مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ورواية ابن حديد ، وفيها : فاستقى غلام أبي عبد الله عليه السلام دلواً. فخرج فيه فأرتان ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « أرقه » فاستقى آخر ، فخرجت فيه فأرة ، فقال عليه السلام : « أرقه » (١). إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.

وقد جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث (٢) ، ودلالة كلّ منها على الانفعال بجميع النجاسات ، مطلقاً ، أو بضميمة عدم الفصل ، كدلالة المجموع عليه ، ودلالة كثيرة منها على الانفعال بكلّ قذر من القذر بالإِطلاق ظاهرة.

والإِيراد على الكلّ : بإمكان الحمل على المتغيّر ، أو على الكراهة ؛ وعلى ما فيه لفظ القذر : بإمكان الحمل على اللغويّ ؛ مردود.

فالأول : بالإِطلاق ، مضافاً إلى عدم إمكانه إلّا في قليل ؛ فإنّ التغيّر بشرب الحيوان ، أو بما في المنقار ، أو اليد ، أو الإِصبع ، سيّما البول ، أو المنيّ ، أو بقطرة من المسكر ، أو بما يبلّه الميل منه ، غير معقول ، كاشتباه ما تغيّر بغيره ، أو عدم حصول العلم بوقوع الفأرة لو تغيّر.

والثاني : بكونه مجازاً مخالفاً للأصل في الأكثر ، مع كونه إحداث ثالث ، كما صرّح به والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع.

مضافاً إلى امتناعه في بعضها ، كموثّقتي الساباطي الأخيرتين (٣).

والثالث : بمنافاته للنهي عن الاستعمال ، سيّما مع الأمر بالتيمّم.

لنا على الطهارة في الوارد على النجاسة ـ بعد الأصل ، والاستصحاب‌

__________________

ح ١.

(١) التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١٢ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٤.

(٢) هكذا نُقل في الرياض ١ : ٥ عن بعض الاصحاب ولم نعثر عليه.

(٣) تقدمتا ص ٣٨.

٤١
 &

المؤيّدين بالإِجماع المنقول عن الحلّي (١) ، السالمين عن المعارض ـ : عمومات طهارة الماء (٢) بأنواعها المتقدمة وإطلاقاتها ، الخالية عن المخصّص والمقيّد ، لاختصاص أدلّة انفعال القليل ـ كما مرّ ـ بورود النجاسة.

ويؤيّدها : أخبار طهارة ماء الاستنجاء (٣). ورواية غسل (٤) الثوب النجس في المِرْكَن (٥) ، وموارد التطهير (٦) والغسالات.

استدلّ القائلون بالنجاسة مطلقاً أمّا فيما وردت النجاسة فيما تقدّم ، وهو كذلك.

وأمّا في عكسه : فبمفهوم روايات الكرّ (٧).

وإطلاقِ « ما يبلّ الميل ينجس حبّاً » (٨).

وحديثِ استقاء غلام أبي عبد الله عليه السلام المتقدّم (٩).

وما ورد بعد السؤال عن دَنّ (١٠) يكون فيه خمر أو إبريق كذلك ، هل يصلح أن يكون فيه الخل أو الماء أو غيره ؟ : « أنّه إذا غسل لا بأس » (١١).

وما تقدّم في ماء الغيث (١٢) ، من المفاهيم المثبتة للبأس فيه ، إذا لم يجر على

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨١.

(٢) راجع ص ١١ ـ ١٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٠١ أبواب النجاسات ب ٦٠.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٥) المِرْكَن : الإِجانة التي يغسل فيها الثياب.

(٦) في « هـ » و « ح » : التطهّر.

(٧) الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩.

(٨) الوسائل ٣ : ٤٧ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٦.

(٩) ص ٤١.

(١٠) الدَنِ : كهيئة الحُبِّ الا أنه أطول مَنه وأوسع رأساً والجمع دِنان. المصباح المنير : ٢٠١.

(١١) الكافي ٦ : ٤٢٧ الأشربة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(١٢) ص ٢٦.

٤٢
 &

القذر مع كونه وارداً. وتمام المطلوب يثبت بالأولوية ، أو عدم الفصل.

وروايةِ ابن سنان : « الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به وأشباهه » (١).

وروايةِ العيص المرويّة في طائفة من كتب الأصحاب مثل الخلاف والمعتبر والمنتهى : عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء ، فقال : « إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه » (٢).

والروايات الآتية (٣) الناهية عن الغسل بغسالة الحمّام ، معلّلةً : بأنّه يغتسل فيه الجنب وولد الزنا والناصب ومن الزنا. وفي بعضها المروي في العلل : « اليهودي وأخواه » (٤).

وبأنّ السبب في الانفعال ملاقاة النجاسة ، وقابليّة القليل من حيث القلّة ، ولا مدخليّة للورود وعدمه.

وبأنّ (٥) أخبار النجاسة وإن كانت خاصّة إلا أنّه لخصوصية السؤال وهي لا تخصّص.

وبكونه مشهوراً عند الأصحاب.

والجواب عن الأول : أن المفهوم لا يدل إلا على التنجس ببعض ما من شأنه التنجيس ، فيمكن أن يكون النجاسة الواردة ، ولا يمكن التتميم بعدم الفصل ، لوجوده.

