مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

أقول : رجوع كلّ من الثانيين (١) إلى الآخر بحسب الموضع (٢) والمحل ممّا لا إشكال فيه ولا خفاء ، كعدم رجوع الثاني إلى الأول.

وإنّما الإشكال في الرابع ، والحقّ احتماله لكلّ من الأول والثالث ، لكون كلّ ظهرا ووسطا طوليا أو عرضيا وناتئا ، وإن كان ظهور النتو الواقع في بعض العبارات في المحسوس مؤيّدا للأول ، ولكن تعريف جمع من علماء التشريح الذين هم أهل الخبرة في المقام بالثالث مقيّدا بالناتئ ـ وديدن الفقهاء الرجوع في الموضوعات إلى أهل خبرتها ـ يضعّفه ، مع أن نتوّه أيضا محسوس سيما بالملامسة ، بل هو أرفع من القبة ، كما يظهر بعد نصب الساق.

وأمّا المعقد : فلا ظهور له في الأول ، بل الظاهر أنّ موضع عقد الشراك هو الوسط في العرض ، أي : يقع عقد الشراكين فيه دون القبة ، ولم يعلم أيضا أنّه كان يعقد تحت المفصل.

هذا ، ثمَّ إنّه استدلّ الأولون : بإجماع لغوي الخاصة وكثير من العامة ، سيما قول صاحب الصحاح : الكعب هو العظم الناشز في ظهر القدم عند ملتقى الساق والقدم ، ونسبه إلى الناس ما عدا الأصمعي (٣) ، بل قيل : الظاهر أنّه مذهب جميعهم (٤) ، لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعبا ، وإنّما الخلاف في تسمية ما عداه به.

ودعوى جماعة من الفقهاء الإجماع عليه كما هو المحكي عن الانتصار ، والتبيان ، والخلاف (٥) ، والمجمع ، والمعتبر ، والمنتهى ، والغنية ، والذكرى (٦).

__________________

(١) يعني بهما الثاني والثالث فان المفصل والعظم الواقع في ملتقى الساق والقدم متحدان بحسب المحل.

(٢) التقييد به لان المفصل من حيث هو غير العظم المذكور الا أن موضعهما واحد ( منه ره ).

(٢) الصحاح ١ : ٢١٣.

(٣) الرياض ١ : ٢١.

(٤) الانتصار : ٢٨ ، التبيان ٣ : ٤٥٦ ، الخلاف ١ : ٩٢.

(٥) مجمع البيان ٢ : ١٦٧ ، المعتبر ١ : ١٥١ ، المنتهى ١ : ٦٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣ ،

١٢١

وصحيحة البزنطي ، وفيها : فوضع كفه على الأصابع ، فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم (١).

ورواية ميسر ، وفيها : ثمَّ وضع يده على ظهر القدم ثمَّ قال : « هذا هو الكعب » (٢).

فإنّ الظاهر والظهر فيهما ليسا بالمعنى المقابل للباطن قطعا ، لعدم كونه بإطلاقه كعبا فهو بمعنى ما ارتفع.

وصحيحة الأخوين وفيها : فقلنا ( له ) (٣) أين الكعبان؟ قال : ها هنا ، يعني المفصل دون عظم الساق ، فقلنا : هذا ما هو؟ قال : هذا ( من ) (٤) عظم الساق ، والكعب أسفل من ذلك (٥). فإنّ المفصل المعهود ليس دون عظم الساق ولا أسفل منه ، فإنّهما يقتضيان بعدا فليس إلاّ القبة.

وبعدم وجوب تبطين الشراك كما ورد في الأخبار (٦) ، ولو كان الكعب هو المفصل ، للزم تبطينه.

وبما ورد في الصحيح : « إنّ أمير المؤمنين إذا قطع الرجل قطعها من الكعب » (٧).

وروي أيضا في الكافي والفقيه والتهذيب : « إنّما يقطع الرجل من الكعب‌

__________________

الذكرى : ٨٨.

(١) الكافي ٣ : ٣٠ الطهارة ب ١٩ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٩١ ـ ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ـ ١٨٤ ، الوسائل ١ : ٤١٧ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٧٥ ـ ١٩٠ ، الوسائل ١ : ٣٩١ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٩.

(١) لا توجد في « ه‍ » و « ق ».

(٢) لا توجد في « ه‍ » و « ق ».

(٣) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ ـ ١٩١ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣ بتفاوت يسير.

(٤) الوسائل ١ : ٤١٥ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٨.

(٥) الفقيه ٤ : ٤٦ ـ ١٥٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ أبواب حد السرقة ب ٤ ح ٨.

١٢٢

ويترك من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله » (١).

فإنّ موضع القطع عند معقد الشراك إجماعا منّا ، كما نقله جماعة (٢).

مع أنّه لا يبقى مع القطع من غير القبة من معاني الكعب ما يقوم به.

مع أنّه في رواية سماعة : « السارق إن عاد قطع رجله من أوسط القدم » (٣) وليس كعب في الأوسط إلاّ القبة.

