مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

جنس يقع على القليل والكثير ، فإنْ كان قبل التعفير يعفّر ويغسل مرتين لهما ، وإنْ كان بعده يعفّر للأخير ويغسل لهما ، وإنْ كان بعد غسله مرة يعفّر ، ويغسل مرتين ، واحدة لهما ، والاُخرى للأخير.

ز : هل الحكم يعمّ جميع المائعات أو يختصّ بالماء ؟

ظاهر إطلاقات أكثر الفتاوي الأول ، ولكن الروايتين المتضمنتين للتعفير مختصتان بالماء.

والعاميان وإنْ كانا مطلقين ، لتحقق الولوغ في كل مائع يشربه الكلب بلسانه ، ولكنّهما خاليان عن ذكر التعفير.

وكون إحدى الثلاث في الماء تعفيراً لا يفيد ؛ لدوران الأمر بين التخصيص بغير الماء وإبقاء الغسل على حقيقته ، أو التجوز في الغسل ، ولا مرجح.

وعلى هذا فإن ثبت الإِجماع على التعميم ، وإلّا فيكون حكم غير الماء حكم النجاسات الغير المنصوصة ، والاحتياط جمع الحكمين متداخلين.

ح : لا يجب الدلك في التعفير ؛ للأصل. فيكفي صبّ التراب في الإِناء وتحريكه حتى يعلم وصوله إلى جميع مواضعه. ولا التجفيف بعد الغسل ؛ لما ذكر.

خلافاً للمقنعة في الأخير (١) ؛ للرضوي (٢). ولا حجية فيه بدون الانجبار.

ط : ولوغ الخنزير كسائر النجاسات الغير المنصوصة عليها بخصوصها‌ ـ وفاقاً للمحقق (٣) والحلي (٤) ، بل أكثر من تقدم عليهما (٥) ، لعدم تعرضهم له بخصوصه ـ للأصل ، وعدم دليل على وجوب عدد فيه بخصوصه.

__________________

(١) المقنعة : ٦٨.

(٢) المتقدم ص ٢٩٤ رقم ٦.

(٣) المعتبر ١ : ٤٥٩.

(٤) السرائر ١ : ٩٢.

(٥) كالمفيد في المقنعة : ٦٨ ، وسلّار في المراسم : ٣٦ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) : ١٨٢.

٣٠١
 &

وخلافاً للفاضل (١) وأكثر من تأخّر عنه (٢) فأوجبوا السبع ؛ لصحيحة علي : عن خنزير يشرب من الإِناء كيف يصنع به ؟ قال : « يغسل سبع مرات » (٣).

ويضعّف : بعدم دلالتها على الوجوب.

وللمحكي عن الخلاف ، فجعله كالكلب ؛ حملاً له عليه (٤). وضعفه ظاهر.

المسألة الحادية عشرة : يغسل لموت الجِرذ ـ وهو كبير الفأر ـ سبع مرّات‌ ؛ لموثقة عمار : « اغسل الإِناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعاً » (٥).

وقيل : بالثلاث (٦). وقيل : مرّتان (٧). وقيل : مرة مزيلة (٨). وقيل : بعد الإِزالة (٩). ولا مستند تام لشي‌ء منها.

ولا يلحق به غيره من أنواع الفأر ؛ للأصل.

المسألة الثانية عشرة : يغسل الإِناء من النجاسات الغير المنصوصة عليها ‌بخصوصها ـ سوى الخنزير وما اُلحق بولوغ الكلب من وقوع رطوباته أو مباشرته ـ ثلاثاً ، وفاقاً للصدوق (١٠) ، والإِسكافي (١١) ، والمبسوط ، والخلاف (١٢) ، والكركي ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٩ ، التذكرة ١ : ٩ ، المختلف : ٦٤.

(٢) كالشهيد الأول في الذكرى : ١٥ ، والثاني في الروض : ١٧٢ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٩١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٢٥ أبواب الأسآر ب ١ ح ٢.

(٤) الخلاف ١ : ١٨٦.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١ ـ بتفاوت يسير ـ.

(٦) القواعد ١ : ٩.

(٧) الروضة ١ : ٦٣.

(٨) الكفاية : ١٤.

(٩) المختلف : ٦٤ ، المدارك ٢ : ٣٩٦.

(١٠) لم نعثر عليه في كتبه ولا على من نسبه إليه قبل المصنف.

(١١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٦١.

(١٢) المبسوط ١ : ١٥ ، الخلاف ١ : ١٨٢.

٣٠٢
 &

والدروس ، والذكرى (١) ، ووالدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع والمعتمد ؛ للاستصحاب المؤيد بالموثق : عن الكوز والإِناء يكون قذراً ، كيف يغسل وكم مرة يغسل ؟ قال : « ثلاث مرات ، يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ، ثم يصبّ فيه ماء آخر ثم يفرغ منه ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر ثمّ يفرغ منه وقد طهر » (٢).

لا مرتان ، كاللمعة ورسالة الشهيد (٣) ؛ قياساً على البول في الثوب والجسد.

ولا المرة المزيلة ، كالعاملي (٤) وولديه (٥) ، والفاضلين في أكثر كتبهما (٦) ، بل نسب إلى الأشهر (٧) ؛ لمطلقات الأمر بالغسل ، وأصالة البراءة ، واستصحاب طهارة الملاقي له بعدها.