وأيضاً : المراد بتنجيسه له ليس فعليته ، بل معناه أن من شأنه التنجيس ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢١ / ٦٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧ / ٧١ ، الوسائل ١ : ٢١٥ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١٣.

(٢) الخلاف ١ : ١٧٩ ، المعتبر ١ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٤.

(٣) في ص ١٠٨ ، وانظر الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١١.

(٤) علل الشرائع : ٢٩٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٠ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.

(٥) هذا الاستدلال يظهر من الحدائق (منه ره).

٤٣
 &

بوقوع ارتباط بينهما وقرب خاص ، ولا دلالة لذلك على التنجيس بمطلق الملاقاة فيكتفي بالمتيقن.

هذا ، مع أنّ بعد تسليم الدلالة يعارض مع بعض عمومات الطهارة (١) بالعموم من وجه ، لتخصيصها بالقليل الوارد عليه النجاسة بما مر قطعاً ، فيرجع إلى الأصل.

ومن هذا وسابقة يظهر الجواب عن الثاني أيضاً.

وعن الثالث : منع شموله لورود الماء ، بل الظاهر دخول الفأرة في الدلو بعد شي‌ء من الماء ، أو ينفصلان من البئر معاً ، فتختص الرواية بما انتفى الورود من الطرفين ، ويأتي حكمه.

ولو سلّم الشمول فيحصل التعارض المذكور ، ويجاب بما مر.

وعن الرابع : أن إثبات نوع من البأس ـ كما هو مقتضى المفهوم ـ لا يثبت النجاسة ، لجواز أن يكون هو عدم الصلاحية لرفع الحدث ، فإنّ ما يغسل الخبث لا يرفعه ، كما يأتي.

وهو الجواب عن الخامس ، مع عدم عمل أكثر المخالفين به ، كما مر ، ومعارضته مع ما مرّ ، وعدم صلاحيته لإِثبات النجاسة ، كما تقدّم في بحث ماء الغيث (٢).

ومما مر من عدم ارتفاع الحدث برافع الخبث ، يظهر الجواب عن السادس أيضاً ، زيادةً على أنّه لا إشعار فيه بملاقاة الماء للنجاسة ، إلا أن يضمّ معه الإِجماع على جواز الوضوء مما يغسل به الطاهر.

وعن السابع : بأنّه لا يثبت أزيد من رجحان الغسل ، مع أنّ الوضوء أعمّ من الموارد ، فقاعدة التعارض المذكور جارية.

__________________

(١) المتقدمة ص ١١ ـ ١٢.

(٢) ص ٢٧.

٤٤
 &

وعن الثامن : مع معارضته لأخبار اُخر منافية له ، كما يأتي (١) في بحث غسالة الحمام ، أنّ النّهي عن الاغتسال بل عن مطلق الاستعمال ـ كما قيل (٢) ـ أعمّ من النجاسة ، ولو ثبت يمكن أن يكون تعبدياً أيضاً ، لا لأجل الملاقاة للنجس ، ولذا حكم أكثر القائلين (٣) بنجاسة غسالة الحمام بها ، ما لم يعلم خلوّها عن النجاسة الشامل لعدم العلم بالملاقاة أيضاً.

هذا ، مضافاً إلى خلوّ أكثر هذه الأخبار عن ملاقاة الماء للنّجس ، وهذا أيضاً يؤكّد التّعبد به لو ثبتت (٤) النجاسة.

وعن التاسع : بالمنع ، ويؤكّده استثناء ماء الاستنجاء.

وعن العاشر : بمنع عموم الجواب ، مع خلوّ البعض عن تقديم السؤال.

وعن الأخير : بمنع الشهرة إن لم ندعها على الخلاف ، كيف والماء الوارد هو الغُسالة غالباً ! والمشهور بين الطبقتين : الاُولى والثالثة ، طهارتها مطلقاً ، مع أن الشهرة للحجية غير صالحة.

للعُماني ـ بعد الأصل والاستصحاب والعمومات ـ خبر ابن ميسر المتقدم (٥) ، وصحيحة علي : عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : « لا ، إلّا أن يضطرّ إليه » (٦). والنهي يقيّده بالقليل.

وموثقة عمار : عن الرجل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه‌

__________________

(١) في ص ١٠٦.

(٢) الحدائق ١ : ٤٩٧.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٥ ، والمحقق في النافع ٥ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٥.

(٤) في « ق » : ولو تثبت.

(٥) ص ٢٠.

(٦) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤٠ ، البحار ١٠ : ٢٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢١ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.

٤٥
 &

يهودي ، فقال : « نعم » فقلت : من ذلك الماء الذي شرب منه ؟ قال : « نعم » (١).

وصحيحة زرارة : عن الحبل يكون من شعر الخنزير ، يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء ؟ قال : « لا بأس » (٢).

وروايته : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقي به الماء ، قال : « لا بأس » (٣).

ورواية بكّار : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحب في مكان قذر ثم يدخله الحبّ ، قال : « يصب من الماء ثلاث أكفّ ثم يدلك الكوز » (٤).

ورواية عمر بن يزيد : أغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة ، فيقع في الإِناء ماء ينزو من الأرض ، فقال : « لا بأس به » (٥).

