مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

للأصل ، والإطلاقات (١) ، وصحيحة حماد : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (٢).

وتزيد في الثاني صحيحته أيضا : « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا » (٣).

وصحيحة يونس : أخبرني من رأى أبا الحسن عليه‌السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : « الأمر في مسح الرجلين موسّع ، من شاء مسح مقبلا ومن شاء مدبرا ، فإنّه من الأمر الموسّع » (٤).

وخلافا فيهما للمحكي عن الصدوق (٥) ، وفي الأوّل خاصة عن السيد ، والنهاية ، والخلاف ، والاستبصار ، والوسيلة (٦) ، بل عن الخلاف والانتصار الإجماع عليه ، وفي الثاني عن الحلّي (٧).

للاحتياط ، والوضوءات البيانية ، وافتقار اليقين بالشغل إلى اليقين بالبراءة فيهما ، وللإجماع المنقول في الأوّل ، ولظاهر الآية (٨) في الثاني.

والأوّل غير صالح لإثبات الوجوب ، وكذا الثاني. مع أنّه لا دلالة في البيانيات على ذلك. والثالث مندفع : بحصول اليقين بما مرّ. والرابع ليس‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٢) التهذيب ١ : ٥٨ ـ ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ـ ١٦٩ ، الوسائل ١ : ٤٠٦ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٨٣ ـ ٢١٧ ، الوسائل ١ : ٤٠٦ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣١ الطهارة ب ١٩ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٨٣ ـ ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ـ ١٧٠ ، قرب الإسناد : ٣٠٦ ـ ١٢٠٠ ، الوسائل ١ : ٤٠٧ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ٣.

(٥) الهداية : ١٧ ، الفقيه ١ : ٢٨.

(٦) السيد في الانتصار : ١٩ ، النهاية : ١٤ ، الخلاف ١ : ٨٣ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ، الوسيلة : ٥٠.

(٧) السرائر ١ : ١٠٠.

(٨) المائدة : ٦.

١٤١

بحجة ، سيما مع مخالفة العمدة. والخامس محتمل لكون إلى غاية للممسوح.

إلاّ أنه يكره النكس فيهما ، للتفصّي عن الخلاف. وفي خصوص الأوّل ، لاتّباع الإجماع المنقول عن الانتصار والخلاف. وفي خصوص الثاني ، لظهور الآية في كونها غاية للمسح.

ومنه يظهر أنّ الأحوط فيه ، بل الأظهر : عدم النكس ، لعدم حجية الخبر المخالف لظاهر الكتاب ، سيما مع معارضته لأخبار أخر متضمّنة للمسح إلى الكعبين ، كما مرّت (١).

ط : الغسل لا يجزي عن المسح ، ووجهه ظاهر. إلاّ إذا تحقق معه ، بأن كانت البلّة الباقية مشتملة على ما يتحقّق معه الجريان لو مسح بها ، فإنّ الأظهر حينئذ الإجزاء إذا لم يقصد الغسل ، لصدق الامتثال ، فإنّ النسبة بين الغسل والمسح العموم من وجه ، فمادّة الاجتماع تجزي عن كلّ منهما ، ووجود الآخر لا ينافيه.

وتدلّ عليه صحيحة النخعي : عن المسح على القدمين ، فقال : « الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلاّ ذلك ، ومن غسل فلا بأس » (٢).

ومفهوم صحيحة زرارة : « لو أنك توضّأت وجعلت موضع مسح الرجلين غسلا ثمَّ أضمرت أنّ ذلك هو المفترض ، لم يكن ذلك بوضوء » (٣) فتأمّل.

ولا ينافيه التفصيل في الآية ، لأنّه يقتضي المغايرة دون المباينة.

ولا مثل رواية ابن مروان : « يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة » قلت : وكيف ذلك؟ قال : « لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه » (٤) ، لأنّه‌

__________________

(١) في ص ١٢٧.

(٢) التهذيب ١ : ٦٤ ـ ١٨٠ ، الاستبصار ١ : ٦٥ ـ ١٩٥ ، الوسائل ١ : ٤٢١ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١ الطهارة ب ١٩ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٦٥ ـ ١٨٦ ، الاستبصار ١ : ٦٥ ـ ١٩٣ ، الوسائل ١ : ٤٢٠ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣١ الطهارة ب ١٩ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٦٥ ـ ١٨٤ ، الاستبصار ١ : ٦٤ ـ ١٩١ ، وفيه

١٤٢

لا يدلّ على النهي عن الغسل ، بل على عدم كونه مأمورا به بنفسه ، ولا ينافي ذلك الأمر به لأجل ما يتحقّق معه. مع أنّه ردّ على العامة الذين لا يقصدون إلاّ الغسل.

ي : لو قطع بعض موضع المسح ، مسح الباقي إجماعا. ولو قطع الكلّ ، سقط كذلك ، ويكتفي بسائر الأفعال ، لأصالة بقاء وجوبها. ولا ينتقل إلى التيمّم ، لعدم ثبوت التوقيف حينئذ.

السادس : الترتيب‌ ، بأن يبدأ بالوجه ثمَّ اليمنى ثمَّ اليسرى ثمَّ الرأس ثمَّ الرجلين ، للإجماع ، واستصحاب الحدث ، وصريح النصوص (١).

فلو خالفه ، أعاد الوضوء مع الجفاف ، لفوات الموالاة. وما (٢) يحصّله بدونه ، ويحصل بإعادة ما قدّمه بما بعده (٣) دون ما قبله لو غسله بعده (٤) ، لحصول المطلوب ، وظاهر الوفاق ، والمستفيضة. نعم لو لم يغسله بعد ، غسله مقدما.