ولا بعد الإِزالة كالمعتبر والمختلف والبيان (٨) ؛ لذلك مع عدم التأثير للماء مع وجود المنجس ، فالغسل بعد إزالته لازم.

لضعف الأول : ببطلان القياس.

والثاني : بمنع وجود مطلق يشمل الإِناء. واندفاع الأصل بالاستصحاب. ومعارضة استصحاب طهارة الملاقي لاستصحاب نجاسة الإِناء ، وغلبة الثاني على الأول ؛ لكونه مزيلاً له.

والثالث : بذلك أيضاً ، مع ما فيه من منع عدم التأثير لو لم يمنع المنجس‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٩٢ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، الذكرى : ١٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ ، أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٣) اللمعة (الروضة ١) : ٦٢ ، الألفية : ٣٨.

(٤) الروض : ١٧٢.

(٥) المعالم : ٣٥٦ ، المدارك ٢ : ٣٩٦ (اطلق عليه الولد باعتبار كونه سبطاً للشهيد الثاني).

(٦) الشرائع ١ : ٥٦ ، والمختصر النافع : ٢٠. لم يصرّح فيهما بالمزيلة ولكنه يستفاد من إطلاق الكلام. المنتهى ١ : ١٩٠ ، التذكرة ١ : ٩ ، التحرير ١ : ٢٦.

(٧) نسبه في الرياض ١ : ٩٩.

(٨) المعتبر ١ : ٤٦٢ ، المختلف : ٦٤ ، البيان : ٩٣.

٣٠٣
 &

من ملاقاة الماء للإِناء ، وإلّا فعن الكلام خارج.

وأما الخنزير فيغسل لولوغه ـ بل لوقوع رطوباته ومباشرته ـ سبعاً ؛ للاستصحاب ، حيث إنّ بالسبع يحصل اليقين بالطّهارة ؛ لعدم قول بالزائد دون ما دونها. وهذا وإنْ وافق قول الفاضل ومن تأخر عنه عدداً ، ولكنه يخالفه سنداً (١).

وأما فيما اُلحق بالكلب : فيشكل الحكم فيه ؛ لمباينة الثلاث الترابيّة للثلاث المائية ، فلا يحصل اليقين بالطهارة بإحداهما.

ومقتضى النظر : التخيير بينهما ، والاحتياط الجمع بين ثلاث مرات مائية وواحدة ترابية ، والأحوط : ضمّ واحدة ترابية مع السبع المائية في الخنزير أيضاً ؛ لوجود قول بإلحاقه بالكلب (٢) وإنْ شذّ جداً.

فرع :

لو كان الإِناء مثبتاً يشق قلعه‌ ، يملأ ماءً في كل مرة ويفرغ ، أو يصب فيه ماء ويحرك بمعونة اليد ونحوها حتى يعلم وصوله إلى كل موضع منه ، أو يؤخذ نحو إبريق ويغسل كلّ جزء منه ، مبتدئاً من الأعلى أو الأسفل إلى أنْ يغسل جميعه ، فيفرغ ماءه ثمّ يغسله ثانياً كذلك.

هذا على القول بطهارة الغسالة كما هو الحقّ ، وإلا فينبغي أنْ يبدأ من الأسفل ويختم بالأعلى في كل مرة ، أو يملأ ماء دفعة عرفية.

المسألة الثالثة عشرة : التعدد في البدن والثوب هل يختص بالقليل ؟ أو به وبالكثير ؟ أو يجب فيهما وفي الجاري ؟

الأول : للتذكرة ، والذكرى (٣) نافياً عنه الريب ، واللمعة ، والشهيد الثاني ،

__________________

(١) راجع ص ٣٠٢.

(٢) الخلاف ١ : ١٨٦.

(٣) التذكرة ١ : ٩ ، الذكرى : ١٥.

٣٠٤
 &

والمدارك ، والحدائق (١) ، واللوامع حاكياً له عن المشهور ، ونسب إلى المحقق الثاني ، وما رأينا من كلامه في شرح القواعد (٢) والرسالة خالٍ عن التخصيص.

والثاني : للفقيه ، والهداية (٣) ، وعن الجامع للشيخ نجيب الدين (٤).

والثالث : ظاهر المعتبر ، والشرائع ، والمنتهى ، والتحرير (٥) ، وعن الشيخ (٦).

ونقل في اللوامع عن بعضهم ما يظهر منه الميل الى التفصيل باختيار الثاني في الثوب والثالث في غيره.

والذي يقتضيه الدّليل هو الأول في البدن والثاني في الثوب.

أمّا الأول : فلمطلقات الأمر بغسل البدن من البول ، المقتضية لإِجزاء الماهية فيه ، كحسنة الحلبي المتقدمة (٧).

وصحيحة البجلي : عن رجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه ، فلا يستيقن ، فهو يجزيه أنْ يصبّ على ذكره إذا بال ولا ينشف ؟ قال : « يغسل ما استبان أنّه أصابه ، وينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه » (٨).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في من نسي غسل ذكره وصلّى (٩) ، وغيرها.

وأما أخبار المرتين المتقدمة (١٠) في الجسد ، فهي لمكان الأمر بالصبّ صريحة‌

__________________

(١) اللمعة (الروضة ١) : ٦٢ ، الروضة : ١ : ٦٢ ، المدارك ٢ : ٣٣٩ ، الحدائق ٥ : ٣٦٢.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٧٣. نسبه إليه في المدارك ٢ : ٣٣٩.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠ ، الهداية : ١٤.

