مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ـ إن لم يُعلم الوصول إلى جميع مواضعه ـ بماء المطر وأخويه بعد العلم بوصول الماء ؛ للمرسلة المتقدّمة بالتقريب المتقدم ، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضاً.

وإنّما الإِشكال في تطهّره بالقليل (١). والأصل ـ بملاحظة خلوّ المقام عن نصّ خاصّ بكلّ موضع أو عام ـ وإنْ اقتضى العدم ، ولكن روايتي السكوني وزكريا بن آدم المتقدّمتين (٢) في بحث المضاف ، تدلّان على تطهر اللحم المطبوخ بالغسل المتحقق في القليل أيضاً ، والظاهر عدم الفصل بين اللحم وما يشابهه مما يرسب فيه نفس الماء من غير اختلاطه بأجزائه ، فالقول بتطهر مثله مطلقاً بالقليل قوي ، ويقوى لأجله التطهر به فيما لا يرسب النجاسة فيه أيضاً بالإِجماع المركب.

نعم ، في الأخبار الواردة في السمن والزيت والعسل إذا ماتت فيه الفأرة (٣) : أنها إذا كانت جامدة تلقى الفأرة وما حولها.

واللازم منها ولو بضميمة الإِجماع المركّب : عدم قبول ما حولها للتطهر ولو بالمطر وأخويه ، وهو وإن كان مستبعداً بالمقايسة إلى اللحم ، ولكن بعد دلالة النص عليه ، وعدم تحقق إجماع بسيط أو مركب على خلافه ، لا محيص عن العمل بمقتضاه.

وفي تعدي الحكم إلى غير الثلاثة مما يشبهها احتمال ، والأوجه العدم.

فرع :

الثوب المصبوغ بالمتنجّس المائع كغيره من الأثواب المتنجسة بالمائعات‌ ، فيطهر بغسله المزيل للعين إن كان للصبغ عين ، وإلّا فمطلقاً. ولا عبرة باللون كما يأتي.

__________________

(١) خصوصية القليل إذ لا دليل على التطهّر به هنا سوى حديث الغسل ، وصدق غسل الباطن بمجرد نفوذ الماء غير معلوم ، واما غير القليل فيمكن الاستدلال بالتطهر به بمرسلة الكاهلي وان كان فيه أيضاً نظر يأتي. (منه ره).

(٢) ص ١٣١ ـ ١٣٢.

(٣) راجع الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣.

٢٦١
 &

ولا فرق فيه بين حالتي الرطوبة والجفاف ، ولا في غسله بالقليل وغيره.

وقيل : إذا اُريد تطهيره قبل جفافه ، فالظاهر أنه لا يمكن إلّا في الكثير على وجه يضمحل ماء الصبغ فيه ، وأما في القليل فتحصل الإِضافة فيما يصل إلى باطن الثوب بملاقاة ماء الصبغ ، فلا يفيد الثوب تطهيراً.

وأما بعد الجفاف فيذهب الماء النجس من الثوب ، ولم يبق إلّا نجاسة الثوب خاصة.

فإن كان ما فيه من الصبغ لا ينفصل في الماء على وجه يسلبه الإِطلاق ، فلا إشكال في الطهارة ، وإلّا ففيها إشكال ؛ فإنّه بأول الملاقاة يتغيّر ، ولا يداخل الثوب إلّا متغيراً فلا يحصل التطهير به (١).

أقول : حصول الإِضافة في قليل من الماء الواصل إلى باطن الثوب أولاً لا يوجب انتفاء تطهّره (٢) بالقليل مطلقاً ، فإنّه وإنْ تغيّر بعض ذلك الماء ولكنه يطهر بغيره.

مع أن لنا منع مانعية الإِضافة الحاصلة للتطهر مع الإِطلاق الابتدائي بعد صدق الغسل.

مضافاً إلى أن بعد الجفاف أيضاً قد تبقى في الثوب أجزاء جافة من الصبغ ، فقد لا تنفصل هذه الأجزاء ، ولا يعلم وصول الماء إلى جميعها ، وإن وصل تحصل الإِضافة المتقدمة ، فلا يتفاوت حاله في الحالين.

