مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الغنية (١).

وعشرة لغيرها ؛ لروايتي ابن أبي حمزة (٢) وأبي بصير (٣) ، بل الإِجماع ، كما في السرائر والغنية (٤) في الثاني. وإلحاق الرطبة بالاُولى ـ كما عن النهاية (٥) ، (والمبسوط) (٦) والمراسم ، والوسيلة (٧) ، والإِصباح ـ لا وجه له إلّا أن يقال باستلزام الرطوبة للذوبان غالباً.

ولكثير الدم غير الثلاثة : ثلاثون إلى أربعين. ولقليله : دلاء يسيرة ، وفاقاً للصدوق ، والمعتبر ، والذكرى (٨) ؛ لصحيحة علي (٩) ، وموثّقة الساباطي (١٠) ، وصحيحة ابن بزيع المتقدمة (١١).

والأفضل منه خمسون للكثير وعشرةِ للقليل ؛ لنقل الإِجماع عليه في الغنية ، بل السرائر (١٢) ، ثمّ عشرون في القطرة ، ثمّ ثلاثون ؛ لروايتي زرارة (١٣) ، وكردويه (١٤).

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٢) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٤ ح ١١ ، الوسائل ١ : ١٩١ أبواب الماء المطلق ب ٢٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٦ ، الوسائل ١ : ١٩١ أبواب الماء المطلق ب ٢٠ ح ١.

(٤) السرائر ١ : ٧٩ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٥) النهاية : ٧.

(٦) المبسوط ١ : ١٢ ، وما بين القوسين ليس في « ق ».

(٧) المراسم : ٣٥ ، الوسيلة : ٧٥.

(٨) الفقيه ١ : ١٣ ، المعتبر ١ : ٦٥ ، الذكرى : ١١.

(٩) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٥ / ٢٩ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤ / ١٢٣ ، الوسائل ١ : ١٩٣ أبواب الماء المطلق ب ٢١ ح ١.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٨ ، الوسائل ١ : ١٩٤ أبواب الماء المطلق ب ٢١ ح ٢.

(١١) المتقدمة ص ٧١.

(١٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، السرائر ١ : ٧٩.

(١٣) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٦ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٣.

(١٤) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٨ ، الاستبصار ١ : ٤٥ / ١٢٥ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق

٨١
 &

ولبول الرجل والمرأة : أربعون ؛ للمستفيضة (١) في الأول مضافةً إلى الاشتهار ، بل الإِجماع ، كما في الغنية ، وشهادة الحلي بتواتر الأخبار به (٢) لبول مطلق الإِنسان الشامل للثاني ، ودعوى بعضهم (٣) الإِجماع على إلحاقه بالأول.

ولبول الصبي المغتذي : ثلاث ، والرضيع : واحد ، على الأشهر ، كما في البحار (٤) ؛ للرضوي (٥).

وقال جماعة بالسبع للأول (٦). ونسب إلى الأكثر (٧) ، بل في الغنية ، الإِجماع عليه (٨) ، كما على الثلاث في الثاني وقيل بالسبع فيهما (٩) ، وعليه رواية (١٠).

فمرتبة من الرجحان فوق الاُولى لهما ثابتة ، كما أنّ الأفضل من الكل نزح الكل في غير القطرة ، كما في المدارك (١١). ويشهد له بعض الأخبار (١٢).

وثلاثون : لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب ، على المشهور ،

__________________

=

ب ١٥ ح ٢.

(١) الوسائل ١ : ١٨١ أبواب الماء المطلق ب ١٦.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، السرائر ١ : ٧٨.

(٣) لم نعثر عليه. نعم ادعى في الغنية الاجماع على الأربعين في بول الانسان الشامل بإطلاقه للمرأة.

(٤) البحار ٧٧ : ٢٧ وفيه : وفي الرضيع ، المشهور الدلو الواحد ....

(٥) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٢.

(٦) صاحب المقنعة : ٦٧ ، والنهاية : ٩ ، والقواعد ١ : ٦.

(٧) كشف اللثام ١ : ٣٧.

(٨) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٩) لعل المراد قول من أثبت للصبي ـ بنحو الاطلاق ـ السبع ولم يذكر مقابلاً له بناءً على شمول الصبي للرضيع كما في المراسم : ٣٦ ، واللمعة (الروضة ١) : ٤١.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٤٣ / ٧٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٩ ، الوسائل ١ : ١٨١ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ١ ودلالتها مبنية على ما ذكرناه آنفاً ـ فلاحظ.

(١١) المدارك ١ : ٨٢.

(١٢) الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٤.

٨٢
 &

كما في المعتمد ؛ لرواية كردويه (١).

والظاهر اختصاص الحكم بالمورد ، فينتفى بالتبدّل أو النقص (أو الزيادة) (٢). والتعدية إلى سائر المياه محتملة.

ولا نزح لغير المنصوص عندنا ، ووجهه ظاهر.

ولقائلين بالنجاسة ، فيه أقوال غير واضحة الدلالة ، سوى نزح الجميع فإنّه مقتضى الاستصحاب.

وصغير كلّ حيوان ككبيره ، إن عمّه الاسم ، وإلّا فيدخل فيما لا نصّ فيه ، أو عموم لو وجد ، وجزؤه فيما (٣) لا نصّ فيه وإن تعدّد.

وفي تضاعف النزح بتضاعف النجس أقوال : أظهرها : التضاعف ؛ لأصالة عدم تداخل الأسباب.