(٤) الجامع للشرائع : ٢٢ ، قال فيه : يغسل البدن من البول مرتين ، والثوب مرة في الجاري ، ومرتين في الراكد.

(٥) المعتبر ١ : ٤٣٥ ، الشرائع ١ : ٥٤ ، المنتهى ١ : ١٧٥ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٦) المبسوط ١ : ١٤.

(٧) المتقدمة ص ٢٧٦.

(٨) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٢.

(٩) راجع الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨.

(١٠) ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

٣٠٥
 &

في القليل ؛ إذ لا صبّ في غيره إلّا بعد إفراز القليل منه.

وأمّا الثاني : فللأمر بغسل الثوب من البول مرتين في المستفيضة المتقدّمة ، الشاملة بإطلاقها للغسل في كلّ من الثلاثة ، خرج الجاري بصحيحة ابن مسلم والرضوي المتقدّمين (١) وبقي الباقي.

ودعوى ظهور المستفيضة في القليل ممنوعة.

وهذا هو المتعمد عندي ، وعدم الفصل في ذلك بين الثوب والبدن غير ثابت.

احتجّ الأوّلون : بالأصل ، وإطلاقات الغسل.

والأوّل ـ مع معارضة الاستصحاب ـ مدفوع : بما مرّ ، كما أنّ الثاني مقيّد به.

وقد يستدلّ أيضاً ببعض اعتبارات ضعفها ظاهر.

وأما الثاني [ فليس ] (٢) حكمه بالتعدّد في الكثير مطلقاً ؛ لعدم قوله بالتعدد في غير الثوب كما هو ظاهر الفقيه والهداية (٣) ، وإلا فلا وجه له إلا بجعل حكم البدن والثوب واحداً بالإِجماع المركّب ، أو مفهوم الموافقة ، وضعفهما ظاهر.

ولا وجه ظاهر للثالث إلّا استصحاب النجاسة ، المندفع بما مر.

وأمّا الرابع : فنظره في الثوب إلى الصحيحة ، وهو صحيح ؛ وفي البدن إلى ظاهر أخبار التعدّد فيه ؛ وهو لما ذكرنا ضعيف.

هذا في الثوب والبدن ، وأمّا الإِناء فكالبدن في ولوغ الكلب ، فيسقط التعدد في غير القليل ؛ لضعف روايات التعدد فيه ، وعدم الجابر في المورد ، فيبقى‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما ص ٢٨٤ رقم ١ ، ٥.

(٢) في جميع النسخ : فلعلّ ، بدّلناه لاستقامة المعنى.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠ ، الهداية : ١٤.

٣٠٦
 &

إطلاق مرسلة الكاهلي وصحيحة البقباق (١) على ما في كتب الحديث خالياً عن المعارض.

وكالثوب في البواقي ، فيسقط في الجاري ؛ للمرسلة بضميمة عدم الفصل بين الجاري والمطر.

وتعارضها في الخمر مع إحدى الموثّقتين (٢) بالعموم من وجه غير ضائر ؛ لإِيجابه الرجوع إلى إطلاق الاُخرى ، دون الكثير ؛ لاستصحاب النجاسة ، وإطلاق دليل التعدّد.

وعدم الفصل بينه وبين ماء المطر في هذا المقام غير ثابت.

المسألة الرابعة عشرة : المعتبر فيما يعتبر فيه التعدّد الحسي‌ ، بأنْ يغسل ويقطع فيغسل ثانياً ؛ للاقتصار على موضع اليقين ، ولأنّ المتبادر من المرّتين ما حصل بينهما فصل وانقطاع ، فلا يصدقان بدونهما ، وفاقاً لظاهر الأكثر ، وفي المدارك : أنّه ظاهر عبارات الأصحاب (٣) ، وعن جماعة منهم : الشهيد الثاني : التصريح به (٤).

خلافاً للذكرى ، فاكتفى بالتقديري كالماء المتصل (٥) ، ونسبه في المعالم إلى جماعة (٦) ، للزيادة المتقدّمة في خبر ابن أبي العلاء (٧). وقد عرفت ما فيها.

وللمدارك : فقال بإمكان الاكتفاء بالتقديري لو كان الاتصال بقدر زمان الغسلتين والقطع فيما لا يعتبر تعدّد العصر فيه ؛ لدلالة فحوى كفاية الحسي عليه ؛ إذ وجود الماء لا يكون أضعف حكماً من عدمه (٨).

__________________

(١) المتقدمتين ص ٢٥٩ ، ٢٩٤.

(٢) المتقدمتين ص ٢٨٩.

(٣) المدارك ٢ : ٣٣٩.

(٤) حكى عنهم وعن الشهيد الثاني في الحدائق ٥ : ٣٦١.

(٥) الذكرى : ١٥.

(٦) المعالم : ٣٢٢.

(٧) ص ٢٦٧.

(٨) المدارك ٢ : ٣٣٩.

٣٠٧
 &

ويضعّف : بأنّها موقوفة على العلم بعلّة الحكم وكونها في الفرع أقوى ، وهي في المورد غير معلومة ، وربما كان لخصوص القطع مدخلية.

ثم لا يكفي في الكثير على اعتبار التعدد فيه وضع المحل فيه وخضخضته وتحريكه ، بحيث يمر عليه أجزاء من الماء غير التي كانت ملاقية له ، ولا في الجاري مرور جريات من الماء عليه ، كما قال به في المنتهى في أحكام الأواني (١) ؛ لعدم صدق المرتين بمجرد ذلك عرفاً.