ومرسلة الوشاء : « أنه كره سؤر اليهودي والنصراني » (٦) وغير ذلك.

وأنّه لو انفعل القليل ؛ لاستحال إزالة الخبث به ، والانفعال بعد الانفصال غير معقول ، لاستلزامه تأثير العلّة بعد عدمها ، مع عدمه حين وجودها.

والجواب : أما عن الثلاثة الاُولى : فظاهر. وكذا عن الرابع ؛ لالتحاقه بالعمومات لشموله للجاري ، بل لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في القليل أيضاً.

وأمّا عن بواقي الروايات : فبجواز أن يراد من الاضطرار ما توجبه التقية في الصحيحة الاُولى ، بل هو معنى الاضطرار إلى التوضؤ منه ، وأمّا حال انحصار‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٨ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ ، الفقيه ١ : ٩ / ١٤ مرسلا ، الوسائل ١ : ١٧٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٢ الطهارة ب ٨ ح ٦ ، الوسائل ١ : ١٦٤ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٧.

(٥) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ٩ ح ٨ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٧.

(٦) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٧ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٢.

٤٦
 &

الماء فهو ليس اضطراراً إلى الوضوء أو الماء ؛ لإِمكان التيمّم ، مضافاً إلى احتمال التقية.

وهو الجواب عن الموثّقة ، مع إمكان إرادة ما إذا ظنّ أنّه يهوديّ ولا يعلم ، بل هو الظاهر من قوله : « على أنّه » إلى آخره.

وباحتمال رجوع الإِشارة إلى ماء البئر دون المستقى في صحيحة زرارة ، مع عدم دلالتها على ملاقاة الحبل لماء الدلو ، أو المتقاطر منه عليه.

وكون الاستقاء للزرع وشبهه في روايته.

وبعدم دلالة رواية بكار على رطوبة أسفل الكوز ، مع أنّ أمره بصبّ الماء عليه يمكن ان يكون لتطهيره.

وعدم دلالة رواية عمر على نزو الماء من المكان النجس مع أنّه وارد.

وباحتمال إرادة الحرمة من الكراهة في المرسلة ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها ، ويؤيّدها ذكر ولد الزنا في الحديث أيضاً.

ثمّ مع تسليم دلالة الجميع ومعارضته لأخبار النجاسة ، فالترجيح لها ؛ لعدم حجّيته ، لمخالفته لشهرة القدماء (١) ، ولمذهب رواته ، بل للإِجماع ، مع كونه بين عامّ ، وضعيف ، وموافق لمذهب العامة (٢).

ومنه يظهر الجواب عن سائر الأخبار المناسبة للطهارة أيضاً.

وأمّا عن الأخير : فبأنّ التطهير بإيراد الماء وهو لا ينجّس ، مع أنّ الإِزالة بالمتنجّس ممكنة ، كحجر الاستنجاء.

وقد ينتصر المخالف : بوجوه هيّنة سخافتها بيّنة.

للشيخ على القولين (٣) : صحيحة علي : عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ١ : ٧٢.

(٢) كموثقة عمار وصحيحة زرارة بملاحظة تجويز التوضؤ أو الشرب من سؤر اليهودي. وجمهور العامة قائلون بطهارة أهل الكتاب راجع نيل الاوطار ١ : ٨٨ ، المغني ١ : ٩٨.

(٣) المتقدمين ص ٣٥ رقم ٤ ، ٥.

٤٧
 &

الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : « إن لم يكن شي‌ء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّناً فلا يتوضأ منه » (١) بضميمة تنقيح المناط للأول.

وعدمُ إمكان التحرّز منه.

وكون تعميم أخبار انفعال القليل بالإِجماع المركّب المنفيّ هنا.

ويضعّف الأول ـ مع مخالفته للشهرتين ـ باحتمال كون « يستبين » خبراً لا صفةً ، ويؤيّده زيادة لفظة « في الماء » فيكون نفي البأس للبناء على يقين الطهارة.

وتأييد كونه صفة بقوله : « شيئاً بيّناً » معارض ـ مع ما مرّ ـ بظهور كون « إن لم يكن » ناقصة بقرينة « إن كان ».

على أنّها أيضاً لا تفيد ؛ لجواز استناد نفي البأس إلى أصالة عدم الوصول ، حيث إنّ المعلوم عادة عدم حصول العلم بوقوع ما لا يستبين غالباً.

والثاني : بالمنع.

والثالث : بعموم كثير مما تقدم.

فروع :

أ : ورود الماء وعكسه أعمّ من أن يكون من الفوق ، أو التحت ، أو أحد الجانبين ؛ للأصل في الأول ، وإطلاق طائفة من الأخبار (٢) في الثاني.

ب : لو تواردا ، فالظاهر النجاسة ، لوجود المقتضي وهو ورود النجاسة (٣).

ج : ظاهر كلام الحلّي ، والسيّد (٤) ، ومقتضى الأدلّة عموم الحكم بالطهارة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٤ الطهارة ب ٤٦ ح ١٦ ، التهذيب ١ : ٤١٢ / ١٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣ / ٥٧ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.

(٢) أي الأخبار الدالة على انفعال القليل بورود النجاسة عليه.

