مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

الوضع (١).

ولم أقف على دليل له إلاّ ما ادّعاه من الإجماع ، وهو غير ثابت.

نعم ، لم يذكر جماعة الوضع أصلا (٢).

وعن الشيخ في كتابي الحديث عدم وجوبه ، حيث حمل الموثّق على الاستحباب عند المكنة وعدم الضرورة (٣).

وإن لم يمكن غسل ما تحتها بأحد الوجوه الثلاثة ، يمسح على الجبيرة ويغسل ما حولها وجوبا ، سواء أمكن مع ذلك حلّ الجبيرة أولا ، اتّفاقا محققا ومنقولا ، كما عن الخلاف (٤) وفي المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، والمدارك (٥) ، مع عدم إمكان الحل ، وعلى الأظهر معه.

للإجماع في الأول ، وللمستفيضة فيهما ، منها : الحسنة والرضوي المتقدّمان وحسنة كليب والوشاء.

الأولى : عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره » (٦).

والثانية : عن الدواء إذا كان على يد الرجل يجزيه أن يمسح عليه؟ قال : « نعم ، يجزيه أن يمسح على طلي الدواء » (٧).

والمروي في تفسير العياشي : عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها ، وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال : « يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة‌

__________________

(١) الذخيرة : ٣٧.

(٢) منهم الشهيد في الدروس ١ : ٩٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢٣٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢٦ ، والاستبصار ١ : ٧٨.

(٤) الخلاف ١ : ١٥٩.

(٥) المعتبر ١ : ١٦١ ، و ١٦٢ ، المنتهى ١ : ٧٢ ، التذكرة ١ : ٢١ ، المدارك : ٣٧.

(٦) التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨.

(٧) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٥ ، الاستبصار ١ : ٧٦ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩.

٢٠١

والوضوء » (١).

ولا تعارض تلك الأخبار روايات التيمّم (٢) ، لأنّها بين ظاهرة في المجرد عن الجبيرة أو مطلقة بالنسبة إليه ، وهذه خاصة بذي الجبيرة.

ولا الروايات المقتصرة بغسل ما حول الجرح ، كذيل حسنة الحلبي ، المتقدّمة ، وصحيحة ابن سنان : عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال : « يغسل ما حوله » (٣).

ومرسلة الفقيه : وروي في الجبائر أنه يغسل ما حولها (٤).

وصحيحة البجلي : عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : « يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر مما ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته » (٥).

لأنّ إيجاب غسل ما حوله وعدم العبث بالجراحة وعدم غسلها لا ينافي وجوب المسح إذا كان ثابتا من دليل آخر.

وقوله في الصحيحة : « ويدع ما سوى ذلك » أي من الجسد بقرينة قوله : « ممّا لا يستطيع غسله ولا يعبث بجراحته » فلا ينافي المسح على الجبيرة التي هي غير الجسد.

مع أنّ الظاهر منه أنه يدع غسله فلا منافاة أصلا ، ولو منع الظهور فلا أقلّ‌

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٢ ، الوسائل ١ : ٤٦٦ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٦ أبواب التيمم ب ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢ الطهارة ب ٢١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ١ : ٤٦٤ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩ ـ ٩٤ ، الوسائل ١ : ٤٦٤ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢ الطهارة ب ٢١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٤ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ١ : ٤٦٣ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١.

٢٠٢

من الاحتمال فلا يعارض.

مع أنه على فرض الدلالة فللمعارضة مع ما مرّ غير صالحة ، لمخالفته في الجملة لعمل المعظم بل الكلّ الموجبة لشذوذها.

وتوهّم فتوى الصدوق والكليني ـ طاب ثراهما ـ بمضمونها (١) وحمل أخبار المسح على الاستحباب فاسد.

نعم ، اختاره واحد من متأخري المتأخرين (٢) ومال إليه آخر (٣) ، ولا يعبأ بهما.

وبذلك الإجماع تقدّم تلك الأخبار على الآية فيما إذا صدق على صاحب الكسر أو نحوه المريض وإن تعارضا بالعموم من وجه. مع أنّ المرض ( لغة ) (٤) إما هو السقم خاصة ـ كما هو صريح بعض اللغويين (٥) ـ فلا تعارض بينهما أصلا ، لتغاير السقم والكسر ونحوه كما هو ظاهر ، أو يكون شاملا لجميع الآفات حتى الكسر ونحوه ـ كما هو المحتمل ـ ويكون المتّصف بها أيضا مريضا لغة وإن لم يكن كذلك عرفا ، ولا يضرّ لتأخّر الحادث ، فتكون الآية أعم مطلقا يجب تخصيصها.

وإن لم تكن على الموضع جبيرة وآذاه الماء ، فالحقّ فيه التخيير بين أحد الأمور الثلاثة : المسح على الجبيرة بوضع شي‌ء على الموضع ومسحه ، وإمّا التيمم ، وإمّا الاكتفاء بغسل ما حول الموضع.

أمّا جواز المسح على شي‌ء وضعه على الموضع : فلحسنة الحلبي ، المتقدّمة (٦) ، دلّت بإطلاقها على المسح بالخرقة المعصوبة مع إيذاء الماء ، سواء كانت على الموضع قبل إرادة الوضوء ، أو عصبها حينها مع تجرّد الموضع أوّلا.