المسألة الخامسة عشرة : توقّف زوال حكم النجاسة على زوال عينها ظاهر‌ ، مقطوع به في كلام الأصحاب ، مدلول عليه بالأخبار.

والحق المشهور ـ كما في المعتمد واللوامع ـ عدم العبرة ببقاء اللون والريح بعد القطع بزوال العين ، وعليه إجماع العلماء في المعتبر (٢).

خلافاً للمنتهى والتذكرة ونهاية الإِحكام (٣) ، فقيّدوهما بعسر الإِزالة.

لنا : مضافاً إلى صدق الغسل بزوال العين وإنْ بقيا ، حسنة ابن المغيرة ، في الاستنجاء : قلت : فإنّه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : « الريح لا ينظر إليها » (٤).

والمستفيضة الدالة على جواز إخفاء لون دم الحيض الذي لا يزول بالغسل بصبغ الثوب بمشق لأجل إزالة صورته (٥) ، ولو نجس الأثر لغا الصبغ.

واختصاصها بلون دم الحيض غير ضائر ، لعدم الفصل.

والعامي المذكور في المعتبر والمنتهى ، المروي عن خويلة بنت يسار عن‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٩.

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٦.

(٣) المنتهى ١ : ١٧١ ، التذكرة ١ : ٩ ، نهاية الإِحكام ١ : ٢٧٩.

(٤) الكافي ٣ : ١٧ الطهارة ب ١٢ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ / ٧٥ ، الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ١.

(٥) راجع الوسائل ٣ : ٤٣٩ أبواب النجاسات ب ٢٥.

٣٠٨
 &

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أرأيت لو بقي أثره ؟ فقال : « الماء (١) يكفيك ولا يضرّ أثره » (٢) وضعفه بالشهرة منجبر.

[ إنْ ] (٣) قيل : انتقال العرض محال لا يجوز ، فبقاؤه كاشف عن بقاء العين.

قلنا : ممنوع ؛ لجواز حصوله بإيجاد الله سبحانه بعد استعداد المحلّ بالمجاورة ، مع أنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسماء ، واللون والريح لا يسميان عذرة مثلاً كيفما كانا. واستصحاب حكم النجاسة بما مرّ مندفع.

والتقييد بعسر الإِزالة يمكن أن يكون لأجل أنّ ما يسهل إزالته لا ينفك عن العين. وفيه منع ظاهر.

نعم ، الظاهر بقاء العين مع كون اللون بحيث ينشر من المحل ، ويتعدّى إلى غيره بالمجاورة ، وأما الريح فليس كذلك ، ولذا يتعدّى إلى الغير من غير تعدّي العين ، كما يتعدّى من الورد إلى مجاوره ، ويشعر به ما نفى البأس عن بقاء الريح في محلّ الاستنجاء ، فإنّ الظاهر أنّ بقاءه إنّما يعلم من تعدّيه إلى يد ونحوها.

وأمّا الطعم ، واللزوجة ، والملاسة ، والدسومة ، فالظاهر وجوب إزالتها كما صرح به الشيخ في الأول في النهاية والخلاف (٤) ؛ للزوم تحصيل اليقين بزوال العين ، والظاهر عدم حصوله مع بقاء واحد منها ، فيستصحب بقاء العين المستلزم للنجاسة. مع أنّ الأدلة غير شاملة لها. وعموم الأثر في العامي غير مفيد ؛ لعدم انجباره في غير الوصفين.

هذا إذا كان أحد هذه الأعراض من أوصاف ما تنجس به المحل ، أما لو لم يكن منه فلا تجب إزالة الوصف. مثلاً : إذا تنجس محل بالشي‌ء الدسم ، تجب إزالة الدسومة ، لا ما إذا تنجس المحل الدسم بغيره ، أو دسم محل نجس ، فإنّه‌

__________________

(١) كلمة « الماء » لا توجد في « ق ».

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٦ ، المنتهى ١ : ١٧٥ ، وسنن البيهقي ٢ : ٤٠٨.

(٣) أضفناها لاقتضاء السياق.

(٤) لم نعثر عليه فيهما.

٣٠٩
 &

لا يضرّ حينئذٍ بقاء الدسومة إلّا مع ميعان الشي‌ء الدسم ، بحيث ينجس جميع أجزاء الدهن الواقعة فيه.

*       *      *

٣١٠
 &

الفصل الثاني : في الشمس‌

وهي وإن كانت من المطهّرات عند جمهور أصحابنا ، إلّا أنّهم اختلفوا فيها في ثلاثة مواضع :

الأول : في الطهارة الحاصلة منها ، هل هي حقيقية أو حكمية ؟

الثاني : فيما يطهر منها.

الثالث : فيما تطهّره.

ونذكرها في مسائل :

المسألة الاُولى : اختلفوا في أنّ ما جففته الشمس هل هو طاهر حقيقة‌ ، أو في حكمه في جواز الاستعمال والسجود عليها مع اليبوسة ؟

فالحق الموافق لمذهب الشيخين (١) ، والحلّي (٢) ، والمحقق في الشرائع (٣) ، والفاضل في جملة من كتبه (٤) ، ومعظم المتأخّرين (٥) ، بل هو الأشهر كما نصّ عليه جماعة (٦) ، بل عليه الإِجماع في ظاهر السرائر (٧) كالمحكي عن الخلاف (٨) : الأول.

