مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الفصل الخامس : في سائر المطهرات‌

وهي اُمور :

منها : الإِسلام ، وهو مطهّر لنجاسة الكافر ضرورة.

ومنها : الغسل ، وبه يطهّر ميت الآدمي عن نجاسته ، ويأتي كيفيته.

ومنها : التبعيّة ، قالوا : يطهر ولد الكافر الذي سباه مسلم بتبعيّته السابي ، وظرف الخمر التي انقلبت خلاً بتبعيّتها ، وقد مرّ تحقيقهما (١) ، وظرف العصير وما تنجّس به قبل ذهاب الثُلثين على القول بنجاسته ، بتبعيّته بعد ذهابهما ، ولا دليل عليه يصلح لمعارضة الاستصحاب ، وكذا في غير ذلك ممّا قيل بطهارته بالتبعيّة.

ومنها : النقص ، وبه يطهر العصير إذا غلى ، بعد نقص ثلثيه ، على القول بنجاسته.

ومنها : زوال العين ، فعن الشيخ (٢) ، والفاضلين (٣) ، وغيرهم (٤) : طهارة فم الهرة بزوال عين النجاسة ، غابت أم لا ؛ لمطلقات طهارة سؤرها ، مع أنّ فاها لا ينفكّ عن النجاسة غالباً ، وأصالةِ طهارة ما لاقاه فوها ، وأصالةِ عدم التعبّد بغسل فيها ، فليس إلّا الحكم بالطهارة بزوال العين.

بل الحق جملة المتأخرين (٥) بها كل حيوان غير الآدمي ؛ للأخيرين.

مضافاً إلى الموثّقتين : أحدهما : عمّا يشرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ، قال : « كل شي‌ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دماً فلا‌

__________________

(١) في ص ٢٠٩ وص ٣٣٤. ٢٠٣.

(٢) المبسوط ١ : ١٠ ، الخلاف ١ : ٢٠٣.

(٣) المحقق في المعتبر ١ : ٩٩ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٧.

(٤) كما في الذخيرة : ١٤١ ، والحدائق ١ : ٤٣٣.

(٥) كصاحب المدارك ١ : ١٣٣ ، والذخيرة : ١٤١ ، والحدائق ١ : ٤٣٤.

٣٤١
 &

تتوضأ ولا تشرب » (١).

والآخر : عن ماء شربت منه الدجاجة ، قال : « إن كان في منقارها قذر لم تتوضأ منه ولم تشرب ، وإن لم تعلم أن في منقارها قذراً توضأ منه واشرب » (٢).

وإلى لزوم العسر والحرج الشديدين لولاه ، وعمل الأصحاب ، والإِجماع المنقول في الخلاف (٣) ، حيث إنّه بعد ما قال : إنّ الهرّة لو أكلت ميتاً ثمّ شربت من الماء القليل لم ينجس ، استدلّ بإجماع الفرقة على طهارة سؤر الهرّ وعدم فصلهم.

ويضعف الأول : بأنّ الإِطلاقات إنما هي من جهة السؤرية لها ، فلا تنافي النجاسة لأمر آخر ، مع أنّها مخصصة بما إذا لم يكن فمها نجساً بالإِجماع ، ولذا يحكمون بالنجاسة قبل زوال العين ، فاللازم تحقق نجاسة الفم وطهارته أولاً.

والحاصل أن نجاسة الفم إما لا تستلزم نجاسة السؤر ، أو تستلزمها ، فعلى الأول لا تثبت من طهارة السؤر طهارة الفم ، وعلى الثاني تكون الإِطلاقات مخصصة بما إذا لم يكن الفم نجساً ، فلا تفيد الإِطلاقات هنا ، لوجود دليل النجاسة كما يأتي.

والثاني : بمعارضته بأصالة نجاسة الفم ، المقدمة على أصالة طهارة ما لاقاه ؛ لكون الاُولى مزيلة للثانية.

والثالث : بأنّا لا نقول بالتعبد بالغسل إذ لم يؤمر به إلا في (مثل) (٤) الثوب والبدن.

وأما التفريع الذي ذكره ، فلا وجه له ، لمنع الحصر ، لجواز الحكم بالنجاسة مع عدم وجوب غسله.

والرابع : بدلالة الروايتين على خلاف المطلوب ، لدلالتهما على المنع من‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٣.

(٣) الخلاف ١ : ٢٠٣.

(٤) لا توجد في « هـ ».

٣٤٢
 &

الشرب والتوضؤ إن ترى الدم أو القذر ، أو كان ، سواء كان باقياً حال الشرب أو لا.

