مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ومما ذكرنا ظهر أنّ الاستدلال بالعاميين (١) على الضبّ ليس في موقعه ، ولضعفهما وعدم جابر لهما لإِثبات النضح والتعارض مع أخبار الصبّ غير صالح.

د : الثابت من أدلة الصبّ هنا كفايته لا تعيينه‌ ؛ لأنّ غير الرضوي لا يشتمل على ما يفيد وجوبه ، وهو وإن تضمن الأمر ، ولكن الشهرة على وجوبه غير ثابتة.

وعلى هذا فيكفي الغسل الغير المتضمن للصب (٢) إذا كان في غير القليل ؛ لعموم : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٣).

وأما في القليل فإشكال ، حيث إنّ الأخبار الدالّة على الطهارة بالغسل به خصوصاً أو عموماً من البول وقع بلفظ الأمر الدالّ على تعيّن الغسل المنتفي هنا قطعاً ، وأمّا في غير البول وإن كان ما يمكن إثبات كفاية الغسل به مطلقاً ، ولكن الاستدلال به يحتاج إلى ضميمة عدم الفصل ، وتحققه هنا غير معلوم.

هـ : الحكم يعم الثياب وغيرها ؛ لإِطلاق كثير من الأدلّة.

المسألة السادسة : لو علم موضع النجاسة في ثوب أو غيره فَتَطهّرهُ بغسله خاصة.

وإن اشتبه فتتوقف طهارة جميع ما وقع فيه الاشتباه على غسله ، فلا يطهر الجميع بغسل موضع منه أو فرد ؛ لاستصحاب النجاسة ، وتدل عليه المستفيضة من الأخبار (٤).

ولا فرق في ذلك بين الثوب وغيره ، الواحد والمتعدد ، والمحصور وغيره.

وأمّا كل جزء أو فرد منه فيحكم بطهارته مع غسله بخصوصه قطعاً ، وبدونه أيضاً ، لأصالة الطهارة.

__________________

(١) المتقدمين ص ٢٧٦.

(٢) كالحاصل بوضع الثوب في الماء (منه ره).

(٣) الكافي ٣ : ١٣ الطهارة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٤٦ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٥.

(٤) راجع الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧.

٢٨١
 &

وقولهم بتوقف الطهارة على غسل كلّ جزء ، فمرادهم طهارة الجميع ، كما يدلّ عليه تصريحهم بعدم التطهير بغسل جزء منه ، مع أنّ هذا الجزء يطهر بغسله قطعاً.

ثمّ المراد بنجاسة الجميع ، هو ما يقال في سائر النجاسات ، فينجس ملاقيه ، أي ملاقي الجميع ، لا كل جزء ، ولا يجوز استعمال الجميع في مشروط الطهارة (١) ؛ لأنّ النجاسة كانت في ضمن الجميع متحققة ، وزوالها ـ ولو غُسل جزء ـ غير معلوم ، فيجب استصحابها الموجب لترتّب جميع أحكامها عليها ، إلّا عند من يقول بعدم ترتب أحكام النجاسات على النجاسة الاستصحابية ، وهو ضعيف جداً.

نعم ، لو ثبت بعض أحكام النجاسات لكل جزء منه أيضاً ، كما في الثوبين (٢) ، والإِنائين (٣) ، فهو لا يوجب ثبوت سائر الأحكام له أيضاً.

والتوضيح : أنّ الكلام في المشتبه يقع في مواضع أربعة :

أولها : في طهارة كل جزء على البدلية.

وثانيها : في تطهير الجميع وزوال النجاسة المتحققة.

وثالثها : في حكم كل جزء بالنسبة إلى مشروط الطهارة ، أو في تنجّس ملاقيه ونحوه.

ورابعها : في حكم الجميع بالنسبة إلى ذلك.

أما الأول : فلا كلام فيه ؛ لطهارة كلّ جزء بالأصل ، وتطهره قطعاً بالغسل.

وما في كلامهم (٤) من أنّه يجب غسل كلّ جزى فهو لتحصيل العلم بطهارة

__________________

(١) كالثوب في الصلاة والارض في السجود والتيمم والماء في الطهارة (منه ره).

(٢) حيث إنه لا يجوز مع واحد منهما (منه ره).

(٣) حيث لا تتم الطهارة بكل واحدٍ منهما (منه ره).

(٤) كما في المعتبر ١ : ٤٣٧ ، والشرائع ١ : ٥٤.

٢٨٢
 &

الجميع.

وأما الثاني : فهو الذي يذكرونه في بحث إزالة النجاسات ، ويذكرون أنّه لا يطهر بغسل جزء منه ، بل يتوقف على غسل الجميع ، والحكم في هذا وسابقه باقٍ على ما يقتضيه الأصل والقاعدة.

وأما الثالث : فهو الذي يذكرونه في طيّ أحكام ثوب المصلّي والأواني المشتبهة ، ويفرّق طائفة (١) فيه بين المحصور وغيره.

ومقتضى الأصل فيه : كون كل جزء في الحكم كالطاهر ، إلا أنه تخلّف في الثوبين والإِناءين عند الجميع ، وفي المحصور مطلقاً عند جماعة ؛ لأجل الدليل الخارجي. والواجب الاكتفاء في التخلّف بما يقتضيه دليله ، وإبقاء الزائد على مقتضى الأصل.

وأما الرابع : فمقتضى الأصل فيه كون حكمه حكم النجس ما لم يغسل الجميع ، ولم يثبت التخلف فيه.