ولو تعذّر نزح الكلّ في مورده ، تراوح عليه قوم في يوم ، بأن يتراوح كلّ اثنين البواقي ؛ للموثّق (٤) ، والرضوي (٥).

ولا بدّ فيه من عدد ، وإجزاء الأربعة مجمع عليه ، وإطلاق الأول كصريح الثاني المنجبر ضعفه بالعمل يرشد إليه.

والأصح الأشهر : أجزاء الأكثر ؛ للإِطلاق.

وتخصيص الثاني بالأربعة لا يقيّده ؛ لضعفه الغير المنجبر في الموارد ، مع أنّ كونه لبيان الأقلّ ممكن.

ولا يكفي الأقلّ وإن نهض بالعمل ؛ اقتصاراً على مورد النص. ولا النساء‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦ / ٣٥ وفيه « ماء الطريق » ، التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ / ١٢٠ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٣.

(٢) لا توجد في « ق ».

(٣) في « هـ » و « ق » ممّا.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٢ / ٦٩٩ ، الوسائل ١ : ١٩٦ أبواب الماء المطلق ب ٢٣ ح ١.

(٥) فقه الرضا (ع) : ٩٤ ، المستدرك ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٤.

٨٣
 &

والصبيان على الأشهر ؛ للثاني بل الأول بناءً على المشهور من عدم صدق القوم عليهم.

واليوم يوم الصوم ، على الأظهر الأشهر ؛ اتّباعاً للّغة وعرف الشرع. دون الأجير من حيث إنّه المتبادر ؛ لأصالة تأخّره. وإدخال جزء من الطرفين من باب المقدّمة واجب ، أو مستحبّ. ولا يجزي مقداره من الليل ، أو الملفّق ؛ لخروجه عن النص.

ولا تجوز لهم الصلاة جميعاً ، ولا الأكل كذلك ؛ لعدم صدق نزح اليوم.

ودلو النزح هو المعدّ ، أو المعتاد ، ووجهه ظاهر.

واستيفاء العدد لازم في تحقّق الامتثال. ولا يكفي الوزن. خلافاً للفاضل ، والذكرى (١) ؛ لحصول الغرض. ويردّه إمكان حكمة في العدد.

المسألة الرابعة : إذا تغيّرت البئر بالنجاسَة فتطهر بالنزح حتّى يذهب التغيّر ؛ للمستفيضة ، كصحيحة ابن بزيع المتقدّمة (٢) المعللة.

وصحيحة الشحام ، وفيها : « وإن تغيّر الماء فخذ منه حتّى يذهب الريح » (٣).

وموثّقة سماعة : « وإن أنتن حتى يوجد الريح النتن في الماء ، نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء » (٤).

ورواية زرارة : « فإن غلبت الريح نزحت حتى تطيب » (٥).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤ ، القواعد ١ : ٦ ، الذكرى : ١٠.

(٢) ص ٢١.

(٣) الكافي ٣ : ٥ الطهارة ب ٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ / ٦٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧ / ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٨٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٦ / ٦٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٦ / ٩٨ ، الوسائل ١ : ١٨٣ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٦ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٣.

٨٤
 &

ولا تنافيها صحيحة ابن عمّار المتقدّمة (١) في المسألة الاُولى ؛ لأنّ نزح البئر يجوز في نزح مائها كلاً أو بعضاً ، والأخبار المذكورة معيّنة للثاني.

وأمّا رواية منهال : « وإن كانت جيفةً قد اجتفت فاستق منها مائة دلو ، فإن غلب عليه الريح بعد مائة دلو فانزحها كلّها » (٢). ورواية أبي خديجة : « في الفأرة فإن انتفخت وأنتنت نزح الماء كلّه » (٣). وقريب منهما الرضوي (٤). فلإِطلاقهما بالنسبة إلى عدم ذهاب التغيّر قبل نزح الكلّ مقيّدتان به ؛ للأخبار المتقدّمة ، وفي أوّلهما إشعار بذلك أيضاً ، مضافاً إلى عدم دلالة الثانية على الوجوب.

وللمنجّسين بالملاقاة هنا أقوال متكثّرة ، لا طائل في ذكرها.

ولا يعتبر دلو ولا عدد هنا ، وكذا في نزح الكرّ والجميع ، والوجه ظاهر.

وإن زاد المقدّر عن مزيل التغيّر فالظاهر استحباب الزائد ؛ لإِطلاق أدلّته مع عدم المقيّد ، حيث إنّ وجوب نزح المزيل لا ينافي استحباب غيره.

ولو زال التغيّر بنفسه ، فهل يطهر به أم لا ؟ فيه وجهان ، أوجههما : الثاني ؛ للأصل.

وعليه ففي وجوب نزح الجميع حينئذٍ ، أو الاكتفاء بما يعلم معه زوال التغير لو كان ، والجميع لو لم يعلم ، قولان. أوّلهما للفاضل (٥) وابنه (٦) ، وقوّاه في الذكرى (٧) ؛ للأصل ، وتعذّر ضابط تطهيره.

__________________

(١) ص ٦٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧ / ٧٠ ، الوسائل ١ : ١٩٦ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١١ ، الوسائل ١ : ١٨٨ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٤.

(٤) فقه الرضا (ع) : ٩٢ ، البحار ٧٧ : ٢٥ / ٣.

(٥) القواعد ١ : ٦ ، التذكرة ١ : ٤.

(٦) ايضاح الفوائد ١ : ٢٢.

