مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

وأما أخبار وضوء الأقطع : فلعدم التلازم بين مدلولها وبين ما قصدوه.

وفي غير ما يدخل منه في الذراع على التفسير الثاني ، لتصريح الأخبار بوجوب غسل جميع الذراع.

وأمّا على الثالث : فالحقّ الأوّل ، لذلك.

قالوا : وتظهر فائدة الخلاف في وضوء الأقطع وفي وجوب إدخال جزء من العضد (١).

وفيه تأمل ، سيما الأوّل.

وتجب في غسلهما البدأة من المرفقين ، وفقا للأكثر حتى ابن سعيد (٢) ، بل عليه الإجماع في التبيان (٣) ، لا لمثل بعض ما مر في الوجه ، لما عرفت من ضعفه.

بل لخبر التميمي : عن قول الله تعالى ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فقلت : هكذا ومسحت من ظفر كفي إلى المرفق ، فقال : « ليس هكذا تنزيلها ، إنّما هي ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) من ( الْمَرافِقِ ) ، ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه » (٤).

والمروي في كشف الغمة ، وفيه : « فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفقين ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين » (٥).

والمروي فيه وفي الخرائج في حكاية وضوء علي بن يقطين ، وفيه : « واغسل يديك من المرفقين » (٦).

__________________

(١) الرياض ١ : ١٩ ، شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٢) فإنه وان قال بعدم وجوب البدء بالأعلى في غسل الوجه ولكن قال بوجوبه في المقام. الجامع للشرائع : ٣٥.

(٣) التبيان ٣ : ٤٥١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨ الطهارة ب ١٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٥٧ ـ ١٥٩ ، الوسائل ١ : ٤٠٥ أبواب الوضوء ب ١٩ ح ١.

(٥) كشف الغمة ١ : ٨٨ ، الوسائل ١ : ٣٩٩ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢٤.

(٦) كشف الغمة ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٥ ـ ٢٦.

١٠١

وفي تفسير العياشي : « قلت له : قال : اغسلوا ( أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فكيف الغسل؟ قال : « هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق ثمَّ يمسح إلى الكف » إلى أن قال : قلت : يرد الشعر؟ قال : « إذا كان عنده آخر فعل ، وإلاّ فلا » (١) أراد بالآخر من يتقيه.

وفيه أيضا في حكاية وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق » (٢).

وضعف ما كان منها ضعيفا منجبر بالشهرة.

ولا ينافيه الآية ، ومثل المروي في الخصال : « هذه شرائع الدين لمن تمسّك بها وأراد الله هداه : إسباغ الوضوء كما أمر الله عزّ وجلّ في كتابه الناطق ، غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين » (٣).

وفي العلل ومجالس الصدوق ، وفيهما : « وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين » (٤).

وفي تفسير العياشي : « وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين » (٥).

لأنّ النكس ليس واجبا ولا مندوبا إجماعا. وحمل الأمر على الجواز تجوّزا ليس أولى من التجوّز في : « إلي » مع أنّ في تفسير العياشي ـ كما مرّ ـ فسّر الغسل إلى المرفق بما يوافق المشهور.

خلافا لأكثر من خالف في الوجه ، ومنهم : السيد في الناصريات‌

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٣٠٠ ـ ٥٤ ، المستدرك ١ : ٣١١ أبواب الوضوء ب ١٨ ح ٢.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٩٨ ـ ٥١ ، المستدرك ١ : ٣٠٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٣) الخصال : ٦٠٣ ، الوسائل ١ : ٣٩٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٨.

(٤) علل الشرائع : ٢٨٠ وفيه : « بغسل اليدين » مجالس الصدوق : ١٦٠ المجلس ٣٥ ، الوسائل ١ : ٣٩٥ ، ٣٩٦ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٦ و ١٧.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٩٨ ـ ٥١.

١٠٢

والانتصار (١) ، والحلّي (٢) ، وفي كفاية الأحكام أنّه يلوح من كلام الشيخ في التهذيب (٣) ، فجوّزوا غسلهما منكوسا ، لضعف جميع ما استند المشهور إليه إمّا دلالة أو سندا.

ويضعف بما مرّ من انجبار الضعيف منه سندا بالعمل.

فروع :

أ : قطع اليد إن كان من تحت المرفق ، غسل الباقي إليه إجماعا محقّقا ومنقولا في المنتهى (٤) وغيره (٥).

وهو الحجة فيه ، مؤيّدا بحسنة محمّد : عن الأقطع اليد والرجل ، قال : « يغسلهما » (٦) خرج ما خرج منها بالإجماع ، فيبقى الباقي.

وصحيحة رفاعة : عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضّأ؟ قال : « يغسل ذلك المكان الذي قطع منه » (٧).

وحسنته وفيها : « يغسل ما قطع منه » (٨).

وجعلها دليلا غير جيّد ، لعدم دلالتها على الزائد على مطلق الرجحان. مع أنّ في الأولى ـ لاشتمالها على الرجل الموجب لعدم إرادة الظاهر قطعا ـ إجمالا ، والأخيرتين لا تثبتانه في الزائد عن موضع القطع. وكذا الاستدلال باستصحاب ما دلّ عليه الأمر بغسل المجموع تبعا ، وهو وجوب غسل كلّ جزء ، لأنّ الثابت له‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٤ ، الانتصار : ١٦.