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٣٧ ، والحدائق ٢ : ٣٨٢.

(٢) مجمع الفائدة ١ : ١١١.

(٣) المدارك ١ : ٢٣٨.

(٤) لا توجد في « ه‍ ».

(٥) منهم الجوهري في الصحاح ٣ : ١١٠٦.

(٦) في ص ٢٠٠.

٢٠٣

وأمّا عدم تعيّن ذلك حتى يجب الوضع : فللأصل وعدم الدليل.

فإن قلت : قوله : « فليمسح على الخرقة » يدلّ على وجوبه المتوقّف امتثاله على الوضع.

قلنا : الثابت منه وجوبه على من سئل عنه أي من يعصبها ( ويتوضّأ ، الذي هو مرجع المستتر ) (١) وهو كذلك ، لا على من لم يعصبها.

فإن قلت : فيلزم أنّ من عليه جبيرة يمكن حلّها لو حلّها كان حكمه التخيير أيضا ، ولم يتعيّن عليه المسح على الجبيرة ، لعدم دليل على وجوب الوضع.

قلت : الدليل فيه استصحاب وجوب المسح على الخرقة الموقوف على وضعها ، بخلاف من ليست عليه ، فإنّه لم يثبت وجوب عليه حتى يستصحب.

وأمّا جواز التيمم : فلمطلقاته كالمرسلة : « يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة » (٢).

والأخرى : « المجدور والكسير يؤممان ولا يغسلان » (٣).

والثالث : « يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة » (٤).

والرابعة : « في الكسير والمبطون يتيمّم ولا يغتسل » (٥).

والصحيحة : في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح ، أو يخاف على نفسه من البرد ، فقال : « لا يغتسل ويتيمم » (٦).

والأخرى : عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب ، قال : « لا بأس بأن‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ق ».

(٢) التهذيب ١ : ١٨٥ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ٣ : ٣٤٨ أبواب التيمم ب ٥ ح ١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٥٩ ـ ٢١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٤٨ أبواب التيمم ب ٥ ح ١٢ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٣ : ٦٨ الطهارة ب ٤٥ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٣٤٧ أبواب التيمم ب ٥ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٦٨ الطهارة ب ٤٥ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٥٩ ـ ٢١٧ ، و ٢١٨ ، التهذيب ١ : ١٨٤ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ٢ : ٣٤٦ أبواب التيمم ب ٥ ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ١٩٦ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٣ : ٣٤٧ أبواب التيمم ب ٥ ح ٧.

٢٠٤

لا يغتسل ، يتيمّم » (١).

والموثّقة : في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة ، قال : « لا يتيمم » (٢).

والمروي في الدعائم : « من كانت به قروح أو علّة يخاف منها على نفسه يتيمّم » (٣).

دلّت على جواز التيمم لكلّ من كانت به قروح أو كسر أو علّة ، خرج من به جبيرة أو خرقة بما مرّ ، وأمّا الخالي عنهما فتبقى فيه مطلقات التيمّم خالية عن المعارض ، فيجوز له التيمّم ، لها. ووضع شي‌ء وعصبه على الموضع ، للأصل الخالي عن المعارض أيضا. وبعده يجب عليه المسح عليها ، للحسنة (٤).

ولا يندفع ذلك الأصل بمطلقات التيمّم ، لعدم دلالتها على الزائد على مشروعيته ، لخلوّها عن الدالّ على وجوبه وحرمة الغسل.

ومنه يظهر وجه عدم تعيّن التيمم عليه أيضا.

وأمّا جواز الاكتفاء بغسل ما حول الموضع فقط حينئذ : فلمطلقاته المتقدّمة (٥) ، فإنها شاملة بإطلاقها للمجرد عن الجبيرة والمشغول بها ، زيد في الثاني المسح على الجبيرة لأوامره ، وأما الأوّل فلا دليل على وجوب أمر آخر فيه من وضع الخرقة والمسح عليها.

ولا تنافيها أخبار التيمّم ، لعدم إثباتها الأزيد من المشروعية كما مرّ. كما لا تنافي أخبار غسل ما حوله أيضا أخبار التيمم ، لذلك.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٨ الطهارة ب ٤٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٨٤ ـ ٥٣٠ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢ : ٣٤٧ أبواب التيمم ب ٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٥ ـ ٥٣٢ ، الوسائل ٣ : ٣٤٨ أبواب التيمم ب ٥ ح ٩.

(٣) الدعائم ١ : ١٢١ ، المستدرك ٢ : ٥٢٧ أبواب التيمم ب ٤ ح ٢.

(٤) أي حسنة الحلبي المتقدمة في ص ٢٠٠.

(٥) في ص ٢٠٢.

٢٠٥

لا يقال : « اغسل ما حوله » في آخر الحسنة ـ كما في أكثر النسخ ـ أمر مفيد للوجوب فيعيّنه ويعارض مشروعية التيمم.

لأنّا نقول : إنّ السؤال إنّما وقع في غسله ، حيث قال : كيف يصنع به في غسله؟ فلا يفيد إلاّ وجوب غسل ما حولها إذا غسل لا مطلقا.