(٧) الذكرى : ١٠.

٨٥
 &

وثانيهما ـ وهو الأقوى ـ للبيان ، وثاني الشهيدين والمعالم (١) وجماعة اُخرى (٢) ؛ لفحوى ما دلّ على الاكتفاء به مع وجوده ، فمع عدمه بطريق أولى.

وفي تطهّر البئر بعد التنجّس ، بغير النزح من مطهّرات الماء المتقدّمة ، خلاف.

ولا يبعد التطهّر ؛ لدلالة مرسلة الكاهلي المتقدّمة (٣) على التطهر بماء المطر ، وعدم الفصل يتمّم المطلوب.

المسألة الخامسة : لا تنجس البئر بالبالوعة التي ترمى فيها المياه النجسة‌ وإن تقاربتا ما لم تتغيّر بها أو تتّصل ، بالإِجماع ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ، وخبر محمّد بن أبي القاسم المتقدّم (٤) المنجبر.

وكذا مع الثاني على الأظهر ؛ لما مرّ من الأصل والخبر ، مضافاً إلى غيرهما ممّا سبق.

وبهما تقيّد حسنة الفضلاء المتقدّمة (٥) ، أو يرجع بعد تعارضهما إلى الأصل.

نعم يستحبّ تباعدهما بخمسة أذرع مع صلابة الأرض أو فوقيّة البئر قراراً ، والسبعة بدونهما ؛ لرواية ابن رباط : عن البالوعة تكون فوق البئر ، قال : « إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع ، وإذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كلّ ناحية » (٦).

__________________

(١) البيان : ١٠١ ، الروض : ١٤٣ ، المعالم : ٩٢.

(٢) الرياض ١ : ٩ ، مشارق الشموس : ٢٤٢.

(٣) ص ١٦.

(٤) ص ٦٩.

(٥) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٦ / ١٢٨ ، الوسائل ١ : ١٩٧ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٠ ، الاستبصار ٤٥ / ١٢٦ ، الوسائل ١ : ١٩٩ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٣.

٨٦
 &

ومرسلة قدامة : كم أدنى ما يكون بين البئر ـ بئر الماء ـ والبالوعة ؟ فقال : « إن كان سهلاً فسبعة أذرع وإن كان صلباً فخمسة أذرع » (١).

بالرجوع إلى الأصل ، والأخذ بالمتيقّن في مورد تعارضهما ، وخلوّهما عن مقتضى الوجوب أوجب حملهما على الاستحباب ، مضافاً إلى عدم قائل بالوجوب من الأصحاب.

وورد في بعض الروايات الفصل باثني عشر ذراعاً مع كون البالوعة في جهة شمال البئر. وبسبعة مع كونهما مستويين في مهبّ الشمال (٢).

والأكثر أعرضوا عنه لمعارضته مع ما مرّ. وحمله على مرتبة من الأفضليّة ممكن ، ويمكن ذلك في مورد تعارض الأوّلين أيضاً.

*       *      *

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨ الطهارة ب ٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩١ ، الاستبصار ١ : ٤٥ / ١٢٧ ، الوسائل ١ : ١٩٨ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٢. وفيها : « جبلاً » بدل « صلباً ».

(٢) التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٢ ، الوسائل ١ : ٢٠٠ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٦.

٨٧
 &

الفصل السابع : في المستعمل‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : الماء المستعمل في إزالة النجاسة غير الاستنجاء ، إذا لم يتغيّر ، طاهر مطلقاً ، إن قلنا بعدم تنجّس القليل بالملاقاة مطلقاً ، أو بعدم تنجّسه إلّا مع ورود النجاسة ، وقلنا باشتراط التطهير بإيراد الماء على المحلّ ، كالسيد ، والحلي (١) ، ومن تبعهما (٢).

ونسبة التفصيل في المستعمل إليهما وتخصيص قولهما بطهارة الغسالة بصورة ورود الماء غلط ؛ لأنّ غيرها ليس غسالة عندهما ؛ لشرطهما الورود في الإِزالة.

وأمّا لو قلنا بتنجّسه بها مطلقاً ، أو بورود النجاسة خاصّة ، مع حصول التطهير بإيراد المحلّ على الماء أيضاً ، ففي نجاسة الغسالة وطهارتها مطلقاً على الأول ، ومع الورود المحلّ على الثاني ، أقوال :

الأول : الطهارة مطلقاً ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٣) ، والمنقول عن ابن حمزة (٤) والبصروي (٥) ، والمحقق الثاني في بعض فوائده ، والقاضي (٦) ، وعزاه في المعالم (٧) إلى جماعة من متقدّمي الأصحاب ، وفي شرح القواعد : أنّه الأشهر بين المتقدّمين (٨) ، ويشعر به كلام الصدوق (٩) ، ويميل إليه ظاهر الذكرى ،

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩ ، السرائر ١ : ١٨١.

(٢) كفاية الاحكام : ١١.

(٣) المبسوط ١ : ٩٢.

(٤) الوسيلة : ٧٤. راجع مفتاح الكرامة ١ : ٩٠ لبيان دلالة كلامه.

(٥) حكى عنه في حاشية الدروس على ما في مفتاح الكرامة ١ : ٩٠.

(٦) لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة.

(٧) المعالم : ١٢٣.

(٨) جامع المقاصد ١١ : ١٢٨.

(٩) الفقيه ١ : ١٠ ، راجع الحدائق ١ : ٤٨٣ لبيان النسبة.