(٢) السرائر ١ : ٩٩.

(٣) لم نعثر عليه في كفاية الأحكام ولا في التهذيب.

(٤) المنتهى ١ : ٥٩.

(٥) المدارك ١ : ٢٠٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩ الطهارة ب ١٨ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ١ : ٤٨٠ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٧٨ ، الوسائل ١ : ٤٨٠ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٢٩ الطهارة ب ١٨ ح ٨ ، الوسائل ١ : ٤٧٩ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ١.

١٠٣

ليس إلاّ الوجوب التبعي الغيري ، وهو يزول بزوال وجوب الغير والمتبوع قطعا.

وإن كان من المرفق ، فإن فسّرناه بأحد الأخيرين ، وبقي شي‌ء من الذراع ، وجب غسله ، لما مرّ ، وإلاّ يستحب غسل موضع القطع ، للروايتين الأخيرتين. ولا يجب وفاقا للمنتهى والمعتبر والتحرير (١) والإرشاد (٢) ، للأصل. وخلافا للمحكي عن الإسكافي (٣) والقاضي والشيخ (٤) ، والتذكرة والذكرى (٥) ، فأوجبوا غسل رأس العضد.

وكأنّه للاستصحاب المتقدّم ضعفه ، أو الروايتين الغير المثبتتين للوجوب. بل الظاهر حينئذ استحباب غسل الباقي من اليد ، للصحيح : عن رجل قطعت يده من المرفق ، قال : « يغسل ما بقي من عضده » (٦).

وإن كان من فوقه ، سقط الوجوب إجماعا.

وهل يستحب غسل موضع القطع ، أم تمام الباقي ، أم لا يستحب شي‌ء منهما؟

ظاهر الروايتين : الأوّل ، وهو كذلك.

وعن المنتهى والتذكرة والنهاية والدروس : الثاني (٧).

ولا دليل عليه إلاّ إطلاق حسنة محمّد (٨) ، وقد عرفت إجمالها.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٩ ، المعتبر ١ : ١٤٤ ، التحرير ١ : ١٠.

(٢) مجمع الفائدة ١ : ١٠٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٣.

(٤) المهذب ١ : ٤٤ ، المبسوط ١ : ٢١.

(٥) التذكرة ١ : ١٦ ، الذكرى : ٨٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩ الطهارة ب ١٨ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ١ : ٤٧٩ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٢.

(٧) المنتهى ١ : ٥٩ ، التذكرة ١ : ١٦ ، ولكن فيه استحباب غسل موضع القطع ، نهاية الاحكام ١ : ٣٨ ، الدروس ١ : ٩١.

(٨) المتقدمة ص ١٠٣.

١٠٤

وعن المبسوط : استحباب مسح الباقي (١).

والظاهر أنّ مراده أيضا الغسل ، وإلاّ فلعلّ مستنده الحسنة بحمل الغسل على المسح ، لبطلان إبقائه على حقيقته ، وعدم تجويز استعمال اللفظ في معنييه.

ويضعفه إمكان حمل آخر كالتقية.

ب : الزائد إن كان ما دون المرفق أو معه ، وجب غسله ، وفاقا ظاهرا ، سلعة كان أو إصبعا أو ذراعا أو لحما ، له (٢) ولتوقّف العلم بغسل جميع الأجزاء الأصلية عليه ، حيث إنّ الزائد واقع فيها مشتمل على جزء منها ، ولصدق الجزئية ، وإن كان فيها في الجميع محلّ كلام.

وأمّا الثقبة الواقعة فيه ، فإن كانت من الظواهر عرفا ، بأن كانت مكشوفة ، نابتا عليها الجلد ، وجب غسلها للجزئية ، وإلاّ فلا.

وإن كان فوقه ، فإن لم يكن يدا لا يجب غسله إجماعا.

وإن كان ، فإن لم يتميز عن الأصلية وجب غسله من غير خلاف يعرف ، وفي المنتهى والتذكرة (٣) الإجماع عليه.

لا لإيجاب تخصيص إحداهما للتحكّم ، ولا لتوقّف العلم بغسل الأصلية عليه ، لاندفاع التحكّم بالتخيير ، وجواز عدم اتّصاف واحدة منهما بالأصلية ، وكون الحكم في مثله التخيير.

بل لعموم الجمع المضاف في قوله : « ( أَيْدِيَكُمْ ) ».

وكذا إن تميّز ، وفاقا للتلخيص والمختلف والمنتهى والإرشاد (٤) ، ومحتمل التذكرة والشرائع (٥) ، لما مرّ.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١.

(٢) أي للوفاق ، إشارة إلى دليل الحكم.

(٣) المنتهى ١ : ٢١ ، التذكرة ١ : ١٦ لم نعثر فيهما على دعوى الإجماع.

(٤) المختلف : ٢٣ ، المنتهى ١ : ٥٩ ، مجمع الفائدة ١ : ١٠٢.

(٥) التذكرة ١ : ١٦ ، الشرائع ١ : ٢١.

١٠٥

خلافا للمنقول عن المبسوط والمهذّب والجواهر والمعتبر (١) فلم يوجبوا غسله ، لخروجه عن اليد المأمور بغسلها. وفيه نظر.

ج : يجب إيصال الماء تحت جميع ما في محل الغسل من سوار ودملج وخاتم وغيرها ، للإجماع ، وعموم حسنة زرارة وبكير ، ورواية العياشي المتقدّمتين (٢).