ويكفي قصد الترتيب مع عدمه حسّا بوقوع الوضوء في المطر ، فينوي الأوّل فالأوّل ، إذ بالقصد يتحقّق الغسل للوضوء. وعليه يحمل الخبر المجوّز له في المطر (٥).

والترتيب ركن يبطل الوضوء بتركه ولو نسيانا أو جهلا إجماعا ، لاستصحاب‌

__________________

بدل ابن مروان : محمّد بن سهل ، علل الشرائع : ٢٨٩ ، الوسائل ١ : ٤١٨ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ٢.

(١) الوسائل ١ : ٤٤٨ أبواب الوضوء ب ٣٤.

(٢) عطف على الوضوء ، والضمير الأوّل راجع إلى الترتيب والثاني راجع إلى الجفاف ، فالمراد أنه مع عدم الجفاف لا يعيد الوضوء بل يعيد ما يحصل به الترتيب.

(٣) أي مع ما بعده.

(٤) فإذا غسل وجهه ـ مثلا ـ بعد غسل اليدين يحصل الترتيب بإعادة غسل اليدين ولا حاجة إلى إعادة غسل الوجه ، نعم لو بدأ بغسل اليدين ولم يغسل وجهه فاللازم عليه أن يغسله مقدما ثمَّ يغسل اليدين.

(٥) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٨٢ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٣١ ، الوسائل ١ : ٤٥٤ أبواب الوضوء ب ٣٦ ح ١.

١٤٣

الحدث ، وعدم الإتيان بالمأمور به ، والأخبار الواردة في خصوص الناسي (١).

وفي وجوب الترتيب بين الرجلين بتقديم اليمنى على اليسرى وعدمه أقوال :

الأوّل : للمحكي عن الصدوقين (٢) ، والقديمين (٣) ، والديلمي ، والكركي ، والشهيدين في اللمعة والروضة ، بل الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (٤) ، إلاّ أنه قال بعض الأجلة : إنّ ظاهره اليمين واليسار من اليدين (٥).

للاستصحاب ، وحسنة محمد : « وذكر المسح فقال : امسح على مقدّم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشقّ الأيمن » (٦).

وعموم المروي في رجال النجاشي : « إذا توضّأ أحدكم فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده » (٧).

والمروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه كان إذا توضأ بدأ بميامنه » (٨).

والوضوءات البيانية (٩).

والثاني : للحلّي (١٠) ، والفاضلين (١١) ، والنفلية ، والبيان (١٢) ، ووالدي ـ رحمه‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥.

(٢) علي بن بابويه حكاه عنه في المختلف : ٢٥ ، والصدوق في الفقيه ١ : ٢٨.

(٣) هما ابن أبي عقيل وابن الجنيد حكاه عنهما في المختلف : ٢٥.

(٤) المراسم : ٣٨ ، جامع المقاصد ١ : ٢٢٤ ، اللمعة : ١٨ ، الروضة ١ : ٧٧ ، الخلاف ١ : ٩٦.

(٥) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٧٠.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩ الطهارة ب ١٩ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٤١٨ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ١.

(٧) رجال النجاشي : ٥ ، الوسائل ١ : ٤٤٩ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٤.

(٨) مجالس الطوسي : ٣٩٧ ، الوسائل ١ : ٤٤٩ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٣.

(٩) أنظر الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

(١٠) السرائر : ١٠٢.

(١١) المحقق في الشرائع ١ : ٢٢ ، والمختصر النافع : ٦ ، والمعتبر ١ : ١٥٤ ، العلامة في المنتهى ١ : ٦٩ ، والتحرير ١ : ١٠ ، والتذكرة ١ : ١٨.

(١٢) النفلية : ٥ ، البيان : ٤٨.

١٤٤

الله ـ ونسب إلى الفقيه والمراسم (١) ، وأضافه في غرر المجامع إلى الصدوقين أيضا ، ونسبه جماعة منهم : المدارك والبحار وغيرهما إلى الشهرة المطلقة (٢) ، بل عن الحلّي أنه قال : لا أظنّ أحدا منّا يخالفنا في ذلك ، وعن بعض فتاويه نفي الخلاف فيه صريحا.

للأصل ، وإطلاق الأوامر ، وصدق الامتثال.

والثالث ، وهو : التفصيل بجواز المعية دون تقديم اليسرى ، نقله في الذكرى (٣) عن بعض ، واختاره جمع من متأخّري المتأخّرين (٤).

للتوقيع المروي في الاحتجاج : عن المسح على الرجلين يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع : « يمسح عليهما جميعا معا ، فإن كان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلاّ باليمين » (٥).

أقول : ولا يخفى أنه لا يثبت من قوله : « فلا يبدأ إلاّ باليمين » إلاّ مرجوحية الابتداء بغير اليمين ، وأمّا الحرمة فلا. ولا من مفهومه إلاّ رجحان الابتداء باليمين لو بدأ بإحداهما دون وجوبه ، فلا يصلح التوقيع إلاّ لنفي وجوب الترتيب وتجويز المعية. وعلى هذا فهو بالشهرة ونفي الخلاف المحكيين مجبور ، مع أنه في نفسه صحيح وحجة ، فيصلح لمعارضة ما مرّ دليلا للترتيب.

وتعارضه مع غير الحسنة بالخصوص المطلق ، وكذا معها لو جعل قوله « وابدأ » حكما برأسه من أحكام الوضوء شاملا للمسح وغيره ، كما هو أحد الاحتمالين ، فيجب تخصيص الجميع بالتوقيع وتجويز المعية.