والحاصل : أنّ ها هنا أمورا ثلاثة كلّها واردة على المورد من دون مدافعة بعضها لبعض : أصالة جواز العصب والوضع الموجب للمسح على الجبيرة بضميمة الحسنة ، ومجوّزات التيمّم ، ومطلقات غسل ما حول الموضع ، فيجوز العمل بكلّ منها فيه وهو معنى التخيير.

هذا إذا كان عدم إمكان غسل الموضع لإيذاء الماء ، وإلاّ كما إذا لم يحتبس الدم ففي شمول الحسنة له محل كلام ، فينحصر الأمر بين التيمّم وغسل ما حوله ، إلاّ إذا قلنا بعدم اشتراط طهارة محل الوضوء فيتوضّأ إن أمكن.

لا يقال : القول بالتخيير وإن كان موجودا ، ولكنه إمّا في المجبور مطلقا بين التيمّم والجبيرة ، أو بينه وبين غسل ما حولها ، أو في المجرد بين الأوّلين ، كما هو محتمل كلام المبسوط في مبحثي الوضوء والتيمم (١) ، أو فيه بين الأخيرين ، فالقول بالتخيير بين الثلاثة خرق للإجماع.

لأنّا نقول : دعوى الإجماع في مثل المقام شطط من الكلام وجزاف تام ، فإنّ في كلام كثير منهم في المسألة إجمالا لا يحصل منه تمام المرام.

ودعوى أنّ التيمّم إنّما هو مع العجز عن المائية مطلقا دعوى بلا بيّنة ، وللمطلقات السالفة مخالفة ، بل نقول : إنّه يشرع معه ، وقد يشرع أيضا مع العجز عن إكمال المائية ، كما قد لا يشرع معه أيضا كما في المسح على الخفين ، أو بالبلّة الجديدة ، أو في المواضع المقطوعة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٥.

٢٠٦

هذا ، ثمَّ لو أمكن في المجرد مسح العضو من غير ضرر وإن لم يمكن غسله فهل يجب أو الحكم التخيير المتقدّم؟

الحق هو الثاني ، لعدم دليل على وجوب المسح بل ولا على مشروعيته.

والرضوي غير دالّ عليه ، لأنّ فيه أنّه « وإن أضرّك حلّها ، فامسح على الجبائر والقروح » (١) وهو يدلّ على وجود شي‌ء ، فالمراد بالمسح على القروح المسح على ما عليها.

وقيل بالأوّل (٢) ، تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة ، ولتضمّن الغسل إيّاه ، فلا يسقط بتعذّر أصله ، ولمثل قوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٣).

وفي الأوّل : منع وجوب تحصيل الأقرب.

نعم ، قد يقال بذلك في معاني الألفاظ وهو غير المورد ، مع أنّ فيه أيضا كلاما.

وفي الثاني : منع تضمّن الغسل إيّاه ، فإنّه قد يتحقّق بدون المسح فلا أمر بالمسح أصلا.

سلّمنا ولكن الأمر به تبعي يفوت بفوات الأصل.

وفي الثالث : ضعف الدلالة كما بيّناه في محلّه.

ومن هذا يظهر فساد التمسك بتلك الأدلّة لإيجاب المسح على الجبيرة في المجرد أيضا ، مع أنّ صدق الجبيرة الواردة في الأخبار على كلّ خرقة محل كلام.

وإن كانت الآفة في موضع المسح وكانت عليه جبيرة ، فأمكن نزعها ومسح الموضع ، وجب.

وإن لم يمكن ، فإن أمكن تكرير الماء أو الوضع فيه فالظاهر التخيير بينه‌

__________________

(١) تقدم ص ٢٠٠.

(٢) الرياض ١ : ٢٤.

(٣) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

٢٠٧

وبين المسح على الجبيرة ، لدلالة الموثقة (١) على الأول ، وأخبار الجبيرة (٢) على الثاني ، والتعارض بالعموم من وجه ، لاختصاص الأولى بما أمكن فيه التكرير والوضع ، والثانية بما لم يمكن في مواضع الغسل ، ولا ترجيح ، فالحكم التخيير.

وإن لم يمكن شي‌ء من الأمرين ، مسح على الجبيرة وجوبا ، لأخبارها.

وإن لم تكن عليه جبيرة ، فالظاهر التيمم ، لأخباره الفارغة عن المعارض في المقام (٣).

وأمّا وضع شي‌ء والمسح عليه فلا دليل له.

وأمّا حسنة الحلبي (٤) فالظاهر من قوله في آخرها : « فليغسلها » أنّ القرح في موضع الغسل ، بل يحتمله قوله : « ونحو ذلك من مواضع الوضوء » بأن تكون لفظة « من » تبعيضية ، والمراد نحوه من مواضع الغسل.

هذا كلّه إذا كانت الجبيرة أو الموضع المجرد عنها وما حولهما خالية عن النجاسة. وإلاّ فإن كانت النجاسة مما لا جرم لها يمنع من وصول الماء ، فعلى القول بعدم ثبوت اشتراط طهارة موضع الوضوء سيما على الإطلاق الشامل للمقام أيضا ـ كما هو الظاهر ـ فالحكم ما مرّ من غير تفاوت ، فمع الجبيرة يمسح عليها وجوبا ، وبدونها يتخيّر بين الثلاثة.