وخصوص صحيحة علي : عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها ، لا تدري يجري الماء تحتها أم لا ، كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال : « تحرّكه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه » وعن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضّأ أم لا ، كيف يصنع؟ قال : « إن علم أنّ الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضّأ » (٣).

ولا ينافي المطلوب مفهوم جزئها الأخير ، لأنّ مفادها أنّ مع عدم العلم لا يجب الإخراج ، وهو كذلك ، فإنّه مع العلم بعدم وصول الماء تحته لا محيص عن إخراجه فيجب ، وأمّا إذا لم يعلم عدم وصوله ، فإن علم الوصول فهو ، وإلاّ فيحرّك حتى يدخل أو ينزعه ، كما صرّح به في صدرها ، فلا يجب الإخراج حينئذ.

وأمّا حسنة ابن أبي العلاء : عن الخاتم إذا اغتسلت ، قال : « حوّله من مكانه » وقال في الوضوء : « تديره ، وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة » (٤) فمحمولة على ما إذا لم يعلم عدم الوصول ، جمعا بينها وبين الأخبار المستفيضة المصرّحة بوجوب الإعادة بنسيان جزء من موضع الغسل (٥) ، بل بين الصحيحة التي هي أخص منها مطلقا ، فإنّه حينئذ لا تعاد الصلاة مع‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١ ، المهذب ١ : ٤٤ ، جواهر الفقه : ١٠ ، المعتبر ١ : ١٤٤.

(٢) في ص ٩١ ، و ١٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤ الطهارة ب ٢٩ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٨٥ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ١ : ٤٦٧ أبواب الوضوء ب ٤١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥ الطهارة ب ٢٩ ح ١٤ ، الوسائل ١ : ٤٦٨ أبواب الوضوء ب ٤١ ح ٢.

(٥) الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥.

١٠٦

النسيان ، أمّا مع العلم بالوصول فظاهر ، وأمّا بدونه فلرجوعه إلى الشك بعد الفعل وهو لا يعبأ به ، كما يأتي.

وكذا (١) الشعر مع خفّته إجماعا. وكذا مع الكثافة عند جماعة (٢) ، استنادا إلى وجوب غسل كلّ جزء ، كما هو المصرّح به في الأخبار (٣).

إلاّ أنّ مقتضى صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٤) في شعر الوجه : عدم وجوبه ، ووجوب غسل الشعر خاصة.

وتخصيصها بالوجه لا وجه له.

والمراد (٥) بغسل كلّ جزء من اليد كما يمكن أن يكون كلّ جزء من ظاهر جلده ، يمكن أن يكون كلّ جزء من ظاهر أجزائها كما في الوجه ، ومنه شعرها المحيط بها ، ومع العموم فالصحيحة للتخصيص صالحة. ولذا استشكل في غرر المجامع وغيره (٤) في الفرق بين الوجه واليد. وهو في محلّه ، والإجماع الرافع له غير ثابت وإن ادّعاه الكركي في باب غسل الجنابة من شرح القواعد (٥). وأمر الاحتياط واضح.

وأما الأظفار : فلا إشكال في وجوب غسلها ما لم يخرج عن حد اليد ، أي : عن محاذاة رأس الإصبع. وكذا معه ، وفاقا للفاضل في بعض كتبه (٦) ، والشهيد (٧) ، ووالدي العلاّمة ، لجزئيتها عرفا.

__________________

(١) يعني وكذا يجب غسل ما تحت الشعر.

(٢) منهم الشهيد في الذكرى : ٨٥ ، والدروس ١ : ٩١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٨.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٤) في ص ٩٢.

(٥) مناقشة في الاستدلال الذي أشار إليه بقوله : استنادا الى وجوب غسل كل جزء.

(٦) كالحدائق ٢ : ٢٤٩.

(٧) جامع المقاصد ١ : ٢٧٨.

(٨) كالقواعد ١ : ١١.

(٩) الدروس ١ : ٩١.

١٠٧

والتجاوز عن رأس الإصبع لا يوجب خروجها عنها أصلا.

خلافا لبعضهم فلم يوجبه (١).

وعن التذكرة ونهاية الإحكام ، وفي المنتهى ، وشرح القواعد للمحقق الثاني (٢) : التردّد فيه ، للأصل.

وهو مندفع بما مرّ.

وأمّا ما تحتها من البشرة فمنها ما ليس من الظواهر عرفا ، وهي الجلدة الرقيقة تحت الظفر الغير المتجاوز عن حد الإصبع ، لأنّ المراد بالظاهر ما كان ظاهرا غالبا ، ولا شك أنّ هذه الجلدة تكون تحت الظفر غالبا ، لندور قص الظفر بحيث تظهر تلك الجلدة ، ولو قص لنبت في أسرع وقت.

ومنها ما هو الظاهر كذلك ، وهو ما تجاوز عمّا ذكر.

فما كان من الأوّل لا يجب غسله ، لرواية زرارة المتقدمة (٣) : « إنما عليك أن تغسل ما ظهر ».

والعلة المنصوصة في رواية الحضرمي : « ليس عليك مضمضة ولا استنشاق لأنها من الجوف » (٤).

وما كان من الثاني يجب ولو وقع تحت الظفر ، بأن تجاوز عن حد اليد ، للاستصحاب ، ولكونه من الظواهر عرفا.