والخامس : بمنع لزوم الحرج ، فإنّ العلم بنجاسة أعضاء الحيوانات ثمّ بملاقاتها بعد ذلك قبل حصول الطهارة لها ، سيّما على القول بتطهّر الوارد على القليل أيضاً ، لا يبلغ حدّاً يلزم منه حرج.

والسادس : بمنع عمل الأصحاب.

والسابع : بمنع حجية الإِجماع المنقول ، مع أنّه ليس على المطلق ، بل على طهارة السؤر ، ولا كلام فيه.

وبضعف تلك الوجوه ، يظهر ضعف القول في الأصل وفيما اُلحق به ، مع اندفاع الأخير بإطلاق صحيحة علي المتقدمة (١) في بحث الجاري أيضاً.

كما يضعف القول بالطهارة أيضاً فيما ذكر مع الغيبة خاصة ـ كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإِحكام (٢) ـ بعدم دليل على ذلك التفصيل.

ومقتضى الاستصحاب النجاسة مطلقاً ، كما هو مختار ابن فهد في موجزه ، وغيره (٣) ، فهو الحقّ.

هذا في غير الآدمي ، وأمّا فيه ، فالمشهور : أنّه إذا نجس عضو منه يحكم بنجاسته حتّى يعلم الإِزالة.

وقيل بالطهارة مع الغيبة المحتملة للإِزالة (٤) ، واختاره والدي ـ رحمه الله ـ في المعتمد.

وقيل : مع التلبّس بمشروط الطهارة مطلقاً (٥).

__________________

(١) ص ٢٣.

(٢) نهاية الاحكام ١ : ٢٣٩.

(٣) كما قال به في مجمع الفائدة ١ : ٢٩٧.

(٤) الحدائق ١ : ٤٣٥.

(٥) المدارك ١ : ١٣٤.

٣٤٣
 &

وقيل بالثاني بشرط علمه بالنجاسة وأهليّته للإِزالة (١).

وقيل بالثالث كذلك.

والاستصحاب يوافق الأول ، ولكن الإِجماع القطعي ، بل الضرورة الدينية تحققت على جواز الاقتداء والمباشرة والمصافحة مع الناس ، واشتراء ما تلاقيه أيديهم بالرطوبة ، مع العلم بنجاستهم كلّ يوم بالبول والغائط.

فالطهارة مع الغيبة مجمع عليها ، ولكن المعلوم منه هو مع علمه بالنجاسة وأهليّته للإِزالة. فالحقّ هو الرابع.

والحكم مختصّ بالبدن دون غيره من الثياب وأمثالها ؛ لعدم العلم بالإِجماع فيه.

ويطهر بزوال العين البواطن كالفم ، والأنف ، على المشهور بين الأصحاب ، قال في البحار : لا نعلم في ذلك خلافاً (٢).

واستدل عليه : بموثّقة الساباطي : عن رجل يسيل من أنفه الدم ، هل عليه أن يغسل باطنه ؟ يعني : جوف الأنف ، قال : « إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه » (٣).

وفي دلالتها على الطهر بزوال العين نظر ، بل يدلّ على عدم وجوب الغسل ولو بقيت العين أيضاً.

فإن دلّ عدم وجوب الغسل على الطهارة ، لدلّت الموثقة على عدم تنجّس البواطن مطلقاً ، وهو الأقوى ، فلا يحكم بنجاسة البواطن بملاقاتها النجاسة الداخلية أو الخارجية ؛ للأصل وعدم الدليل ، فإنّ ثبوت نجاسة المتنجّسات إنّما هو بالأمر بالغسل في الأكثر ، وهو ليس في المورد ، لعدم وجوب غسله إجماعاً ، بل‌

__________________

(١) نسبه في مفتاح الكرامة ١ : ١٩١ إلى المقاصد العليّة.

(٢) البحار ٧٧ : ١٣١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٩ الطهارة ب ٣٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢٠ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٨ أبواب النجاسات ب ٢٤ ح ٥.

٣٤٤
 &

نحن لا نعلم من النجس إلّا ما تترتّب عليه الأحكام المعهودة الشرعية ، ولا دليل على ترتب شي‌ء منها على البواطن ، فلا يحتاج الطهر بزوال العين فيها إلى دليل.

ولا يمكن استصحاب نجاستها ؛ إذ كلّ ما يدلّ على ثبوت اللوازم للنجاسات فجريانه في البواطن غير معلوم.

بل الظاهر عدم تنجّس ما يدخل البواطن من الخارج ـ كالخبز يوضع في الفم ـ بملاقاته النجس ؛ لما ذكر.

وتظهر الفائدة في ما لو خرج بعد زوال العين فيكون طاهراً. نعم ، لو خرج ملوّثاً بالعين ينجس بعد الخروج إجماعاً ؛ وتدلّ عليه الإِطلاقات أيضاً. فلا تنجس الحشفة بالإِنزال في الفرج ، ولا الذكر بالتلوث بالمني فيه ، إلّا إذا اُخرج ملوّثاً بعينه.