وأما على القول باشتراط طهارة موضعه حتى الجبيرة ، فقالوا : إن كانت النجاسة متعدية إلى ما حول الموضع أيضا ، يتيمّم. وإن كانت مختصة بالجبيرة أو الموضع دون ما حوله ، يجب وضع شي‌ء طاهر على أحدهما والمسح عليه ، وادّعوا عليه الإجماع ، فإن ثبت ، وإلاّ فلا دليل على ذلك الوضع.

ومقتضى القاعدة : التخيير بين الاكتفاء بغسل ما حوله وبين التيمّم ،

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٩٩.

(٢) المتقدمة في ص ٢٠١.

(٣) راجع ص ٢٠٤.

(٤) المتقدمة في ص ٢٠٠.

٢٠٨

لخلوّهما عن المعارض ، حيث إنّ أخبار المسح على الجبيرة لا تكون شاملة للمقام حينئذ قطعا.

وتحصيل الأقرب إلى الحقيقة ، والخروج عن الشبهة ، وطلب اليقين بالبراءة غير مفيدة.

أمّا الأول : فلمنع وجوبه أولا ، وعدم أقربيته من غسل ما حولها ثانيا.

وأمّا الثاني والثالث : فلإمكان وجوب المسح على النجس أو التيمّم ، فلا يحصل اليقين بمجرد ما ذكر.

وإن كان للنجاسة جرم لم يمكن إزالته ، فإن كانت على الجبيرة ، فالظاهر التخيير بين التيمّم وغسل ما في الحول خاصة ، لمطلقاتهما الخالية عن معارضة أخبار الجبيرة ، لعدم فائدة في المسح عليها ، وعدم دليل على وضع شي‌ء عليها.

وإن كانت على الجرح المجرد ، فالتخيير بينهما وبين شدّ العصابة ، لإطلاق الحسنة (١).

وإن كانت فيما حول الموضع فالتيمم خاصة ، لمطلقاته الخالية عن معارضة شي‌ء مما مرّ ، ووجهه ظاهر.

فروع :

أ : ذكر جماعة أنّ في حكم الكسر وأخويه مرضا آخر في موضع الوضوء يضرّه الماء كورم أو وجع أو رمد أو سلعة إذا كانت عليه جبيرة. وأما بدونها فحكموا بالتيمم.

وهو في الثاني كذلك ، لرواية الدعائم (٢) المنجبرة في المورد ، فإنّه تثبت منها مشروعية التيمّم له ولم تثبت مشروعية غيره.

وأمّا في الأوّل فهو مشكل ، لعدم دليل على مشروعية الجبيرة في مثله ، فإنّ‌

__________________

(١) يعني حسنة الحلبي المتقدمة ص ٢٠٠.

(٢) المتقدمة ص ٢٠٥.

٢٠٩

كلام كثير من الأصحاب مختص بالكسر وأخويه ، فلا يثبت منه إجماع في المورد ، وأكثر أخبار الجبيرة مخصوصة بها أيضا.

وأمّا حسنة الوشاء (١) : فإن عمّت مثل ذلك أيضا إلاّ أنّها لا تدلّ على المطلوب ، لجواز أن يكون المراد منها المسح الذي في التيمّم ، ولذا استدلّوا على المسح على الجبيرة في التيمّم بها.

وشمول إطلاق اليد فيها لغير الكفّين ـ الموجب لتعيّن المسح بالماء للوضوء ، إذ لا تيمّم على غيرهما ، وبضميمة عدم الفصل يثبت فيهما أيضا ـ غير مفيد ، لجواز أن يريد الإجزاء عن الأمر الندبي بالمسح على الذراع في التيمّم. مع أنّ كون اليد مشتركة معنوية بين الكفّين وما فوقهما محلّ كلام ، والاستعمال في الآية غير مفيد.

وأما رواية عبد الأعلى : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : « يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ، قال الله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) امسح عليه » (٣) فخارجة عن المقام ، لأنّ الظاهر أنّ انقطاع الظفر من الجرح.

وليست هناك رواية عامة أو مطلقة أخرى من أخبار الجبائر يتوهّم شمولها لما نحن فيه ، مع أنّ في صدق الجبيرة على المعصوب عليه نظرا.

فالتحقيق فيه : أنّه إن كان العذر مما يقطع معه بكون صاحبه مريضا كالمجدور ونحوه ، فحكمه التيمم ، للآية وروايات المجدور (٤). وإن لم يقطع فيحتمل الجبيرة والتيمم ، والأحوط الجمع ، بل هو الأظهر ، لاستصحاب الاشتغال.

__________________

(١) المتقدمة ص ٢٠١.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٧ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٦٤ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٤٦ أبواب التيمم ب ٥.

٢١٠

وأمّا رواية الدعائم فلا تفيد هنا ، لضعفها الخالي عن الجابر في المقام.

هذا إذا كان العذر متعلّقا بموضع خاص. وأما إذا لم يكن كذلك كالسقيم والمبطون وخائف البرد ونحوها ، فحكمه التيمم ، لأخباره. دون المسح على الخرق وإن لم يتضرر به ، لعدم التوقيف.

ب : لو لصق بالعضو شي‌ء ولم يمكن إزالته من غير أن يكون مجروحا أو مريضا ، ففي وجوب المسح عليه إن كان طاهرا ، أو وضع شي‌ء عليه إن كان نجسا ، أو التيمّم إشكال.