ومن هذا يظهر حكم الوسخ المجتمع تحت الظفر ، فإنه يجب نزعه لو منع من غسل الثاني ، ولا يجب في غيره.

__________________

(١) نقل في مفتاح الكرامة ١ : ٢٤٦ عن المشكاة عدم وجوب غسلها على إشكال. والظاهر أن المشكاة للسيّد بحر العلوم كما يستفاد من الذريعة ٢١ : ٥١.

(٢) التذكرة ١ : ١٦ ، نهاية الاحكام ١ : ٤٠ ، المنتهى ١ : ٥٩ ، جامع المقاصد ١ : ٢١٧.

(٣) ص ٩٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤ الطهارة ب ١٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٣١ ـ ٣٥٩ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ١ : ٤٣٢ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١٠.

١٠٨

ووجوب النزع مطلقا ـ كالمنتهى (١) ـ كعدمه كذلك ـ كما احتمله فيه ـ لا وجه له.

وصدق غسل اليد بدونه ، وعدم أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأعراب مع عدم الانفكاك فيهم غالبا (٢) ـ بعد ورود الأمر بغسل الظواهر وعدم جواز ترك جزء من اليد ـ لا وقع له.

نعم ، لو كان الوسخ الواقع في محل الفرض شبه الدخان لا يمنع الماء ، اتّجه عدم وجوب نزعه.

الرابع : مسح الرأس‌. ووجوبه أيضا ثابت بالثلاثة.

والقدر الواجب فيه المسمى ، ولو بجزء من إصبع ، ممرا له على الممسوح ليتحقّق اسمه ، وفاقا للأكثر كما في المدارك (٣) والغرر ، ومنهم التبيان ، والمجمع ، وروض الجنان لأبي الفتوح (٤) ، وأحكام القران للراوندي (٥) ، والغنية (٦) ، والمبسوط ، والجمل والعقود (٧) ، والسرائر (٨) ، والمصباح للسيّد (٩) ، والإصباح ، والجامع ، والمعتبر (١٠) ، والشرائع ، والنافع (١) ، والقواعد ، والمنتهى (١٢) ، بل سائر‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٩.

(٢) كما في الذخيرة : ٢٩.

(٣) المدارك ١ : ٢٠٧.

(٤) التبيان ٣ : ٤٥١ ، مجمع البيان ٢ : ١٦٤ ، روض الجنان ٤ : ١٢٥.

(٥) فقه القرآن ١ : ١٧.

(٦) الموجود في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٣ : والأفضل ان يكون مقدار الممسوح ثلاث أصابع مضمومة ويجزي مقدار إصبع واحدة بالإجماع المذكور.

(٧) المبسوط ١ : ٢١ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٥٩.

(٨) السرائر ١ : ١٠١.

(٩) نقله عنه في المنتهى ١ : ٦٠.

(١٠) الجامع للشرائع : ٣٦ ، المعتبر ١ : ١٤٤.

(١١) الشرائع ١ : ٢١ ، المختصر النافع : ٦.

(١٢) القواعد ١ : ١١ ، المنتهى ١ : ٥٩.

١٠٩

كتب الفاضل (١) ، والكركي (٢) ، والشهيدين (٣) ، وأكثر المتأخرين (٤) ، بل عن الخمسة الأولى الإجماع عليه (٥).

ونسب بعض مشايخنا المحققين (٦) هذا القول إلى العماني ، والإسكافي ، والديلمي ، والحلبي ، والقاضي ، والحلي.

للأصل ، والإطلاقات ، وخصوص الصحاح.

منها : صحيحة زرارة وبكير : « وإذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك » (٧).

وأخرى : « فإذا مسح بشي‌ء من رأسه وبشي‌ء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه » (٨).

وقيل : يجب مقدار إصبع ، وهو المحكي عن المقنعة ، والتهذيب ، والخلاف (٩) ، وجمل السيد ، والراوندي (١٠) في موضع من الكتاب المذكور ، وفي‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٦ ، التحرير ١ : ١٠ ، تبصرة المتعلّمين : ٦.

(٢) جامع المقاصد ١ : ٢١٨.

(٣) قال الشهيد الأول في اللمعة : ١٨ ثمَّ مسح مقدم الرأس بمسماه وهو بإطلاقه يدل على الاجتزاء بأقل من إصبع ولهذا قال الثاني في شرحها ( الروضة ١ : ٧٥ ) : ولو يجزئ من إصبع واما كلماته في الدروس والبيان والذكرى فلا تفيد الاجتزاء بالأقل ـ كما سيأتي من المصنف ـ بل تفيد العكس.

(٤) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٠٤ ، وصاحبا المدارك : ٢٠٧ ، والذخيرة : ٢٩.

(٥) راجع ص ١٠٩ ـ رقم ٤ ، ٥ ، ٦.

(٦) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح : ( مخطوط ).

(٧) التهذيب ١ : ٩٠ ـ ٢٣٧ ، الاستبصار ١ : ٦١ ـ ١٨٢ ، الوسائل ١ : ٤١٤ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ ـ ١٩١ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٩) المقنعة : ٤٨ ، التهذيب ١ : ٨٩ ، الخلاف ١ : ٨٢.

(١٠) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٢٤ ، فقه القرآن ١ : ٢٩.