وقد اختلط الأمر في هذه المقامات على بعض المتأخرين ، فخلط ولم يفرق بين المقامين : الثاني والثالث ، وذكر بعض ما يتعلق بأحد المقامين في الآخر.

المسألة السابعة : يجب غسل الثوب والبدن من بول غير الرضيع مرتين‌ ، ولا يكفي المرة ، وفاقاً للمعظم ، بل في المعتبر الإِجماع عليه (٢) ؛ للاستصحاب ، والصحاح المستفيضة وغيرها.

كصحيحة ابن أبي يعفور : عن البول يصيب الثوب ، قال : « اغسله مرتين » (٣).

وصحيحتي ابن مسلم :

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٧٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٢٧٦.

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٢ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٢.

٢٨٣
 &

الاُولى : عن الثوب يصيبه البول ، قال : « اغسله في المركن مرتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة » (١).

والاُخرى : عن البول يصيب الثوب ، قال : « اغسله مرتين » (٢).

وحسنة ابن أبي العلاء : عن البول يصيب الجسد ، قال : « صبّ عليه الماء مرتين ، فإنّما هو ماء » وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : « اغسله مرتين » (٣).

وقريب منها المروي في السرائر عن البزنطي (٤).

والرضوي : « وإن أصابك بول في ثوبك ، فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين » (٥).

وصحيحة أبي إسحاق : عن البول يصيب الجسد ، قال : « صب عليه الماء مرتين » (٦).

وجعل المرتين في الثوب غسلاً وفي البدن صباً ، إما لمجرد تغيير العبارة ، أو لاشتراط زيادة الاستيلاء في الأول لتحقق الجريان والانفصال المشترطين (٧) في الغسل ، أو لرسوخ النجاسة فيه (أيضاً) (٨) بخلاف الثاني.

خلافاً فيهما للمنتهى ، والقواعد ، والدروس ، والبيان ، وعن المبسوط (٩) ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٤) مستطرفات السرائر : ٣٠ / ٢١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٦ أبواب النجاسات ب ١ ح ٧.

(٥) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٣ أبواب النجاسات ب ١ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٣.

(٧) في « ح » : الشرطين.

(٨) لا توجد في « هـ » و « ق ».

(٩) المنتهى ١ : ١٧٥ ، القواعد ١ : ٨ ، الدروس : ١ : ١٢٥ ، البيان : ٩٥ ، المبسوط ١ : ٣٧.

٢٨٤
 &

وفي البدن خاصة لظاهر التحرير ، بل الفقيه والهداية (١) ، وبعض آخر (٢) ، فتكفي المرّة إلّا أنّ في الدروس قيّدها بما بعد زوال العين ؛ للأصل. وحصولِ الغرض ، أعني الإِزالة. وضعفِ ما دلّ على التعدد سيما في البدن. وإطلاقاتِ الغسل من النجاسات ، أو البول مطلقاً ، أو من أحدهما المتناول للمرة.

والأول مدفوع بما مرّ.

والثاني : بمنع كون الغرض الإِزالة ، بل هو الطهارة.

والثالث : بمنع الضعف ، وعدم كونه ضائراً لو كان ، وانجباره بالعمل لو أضرّ.

والرابع : بقاعدة حمل المطلق على المقيّد ، أو الرجوع إلى الاستصحاب بعد تعارضهما وتساقطهما.

نعم لو لم يكن هناك مقيد ، لصح ما ذكروه ، كما في غسل البول من غير البدن والثوب ، وغسل غيره من النجاسات عنهما وعن غيرهما ؛ فإنّ الأمر بمطلق الغسل فيهما متحقق.

أما في الثاني فظاهر.

وأما في الأول فصحيحة إبراهيم بن أبي محمود : « في الطنفسة والفراش يصيبهما البول » وموثقة عمار : « في موضع من البيت يصيبه القذر » المتقدمتان (٣).

ورواية نشيط : « يجزي من البول أن يغسل بمثله » (٤).

وحسنة الحلبي أو صحيحته في بول الصبي الآكل المتقدمة (٥).

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٤ ، الفقيه ١ : ٤٣ ، الهداية ١٤.

(٢) كما في المدارك ٢ : ٣٣٩.

(٣) ص ٢٧٢ وص ٢٥٩.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥ / ٩٤ ، الاستبصار ١ : ٤٩ / ١٤٠ ، الوسائل ١ : ٣٤٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ٧.

(٥) ص ٢٧٦.

٢٨٥
 &

واختصاص الاُولى بالطنفسة والفراش ، والثانية بموضع من البيت ، والثالثة بما يتحقق فيه الغسل من مثل البول ـ بعد إطلاق الرابعة ـ غير ضائر مع تمامية المطلوب بعدم القول بالفصل.

فالقول بكفاية المرة في غسل البول من غير الثوب والبدن ، وفي غير سائر النجاسات مطلقاً هو الأصح المتعيّن ، وفاقاً فيهما للأكثر.

وخلافاً في الأول للمحكي في الذخيرة عن جمع من الأصحاب (١) ، فطردوا الحكم بالمرتين في البول إلى ما يشبه الثوب والبدن ؛ للاستصحاب ، وللمشابهة ، أو الأولوية.

والأول بما مرّ مندفع. والثاني قياس. والثالث ممنوع.

فإن قيل : لا يثبت من الإِطلاق عدم لزوم الزائد إلّا بضميمة الأصل ، وهو لا يدفع الاستصحاب ، بل الاستصحاب يدفعه ، كما بيّن في موضعه.