٣٤٥
 &



ختام في ما يتعلّق بالجلود‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : عدم جواز استعمال جلود نجس العين ، وجلود الميتة‌ ـ على القول بنجاستها ـ في مشروط الطهارة واضح.

وأمّا في غيره كالاستقاء فيها للزرع ، أو استعمالها في اليابسات فكذا على المشهور ، المدّعى على الأول الإِجماع في التذكرة (١).

بل بلا خلاف أجده إلّا من الاستبصار (٢) ، في الأول ، حيث نقل فيه الموثق الثالث الآتي (٣) ، ووجّه نفي البأس فيها إلى نفس الاستعمال ، لا إلى الطهارة.

ويمكن أن يعمّم خلافه في الثاني أيضاً ؛ لعدم ورود التذكية على نجس العين.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٨.

(٢) لم نعثر عليه في الاستبصار. نعم ذكره في التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ في ذيل رواية زرارة الاتية ص ٣٤٨ رقم ٤.

(٣) ص ٣٤٨ رقم ٣.

٣٤٦
 &

ومن المحكيّ عن الصدوق (١) في الثاني ، باعتبار نقله المرسلة الآتية (٢).

وهو غير جيّد ؛ لأنّه لو دلّ على كونه مذهباً له ، لدلّ على قوله بالطهارة.

وكيف كان ، فالعمل على المشهور ؛ لظاهر الإِجماع ، وروايات عامية (٣) منجبر ضعفها بالعمل.

ورواية الجرجاني : « لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب » (٤).

وصحيحة علي بن أبي المغيرة كما في الكافي ، وإن رواها في التهذيب عن علي ابن المغيرة ، مع أنّه أيضاً في حكم الصحيحة ؛ لصحّتها عن السّراد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : الميتة ينتفع منها بشي‌ء ؟ فقال : « لا » (٥).

وموثّقتي سماعة : الاُولى : عن جلود السباع ينتفع بها ؟ قال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا » (٦).

والثانية : عن أكل الجبن أو تقليد السيف وفيه الكَيمُخت والغِراء ، قال : «لا بأس بما لم يعلم أنّه ميتة » (٧).

والمرويّ في تحف العقول ، ورسالة المحكم والمتشابه ، للسيّد ، والفصول المهمة ، المنجبر ضعفه بالعمل : « كل أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهي عنه ، من جهة أكله وشربه ، أو كسبه ، أو نكاحه ، أو ملكه ، أو هبته ، أو عاريته ، أو‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩.

(٢) ص ٣٤٨.

(٣) سنن البيهقي ١ : ١٤.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٣ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٧.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٩ الاطعمة ب ٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ١.

(٦) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٤.

(٧) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣١ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ / ٣٤٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٥ ، الكَيمُخت بالفتح فالسكون : جلد الميتة المملوح ، الغراء : شي‌ء يتخذ من أطراف الجلود يلصق به.

٣٤٧
 &

إمساكه ، أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالرّبا ، والبيع للميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، أو لحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش ، أو الطير ، أو جلودها ، أو الخمر. أو شي‌ء من وجوه النجس ، فهذا كله حرام محرّم ، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله ، وشربه ، ولبسه ، وملكه ، وإمساكه ، والتقلب فيه ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام » (١) الحديث.

والأخيرتان صريحتان في التحريم ، وبهما ينجبر (٢) ضعف دلالة الثلاثة الاُولى عليه ، لمكان لفظ الإِخبار.

وأمّا الموثّقة : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به عن البئر التي يشرب منها أو يتوضأ ؟ قال : « لا بأس » (٣).

ورواية زرارة : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء ، قال : « لا بأس » (٤).

والمرسلة : عن جلود الميتة يجعل فيها الماء والسمن ما ترى فيه ؟ قال : « لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء ، أو سمن وتتوضأ منه ، وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها » (٥).

وما مرّ في بحث الميتة من روايتي الصيقل (٦).

فعن مقاومة ما مرّ قاصرة ؛ لمخالفتها للشهرة ، بل لما عليه كافّة العلماء‌

__________________

(١) تحف العقول : ٣٣٣ ، ونقله في الوسائل ١٧ : ٨٣ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١ ، عن تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى ، ولكنا لم نجده في النسخة التي بأيدينا من الرسالة.

(٢) في « هـ » و « ق » : يجبر.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ ، أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣ وفيهما : قلت له : شعر الخنزير يعمل حبلاً ويستقى به ... إلى آخره.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ ، الوسائل ١ : ١٧٥ ، أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٦.