(٣) فرع : لو ورد الماء على مائع نجس فامتزجا فالظاهر النجاسة لعدم قول بطهارة النجس حينئذٍ ، ولا باختلاف حكم الممتزجين. مع أن مثل ذلك لا ينفك عن ورود النجاسة على الماء ولو عن الأسفل على بعضه (منه رحمه الله).

(٤) السرائر ١ : ١٨١ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩.

٤٨
 &

في كل ماء وارد ، سواء كان غاسلاً لمتنجّس ، أو راجعاً ومترشّحاً من نجس ، أو مستدخلاً فيما فيه نجاسة ، أو وارداً على ما لا يقبل التّطهير. وهو كذلك ، إلّا أن الأول (١) صرّح بنجاسة الثاني ، وهو للاحتياط موافق.

د : لو تلاقيا من غير ورود لأحدهما ، كما إذا وصل بين ماءين أحدهما نجس باُنبوبة ، واُزيل ما بينهما من مانع الملاقاة ، أو وقع ذو نفس في ماء فمات ، أو اُخذ من كثير قليل مع ما فيه من النجاسة دفعةً ، أو صار الكثير الذي فيه عين نجاسة غير مغيّرة أقلّ من الكر ، فظاهر الأكثر التنجّس وهو كذلك ؛ لرواية ابن حديد (٢) ، لظهور أنّ انفصال ماء الدلو والفأرة عن ماء البئر ، لا يكون إلّا معاً ؛ وهي وإنْ اختصّت ببعض الصور ، إلّا أنّ التعميم بعدم الفصل.

وأمّا الموثّقة المتقدّمة عليها (٣) ، فهي وإنْ عمّت المورد من جهة ترك الاستفصال : إلّا أنّ العموم هنا غير مفيد ؛ لما مرّ غير مرّة.

المسألة الثانية : لا خلاف في سراية النجاسة من الأعلى ، وهل تسري إليه ؟

صرّح في المدارك (٤) واللّوامع بالعدم مدّعيين عليه الإِجماع ، وهو ظاهر بعض آخر أيضاً ، ولم أعثر على مصرّح ممّن تقدم على الأوّل.

والقول الفصل : أن علوّ بعض الماء إمّا أن يكون في العلوّ بالهواء ، كالمتسنّم (٥) من الميزاب. أو في الأرض ، كالمنحدر في المنحدرة منها. أو في الإِناء ، إمّا بكونه في إناءين مختلفين سطحاً اتّصل أحدهما بالآخر من أسفله ، أو في إناء فيكون جزء أعلى وجزء أسفل.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨١ صرح بنجاسة الغسلة الْأُولى من الولوغ.

(٢) المتقدمة ص ٤١.

(٣) ص ٤٠.

(٤) المدارك ١ : ٤٥.

(٥) سنّم الشي‌ء : رفعه. وسنّم الاناء : اذا ملأه حتى صار فوقه كالسنام. وسنّم الشي‌ء وتسنّمه : علاه وكل شي‌ء علا شيئاً فقد تسنّمه. لسان العرب ١٢ : ٣٠٧.

٤٩
 &

فما كان من أحد الأولين ـ ولا يكون إلّا مع الجريان ـ فلا سراية ؛ للإِجماع القطعي ، بل الضرورة في الجملة ، المعلومة من الطريقة المستمرّة في التطهير (١) ، ولأنّ العالي فيهما جارٍ ووارد ، وقد عرفت عدم تنجّسهما.

وما كان من الأخير فالظاهر فيه السراية ، مع عدم ورود الماء ؛ لإِطلاقات كثير من أخبار النجاسة (٢) ، وظهور حكايات الإِجماع في الأوّلين.

نعم للقائل بانصراف المطلق إلى الشائع الوجوديّ مطلقاً ، النظر في تلك الإِطلاقات ، ولكنّه خلاف التحقيق‌.

المسألة الثالثة : لا يطهر القليل النجس بإتمامه كرّاً ولو بالطاهر ، وفاقاً للإِسكافي (٣) ، والشيخ (٤) ، والفاضلين (٥) ، والشهيدين (٦) ، وأكثر المتأخرين (٧) ؛ للأصل ، والاستصحاب.

خلافاً للسيد ، والحلّي (٨) ، وابن سعيد ، والقاضي (٩) ، والديلمي ، والكركي (١٠) مطلقاً ، ولابن حمزة (١١) إن تُمّم بالطاهر ؛ للنبوي (١٢) المجمع على‌

__________________

(١) في « هـ » و « ق » : التطهّر.

(٢) المتقدمة ص ٣٦ إلى ٤١.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣.

(٤) الخلاف ١ : ١٩٤ ، المبسوط ١ : ٧.

(٥) المحقق في المعتبر ١ : ٥١ ، والشرائع ١ : ١٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٤ ، والتحرير ١ : ٤ ، والمنتهى ١ : ١١.

(٦) الاول في الدروس ١ : ١١٨ ، والثاني في الروضة ١ : ٣٥.

(٧) منهم صاحبا المدارك ١ : ٤١ ، والذخيرة : ١٢٥.

(٨) رسائل السيد المرتضى (المجموعة الاولى) : ٣٦١ ، السرائر ١ : ٦٣.

(٩) الجامع للشرائع : ١٨ ، المهذب ١ : ٢١.

(١٠) المراسم : ٢١ ، جامع المقاصد ١ : ١٣٤.

(١١) الوسيلة : ٧٣.