وقد يرجّح الأوّل بوجوب غسل كلّ عضو ، فلا ينتفي بتعذّر بعضه.

ويضعف بثبوت الربط بالإجماع.

نعم ، يمكن ترجيحه في صورة الطهارة بإطلاق صحيحة محمّد ورواية عمر ابن يزيد.

الأولى : في الرجل يحلق رأسه ثمَّ يطليه بالحناء ويتوضأ للصلاة ، فقال : « لا بأس أن يمسح رأسه والحناء عليه » (١).

والثانية : عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثمَّ يبدو له في الوضوء ، قال : « يمسح فوق الحناء » (٢).

بل وكذا مع النجاسة على القول بعدم اشتراط طهر المحل ، كما هو الأظهر ، فيمسح على ذلك الشي‌ء النجس. وأما على القول الآخر فلا. ومقتضى قاعدة أصالة الاشتغال : الجمع ، بل هو الأحوط على القول الأول أيضا ، بل في الصورة الأولى.

ج : الحقّ : أنّه لا يشترط الجريان في المسح هنا سواء كان في موضع الغسل‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٨١ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ١ : ٤٥٦ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٧٩ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ١ : ٤٥٥ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ٣.

٢١١

أو المسح ، لصدق الامتثال. ولا عدمه ، لذلك ، حيث إنّ المسح أعمّ مما يتضمّنه.

واشتراط الثاني في الثاني لوجوبه في مبدله ، كالأوّل في الأوّل ، لأنّ المأمور به أوّلا هو الغسل ومع تعذّره يتعين أقرب المجازات ـ كما عن نهاية الإحكام ـ ضعيف ، وإن اختاره والدي في اللوامع أيضا ، لمنع الوجوب في المبدل كما مرّ (١) ، ومنع تعيّن الأقرب في مثل تلك المواضع ، سيما مع وجود الإطلاق.

د : لا يجب استيعاب الجبيرة بالمسح إن كانت في موضع المسح ، وفاقا كما في اللوامع ، أو موضع الغسل كما في الذكرى وعن المبسوط (٢) ، لصدق المسح على الجبيرة إذا مسح بعضها ، ألا ترى أنّه إذا مسحت اليد على الوجه يقال : مسح يده على وجهه ، وإن لم يستوعب.

خلافا للفاضلين (٣) ، لظهور الحسنتين (٤) فيه ، وهو ممنوع ، ولثبوته في مبدله. وفيه : منع الدلالة.

نعم ، هو الأحوط ، وكيف كان فلا ينبغي الريب في عدم وجوب تخليلها بالمسح إذا كانت لها خلل وفرج وثقوب ونحوها.

هـ : لو عمّت الجبيرة تمام عضو أو كلّ الأعضاء ، مسح على الجميع وسقط الغسل ، وفاقا لصريح التذكرة والمنتهى (٥) ، لإطلاق كثير من الروايات (٦) ، إلاّ أن يتضرّر به فيتيمّم.

ويظهر من بعض من عاصرناه التأمل في استغراق الجميع أو تمام عضو أو‌

__________________

(١) في ص ١٤٣.

(٢) الذكرى : ٩٧ ، المبسوط ١ : ٢٣.

(٣) المعتبر ١ : ٤٠٩ ، التذكرة ١ : ٢٢.

(٤) أي حسنتي كليب والوشاء المتقدمتين ص ٢٠١.

(٥) التذكرة ١ : ٢١ ، المنتهى ١ : ٧٢.

(٦) الوسائل ١ : ٤٦٣ أبواب الوضوء ب ٣٩.

٢١٢

الأبعاض المتكثّرة (١).

وهل يجب حينئذ استيعاب جبيرة كلّ عضو بالمسح؟ الظاهر لا ، لما مرّ ، والأحوط نعم.

و : لو زادت الجبيرة عن محل الجرح ولم يمكن غسل ما تحت الزائد بنزع أو تكرير يمسح عليه ، لعموم ما تقدّم من الروايات ، لعدم الاستفصال ، أو الإطلاق ، سيما مع أنّ الغالب في الجبائر اشتمالها على زائد لا يمكن غسل ما تحته ، بل المساوي أو الناقص غير متحقّق أو شاذّ غير ملتفت إليه.

ز : إذا كان الجرح وما في حكمه في غير موضع الطهارة ولكن تضرّر بغسل مواضعها ، يتعيّن التيمّم ، لعموم أخباره (٢) ، وعدم شمول روايات الجبيرة له.

ح : لو توضّأ جبيرة فهل يجب إبقاء الجبيرة حال الصلاة أم يجوز حلّها إن أمكن؟ مقتضى الأصل : عدم الوجوب ، وعليه الفتوى.

ط : هل يجب أن يكون المسح برطوبة أو يجوز مع جفاف اليد أيضا؟ المتبادر من الروايات : الأوّل ، بل يصرّح به في رواية العياشي ، المتقدّمة (٣) المنجبرة بظاهر عمل الأصحاب.

وهل يجب أن تكون الرطوبة من ماء الوضوء إذا كانت الجبيرة في محل المسح؟ الأحوط ذلك ، بل يستفاد تعيينه من أخبار المسح بنداوة الوضوء (٤).