(٥) الفقيه ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٣ ، أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٥.

(٦) المتقدمتين ص ١٧٢.

٣٤٨
 &

واتفقوا عليه في جميع الأعصار ـ كما في الحدائق (١) ـ الموجبة لخروجها عن الحجية سيما مع موافقتها لمذهب العامة (٢).

مع أنّ الظاهر أنّ السؤال في الاُولى عن حال البئر والماء الذي فيها ، دون الاستقاء. ويمكن حمل الثانية عليه أيضاً ، فلا تدلّان على جواز الانتفاع ، كما لا تدلّ روايتا الصيقل أيضاً ، كما بينا وجهه في باب المكاسب. والثالثة لدلالتها على الطهارة تعارض أخبار اُخر مرّت في بحث الميتة أيضاً ، فهي عن الحجيّة أبعد.

المسألة الثانية : لا يطهر جلد الميتة بالدباغ بالإِجماع‌ ، لعدم مخالفة من شذّ فيه على التحقيق. فهو الحجّة ، مع استصحاب النجاسة ، وعدم جواز الانتفاع به ، والمستفيضة المتقدّمة المانعة عن الانتفاع بجلود الميتة مطلقاً. وروايتي الصيقل المنجسة لها على الإِطلاق.

وخصوصِ رواية الدعائم : « الميتة نجسة ولو دبغت » (٣). وروايتي البصري ، وأبي بصير.

وفي الاُولى بعد سؤاله عن سبب فساد الجلود : قال : « استحلال أهل العراق الميتة وزعموا أنّ دباغ الميتة ذكاته ثمَّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول الله صلّى الله عليه وآله » (٤).

وفي الثانية بعد السؤال عن إلقاء الفراء والقميص الذي يليه : « انّ أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة ويزعمون أنّ ذكاته دباغه » (٥).

__________________

(١) الحدائق ٥ : ٥٢٢.

(٢) لعل المراد جماعة منهم فإنهم مختلفون في المسألة على أقوال شتى. راجع بداية المجتهد ١ : ٨٧ ، ونيل الأوطار ١ : ٧٤.

(٣) الدعائم ١ : ١٢٦ ، المستدرك ٢ : ٥٩٢ أبواب النجاسات ب ٣٩ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٨ الصلاة ب ٦٥ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥٠٣ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٣ : وفي الجميع عبد الرحمن بن الحجاج المعروف بالبجلي وفي نسخة من التهذيب على ما في جامع الأحاديث ١ : ١٦١ عبد الله بن الحجاج وأما البصري فهو عبد الرحمن بن أبي عبد الله ولم نجد له رواية في المقام.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٤٦٢ أبواب لباس المصلّي ب ٦١ ح ٢.

٣٤٩
 &

وضعف بعض ما ذكر سنداً لا يضرّ بعد انجباره بالإِجماع المحقق والمحكي عن الخلاف (١) ، وفي الناصريات ، والانتصار ، والذكرى (٢) مطلقاً ، وعن المختلف (٣) ، وفي المنتهى والتذكرة (٤) عمّن عدا الإِسكافي (٥).

خلافاً له ، وللشلمغاني (٦) من قدماء أصحابنا ، وإن كان قوله خارجاً من عداد علمائنا ، لما ظهر له من المقالات المنكرة. وقد ينسب إلى الصدوق أيضاً ؛ لما مرّ (٧) ، ويظهر من المدارك ، والمعالم (٨) ، الميل إليه. للمرسلة المتقدمة (٩).

ورواية الحسين بن زرارة : جلد شاة ميتة يدبغ ، فيصب فيه اللبن والماء ، فأشرب منه وأتوضأ ؟ قال : « نعم » وقال : « يدبغ وينتفع به ولا يصلّى فيه » (١٠).

والرضوي : « وكذلك الجلد ، فإنّ دباغته طهارته وذكاة الجلود الميتة دباغتها » (١١).

وشي‌ء منها لا يصلح للاستناد ؛ لشذوذها الموجب لخروجها عن الحجيّة ، سيّما مع المعارضة مع ما يرجّح عليها ممّا تقدّم بمخالفته للعامة ، وموافقتها لهم بتصريح الروايات كما مرّ ، وبصحّة السند ، بل بالأصل الذي هو استصحاب النجاسة ، وعلى هذا فكذلك الحكم لو لا الترجيح أيضاً.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٠.

(٢) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢ ، الانتصار ١٢ ، الذكرى : ١٦.

(٣) المختلف : ٦٤.

(٤) المنتهى ١ : ١٩١ ، التذكرة ١ : ٦٨.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٦٤.

(٦) نسبه إليه في الذكرى : ١٦.

(٧) في ص ٣٤٧.