٨٨
 &

والمدارك (١) ، واختاره بعض المتأخّرين من المحدّثين (٢) أيضاً.

نعم جعل في المبسوط الأحوط في الثياب النجاسة مطلقاً ، وفي الأواني في الغسلة الاُولى (٣).

والقاضي قال بالاحتياط في غسالة الولوغ (٤).

الثاني : النجاسة كذلك ، اختاره الفاضلان (٥) ، والمحقّق الثاني في شرح القواعد (٦) ، وهو المنقول عن الإِصباح ، وظاهر المقنع ، والشهيد (٧) ، ومال إليه المحقّق الأردبيلي (٨) ، ونسب إلى أكثر المتأخّرين (٩) ، بل ظاهر المنتهى الإِجماع عليه ، حيث ادّعاه على نجاسة غسالة بدن الجنب والحائض إذا كان نجساً (١٠) ، ولا قائل بالفصل.

الثالث : الطهارة مطلقاً في غسل الأواني ، والنجاسة في غير الأخيرة في الثياب ، نقل عن الخلاف (١١).

الرابع : النجاسة مطلقاً في غير الأخيرة ، وهو اختيار والدي العلّامة رحمه الله.

__________________

(١) الذكرى : ٩ ، المدارك ١ : ١٢٢.

(٢) الظاهر أنّ المراد به المحدّث الاسترابادي على ما حكى عنه في الحدائق ١ : ٤٨٠ ، ٤٨٧.

(٣) المبسوط ١ : ٩٢ ، ٣٦.

(٤) المهذب ١ : ٢٩.

(٥) المحقق في المختصر النافع : ٤ ، والشرائع ١ : ١٦ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ٢٤ ، والمختلف : ١٣ ، والتحرير ١ : ٥ ، والقواعد ١ : ٥.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٢٩.

(٧) المقنع : ٦ ، الدروس ١ : ١٢٢.

(٨) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٧.

(٩) نسبه المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٢٩ ؛ إلى المشهور بين المتأخرين.

(١٠) المنتهى ١ : ٢٣.

(١١) الخلاف ١ : ١٨١.

٨٩
 &

الخامس : النجاسة بعد انفصال الماء عن المحلّ ، نقل عن المختلف (١).

ونقل أقوال اُخر ترتقي مع ما ذكر إلى اثنى عشر ، ولكن لا يعرف قائل لأكثرها.

والحقّ هو الثاني.

أمّا في صورة ورود المحلّ على الماء : فلطائفة من الأخبار المتقدّمة في بحث انفعال القليل ، كصحيحة البزنطي ، وموثّقتي سماعة وروايتي أبي بصير (٢) الواردة في إهراق الماء القليل إذا اُدخل فيه الإِصبع أو اليد إذا كان قذراً.

والقول بأنّ الظاهر منها أنّه لأخذ الماء دون الغسل ، ويمكن تفاوت الحكم من أجل صدق الاسم وعدمه ، واهٍ جدّاً ؛ لعدم توقّف صدق الغسل على قصده عرفاً قطعاً وإجماعاً ، ولذا يحكم بالطهارة مع زوال العين ، أو إذا لم تكن ثمّة عين ، بمجرّد ذلك الإِدخال في الكرّ والجاري ، ولو لم يقصد الغسل.

وجعل الأمر بالإِهراق كنايةً عن عدم الطهوريّة لا وجه له ؛ فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، وهو إنّما يتمشّى إذا قلنا بنجاسة ذلك الماء ؛ إذ لولاها لم يجب إهراقه إجماعاً ، وأمّا معها فيمكن القول بوجوبه ، بل هو الأظهر ، من جهة حرمة حفظ الماء النجس ، كما يأتي في بحث المكاسب.

وكون الظاهر من بعض هذه الأخبار أنّه يريد التوضؤ به ـ لو سلّم ـ لا يفيد.

وأمّا في صورة ورود الماء : فلأنّ أدلّة انفعاله حينئذٍ وإن لم تكن تامّةً ، ولكنّها لو تمّت لكانت نسبتها إلى الغسالة وغيرها متساويةً ، فإمّا يجب ردّها والقول بعدم الانفعال حينئذٍ مطلقاً ، كما هو الحق ، أو قبولها في الغسالة وغيرها.

وقد يستدلّ : بالإِجماع المنقول في المنتهى (٣) ، وبروايتي ابن سنان والعيص‌

__________________

(١) المختلف : ١٣.

(٢) المتقدمة ص ٣٩.

(٣) تقدم ص ٨٩.

٩٠
 &

المتقدّمتين في القليل (١) ، وبوجوب تعدّد الغسل وإهراق الغسلة الغير الأخيرة من الأواني ، وبوجوب العصر فيما يجب فيه ، وبعدم تطهّر ما لا يخرج منه الماء إلّا بالكثير أو الجاري (٢).

ويضعّف الأوّل : بعدم الحجّية. والثانيان : بما مرّ في البحث المذكور ، والبواقي : بعدم دلالتها على النجاسة ؛ لجواز التعبّد بها ، ولذا يقول بها بعض من يقول بالطهارة أيضاً.

احتجّ القائل بالطهارة مطلقاً : بالأصل ، وعمومات طهارة الماء (٣).

وخصوص صحيحة محمد في الغسل في المركن (٤).

وعدم دلالة أخبار نجاسة القليل (٥) على نجاسة الغسالة.