ولو جعل متعلّقا بالمسح ـ كما هو الظاهر ـ فيحصل التعارض بالتساوي ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧ ، المراسم : ٣٨.

(٢) المدارك ١ : ٢٢٢ ، البحار ٧٧ : ٢٦٣.

(٣) الذكرى : ٨٩.

(٤) منهم الحر العاملي في الوسائل ١ : ٤٤٨ ، وبداية الهداية ١ : ١٠.

(٥) الاحتجاج : ٤٩٢ ، الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٥.

١٤٥

والترجيح للتوقيع ، للأحدثية وموافقة إطلاق الكتاب. بل لو قطع النظر عن الترجيح فإما نقول بالتخيير بين المعية والابتداء باليمين ، أو يتساقطان ويرجع إلى الإطلاقات المجوّزة للمعية ، فتجويزها ممّا لا مناص عنه.

ومنه يظهر جواز البدأة باليسرى أيضا ، إذ بعد سقوط موجبات اليمين بمجوّزات المعية يبقى الأصل والإطلاقات في البدأة باليسرى خاليا عن المعارض.

وتوهّم أنّ الموجبات تمنع عن المعية والبدأة باليسرى ، وبعد خروج الأول بالتوقيع يبقى الثاني ، فاسد ، إذ منعها منهما إنّما كان بلزومه لوجوب البدأة باليمين ، فدلالتها على المنع التزامية ساقطة بعد سقوط المطابقة.

وكذا توهّم أنّها تدلّ على وجوب تقديم اليمنى مطلقا ، خرج ما إذا أراد المعية فيبقى الباقي ، إذ تجويز المعية عين نفي وجوب تقديم اليمين مطلقا ، لجواز تركه في كلّ وقت ، وليس ذلك من باب الإطلاق من شي‌ء.

نعم ، مع الاقتصار على تجويز المعية يكون الوجوب في الموجبات تخييريا ، وهو أيضا مجاز لا ترجيح له على الحمل على الاستحباب.

السابع : الموالاة‌ ، وهي ـ بمعنى مراعاة عدم الجفاف بالمعنى الآتي (١) ـ واجبة بالإجماع المحقق والمحكي في الناصريات والمدارك (٢) وغيرهما (٣) ، والنصوص :

كالموثّق : « إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك ، فإنّ الوضوء لا يتبعّض » (٤).

__________________

(١) في ص ١٥٤.

(٢) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٥ ، المدارك ١ : ٢٢٦.

(٣) كالمنتهى ١ : ٧٠ ، وكشف اللثام ١ : ٧٠ ، والرياض ١ : ٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥ الطهارة ب ٢٢ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٨٧ ـ ٢٣٠ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ـ ٢٢٠ ، علل الشرائع : ٢٨٩ ، الوسائل ١ : ٤٤٦ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٢.

١٤٦

والصحيح : ربما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي ، فقال : « أعد » (١).

والرضوي : « فإن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء قبل أن تتمه. ثمَّ أوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا ، فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء ، وإن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض عليه ، جفّ وضوؤك أم لم يجفّ » (٢).

وإطلاقها كإطلاق بعض الأخبار الآمرة بإعادة الوضوء بنسيان بعضها (٣) يشمل حال الاضطرار والجهل أيضا.

والموالاة بذلك المعنى أيضا ركن في الوضوء يبطل بتركها عمدا أو غير عمد.

وأما بمعنى المتابعة العرفية ، بأن يعقب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله من دون مهلة عرفا ، فهي ليس بركن قطعا ، ولا تجب مراعاتها في حال الاضطرار ، ولا يبطل بتركها الوضوء بالإجماع ، للأصل ، ومفهوم الموثّق ، ومنطوق الرضوي.

وكذا في حال الاختيار على الأصح ، وفاقا للمحكي عن الكليني (٤) ، والصدوقين ، والإسكافي (٥) ، والسيد في شرح الرسالة (٦) ، والقاضي ، والحلبي (٧) ، والكيدري (٨) ، والحلّي (٩) ، والجمل والعقود ، والمراسم ، والغنية ، والكامل ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥ ب ٢٢ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٨٧ ـ ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ـ ٢٢١ ، الوسائل ١ : ٤٤٧ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٨ ، المستدرك ١ : ٣٢٨ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ٤٤٦ ، ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٣ وب ٣٥.

(٤) حكاه عنه في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( مخطوط ).

(٥) حكاه عنهما وعن الإسكافي الشهيد في الذكرى : ٩١ ، وما وجدناه من كلامهما مما يشعر به في الفقيه ١ : ٣٥.

(٦) حكاه عنه العلامة في المنتهى ١ : ٧٠.

(٧) القاضي في المهذب ١ : ٤٥ ، والحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٣.

(٨) نقله عنه في الذكرى : ٩٢.

(٩) السرائر ١ : ١٠٣.

١٤٧

والوسيلة ، والشرائع ، وفي النافع ، واللمعة ، والروضة ، والذكرى ، والدروس ، والبيان ، والألفية (١) ، واللوامع ، بل هو المشهور كما به صرّح غير واحد (٢).

للأصل ، وصدق الامتثال ، والإطلاقات ، سيما إطلاقات مصحّحات الوضوء ، المتروك بعضه إذا اتي به بعده (٣) ، ومفهوم الموثّق.

خلافا للمنقول عن المقنعة ، والنهاية ، والتهذيب ، والخلاف ، والاقتصاد ، وأحكام الراوندي ، والمعتبر (٤) ، وكتب الفاضل (٥) ، والمبسوط (٦) ، فقالوا بوجوبها مع عدم إيجاب الإخلال بها لبطلان الوضوء ، كما عن غير الأخير ، أو مع إيجابه كما عنه.