قلنا : نعم في الواجبات والمستحبات ونحوهما مما لا يوجب تعلق الحكم بالماهية إلّا ثبوته لها في الجملة ، وأمّا في السببية والمانعية والحرمة ونحوها ، فمقتضى نفس ثبوت الحكم للمطلق ثبوته له أينما وجد ، أي بجميع أفراده ، فلزوم الزائد ينافي مقتضى نفس الإِطلاق.

ألا ترى أن قوله : يجب الغسل ، لا ينافي : لا يجب الغسل مرتين ، بخلاف : الغسل سبب للطهارة ، فإنه ينافي : الغسل مرة أو مرتين ليس سبباً لها.

وقوله في رواية نشيط : « يجزي من البول أن يغسل » من قبيل الثاني ، بل جميع أوامر الغسل ، فإنها بمنزلة قوله : غسله سبب لتطهيره إجماعاً ، ولأنّ الأمر به ليس إلّا للتطهير قطعاً ، وليس تعبّداً محضاً ، فالغسل من الأسباب ، ولذا ترى العلماء كافّة يحكمون بالتطهّر بما ورد الأمر به في باب الطهارات والنجاسات.

وللروضة ، فحكم بالمرتين فيه مطلقاً (٢) ؛ للاستصحاب ، واحتمال خروج‌

__________________

(١) الذخيرة : ١٦٢.

(٢) الروضة ١ : ٦١.

٢٨٦
 &

الثوب والبدن في الأخبار مخرج التمثيل ، بناءً على أنّهما الغالبان في ملاقاة النجاسة ، ولأنّ خصوص السؤال عنهما لا يخصص.

وفيه : أنّ الاستصحاب بما مرّ زال ، ومحض الاحتمال غير صالح للاستدلال ، وعدم التخصيص بالسؤال إنما هو إذا كان عموم في الجواب ، وهو منتفٍ في المقام.

ولمن يحكم (١) بالمرتين في جميع النجاسات في مطلق المحال ، كما يأتي ؛ لما يأتي مع دفعه.

وخلافاً في الثاني لظاهر المعتبر حيث قال : يكفي المرة بعد إزالة العين (٢) فإنّه يفيد عدم كفاية المرة المزيلة ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم في دم الحيض : « حتّيه ثم اغسليه » (٣).

وفيه : أنّ الرواية ـ لضعفها ـ عن إفادة الوجوب قاصرة.

وللتحرير وظاهر المنتهى (٤) فأوجبا التعدد فيما له قوام وثخن (٥) ؛ للاستصحاب.

وقوله : « إنما هو ماء » في حسنة ابن أبي العلاء المتقدمة (٦) ، فإنّ مفهومه اشتراط الأزيد في غيره.

وصحيحة ابن مسلم : ذكر المني فشدّده وجعله أشدّ من البول (٧).

وما في المعتبر بعد إيراد الحسنة عقيب قوله : مرتين : الأول للإِزالة والثاني‌

__________________

(١) عطفٌ على المتقدم. أي وخلافاً لمن يحكم ...

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٩٩ / ٣٦٢. وفيه : « حتّيه ثم أقرضيه ».

(٤) التحرير ١ : ٢٤ ، المنتهى ١ : ١٧٥.

(٥) قال في المنتهى : النجاسات التي لها قوام وثخن كالمني وشبهه أولى بالتعدد في الغسلات (منه ره).

(٦) ص ٢٦٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.

٢٨٧
 &

للْإِنقاء (١).

والأول بما مرّ مدفوع.

ودلالة الثانيتين ممنوعة ؛ إذ غاية ما يفهم منهما توقف الإِزالة في بعض ما هو غير البول على أمر زائد ، ولا يلزم منه اعتبار التعدّد ، فلعلّه ما يحتاج إليه إزالة العين من ذلك ، أو عصر ، أو اهتمام في الإِزالة ، أو أمثال ذلك ، مع أنّ التشديد في الثاني في المني تأكيد في إزالته ردّاً على جمع من العامّة.

والرابع ـ مع عدم تماميته فيما اُزيل عينه بغير الماء ـ ضعيف ؛ لعدم وروده (٢) في المعتمدة من كتب الأخبار ، وإنما أورده المحقق في المعتبر ، بل قيل (٣) : إنّ الظاهر أنّه من كلامه توهّم نسبته إلى الرواية غفلة ، ويؤيد ذلك عدم وروده في كتب الأخبار.

وللشهيد في اللمعة والرسالة (٤) فأوجبه في النجاسات في غير الأواني مطلقاً ، كما في الحدائق (٥) ، أو في الثوب خاصة كما في اللوامع.

وعبارة اللمعة غير مطابقة لشي‌ء منهما ، فإنها مطلقة بالنسبة إلى النجاسات ، مختصة بالثوب والبدن.

وهو مختار المحقق الثاني في الجعفرية ، بل في شرح القواعد ، حيث قال ـ بعد الحكم بالمرتين في غسل البول عن الثوب والبدن ـ : وتعدية هذا الحكم إلى غيره من النجاسات ـ إما بطريق مفهوم الموافقة ، أو بما اُشير إليه في بعض الأخبار من أنّ غسلة تزيل واُخرى تطهر ـ هو الظاهر (٦).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٢) في « ح » : ورود ، و « ق » : الورود.

(٣) الذخيرة : ١٦١.

(٤) اللمعة (الروضة ١) : ٦١ الرسالة (الألفية) : ٣٨.