ي : المصرّح في الرضوي أنّه يجب مسح الجبيرة باليد (٥) ، فلا يجوز بعضو آخر أو بغير العضو. والظاهر أنّ عليه بناء الأصحاب ، فالرواية به منجبرة فعليه العمل. ويجب كون الجبيرة ممسوحة ، كما هو مقتضى رواياتها ، فلا يجزي مسحها‌

__________________

(١) هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٦ أبواب التيمم ب ٥.

(٣) في ص ٢٠١.

(٤) الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٥) تقدم في ص ٢٠٠.

٢١٣

على اليد كما قيل (١).

يا : الفصد والحجامة والشقوق الصغار من الجرح ، فحكمها حكمه.

يب : لا يجب تجفيف الجبيرة وترقيقها ولو أمكن ، للأصل ، إلاّ أن يشدّ على فوقها شي‌ء من غير حاجة إليه فيحلّ ، للشك في صدق اسم الجبيرة عليه. ولا يجوز وضع شي‌ء عليها بلا ضرورة.

يج : لو كانت الجبيرة على المرفق أو أعلى الوجه ، يبدأ بها فيمسحها أوّلا ، ثمَّ يغسل الباقي.

يد : لا يعيد ما صلّى بالوضوء جبيرة وإن بقي وقتها إجماعا.

وهل يعيد وضوءه لو زال العذر أم لا؟ الظاهر : العدم ولو كان قبل الصلاة ، لاستصحاب الوضوء ، وأخبار حصر الناقض ، والنهي عن التوضّؤ إلاّ مع اليقين بالحدث (٢).

ولو زال العذر قبل تمام الوضوء بعد الجبيرة في عضو فيه إشكال.

وأشكل منه : ما لو زال قبل تمام العضو الذي فيه الجبيرة. والاحتياط في الإعادة.

المسألة الرابعة : ما يجب له الوضوء أو يستحب إنّما يجب أو يستحب‌ ـ في غير التجديد ـ إذا كان المكلّف محدثا ، وإلاّ يكفي وضوؤه الذي عليه لتلك الأمور كلاّ ، ولا يحتاج إلى وضوء آخر ولو كان وضوؤه ندبيا وأراد فعل الواجب المشروط به ، بالإجماع المحقّق والمنقول (٣) ، وهو الحجة.

مضافا إلى موثّقة ابن بكير : « إياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنّك قد أحدثت » (٤).

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٤.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

(٣) السرائر ١ : ٩٨.

(٤) الفروع ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٢ ـ ٢٦٨ ، الوسائل ١ : ٤٧٢ أبواب

٢١٤

والمروي في الدعائم : « المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء » (١).

وما ورد في أنّ من كان على وضوء لا يجب عليه الوضوء للمغرب (٢) ، وفي أنّ من تيقّن الطهارة وشك في الحدث لا يتوضّأ (٣) ، وما دلّ على أنّ الوضوء لا ينقضه إلاّ حدث كصحيحة الأشعري (٤) وغيرها مما مرّ في بحث النواقض (٥).

ويدلّ عليه أيضا أنّه لم يثبت من أدلّة وجوب الوضوء أو استحبابه لغايات إلاّ مطلوبية كون المكلّف عندها مع الوضوء ، الذي هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ، غاية ما في الباب ثبوت قصد الامتثال أيضا ، فإذا حصل ذلك يحصل المطلوب ، ولم يثبت اعتبار قصد الغاية أو تجديد الوضوء عند الغاية.

ويؤكّده : ما ورد في الكافي في الصحيح من أنّه أمر الله سبحانه ، النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج بالوضوء ثمَّ بالصلاة (٦) وعلّمه بالتفصيل ، ولم يأمر أوّلا بالوضوء للصلاة.

وأمّا قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) (٧) فالمتبادر منه أنّه إن لم يكن متطهرا ، كما في قولك : إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك ، يعني إذا لم تكن مسلّحا. مع أنّ الآية مفسّرة في الصحيح بالقيام من النوم (٨) ، مع أنّه على فرض شمولها‌

__________________

الوضوء ب ٤٤ ح ١.

(١) الدعائم ١ : ١٠١ ، المستدرك ١ : ٢٩٤ أبواب الوضوء ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧٥ أبواب الوضوء ب ٨.

(٣) الوسائل ١ : ٤٧٢ أبواب الوضوء ب ٤٤.

(٤) التهذيب ١ : ٦ ـ ٥ ، الاستبصار ١ : ٧٩ ـ ٢٤٦ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٤.

(٥) ص : ٧.

(٦) الكافي ٣ : ٤٨٢ الصلاة ب ١٠٥ ح ١.

(٧) المائدة : ٦.

(٨) التهذيب ١ : ٧ ـ ٩ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٥١ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٧.

٢١٥

للجميع فتخصيصها بمثل موثّقة ابن بكير وسائر ما مرّ لازم.

ومنه يعلم الحال في نحو قوله : « من تطهّر ثمَّ آوى إلى فراشه » (١) سيما مع معارضته بمثل قوله : « ولا تدخل على الزوجة إلاّ متوضّئا » (٢) وقوله : « لقارئ القرآن متطهّرا خمس وعشرون حسنة » (٣) ونحوها ، بضميمة عدم الفصل بين الغايات.

نعم ، الوضوء المجامع للحدث الأكبر كوضوء المحتلم للجماع والحائض لا يعبأ به لغاياته بعد الطهارة من الحيض والجنابة بالإجماع.