وبالتعليل المستفاد من قوله : « ما أصابه من الماء أكثر » و « أنّ الماء أكثر من القذر » في تعليل نفي البأس عن إصابة ماء المطر الذي أصاب البول الثوب ، أو وقوع الثوب في ماء الاستنجاء ، في صحيحة هشام (٦) ، ورواية العلل (٧).

وبالأخبار الدالة على الأمر بالرشّ والنضح فيما يظنّ فيه النجاسة (٨) ، حيث إنه لو تنجّس الماء ، لكان ذلك زيادةً في المحذور.

وبإِطلاق الأخبار الواردة في تطهير البدن من البول (٩) ، والنافية للبأس عما‌

__________________

(١) ص ٤٣.

(٢) وبهذه الوجوه استدل في مجمع الفائدة ١ : ٢٨٦.

(٣) المتقدمة ص ١٩ وراجع الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٥) المتقدمة ص ٣٦ إلى ٤١.

(٦) المتقدمة ص ٢٧.

(٧) علل الشرائع : ٢٨٧ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ ، أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.

(٨) أوردها في الوسائل في أبواب مختلفة من كتابي الطهارة والصلاة فراجع ج ٣ ص ٤٠٠ أبواب النجاسات ب ٥ ح ٢ وص ٥١٩ ب ٧٣ ح ٣ وإن شئت العثور عليها مجتمعة فراجع جامع الأحاديث ٢ : ١٣٢ باب ٢٢.

(٩) الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١.

٩١
 &

ينزو من الأرض النجسة في إناء المغتسل (١) ، يدلّ بمفهوم الموافقة على نفيه عما يترشّح من الغسالة.

والأولان مدفوعان : بما مرّ.

والثالث : بعدم دلالته إلّا على طهر المحلّ ، وأمّا على طهارة الماء ، فلا.

والرابع : بأنّه وإن صحّ في أدلّة نجاسة الماء الوارد على النجاسة ، ولكن المنقيّ حينئذٍ عدم دلالتها على النجاسة مطلقاً ، لا على اختصاصها بغير الغسالة ، فاللازم إمّا القول بعدم تنجّس الماء الوارد مطلقاً ، أو تنجّسه كذلك. وأمّا في أدلّة نجاسة الماء الواردة عليه النجاسة فلا يصحّ كما مرّ.

والقول بأنّ الأمر وإن كان كذلك ، لكن الغسالة بدليل لزوم العسر والحرج عنها مستثناة ، مردود : بمنع اللزوم ، ولذا قال جماعة بنجاستها ، ولم يقعوا في عسر ولا حرج.

والخامس : بأنّه يدلّ على أنّ كل ماء أكثر من القذر لا ينجس به.

وأدلّة انفعال القليل أخصّ منه ، فيخصّص بها ، مع أنّه لو تمّ لم يختصّ بالغسالة ، فلازمه عدم انفعاله بالملاقاة إذا كان أكثر من القذر.

والسادس : بأنّ ما ينضح أو يرشّ ليس مزيلاً للنجاسة ، بل المحلّ مظنّتها ، فهو أمر تعبّد به.

والسابع : بعدم الدلالة ؛ لأنّ محطّها إن كان لزوم تنجّس البدن ، ففيه ما يأتي من أنّ دليل تنجس الملاقي للمتنجس مطلقاً هو الإِجماع المركّب ، وانتفاؤه في المورد ظاهر ، وإن كان لزوم نجاسة الماء فتلتزم ، فهو كالنجاسة المحمولة وترتفع بالجفاف.

والثامن : بأنّ العمل بالمفهوم إنّما هو إذا لم يترك المنطوق ، وهو عدم تنجّس الماء الوارد مطلقاً ، وحينئذٍ فيخرج عن محل النزاع ؛ لأنّه إنّما هو على القول بنجاسة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩.

٩٢
 &

الوارد.

ونقلوا عن الخلاف (١) الاحتجاج للثالث : بما ظاهره الاختلال والتناقض ، وإن أمكن توجيهه بعناية وتكلّف ، ومعه فدفعه ظاهر أيضاً.

وقد يستدلّ له : بما يأتي للرابع ، ولكنّه يأبى عن الفرق بين الأواني وغيرها.

واستدلّ للرابع : أمّا على النجاسة في غير الأخيرة : فبأدلّة انفعال القليل. وأمّا على الطهارة فيها : فبطهر الماء المتخلف (في المحل) (٢) بعده إجماعاً ، لطهارة المحل ، فيكون المنفصل أيضاً كذلك ؛ إذ اختلاف أجزاء ماء واحد غير معقول.

هذا في الثياب ، وأمّا في الأواني فلا منفصل ، بل يكون الجميع طاهراً ، لكونه في المحل مع طهارته.

وفيه : منع اختلاف أجزاء الماء الواحد ، بل منع الوحدة. ويمكن منع طهارة المتخلّف أيضاً وإن لم ينجس به المحل ، فإذا جفّ يصير المحل خالياً عن النجاسة مطلقاً.

واحتج للخامس : بأنّ دليل نجاسة القليل يقتضي نجاسة الغسالة مطلقاً ، بل عدم صحة التطهّر به ، ولكن لما قام الدليل على صحّة التطهّر به ، وتوقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء ، اقتصر فيه على موضع الضرورة ، وهو ما قبل الانفصال.

وفيه : منع توقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء ، مع أنّه لو سلّم ذلك ، ولزوم طهارة الماء لأجل التطهّر به ، فاللازم طهارته بعد الانفصال أيضاً ؛ لانتفاء تأثير الملاقاة التي هي العلّة لأجل الضرورة وعدم تحقّق مؤثّر بعده.