وعن الراوندي (٩) وابن حمزة (١٠) : الثاني. ويظهر من الإِسكافي (١١) كبعض‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧١ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٣٨ ، والخلاف ١ : ٢١٨.

(٢) السرائر ١ : ١٨٢.

(٣) الشرائع ١ : ٥٥.

(٤) كالمختلف : ٦١ ، والمنتهى ١ : ١٧٧ ، والتذكرة ١ : ٨.

(٥) كما في التنقيح ١ : ١٥٥ ، وجامع المقاصد ١ : ١٧٨ ، والبحار ٧٧ : ١٥١.

(٦) منهم صاحب المفاتيح ١ : ٧٩ ، والحدائق ٥ : ٤٣٦ ، والرياض ١ : ٩٤.

(٧) السرائر : ١ : ١٨٢.

(٨) الخلاف ١ : ٢١٨ ـ ٤٩٥.

(٩) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٤٦.

(١٠) الوسيلة : ٧٩.

(١١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٤٦.

٣١١
 &

المتأخرين (١) الميل إليه ، واستجوده في المعتبر (٢) ، وهو ظاهر المختصر النافع (٣) ، وتوقف في المدارك (٤).

لنا : صحيحة زرارة : عن البول يكون على السطح ، أو في المكان الذي اُصلّي فيه ، فقال : « إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ، فهو طاهر » (٥).

ورواية الحضرمي : « ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر » (٦).

والرضوي : « ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسات مثل البول وغيره طهرتها ، وأما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل » (٧).

والخدشة في الثانية ـ بعموم الموصول الشامل لما لا يقول به أحد ، من التطهير بمطلق الإِشراق ، الشامل لما قبل التجفيف ـ بشيوع التقييد (٨) مع الدليل مندفعة.

وفيها وفي الثالثة ـ بالضعف لو سلّم ـ بالشهرة منجبرة.

وفيهما وفي الْأُولى ـ بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة ـ بظهور ثبوتها في زمن الصادقين عليهما السلام مردودة.

مضافاً إلى أنّ إرادة المعنى اللغوي ـ الذي هو عدم القذارة ـ في نفي النجاسة الشرعية كافية ؛ لكونها أعظم الأقذار وأشدّها.

ومع ذلك ، فالقرينة على إرادة المعنى المعهود في الثالثة ـ وهي أنّه الذي لا‌

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٨٠.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٣) المختصر النافع : ١٩.

(٤) المدارك ٢ : ٣٦٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٥.

(٧) فقه الرضا (ع) : ٣٠٣ ، المستدرك ٢ : ٥٧٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٨) في « ح » : المقيّد.

٣١٢
 &

يحصل للثياب إلّا بالغسل ـ قائمة ، بل وكذا في الاُولى أيضاً ؛ لأنّه الذي يصلح علّة لجواز الصلاة عليه ، وهو المعتبر في أحكامها مكاناً ولباساً ، دون غيره ، سيما مع تعلّق السؤال بالنجاسة ، هذا.

على أنّ إطلاق الأمر بالصلاة عليه مع التجفيف في الاُولى الظاهرة في السجدة عليه ، أو الشامل لها البتة ، وإلا انتفى التأثير عن الشمس رأساً ، ولغا ما طابقت النصوص عليها من التقييد بها ، يدلّ على المطلوب أيضاً ولو رفعت اليد عن قوله : « فهو طاهر » لشموله لكونه بعد التجفيف رطباً ويابساً ، وكذا لباس المصلي وأعضاؤه.

ومن هذا تظهر صحة الاستدلال على المطلوب : بإطلاق الحكم بجواز الصلاة على ما جفّ مطلقاً من المواضع النجسة ، من دون اشتراط عدم رطوبة العضو ، كما اشترطه القائلون بالعفو.

كصحيحتي علي : إحداهما : عن البواري يصيبها البول ، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل ؟ قال : « نعم لا بأس » (١).

والاُخرى : عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أيصلّي عليه ؟ قال : « إذا يبست لا بأس » (٢).

أو على ما جفّ بالشمس كذلك ، كموثّقة الساباطي : عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ، ولكنّه قد يبس الموضع القذر. قال : « لا تصلّ عليه ، وأعلم موضعه حتى تغسله » وعن الشمس هل تطهّر الأرض ؟ قال : « إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ، ثم يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر ، وكان رطباً ، فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس ، وإن كانت رجلك رطبة ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٣ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٣ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٢.

٣١٣
 &

أو جبهتك رطبة ، أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر ، فلا تصلّ على ذلك الموضع ، وإن كان عين الشمس أصابه حتى يبس ، فإنّه لا يجوز ذلك » (١).

ويندفع بما ذكرنا ما اُورد على الاستدلال بالموثّقة من عدم كونها صريحة في الطهارة ؛ إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليه الأعم منها ومن العفو عنه في الصلاة خاصة ، كما قال به جماعة (٢).

ولا حاجة في دفعه إلى التمسّك بالتلازم بين الطهارة وجواز الصلاة هنا ؛ لأجل كون السؤال عن الطهارة ، ولزوم التطابق بين السؤال والجواب ، ولأجل أنه لولاه ، لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولأجل أمره بإعلام الموضع ليغسله عند جفافه بغير الشمس ، وعدم أمره به في صورة يبسه بها ، مع أولوية الأمر هنا ، لتوهّم الطهارة من حيث تجويز الصلاة فيه ، ولأجل اشتراط طهارة موضع السجود بالأخبار والإِجماعات المحكية.