ويتفرع على ذلك : كفاية وضوء واحد لجميع غاياته ، كما مرّ (٤).

المسألة الخامسة : لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن ، وفاقا للخلاف ، والتهذيب ، والصدوق (٥) ، وعن الكليني (٦) ، والحلبي ، وأحكام الراوندي ، وابن سعيد (٧) ، والفاضلين (٨) ، ومحتمل المبسوط (٩) ، ومعظم من تأخّر عنهم.

للمروي عن الباقر عليه‌السلام في مجمع البيان : « لا يجوز للجنب ، والحائض ، والمحدث ، مس المصحف » (١٠).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٨ الصلاة ب ٩٧ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٣٧٨ أبواب الوضوء ب ٩ ح ١.

(٢) لم نعثر عليه بنصه ، وقد يستفاد مضمونه مما ورد في : الكافي ٥ : ٥٠٠ المتعة ب ٥٠ ح ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ ـ ١٦٣٦ ، الوسائل ٢٠ : ١١٥ أبواب مقدمات النكاح ب ٥٥ ح ١. وقد تقدم ص ٤١.

(٣) عدة الداعي : ٢٦٩ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب قراءة القرآن ب ١٣ ح ٣.

(٤) في ص ٨٣.

(٥) الخلاف ١ : ٩٩ ، التهذيب ١ : ١٢٦ ، الفقيه ١ : ٤٨.

(٦) يمكن ان يكون وجه النسبة إلى الكليني نقله رواية تدل على النهي عن مسّ الكتاب من دون الوضوء ، فلاحظ الكافي ٣ : ٥٠ الطهارة ب ٣٣ ح ٥.

(٧) الكافي في الفقه : ١٢٦ ، فقه القرآن ١ : ٥٠ ، الجامع للشرائع ٣٦.

(٨) المعتبر ١ : ١٧٥ ، الشرائع ١ : ٢٣ ، المختصر النافع ١ : ٧ ، المنتهى ١ : ٧٦ ، التذكرة ١ : ١٤ ، القواعد ١ : ١٢.

(٩) المبسوط ١ : ٢٣ قال : ويكره للمحدث مسّ كتابة المصحف.

(١٠) مجمع البيان ٥ : ٢٢٦ ، الوسائل ١ : ٣٨٥ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٥.

٢١٦

وضعفه منجبر بالشهرة المحقّقة والمحكية مستفيضة (١) ، بل بالإجماع المصرّح به في الخلاف وعن ظاهر التبيان ومجمع البيان (٢).

والاستدلال بقوله سبحانه ( لا يَمَسُّهُ ) (٣) ضعيف لا لاحتمال رجوع الضمير إلى الكتاب المكنون بل هو أقرب للأقربية ، أو لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة ، إمّا مطلقا أو عند نزول الآية ، لأنّهما وإن كانا كذلك إلاّ أنّ المستفاد من روايات الأئمة إرادة القرآن والطهارة الشرعية :

ففي رواية ابن عبد الحميد : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا ، ولا تمسّ خطه ، ولا تعلّقه ، إن الله يقول ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) » (٤).

وفي المجمع عن الباقر عليه‌السلام : في قوله ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : « من الأحداث والخباثات » (٥).

وضعفهما ـ لو كان ـ منجبر بدعوى الإجماع عليه في المجمع ، وباشتهاره بين الأصحاب.

بل لعدم ثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب ، كما بيّنّا في موضعه ، وصرّح به جماعة منهم الأردبيلي ، وفي المدارك والبحار (٦).

ومنه يظهر عدم دلالة خبر ابن عبد الحميد ، لجواز كون قوله : « لا تمسّه » خبرا. مع وقوع النهي فيه عن التعليق أيضا ، وهو ليس حراما إجماعا. فظاهر اتّحاد السياق يشعر بعدم إرادة الوجوب في المس أيضا ، وتخصيصه بالتعليق المستلزم‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٧٦ ، الذخيرة : ١.

(٢) الخلاف ١ : ١٠٠ ، التبيان ٩ : ٥١٠ ، مجمع البيان ٥ : ٢٢٦.

(٣) الواقعة : ٧٩.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٧ ـ ٣٤٤ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ـ ٣٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

(٥) راجع الرقم ص ٢١٦ الرقم (١٠).

(٦) المدارك ١ : ٢٤١ ، البحار ٧٧ : ٢٥٦.

٢١٧

لمباشرة الجسد لا دليل عليه.

ولا يعارضه نهي الجنب أيضا ، حيث إنّه محرّم إجماعا ، فيتعارض السياقان ويبقى ظهور التحريم باقيا بحاله ، إذ حرمة مسّ الجنب لا تدلّ على إرادتها هنا أيضا ، فلعلّه أريد مطلق رجحان الترك المتحقق مع كلّ من الكراهة والتحريم ، مع أنّ الإجماع في الجنب غير معلوم.

وكذا يظهر الحال في سائر الأخبار الواردة في هذا المضمار (١) ، فإنّها بين المشتملة على الجملة الخبرية والمحتملة لها.

وأمّا صحيحة علي : عن الرجل يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال : « لا » (٢) فإخراجها عن ظاهرها لازم ، لمخالفته للإجماع ، ومعارضته لحسنة داود : عن التعويذ يعلّق على الحائض؟ قال : « نعم ، لا بأس » قال : وقال : « تقرؤه وتكتبه ولا تصيبه يدها » (٣).