للاحتياط ، وأصل الاشتغال ، والوضوء البياني ، والفورية المستفادة في الآية (٧) من الأمر أو الفاء أو الإجماع ، فيجب إتمام الوضوء دفعة ، ولعدم إمكانه يحمل (٨) على الممكن ، وهو تعقيب أفعاله بعضها لبعض من دون فصل.

وللأمر بإتباع أفعال الوضوء ، كما في حسنة الحلبي : « أتبع وضوءك بعضه‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٥٩ ، المراسم : ٣٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، والكامل نقله عنه في الذكرى : ٩١ ، الوسيلة ٥٠ ، الشرائع ١ : ٢٢ ، المختصر النافع : ٦ ، اللمعة : ١٨ ، الروضة ١ : ٧٧ ، الذكرى : ٩١ و ٩٢ ، الدروس ١ : ٩٣ ، البيان : ٤٩ ، الألفية : ٢٩.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٧٧ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٥.

(٣) الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥.

(٤) المقنعة : ٤٧ ، النهاية : ١٥ ، التهذيب ١ : ٨٧ ، الخلاف ١ : ٩٣ ، الاقتصاد : ٢٤٣ ، فقه القرآن ١ : ٢٩ ، المعتبر ١ : ١٥٦.

(٥) منها المنتهى ١ : ٧٠ ، والتذكرة ١ : ١٩٠ ، والقواعد ١ : ١١.

(٦) المبسوط ١ : ٢٣.

(٧) المائدة : ٦.

(٨) في « ق » فيحمل.

١٤٨

بعضا » (١) وخبر ابن حكيم : « إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا » (٢).

وللنهي عن تبعيضه ، كما في ذيل موثّقة أبي بصير : « فإنّ الوضوء لا يتبعّض » (٣).

وللأمر بإعادة الوضوء بترك بعض أفعاله نسيانا ، كما في صدر خبر ابن حكيم : عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس ، قال : « يعيد الوضوء ».

وموثّقة سماعة : « من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء كان عليه إعادة الوضوء والصلاة » (٤) فإنّ الحكم بالإعادة يوجب المتابعة ، إذ الترتيب لا يتوقّف عليها.

وللأمر بإعادة غسل الوجه إذا قدّم الذراع في صحيحة زرارة : « تابع بين وضوئك كما قال الله ، ابدأ بالوجه ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرّجل ثمَّ أعد على الرّجل » (٥).

وفي موثّقة أبي بصير : « إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه ، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثمَّ اغسل الأيسر ، وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤ الطهارة ب ٢٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٩٩ ـ ٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ١ : ٤٦٦ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ١.

(٢) الكافي : ٣ : ٣٥ الطهارة ب ٢٢ ح ٩ ، علل الشرائع : ٢٨٩ ـ ١ ، الوسائل ١ : ٤٤٨ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥ الطهارة ب ٢٢ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٨٧ ـ ٢٣٠ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ـ ٢٢٠ ، علل الشرائع : ٢٨٩ ، الوسائل ١ : ٤٤٦ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٠٢ ـ ٢٦٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٠ أبواب الوضوء ب ٣ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤ الطهارة ب ٢٢ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٩ ، التهذيب ١ : ٩٧ ـ ٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٧٣ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ١ : ٤٤٨ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ١.

١٤٩

رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك » (١) ولو لا وجوب المتابعة ، لما أمر بإعادة غسل الوجه.

ويضعّف الأول : بمنع كونه دليلا.

والثاني : بعدم ثبوت الاشتغال بغير أفعال الوضوء.

والثالث : بعدم إشعار في البيانيات بتحقّق المتابعة العرفية ، ولو أشعرت ، لما دلّت على وجوبها.

وأما قوله : « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » فكونه بعد تلك البيانيات غير ثابت ، ولو ثبت فدخول المتابعة في الإشارة غير مسلّم ، لجواز كونها من الاتّفاقيات. مع أنّه لا ينطبق على قول أكثرهم (٢) من عدم إيجاب تركها بطلان الوضوء.

والرابع : بمنع استفادة الفورية من الآية ، لعدم إفادة الأمر لها ، وكون الفاء جزائية وهي لا تفيد التعقيب. مع أنّها لو أفادته ، لكان مفادها فورية غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة القيام ، ولا قائل به.

ومنه يظهر فساد دعوى الإجماع على كون هذا الأمر للفور (٣) ، مع أنّه في نفسه ممنوع.

والخامس : باحتمال أن يكون المراد بإتباع الوضوء الترتيب ، بل هو الذي يشهد به سياق ما يتضمّنه ، ويدلّ عليه بيانه به في صحيحة زرارة ، المذكورة.

والسادس : بأنّ عدم التبعيض لا يدلّ على وجوب المتابعة ، إذ يمكن أن يكون المراد عدمه في إبقائه ، بأن يترك البعض حتى يجف ما قبله ، فإنّ ما جفّ فكأنّه انعدم. بل تعليل الإعادة مع التفريق حتى ييبس به قرينة على أنّ المراد منه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥ الطهارة ب ٢٢ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٩٩ ـ ٢٥٨ ، الاستبصار ١ : ٧٤ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٤٥٢ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٨.

(٢) منهم الشيخ في الاقتصاد : ٢٤٣ ، والراوندي في فقه القرآن ١ : ٢٩ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٧٠.

(٣) ادعاه العلامة في المنتهى ١ : ٧٠.

١٥٠

ذلك دون مطلق التفريق ، فإنّه لا يناسب مفهوم الغاية.