ثم إنّه قد ظهر بما ذكرنا : أنّ الحق ـ على ما اخترناه من التفصيل في الماء القليل ، لو قلنا بحصول التطهّر بكلّ من الورودين ـ هو التفصيل في الغسالة ،

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٨١.

(٢) لا توجد في « هـ ».

٩٣
 &

وكونها طاهرةً مع ورود الماء ، نجسةً مع العكس.

والظاهر أنّ النجس حينئذٍ هو القدر الزائد من الماء المرسوب في المحل ، على النحو الآتي في بحث تطهير النجاسات بالماء ؛ إذ لم يثبت من أدلّة انفعال القليل انفعال ذلك أيضاً.

وقد يقال : إنّ الماء إذا دخل في الثوب ، ليس وارداً على النجاسة ، وحينئذٍ وإن لم ينجس بالاتصال ، ولكن ينجس بعد الدخول ؛ إذ ما فوقه من أجزاء الثوب وارد عليه ، فينجس الماء الداخل فيه.

وأمّا المنفصل ، فنجاسته إمّا لما مر من عدم الاختلاف ، أو لأنّه أيضاً انفصل بعد الدخول ، وما لم يدخل منه فامتزج بالخارج بعد الدخول ، وهذا لا يجري في الأخيرة ؛ لطهارة أجزاء الثوب حينئذٍ.

وفيه : مضافاً إلى أنّه لا يجري في غير مثل الثياب ، منع كون أجزاء الثوب واردةً على الماء ، فإنّ ما ثبت من الأدلّة من تأثير النجاسة في الماء إنّما هو إذا دخلت أو وقعت فيه ، ومثل ذلك لا يسمّى دخولاً ولا وقوعاً عرفاً ، ولا وروداً. مع أنّ الثابت من الأخبار النجاسة ببعض أفراد الورود ، وإنّما يتعدّى بعدم الفصل ، وهو هنا غير متحقّق.

فرعان :

أ : على القول بنجاسة الغسالة ، ففي الاكتفاء في تطهير ما يلاقيها بالمرة مطلقاً ؛ للأصل ، وإطلاق الغسل في رواية العيص المتقدمة (١) ، أو وجوب المرتين كذلك ؛ لوجوبهما في جميع النجاسات ، أو كونها كالمحل قبل الغسل ، لاستصحاب نجاسة ما لاقاها إلى أن يعلم الطهارة ، ولتخفيف نجاستها بخفة نجاسة المحل ، أو بعده ؛ لما مرّ دليلاً على طهارة الغسالة الأخيرة ، في القول الرابع : وقياس ما قبلها عليها ، أقوال أقواها : أوّلها ؛ لما ذكر.

__________________

(١) ص ٤٣.

٩٤
 &

ووجوب المرتين للجميع ممنوع. والاستصحاب بما ذكر مدفوع ، مع عدم انطباقه كلية على المطلوب. وعدم إيجاب خفة نجاستها ـ لو سلّمت ـ للمدّعى. ودليل طهارة الأخيرة بما سبق مردود ، مع أنّ القياس حجة باطلة.

ب : على القول بطهارتها ، كُلاً أو بعضاً ، فهل يكون مطهّراً أم لا ؟

لا ريب في طهوريته من الخبث ؛ للاستصحاب ، وعمومات طهورية الماء ، وصدق الغسل المأمور به إذا غسل به نجس.

وبهما يضعّف معارضة استصحاب الخبث لاستصحاب المطهّرية ، مع أنّ الأول يزول بالثاني لو لا المعاضد له أيضاً ، كما بيّناه وجهه في الاُصول.

وأمّا الحدث : فالظاهر العدم ، وفاقاً لجماعة (١) ، وفي المعتبر والمنتهى (٢) الإِجماع عليه ؛ لرواية ابن سنان المتقدمة (٣) ، المعتضدة بالمحكي من الإِجماع ، وبها يندفع الاستصحاب وتخصص العمومات.

ثمّ لو مزجت بغيرها من الماء المطلق ، فإن استهلك أحدهما فالحكم للآخر ، وإلّا ففي رفع الحدث به إشكال.

والأظهر الارتفاع ؛ لأنّه غير ما علم خروجه من عمومات طهورية الماء ، ولم يعلم خروجه.

وهل يختص المنع بالقليل ، أو يشمل الكرّ والجاري أيضاً ؟

والتحقيق : أنّ عموم قوله في الرواية : « الماء الذي يغسل به الثوب » وإن عمّ الجميع ، ولكنّه يمنع عن التطهّر عمّا غسل به ، لا ما غسل فيه.

وعلى هذا ، فلو غسل ثوب أو غيره في كر ، لا يغسل إلّا بجزء منه ، وهو عند الباقي مستهلك ، فلا يمنع.

__________________

(١) الذخيرة : ١٤٣ ، مشارق الشموس : ٢٥٣ ، غنائم الأيام : ٧٤.

(٢) المعتبر ١ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٤.

(٣) ص ٤٣.

٩٥
 &

نعم لو فرض تكثّر المغسول ، بحيث تحقّق الغسل بكل جزء من الكرّ ، أو عدا ما يستهلك ، يمنع من الجميع ، وكذا الجاري.

وتحقّق الإِجماع على خروجهما ـ لو سلّم ـ ففي مثل ذلك الفرض ممنوع.