المسألة الثانية : الحقّ عدم قبول غير الماء من المائعات للتطهر‌ (٣) ، سواء في ذلك الدهن وغيره ، وفاقاً لجماعة (٤) ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وانتفاء الدليل‌

__________________

(١) قاله في الحدائق ٥ : ٣٨٣.

(٢) في « هـ » و « ق » : تطهيره.

(٣) في « هـ » و « ق » : للتطهير.

(٤) منهم صاحبا المدارك ٢ : ٣٣٢ ، والذخيرة : ١٦٤.

٢٦٢
 &

على قبوله التطهر (١) سوى ما دلّ على تطهر ما رآه الماء ، وهو هنا غير ممكن.

أمّا غير الدهن : فلأنه إنما يعقل حصول الطهارة له مع إصابة الماء جميع أجزائه ، وعدم خروج الماء عن إطلاقه ، وذلك إنما يتحقق بشيوعه في الماء واستهلاكه فيه ، بحيث لا يبقى شي‌ء من أجزائه ممتازاً ؛ إذ مع الامتياز عدم نفوذ الماء في ذلك الجزء معلوم ، وإذا حصل الامتزاج الكذائي يخرج المائع عن حقيقته.

فإن قيل : خروج الماء عن إطلاقه بعد تطهر المائع بملاقاته ـ كما مرّ ـ غير ضائر ، فلا يحتاج إلى الاستهلاك.

قلنا : نعم إذا علم مسبوقية الخروج عن الملاقاة لكل جزء ، وهو غير معلوم ، بل عدمه قطعاً معلوم ، فيستصحب نجاسة جزء مثلاً ، وبه ينجس الجميع ؛ لعدم كونه ماءً مطلقاً.

وأمّا الدهن : فلأنّ العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه غير ممكن ؛ لشدة اتّصال أجزائه بعضها ببعض. بل يعلم خلافه ؛ لأنّ الدهن يبقى في الماء مودعاً فيه غير مختلط به ، وإنّما يصيب سطحه الظاهر.

بل قيل (٢) باستحالة مداخلة الماء لجميع أجزائه ، وإنه مع الاختلاط لا يحصل له إلّا ملاقاة سطوح الأجزاء المنقطعة.

وتؤيده بل تدلّ أيضاً على عدم قبوله الطهارة : الأخبار الواردة في السمن والزيت الذائبين ، وفي العسل في الصيف إذا ماتت فيها فأرة ، الناهية عن أكلها ، الآمرة بالإِسراج وبإهراق المرق النجس (٣).

والظاهر أنّ القائل (٤) بقبولها التطهير لا ينكر توقّفه على العلم بوصول الماء‌

__________________

(١) في « ق » : التطهير.

(٢) المعالم : ٣٨٠.

(٣) راجع الوسائل ١٧ : ٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٦ وج ٢٤ : ١٩٤ ، ١٩٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣ و ٤٤.

(٤) العلامة في التذكرة ١ : ٨ ، والمنتهى ١ : ١٨٠.

٢٦٣
 &

إلى جميع الأجزاء ، ولا عدم حصول ذلك في غير الدهن إلّا بخروجه عن حقيقته ، فيرجع النزاع لفظياً.

ومثل المائعات في عدم قبول التطهير ، الكاغذ المعمول من الماء النجس ؛ إذ لا دليل على تطهّره بالقليل مطلقاً.

وأمّا الكثير وأخواه فإن دلّت على التطهر بها مرسلة الكاهلي (١) ، ولكن دلالتها عليه تتوقّف على العلم بوصول نفس الماء ـ دون رطوبته ـ إلى جميع أجزائه الموجب لتشتتها المخرج إياه عن حقيقته.

ومثله الطين المعمول من الماء النجس ، والعجين المعجن به وما شابههما.

نعم بعد إلقاء أمثال ذلك في الجاري ونحوه ، وتفرّق أجزائها بحيث علم وصوله إلى جميعها لو جمعت تكون طاهرةً.

وأمّا مثل الصابون ، والخبز ، والحبوبات المستنقعة في الماء النجس ، فلا خفاء في عدم تطهره قبل الجفاف مطلقاً لا في القليل ولا في غيره ؛ لعدم العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه ؛ لمزاحمة ما فيه من الماء النجس للطاهر.