وفي الكلّ نظر :

أمّا الأول : فلمنع الإجماع ، بل أكثر كلمات اللغويين محتمل للمعنيين : الأول والثالث ، ألا ترى قول صاحب الصحاح : عند ملتقى الساق والقدم (٤) والنشوز ظهر القدم لا يعيّن القبة ، لأنّ الثالث أيضا كذلك ، ولا يضرّ عدم إحساس نشوزه كثيرا ، فإنّ أهل اللغة يعرفون الأجزاء الباطنية بأوصافها الغير المحسوسة ، وغرضه الردّ على الأصمعي حيث جعل الكعب في الجانبين ، مع أنّ نتوّ الثالث حسّا كما ذكرنا ليس أقلّ من نتوّ الأول.

نعم ، لمّا كان الأول مبدأ النتو ، قد يتخيّل أنّه أظهر أو أكثر. وقد عرفت أنّ بعض الأجلّة قد استشهد لإثبات الثالث بقول صاحب الصحاح وغيره من أهل اللغة (٥) ، وذلك أوضح شاهد على أنّه لا أقلّ محتمل للمعنيين.

ومنه يظهر حال سائر كلمات اللغويين كالقاموس ، والنهاية (٦) ، والغريبين ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٢٥ الحدود ب ٣٦ ح ١٧ ، الفقيه ٤ : ٤٩ ـ ١٧١ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ ـ ٤٠١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٧ أبواب حد السرقة ب ٥ ح ٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٤٦٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، المهذب ٢ : ٥٤٥ ، السرائر ٣ : ٤٨٩.

(٣) الكافي ٧ : ٢٢٣ الحدود ب ٣٦ ح ٨ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٢ أبواب حد السرقة ب ٤ ح ٣.

(٤) الصحاح ١ : ٢١٣.

(٥) تقدم ص ١٢٠.

(٦) القاموس ١ : ١٢٩ ، النهاية الأثيرية ٤ : ١٧٨.

١٢٣

وعميد الرؤساء (١) ، وغيرهم (٢) ، فإنّهم لم يذكروا في بيانه إلاّ أنّه الناشز ظهر القدم. وقد عرفت حاله.

وأمّا الثاني : فلذلك أيضا ، فإنّ أكثر كلمات المدّعين للإجماع ممّا لا يعلم اختصاصه بالقبة ، هذا كلام المنتهى والمعتبر (٣) ، فإنّهما ذكرا أنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك ، وهذا كما ترى محتمل للمعنيين ، بل صرّح في المنتهى بعد ذلك أنّه المفصل دون عظم الساق ، ونسب من فهم غيره إلى عدم التحصيل. بل لا يحضرني الآن من كلام فقهائنا المتقدّمين والمتوسّطين من ذكر القبة إلاّ نادرا ، كالمفيد (٤) ، والشرائع ، والنافع (٥).

وأمّا الثالث والرابع : فلأنّ المعنى الثالث أيضا ما ارتفع ، بل هو غاية ارتفاع القدم وأرفع مواضعه.

مع أنّه يمكن أن يكون الغرض الردّ على العامة (٦) حيث يجعلون الكعب في الجانبين ، فيكون المراد من الظاهر والظهر المعنى المقابل للباطن والجانب ردّا عليهم ، ولحصول الغرض بمطلق الظهر أطلقه ولم يعيّن موضعه.

وأمّا الخامس : فلاحتمال كون لفظ « دون » بمعنى الغير ، والمشار إليه في ذلك وفي هذا في الموضعين ما قال العامة بكونه كعبا.

مع أنّ المعنى الثالث أيضا غير عظم الساق وأسفل منه فلا ينافيه. واقتضاء الأسفلية للبعد ممنوع.

وأمّا السادس : فلجواز أن يكون المراد الشراك المعقود طولا ـ كما قيل ـ

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ٨٨.

(٢) انظر لسان العرب ١ : ٧١٨.

(٣) المنتهى ١ : ٦٤ ، المعتبر ١ : ١٥١.

(٤) المقنعة : ٤٤.

(٥) الشرائع ١ : ٢٢ ، النافع : ٦.

(٦) راجع ص ١١٩.

١٢٤

ويتعارف الآن أيضا ، وجواز كون مبدأي الشراك والكعب بالمعنى الثالث واحدا.

مع أنّه قيل بجواز المسح على الشراك وقيامه في ذلك مقام البشرة (١).

وأما السابع : فلمنع كون معقد الشراك هو القبة ، ومنع أنّ غيرهما لا يبقى مع القطع منه ما يقام به ، فإنّ مع القطع من المعنى الثالث أيضا يبقى العقب وشي‌ء من القدم ، بل صرّح في بعض الأخبار ـ كما يأتي ـ أنه يقطع من المفصل ويترك العقب يطأ عليه (٢) ، وهو صريح في أنّ القيام على العقب ، وهو يبقى قطعا مع القطع من المعنى الثالث ، بل من المفصل بين الساق والقدم.

هذا ، مع أنّه لو تمَّ لا يدلّ على أزيد من الاستعمال ، وهو لا يفيد الاختصاص ، سيما مع تصريح جماعة (٣) بالاستعمال في غيره أيضا.

واستدلّ الثانيان (٤) : بقول بعض أهل اللغة وصحيحة الأخوين.

وفي الأول : منع الحجية أولا ، والاختصاص ثانيا.