لضعف الأول : بعدم لزوم التطابق مطلقاً ، لاقتضاء المصلحة العدول أحياناً ، بل العدول هنا إلى جواز الصلاة ربما كان مشعراً بعدم الطهارة.

والثاني : بمنع الاحتياج في الوقت. وأصالة اتّحاد وقت الخطاب والحاجة ـ كما قد يقال ـ ممنوعة.

والثالث : بمنع أولوية الأمر بالغسل ، بل التساوي هنا ، فإنّ الموضع إذا جازت فيه الصلاة لا حاجة كثيراً إلى غسله.

والرابع : بجواز تخصيص المجفف بالشمس عن مواضع السجود.

وربما يستدلّ (٣) للمطلوب أيضاً : بعدم القطع ببقاء النجاسة بعد زوال عينها بالشمس بالمرة ، فإنه يحتاج إلى دلالة ، وهي هنا مفقودة ؛ إذ لا آية ولا رواية‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٢ / ٨٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤. وفيها « غير الشمس » بدل « عين الشمس » كما سيشير إليه المصنف في ص ٣١٧.

(٢) المدارك ٢ : ٣٦٤ ، والمفاتيح ١ : ٨٠ ، والحدائق ٥ : ٤٤٦.

(٣) كما في الرياض ١ : ٩٥.

٣١٤
 &

ولا إجماع فيه. والاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه بقاء النجاسة هناك ، فمقتضاه النافع نجاسة الملاقي. وهو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل ، وليس كذلك ؛ لأنّ الأصل أيضاً بقاء طهارة الملاقي ، ولا وجه لترجيح الأول بل هو به أولى ، فيتعارض الاستصحابان ويتساقطان وتبقى أصالة الطهارة العقلية باقية.

ولا يخفى أنه مبني على عدم ترجيح استصحاب النجاسة على استصحاب طهارة الملاقي ، وعدم زوال الثاني بالأول ، وهو كما بيّناه في موضعه خلاف التحقيق جدّاً.

مع أنّه يوجب الحكم بالطهارة في كلّ موضع وقع الخلاف في بقاء نجاسته ؛ إذ لا دليل غالباً سوى الاستصحاب ، ولا أظنّ أنّ هذا المستدلّ يسلّم ذلك على الإِطلاق.

ثمّ إنّ ذلك إنّما هو إذا كان بناؤه على تعارض الاستصحابين وتساقطهما ، ولو كان منظوره إعمال الاستصحابين ، فهو أظهر فساداً ؛ إذ حينئذٍ تكون نجاسة الموضع التي هي المتنازع فيها مستصحبة وإن لم يحكم بنجاسة ملاقيه ، ولا تنحصر الثمرة في تنجيس الملاقي ، بل هي تظهر في موارد كثيرة (١) اُخرى أيضاً.

دليل المخالف : الاستصحاب ، والنهي عن الصلاة في الموضع مع رطوبة العضو في آخر الموثقة وإن يبس بإصابة عين الشمس.

وفي صحيحة ابن بزيع : عن الأرض والسطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء ؟ قال : « كيف يطهر من غير ماء ؟ » (٢).

وصحيحة زرارة والأزدي : السطح يصيبه البول أو يبال عليه أيصلّى في ذلك الموضع ؟ فقال : « إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس » (٣) دلّت‌

__________________

(١) كالسجود مع الرطوبة وبناء المسجد على ذلك الموضع (منه ره).

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٢ الصلاة ب ٦٣ ح ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب‌

٣١٥
 &

بالمفهوم على أنه إن لم يكن جافاً ، لا تجوز الصلاة فيه ولو جفّ أولاً بالشمس.

والجواب : أمّا عن الاستصحاب : فبأنّه بما مرّ مندفع.

وأما الجواب عنه : بأنّ دليل ثبوت الحكم في الحالة الاُولى : الإِجماع ، فلا يتم استصحابه بعدها ، إما لاشتراطه بجريان الدليل فيما بعد أيضاً ، والإِجماع لا يجري في محلّ الخلاف ، أو لأنّ الثابت من الإِجماع نجاسته حال بقاء العين ، وتقييدها بها ممكن ، بل هو الأصل في كلّ حكم ثبت في حال وصف بواسطة الإِجماع ، كما بيّن في محله ، ومع التقييد لا يمكن الاستصحاب.

فمردود : بمنع اشتراط الاستصحاب بجريان دليله فيما بعد زمان الشك أيضاً.

وأنّ التتبع والاستقراء ، بل المعلوم من طريقة العلماء في باب الطهارات والنجاسات بل من إجماعهم يعطي أنّ النجاسة إذا ثبتت في موضع لا ترتفع إلّا بما ثبت كونه مزيلاً لها ، فيحتاج رفعها إلى ثبوت المزيلة لها لشي‌ء وثبوت وجوده ، ولا يكون (١) ثبوتها مغيىً بغاية ومقيّداً بوصف أو حالة.