(٨) المدارك ٢ : ٣٨٦ ، المعالم : ٤١١.

(٩) ص ٣٤٨.

(١٠) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٢ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ / ٣٤٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٧.

(١١) فقه الرضا (ع) : ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، البحار ٧٧ : ٢٢٦ / ١٥.

٣٥٠
 &

المسألة الثالثة : إن علمت حال الجلد من حيث التذكية وعدمها فحكمه ظاهر ، وإلّا فالأصل فيه عدم التذكية ـ سواء في ذلك أن تكون عليه يد مسلم ، أو كافر ، أو مجهول ، في سوق المسلمين ، أو الكفار ، من بلد غالب أهله المسلمون ، أو الكفّار ، أو تساويا ، أو جُهلَ حال البلد ، أو في غير السوق من بلد كذلك ، أو في غير البلد ، وسواء أخبر ذو اليد بالتذكية ، أو بعدمها ، أو لم يخبر بشي‌ء ، أو لا تكون عليه يد ، بل كان مطروحاً في سوق ، أو بلد ، أو برّ ، من أراضي المسلمين ، أو الكفّار ، سواء كانت عليه علامة جريان اليد عليه ، أم لا ـ لتوقّف التذكية مطلقاً على اُمور بالعدم مسبوقة.

ولا يعارض ذلك الأصل ، أصالة الطهارة ، لأنّها به زائلة مندفعة.

ويدلّ عليه أيضاً مفهوم حسنة ابن بكير : « وإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وَبَره ، وبوله ، وشعره ، وروثه ، وألبانه ، وكلّ شي‌ء منه ، جائزة إذا عَلِمتَ أنّه مذكّى قد ذكّاه الذبح » (١) يدلّ بالمفهوم على عدم جواز الصلاة في كلّ شي‌ء منه ما لم يعلم أنّه مذكى.

ولا يضرّ اختصاصها بالصلاة ، ولا تحقق السلب الكلي بعدم الجواز في بعض شي‌ء منه ؛ لعدم الفصل بين الصلاة وغيرها ولا بين شي‌ء منه في عدم الجواز وبين الجلد.

وكذا تدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة : عن لباس الفراء والصلاة فيها ؟ فقال : « لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكياً » (٢) الحديث.

ومكاتبة عبد الله بن جعفر : هل يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك ؟

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ / ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٨ أبواب لباس المصلّي ب ٣ ح ٣.

٣٥١
 &

فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيّاً » (١).

وظاهر أنّه فرق بين ما كان ذكياً وبين ما جاز كونه ذكياً.

ولا تفيد في دفع الأصل ، المستفيضة الدالّة على جواز الصلاة في الجلد واشترائه ما لم يعلم أنّه ميتة ، كموثّقة سماعة المتقدّمة (٢) ، ومكاتبة يونس : عن الفرو والخفّ ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم أنّه ذكي ، فكتب : « لا بأس به » (٣) وغير ذلك مما يأتي بعضها ، لمعارضتها مع الحسنة ، فتتساقطان.

ولا تفيد خصوصية المستفيضة في ما جرت عليه اليد ، وبما لم تكن عليه يد كافر لخروجه بالإِجماع ؛ لاختصاص الحسنة أيضاً بما لم تكن عليه يد مسلم بالإِجماع ، كما يأتي ، فيتعارضان بالعموم من وجه.

ولا تفيد أكثرية المستفيضة وأصحّيتها ؛ لأنّهما لو سلّمتا لا تفيدان في مقام الترجيح عندنا ، مع أنّ الحسنة أبعد عن مذهب العامّة.

ثمّ إنّه يجب الحكم بخروج ما في يد مسلم من تحت الأصل ما لم يخبر عن عدم التذكية ، بالإِجماع القطعي المعلوم من طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار.

وكذا ما اُخذ في سوق المسلمين ولو من يد مجهول الحال ؛ لصحيحتي الحلبي : إحداهما : الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها ؟ فقال : « صلّ فيها حتّى يقال لك إنّها ميتة بعينها » (٤).

والاُخرى : عن الخفاف التي تُباع في السوق ، فقال : « اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميّت بعينه » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٥٠٠ ، الوسائل ٤ : ٤٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٤١ ح ٢.

(٢) ص ٣٤٧ رقم ٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٩ ، الوسائل ٤ : ٤٥٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٥ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ الصلاة ب ٦٥ ح ٢٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٠ ، الوسائل ٤ : ٤٢٧ أبواب لباس المصلي ب ٣٨ ح ٢.

٣٥٢
 &

ورواية ابن الجهم : أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكي هو أم لا ؟ قال : « صلّ فيه » قلت : فالنعل ؟ قال : « مثل ذلك » قلت : إنّي أضيق من هذا ، قال : « أترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله » (١).