وفي الثاني : أنه يمكن أن يكون المراد بالمفضل ، المفصل الشرعي ، أي : محلّ القطع ، بل قيل : هو الظاهر من بعض الأخبار (٥) كالرضوي : « يقطع السارق من المفصل ويترك العقب يطأ عليه » (٦) فإنه مشعر بمعروفية المفصل عند الإطلاق في ذلك الزمان.

وفيه نظر ، ويعلم وجهه ممّا ذكرنا.

وزاد الثالث (٧) : تصريح أرباب التشريح ، ونسبة بعض العامة هذا المعنى‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨.

(٢) راجع الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ أبواب حد السرقة ب ٤ ح ٧.

(٣) منهم صاحبا البحار : ٧٧ : ٢٧٦ ، والحبل المتين : ١٨.

(٤) أي القائلون بالقول الثاني والثالث ( العلامة والشيخ البهائي ومن تبعهما ).

(٥) شرح المفاتيح : ( مخطوط ).

(٦) لم نعثر عليه في فقه الرضا « ع » ، وهو موجود في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٥١ ـ ٣٨٨ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ : أبواب حد السرقة ب ٤ ح ٧.

(٧) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٢٠.

١٢٥

إلى الشيعة.

وضعفهما ظاهر ، فإنّهما معارضان بما مرّ من تصريح جمع آخر بخلافه.

وظهر من ذلك كلّه عدم دليل واضح على تعيين معناه ، والاحتياط في المسح إلى مبدإ عظم الساق أي المفصل ، كما صرّح به جماعة ، منهم : صاحب البحار (١) وغيره (٢) ، ويوجبه ضرب من الاستصحاب أيضا.

فروع :

أ : محل المسح ظاهرهما ، إجماعا منّا ، واستفاضت عليه الروايات (٣).

وما في الخبرين من مسح الظاهر والباطن أمرا في أحدهما (٤) وفعلا في الآخر (٥) ، لا حجّية فيه ، للشذوذ ، وعلى التقية محمول ، لأنه مذهب العامة ، كما عن التهذيب (٦).

وحدّه أما طولا : فمن رؤوس الأصابع إلى الكعبين على الحقّ المشهور ، بل عليه الإجماع عن الخلاف والانتصار والتذكرة والذكرى ، وفي ظاهر المنتهى والمعتبر (٧) ، لظاهر الكتاب.

وتخصيص دلالته بكون « إلى » غاية للمسح ، فالإيراد عليه : بأنّ جواز النكس ينفيه.

__________________

(١) البحار ٧٧ : ٢٧٧.

(٢) الحدائق ٢ : ٣٠٢.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٤١٢ أبواب الوضوء ب ٢٣.

(٤) التهذيب ١ : ٨٢ ـ ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٦١ ـ ١٨١ ، الوسائل ١ : ٤١٥ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٧.

(٥) التهذيب ١ : ٩٢ ـ ٢٤٥ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ـ ١٨٥ ، الوسائل ١ : ٤١٥ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٦.

(٦) التهذيب ١ : ٩٢.

(٧) الخلاف ١ : ٩٢ ، الانتصار : ٢٧ ، التذكرة ١ : ١٨ ، الذكرى : ١٨ ، المنتهى ١ : ٦٣ ، المعتبر ١ : ١٥٠.

١٢٦

مردود : بعدم الاختصاص ، بل على كونها غاية للممسوح يثبته أيضا ، إذ مقتضى وجوب مسح شي‌ء مغيّى بغاية مسح تمام ذلك الشي‌ء ، كما إذا قال : اكنس من عند الباب إلى الصدر ، وكانت هناك قرينة على عدم إرادة الابتداء من عند الباب ، فيكون الحرفان لتحديد الموضع ، مع أنه يفهم قطعا وجوب كنس جميع ما بين الحدّين ، فدلالة الآية على وجوب المسح إلى الكعب تامّة على التقديرين ، نعم لا يتعيّن الطرف الآخر منها ، ولا ضير فيه للإجماع المركّب.

ويدلّ عليه أيضا : المرويان في الخصال وكشف الغمة ، المتقدّمان في غسل اليدين (١).

وحسنة ابن أذينة المروية في الكافي والعلل في حديث المعراج ، وفيها : « وامسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك ورجليك إلى كعبيك » (٢) الحديث.

وفي كتاب الطرف للسيد ابن طاوس بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، في شرائع الإسلام ، وعدّ منها : المسح على الرأس والقدمين إلى الكعبين (٣).

وضعف بعضها بما مرّ منجبر.

وقد يستدلّ أيضا : بالوضوءات البيانية.

وبصحيحة البزنطي : عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم ، قلت : جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال : « لا إلاّ بكفه كلّها » (٤).

__________________

(١) ص ١٠١ و ١٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٥ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ، الوسائل ١ : ٣٩٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٥.

(٣) الطرف : ٥ ، الوسائل ١ : ٤٠٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠ الطهارة ب ١٩ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٩١ ـ ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ـ ١٨٤ ، الوسائل ١ : ٤١٧ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٤ ـ بتفاوت ـ راجع التهذيب ١ : ٦٤ ـ ١٧٩.

١٢٧

وحسنة عبد الأعلى : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ فقال : « يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال الله ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » (١) دلّت على وجوب مسح رأس الإصبع ، فيتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

ويضعف الأول : بما مرّ مكرّرا.

والثاني : بكونه محمولا على الاستحباب قطعا ، لعدم وجوب الكف إجماعا كما يأتي.