المسألة الثانية : غسالة الاستنجاء الغير المتغيرة طاهرة ، بمعنى عدم وجوب الاحتراز عنه في مشروط الطهارة إجماعاً ، ونقله عليه متكرّر (١) ، والأخبار به معتبرة مستفيضة.

كصحيحة الهاشمي : عن الرجل ، يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجّس ذلك ثوبه ؟ قال : « لا » (٢).

وصحيحة الأحول : قلت له : أستنجي ثم يقع فيه ثوبي وأنا جنب ، قال : « لا بأس به » (٣).

وحسنته : أخرج من الخلاء فأستنجي في الماء ، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ، قال : « لا بأس » (٤).

وهي وإن كانت مختصّةً بالثوب ، إلّا أن المطلوب يتمّ بعدم الفصل. مع أنّ الحكم موافق للأصل السالم عن المعارض.

أمّا مع ورود الماء : فلعدم تحقّق ما يوجب عنه الاحتراز ، حيث إنّ الماء طاهر حينئذٍ.

وأمّا مع ورودها وقلنا بحصول التطهّر به : فلأنّه ليس في أخبار نجاسة القليل ما يشمل بإِطلاقه أو عمومه لكلّ نجاسة ، أو لماء الاستنجاء أيضاً ، بل‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٩٨ ، الروض : ١٦٠ ، الرياض ١ : ١١ ، وفي المدارك ١ : ١٢٣ نسبه الى الاصحاب.

(٢) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٨ ، الوسائل ١ : ٢٢٣ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٣ الطهارة ب ٩ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٢ ، التهذيب ١ : ٨٥ / ٢٢٣ ، الوسائل ١ : ٢٢١ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ١.

٩٦
 &

كانت إمّا مخصوصة بموارد أو غير عامة ، وعديت بعدم القول بالفصل ، وهو هنا موجود.

وأمّا إطلاق رواية العيص (١) ، فمع قصورها عن إفادة الوجوب ـ كما مرّ ـ فبالأخبار المذكورة مقيّد.

وهل هذا الماء نجس معفوّ عنه في المباشرة ، كالمنتهى (٢) ، والذكرى (٣). أو طاهر ، كالأكثر ؟

الثابت من الأخبار الثلاثة ، وسائر ما ورد بخصوص المقام ، ليس أزيد من الأوّل.

وتصريح صحيحة الهاشمي بعدم تنجّس الثوب ليس تصريحاً بعدم نجاسته ؛ لجواز كونه نجساً غير منجّس.

ولكن ما ذكرنا من الأصل يثبت الثاني ، وربما يشعر به التعليل المروي في العلل : « أنّ الماء أكثر من القذر » (٤).

وهل هو مطهّر من الخبث والحدث ؟ الظاهر نعم ، وفاقاً للأردبيلي (٥) ، والحدائق (٦) ؛ لصدق الماء الطاهر عليه وعدم المخرج.

ومنهم من لم يجعله مطهّراً مطلقاً (٧) ، وهو مبني على القول بالعفو ، وقد عرفت ضعفه.

ومنهم من يرفع به الخبث ، دون الحدث ، وهو مذهب والدي ـ رحمه الله ـ ، ولم يظهر له دليل ، سوى نقل الإِجماع من الفاضلين على عدم جواز رفع الحدث بما‌

__________________

(١) المتقدمة ص ٤٣.

(٢) المنتهى ١ : ٢٤.

(٣) الذكرى : ٩.

(٤) علل الشرائع : ٢٨٧ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.

(٥) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٩.

(٦) الحدائق ١ : ٤٧٧.

(٧) كما في الذكري : ٩ ، المدارك ١ : ١٢٤.

٩٧
 &

تزال به النجاسة مطلقاً (١). وهو ليس بحجة عندنا.

فروع :

أ : يشترط في طهارته ـ مضافاً إلى ما مرّ من عدم التغيّر ـ عدم ورود نجاسة خارجة ، أو منفصلة متميزة عن المحل عليه ، ولا وروده عليها ، على القول بانفعال القليل مطلقاً. ولا عدم مصاحبة الخارج عن المحل لنجاسة اُخرى. والوجه في الكل واضح.

وإطلاق أخبار الاستنجاء ـ لو سلّم ـ فإنّما هو من حيث إنّه ماء استنجاء ، لا مطلقاً.

ب : لو سبقت اليد فتنجّست ، فإن كان لأجل الاستنجاء ، بحيث تعدّ عرفاً آلة له ، لا تنجس الماء ، وإلّا تنجّسه ؛ والوجه ظاهر.

واشتراط عدم سبقها مطلقاً ـ لأجل تنجّسها وعدم كون غسلها استنجاءً ـ باطل ؛ لتنجّسها مع التأخّر أيضاً.

ج : لا فرق بين المخرجين ؛ للأصل ، وصدق الاستنجاء. ولا بين الغسلة الاُولى والثانية في البول على التعدّد ؛ لذلك. خلافاً للمحكي عن الخلاف (٢) في الاُولى منه. ولا بين المتعدّي وغيره ؛ لما مرّ أيضاً ، إلّا مع التفاحش الرافع لصدق الاسم. قالوا : ولا بين الطبيعي وغيره. ولا بأس به ، مع انسداد الطبيعي لا مطلقاً.

د : لا عبرة بالشكّ في حصول بعض ما تقدّم ؛ لأصلي الطهارة والعدم.