مع أنّه لو أريد المطلق ، لزم البطلان بدون الجفاف ، حيث علّل الإعادة بأنّ الوضوء لا يتبعّض ، وأكثرهم لا يقولون به.

والسابع : بعدم تعيّن كون إعادة الوضوء أو الوجه لأجل فوت الموالاة ، بل لعلّها تعبدية ، أو لعلّة اخرى. وبالمعارضة مع ما نفى الإعادة عند تقديم بعض الأعضاء أو نسيانه من الأخبار (١).

مضافا إلى عدم دلالة صدر خبر ابن حكيم على وجوب الإعادة ، ودلالة الموثّقة الأولى على أنّ التذكّر بعد الصلاة ، لأنّه المتبادر من الأمر بإعادة الصلاة ، ومعه يحصل الجفاف المبطل قطعا ، وجواز كون المراد بالبدأة بالوجه في الصحيحة جعله ابتداء للوضوء لا إعادة غسله لو كان غسله ، أو كون علّتها تحصيل مقارنة النية دون المتابعة ، وهو المحتمل في الموثّقة الأخيرة أيضا.

مع أنّ المستفاد من ذيلهما : عدم كون إعادة الوجه لفوات الموالاة ، وإلاّ وجب في الصورتين الأخيرتين أيضا.

وأيضا : ليس فيهما إشعار بوقوع فصل بعد غسل الوجه ، فالحكم بأنّ إعادته لفوات المتابعة لا يتمّ إلاّ بارتكاب تقييد ليس أولى من ارتكاب التقييد بالجفاف ، أو التجوّز في الإعادة ، وكذا تخصيص ما يعمّ صورة الاضطرار من تلك الأخبار بحال الاختيار الذي هو محل الخلاف.

فروع :

أ : الجفاف المبطل هو جفاف جميع ما تقدّم ، فلا يبطل بجفاف البعض على الأظهر الأشهر ، وفاقا للمحكي عن ظاهر الخلاف ، والنهاية (٢) ، والكامل (٣) ،

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥.

(٢) الخلاف ١ : ٩٤ ، النهاية : ١٥.

(٣) حكاه عن الكامل في الرياض ١ : ٢٣.

١٥١

والكافي للحلبي (١) ، والمعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، ونهاية الإحكام ، والبيان (٢) ، ووالدي العلاّمة رحمه‌الله.

لاستصحاب بقاء الصحة ، وجواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين ، بالنصّ كما مرّ (٣) ، بل قيل بالإجماع أيضا (٤) ، وفيه نظر (٥) ، وظاهر الأخبار المصرّحة بالبطلان بجفاف الوضوء (٦) أو ما غسل ، الظاهر في جفاف الجميع أو المحتمل له ، وهو كاف أيضا ، ومفهوم الشرط في قوله : « وإن لم يبق من بلّة وضوئك شي‌ء » وقوله : « وإن لم يكن في لحيته بلل » في مرسلة الفقيه ، ورواية مالك المتقدّمتين (٧) في مسألة المسح بالبلّة ، ولا يضرّ اختصاصهما بالناسي ، لعدم الفاصل ، وصحيحة حريز الآتية (٨).

وخلافا للناصريات ، والسرائر ، وعن المراسم ، والمهذب ، والإشارة (٩) ، فقالوا : هو جفاف العضو السابق المتصل ، لأنّ الموالاة اتباع الأعضاء بعضها بعضا ، فالجفاف وعدمه إنّما يعتبران في العضوين المتّصلين.

ويردّ : بأنّ تماميتها فرع وجود دليل على اعتبار مطلق الموالاة ، واستلزامها لما ذكر والأول مفقود ، والثاني ممنوع.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٣٣.

(٢) المعتبر ١ : ١٥٧ ، المنتهى ١ : ٧٠ ، التذكرة ١ : ١٩ ، نهاية الأحكام ١ : ٤٩ ، البيان : ٤٩.

(٣) في ص ١٣٦.

(٤) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٧١ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٣.

(٥) لأن الإسكافي بل المعتبر لنداوة الأقرب لا يسلّمه البتة ، وإن سلّمه فهذا لا يصلح دليلا لأنّه يكون مستثنى عن محل النزاع « منه رحمه‌الله ».

(٦) الوسائل ١ : ٤٤٦ أبواب الوضوء ب ٣٣.

(٧) في ص ١٣٣.

(٨) في ص ١٥٣.

(٩) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٥ ، السرائر ١ : ١٠٣ ، المراسم : ٣٨ ، المهذب ١ : ٤٥ ، الإشارة : ٧١.

١٥٢

وللإسكافي (١) ، فجفاف البعض مطلقا ، ليقرب من الموالاة الحقيقية ، ولإطلاق جفاف الوضوء المبطل بالأخبار ، والعلّة المنصوصة في الموثّقة بقوله : « فإنّ الوضوء لا يتبعّض » (٢) فإنّها جارية في جفاف البعض أيضا.

ويجاب عنه : بمنع اعتبار الموالاة الحقيقية ، ثمَّ ما يقرب منها عند تعذّرها لو اعتبرت ، ومنع إطلاق الجفاف كما مرّ (٣) ، ولزوم تقييده بجفاف الكلّ ـ لما مرّ ـ لو كان ، كتخصيص العموم المستفاد من قوله : « لا يتبعّض » الشامل لجميع أنواع التبعض.

مع أنّ التحقيق أنّ في معنى عدم تبعّض الوضوء هنا إجمالا لا يتم الاستدلال به في غير موضع النص.