(٥) الحدائق ٥ : ٣٦٣.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٧٣.

٢٨٨
 &

ومن هذا يظهر دليل هذا القول أيضاً. ويضعف المفهوم : بأنّ تحققه فرع ثبوت الأولوية ، وهي ممنوعة. والخبر : بعدم ثبوته كما مرّ.

المسألة الثامنة : المشهور : أنّ أواني الخمر قابلة للتطهير جائز استعمالها بعده (مطلقاً) (١) ؛ لعموم مرسلة الكاهلي : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٢).

وموثقة عمار : عن الكوز والإِناء يكون قذراً كيف يغسل وكم مرة يغسل ؟ قال : « يغسل ثلاث مرات » (٣).

وخصوص الموثقين الآخرين له :

أحدهما : عن الدَنّ يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه خَلّ أو ماء أو كامَخ (٤) أو زيتون ؟ قال : « إذا غسل فلا بأس » وعن الإِبريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : « إذا غسل فلا بأس » وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ؟ قال : « يغسله ثلاث مرات » (٥).

والآخر : في الإِناء الذي يشرب فيه النبيذ ، قال : « يغسله سبع مرات » (٦).

ورواية الأعور : إني آخذ الركوة ، فيقال : إنّه إذا جعل فيها الخمر وغسلت كانت أطيب لها ، فيأخذ الركوة فيجعل فيها الخمر فيخضخضه ثمّ يصبه ويجعل فيها البختج ، فقال : « لا بأس » (٧).

أقول : إن أرادوا طهارة الظاهر ، فهو كذلك ، وإن أرادوا مطلقاً ، ففي دلالة

__________________

(١) لا توجد في « ق ».

(٢) المتقدمة ص ٢٥٩.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٤) الكامخ : الذي يؤتدم به ، معرب « الصحاح ١ : ٤٣٠ ».

(٥) الكافي ٦ : ٤٢٧ الاشربة ب ٣٣ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٦) التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢ وزاد في آخره : وكذلك الكلب ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٢.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣٠ الأشربة ب ٣٥ ح ٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٣ ـ بتفاوت يسير ـ.

٢٨٩
 &

الأخبار نظر ؛ لمنع حصول العلم بوصول الماء إلى جميع الأجزاء الباطنية ، سيما مع مزاحمة ما فيها من الأجزاء الخمرية ، وعدم قوة ما ينفذ فيها من الماء.

مع أن كون النافذ ماءً عرفاً غير معلوم ، بل هي الرطوبة ، فلا تتم دلالة المرسلة.

ويمكن أن يكون الغسل لحصول طهارة الظاهر الكافية في جواز الاستعمال ؛ لبطلان السراية ، فلا تفيد الموثّقة الاُولى في المطلوب.

ومنه يظهر عدم انتهاض البواقي لإِثباته أيضاً.

خلافاً للمحكي عن الإِسكافي (١) فقال بعدم طهارة غير الصلب منها ؛ لنفوذ النجاسة في الأعماق ، فلا يقبل التطهر ، ومجرد نفوذ الماء أيضاً من غير علم بزوال عين النجاسة غير كافٍ في التطهير ، مع أنه لا يحصل بالنفوذ الغسل العرفي حتى تشمله أحاديث الغسل. بل في صدق ملاقاة الماء أيضاً نظر ، لمنع صدق الماء على تلك الرطوبة النافذة.

وللروايات :

إحداها : صحيحة ابن مسلم ، فقال : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الدباء والمُزَفَّت ، وزدتم أنتم الحَنْتم (٢) ـ يعني الغضار (٣) ـ والمُزَفَّت » يعني الزفت الذي يكون في الزق ويصب في الخوابي ليكون أجود للخمر ؛ قال : وسألته عن الجرار الخضر والرصاص فقال : « لا بأس بها » (٤).

والاُخرى : رواية أبي الربيع : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن‌

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٤٦٧.

(٢) الحَنتَم : جِرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها ، فقيل للخزف كلّه حنتم « النهاية الاثيرية ١ : ٤٤٨ ».

(٣) الغَضارَة : الطين اللازب الأخضر الحرّ كالغَضار (القاموس ٢ : ١٠٦) والمراد هنا الاناء الذي يُعمل منه.

(٤) الكافي ٦ : ٤١٨ الاشربة ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ٩ : ١١٥ / ٥٠٠ ، الوسائل ٢٥ : ٣٥٧ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٥ ح ١.

٢٩٠
 &

كل مسكر فكل مسكر حرام » فقلت له : فالظروف التي يصنع فيها منه ، فقال : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الدبا (١) ، والمزفّت ، والحَنْتَم ، والنقير » قلت : وما ذاك ؟ قال : « الدبا : القرع ، والمزفت : الدنان ، والحنتم : جرار خضر ، والنقير : خشب كانت الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها » (٢).

والثالثة : رواية الجراح : « منع النقير ونبيذ الدبا » (٣).

أقول : إن أراد عدم طهارة الباطن ، فلا وجه ، وإن أراد مطلقاً ، فضعفه ظاهر ، ومستنده غير ناهض.

أما الأول : فلأنّه لا يفيد إلّا نجاسة الأعماق ، وسريان النجاسة من الباطن إلى الظاهر باطل ، وتنجّس ما يجعل في الإِناء من المائعات بملاقاتها لما في الباطن من النجاسة غير عدم تطهر الظاهر أولاً ، مع أنّه ممنوع جداً ، إذ ليس إلّا بالسراية ، فإنّه يتّصل المائع بالنجس بواسطة رطوبته النافذة ، ولا نسلّم التنجّس بذلك.