(١٢) غوالي اللآلي ١ : ٧٦ و ٢ : ١٦ ، المستدرك ١ : ١٩٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٦.

٥٠
 &

صحّتها عند الفريقين بشهادة الحلّي (١) : « إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً ».

ودعوى الإِجماع من الحلي (٢).

والأوّل مندفع : بعدم الدلالة.

والثاني : بعدم الحجية.

وقد ينتصر لذلك : بوجوه اُخر ضعفها ظاهر.

*       *      *

__________________

(١ و ٢) السرائر ١ : ٦٣.

٥١
 &

البحث الثاني : في الكرّ‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : لا ينفعل الكرّ بمجرّد الملاقاة ، وفاقاً للمعظم ؛ للأصل ، والعمومات (١) ، وخصوص ما تقدّم من المستفيضة (٢) ، ومنها ما يصرّح بعدم تنجّس الحياض (٣).

خلافاً للمفيد ، والديلمي (٤) ، فخصّاه بما عدا الحياض والأواني ، ولظاهر النهاية (٥) ، فبغير الثاني ؛ لعموم النهي عن استعمال مائه مع الملاقاة.

وهو ـ مع كونه أخصّ من مدّعى الأولين ـ مخصوص بالقليل بشاهد الحال.

ولو سلّم فمعارض بعموم ما دلّ في الكرّ على عدم الانفعال ، فلو رجّحناه بالكثرة ، وموافقة الشهرة ، وظهور الدلالة ، وإلّا فالمرجع أصل الطهارة. مع أنّ ورود كلام المخالف مورد الغالب محتمل ، كما فهمه الشيخ (٦) من كلام اُستاذه ، وهو أعرف بمذهبه.

وممّا ذكر يظهر الجواب عن موثّقة أبي بصير : عن كرّ ماء مررت به وأنا في سفر قد بال فيه حمار ، أو بغل ، أو إنسان ، قال : « لا تتوضأ منه ولا تشرب » (٧).

مضافاً إلى عدم صراحتها في النهي ، ومعارضتها مع ما دلّ على طهارة بول الأولين.

__________________

(١) عمومات طهارة الماء المتقدمة في ص ١١.

(٢) راجع ص ٣٦.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٧ ، الوسائل ١ : ١٦٢ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.

(٤) المقنعة : ٦٤ ، المراسم : ٣٦.

(٥) النهاية : ٥.

(٦) التهذيب ١ : ٢١٨ ، لتوضيح الحال فيه راجع الحدائق ١ : ٢٢٦.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٠ ، الاستبصار ١ : ٨ / ٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٥.

٥٢
 &

وهل يشترط في عدم انفعاله تساوي سطوحه الظاهرة ؟ أم يكفي الاتصال مطلقا ؟ أو مع الانحدار خاصّة دون التسنّم ؟ أو في تقوّي الأسفل بالأعلى دون العكس ؟

الأظهر الثاني ، وهو صريح الروض (١) وظاهر الأكثر ، كما فيه وفي اللوامع ؛ للأصل ، وعمومات طهارة الكرّ ، السالمين عمّا يصلح للمعارضة ، لعدم عموم في أكثر أدلّة انفعال القليل ، لاختصاصه بصور مخصوصة ليس المورد منها ، وظهور ما لم يكن كذلك في غير ذلك.

وجعل عمومات الكرّ مختصّة بما لم يحتمل العهد ، لعدم كون عمومها وضعيّاً ، من حيث ورودها بلفظ المفرد المحلّى ، وتقدّم السؤال عن الماء المجتمع عهد (٢). مدفوع : بمنع عدم كون عموم المفرد وضعيّاً أوّلاً ، ومنع تقدّم السؤال في الجميع ثانياً ، ومنع كون المسؤول عنه متساوي السطوح ثالثاً ، وجريان مثله في طرف النجاسة فيختصّ بغير متّصل بالكرّ وينفى في المتّصل بالأصل رابعاً.

للأول ـ وهو لبعض المتأخرين (٣) ـ : ظهور اعتبار الاجتماع في الماء ، وصدق الوحدة والكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمّنة لحكم الكرّ (٤) اشتراطاً أو كمّيّةً ، وتطرّق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة.

والجواب أولاً : أنّ هذا الظهور ليس ظهوراً بعنوان الاشتراط ، وإنّما هو ناشٍ من كون المورد كذلك ، وهو لا ينافي العموم.

وثانياً : أنّ اللازم منه اعتبار صدق الاجتماع العرفيّ دون المساواة ، فإنّه ليس دائراً مدارها ، بل قد يتحقّق مع الاختلاف ، كما قد ينتفي مع المساواة كالغديرين المتّصلين باُنبوبة ضيّقة ممتدّة.

__________________

(١) الروض : ١٣٥.

(٢) كما في المعالم : ١٢.

(٣) المعالم : ١٢.

(٤) الوسائل ١ : ١٥٨ ، ١٦٤ أبواب الماء المطلق ب ٩ ، ١٠.

٥٣
 &

وأكثريّة صور الانتفاء في الأوّل لا توجب اشتراط عدمه مع أنّها ممنوعة.