وتحقيق المقام وتوضيحه : أنّ الاُمور الشرعية على قسمين :

أحدهما : ما يمكن أن يكون المقتضي لثبوته مقتضياً له في الجملة ، أو إلى وقت كالوجوب والحرمة ونحوها ، فإنّه يمكن إيجاب شي‌ء أو تحريمه ساعة ، أو يوماً ، أو إلى زمان ، أو مع وصف.

وثانيهما : ما ليس كذلك ، بل المقتضي يقتضي وجوده في الخارج ، فإذا وجد فيه لا يرتفع إلّا بمزيل.

وبتقرير آخر : أحدهما ما يكون وجوده أولاً مغيىً ومقيّداً ، وثانيهما ما لا يوجد في الخارج إلّا بلا قيد ، فيكون باقياً حتى يزيله مزيل ، وذلك كالملكية ، فإنّ‌

__________________

a النجاسات ب ٢٩ ح ٢.

(١) في « ح » : خ ل ـ يمكن.

٣١٦
 &

البيع مثلاً سبب للملكية المطلقة ، فلا تزول إلا بمزيل ، ولا يمكن أن يكون سبباً للملكية في ساعة ، بمعنى أنه ليس كذلك شرعاً وإن أمكن عقلاً.

ومثال الأول في غير الشرعيات : الإِذن ، فإنّه يمكن أن يتحقق أولاً الإِذن في ساعة ، أو يوم ، أو شهر ، أو في حالة لشخص من آخر.

ومثال الثاني : السواد ، فإنّه لا يمكن أن يوجد أولاً السواد في ساعة ، بل يصير موجوداً ثم يرتفع بمزيل ، وشأن النجاسة في الشرعيات من هذا القبيل ، بمعنى أنه يثبت بالاستقراء بل إجماع العلماء أنه كذلك وإن كان غير ذلك ممكناً عقلاً.

وعلى هذا ، فبعد ثبوت النجاسة في الموضع يحتاج رفعها إلى مزيل ، وما لم يعلم المزيل تستصحب ، ولا يمكن أن يقال : إن الثابت أولاً هو وجودها حال بقاء العين.

هذا ، مضافاً إلى أن الإِجماع والأخبار ينفيان تقييدها بوجود العين ؛ لدلالتهما على نجاسة المحل بعد زوال العين إن لم تجففه الشمس.

ومن هذا يندفع ما يشعر به كلام بعضهم (١) في دفع الاستصحاب ، من أنا لا نسلم نجاسة الموضع حتى تستصحب ، بل يتعلق به أحكام النجس ما دامت العين فيه ؛ لأنّها فيه لا لتأثيرها في المحل.

وأما عن الموثقة : فبأنّ المذكور في الاستبصار (٢) وفي بعض نسخ التهذيب (٣) والموافق المذكور في كثير من كتب العلماء ، كالمنتهى ، والمدارك (٤) ، وغيرهما (٥) : « غير الشمس » بالغين المعجمة والراء ، دون « عين الشمس » بالعين المهملة والنون ،

__________________

(١) المختلف : ٦١.

(٢) الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧٢ / ٨٠٢.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٧ ، المدارك ٢ : ٣٦٤.

(٥) مجمع الفائدة ١ : ٣٥٣.

٣١٧
 &

وحينئذٍ لا تبقى حجيّة لبعض آخر من النسخ.

ولا دلالة للبعض الأول على عدم الطهارة ؛ لأنّه يكون المعنى أن مع رطوبة الرجل أو الجبهة لا تصل في الموضع وإن يبس بغير الشمس ، ويكون فرده الأجلى عدم اليبس ، ولا يمكن أن يكون هو اليبس بالشمس ؛ لأنه ليس بالأجلى قطعاً ، فيختل الكلام ، فهذا مثل قول القائل : أكرم زيداً ولو أهانك بغير القذف ، فإنّ الفرد الأجلى حينئذٍ هو عدم الإِهانة لا الإِهانة بالقذف ، بل هذا يدل بمفهوم الوصف على عدم الإِكرام مع القذف ، وقد بيّنا في الاُصول أنّ مفهوم الوصف المستفاد من لفظ الغير الوصفي حجة وإن لم نقل بحجية مطلق مفهوم الوصف ، وعلى هذا فيكون هذا الجزء أيضاً دليلاً على الطهارة.

واحتمال فصل جملة قوله : « وإن كان » إلى آخره عن سابقها ، وكونه شرطاً جزاؤه قوله : « فإنّه لا يجوز ذلك » وحينئذٍ يقتضي سابقها عدم الطهارة إما لعمومه أو لارتباطه بصورة يبوسة الموضع بالشمس لا صورة رطوبته .. مندفع : بأن محض الاحتمال غير كافٍ في الاستدلال ، سيما مع أظهرية الوصل هنا.

مع أنه على الفصل يعارض عمومه عموم جملة : « إذا كان الموضع قذراً » إلى آخره ، وارتباطه بما ذكر معارض باحتمال ارتباطه بصورة الرطوبة.

وأما عن صحيحة ابن بزيع : فبأنّ غايته أن معنى قوله : « كيف يطهر بغير ماء ؟ » أنه لا يطهر بغير ماء ، وهو عام شامل لما إذا كان رطباً أو يابساً بغير الشمس ، وقوله في صحيحة زرارة : « إذا جففته الشمس » إلى آخره أخص منه فيخصصه وكذا الموثقة ، ويكون المعنى : أنه إذا كان يابساً لا يطهر بغير ماء ، بل يجب إما غسله بالماء ، أو بلّ الموضع ثانياً حتى تجففه الشمس.