وأما الروايات : فلعدم انحصار وجه النهي في نجاسة الظاهر ، بل ولا الباطن ؛ إذ من الجائز أن يكون لاحتمال بقاء شي‌ء من أجزاء الخمر فيتصل بما فيه ، فنهى عن ذلك تعبّداً.

وأنْ يكون النهي متوجهاً إلى الانتباذ فيها ؛ لاحتمال تحقق الإِسكار به ، لا لسراية النجاسة في أعماقها ، كيف لا ؟! ومن جملتها المُزَفَّت المفسر بالمُقَيَّر ، والحَنْتَم المفسر بالمُدَهَّن ، ولا تجري فيهما السراية ، وإنْ هما إلّا كالأجسام الصلبة ، الغير القابلة لنفوذ شي‌ء فيها ، المتّفق على قبولها التطهير مطلقاً ، فليس الخبران من فرض‌

__________________

(١) قال الجوهري : الدباء ، بضم الدال المهملة ثم الباء المشدّدة الممدودة : القرع (منه ره).

(٢) الكافي ٦ : ٤١٨ الاشربة ب ٢٥ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ١١٥ / ٤٩٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٤١٨ الاشربة ب ٢٥ ح ٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٥٧ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٥ ح ٢.

٢٩١
 &

المسألة قطعاً.

خلافاً للمحكي عن القاضي (١) وللشيخ في مشارب النهاية (٢) أيضاً ، فقالا بعدم جواز استعمال غير الصلب منها وإن غسل ؛ للروايات المذكورة.

وهي لمخالفتها للشهرة القديمة والجديدة عن الحجّية خارجة ، فلمعارضة ما مرّ غير صالحة ، سيما مع اشتمال الأولين على الصلب الذي هو غير محل النزاع (أيضاً) (٣).

وظهر ممّا ذكرنا أنّ الحق طهارة الظاهر دون الباطن ، وجواز الاستعمال ولو في المائع. ويمكن حمل كل من المشهور ومذهب الإِسكافي على ذلك ، فنعم الوفاق إنْ كان كذلك.

ثم لا يخفى أنه لا يختص ما ذكرنا بإناء الخمر ، بل الحكم كذلك في كل إناء رخوٍ لنجاسةٍ مائعةٍ.

المسألة التاسعة : غسل إناء الخمر المطهر لظاهره مع الرخاوة ، ومطلقاً مع الصلابة ثلاث مرات ـ وفاقاً للشيخ في الخلاف والتهذيب (٤) على ما حكى ، وفي موضعين من مشارب النهاية (٥) ، وللنافع ، والشرائع ، والمنتهى (٦) ، واللوامع ـ لموثّقة عمّار في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : « يغسل ثلاث مرات » وسئل : يجزيه أن يصبَّ فيه الماء ؟ قال : « لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات » (٧).

دلّت على عدم الإِجزاء لو انعدم أحد الأمرين ، فيكونان لازمين. وجعل‌

__________________

(١) المهذب ٢ : ٤٣٤.

(٢) النهاية : ٥٩٢.

(٣) لا توجد في « هـ ».

(٤) الخلاف ١ : ١٨٢ ، التهذيب ٩ : ١١٧.

(٥) النهاية : ٥٩٢ ، ٥٨٩.

(٦) المختصر النافع : ٢٠ ، الشرائع ١ : ٥٦ ، المنتهى ١ : ١٨٩.

(٧) الكافي ٦ : ٤٢٧ الأشربة المحرمة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

٢٩٢
 &

الواو في قوله : « ويغسله » مستأنفة خلاف الحقيقة والظاهر.

خلافاً للمعتبر ، والمختلف ، والتذكرة ، والبيان ، والروض ، والمدارك ، والمعالم ، وكفاية الأحكام (١) ، فاكتفوا بالمرة إما بعد الإِزالة كالأولين ، أو بالمرة المزيلة كالبواقي ، لإِطلاق موثّقة عمار الثانية (٢).

ويجاب عنه : بوجوب تقييد المطلق بالمقيد.

وللمفيد (٣) ، والشيخ في المبسوط والجمل وطهارة النهاية (٤) ، والمحقق الشيخ علي (٥) ، والدروس (٦) ، وجمع من المتأخرين (٧) ، بل قيل : الظاهر أنه المشهور (٨) ، فأوجبوا السبع ؛ لموثقته الاُخرى : في الإِناء يُشرب فيه النبيذ. قال : « يغسله سبع مرات وكذلك الكلب » (٩).

ويجاب عنها : بعدم دلالتها على الوجوب ؛ لمكان لفظ الإِخبار.

وللّمعة (١٠) فأوجب المرتين ، قياساً على الثوب والبدن. وضعفه ظاهر.

والحق اختصاص الحكم بالخمر ، فلا يتعدى إلى كل مسكر ؛ للأصل.

المسألة العاشرة : يجب غسل الإِناء من ولوغ الكلب [ ثلاث مرّات ] (١١) على الحقّ المشهور ، بل عليه الإِجماع محقّقاً ومنقولاً في الانتصار ، والمنتهى ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٦٢ ، المختلف : ٦٤ ، التذكرة ١ : ٩ ، البيان : ٩٣ ، الروض : ١٧٢ ، المدارك ٢ : ٣٩٦ ، المعالم : ٣٥٢ ، الكفاية : ١٤.