بيانه : أنّ الاختلاف إمّا لأجل وصل الغديرين المختلفين ، أو التسنّم ، أو الانحدار. والمؤثّر في الانتفاء ـ لو سلّم ـ ليس إلّا امتداد الثقبة الواصلة ، أو ضيقها في الأوّل ، وامتداد سطح الماء وبعد أوّله عن آخره في الثانيين ، لظهور أنّ أصل التسنّم والانحدار لا يوجب نفي الوحدة ، وكلّ من الأمرين يجتمع مع التساوي أيضاً ، مع أنّ الجريان في الثانيين أيضاً يمنع عن الانفعال.

وقد يجاب (١) أيضاً : بأنّ أخبار الكرّ كما دلّت على اعتبار الوحدة منطوقاً ، فاعتبرت لأجله المساواة ، كذلك دلّت على اعتبارها مفهوماً فيما نقص عنه ، فيختصّ الانفعال بصورة الوحدة والاجتماع ، فيكون المفروض خارجاً عن عموم المنجّسات ، يبقى الأصل سليماً عن المعارض.

وفيه : أنّ مدلول المفهوم حينئذٍ أنّ الماء الواحد المجتمع الناقص ينفعل ، ولا يضرّ فيه اتّصاله بما يصير معه كرّاً لو لم يوجب كريّته ، وكانت الوحدة منفيّة معه.

وللثالث : صدق الوحدة والاجتماع مع الانحدار دون التسنّم (٢).

وجوابه ظهر ممّا مر.

وللرابع ـ وهو للتذكرة والذكرى والدروس والبيان وشرح القواعد (٣) ـ : عدم تنجّس الأعلى بنجاسة الأسفل فلا يطهر بطهره ؛ إمّا لعدم معقوليّة التأثير فيه دونها ، أو لدلالته على عدم اتّحادهما في الحكم وعدم وحدتهما ، أو لاستلزامه عدم اندراج مثل ذلك إذا كان قليلاً في مفهوم روايات الكرّ ، فلا يشمله منطوقها أيضاً إذا كان كثيراً.

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣.

(٢) كما في المدارك ١ : ٤٤.

(٣) التذكرة ١ : ٤ ، الذكرى : ٩ ، الدروس ١ : ١٢١ ، البيان : ٩٩ ، جامع المقاصد ١ : ١١٥.

٥٤
 &

والجواب : أنّ عدم المعقولية ممنوع.

ودلالته على عدم الاتّحاد في جميع الأحكام غير مسلّمة ؛ لإِمكان عدمه في البعض خاصّة ، وعدم السراية مع الوحدة لدليل آخر.

وعدم تنجّس الأعلى كلّما (١) ثبت فإنّما هو للتخصيص في المفاهيم ، دون عدم الاندراج ، على أنّه يوجب عدم نجاسة الأسفل أيضاً وعدم تقوّيه.

والوجوه التي ذكروها للفرق ضعيفة جدّاً.

وإذ عرفت كفاية الاتّصال ، فهل يشترط معه أن لا يكون باختلاف فاحش ، كالصبّ من الجبل ولا بمثل اُنبوبة ضيّقة ممتدّة ، أم لا ؟

الظاهر الثاني ؛ لعموم « إذا بلغ » وصدق الوحدة ، ومنع ظهور اشتراط الاجتماع العرفي.

وتردّد في اللوامع ؛ لما ذكر ، ولوجوب الحمل على المتعارف.

وفيه : منع التعارف ، سيّما بحيث يصلح لتخصيص العام وتقييد المطلق.

المسألة الثانية : قد مرّ أنّه يطهر ـ إذا تنجّس ـ بالجاري مع زوال التغيّر به أو قبله ، وبإلقاء كرّ عليه فكرّ حتى يزول إن كان باقياً ، وإلّا فكرّ مع اشتراط الامتزاج فيهما والمساواة ، أو العلوّ في الأوّل والدفعة في الثاني. ويشترط فيه أيضاً عدم تغيّر بعض الملقى ابتداءً في الكرّ الأخير.

ولا يطهر بزوال التغيّر من قبل نفسه أو الرياح ؛ للاستصحاب لا لعموم أدلّة نجاسة المتغيّر ؛ لمنع التغيّر. ولا لدلالة النهي عن الوضوء والشرب على الدوام ؛ لتقييده بما دام كونه متنجّساً قطعاً.

خلافاً لصاحب الجامع ، واحتمله في النهاية (٢) ؛ للأصل ، وانتفاء المعلول بانتفاء علّته.

__________________

(١) في « ق » : كما.

(٢) الجامع للشرائع : ١٨ ، نهاية الإِحكام ١ : ٢٥٨.

٥٥
 &

والأصل بما ذكر ساقط ، وعليّة التغير ممنوعة ، وإنّما هو أمارة. سلّمناها ولكنّه علّة للحدوث ، والبقاء معلول للاستصحاب.

المسألة الثالثة : للأصحاب في معرفة الكرّ طريقان :

أحدهما : الوزن ، وهو ألف ومائتا رطل ؛ للإِجماع المحقّق ، والمنقول مستفيضاً ، وعدّه الصدوق في أماليه من دين الإِمامية (١) ، ومرسلة ابن أبي عمير : « الكرّ من الماء ، الذي لا ينجّسه شي‌ء ، ألف ومائتا رطل » (٢).