وأمّا بعد الجفاف : فظاهر جماعة (٢) تطهّره باستنقاعه في الماء الطاهر حتى ينفذ في أجزائه.

وفيه إشكال ؛ إذ لا دليل على تطهّره بالماء ، سوى المرسلة وعموم قولهم : الماء يطهّر ، على ما قيل ، والتطهر به موقوف على العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه ، وهو لا يحصل البتة ، لأنّ غاية ما يعلم هو وصول الرطوبة إلى جوفه ، وأمّا وصول الماء بحيث يصدق عرفاً أنّه رآه الماء فممنوع.

والحاصل : أنّ بالاستنقاع وإن نفذت الرطوبة في جوفه ، ولكن لا على وجه يعلم صدق الماء على كل جزء من الماء النافذ ، فإنّه إنما يختلط مع أجزائه ويسري‌

__________________

(١) المتقدمة ص ٢٥٩.

(٢) منهم الشهيد في الذكرى : ١٥ ، والبيان : ٩٥.

٢٦٤
 &

في جوفه ، وصدق الماء على ذلك المختلط ممنوع.

والاستدلال (١) : بأخبار (٢) اللحم المشار إليها هنا غير ممكن ؛ لظهور الفرق ، فإنّ الماء ينفذ في اللحم ويخرج منه حال كونه ماءً مطلقاً ولا يختلط مع الأجزاء اللحمية ، بخلاف الحبوبات ، والقول بالفصل بين اللحم والحبوبات متحقّق. مع أنّ الغسل المذكور في أحاديث اللحم لا يتحقق في أعماق الحبوبات لتحققه [ بالجريان ] (٣) المنتفي هناك.

وقد يستدلّ للخبز : بمرسلة الفقيه : دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء ، فوجد لقمة خبز في القذر وأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك كان معه فقال له : « يا غلام اُذكرني هذه اللقمة إذا خرجت » (٤) الحديث.

وفيه نظر ؛ إذ لم يعلم رطوبة القذر الواقع فيه الخبز بحيث تسري النجاسة إلى جوفه ، فلعلّه لم يكن كذلك.

ولو تنجّس ما ينعقد بعد ذوبانه ـ كالفلزات ـ حال الذوبان والميعان ثم انعقد ، فالظاهر عدم الإِشكال في طهر ظاهره بالغسل ؛ لما مر.

وأمّا بجميع أجزائه ، فالظاهر تعذّره ؛ لتوقّفه على العلم بوصول الماء إلى جميعها ، وهو غير ممكن ولو مع الذوبان ثانياً.

هذا ، وبما ذكرنا تحصل لك الإِحاطة بجزئيات ما يتطهر بالماء وما لا يتطهر به ، وتقدر على إجزاء الحكم فيها.

وقد يقال : إنّ التحقيق أنّ الطهارة بالغسل لا خصوصية له ببعض الجزئيات التي وردت به النصوص حتى يحتاج فيها إلى طلب الدليل ، بل تلك‌

__________________

(١) كما في المنتهى ١ : ١٨٠.

(٢) راجع ص ٢٦١ رقم ٢.

(٣) في جميع النسخ : على الجريان ، وما أثبتناه أنسب.

(٤) الفقيه ١ : ١٨ / ٤٩ ، بتفاوت يسير ، الوسائل ١ : ٣٦١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٩ ح ١.

٢٦٥
 &

الجزئيات الواردة خرجت مخرج التمثيل ، وحينئذٍ فيصير الحكم كلياً (١).

وفيه : أنّ التعدّي من جزئي إلى غيره ، وجعله من باب التمثيل يحتاج إلى الدليل ، وتحقّقه في المقام بحيث يثبت الحكم في جميع الجزئيات وفي جميع المياه أول الكلام.

المسألة الثالثة : المشهور‌ ـ كما في اللوامع والمعتمد ، وفي الثاني : عليه الشهرة القوية ، بل المعروف بين الأصحاب كما في كلام جماعة (٢) ، بل من غير خلاف يعرف كما في الحدائق (٣) ، بل بإجماعنا كما هو ظاهر المنتهى (٤) ، حيث نسب الخلاف فيه إلى ابن سيرين ، بل بلا ريب كما في شرح القواعد (٥) ـ : توقّف طهارة الثياب وغيرها مما يرسب فيه الماء على العصر.