وصحيحة البزنطي : عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكية أيصلّي فيها ؟ قال : « نعم ليس عليكم المسألة » (٢) الحديث ، وقريبة منها صحيحته الاُخرى (٣) ، وصحيحة الجعفري (٤).

وإطلاقها وإن شمل سوق الكفّار ، ومجهول الحال أيضاً ، إلّا أنّهما خرجا بمفهوم حسنة الفضلاء الثلاثة : عن شراء اللحم من الأسواق ما يدري ما يصنع القصابون ، قال عليه السلام : « كُل إذا كان في سوق المسلمين ولا تسأل عنه » (٥).

وكون المسؤول عنه اللحم غير ضائر ؛ لعدم الفضل.

بل قد يقال : إنّ الظاهر من السوق في الروايات أيضاً سوق المسلمين ؛ لأنّه المتداول عندهم وإن كان ذلك محلاً للمنع.

كما أنّه خرج ما اُخذ عن يد الكافر في سوق المسلمين عن تحت تلك الإِطلاقات ، بالإِجماع.

وكذا خرج ما إذا كان سوق المسلمين في بلد غالب أهله الكفّار ـ لو قلنا إنّ سوق المسلمين ما كان أهله ، أو غالبهم المسلمين ، وإن كان في بلد الكفر ، أو بلد غالب أهله الكفر ـ بصحيحة إسحاق بن عمار : « لا بأس بالصلاة في الفراء‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٤ الصلاة ب ٦٥ ح ٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٥ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢٤ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ذيل حديث ٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٧ الذبائح ب ١٣ ح ٢ ، الفقيه ٣ : ٢١١ / ٩٧٦ ، التهذيب ٩ : ٧٢ / ٣٠٧ ، الوسائل ٢٤ : ٧٠ أبواب الذبائح ب ٢٩ ح ١.

٣٥٣
 &

اليماني وفي ما صنع في أرض الإِسلام » قلت : فإن كان فيها غير أهل الإِسلام ؟ قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون لا بأس » (١) دلّت على ثبوت البأس في ما لم يكن غالب أهله الإِسلام وإن كان في سوق المسلمين.

ولتعارضها مع ما مرّ بالعموم من وجه ، يرجع إلى أصالة عدم التذكية. كما إذا اُخذ في سوق الكفار ، أو مجهول الحال ، في بلد غالب أهله المسلمون ، فإنّه يرجع فيه بعد تعارض الصحيحة وحسنة الفضلاء إلى ذلك الأصل إلّا أن يعمّم السوق في إطلاقاته ويرجع إليه ، ولا بأس به.

وكذا خرج بمنطوق الصحيحة ما اُخذ في أرض المسلمين ، أو أرض كان الغالب عليها المسلمون ، وإن لم يكن في السوق.

ولا يعارضه مفهوم الحسنة ؛ إذ المحكوم عليه فيها ما يشترى من الأسواق.

وكذا خرج ما يؤخذ من يد مجهول الحال مطلقاً إذا أخبر بالتذكية ، برواية الأشعري : ما تقول في الفرو يشترى من السوق ؟ قال : « إذا كان مضموناً فلا بأس » (٢).

ولا ضير في تعارضها مع الحسنة ؛ لإِيجابه الرجوع إلى عمومات جواز الأخذ من السوق. مع أنّ الظاهر من قوله في الحسنة : « ولا تسأل عنه » أنّه إذا اُخذ من غير سوق المسلمين مع السؤال والإِخبار بالتذكية ، لم يكن فيه بأس. بل لو لا الإِجماع على عدم جواز الأخذ من الكافر ، لقلنا بجواز الأخذ منه مع ضمانه ؛ لتلك الرواية.

ولا تضرّ معارضته تلك الروايات المخرجة لما ذكر عن تحت الأصل ، مع الأخبار المتقدّمة أولاً ، الموافقة لذلك الأصل ؛ لأنّها لمعارضتها مع المستفيضة المذكورة المخالفة له ، معزولة عن التأثير.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٢ ، الوسائل ٤ : ٤٥٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٨ الصلاة ب ٦٥ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٦٣ أبواب لباس المصلّي ب ٦١ ح ٣.

٣٥٤
 &

ثمّ إنّه لم يخرج غير ما ذكر من الأقسام المذكورة عن تحت الأصل المذكور ، على الحق المشهور.

خلافاً لشرذمة من المتأخّرين ، فحكموا بالطهارة ما لم يعلم أنّه ميتة مطلقاً (١) ؛ للأصل ، والأخبار ، المتقدّم جوابهما.