ب : مقتضى إطلاقات الغسل والمسح ، واستصحاب صحة ما فعل : الاقتصار في الإبطال بجفاف الكلّ على القدر الثابت من أدلّته ، وهو البطلان بالجفاف مع التأخير خاصّة. فلا يبطل به بدونه ، كما في شدّة الحرّ أو الريح أو مثلهما ، وفاقا للصدوقين في الرسالة والمقنع (٤) ، بل الظاهر عن الذكرى (٥) ـ كما قيل (٦) ـ كونه وفاقيا بين الأصحاب.

ويدلّ عليه أيضا : ذيل الرضوي المتقدّم (٧) ، وصحيحة حريز عن الصادق عليه‌السلام ، كما عن مدينة العلم ، وإن وقف على حريز في التهذيب وغيره : في الوضوء يجفّ ، قال : قلت : فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ، قال :

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ١٧.

(٢) المتقدمة في ص ١٤٩.

(٣) في ص ١٥٢.

(٤) نقله عن الرسالة في الفقيه ١ : ٣٥ ، المقنع : ٦.

(٥) الذكرى : ٩٢.

(٦) الرياض ١ : ٢٣.

(٧) ص ١٤٧.

١٥٣

« جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي » (١).

وحمله على التقية ـ كما قيل (٢) ـ غير سديد ، إذ لا يحتاج توجيه ما ليس باقيا على إطلاقه إليه ، فإن التقييد توجيه أحسن وأشهر.

خلافا للمحكي عن الشهيد عند الاختيار (٣) ، لأخبار البطلان بالجفاف (٤).

ويضعف : باختصاصها بصورة التأخير ، مع أنّها لو تمّت لعمّت حالة الضرورة أيضا ، وانتفاء الحرج لا يفيد ، لأنّ الانتقال الى التيمّم ممكن.

ولا يختص البطلان بالجفاف مع التأخير بغير صورة النسيان ، لعموم الموثّقة الأولى ، وخصوص الثانية (٥). ولا بغير حال الضرورة ، للأول.

ثمَّ الصحة مع الجفاف إنّما هي إذا لم تتمّ الغسلات ، وإلاّ اتّجه البطلان لئلاّ يستأنف الماء للمسح.

ج : التأخير الذي لم يجامعه الجفاف لا يبطل ولا يحرم ولو تفاحش ، كما صرّح به والدي رحمه‌الله ، للأصل.

والشهيد (٦) حرّمه مع التفاحش في الاختيار ، للنهي (٧) عن تبعيض (٨) الوضوء الصادق عليه.

ويضعّفه : منع الصدق.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨٨ ـ ٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٧٢ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ١ : ٤٤٧ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٤ ، ورواها في الذكرى : ٩١ عن مدينة العلم للصدوق.

(٢) القائل هو الشيخ في الاستبصار ١ : ٧٢.

(٣) الدروس ١ : ١٩٣.

(٤) الوسائل ١ : ٤٤٦ أبواب الوضوء ب ٣٣.

(٥) المتقدمتين في ص ١٤٦ و ١٤٩.

(٦) الدروس ١ : ٩٣ ، البيان : ٤٩.

(٧) تقدم في ص ١٤٩.

(٨) في « ح » و « ق » تبعض.

١٥٤

وقال والدي طاب ثراه : لو بلغ التفاحش حدّا يبطل الوحدة والصورة ، لم يبعد الحكم بالبطلان والحرمة.

وهو أيضا خال عن الحجّة ، والأصل معه مستند في غاية القوة.

د : المعتبر في الجفاف الحسّي. فلو لم يحصل لعارض ، كرطوبة الهواء أو إسباغ الوضوء في مدة لو اعتدل لجفّ قبلها ولو بكثير ، صحّ الوضوء ، لتعليق الإعادة على الجفاف الغير الصادق على التقديري لغة وعرفا.

وأمّا ما اعتبره الأكثر في الجفاف من اعتدال الهواء (١) ، فالظاهر ـ كما قاله المتأخّرون (٢) ـ أنّه لإخراج طرف الإفراط في الحرّ حيث إنّ زوال البلل حينئذ مغتفر ، إلاّ أن يقال في العرف إنّه أخّر لا لإخراج طرف رطوبة الهواء.

ثمَّ مقتضى عدم اعتبار التقديري ولا الحسّي بدون التأخير : أنّه لو جفّف ما غسله أولا أو جفّ لشدة الحرّ ثمَّ أخّر ، لم يبطل. ولا بأس بالتزامه وإن استبعد ظاهرا.

الثامن : مباشرة المكلّف أفعال الوضوء بنفسه حال الاختيار‌ إجماعا ، كما عن نهاية الإحكام ، وروض الجنان ، وفي الانتصار ، والمعتبر ، والمنتهى (٣) واللوامع ، لأنّها مقتضى أمر المكلّف بها في الكتاب والسنّة ، لاقتضائه الامتثال المتوقّف على المباشرة ، مؤيّدا بالوضوءات البيانية.

وخلاف الإسكافي (٤) وعدّها من السنن شاذ.

واستدلاله بأصل البراءة مدفوع : بما ذكر.

وبالقياس على إزالة الخبث : بوجود الفارق ، وهو اختلاف الوجوب فيهما بالشرعية والشرطية.

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٣ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٥٧ ، وصاحب الحدائق ٢ : ٣٥٦.

(٢) منهم الشهيد في الذكرى : ٩٢ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٣.

(٣) روض الجنان : ٤٣ ، الانتصار : ٢٩ ، المعتبر ١ : ١٦٢ ، المنتهى ١ : ٧٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٥.