وتردّد فيه جماعة من المتأخرين (٦) ، بل حكم والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع والمعتمد بالعدم فيما لم تتوقّف إزالة عين النجاسة عليه.

واستشكل في التذكرة فيما لو جفّ الثوب بعد الغسل من غير عصر (٧).

وظاهر البيان : وجود الخلاف أيضاً (٨).

والحقّ هو الأول ؛ للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة القوية : « وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ، ومن ماء راكد مرتين ، ثم أعصره » (٩).

واختصاصه بالبول والثوب ـ لعدم الفصل ـ غير ضائر.

__________________

(١) قاله في الحدائق ٥ : ٣٧٣.

(٢) منهم صاحبا المعالم : ٣٢٣ ، والذخيرة : ١٦٢.

(٣) الحدائق ٥ : ٣٦٥.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٦.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٧٣.

(٦) مجمع الفائدة ١ : ٣٣٥ ، المدارك ٢ : ٣٢٧ ، الذخيرة : ١٦٢.

(٧) التذكرة ١ : ٨.

(٨) حيث قال : لو أخلّ بالعصر في موضعه فالاقرب عدم الطهارة (منه ره) البيان : ٩٤.

(٩) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٣ أبواب النجاسات ب ١ ح ١.

٢٦٦
 &

والاستدلال : بأنّ النجاسة ترسخ فلا تزول إلّا بالعصر. وبأن الغسالة نجسة فيجب إخراجها. وبأنّ الغسل إنّما يتحقّق في الثوب ونحوه بالعصر ؛ لأنّه داخل في مفهومه ، وبدونه صبّ ، كما يدلّ عليه التفصيل بينهما في بعض الروايات ، كصحيحة البقباق (١) ، ورواية ابن أبي العلاء (٢) ، مع أنّ في الأخيرة تصريحاً بالعصر أيضاً ؛ فإنّ فيها : عن الصبي يبول في الثوب قال. يصب عليه الماء قليلاً ثمّ يعصره ». وباستصحاب النجاسة .. ضعيف.

أمّا الأول : فلاختصاصه بالنجاسة الراسخة ، ومنها بما كانت لها عين ، وأما ما لا عين لها كالبول ، فيمنع وجوب إخراجها ، بل يطهر بوصول الماء حيث بلغت النجاسة.

وأما الثاني : فلمنع نجاسة الغسالة مطلقاً.

سلّمنا ، لكن طريق إزالتها بالعصر غير منحصر ، فلعلها تحصل بالجفاف ، ويعفى عن ملاقاة المحل لها ، كما يعفى عنها مع العصر.

على أن العصر لا يشترط فيه إخراج جميع الرطوبة ، وقد اعترفوا بطهارة المتخلّف بعد العصر وإن أمكن إخراجه بعصر أشدّ.

لا يقال : بعد تسليم النجاسة يجب الاقتصار في العفو على محل الوفاق ، وهو ما إذا اُخرجت الغسالة بالعصر.

إذ لنا أن نقول : الأصل عدم تنجّس المحل وإن خالطته الغسالة ، والثابت من أدلة نجاسة الملاقي للنجس لا يعمّ المقام ، فالغسالة النجاسة تخرج بالجفاف ، والمحل يكون طاهراً.

وأما الثالث : فلمنع الدخول لغةً أو عرفاً ، ولذا يصح أن يقال : غسلته وما‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤٤١ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٣ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ١.

٢٦٧
 &

عصرته ؛ ولذا يصدق على الوضوء والغسل وتطهير البدن عن الخبث من غير الدلك الذي هو في البدن بمنزلة العصر في الثوب ، ويحصل في الماء الجاري بدون العصر ، وكذا في الجلود والثقيل من الخبايا مع عدم العصر ، وعسره لا يوجب تحقق غسله ، بل اللازم منه إيجابه مهما أمكن ، أو الحكم (١) بالعفو.

والتفصيل في الروايات لا يدلّ على اعتبار العصر في الغسل ، بل غايته مغايرته للصبّ ، فلعلّها بأمر غيره ، كأن يشترط في الغسل الاستيلاء والجريان والانفصال في الجملة دون الصبّ.