وإرسالها على أصلنا غير قادح ، وكذا على غيره ، للإِجماع على تصحيح ما يصحّ عن مرسلها (٣) ، وشهادة جماعة بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة (٤).

مضافاً إلى انجبارها بالعمل ، بل في المعتبر : لا أعرف من الأصحاب رادّاً لها (٥).

ولا تنافيها صحيحة محمد (٦) ، ومرفوعة ابن المغيرة : « الكر ستمائة رطل » (٧) (كما يأتي) (٨). ولا الأخبار المقدّرة له بحب مخصوص ، أو قلّتين أو أكثر من رواية ،

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٤ (المجلس ٩٣).

(٢) الكافي ٣ : ٣ الطهارة ب ٢ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٤١ / ١١٣ ، الاستبصار ١ : ١٠ / ١٥ ، الوسائل ١ : ١٦٧ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ١.

(٣) كما ادّعاه الكشي في رجاله ٢ : ٨٣٠ راجع لتحقيق أصحاب الإِجماع خاتمة المستدرك ٣ : ٧٥٧ ومقدمة معجم الرجال : ٥٩.

(٤) عدة الاُصول ١ : ٣٨٦ ، الذكرى : ٤ ، النهاية للعلامة على ما حكى عنه في خاتمة المستدرك ٣ : ٦٤٩.

(٥) المعتبر ١ : ٤٧.

(٦) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٧ ، الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٤٣ / ١١٩ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٦ ، الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٢.

(٨) لا توجد في « ق ».

٥٦
 &

وما يشبهها (١) ؛ لأنّ منها ما يسعها ، كما تشهد به رواية المسائل المتقدمة في القليل (٢) ، وقلال هَجَر (٣) ، بضميمة تفسير اللغويين كلاً منها بما يقرب الآخر ، فهي إمّا مطلقة ، أو مجملة ، فتحمل على المقيد أو المبيّن ، مع أنّ الحمل على التقية ممكن.

والأرطال على الحق المشهور : عراقية ، دون المدنيّة التي تزيد عليها بنصفها ، كما عن الفقيه ، والسيّد في المصباح ، والانتصار ، والناصريات (٤).

لا للأصل ، والاستصحاب ، وعمومات الطهارة (٥) ، وخصوص كل ماء طاهر (٦) ، وتعيّن الأخذ بالأقلّ عند الشّك في الأكثر عند تعلق حكم بالكر ، كوجوبه في بعض المنزوحات ، والاحتياط في وجه ، والأقربية إلى الأشبار ، سيما على قول القميين (٧) ، وإلى الحب ومثله ، والموافقة لعُرف السائل (٨).

لأنّ الأربعة الاُولى مردودة : بأنّ غاية ما ثبت منها طهارة ما بلغ هذه الأرطال بالعراقيّة لو لاقت نجاسة ، لا كونه كرّاً ، لانتفاء الملازمة ، فيترتّب عليه ما يتبع الطهارة ، كجواز الاستعمال ، دون الكرية ، كتطهير الكر أو القليل به. وحينئذٍ فيعارضها أصالة عدم المطهرية ، واستصحاب نجاسة ما يراد تطهيره.

وضمّ الإِجماع المركب مع الطهارة لإِثبات الكرية معارض بضمّه مع عدم‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣ وص ١٦٤ ب ١٠ وراجع ص ٣٦ من الكتاب.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١٩٧ / ٤٢٠ ، الوسائل ١ : ١٥٦ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٦ وتقدمت ص ٤٠ رقم ٤.

(٣) القُلّة ، قال أبو عبيده : « القُلّة : حُب كبير » وهَجَر بفتحتين بلد بقرب المدينة ... وهجر أيضاً ... من بلاد نجد ، وفي تحديد قلال هجر اختلاف ، راجع المصباح المنير : ٥١٤ ، ٦٣٤.

(٤) الفقيه ١ : ٦ ، الانتصار : ٨ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٨.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧.

(٦) الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١.

(٧) وهو أن الكُر ما بلغ تكسيره بالأشبار سبعة وعشرين وسيأتي التعرض له في ص ٦٠.

(٨) هذه وجوه استدلّ بها في الرياض ١ : ٥.

٥٧
 &

المطهرية لنفيها.

على أنها إنما تفيد لو لم يشمل أدلة النجاسة مثل ذلك الماء ، وشمول كثير من غير المفاهيم له لا شكّ فيه ، فيسقط الاستدلال بها رأساً.

والخامس : بمعارضته بأصالة بقاء البئر على الحالة السابقة على النزح.

والسادس : بالمعارضة بالمثل مع عدم كونه دليلاً.

والسابع : بأنّ ما يفيد ، هو القرب دون الأقربية ، إذ الاختلاف بعد ما كثُر لا يختلف بالكثرة والقلّة فيما يفيد هنا ، مع أنّ أقربيّته إلى ما هو المشهور بالمحسوس ممنوع ، وكذا إلى الحبّ والقلتين فإنّه قد حكي (١) أنّ من قِلال هَجَر ما يسع تسع قِرَب.

والثامن : بمنع الحمل على عرف السائل إذا عَلم المخالفة وعلم المتكلّم علمه ـ كما هو الظاهر في المورد ـ سيما إذا خالف عرف بلد السؤال ، مع أنّ السائل هنا غير معلوم.