وأمّا رواية السكوني : عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها ، وخبزها ، وجبنها ، وبيضها. وفيها سكين. قال أمير المؤمنين عليه السلام : « يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل ، لأنّه يفسد وليس له بقاء ، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن » قيل : يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم ، أو سفرة مجوسي ، قال : « هم في سعة حتى يعلموا » (٢).

فبعد ملاحظة ظهورها في أنّ المدلول عليه فيها في حكم ما عليه يد ، ومعارضتها مع صحيحة ابن عمار ، لا يثبت منها أزيد من خروج ما اُخذ من يد مجهول في أرض المسلمين.

وأمّا رواية إسماعيل بن عيسى : عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارفٍ ؟ قال : « عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه » (٣).

فمعناها : أنّه عليكم السؤال عن المسلم البائع إذا كان المشركون أيضاً يبيعون الجلد ، لا أن المشرك كان بائعه ، فلا يدلّ على خروج ما أخبر المشرك البائع بذكاته.

وهل يجب السؤال عن المسلم حينئذٍ ، فلا يجوز الأخذ بدونه ؟ الظاهر نعم ؛

__________________

(١) كما قال به في المفاتيح ١ : ١٠٨ ، والمدارك ٢ : ٣٨٧ ، والحدائق ٥ : ٥٢٦.

(٢) الكافي ٦ : ٢٩٧ الاطعمة ب ٤٨ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ١١.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ ابواب النجاسات ب ٥٠ ح ٧.

٣٥٥
 &

عملاً بالنص ، بشرط أن يكون المسلم غير عارف ، أي غير المؤمن ، كما هو مورد الرواية ، ولا يجب السؤال في غير ذلك.

و [ أما ] (١) مفهوم رواية الأشعري ، فيخصّص بمنطوق حسنة الفضلاء ، والصحاح الثلاث المتقدّمة عليها الناهية عن السؤال.

ولا فرق في جواز الأخذ من غير سؤال في غير مورد الرواية ممّا يجوز الأخذ منه بين كون المأخوذ منه ممّن يستحلّ الميتة بالدبغ ، أو لا ، وفاقاً لصريح جماعة مستندين إلى إطلاق المستفيضة المتقدّمة ، بل العموم الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.

خلافاً للمُنتهى والتذكرة والتحرير ، فمنع عمّا يؤخذ من يد مستحلّ الميتة بالدبغ وإن أخبر بالتذكية (٢). وللدروس إن لم يخبر بها (٣). وللذكرى إن أخبر بعدم التذكية ، ويقبل إن أخبر بالتذكية ، وتردّد في صورة السكوت (٤) ؛ لأصالة عدم التذكية.

وهي بما مرّ مندفعة.

وأما الخبران (٥) : أحدهما في إلقاء علي بن الحسين الفراء عند الصلاة ، والثاني في عدم جواز البيع بشرط أنها ذكية ، فغير مفيدين لهم.

أما الأول : فلأن غاية ما يستفاد منه أنه كان ينزع فرو العراق حال الصلاة ، فيجوز أن يكون على (وجه) (٦) الأفضلية.

وأما الثاني : فلأن النهي فيه عن بيع ما اُخبر بذكاته إنما هو بشرط أنه‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) المنتهى ١ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٩٤ ، التحرير ١ : ٣٠.

(٣) الدروس ١ : ١٥٠.

(٤) الذكرى : ١٤٣.

(٥) المتقدمان ص ٣٤٩ رقم ٤ ، ٥.

(٦) لا توجد في « هـ » و « ق ».

٣٥٦
 &

مذكى ، وهو غير دال على مطلوبهم ، بل لبسها في غير حال الصلاة ـ كما في الأول ـ ونفي البأس عن بيعه أخيراً ـ كما في الثاني ـ يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة.

المسألة الرابعة : يكره استعمال الجلد إذا كان مما لا يؤكل‌ ممّا تقع عليه الذكاة في غير الصلاة قبل الدبغ ، حذراً عن خلاف من يأتي.

ولا يحرم على الأظهر الأشهر بين المتأخرين ؛ لإِطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ.

ففي الموثق : عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : « أما اللحوم فدعها ، وأما الجلود فاركبوا عليها » (١).

وفيه : عن جلود السباع ينتفع بها ؟ فقال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده » (٢).

والصحيح : عن لباس الفراء ، والسمور ، والسنجاب ، والحواصل ، وما أشبهها ، والمناطيق (٣) ، والكيمخت ، والحشو بالفراء ، والخفاف من أصناف الجلود. فقال : « لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب » (٤).

ويستفاد منه البأس في الثعالب ، وهو للكراهة ؛ للتصريح بالجواز في كثير من الروايات الآتية في كتاب الصلاة.