وأمّا ما قيل : من أنّ انفصال الماء وإجراءه داخل في مفهوم الغسل لغةً وعرفاً ، وتحقق المعنيين قد لا يحتاج إلى أمر خارج من الصب ، كما في البدن والأجسام الصلبة ، فيتحقق الغسل في مثله من غير عصر ، وقد يحتاج إليه فيتوقف على العصر والتغميز لإِجراء الماء على جميع أجزاء ذلك الجسم وفصله عنه ، فيكون العصر شرطاً لذلك ، لا داخلاً في مفهوم الغسل (٢).

ففيه : أنّا لو سلّمنا اشتراط المعنيين في تحقق الغسل ، فنمنع توقفهما على العصر في نحو الثياب مطلقاً ، فإنّ الصفيقة من الثياب ، سيما إذا كانت حريراً ، إذا اُخذت معلّقة ، أو لفّت على جسم صلب ، إذا صب عليها الماء ، يجري عليها وينفصل سريعاً ، فيتحقق المعنيان ، فيطهر من غير عصر لو لم ترسخ فيها النجاسة.

وأيضاً : الثياب الرقاق كالكتان ونحوه إذا بسطت وصبّ عليها الماء ، يجري عليها وينفصل عنها دفعة.

مع أنّ الإِجراء والانفصال في الجملة مع غلبة الماء يحصل في كل ثوب وإن لم يعصر لا محالة ، وانفصال جميع أجزائه غير واجب ، ولذا لا يجب العصر الأشد‌

__________________

(١) في « هـ » : والحكم.

(٢) قال في غنائم الايام : ٧٥.

٢٦٨
 &

بعد حصول الأدون.

وأيضاً : إذا صب الماء المستولي على الثوب ، ينفصل عنه أكثر أجزاء الماء لا محالة وإن كان حصوله بالعصر أسرع ، واشتراط الانفصال سريعاً لا دليل عليه ، على أنّه يوجب عدم تحقق الغسل في الجاري والكثير بدون العصر ، مع أنّهم لا يقولون به.

والتفرقة بأنّه إذا دخل الجسم في الماء متدرّجاً ، فكل جزء يدخل في الماء فيمرّ الماء عليه وينفصل منه ، ثم يمر على الجزء الآخر ، وهكذا .. واهية جداً ؛ لأنّه إذا صبّ الماء على جزء أيضاً ، يمر عليه الماء وينفصل منه ويمر على آخر ، سيما إذا صبّ مع الغلبة والاستيلاء ، فإن المعتبر من الانفصال هو العرفي ، وهو حينئذٍ متحقق ، بل تحقق الانفصال العرفي في الجاري والكثير غير معلوم.

هذا ، مع أنّ صريح الرضوي المتقدم (١) : خروج العصر عن الغسل.

وأما التصريح بالعصر في الرواية فهو لا يثبت الوجوب ، مع أنه لو قلنا بكون الإِخبار في مقام الإِنشاء دالاً على الوجوب ، لوجب تخصيص الصبي فيها بالمغتذي ، وهو ليس بأولى من حمل العصر على الاستحباب.

وأما الرابع : فلزوال الاستصحاب بالغسل المزيل شرعاً.

هذا ، ثم العصر الواجب هل يختص بالقليل من الراكد ، أو يجب في غيره أيضاً ؟ الظاهر عدم الخلاف في عدم اعتباره في الجاري.

ووجهه على ما ذكرناه من استناد العصر إلى الرضوي ظاهر ؛ لعدم ثبوت تعلق جملة « ثم اعصره » بالجملتين ، فتختص بالأخيرة المتيقّنة. مع أنّه على فرض التعلّق بهما لا يثبت به الحكم في الجاري ؛ لانتفاء الشهرة الجابرة فيه.

ومنه يظهر اتّجاه عدم اعتباره في الكثير من الراكد أيضاً ، وفاقاً للأكثر ،

__________________

(١) ص ٢٦٦.

٢٦٩
 &

وخلافاً لظاهر الصدوقين (١) ، والشرائع ، والإِرشاد (٢) ، إمّا لإِطلاق الراكد في الخبر ؛ ويدفع : بما مرّ من الضعف الذي في المقام غير منجبر. أو لأحد الاعتبارات التي لاعتبار العصر ذكروها ؛ وقد عرفت ضعفه.