وأما عن الصحيحة الأخيرة : فبأن عموم المفهوم فيها يعارض عموم المنطوق ، فإنه يدل على جواز الصلاة إذا كان الموضع جافاً سواء كان العضو جافاً أيضاً أو رطباً.

مضافاً إلى أن مقتضى المفهوم عدم جواز الصلاة ولو جف بالريح‌

٣١٨
 &

والشمس ، ويمكن أن يكون ذلك لعدم العلم باستناد الجفاف إلى الشمس خاصة.

فإن قيل : فعلى هذا ينبغي عدم جواز الصلاة مع الجفاف أيضاً ، وهو خلاف المنطوق.

قلنا : نعم كذلك إن اُبقي المنطوق على عمومه ، ولكن يجب تخصيصه بما إذا كان العضو يابساً ، أو يكون الموضع غير محل السجود.

واحتمال تخصيصه بما إذا علم الجفاف بالشمس خاصة غير كافٍ في تمامية الاستدلال.

المسألة الثانية : ما تطهّره الشمس من النجاسات ـ حقيقةً أو حكماً ـ هل هو البول خاصة ؟ كما عن المقنعة (١) ، وموضع من المبسوط (٢) ، والديلمي (٣) ، والراوندي (٤) ، وابن حمزة (٥) ، واستجوده في المنتهى (٦). أو هو وشبهه ؟ كما في الخلاف ، والتذكرة ، والقواعد ، والإِرشاد ، والذكرى (٧) ، بل نسب إلى المشهور بين المتأخرين (٨). أو كل نجاسة مائعة ؟ كما عن موضع آخر من المبسوط (٩) و (١٠) في‌

__________________

(١) المقنعة : ٧١.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨.

(٣) المراسم : ٥٦.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٦١.

(٥) لم يصرّح بالبول فيما عثرنا عليه من كلامه في الوسيلة : ٧٩ وذكر النجاسة المائعة وهو القول الثالث.

(٦) المنتهى ١ : ١٧٨.

(٧) الخلاف ١ : ٢١٨ ، التذكرة ١ : ٨ ، القواعد ١ : ٨ ، مجمع الفائدة ١ : ٣٥١ ، الذكرى : ١٥.

(٨) نسبه إليهم في الذخيرة : ١٧٠.

(٩) المبسوط ١ : ٩٠.

(١٠) المظنون ان « الواو » من زيادة النساخ والمراد أن المنتهى حكى هذا القول عن موضع من المبسوط كما هو الموجود في المنتهى ١ : ١٧٨.

٣١٩
 &

المنتهى ، وصريح السرائر (١) ، واختاره والدي في اللوامع والمعتمد. أو يعمّ النجاسات كلها إذا اُزيلت العين وبقيت الرطوبة وإن لم تكن مائعةً ؟ كما في الشرائع (٢) ، والنافع (٣) ، والبيان (٤) ، بل نسب (٥) أيضاً إلى الشهرة المتأخرة (٦).

الحق هو الأخير ؛ للموثقة ، ورواية الحضرمي ، المؤيدتين بالرضوي (٧).

وردّ الاُولى : بضعف الدلالة ؛ لاختصاصها بجواز الصلاة ، مردود بما مرّ.

مضافاً إلى أنّ تجويز الصلاة فيها في البول وغيره إمّا للطهارة في الجميع ، أو العفو فيه ، أو الطهارة في البعض والعفو في آخر. والثاني مدفوع : بصحيحة زرارة (٨). والثالث : بعدم القائل ، فتعين الأول.

المسألة الثالثة : ما تطهّره الشمس من المواضع هو الأرض ، والحصر ، والبواري‌ ، وكل ما لا ينقل عادة من الأبنية ، والأبواب ، والأوتاد المثبتة ، والنباتات القائمة ، وفاقاً لصريح الشرائع ، والتذكرة ، والتحرير ، والقواعد ، والمنتهى (٩) ، والإِرشاد ، وشرح القواعد ، والدروس ، والذكرى ، والبيان (١٠) ، وفي اللوامع أنّه المشهور مطلقاً ، وفي الحدائق بين المتأخرين (١١) ؛ لعموم رواية الحضرمي ، خرج منه المنقول بالفعل عادة بالإِجماع والرضوي المنجبر بالعمل الدال على عدم تطهّر شي‌ء‌

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨٢.

(٢) الشرائع ١ : ٥٥.

(٣) المختصر النافع : ١٩ ، وفي النسخ : « اللوامع » والظاهر أنه تصحيف « النافع ».

(٤) البيان : ٩٢.

(٥) كما نسبه في الحدائق ٥ : ٤٣٧.

(٦) وظاهر المعتبر والتحرير التردّد (منه ره) ، راجع المعتبر ١ : ٤٤٦ ، التحرير ١ : ٢٥.

(٧) المتقدمة في ص ٣١٤ وص ٣١٢.

(٨) المتقدمة ص ٣١٢.

(٩) الشرائع ١ : ٥٥ ، التذكرة ١ : ٨ ، التحرير ١ : ٢٥ ، القواعد ١ : ٨ ، المنتهى ١ : ١٧٨.

(١٠) مجمع الفائدة ١ : ٣٥١ ، جامع المقاصد ١ : ١٧٨ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، الذكرى : ١٥ ، البيان : ٩٢.

(١١) الحدائق ٥ : ٤٣٧.

٣٢٠