١٥٥

وبالمروي في تفسير العياشي : « أنّ قنبر مولى أمير المؤمنين عليه‌السلام ادخل على الحجاج فقال له : ما الذي كنت تلي من أمر علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟ قال : كنت أوضّيه » (١) : بعدم حجيته ، لضعفه ، مع احتمال إرادة الصب من التوضئة.

ووجوب المباشرة مخصوص بأفعال الوضوء الواجبة أصلا ، فلا بأس بتولية الغير في غيرها ممّا يجب من باب المقدّمة ، كتحصيل الماء وإحضاره ، بل صبّه على الكف ، للأصل ، وعدم تعلّق أمر بها على المكلّف بخصوصه ، بل وجوبها من باب المقدمة ، فلا تجب مع تحقّقها كيف ما كان.

مضافا في الأول إلى استفاضة النصوص بأنّهم كانوا يأمرون بإحضار الماء للوضوء (٢).

وفي الثاني إلى أنّه ليس إلاّ مثل أخذ الماء من نحو الميزاب ، وإلى صحيحة الحذّاء : « وضّأت أبا جعفر عليه‌السلام وقد بال فناولته ماء فاستنجى ، ثمَّ صببت عليه كفّا غسل به وجهه ، وكفّا غسل به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل به ذراعه الأيسر ، ثمَّ مسح بفضل الندى رأسه ورجليه » (٣).

والمروي في مجالس الصدوق : « كانت جارية لعلي بن الحسين عليه‌السلام تسكب الماء عليه وهو يتوضّأ للصلاة ، فسقط الإبريق من يد الجارية » (٤) الحديث.

وكون الصب فيهما في حال الضرورة وإن كان محتملا ولكنه بعيد ، لأنّها لو كانت ، لذكرها.

ولا ينافي ما ذكر : خبر الوشاء : دخلت على الرضا عليه‌السلام وبين يديه‌

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٣٥٩ ، المستدرك ١ : ٣٢٢ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ١٠.

(٢) الوسائل ١ : ٤٠١ أبواب الوضوء ١٦.

(٣) التهذيب ١ : ٧٩ ـ ٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ـ ١٧٢ ، الوسائل ١ : ٣٩١ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٨.

(٤) أمالي الصدوق : ١٦٨ ، المستدرك ١ : ٣٤٥ أبواب الوضوء ب ٤١ ح ٣.

١٥٦

إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصلاة ، فدنوت لأصبّ عليه ، فأبى ذلك وقال : « مه » فقلت : لم تنهاني أن أصبّ عليك ، تكره أن أوجر؟ قال : « تؤجر أنت وأوزر أنا » فقلت له : وكيف ذلك؟ فقال : « أما سمعت الله يقول ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١) وها أنا ذا أتوضّأ للصلاة وهي العبادة ، فأكره أن يشركني فيها أحد » (٢).

والمروي في الفقيه والعلل والمقنع : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء ، وقال : « لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا » (٣).

وفي إرشاد المفيد : « دخل الرضا عليه‌السلام يوما والمأمون يتوضّأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء ، فقال : « لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا » فصرف المأمون الغلام وتولّى تمام الوضوء بنفسه (٤).

لاحتمال أن يكون الصب على أعضاء الغسل الذي يحصل به الغسل.

مع أنّ في إثبات التحريم بها نظرا.

أمّا الأولان : فلأنّ غاية ما يدلاّن عليه منعه ـ عليه‌السلام ـ عن الصب عليه ، وعدم رضاه به ، وهو لا يدلّ على حرمته شرعا ، فإنّ طلبه لترك الصب حتما قد يكون لإرادته اجتنابه عن المكروه.

وأمّا قوله : « وأوزر » فالمراد منه ليس حقيقته التي هي الثقل ، فيمكن أن يكون مجازه ارتكاب المكروه وحطّ الأجر ، فلا يدلّ على الحرمة.

وكذا قوله : « ولا يشرك » لأنّه وقع جزاء لرجاء اللقاء ، فلا يثبت منه شي‌ء‌

__________________

(١) الكهف : ١١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٦٩ الطهارة ب ٤٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٧ ـ ٨٥ ، علل الشرائع : ٢٧٨ ـ ١ ، المقنع : ٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٧ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ٢.

(٤) إرشاد المفيد ٢ : ٢٦٩ ، الوسائل ١ : ٤٧٨ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ٤.

١٥٧

سوى الاستحباب.

وأمّا الثالث : فلضعفه وعدم ثبوت الجابر له.

وعلى هذا ، فيمكن القول بجواز الصب على العضو أيضا لو لم يكتف بالغسل الحاصل منه في جزء من العضو ، بل غسل هو نفسه بالماء المصبوب إن تحقّق معه أقلّ الجريان.

والأحوط تركه ، بل لا شك في كراهته ، لما مرّ. بل في كراهة الصب على اليد أيضا ، لفتوى جماعة من العلماء (١) ، وإطلاق المروي في الفقيه وأخويه.

وتجوز التولية حال الاضطرار على ما صرّح به الأصحاب (٢) ، بل في المعتبر أنّه متّفق عليه بين الفقهاء (٣) ، وفي المنتهى أنّه إجماعي (٤).

والحجة فيه ـ بعد الإجماع ـ صحيحة ابن خالد وفيها : إنّ الصادق عليه‌السلام ذكر أنّه كان وجعا شديد الوجع ، فأصابته جنابة وهو في مكان بارد ، وكانت ليلة شديدة الريح باردة ( قال : ) « فدعوت الغلمة فقلت لهم : احملوني فاغسلوني ، فقالوا : إنّا نخاف عليك ، فقلت : ليس بدّ ، فحملوني ووضعوني على خشبات ثمَّ صبوا عليّ الماء فغسلوني » (٥).