١١٠

الدروس (١) ، وهو الظاهر من البيان والذكرى (٢) ، ونسبه في المختلف إلى المشهور (٣).

وقد ينسب إلى جمع ممّن نسب اليه الأوّل كالقديمين والأربعة المتعقبة لهما (٤).

وقد يجمع بينهما : باتّحاد القولين (٥) ، لأنّ المراد بالمسمّى ما هو بحسب العرف ، والمتبادر أنّ المسمّى أقلّه الإصبع.

وكيف كان ، فاستدلّوا بالأخبار :

أحدها : في الرجل يتوضّأ وعليه العمامة ، قال : « يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه » (٦).

وثانيها : عن الرجل يمسح رأسه من خلفه ـ وعليه عمامة ـ بإصبعه ، أيجزيه ذلك؟ فقال : « نعم » (٧).

وثالثها : رجل توضّأ وهو معتم وثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد ، فقال : « ليدخل إصبعه » (٨).

وفيها ـ مضافا إلى ما في الأوّل من الخلوّ عن الدالّ على الوجوب ، بل وكذا الثاني ، حيث إنّ الإجزاء لا يدلّ عليه كما يأتي. وما في الثاني من الخلل في المتن ـ :

__________________

(١) الدروس ١ : ٩٢.

(٢) البيان : ٤٧ ، الذكرى : ٨٦.

(٣) المختلف : ٢٣.

(٤) تظهر النسبة من المختلف : ٢٣.

(٥) كما في شرح المفاتيح : ( مخطوط ).

(٦) التهذيب ١ : ٩٠ ـ ٢٣٨ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ـ ١٧٨ ، الوسائل ١ : ٤١١ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٩٠ ـ ٢٤٠ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ـ ١٧٩ ، الوسائل ١ : ٤١١ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٣٠ الطهارة ب ١٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٤١٦ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٢.

١١١

أنّه لا دلالة فيها على وجوب المسح بتمام الإصبع ، لتوقّف المسح بالبعض أيضا على إدخال الإصبع ، ولا يمكن إدخال بعض الإصبع ، فيمكن أن يكون لتحصيل المسمّى ، وقد حمل ( عليه ) (١) أيضا كلمات القائلين بالإصبع ، إلاّ أنّ بعضها (٢) مما لا يحتمله.

وربما يعكس ، فيحمل كلام الأوّلين على إرادتهم من المسمّى خصوص الإصبع كما مرّ (٣) ، زعما عدم حصوله إلاّ به.

وهو مع بعده لا وجه له ، سيما مع تصريح بعضهم بالأقلّ (٤).

وقيل : يجب مقدار ثلاث أصابع مضمومة ، اختاره بعض الأخباريين (٥) ، وهو المروي عن حريز (٦) ، والمحكي عن الفقيه (٧) ، والسيّد في خلافه ، والشيخ في عمل يومه وليلته (٨).

لصحيحة زرارة : « المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه مقدار ثلاث أصابع ، ولا تلقي عنها خمارها » (٩).

ورواية معمر بن عمر : « يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع ،

__________________

(١) أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) وهو كلام التهذيب ١ : ٨٩ فإنه استدل بإطلاق الآية على إجزاء الإصبع. ثمَّ قال : لا يلزم على ذلك ما دون الإصبع ، لأنّا لو خلّينا والظاهر لقلنا ذلك ، ولكن السنّة منعت منه. ونحوه كلام الراوندي في فقه القرآن ١ : ٢٩. نبه عليه في كشف اللثام ١ : ٦٨.

(٣) في قوله قبل سطور : وقد يجمع بينهما ..

(٤) الروضة ١ : ٧٥.

(٥) مفاتيح الشرائع ١ : ٤٤ ، وقال في الحدائق ٢ : ٢٦٥ والى هذا القول يميل المحدّث الأمين الأسترآبادي.

(٦) رجال الكشي : ٣٣٦ و ٣٨٥.

(٧) الفقيه ١ : ٢٨.

(٨) عمل اليوم والليلة ( الرسائل العشر ) : ١٤٢.

(٩) الكافي ٣ : ٣٠ الطهارة ب ١٩ ح ٥. التهذيب ١ : ٧٧ ـ ١٩٥ ، الوسائل ١ : ٤١٦ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٣.

١١٢

وكذلك الرجل » (١).

حيث إنّ الإجزاء أمّا الامتثال ، أو حصول أقلّ الواجب ، فعلى الأوّل يكون مقتضاهما حصول الامتثال بالثلاث فيتوقّف عليها ، وعلى الثاني لا يؤدّى أقلّ الواجب إلاّ به.

وفيهما ـ مضافا إلى ما في الأولى من الاختصاص بالمرأة ، وعدم ثبوت الإجماع المركّب ، بل ثبوت عدمه كما يأتي ، ومن جواز كون الحكم بالإجزاء بالنظر إلى عدم إلقاء الخمار ـ : أنّ إرادة ذلك القدر في الطول تحصيلا لحصول المسح ممكنة ، حيث إنّهم لا يوجبونه في الطول والعرض معا ، فيراد التحديد به في أحدهما ، ولا تصريح فيهما بكون ذلك في العرض كما هو مطلوبهم.

مضافا إلى أنّ الإجزاء إن كان هو الامتثال : فيكون المعنى أنّه يحصل بها ، ولا يدلّ على عدم حصوله بغيرها إلاّ بالأصل الذي لا يصلح للتمسّك بعد الإطلاقات المتقدّمة.