(٢) المتقدمة ٢٨٩ رقم ٥. والمراد الاستدلال بغير الجملة الاخيرة منها.

(٣) المقنعة : ٧٣.

(٤) المبسوط ١ : ١٥ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٧١ ، النهاية : ٥٣.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٩١.

(٦) الدروس ١ : ١٢٥.

(٧) على ما في الحدائق ٥ : ٤٩٣.

(٨) يستفاد دعوى الشهرة من جامع المقاصد ١ : ١٩١.

(٩) التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٢.

(١٠) اللمعة (الروضة ١) : ٦١.

(١١) ما بين المعقوفين أضفناه ، والوجه فيه واضح بالتأمل.

٢٩٣
 &

والذكرى (١) ، وعن الغنية (٢) ، إلّا أنّ الثاني استثنى الإِسكافي ، وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى العاميين والخاصيين المنجبر ضعفها بالشهرة العظيمة ، بل الإِجماع.

أحد الأولين : « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات » (٣).

وكذا الآخر إلّا أن فيه : « فليغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً » (٤) وظاهره أنّ الزائد مستحب ؛ إذ التخيير خلاف الإِجماع ، كما صرح به في المنتهى (٥).

وأحد الثانيين : الرضوي : « إنْ وقع الكلب في الماء أو شرب منه ، اُهريق الماء وغسل الإِناء ثلاث مرات ، مرّة بالتراب ومرتين بالماء » (٦).

[ والآخر ] (٧) رواية البقباق المروية في المعتبر ، والمنتهى ، وموضع من الخلاف ـ على النسخة التي رأيتها ـ وغيرها من كتب الجماعة : عن الكلب ، فقال : « رجس نجس لا يتوضأ بفضله ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين » (٨).

واختلاف الحديث مع ما في كتب الحديث المشهورة (٩) في اشتماله على ذكر المرتين دونه غير ضائر ؛ إذ لعلّه أخذه من الاُصول الموجودة عنده.

ولا يعارضه الحذف في كتب الحديث ؛ لاحتمال التعدد ، بل هو الظاهر ، للاختلاف في الأمر بالصبّ أيضاً ؛ فإنّ ما في كتب الحديث متضمّن له أيضاً ، مع‌

__________________

(١) الانتصار : ٩ ، المنتهى ١ : ١٨٧ ، الذكرى : ١٥.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ٦٦.

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٦٥.

(٥) المنتهى ١ : ١٨٨.

(٦) فقه الرضا (ع) : ٩٣ ، وزاد في آخره : ثم يجفف ، المستدرك ٢ : ٦٠٢ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ١.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه لانسجام العبارة.

(٨) المعتبر ١ : ٤٥٨ ، المنتهى ١ : ١٨٨ ، الخلاف ١ : ١٧٤ ، الروض : ١٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ١٩٠.

(٩) اُنظر الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٤.

٢٩٤
 &

أنّ احتمال الحذف أظهر ، سيما مع أنّ الشيخ في التهذيب استدلّ به على المرتين (١).

وخلافاً للمحكي عن الإِسكافي فأوجب السبع (٢) ؛ للعامي : « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ، أوّلهن بالتراب » (٣) وموثّقة عمار المتقدمة (٤).

وهما بمخالفتهما للعمل عن حيّز الحجية خارجان ، مع ضعف الأول بنفسه سنداً وعدم الجابر ، والثاني دلالةً ؛ لكونه خبراً.

ويجب أن يكون اُولى الثلاث بالتراب ، وفاقاً للشيخ ، والديلمي ، والقاضي (٥) ، وبني حمزة وإدريس وزهرة (٦) ، والفاضلين (٧) ، وجُلّ المتأخرين ، بل أكثر الأصحاب ، كما صرّح به غير واحد (٨) ، بل عن الغنية الإِجماع عليه (٩) لصحيحة البقباق على جميع النسخ.

ولا يعارضها إطلاق الرضوي ، لوجوب تقييده ، سيما مع ما فيه من التقديم الذكري المحتمل لإِرادة الترتيب ، كما في كلام الصدوقين (١٠) ، بل يمكن إرادة ذلك من كلام مَنْ أطلق من غير تقديم في الذكر أيضاً ، كالانتصار ، والجمل ، والخلاف (١١).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٥.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٥٨.

(٣) سنن البيهقي ١ : ٢٤١.

(٤) ص ٢٩٢.

(٥) النهاية : ٥٣ ، المراسم : ٣٦ ، المهذب ١ : ٢٨.

(٦) الوسيلة : ٨٠ ، السرائر ١ : ٩١ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٧) المحقق في المعتبر ١ : ٤٥٨ ، والشرائع ١ : ٥٦ ، والمختصر النافع : ٢٠ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٨٧ ، والتذكرة ١ : ٩ ، والقواعد ١ : ٩.

(٨) المعتبر ١ : ٤٥٨ ، التنقيح ١ : ١٥٧ ، المدارك ٢ : ٣٩٠.

(٩) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(١٠) المقنع : ١٢ ، الفقيه ١ : ٨ ، ونقله في المنتهى ١ : ١٨٨ عن والد الصدوق.

(١١) الانتصار : ٩ ، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٢٣. ، الخلاف ١ : ١٧٥.

٢٩٥
 &

نعم ، عن المقنعة أنه أوجب توسيط التراب (١).

ولا ريب في ضعفه. وجعله في الوسيلة رواية (٢) لا يفيد ؛ إذ غايته أنّه رواية مرسلة شاذّة غير صالحة لمنازعة الصحيحة المؤيدة بعمل السواد الأعظم.