ولا يمكن الاستدلال للتعدّد في الكثير : بصحيحة ابن مسلم الآتية (٣) الآمرة بغسل الثوب في المركن مرتين ، بتقريب : أنّ المركن شامل بحسب المعنى اللغوي لكل محل ماء راكد وإن كان كثيراً ، ولا يضر تفسيره بالإِجّانة ، لأنه إن سلّمنا ثبوته فهو معنى طارٍ يقتضي الأصل تأخّره.

لأنّا لو سلّمنا عموم معناه اللغوي ، فليس المراد منه في الصحيحة حقيقته الشاملة لمركن الماء وغيره ، بل هو مجاز ، وإذا فتح باب التجوّز فهو غير منحصر بالمعنى العام ، فلعلّه الإِجّانة.

فروع :

أ : الواجب فيما يجب غسله مرتين : عصران‌ ، بعد كل غسل عصرٌ عند المحقق (٤) ، وعصرٌ بين الغسلتين عند اللمعة (٥) ، وبعدهما عند الصدوقين (٦) وطائفة من الطبقة الثالثة (٧).

ولعل الأول ناظر إلى اعتبار العصر في الغسل ، والثاني أنّه لإِخراج النجاسة الراسخة ، والثالث إلى كون العصر لنجاسة الغسالة مطلقاً ، فلا فائدة في العصر الأول ، أو إلى دلالة الرضوي (٨) عليه ، ولكنها إنما تفيد عند من يقول بحجيته في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٠ ، ونقله في الهداية : ١٤ عن رسالة والده.

(٢) الشرائع ١ : ٥٤ ، مجمع الفائدة ١ : ٣٣٣.

(٣) في ص ٢٧٤.

(٤) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٥) اللمعة (الروضة ١) : ٦١.

(٦) تقدم ذكرهما في نفس الصفحة رقم ١.

(٧) المدارك ٢ : ٣٢٨ ، الحدائق ٥ : ٣٦٨.

(٨) تقدم ص ٢٦٦.

٢٧٠
 &

نفسه ، وأما على ما ذكرنا من أنّها لانجباره بالشهرة ، فيقتصر في الاستناد إليه بما اشتهر وهو أصل العصر ، وأما تأخيره فلا.

وعلى هذا مع ملاحظة ضعف سائر المباني وأصالة عدم وجوب الزائد على عصره ، فالمتّجه كفاية عصرة واحدة مخيراً بين توسيطها بينهما ، وتأخيرها عنهما (١).

ب : لا يجب الدلك في الجسد ونحوه من الأجسام الصلبة إذا لم تتوقف عليه إزالة العين‌ ، وفاقاً للمعتبر والمنتهى (٢) وأكثر الثالثة (٣) ؛ للأصل ، وإطلاقات التطهير والغسل.

ودعوى دخوله فيهما ضعيفة.

وخلافاً للفاضل في نهاية الاحكام والتحرير (٤) ؛ للاستظهار ، وموثّقة عمار : عن القدح الذي يشرب فيه الخمر : « لا يجزيه حتى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرات » (٥).

والأول لا يصلح لإِثبات الوجوب ، والثاني ـ لاختصاصه بالخمر وعدم ثبوت الإِجماع المركب ـ أخص من المطلوب ، ولعلّه لعدم العلم بزوال العين في الخمر ؛ لما لها من شدة اللصوق بمحلها (٦).

ج : لا عصر فيما يعسر عصره من البسط ، والفراش ، والوسائد ، ونحوها ؛ للأصل ، واختصاص الخبر المذكور بالثوب ، بل إن تنجّس (٧) ظاهره من غير نفوذ

__________________

(١) ويرد على مبنى القول الثاني أيضاً أنه لا دليل على وجوب إخراج النجاسة قبل الغسلة الثانية (منه ره).

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٥ ، المنتهى ١ : ١٧٦.

(٣) منهم صاحبا المدارك ٢ : ٣٢٩ والحدائق ٥ : ٣٦٩.

(٤) نهاية الاحكام ١ : ٢٧٨ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٥) الكافي ٦ : ٤٢٧ الاشربة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٦) وقد يرد الموثقة أيضاً بأنها معارضة مع ما رواه هذا الراوي أيضاً من الاكتفاء في غسل الإِناء من الخمر بالمرة الخالية عن الدلك (منه ره).