وإن كان حصول الأقلّ : فيمكن أن يكون أقلّ المندوب ، كما في قولك : يجزي في الصلاة مسمّى الدعاء في القنوت ، حيث إنّ للمسح واجبات ومندوبات ، ويكون الإجزاء في كلّ منهما ، فتخصيصه بأحدهما لا دليل عليه ، بل لا يبعد ظهور الأخير بملاحظة رواية معمّر ، فإنّ عدم التفصيل في ذلك بين الرأس والرجل ـ مع استحبابه في الرجل وفاقا كما يأتي ـ قرينة واضحة على كون الإجزاء بالنسبة إلى الرأس أيضا كذلك.

وأمّا تفسير الإجزاء : بأنه حصول أقلّ الواجب ، فهو ممّا لا وجه له ، لتحقّقه واستعماله في المندوب أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩ الطهارة ب ١٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٦٠ ـ ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ـ ١٧٧ ، الوسائل ١ : ٤١٧ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٥.

١١٣

مع أنّ ذلك القول محكي عن أبي حنيفة وبعض آخر من العامة (١) ، فيمكن الحمل على التقية.

ولا بأس بالحمل على الاستحباب ، كما عن المقنعة (٢) ، والمبسوط ، والخلاف ، والجمل والعقود (٣) ، والغنية ، والمراسم ، والوسيلة ، والسرائر (٤) ، ومصباح السيّد وجمله (٥) ، والمهذّب ، والمعتبر ، والشرائع ، والمنتهى (٦) ، وغيرها.

والمستحب مسح موضعها لا المسح بها ، لعدم دليل عليه.

والمراد من موضعها ما تحويه الثلاثة بعرضها وطولها الذي هو طول إصبع ، لأنّ الإصبع حقيقة في تمام العضو المخصوص ، سواء كان عرضها من عرض الرأس وطولها من طوله أو بالعكس.

وقد يخص استحباب ذلك المقدار بالعرض ، نقل ذلك عن ظاهر المقنعة ، والمهذب ، والجامع (٧) ، والشرائع ، والنفلية (٨) ، وصرّح به الكركي (٩).

وهو غير جيد.

ثمَّ المستفاد من الخبرين استحباب مجموع الثلاث ، فيكون أفضل أفراد المخيّر ، لا استحباب القدر الزائد على المسمّى. وعلى هذا فلا يتّصف الزائد بنفسه‌

__________________

(١) حكاه العلامة في التذكرة ١ : ١٦ عن أبي حنيفة. وراجع بدائع الصنائع ١ : ٤ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٤٤.

(٢) المقنعة : ٤٨.

(٣) المبسوط ١ : ٢١ ، الخلاف ١ : ٨١ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٥٩.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣ ، المراسم : ٣٧ ، الوسيلة : ٥٢ ، السرائر ١ : ١٠١.

(٥) جمل العلم والعمل : ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٢٤.

(٦) المهذب ١ : ٤٤ ، المعتبر ١ : ١٤٤ ، الشرائع ١ : ٢١ ، المنتهى ١ : ٦٠.

(٧) المقنعة : ٤٨ ، المهذب ١ : ٤٤ ، الجامع للشرائع : ٣٤.

(٨) الشرائع ١ : ٢١ ، النفلية : ٧.

(٩) جامع المقاصد ١ : ٢١٨.

١١٤

بوجوب ولا استحباب.

نعم ، يتّصف بالوجوب التخييري التبعي من حيث كونه جزءا للمجموع إذا قصد الامتثال بالمجموع ، وبالاستحباب بمعنى الراجحية الإضافية كذلك حينئذ.

وعن نهاية الشيخ : وجوب هذا القدر اختيارا ، والاكتفاء بالإصبع الواحدة حال الاضطرار ، إلاّ أنّ المصرّح به في كلامه الاكتفاء بها إن خاف البرد من كشف الرأس (١) ، ولعلّهم استنبطوا التعميم من عدم التفرقة بين أنواع الاضطرار. ونسب ذلك إلى الدروس (٢) أيضا ، كما عن الإسكافي تخصيص وجوبه بالمرأة والاكتفاء في الرجل بالواحدة (٣).

ومستند الأوّل : الجمع بين أخبار الإصبع والثلاث بذلك ، بشهادة ثالثة روايات الإصبع المتقدّمة (٤).

ودليل الثاني : الجمع بينها بذلك ، بشهادة صحيحة زرارة المتقدمة (٥).

ويضعف الأوّل : بما مرّ من عدم دلالة روايات الثلاث على وجوبها ، مع عدم تصريح في الشاهد بالإصبع الواحدة عند الخوف ، بل أراد بيان عدم وجوب النزع وجواز الإدخال ، فيحتمل الاكتفاء بالمسمّى ، ووجوب الثلاث ، والإطلاق إنّما يحكم به إذا كان في مقام بيان حكمه.

والثاني : بما مرّ من عدم دلالة الصحيحة على وجوب ذلك على المرأة.

__________________

(١) النهاية : ١٤.

(٢) نسبه في كشف اللثام ١ : ٦٨ ، والموجود في الدروس : ثمَّ مسح مقدم الرأس بمسماه ولا يحصل بأقل من إصبع وقيل ثلاث مضمومة للمختار.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ٨٦.

