أن يراد بالأخير الكلّ ، وتغايرهما مع التنكير جائز ، بل راجح كما قيل في تكرر العسر واليسر في الآية (٢) ، ومنه يعلم عدم الدلالة لو أريد مفهومه الشرطي.

ولو سلّم الجميع فيكون الموثّق أعم مطلقا من الصحيحة ، فيجب تخصيصه بها. ولو قطع النظر عنها فهو لا يقاومها ، لشذوذه. ولو سلّم فالمرجع إلى الأصل ، وهو معها.

وممّا ذكر ظهر عدم ضرر في مرسلة الواسطي أيضا : أغسل وجهي ثمَّ أغسل يدي ويشكّكني الشيطان أنّي لم أغسل ذراعي ويدي ، قال : « إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد » (٣) مع أنّ مع وجدان برد الماء يخرج عن الشك.

وكذا يظهر الجواب عن المعتبرة الدالّة على عدم العبرة بالشك مع تجاوز المحل ، كموثقة ابن مسلم : « كلّما شككت فيما مضى فامضه كما هو » (٤) وصحيحة زرارة : « إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » (٥) لكون الجميع أعم مطلقا ممّا مر.

مع أنّ الظاهر من بعض تلك الأخبار إرادة الشك في جزء الفعل والدخول في غير الفعل ، فإنّ الخروج من شي‌ء والدخول في غيره لا يكون إلاّ مع العلم بالتلبّس به ، وحصوله في الوضوء ظاهر ، وأما في الفعل المشكوك فمعلوم الانتفاء ، فلا يعلم شمول تلك الروايات لمثل المقام.

__________________

(١) من أنّ لفظة إنما لا تفيد الحصر على الأقوى « منه ره ».

(٢) حكاه عن الفرّاء في مجمع البيان ٥ : ٥٠٩.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٣ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ بتفاوت يسير ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

٢٣٥

ولا فرق فيما ذكر بين النية وغيرها ، فلو شك فيها ، أتى بها وبما بعدها ، للأصل والاستصحاب المذكورين ، مضافا إلى الإجماع المركّب ، وعدم المعارض ، لما عرفت في الأخبار من عدم الدلالة.

وهل الحكم يعم كثير الشك أيضا ، أم يخصّ بمن عداه وهو لا يلتفت إلى شكه؟

الحق : هو الثاني ، وفاقا لصريح السرائر ، والكركي ، والذكرى (١) ، واللوامع مصرّحا فيه بعدم العثور على مصرّح بالخلاف ، واستقر به في نهاية الإحكام (٢) ، ونفى عنه البعد في المدارك (٣) ، لنفي العسر والحرج.

ومفهوم التعليل في صحيحة زرارة ، وأبي بصير في كثير الشك في الصلاة ، بعد الأمر بالمضي في الشك فيها : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود ، فليمض أحدكم في الوهم ولا تكثرن نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليك » (٤).

وظاهر خصوص صحيحة ابن سنان : ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت : هو رجل عاقل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ » فقلت : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : « سله هذا الذي يأتيه من أي شي‌ء؟ فإنّه يقول لك : إنه من عمل الشيطان » (٥).

وصرّح في مرسلة الواسطي ، المتقدّمة أيضا : « إنّ الشك من الشيطان ».

بل يدلّ عليه التعليل في رواية علي بن أبي حمزة ـ بعد السؤال عن رجل شك في‌

__________________

(١) السرائر ١ : ١٠٤ ، جامع المقاصد ١ : ٢٣٧ ، الذكرى : ٩٨.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٦١.

(٣) المدارك ١ : ٢٥٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٨ الصلاة ب ٤٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ـ ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٥) الكافي ١ : ١٢ العقل والجهل ح ١٠ ، الوسائل ١ : ٦٣ أبواب مقدمة العبادات ب ١٠ ح ١.

٢٣٦

صلاته ، وجوابه بأنه يمضي في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ـ بقوله : « فإنه يوشك أن يذهب عنه » (١).

وفي صحيحة محمّد : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ، فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان » (٢) وظاهر أنّ المراد بالسهو فيها الشك بالإجماع. علّل الإمضاء بقوله : « يوشك أن يدعك » ، وهو جار في ذلك المورد أيضا. ويؤكّده بعض العمومات المتقدّمة (٣) ، الخالي في المقام عن الشذوذ.

خلافا لظاهر إطلاق من أطلق وهو جماعة ، فالأوّل ، للأصل ، والاستصحاب ، وإطلاق الصحيحة المتقدّمة (٤).

ويندفع الأولان ، ويقيّد الثالث بما مرّ ، مع إمكان الخدش في الأخير باعتبار كون المواجه بالخطاب خاصّا ، وكونه كثير الشك غير معلوم ، والإجماع على الاشتراك والتعميم منتف قطعا.

وكثرة الشك هنا تناط إلى العرف ، ولا يبعد كون من شك ثلاثا متواليا كثير الشك في الصلاة.

وعلى الثاني ، أي : كون الشك بعد الفراغ لم يلتفت إليه إجماعا محقّقا ومحكيا مستفيضا (٥) ، وهو الحجة.

مضافا إلى مفهوم ما مرّ في صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٦) ، ومنطوق ما بعده‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠٢٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ـ ٧٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ ـ ١٤٢١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٩ الصلاة ب ٤٣ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ ـ ٩٨٩ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ـ ١٤٢٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٨ : ٢٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١.

(٣) في ص ٢٣٥.

(٤) في ص ٢٣٤.

(٥) حكاه في المنتهى ١ : ٧٥ ، والإيضاح ١ : ٤٢.

(٦) في ص ٢٣٤.

٢٣٧

من قوله : « فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها ، فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك فيه وضوءا فلا شي‌ء عليك ».