(٧) في « ح » : يتنجّس.

٢٧١
 &

فيه يغسل الظاهر بإجراء الماء عليه ، من غير حاجة إلى مسح أو دقّ أو تغميز ، إلّا مع توقف العلم بإزالة عين النجاسة عليه ، ولا إلى إنفاذ الماء إلى باطنه ، لتحقق غسل الموضع النجس.

ولرواية إبراهيم بن أبي محمود : الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو ؟ قال : « يغسل ما ظهر منه في وجهه » (١).

وإن نفذت النجاسة في باطنه ، فإن لم تسر إلى الجانب الآخر واُريد تطهير الظاهر والباطن ، يجري الماء على الموضع النجس من الظاهر والباطن حتى يخرج من الجانب الآخر فيطهران ؛ ليتحقق الغسل.

والمروي في قرب الإِسناد للحميري وكتاب علي : عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل ؟ قال : « يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر » (٢).

وإن اُريد تطهير الظاهر خاصة ـ ولا بأس به ـ فيجري الماء على الظاهر فقط فيطهر ؛ لتحقق الغسل ، ورواية إبراهيم.

ولا تضر مجاورته للباطن النجس ؛ لبطلان السراية كما مر.

المسألة الرابعة : لا شك في حصول التطهر (٣) بالقليل‌ بإيراده على المحل النجس أو عكسه على القول بعدم تنجسه بالملاقاة.

وكذا لا خلاف فيه بإيراد الماء على القول بتنجسه مطلقاً أو مع ورود النجاسة.

وأما في حصوله على القولين الأخيرين لو عكس ، بأن يورد المحل على الماء ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٥٩ ، التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٠ أبواب النجاسات ب ٥ ح ١.

(٢) قرب الإِسناد : ٢٨١ / ١١١٤ ، مسائل علي بن جعفر : ١٩٢ / ٣٩٧ ، الوسائل ٣ : ٤٠٠ ، أبواب النجاسات ب ٥ ح ٣.

(٣) في « هـ » : التطهير.

٢٧٢
 &

وعدمه قولان : الثاني ـ وهو الحق ـ للسيد (١) وجماعة (٢).

لا لأدلّة تنجّس القليل بالملاقاة مطلقاً أو مع ورود النجاسة ، والنجس لا يطهر ، ولذا يجب كون الماء المغسول به طاهراً.

ولا لاستلزام نجاسته تنجّس المحل فلا يفيد طهارته.

لضعف الأول : بعدم ثبوت التنافي بين النجاسة وتطهير (٣) المحلّ كما في حجر الاستنجاء.

ووجوب طهارة الماء المغسول به مطلقاً ممنوع ، ولا دليل عليه سوى الإِجماع ، والثابت منه هو اشتراط الطهارة ابتداءً أي قبل ملاقاة النجس.

والحاصل : أنّ الممنوع من التطهير به ما كان نجساً قبل التطهير ، لا ما ينجّس به ، وقد صرّح بهذه المقالة جمع من المتأخرين كالمحقق الأردبيلي ، وشارح الدروس ، وصاحبي الذخيرة والحدائق (٤) ، ولذا ترى كثيراً من القائلين (٥) بنجاسة القليل بالملاقاة مطلقاً يحكمون بنجاسة الغسالة ويقولون بتطهر المحل.

والثاني : بمنع تنجّس المحل به ، فإنّ تنجّس مثل هذا الملاقي لمثل هذا النجس غير ظاهر ، ودليل التنجيس عن إفادته قاصر ، واستبعاده مدفوع : بوجود النظائر ، كاللبن في ضرع الميتة ، والإِنفحة منها ، والصيد المجروح لو وجد في ماء قليل على ما قيل ، والغسالة الواردة على القول بنجاستها.

بل لأصالة عدم الطهورية واستصحاب النجاسة ، والمستفيضة الآمرة بالصبّ على الجسد من البول (٦) ، المقيدة بالنسبة إلى مطلقات الغسل ، الواجب

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩.

(٢) منهم الحلّي في السرائر ١ : ١٨١ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٧٦.

(٣) في « هـ » : وتطهّر.