وكذا الثالث ، فإنّه لا يجب مسح ما عليه المرارة إلاّ على وجوب الاستيعاب العرضي.

والحمل على انقطاع جميع الأظفار بعيد جدّا ، ولو احتمله ، لاحتمل إرادة ظفر اليد أيضا ، فيبطل الاستدلال.

خلافا لبعض المتأخّرين (٢) ، فاكتفى في الطول بالمسمّى ، واحتمله في المعتبر والذكرى (٣) ، للمستفيضة الدالّة على عدم وجوب استبطان الشراكين (٤) ، وصحيحتي الأخوين المتقدّمتين (٥) في قدر الوجوب من مسح الرأس.

وفي الأول : جواز كون الشراك فوق الكعب أو قيامه مقام البشرة ، كما صرّح به في بعض المعتبرة (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ الطهارة ب ٢١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٧ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٦٤ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥ ، الآية : ٧٨ الحج.

(٢) قال في الحدائق ٢ : ٢٩١ : وبه جزم المحدّث الكاشاني في المفاتيح. ونفى عنه البعد صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل ولا يخفى أن الموجود في المفاتيح ١ : ٤٤ خلافه.

(٣) المعتبر ١ : ١٥٢ ، الذكرى : ٨٩.

(٤) راجع الوسائل ١ : ٤١٢ أبواب الوضوء ب ٢٣.

(٥) في ص ١١٠.

(٦) الظاهر ان المراد به ما يجوّز المسح على نفس النعل ـ كما في معتبرة زرارة. الوسائل ١ : ٤١٤ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٤.

١٢٨

وفي الثاني : أنّه معارض مع ما مرّ بالإطلاق والتقييد ، فيحمل المطلق على المقيّد الموافق للكتاب.

وقد يردّ أيضا : باحتمال موصوفية « ما » المفيدة للعموم ، والإبدال من شي‌ء ، فيفيد بمفهوم الشرط توقّف الإجزاء على مسح مجموع المسافة الكائنة بينهما (١).

وفيه : أنّ هذا الاحتمال موجب للاستيعاب في العرض ، وهو باطل ، إلاّ أن يتمّم بإلغاء ما خرج بالدليل ، وهو أيضا يوجب خروج الأكثر على كفاية المسمّى في العرض.

وأمّا عرضا : فالمسمّى ، وعليه الإجماع في المعتبر والمنتهى (٢) وظاهر التذكرة (٣) ، وهو في الأولين وإن كان على الاكتفاء ولو بإصبع واحدة ، ولكن المستفاد من استدلالهما إرادة المسمّى.

ثمَّ الدليل عليه : الأصل ، وصدق الامتثال ، وإطلاق الآية ، سيما بملاحظة صحيحة زرارة ، المفسّرة لها ، وفيها : « فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما » (٤). بل إطلاق صحيحتي الأخوين ، وفقد ما يصلح مخرجا ومقيدا ، إذ ليس شي‌ء سوى صحيحتي الأخوين على جعل « ما » موصولة ، وهو مجرد احتمال غير كاف في الاستدلال.

وصحيحة البزنطي وحسنة عبد الأعلى ، وهما شاذّتان ، إذ لم يقل بمضمونهما أحد ، كما صرّح به جماعة (٥) ، فلذلك تخرجان عن الحجية.

مع أنّهما معارضتان : برواية معمّر بن عمر ، المتقدّمة (٦) في مسح الرأس ،

__________________

(١) حكاه في الحدائق ٢ : ٢٩٣ عن شيخه صاحب الرياض المسائل.

(٢) المعتبر ١ : ١٥٠ ـ ١٥٢ ، المنتهى ١ : ٦٣.

(٣) التذكرة ١ : ١٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠ الطهارة ب ١٩ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ـ ٢١٢ ، التهذيب ١ : ٦١ ـ ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ـ ١٨٦ ، الوسائل ١ : ٤١٢ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ١.

(٥) منهم الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح : ( مخطوط ) ، وصاحب الرياض ١ : ٢١.

(٦) ص ١١٢.

١٢٩

ولا مرجّح لهما.

وأصحّيتهما سندا معارضة بمخالفتهما للقوم عملا.

ورواية معمّر المشار إليها ، وهي لإثبات الوجوب غير ناهضة ، لما ذكرنا في معنى الإجزاء.

خلافا لبعض ـ كما في التذكرة ـ فأوجب ثلاث أصابع (١) ، وكأنّه لرواية معمّر السابق جوابها.

وللمحكي عن النهاية وأحكام الراوندي (٢) ، فأوجبا الإصبع ، وكأنّه لما سبقت إليه الإشارة من أنّها المسمّى عرفا. ولا وجه له.

وعن الإشارة (٣) وظاهر الغنية (٤) ، فحدّداه بالإصبعين. ولا يتّضح مستندهما.

والمستحب المسح بالكف كلّه ، كما عن النهاية والمقنعة والجمل والعقود ، والمبسوط والوسيلة والألفية (٥) ، لما مرّ من الصحيحة بل الحسنة.

وعن الإشارة : استحباب تفريج الأصابع (٦) ، ولا بأس به ، إذ المقام يتحمّل التسامح.