وجعل الأصل تنجّس القليل إلّا ما قطع بخروجه ضعيف ؛ لما مرّ.

__________________

(١) تقدم ص ٥٩.

(٢) حكاه في مفتاح الكرامة ١ : ٩٣ عن الخلاف ولا يخفى أنه لم يُعنون في الخلاف مسألة بعنوان ماء الاستنجاء. نعم فصّل في مسألة غسالة الثوب النجس بين الغسلة الاولى فحكم فيها بالنجاسة وبين الغسلة الثانية ، واستدل على الطهارة في الثانية بروايات ماء الاستنجاء فقد يستفاد من كلامه أنه يرى اختصاص روايات ماء الاستنجاء بالغسلة الثانية ، فلاحظ.

٩٨
 &

المسألة الثالثة : المستعمل في الحدث الأصغر طاهر مطهّر ، بالاُصول ، والإِجماعين (١) ، والعمومات (٢) ، وخصوص المستفيضة (٣).

وربما نسب إلى المفيد (٤) استحباب التنزه عنه ، بل عن المستعمل في الغسل المستحب أيضاً ؛ لرواية محمد بن علي بن جعفر (٥) ، الغير الدالّة من وجوه. كما ينسب إلى بعضهم استحباب التوضؤ منه ؛ لتهجّم الناس على التوضؤ من مستعمل وضوء النبي ، كما ورد في بعض الأخبار (٦). وهو غير قابل للتعميم.

المسألة الرابعة : المستعمل في الأكبر طاهر ، بالثلاثة الاُولى (٧) ، وخصوص المعتبرة.

منها : صحيحة الفضيل : عن الجنب يغتسل ، فينضح من الأرض في الإِناء ؟ فقال : « لا بأس » (٨).

ولا يعارضها خبر حنّان ، وفيها ـ بعد السؤال عما ينتضح على البدن من غسالة الجنب ـ : « أليس هو بجار ؟ » قلت : بلى ؛ قال : « لا بأس » (٩) فإنّ الظاهر‌

__________________

(١) المحصّل والمنقول وممن نقله : المنتهى ١ : ٢٢ ، الروض : ١٥٦ ، والرياض ١ : ١٠.

(٢) عمومات طهارة كل شي‌ء وطهارة الماء. راجع ص : ١٩.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٢٠٩ أبواب الماء المضاف ب ٨.

(٤) المقنعة : ٦٤.

(٥) ما رواه عن الرضا (ع) « قال : من اغتسل من الماء الذي اُغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه. قال : فقلت له : إن أهل المدينة يقولون إنه شفاءٌ من العين ، فقال : كذبوا يغتسل فيه الجنب والزاني والناصب الذي هو شرّهما ». وهي مخصوصة بماء الغسل وبالاغتسال فيه ، وغيرها يدلُّ على أنه لأجل الاُمور المذكورة (منه رحمه الله). راجع الكافي ٦ : ٥٠٣ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ٣٨ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٢.

(٦) الوسائل ١ : ٢٠٩ أبواب الماء المضاف ب ٨ ح ١.

(٧) يعني بها : الاصول ، والاجماعين ، والعمومات.

(٨) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٥ ، الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١.

(٩) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٩ (وحذف منه : عن حنان) ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٨.

٩٩
 &

أنّه استفهام إنكار ، والمراد أنّ ماءهم جار على أبدانهم البتّة ، فلا بأس فيها.

ومطهّر من الخبث بلا خلاف ، كما في ظاهر السرائر ، والمعتبر والتذكرة ، والمختلف ، والنهاية (١) ، بل بالإِجماع ، كما في المنتهى ، والإِيضاح (٢) ، واللوامع ، والمعتمد.

والخلاف المنقول في الذكرى (٣) لا يقدح فيه ، مع أنّ الظاهر أنّه من العامة (٤) ، كما قيل (٥). فهو الحجة في المقام ، مضافاً إلى ما مرّ من الأصل والعموم.

وأمّا الحدث ، ففي ارتفاعه به وعدمه قولان :

الأوّل : للسيد والحلبيين (٦) وهو المشهور بين المتأخّرين (٧) ؛ لاستصحاب المطهريّة ، وإطلاقات استعمال الماء ، والناهية عن التيمم مع التمكّن منه.

وصحيحة الفضيل المتقدمة ، وما يؤدّي مؤدّاها من المستفيضة النافية للبأس عما يقطر ، أو ينضح ، من ماء الغسل في الإِناء (٨).

وصحيحة محمد : الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره ، أغتسل من مائه ؟ قال : « نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ، ولقد اغتسلت فيه ، ثم جئت فغسلت رجلي ، وما غسلتها إلّا لما لزق بها من التراب » (٩) فإنّ ترك الاستفصال عن الماء‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٦١ ، المعتبر ١ : ٩٠ ، التذكرة ١ : ٥ ، المختلف : ١٣ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٤١.

(٢) المنتهى ١ : ٢٣ ، الايضاح ١ : ١٩.

(٣) الذكرى : ١٢.

(٤) راجع المغني ١ : ٤٣ ، نيل الاوطار ١ : ٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧.

(٥) المعالم : ١٣٥.

(٦) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩ ، الكافي في الفقه : ١٣٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٧) كما اختاره في : القواعد ١ : ٥ ، الايضاح ١ : ١٩ ، الروض : ١٥٨.

(٨) الوسائل ١ : ٢١٢ ، ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٦ ، ٨.

(٩) التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧٢ ، الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٣.

١٠٠