خلافاً للشيخ في النهاية ، والمبسوط ، والخلاف (٥) ، والسيد في المصباح ، بل عن المفيد ، والحلي ، والقاضي ، وابن سعيد (٦). فمنعوا عن قبل الدبغ ، إما‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٩ / ٨٠١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٣ ، ٤ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٨٩ أبواب النجاسات ب ٤٩ ح ٢.

(٣) في « ق » : والمناطق.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٩ / ١٥٣٣ ، الوسائل ٤ : ٣٥٢ أبواب لباس المصلّي ب ٥ ح ٢.

(٥) النهاية : ٥٨٦ ، المبسوط ١ : ١٥ ، الخلاف ١ : ٦٤.

(٦) السرائر ٣ : ١١٤ ، المهذب ١ : ٣١ ، الجامع المقاصد : للشرائع : ٦٦.

٣٥٧
 &

للنجاسة ، كما يحكى عنهم تارة (١) ، أو للمنع تعبداً ، كما يحكى اُخرى.

ومستندهم غير واضح ، إلا ما يحكى عن الأول من الإِجماع على الجواز بعده. وليس هو ولا غيره قبله (٢).

وفيه : أن النجاسة إلى الدليل محتاجة ، ولم تثبت نجاسة الجلد ؛ لعدم صدق الميتة بعد ورود التذكية.

نعم ، في الرضوي : « دباغة الجلد طهارته » (٣) وهو ـ مع عدم الحجية واحتمال التقية ـ غير دال على الحكاية الثانية.

فرعان :

أ : يجوز أخذ الجلد من المسلم ولو علم أخذه من الكافر ، على الأظهر ، إذا كان في سوق المسلمين في بلد غالب أهله الإِسلام ، للعمومات المتقدّمة ، وعدم ثبوت الإِجماع على خروج مثل ذلك أيضاً ، سيّما على القول بحمل فعل المسلم على الصحّة ، فلعله علم بالتذكية.

وكذا يجوز الأخذ من الكافر إذا علم أنه أخذه من المسلم إذا كان في السوق المذكور ؛ لما ذكر.

ب : الجلد الذي لم يعلم أنه مما ترد عليه التذكية أم لا إذا اُخذ من يد المسلم ، فالظاهر كونه في حكم المذكى.

وما لم يعلم أنه مما يؤكل لحمه أم لا ، يأتي حكمه في بحث لباس المصلي إن شاء الله سبحانه.

*       *      *

__________________

(١) حكى عنهم في كشف اللثام ٢ : ٢٥٨.

(٢) حكاه في المدارك ٢ : ٣٨٨.

(٣) فقه الرضا (ع) : ٣٠٢.

٣٥٨
 &

المقصد الثالث : في الطهارة من الحدث‌

وفيه مقدمة وأبواب.

المقدمة في أحكام الخلوة وآدابها ، وفيها ثلاثة فصول‌ :

٣٥٩
 &

الفصل الأول : في واجباتها‌

فمنها : ستر العورة عن الناظر المحترم الذي يحرم وطؤه‌ ، لا لكون الكشف إعانة على النظر المحرم قطعاً ، كما قيل (١) ، لمنع كونه إعانةً مطلقاً ، لاعتبار القصد فيها ، بل للإِجماع المحقّق والمنقول (٢) ، والمستفيضة من النصوص :

كمرسلة الفقيه ـ بعد السؤال عن قول الله عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (٣) ـ : « كل ما كان في كتاب الله عز وجل من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا ، إلا في هذا الموضع ، فإنه الحفظ من أن ينظر إليه » (٤).

والاُخرى : « إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض ، فليحاذر على عورته » (٥).

والثالثة : « لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله الناظر والمنظور إليه في الحمام بلا مئزر » (٦).

ورواية أبي بصير : يغتسل الرجل بارزاً ؟ قال : « إذا لم يره أحد لا بأس » (٧).

والتقييد بالحمام والتخصيص بالاغتسال غير ضائر ؛ لعدم مدخليتهما ؛ بالإِجماع.

والمروي في الدعائم : روينا عن أهل البيت أنهم أمروا بستر العورة ، وغض البصر عن عورات المسلمين ، ونهوا المؤمن أن يكشف العورة ، وإن كان بحيث لا‌

__________________

(١) الذخيرة : ١٥.

(٢) كما نقله العلامة في التحرير ١ : ٣١ ، والشهيد في الذكرى : ١٥.

(٣) النور : ٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ٦٣ / ٢٣٥ ، الوسائل ١ : ٣٠٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٣.

(٥) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٩٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٥٠٣ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ٣٦ ، الوسائل ٢ : ٥٦ أبواب آداب الحمام ب ٢١ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٤٨ ، الوسائل ٢ : ٤٣ أبواب آداب الحمام ب ١١ ح ٢.

٣٦٠