ثمَّ إنّه هل يجب إدخال الكعبين أم لا؟ فيه قولان ، أظهرهما : الثاني ، وفاقا للمعتبر (٧) ، للأصل.

وقوله في صحيحة الأخوين : « ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ».

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨.

(٢) النهاية : ١٤ ، فقه القرآن ١ : ٣٠.

(٣) الإشارة : ٧٠.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣.

(٥) النهاية : ١٤ ، المقنعة : ٤٨ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٥٩ ، المبسوط ١ : ٢٢ ، الوسيلة : ٥٢ ، ولم نجده في الألفية والمظنون انها تصحيف النفلية : ٧.

(٦) الإشارة : ٧١.

(٧) المعتبر ١ : ١٥٢.

١٣٠

وخلافا للمنتهى والتحرير (١) ، فاختار الأول ، لما ذكره بعض النحاة من دخول الغاية في المغيّى إذا كانت من جنسه.

وهو غير ثابت ، ولو ثبت فليس بحجة.

وكذا لا يجب مسح أطراف الأصابع ، لما مرّ ، فلا يضرّ تجاوز الظفر عن حد الإصبع ، ولا اجتماع الوسخ تحته. ولا يجب مسح ما تحت الظفر المتجاوز أو الوسخ.

ب : لا يجوز المسح على حائل ، كخف وجورب ونحوهما اختيارا إجماعا ، وحكاية الإجماع عليه في كلمات أصحابنا متواترة ، وأخبارنا على النهي عنه متظافرة ، وعدم صدق الامتثال معه يمنعه ، واستصحاب الحدث ينفيه.

ويجوز مع الاضطرار ، كخوف عدوّ ، أو برد ، أو التخلّف من رفقة ، أو عدم التمكّن من نزع الخف ، وغيره ، بلا خلاف معروف.

وقال والدي ـ رحمه‌الله ـ في اللوامع : إنه المعروف منهم.

لحسنة عبد الأعلى ، المتقدّمة (٢) ، ورواية أبي الورد ، فيها : فقلت : هل فيهما ـ أي في الخفين ـ رخصة؟ فقال : « لا إلاّ من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك » (٣).

والرضوي : « ولا تمسح على جوربك إلاّ من عدوّ (٤) أو ثلج تخاف على رجليك » (٥).

وأمّا الأخبار النافية للتقية في المسح على الخفين (٦) ، فلا تصلح للمعارضة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٦٤ ، التحرير ١ : ١٠.

(٢) في ص ١٢٨.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٢ ، الاستبصار ١ : ٧٦ ـ ٢٣٦ ، الوسائل ١ : ٤٥٨ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ٥.

(٤) في « ه‍ » : عذر.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٨ ، المستدرك ١ : ٣٣١ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ١.

(٦) الوسائل ١ : ٤٥٧ أبواب الوضوء ب ٣٨.

١٣١

مع ما مرّ ، لرجحانه بموافقة الكتاب والسنّة في انتفاء العسر والحرج والضرر.

مع إمكان حملها على اختصاص نفي التقية فيه بالإمام ، كما نقل عن زرارة أنّه فسّره به (١) ، أو على عدم الحاجة في التقية إليه بملاحظة تجويز العامة الغسل المجامع مع المسح بضرب من التدبير سيما مع كفاية المسمّى عرضا في المسح.

ولا يجوز مع العذر المنتفي بالمسح على الحائل ، الانتقال إلى التيمم ، لعدم ثبوت مشروعيته حينئذ.

ج : إطلاق الآية والروايات يعطي جواز المسح على الشعر ما لم يكثر بحيث يخرج عن المعتاد ، لصدق مسح الرجلين عليه ، فلا يجب مسح تحت ما يقع منه بين رؤوس الأصابع والكعب ، بل مقتضى ما ذكر : جوازه مع الكثرة المفرطة الساترة لتمام البشرة أيضا ، إلاّ أنّ ندور مثل ذلك يوجب الوهن في شمول المطلقات له.

وصحيحتا زرارة (٢) ومحمّد (٣) الناهيتان عن البحث عما أحاط به الشعر لا تشملان محل المسح ، لقوله فيهما : « ولكن يجري عليه الماء » وكأنّ تخصيص الأكثر محلّه بالبشرة بعد تعميمهم في مسح الرأس ، للاحتراز عن مثل ذلك أو مثل الخف.

د : يجب أن يكون مسح كلّ من الرأس والرجلين ببقية نداوة اليدين من الوضوء ، وفاقا للأكثر (٤) بل لغير شاذ (٥) لا يقدح خلافه في الإجماع ، فعليه الإجماع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢ الطهارة ب ٢٠ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٣ ، الاستبصار ١ : ٧٦ ـ ٢٣٧ ، الوسائل ١ : ٤٥٧ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٦ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨ الطهارة ب ١٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ـ ١٠٨٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ١.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٦ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ٣.

(٥) المخالف هو ابن الجنيد كما سيأتي في ص : ١٣٥.

١٣٢

كما عن السيدين (١) والشهيد (٢) أيضا ، فهو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة كمرسلة الفقيه : « إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلّة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي‌ء فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يبق من بلّة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء » (٣).

ورواية مالك بن أعين : « من نسي مسح رأسه ثمَّ ذكر أنه لم يمسح رأسه ، فإن كان في لحيته بلل ، فليأخذ منه ويمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل ، فلينصرف وليعد الوضوء » (٤).