فروع :

أ : في وجوب مزج التراب بالماء‌ ، أو وجوب عدمه إلّا مع عدم إيجابه لخروج التراب عن الاسم ، أو عدم وجوب شي‌ء منهما أقوال.

الأول : عن الراوندي (٣) والحلي (٤) ، وجَعَله في المنتهى قويّاً (٥) ؛ تحصيلاً لحقيقة الغسل ، كما صرّح به الحلي (٦) ، حيث جعلها جريان المائع على المحل ، أو لأقرب المجازات (اليها) (٧) ، كما قيل (٨) ، حيث إنّ الغسل بالماء المطلق أو مثله من المائعات.

والثاني : للعاملي (٩) ؛ تحصيلاً لحقيقة التراب.

والثالث : عن المختلف ، والذكرى ، والدروس ، والبيان (١٠) ؛ لإِطلاق النص ، وإيجاب تحصيل إحدى الحقيقتين لترك الاُخرى ، فلا ترجيح.

ونحن نضعّف الأول : بأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن ؛ لعدم صدقه‌

__________________

(١) المقنعة ٦٨.

(٢) الوسيلة : ٨٠.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ١٥.

(٤) السرائر ١ : ٩١.

(٥) المنتهى ١ : ١٨٨.

(٦) السرائر ١ : ٩١.

(٧) لا توجد في « ق ».

(٨) الروض : ١٧٢ ـ ذكره في مقام الاستدلال على قول ابن إدريس. وكذلك في المدارك ٢ : ٣٩٢ ، والحدائق ٥ : ٤٧٩.

(٩) الروض : ١٧٣.

(١٠) المختلف : ٦٣ ، الذكرى : ١٥ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، البيان : ٩٣.

٢٩٦
 &

مع الامتزاج كيف ما كان ، إلّا مع استهلاك التراب بحيث لا يصح التجوّز عنه أيضاً.

وتحصيل الأقرب مع إيجابه التجوّز في التراب لا يصلح للاستناد ؛ إذ لا دليل على وجوبه.

وكون مجازين قريبين خيراً من حقيقة ومجاز بعيد ـ بعد صحته ـ ممنوع.

ومنع التجوز في التراب لإِمكان حمل الباء على الملابسة والمصاحبة غير مفيد ؛ لإِيجابه مجاز الحذف في متعلّق الظرف ، بل لا ينفك عن التجوز في التراب أيضاً ؛ إذ لا تتحقق مصاحبته وملابسته حال الغسل بمعناه الحقيقي ، وعلى هذا فحقيقة الغسل متروكة قطعاً.

ومنه يعلم ضعف الثالث أيضاً ؛ لأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن ، بخلاف حقيقة التراب ، فلا وجه لتركها. وإطلاق النص ممنوع ؛ لتعليقه على التراب الواجب حمله على الحقيقة ، فخير الأقوال وأقواها : أوسطها.

ب : حكم في المنتهى باشتراط طهارة التراب‌ (١) ، وتبعه جملة من الأصحاب (٢) ، منهم والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ معلّلاً بأنّ المطلوب منه التطهير ، وهو غير مناسب بالنجس. وبلزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر وهو الطاهر لأنه الغالب.

ويضعفان : بمنع عدم المناسبة والتبادر. وأضعف منهما : التمسك بقوله : « جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً » (٣).

ولذا احتمل في النهاية إجزاء النجس (٤) ، ويظهر من المدارك والمعالم الميل إليه (٥). وهو قوي.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٩.

(٢) منهم الشهيدان في الدروس ١ : ١٢٥ ، والروض : ١٧٢.

(٣) راجع الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمم ب ٧ ، وجامع الأحاديث ٣ : ٥٣.

(٤) نهاية الإِحكام ١ : ٢٩٣.

(٥) المدارك ٢ : ٣٩٢ ، المعالم : ٣٤٠.

٢٩٧
 &

ج : الحق عدم جواز العدول إلى غير التراب مما يشبهه‌ ، لا اختياراً كما جوّزه الإِسكافي على ما حكاه عنه في المختلف (١) ، ولا اضطراراً كما جوّزه في المبسوط ، والدروس ، والبيان (٢) ؛ استصحاباً للنجاسة ، واقتصاراً على النص ، وتضعيفاً للعلّة المستنبطة.

والاضطرار لا يوجب طهارة النجس بغير المطهر الشرعي ، ولا يلزم تكليف بما لا يطاق ؛ إذ لا تكليف باستعمال الإِناء ، وغاية ما يثبت من نفي الضرر ـ لو تمّ هنا ـ العفو دون الطهارة.

ومنه يظهر عدم بدلية الماء كما في القواعد (٣) وعدم جواز الاكتفاء بالمرتين في التطهر مع تعذّر التراب أو خوف فساد المحل به كالتذكرة والمنتهى والتحرير (٤) ، أو مع الأخير خاصة كالأول ، كما يظهر عدم التطهر لو فقد الماء رأساً.

د : لا يلحق بالولوغ اللّطع‌ ، كطائفة (٥) منهم : والدي العلّامة رحمه الله. ولا وقوع لعاب فمه ، أو عرقه ، أو سائر رطوباته ، كالفاضل في النهاية (٦). ولا مباشرته بفمه من غير ولوغ ، أو بباقي أعضائه ، كالصدوقين (٧) والمقنعة (٨). ولا وقوع غسالة الولوغ ، كالكركي (٩) ؛ لعدم الدليل ، فحكمه حكم سائر النجاسات الغير المنصوصة بخصوصها كما يأتي.