والأخبار الواردة بتولية الغير تيمّم المجدور والكسير (٦) ، ولا قائل بالفرق بين الطهارات.

والاستدلال بمثل قوله عليه‌السلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٧) وبأنّه‌

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ١٧ ، والشهيد في الدروس ١ : ٩٣ ، وصاحب الرياض : ٢٧.

(٢) منهم السيد في الانتصار : ٢٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٤٣ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٤٠.

(٣) المعتبر ١ : ١٦٢.

(٤) المنتهى ١ : ٧٣.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٨ ـ ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٢ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ١ : ٤٧٨ أبواب الوضوء ب ٤٨ ح ١.

(٦) الوسائل ٣ : ٣٤٦ أبواب التيمم ب ٥ ح ١ و ١٠ و ١٢.

(٧) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

١٥٨

توصّل إلى الطهارة بالممكن فيكون واجبا ، ضعيف.

فروع :

أ : لو أمكنت المباشرة في البعض ، وجبت إذا كان عضوا تاما ، للأمر بغسله المقتضي للمباشرة ، كما مرّ.

وفي وجوبها إن أمكنت في بعض من عضو احتمال ، وعدمه أظهر.

ب : لو احتاجت التولية إلى أجرة مقدورة وجبت ، لوجوب مقدمة الواجب ، إلاّ إذا كان بذلها مضرّا بحاله.

ج : النية عند تولية الغير على المكلّف نفسه ، وفاقا للقواعد (١) واللوامع ، لأنّ الواجب عليه ، فينوي القبول ، لا على المباشر ، كما هو ظاهر المدارك (٢).

د : لو أمكن الغمس في الماء ، وجب ، ولا تجوز التولية ، ووجهه ظاهر.

هـ : لو توقفت تولية الغير على إجباره أو لمس غير المحرم ، فالظاهر سقوطها. ( ثمَّ ) (٣) لو استنابه مع ذلك أثم ، بل الأظهر بطلان وضوئه ، لأنّ القبول لا يحصل إلاّ بمسّ عضو المجبور أو غير المحرم ، وهما منهيان عنهما.

و : لو كان المنوب عنه أعمى لا يرى عمل النائب ، وجب عليه تحصيل العلم بصحة العمل. ولو لم يمكن ، وجب استنابة العدل أو إقامة ناظر عدل. وحمل أفعال المسلم على الصحة مطلقا حتى في مثل المقام غير ثابت.

ز : لا بأس بتعدّد النوّاب ولو في عضو واحد ، للأصل. ولا يلزم على المستنيب تجديد النية بتجدد النائب.

ح : لو تمكن من الغسل ولم يتمكّن من رفع اليد ، يجب عليه الاقتصار في الاستنابة على الرفع ، والوجه ظاهر. ولو لم يتمكّن من الغسل مستقلاّ ولكن أمكنه الشركة مع النائب ، بحيث لم يكن كلّ منهما غاسلا ، فالظاهر عدم وجوب‌

__________________

(١) القواعد ١ : ١٠.

(٢) المدارك ١ : ٢٤٠.

(٣) في « ح » نعم. وفي « ق » كلمة متشابهة. ولا توجد في « ه‍ ». وما أثبتناه أنسب.

١٥٩

التشريك.

وكذا لو لم يتمكّن بنفسه من إمرار اليد على العضو ولكن أمكن أن يمرّ أحد يده عليه ، لا يجب عليه ذلك.

ط : يتحقق الاضطرار بعدم الإمكان وبحصول العسر والحرج ، وعلى الثاني لو تحمّله وتوضّأ بنفسه ، فالظاهر البطلان ، إذ ليس الحرج من الدين.

التاسع : أن يكون بالماء المطلق‌ ، فلا يجوز بالمضاف ولو اضطرارا ، وتدلّ عليه الآيات والأخبار المصرّحة بوجوب التيمّم عند عدم الماء (١) الذي هو حقيقة في المطلق ، وقد مرّ في بحث المياه (٢).

العاشر : أن يكون بالماء الطاهر‌ ، فلا يجوز بالنجس بالإجماع ، بل الضرورة ، واستفاضة النصوص المعتبرة (٣) المتقدّمة كثير منها في بحث المياه ، ومنها المروي في تفسير النعماني ـ المنجبر بما ذكر ـ عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّ الله تعالى فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر » (٤).

الحادي عشر : أن يكون بالماء المباح‌ ، فلا يجوز بالمغصوب ، للنهي المفسد للعبادة.

الثاني عشر : أن يكون في المكان المباح‌ ، فيبطل الوضوء في المغصوب من المكان إذا كان مجموع الهواء المحيط بالمتوضّئ مغصوبا. ولا يبطل الوضوء بالاستقرار على شي‌ء مغصوب كآجر أو فرش أو نعل ممّا يختص الغصب به ولا يتبعه الهواء.

ويأتي الوجه في ذلك وفي التفرقة في بحث التيمّم في المكان المغصوب.

تتميم : هل يشترط في صحة الوضوء طهارة العضو قبل التوضؤ أم لا؟ الظاهر الثاني. ويأتي تحقيقه في بحث الغسل.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٢ أبواب التيمم ب ٢.

(٢) ج ١ ص ١٣٠ المسألة الأولى.

(٣) الوسائل ١ : ١٦٩ أبواب الماء المطلق ب ١٣.

(٤) تفسير النعماني ( المطبوع في البحار ) ٩٣ : ٢٨ ، المستدرك ١ : ٢٨٩ أبواب الوضوء ب ١ ح ١٢.

١٦٠