ورواية خلف : الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة ، قال : « إن كان في لحيته بلل فليمسح به » قلت : فإن لم يكن له لحية؟ قال : « يمسح من حاجبه ومن أشفار عينيه » (٥).

واختصاص الأخيرة بحال الصلاة صريحا والثانية ظاهرا ، فيمكن معه أن يكون الأمر بالمسح بالبقية لأجل عدم الخروج منها ، وبالإعادة ، لانتفاء الموالاة مع انتفاء البلل مطلقا.

مدفوع : بمنع توقف تجديد البلّة على الخروج مطلقا ، فهما بإطلاقهما تعمّان الحالين ، مع أنّ الخروج لعدم الطهارة متحقّق.

__________________

(١) السيد المرتضى في الانتصار : ١٩ ، ومسائل الميافارقيات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٧٨ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤.

(٢) الذكرى : ٨٦.

(٣) الفقيه ١ : ٣٦ ـ ١٣٤ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠١ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٧.

(٥) التهذيب ١ : ٥٩ ـ ١٦٥ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ـ ١٧٥ ، الوسائل ١ : ٤٠٧ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ١.

١٣٣

وضعف إسنادهما سيما مع الانجبار بما مرّ غير قادح ، كاختصاصهما بالنسيان ، لعدم القائل بالفرق.

وحسنة ابن أذينة المتقدّمة (١).

والرضوي : « إنّ جبرئيل هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بغسلين ومسحين : غسل الوجه والذراعين بكف كف ، ومسح الرأس والرجلين بفضل النداوة التي بقيت في يديك من وضوئك » (٢).

والمروي في إرشاد المفيد وكشف الغمة وخرائج الراوندي فيما ورد على علي ابن يقطين : « وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من نداوة وضوئك » (٣).

وقد يستدلّ أيضا : باستصحاب عدم جواز دخول الصلاة ، والممنوعية منه بعد حدوث الحدث إلى أن يحصل المجوّز ، حيث إن إطلاقات المسح لا تدلّ على وجوب نداوة اليد ، لصدقه مع جفافها أيضا ، وإنّما هو يثبت بالإجماع ، والقدر المعلوم كونه مبيحا هو نداوة الوضوء ، فبدونها يستصحب عدم الإباحة والممنوعية المغيّاتان قطعا بحصول المجوّز.

وبالوضوءات البيانية. وصحيحة زرارة وفيها : « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وبما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى » (٤).

ويردّ الأوّل : معارضته مع أصالة عدم وجوب هذا الخصوص الموجب لحصر المأمور به في الوضوء بالمسح بمطلق البلّة ، الموجب لرفع الحدث بالإجماع ، حيث إنّ القدر الواجب من الوضوء رافع للممنوعية إجماعا ، فهذا الأصل مزيل للاستصحاب المذكور.

__________________

(١) ص ١٢٧.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٠ ، البحار ٧٧ : ٢٦٨ ـ ٣٣.

(٣) إرشاد المفيد ٢ : ٢٢٩ ، كشف الغمة ٢ : ٢٢٧ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٥ ـ ٢٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

١٣٤

والثانيين : ما مرّ من عدم دلالتهما على الزائد من الجواز والاستحباب (١).

نعم ، يعارض بهما ما يدلّ بظاهره على نفي الجواز ، كموثّقة أبي بصير : قلت : أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال : « لا ، بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح » (٢) وقريبة من معناها صحيحة معمّر (٣) ورواية أبي عمارة (٤).

ويرجّحان عليه بمخالفة العامة. مع أنّه ليس بحجّة حتى يصلح للمعارضة ، لمخالفة عمل الأصحاب كافة ، حيث يدلّ على وجوب الاستئناف مع البلّة.

ومنه يظهر أنّها لا تصلح حجة للإسكافي الذي هو المخالف في المسألة ، فيجوز المسح بالماء الجديد إمّا مطلقا ، كما حكي عنه ، أو إذا لم تبق نداوة الوضوء ، كما هو ظاهر كلامه (٥) ، ولا إطلاق الآية ، لأنّها بالنسبة إلى ما مر مطلقة فيجب التقييد به.

وقد يستدلّ له : بحسنة منصور : عمّن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة ، قال : « ينصرف ويمسح رأسه ورجليه » (٦) حيث إنّه لو كان ببقية البلل ، لما احتاج إلى الانصراف. وقريبة منها رواية الكناني (٧).

وفيه : أنّ المراد بالانصراف قطع الصلاة ، وهو لأجل عدم تمامية الوضوء لا لتجديد الوضوء.

__________________

(١) في ص ٩٧ وص ١١٧.

(٢) التهذيب ١ : ٥٩ ـ ١٦٤ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ـ ١٧٤ ، الوسائل ١ : ٤٠٨ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٥٨ ـ ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ـ ١٧٣ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ٥٩ ـ ١٦٦ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ٢١ ح ٦.

(٥) حكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٤٧ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٧ ، والمختلف : ٢٤.

(٦) التهذيب ١ : ٨٨ ـ ٢٣٣ ، ٩٧ ـ ٢٥٤ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٠٠ ـ ٧٨٥ ، الوسائل ١ : ٣٧٠ أبواب الوضوء ب ٣ ح ٢.