(٤) ص ١١١.

(٥) ص ١١٢.

١١٥

فرعان :

أ : يجب أن يكون المسح على مقدّم الرأس ، بالإجماع المحقّق والمنقول مستفيضا (١) ، والنصوص.

ففي الصحيح : « مسح الرأس على مقدّمه » (٢).

وفي آخر : « امسح الرأس على مقدّمه » (٣).

وفي الحسن : « امسح على مقدّم رأسك » (٤).

وبها تقيّد الإطلاقات.

وما في شواذّ أخبارنا ممّا يخالف ذلك ظاهرا ، ويثبت المسح على المقدّم والمؤخّر أو على الرقبة (٥) ، ضعيف بالشذوذ ، متروك بالإجماع ، محمول على التقية أو غيرها من المحامل المحتملة في بعضها قريبا.

وممّا يقرّب الحمل على التقية : ما في رواية علي بن يقطين ، المروية في كشف الغمة وغيره (٦) من أمره عليه‌السلام إيّاه أوّلا اتّقاء بمسح ظاهر الأذنين وباطنهما ، ثمَّ بعد ارتفاع التقية أمره بالوضوء الصحيح ، وقال فيه : « وامسح مقدّم رأسك ».

وقول بعض أصحابنا باستحباب المقدّم ـ كما حكاه بعض مشايخنا المحقّقين (٧) ـ غريب جدّا.

__________________

(١) كما في المعتبر ١ : ١٤٤ ، والتذكرة ١ : ١٧ ، والذكرى : ٨٦.

(٢) التهذيب ١ : ٦٢ ـ ١٧١ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ـ ١٧٦ ، الوسائل ١ : ٤١٠ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٩١ ـ ٢٤١ ، الوسائل ١ : ٤١٠ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩ الطهارة ب ١٩ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٤١٨ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ١.

(٥) راجع الوسائل ١ : ٤١١ ، ٤١٢ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٥ ، ٦.

(٦) كشف الغمة ٢ : ٢٢٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٥ ـ ٢٦.

(٧) شرح المفاتيح : ( مخطوط ).

١١٦

والمراد بالمقدّم ما قابل المؤخّر ، لأنّه المفهوم منه عرفا ولغة ، لا خصوص ما بين النزعتين المعبّر عنه بالناصية ، فالقول بتعيّن الثاني ضعيف.

وصحيحة زرارة : « فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك وبما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى » (١) ، لا تفيد الوجوب. مع أنه يمكن أن يكون المعنى : يجزيك ذلك ، فلا يدلّ على عدم إجزاء غيره.

مضافا إلى أنّ الناصية ربما تفسّر : بمطلق شعر مقدّم الرأس أيضا.

وفي كتب جماعة من أهل اللغة أنّها خصوص القصاص (٢). وبه تخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدّم.

ب : المقدّم يشمل البشرة والشعر ، للإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا (٣) ، ونفي الحرج اللازم على تقدير الاختصاص بالأوّل قطعا ، وإطلاقات المسح على الرأس وعلى مقدّمه الشامل للأمرين. والمراد بالشعر المختص بالمقدّم ، دون غيره من النابت عن غيره مطلقا ، أو عنه مع استرساله ، أو خروجه بمدّه عن حدّه ، لظاهر الوفاق ، وعدم صدق المناط ، واستصحاب عدم إباحة الصلاة.

ولا يجوز على الحائل بالإجماعين ، لعدم صدق الامتثال ، وللمستفيضة ، منها : أخبار رفع العمامة والقناع ثمَّ المسح (٤).

وخصوص الصحيح : عن المسح على العمامة وعلى الخفين ، قال : « لا تمسح عليها » (٥).

والمرفوع : في الذي يخضب ثمَّ يبدو له في الوضوء ، قال : « لا يجوز حتى‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٠ ـ ١٠٨٣ ، الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

(٢) كما في القاموس ٤ : ٣٩٨ ، المصباح المنير : ٦٠٩ ، مجمل اللغة ٤ : ٤٠٦.

(٣) كما حكاه في التذكرة ١ : ١٧ ، والمدارك ١ : ٢١٥ ، وشرح المفاتيح : ( مخطوط ).

(٤) راجع الوسائل ١ : ٤١٦ أبواب الوضوء ب ٢٤.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦١ ـ ١٠٩٠ ، الوسائل ١ : ٤٥٩ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ٨.

١١٧

يصيب بشرة رأسه الماء » (١).

والمراد ببشرة الرأس فيها بشرته بالنسبة إلى الحناء الشامل للشعر أيضا.

والمروي في كتاب علي عن أخيه : عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال : « لا يصلح حتى تمسح على رأسها » (٢).

وتجويزه في الصحيحتين (٣) على فوق الحناء ـ مع شذوذهما المخرج لهما عن الحجية ـ محمول على لونه أو عدم استيعاب الحناء للمقدّم أو على الضرورة ، فإنّ المنع عن المسح على الحائل يخصّ حال الاختيار.

ويجوز على الحائل اضطرارا اتّفاقا ـ كما قيل (٤) ـ لعموم أدلّة المسح على الجبائر والدواء ، كما يأتي.

الخامس : مسح الرجلين ، إلى الكعبين.

ووجوبه أيضا ممّا اتّفقت عليه الكلمة ، ونطق به الكتاب والسنة.