والأولوية المدّعاة في بعضها ممنوعة. واستصحاب النجاسة إنما يفيد الإِلحاق‌

__________________

(١) المختلف : ٦٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٤ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، البيان : ٩٣.

(٣) القواعد ١ : ٩.

(٤) التذكرة ١ : ٩ ، المنتهى ١ : ١٨٨ ، التحرير ١ : ٢٦.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٩٠ ، المعالم : ٣٣٦ ، المدارك ٢ : ٣٩٣ ، الحدائق ٥ : ٤٧٥.

(٦) نهاية الاحكام ١ : ٢٩٤.

(٧) المقنع : ١٢ ، الفقيه ١ : ٨ ، ونقله في المنتهى ١ : ١٨٨ والمعالم : ٣٣٦ عن والد الصدوق.

(٨) المقنعة ٦٨.

(٩) جامع المقاصد ١ : ١٩٠.

٢٩٨
 &

لولا القول بما يباين حكم الولوغ في غير المنصوصة من النجاسات ، وهو متحقق ، فإنّ منهم من يقول بوجوب ثلاث مرات بالماء فيه ، فله أن يستصحب النجاسة بعد الغسل مرتين بالماء ومرة بالتراب.

وتصريح الرضوي بإلحاق الوقوع ـ لضعفه الخالي عن الجابر في المقام ـ غير مفيد.

وصدق الفضل المذكور في صحيحة البقباق على بعض ما ذكر لمرادفته للسؤر ممنوع ، بل معنى السؤر ما يفضل من شربه المستلزم للولوغ.

نعم ، صدقه على ماء الولوغ مما لا ريب فيه ، فوقوعه في إناء كالولوغ فيه ، كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإِحكام (١) ، ووالدي رحمه الله.

ويؤيده عدم تعقل الفرق بين تأخر الولوغ عن كون الماء في الإِناء وتقدمه عليه.

هـ : لا يسقط التعفير في الجاري والكثير‌ ، وفاقاً لظاهر الأكثر ، وصريح المنتهى والمعتبر (٢) ؛ استصحاباً للنجاسة ، وعملاً بالإِطلاق.

خلافاً لظاهر المحكي عن الخلاف ، والمبسوط ، والمختلف (٣) ، وإن أمكن حمل كلامهم على المشهور أيضاً ، وهم محجوجون بما مر.

وعموم : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٤) مخصوص بروايات الولوغ. وبقاء حكم النجاسة مع ملاقاة الكثير وإنْ لم تبق العين غير مستبعد ، ونظيره في الشرع يوجد.

وفي سقوط التعدد وعدمه أقوال يأتي ذكرها.

و : إن وقعت في الإِناء نجاسة قبل تمام غسله‌ تداخلت مع الولوغ فيما‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٢٩٥.

(٢) المنتهى ١ : ١٨٩ ، المعتبر ١ : ٤٦٠.

(٣) الخلاف ١ : ١٧٨ ، المبسوط ١ : ١٤ ، المختلف : ٦٤.

(٤) المتقدم ص ٢٥٩.

٢٩٩
 &

يتساويان فيه ، ويزاد الزائد للزائد ، بالإِجماع.

وفي المدارك : وبه قطع الأصحاب ، ولا أعلم في ذلك مخالفاً (١) وفي الذخيرة : لا أعلم مصرحاً بخلافهم (٢) ، وفي اللوامع : والظاهر وفاقهم عليه.

وهو الحجة ، مضافاً إلى إطلاق ما يدلّ على زوال إحدى النجاستين ، وحصول التطهّر منها بما له من العدد ، فإنّ قوله : اغسله كذا ، في معنى أنّ الغسل الكذائي يطهّره ، وهو أعم من أن تزول به نجاسة اُخرى أيضاً ، ومع التطهر وزوال النجاسة لا يحتاج إلى غسل إجماعاً ، وبذلك تزول أصالة عدم تداخل الأسباب.

وقد يقال : إنّ التداخل هنا لا ينافي أصالة عدم تداخلها ؛ لأنّ الظاهر أنّ الوجوب هنا توصّلي والعلّة ظاهرة (٣).

وهذا إشارة إلى ما ذكروه من اختصاص ذلك الأصل بما إذا لم يكن المقصود حصول أصل الفعل كيف اتفق ، والواجب التوصلي كذلك.

ولكن يرد عليه : أن هذا إنما يتم لو علم حصول المقصود المتوصل إليه ، وللمانع منعه هنا ؛ إذ له أن يقول : إن المقصود التطهر ، وحصوله مع التداخل غير معلوم ، ولذا قيل : إنّ التداخل في أبواب الطهارة إنما يتم فيما علم فيه أنّ المقصود تحصيل مهيّة الغسل لغرض الإِزالة ، فإنّه مع التداخل حاصل ، لا ما علمت فيه خصوصية اُخرى أيضاً.

ومن ثم اختار في المعالم عدم التداخل فيما يثبت فيه التعدد بالنص (٤).

وقال والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ في اللوامع : وهو متجه لولا وفاقهم عليه.

ومثل النجاسة الواقعة ولوغ آخر ؛ لما مر ، ولأنّ كلاً من الولوغ والكلب

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٩٥.

(٢) الذخيرة : ١٧٨.

(٣) غنائم الأيام : ٧٢.

(٤) المعالم : ٣٤٧.

٣٠٠