١٣٥

وأمّا ما في رواية أبي بصير : فيمن نسي مسح رأسه وهو في الصلاة : « وإن شك فلم يدر مسح ( أو لم يمسح ) فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة ويمسح على رأسه ، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه » (١) ، فهو خارج عن الوضوء قطعا ، لعدم اعتبار هذا الشك.

ثمَّ مقتضى المرسلة وحسنة ابن أذينة والرضوي ، المتقدّمة (٢) مؤيّدا بصحيحة زرارة (٣) : وجوب كون المسح ببقية بلّة اليدين خاصة ، وعدم جواز أخذها من مظانها من سائر أعضاء الوضوء أيضا مع بقائها في اليد.

وهو كذلك على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به بعض من تأخّر (٤) ، لما مرّ. وبه يقيّد بعض المطلقات المتقدمة (٥).

وحمل المطلقات ككلمات الأصحاب على الغالب ـ كما في المدارك (٦) وغرر المجامع ـ لا دليل عليه.

وأمّا مع جفافها : فيجوز الأخذ منها إجماعا ، كما تدلّ عليه المرسلة ، وروايتا مالك وخلف (٧). ولا يلزم الاقتصار على الأشفار والحاجب واللحية ، بل يجوز الأخذ من غيرها كالوجه والذراع أيضا ، لمفهوم قوله في المرسلة : « وإن لم يبق من بلّة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء ».

وهل يقتصر من اللحية على موضع الوضوء منها ، أم يتعدّى إلى غيره أيضا كالمسترسل؟

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠١ ـ ٧٨٧ ، الوسائل ١ : ٤٧١ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٨. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) في ص ١٣٣ ، ١٣٤.

(٣) المتقدمة في ص ١٣٤.

(٤) المفاتيح ١ : ٤٦.

(٥) في ص ١٣٣.

(٦) المدارك ١ : ٢١٣.

(٧) تقدم جميعها في ص ١٣٣.

١٣٦

مقتضى إطلاق كثير مما مرّ : الثاني ، ولكن المرسلة تخصّه بالأوّل ، لمكان قوله : « فخذ ما بقي منه في لحيتك » حيث إنّ كون ما في غير محل الفرض منه ممنوع ، فإذا حمل المطلق على المقيد ـ كما هو القاعدة ـ يفيد الاقتصار منها على موضع الوضوء.

مع أنّ مقتضى منطوق قوله فيها : « وإن لم يبق من بلّة وضوئك » إلى آخره : عدم جواز التعدّي ، فيعارض الإطلاق بالعموم من وجه ، ولعدم مرجّح يرجع إلى المقيّد ، ومقتضاه الاقتصار ، فعليه الفتوى.

وكون ماء المسترسل أيضا من نداوة الوضوء ـ كما قيل (١) ـ غير معلوم ، إذ يمكن أن يكون المراد بالوضوء فيه ما حصل به الوضوء لا ما أخذ لأجله ، بل الظاهر هو الأوّل ، ولا شك أن ما في غير محل الفرض لم يحصل به الوضوء ، أي الطهارة ، ولو كان ما في المسترسل من بقية الوضوء ، لجاز الأخذ مما تقاطر منه على الثوب أيضا ، ولعلّه لا يقول به.

ومنه يظهر عدم جواز الأخذ من الماء الذي في موضع مسح الرأس من غسل الوجه ، إلاّ في القدر المحتاج إليه من باب المقدمة ، فإنّ الظاهر أنّه من نداوة الوضوء.

هذا ، ثمَّ إنّ وجوب المسح بالبلة إنّما هو مع الإمكان. وأمّا لو تعذّر بقاؤها لريح أو حرّ أو نحوهما ، فيلزم استئناف الماء الجديد له ، لاستصحاب وجوب الغسلتين والمسحتين ، وعدم تحقّق الأخيرين إلاّ في ضمن جفاف الماسح ، أو بلّته بنداوة الوضوء ، أو بالماء الجديد ، وبطلان الأوّل بالإجماع ، والثاني بالتعذّر ، فلم يبق إلاّ الثالث.

ومنه يظهر ضعف تجويز الانتقال إلى التيمّم ، لاستصحاب وجوب الغسل والمسح مع أصالة عدم مشروعيته.

__________________

(١) شرح المفاتيح : ( مخطوط ).

١٣٧

هـ : لا تضرّ نداوة محل المسح قبله إن استهلكت في نداوة الماسح إجماعا.

وأمّا بدونه ففيه أقوال : صحة المسح معها ، ذهب إليه الحلّي ، والمحقق ، والفاضل في بعض كتبه (١) ، ونسبه والدي إلى الأكثر ، بل عن الثاني جواز إخراج الرّجل من الماء والمسح عليه. وعدمها كذلك ، اختاره الفاضل في المختلف ، ووالده (٢) ، ووالدي طاب ثراهم. والأول مع غلبة بلّة الماسح ، والثاني مع عدمها. وظاهر التذكرة والمنتهى : التردّد (٣).

والحقّ الثاني ، لوجوب كون المسح ببلّة الوضوء ، وتمتزج البلّتان بمجرد الوضع ، فيصير ما في اليد غير نداوة الوضوء ، إذ المركّب غير جزئه ، والماسح بالسكنجبين ليس ماسحا بالخلّ.