والكعبان عند العامّة هما : العظمان الناتئان عن جانبي عظم الساق فوق المفصل (٥).

وأمّا الخاصة : فقد اتّفقوا على أنّهما غير ذلك ، وإن اختلفوا في تعيينهما ، وهم بين مصرّح بأنّهما قبّتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط ، وهو : شيخنا المفيد (٦). ويشعر به بل بالإجماع عليه كلام التهذيب (٧) ، وتبعهما جماعة من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١ الطهارة ب ١٩ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٨٠ ، الوسائل ١ : ٤٥٥ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ١.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١١٠ ـ ٢٢ ، الوسائل ١ : ٤٥٦ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٩ ـ ١٠٧٩ ، ١٠٨١ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ـ ٢٣٢ و ٢٣٣ ، الوسائل ١ : ٤٥٥ ، ٤٥٦ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ٣ و ٤.

(٤) الرياض ١ : ٢٢.

(٥) راجع المغني لابن قدامة ١ : ١٧٣ ، وبدائع الصنائع ١ : ٧ ، ومغني المحتاج ١ : ٥٣.

(٦) المقنعة : ٤٤.

(٧) التهذيب ١ : ٧٤ ـ ٧٥.

١١٨

المتأخّرين (١).

ومصرّح بأنّهما مفصل الساق والقدم ، أي : ملتقاهما ، وهو الإسكافي (٢) ، والفاضل (٣) ، والشهيد في الرسالة (٤) ، وصاحب الكنز (٥) ، والأردبيلي رحمه‌الله (٦) ، ونسب في البحار ذلك إلى جماعة من أهل اللغة (٧) ، وفي التذكرة الإجماع عليه (٨).

وقائل بأنّ الكعب هو العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق والقدم ، الناتئ في وسط القدم العرضي نتوا غير محسوس كثيرا لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق ، له زائدتان في أعلاه تدخلان حفرتي قصبة الساق ، وزائدتان في أسفله تدخلان حفرتي العقب ، وهو الذي يكون في رجل البقر والغنم أيضا ، وربما يلعب به الناس.

ذكره شيخنا البهائي (٩) وطائفة من المتأخّرين (١٠) ، وهو الذي عبّر عنه بعض الأجلّة بأنّهما عظمان مكعبان موضوعان على حدّ المفصل بين الساق والقدم (١١) ،

__________________

(١) المختصر النافع : ٦ ، الروضة : ١ : ٧٦ ، الذكرى : ٨٨ ، المدارك : ١ : ٢١٦ ، الذخيرة : ٣٣.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٤.

(٣) القواعد ١ : ١١ ، والتحرير ١ : ١٠ ، والمختلف : ٢٤.

(٤) الألفية : ٢٩.

(٥) كنز العرفان ١ : ١١.

(٦) مجمع الفائدة ١ : ١٠٧.

(٧) البحار ٧٧ : ٢٧٦.

(٨) التذكرة ١ : ١٧.

(٩) الحبل المتين : ١٨.

(١٠) منهم المحدّث الكاشاني في الوافي ٦ : ٢٤٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٦٩.

(١١) كشف اللثام ١ : ٦٩.

١١٩

ونسبه إلى ظاهر العين والصحاح والمجمل ومفردات الراغب (١) من كتب اللغة.

ومحتمل كلامه للمعاني الثلاثة ، وهو أكثر المتقدّمين ، حيث إنّه فسّر الكعب في بعض كلماتهم : بالناتئ في ظهر القدم عند معقد الشراك (٢). وفي آخر : بما في ظهر القدم (٣). وفي ثالث : بمعقد الشراك (٤). وفي رابع : بالناتئ في وسط القدم (٥) ، وفي خامس : بما في ظهر القدم عند معقد الشراك (٦).

وجماعة من القائلين بالأوّل (٧) حملوا الرابع (٨) عليه ، وحملوا الوسط على الطولي ، والفاضل (٩) حمله على قوله ، وصبّ عبارات الأصحاب عليه ، ونسب من حمله على غيره إلى عدم التحصيل.

والقائل (١٠) بالثالث حمل الرابع (١١) على الثاني بعد إرجاعه إلى مختاره.

ومن متأخّري المتأخّرين (١٢) من أرجع الثاني إلى الأوّل ، وذكر كلّ لما قاله مؤيّدات.

__________________

(١) العين ١ : ٢٠٧ ، الصحاح ١ : ٢١٣ ، المجمل ٤ : ٢٣٣ ، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني : ٤٣٢.

(٢) السيد المرتضى في الانتصار : ٢٨.

(٣) نقله في المختلف : ٤٤ عن ابن ابي عقيل.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٢.

(٥) النهاية : ١٣.

(٦) السرائر ١ : ١٠٠.

(٧) منهم صاحبا المدارك ١ : ٢١٦ ، والذخيرة : ٣٣.

(٨) المراد بالرابع : الكلمات التي حكاها عن المتقدمين وقال إنها محتملة للمعاني الثلاثة.

(٩) المختلف : ٢٤.

(١٠) الحبل المتين : ١٨.

(١١) يعني حمل الكلمات المحتملة ، على المعنى الثاني وهو المفصل. بعد أن أرجعه إلى مختاره وهو المعنى الثالث أي العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم.

(١٢) مجمع الفائدة ١ : ١٠٨ ، الذخيرة : ٣٣.

١٢٠