وحملها على مس الكتابة ليس بأولى من الحمل على الكراهة.

والقول بدلالتها على حرمة مسّ الكتابة من باب المقدّمة ، لعدم انفكاك الكتابة عنه غالبا ، فلا يضرّ انتفاؤه عن ذي المقدمة ، فاسد جدّا ، لانتفاء التابع بانتفاء المتبوع ، مع أنّ عدم الانفكاك في الغالب ، ممنوع.

وخلافا للحلّي ، والمدارك (٤) ، وغرر المجامع ، ومحتمل المبسوط (٥) ، وعن القاضي (٦) ، للأصل ، وضعف الروايات من حيث السند والدلالة ، كالآية من حيث الدلالة. وجوابه ظاهر مما مرّ.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٣ أبواب الوضوء ب ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٧ ـ ٣٤٥ ، الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٦ الحيض ب ١٩ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٣٤٢ أبواب الحيض ب ٣٧ ح ١.

(٤) السرائر : ٥٧ ، المدارك ١ : ٢٤١.

(٥) تقدم ص ٢١٦ رقم ٩.

(٦) المهذب ١ : ٣٢ ونقله عنه في المختلف : ٢٦.

٢١٨

فروع :

أ : التحريم مختص بالمكلّف ، فلا يحرم على الصبي والمجنون وفاقا.

وفي وجوب منعهما على الولي قولان ، الأظهر : العدم ، للأصل.

وقيل بالوجوب (١) ، ولا دليل عليه.

ولا يبعد استحباب منعه على الولي تمرينا.

ب : لا تحريم في مسّ غير القرآن من الكتب المنسوخة ، والتفسير ، والحديث ، وأسماء الحجج ، ولا ما نسخ تلاوته من القرآن ، للأصل. دون نسخ حكمه دون تلاوته.

وكذا لا تحريم في مس الورق ، والحمل ، والتعليق ، للأصل ، والإجماع ، ومرسلة حريز الصحيحة عن حماد المجمع على تصحيح ما يصح عنه : « لا تمسّ الكتاب ومسّ الورق » (٢).

ومنها يظهر اختصاص المصحف المنهي عن مسّه بالخط.

نعم ، يكره التعليق ، لخبر ابن عبد الحميد (٣).

ج : مسّ كتابة المصحف يتحقّق بمسّ جزء منه ولو قليلا ، فيحزم مسّ كلّ آية منها وأبعاضها ولو كلمة ، بل ولو حرفا ، ولو مثل المدّ والتشديد ، وفاقا للأكثر كما في اللوامع ، لصدق مس المصحف.

وفي التعدّي إلى الأعراب نظر ، والشهرة المحقّقة أو المحكية الجابرة في مثله غير معلومة ، بل صدق الكتابة والخط عليه مشكوك فيه ، ويؤكّده خلوّ المصاحف‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٧٦ ، المنتهى ١ : ٧٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٦ ـ ٣٤٢ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ـ ٣٧٦ ، الوسائل ١ : ٣٨٣ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٢.

(٣) تقدم ص ٢١٧.

٢١٩

السابقة عنه.

وهل يشترط التحريم بكون الممسوس مكتوبا في المصحف ، أو يحرم مسّها ولو في غيره؟ الأحوط بل الأقرب : الثاني ، وفاقا للأكثر كما في اللوامع ، لتنقيح المناط ، ولتحريم مسّها بالاستصحاب لو فصلت آية أو كلمة من المصحف ، ويسري إلى غير المفصول بعدم الفصل.

وتوهّم تغيّر الموضوع خطأ ، لأنّ المفصول مصحف ، ولو شك فيه فتستصحب المصحفية أيضا.

ومنه يظهر الجواب لو عورض استصحاب الحرمة باستصحاب حال العقل.

خلافا للذكرى (١) في الثانية في الدراهم ، للزوم الحرج ، وهو ممنوع ، وخبر ابن مسلم (٢) ، وهو غير دالّ.

نعم ، يشترط في المكتوب في غير المصحف عدم احتمال كونه غير القرآن. فلو احتمله لا يحرم ولو رقم بنية القرآن ، للأصل ، والشك في الصدق ، واحتمال مدخلية الامتياز الخارجي.

نعم ، لو فصل غير الممتاز عن المصحف ، فبقاء الحرمة للاستصحاب محتمل بل راجح ، ولا يسري إلى غيره ، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل.

د : الظاهر اختصاص التحريم بالكتابة المتعارفة ، فلا يحرم مسّ ما كتب مقلوبا ، أو محكوكا ، أو غير ظاهر ، وإن ظهر بعد عمل كمقابلة النار ونحوها. وفي الكتابة المجسّمة إشكال ، والاجتناب أحوط.

ولا يختص التحريم بخط دون خط ، فيحرم مسّ المصحف المكتوب بالخط الهندي ، والكوفي ، والعجمي ، من الخطوط المتعارفة. وفي التعدّي إلى الخطوط‌

__________________

(١) الذكرى : ٣٤.

(٢) المعتبر ١ : ١٨٨ ، الوسائل ١ : ٤٩٢ أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٣.

٢٢٠