وأيضا : الضرورة قاضية بعدم الفرق بين المزج بالصب وبوضع اليد على البلّة ، فعدم صدق المسح بالبقية في الثاني كما في الأوّل ممّا لا ريب فيه.

وممّا ذكرنا يظهر عدم الفرق بين الماء والعرق وغيرهما.

للأوّل (٤) : صدق الامتثال.

وفيه : أنّه إن أريد امتثال أوامر المسح فمسلّم ، ولكن هنا أمرا آخر هو المسح بالبقية. وإن أريد امتثال جميع الأوامر فممنوع.

فإن قيل : الأمر الآخر ليس إلاّ الأمر بالمسح باليد المبتلّة ببقية الوضوء وقد حصل.

قلنا : بل هو المسح ببلّة اليد ، لا اليد المبتلّة ، فإنّه معنى المسح بالبلّة ومنها ، وذلك لا يكون إلاّ بأن يمسح ببلّة اليد منفردة.

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ١٠٤ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٦٠ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٦٤.

(٢) المختلف : ٢٦ ونقله عن والده.

(٣) التذكرة ١ : ١٨ ، المنتهى ١ : ٦٤.

(٤) أي الدليل للقول الأوّل.

١٣٨

وللثالث (١) : أنّ المزج القليل لا يمنع صدق المسح بالبلة.

قلنا : مسلّم في الصدق المجازي دون الحقيقي.

نعم ، لو كانت بلّة الممسوح قدرا لا ينفصل منها شي‌ء يمتزج مع بلّة الماسح ، اتّجه القول بالصحة ، وإن كانت هي أيضا مساوية لها ، إن قلنا بكفاية هذا القدر من البلة في المسح.

و : في اشتراط تأثير بلّة الماسح في الممسوح ، أي حصول بلّة منه فيه قولان ، أحوطهما بل أظهرهما : الاشتراط ، لأنّه المتبادر من المسح بالبلّة.

ز : يجب أن يكون المسح باليد. وهل يتعيّن فيه الكف ، أو باطنه مطلقا ، أو بلا ضرورة؟ فيه أقوال.

فالظاهر من الذكرى : تعيّن الكف بلا ضرورة ، مع أولوية باطنه ، ومعها ينتقل إلى الذراع (٢).

ومنهم من قال بتعيّن الباطن ، ومع العذر ينتقل إلى الظاهر ثمَّ إلى الذراع (٣).

ومنهم من قدّم التيمّم على الذراع.

أقول : مدلول صحيحة زرارة ( وحسنته ) (٤) والرضوي ، المتقدّمة (٥) بل المرسلة (٦) : وجوب المسح باليد ، ولكنّ في معنى اليد إجمالا ، لاحتمال أن يكون المراد بها الكف كما في يد التيمم ، أو مع الذراع كما في يد الوضوء ، ومقتضى‌

__________________

(١) أي الدليل للقول الثالث.

(٢) الذكرى : ٨٧.

(٣) المدارك ١ : ٢١٢.

(٤) لا توجد في « ه‍ » وعلى تقدير صحة ما في المتن فلعلها إشارة إلى نفس الصحيحة حيث انها رويت بسندين أحدهما مشتمل على إبراهيم بن هاشم ، ولأجله تعد حسنة.

(٥) في ص ١٣٤.

(٦) المتقدمة في ص ١٣٣.

١٣٩

استصحاب وجوب المسح باليد والحدث : تعيّن الكف.

وتؤيّده صحيحة البزنطي ، المتقدّمة (١) ، وصحيحة الأخوين ، وفيها : « ثمَّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفه » (٢).

وما في تفسير العياشي في وصف وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومسح رأسه بفضل كفيه وقدميه » (٣).

والطريقة المعهودة من الناس ، فعليه الفتوى.

وأمّا تعيين الباطن : فلا دليل عليه وإن كان أحوط.

هذا مع عدم العذر ، وأمّا معه فيجزي الذراع أيضا ، لمطلقات المسح التي لم يعلم تقييدها بالكف إلاّ في صورة عدم العذر.

ح : الظاهر جواز المسحين مقبلا ومدبرا ، وفاقا فيهما للعماني والمبسوط ، والإصباح ، والشرائع ، والنافع ، والمعتبر (٤) ، وجلّ المتأخّرين (٥) ، بل للمشهور ، كما صرّح به غير واحد (٦) ، وفي الرأس خاصة للحلّي (٧) ، وفي الرّجل للنهاية ، والاستبصار ، والمراسم ، والمهذّب ، والجامع ، والإشارة (٨).

__________________

(١) في ص ١٢٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ ـ ١٩١ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٨ ، المستدرك ١ : ٣٠٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٤) نقله عن العماني في المختلف : ٢٤ ، المبسوط ١ : ٢٢ ، الشرائع ١ : ٢٢ ، المختصر النافع : ٦ ، المعتبر ١ : ١٥١.

(٥) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٦١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢١٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٧٦.

(٦) منهم صاحب الرياض ١ : ٢٢ و ٢٠.

(٧) السرائر ١ : ١٠٠.

(٨) النهاية : ١٤ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ، المراسم : ٣٨ ، المهذب ١ : ٤٤ ، الجامع : ٣٦ ، الإشارة : ٧١.

١٤٠