بل للصحيحة والمرفوعة المتقدمتين (٢) ؛ لعدم إمكان حملهما على غير المكية الموافقة لضعفها من العراقية قطعاً ، لمخالفته الإِجماع ، فيتعين.

وتجويز العاملي (٣) حملهما على المدينة لقربهما من قول القميين في الأشبار مدفوع : بأنّ المراد مخالفة الإِجماع في الأرطال ، مع أنّ القرب بدون الموافقة غير مُفيد.

ولأنّ اجتماعهما مع المرسلة قرينة على إرادة المكية منهما كالعراقية منها.

ويؤيده : الاشتهار ، لا الشيوع في الأخبار كما قيل (٤). ورواية الشنّ (٥)

__________________

(١) لم نعثر عليه ، نعم حكى في المعتبر ١ : ٤٥ عن ابن دريد أنه يسع خمس قِرب. راجع الحدائق ١ : ٢٥٢ ، المصباح المنير : ٥١٤.

(٢) ص ٥٦.

(٣) الروض : ١٤٠.

(٤) الرياض ١ : ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٤١٦ الاشربة ب ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٠ / ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٦ ـ ٢٩ ،

=

٥٨
 &

معارضة بأكثر منها وأصح من أخبار (١) المد والصاع (٢).

ثم للمخالف : الاحتياط ، وموافقة عرف البلد ، واشتراط عدم الانفعال بالكرية ، فما لم يُعلم يحكم به ، وأصالة عدم الكرية ، والتكليف بالاجتناب عن النجس واستعمال الطاهر ، واليقين بالبراءة لا يحصل إلّا بالاجتناب عمّا نقص من الأرطال المدنية الملاقي للنجاسة واستعمال ما بلغها.

ويُرد الأولان : بما مر. والبواقي : بسقوط الأصل ، وحصول العلم بالكرية والقطع بالبراءة بما ذكرنا من الدليل.

مضافاً إلى ما في الثالث من التعارض بالمثل ، مع أنه غير مفيد ؛ لأنّ المفروض انتفاء العلم بالشرط دون نفسه ، فينتفي العلم بعدم المشروط ، فيرجع إلى الأصل.

وفي الرابع : بالمعارضة بما إذا كان زائداً عن الكر فنقص تدريجاً.

وقد يرد ذلك أيضاً : بمنع صحة أصالة عدمها. وفي صحته (٣) كلياً نظر ظاهر.

ثم العراقي مائة وثلاثون درهماً كما عليه الأكثر ؛ لأنّ المدني الذي مثله ونصفه ـ للإِجماع وروايتي علي بن بلال (٤) وجعفر الهمداني (٥) ـ مائة وخمسة وتسعون‌

__________________

=

الوسائل ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ٢.

(١) الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ، والوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠.

(٢) كصحيحة زرارة في قدر ماء الوضوء ، والمُد رطل ونصف الصاع ستة أرطال فان الرطل فيها مدني قطعاً (منه ره).

(٣) في « هـ » : صِحّتها.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٢ الصوم ب ٧٥ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٢ ، الوسائل ٩ : ٣٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٢ الصوم ب ٧٥ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٣ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.

٥٩
 &

درهماً ، لتصريح الأصحاب (١) وروايتي جعفر (٢) وإبراهيم الهمدانيين (٣).

خلافاً لبعض (٤) فقال : مائة وثمانية وعشرون (٥). ولم أعثر على دليله.

وفي رواية المروزي : « المد مائتان وثمانون درهما » (٦).

ويستفاد منها ، بضميمة ما يصرح من الأخبار بكونه ربع الصاع وكون الصاع تسعة أرطال عراقية (٧) : أنّ كُلّ رطل مائة وأربعة وعشرون درهما وأربعة أتساعه ، ولم أقف على قائل به.

ثُمّ لكون كُلِّ درهم سبعة أعشار المثقال الشرعي وكونه ثلاثة أرباع الصيرفي ، يكون العراقي ثمانيةً وستّين مثقالاً بالصّيرفي. ولكون المنّ الشاهي المتعارف اليوم في بلدنا وما قاربه ألفاً ومائتين وثمانين صيرفيةً ، يكون الكر أربعة وستين منّاً إلّا عشرين صيرفياً.

وثانيهما : المساحة‌ ، وهي على المشهور : ما بلغ تكسيره بالأشبار اثنين وأربعين وسبعة أثمان.

وعند الصدوق والقمّيين ما بلغ سبعةً وعشرين (٨) ، واختاره في المختلف (٩) ، والمحقق الثاني في حواشيه عليه ، وثاني الشهيدين في الروضة والروض (١٠) ، وظاهر‌

__________________

(١) يراجع الحدائق ١ : ٢٤٥.

(٢) المتقدمة في ص : ٥٩ رقم ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٩ / ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ / ١٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٤٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٤.

(٤) في « ق » : لبعضهم.

(٥) التحرير ١ : ٦٢.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٥ / ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤١٠ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.

(٧) الوسائل ٩ : ٣٣٢ ب ٦ و ٣٤٠ ب ٧ من أبواب زكاة الفطرة.

(٨) المقنع : ١٠ ، المختلف : ٣.

(٩) المختلف : ٤.

(١٠) الروضة ١ : ٣٤ ، الروض : ١٤٠.

٦٠