وما مرّ من موثّقتي ابن أبي يعفور ومسلم (١) ، والصحيحة الأخرى لزرارة (٢) ، وصحيحتي بكير ، ومحمّد :

الأولى : الرجل يشك بعد ما يتوضّأ ، قال : « هو حين ما يتوضّأ أذكر منه حين يشك » (٣).

والثانية : رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة ، قال : « يمضي على صلاته ولا يعيد » (٤).

وأمّا ما تضمّنته صحيحة زرارة الأولى من المسح عند الشك بعد الفراغ لو وجد البلل ، فهو بالإجماع ليس بواجب.

والمعتبر في الحكم إنّما هو إتمام الوضوء دون الانصراف من الحالة المتحقّقة حين الوضوء من القيام أو الجلوس ، على الأشهر الأظهر ، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (٥) ، بل في المدارك وعن جدّه : الإجماع عليه (٦) ، للموثّقتين ، والصحيحتين المتعقّبتين لهما.

ولا تنافيها صحيحة زرارة الأولى (٧).

أما مفهوم قوله : « إذا كنت قاعدا على وضوئك » فلأنّ المراد منه الاشتغال‌

__________________

(١) في ص ٢٣٤ و ٢٣٥.

(٢) الاستبصار ١ : ٧٣ ـ ٢٢٤ ، الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٤) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٥.

(٥) منهم صاحب الرياض ١ : ٢٧.

(٦) المدارك ١ : ٢٥٧ ، الروضة ١ : ٨١.

(٧) المتقدمة في ص ٢٣٤.

٢٣٨

بقرينة التعدية بـ « على » ، ولظهور عدم اعتبار القعود في الوضوء. مع أنّ مفهومه لو اعتبر ، لكان مدلوله أنه لو توضّأ فإنّما لم يكن الحكم كذلك ، وهو كما ترى.

وبالجملة لو أريد منه ظاهره لاحتاج إلى تجوّزات ليست أولى من الحمل على الفراغ.

وأمّا منطوق قوله : « ما دمت في حال الوضوء » فلاحتمال كون الإضافة بيانية.

وأمّا مفهوم قوله : « فإذا قمت » إلى آخره : فلأنّ معنى القيام من شي‌ء الفراغ منه ، ولو سلّم ، فيحتاج إلى تجوّز وتخصيص ليس بأولى من حمله على الفراغ.

ومن ذلك يظهر ضعف قول من اشترط القيام من الوضوء ولو تقديرا ، مستندا إلى الصحيحة.

ثمَّ إتمام الوضوء والفراغ منه إنّما يتحقّق بإكمال العضو الأخير منه ولو لم يدخل بعد في فعل آخر ، فلا يلتفت إلى الشك بمجرده إذا كان الشك في غير العضو الأخير.

وأمّا إذا كان فيه فعدم الالتفات إليه إنّما هو بالإعراض عن الوضوء ، أو الدخول في فعل آخر غير الوضوء ، فإنه لا يلتفت حينئذ ، لصدق الفراغ ، والخروج ، والدخول في الغير ، والمضي ، وبعد التوضّؤ ، المعلّق على كلّ منها الحكم فيما تقدّم من الأخبار.

وأمّا ما لم يتحقّق الإعراض ولا الدخول في فعل آخر فيجب الإتيان به ، لعدم القطع بالفراغ والإتمام.

المسألة الثانية عشرة : من ترك غسل أحد المخرجين عمدا وصلّى ، أعاد الصلاة إجماعا. وكذا لو تركه نسيانا على الأظهر ، وفاقا للأكثر ، كما صرّح به جماعة (١) ، للمستفيضة كصحيحتي زرارة ، وابن أبي نصر ، ومرسلة ابن بكير ،

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٤٣ ، ونسبه في الذخيرة : ١٩ ، والحدائق ٢ : ٢٢ إلى الشهرة.

٢٣٩

الواردة في مخرج البول :

الأولى : توضّأت يوما ولم أغسل ذكري ثمَّ صلّيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « اغسل ذكرك وأعد صلاتك » (١).

والثانية : أبول وأتوضّأ وأنسى استنجائي ثمَّ أذكر بعد ما صلّيت ، قال : « اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوءك » (٢).

والثالثة : في الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضّأ ويصلّي ، قال : « يغسل ذكره ويعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء » (٣).

وموثّقة سماعة ، الواردة في البول والغائط : « إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ، ثمَّ توضّأت ونسيت أن تستنجي ، فذكرت بعد ما صلّيت ، فعليك الإعادة. وإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت ، فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك ، لأنّ البول مثل البراز » (٤) وفي بعض نسخ الكافي كما نقله بعض الأجلّة : « ليس مثل البراز ».

فإنّ قوله أوّلا : « فعليك الإعادة » وإن احتمل إرادة إعادة الوضوء أو مع الصلاة الموجبة للحمل على الاستحباب ، لعدم وجوب إعادة الوضوء عند جلّ الأصحاب ، إلاّ أنّ أصالة الحقيقة في قوله : « فعليك » التي هي الوجوب المختص بالصلاة تعيّن الحمل على إرادة إعادة الصلاة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨ الطهارة ب ١٢ ح ١٤ ، التهذيب ١ : ٤٧ ـ ١٣٥ ، الاستبصار ١ : ٥٣ ـ ١٥٢ ، الوسائل ١ : ٢٩٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ١٣٣ ، الاستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٨ الطهارة ب ١٢ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٩ الطهارة ب ١٢ ح ١٧ ، التهذيب ١ : ٥٠ ـ ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ـ ١٦٢ ، الوسائل ١ : ٣١٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٥. البراز : كناية عن ثفل الغذاء ، وهو الغائط.

الصحاح ٣ : ٨٦٤.

٢٤٠