(٤) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٧ ، مشارق الشموس : ٢٥٥ ، الذخيرة : ١٦٣ ، الحدائق ١ : ٣٠٥ وج ٥ : ٤٠.

(٥) كالمحقق في الشرائع ١ : ٥٥ ، والعلامة في القواعد ١ : ٥.

(٦) راجع الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١.

٢٧٣
 &

حملها عليها ، المتعدّية حكمها من البول والجسد إلى غيرهما بعدم الفصل.

خلافاً لطائفة من الطبقة الثالثة (١) ، فاختاروا الأول ، واستوجهه في الذكرى (٢) ؛ لتحقق الغسل عرفاً ، وترتّب الطهارة عليه بالأخبار الغير العديدة ، كالناهية عن الصلاة في الثوب النّجس حتى يغسل (٣) ، فإنها تدل بالمفهوم على جواز الصلاة المستلزم للطهارة هنا إجماعاً مع الغسل ، والآمرة بغسل الثوب والبدن (٤) ، المقتضية للإِجزاء في تحقق فائدته التي هي الطهارة بتحقق الغسل.

ولخصوص صحيحة ابن مسلم : عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله في المركن مرتين » (٥) والمركن هي الإِجّانة التي تغسل فيها الثياب ، وبضميمة الإِجماع المركب يثبت الحكم في غير الثوب أيضاً.

ولرواية السرّاد في مطهّرية النار (٦) ، وموثّقة عمّار في غسل الأواني (٧).

ويجاب عن الأول : بما مرّ من وجوب حمل المطلق على المقيد.

وهو الجواب عن الثاني ؛ إذ لو سلّمنا دلالته فإنّما هو من جهة إطلاق الغسل في المركن ، وأمّا الخصوصية فلا ؛ إذ الغسل في المركن كما يكون بإدخال الماء فيه ثم وضع الثياب عليه ، يكون بالعكس أيضاً ، فيصبّ عليها فيه الماء وتعصر.

ولا يضر اجتماع الماء فيه وملاقاته للثوب قبل تمام غسله ، الموجبة لتنجسه الموجب لتنجس الثوب ؛ لمنع إيجابها تنجس الماء أولاً ؛ لعدم تحقق ورود النجاسة عليه ، ومنع تنجس الثوب به ثانياً ، على ما مر ، واعترف به المخالف في خصوص‌

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ٥ : ٤٠٠.

(٢) الذكرى : ١٥.

(٣) راجع الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب النجاسات ب ١٩.

(٤) راجع الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٠ الصلاة ٢٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢٧ أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

٢٧٤
 &

المورد.

مع أنه ـ كما مر (١) ـ محتمل عموم المركن للكثير أيضاً ، فيخصّ بأخبار الصب ؛ لاختصاصها بالقليل قطعاً كما يأتي. ولا يضر ذلك فيما ذكرنا من عدم اعتبار التعدد في الكثير ؛ لأنّ ذلك مجرّد الاحتمال لدفع الاستدلال.

وأما الثالث والرابع : فعدم دلالتهما ظاهر واضح.

ثم بما ذكرنا ظهر وجه التفرقة بين الورودين على القول بتنجس القليل مطلقاً ، واندفع ما استشكل من أنّ وجه التفرقة بينهما على التفرقة في الانفعال ظاهر ؛ إذ يمكن أن يكون بناء المانع من التطهير على ورود المحل تنجس الماء ، وعدم صلاحية المتنجس للتطهير عنده. وأما على القول بالانفعال المطلق فلا وجه لها.

ويمكن أيضاً أن يكون الوجه : أن الماء وإن تنجس في الصورتين ، والمتنجس عنده غير قابل للتطهير ؛ إلّا أنّ الإِجماع والضرورة دلّا على التطهر بالقليل أيضاً ، فهو مخالف للقاعدة ، ثابت بالضرورة ، فيجب الاكتفاء فيه بمحلها وهي (٢) ورود الماء.

المسألة الخامسة : مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً كما في المعتبر (٣) وغيره (٤) ، بل في الناصريات والخلاف (٥) : الإِجماع عليه ، وادّعاه والدي في المعتمد واللوامع أيضاً : أنّه يكفي صب الماء مرة في بول الصبي الذي لم يأكل.

والحجة فيه ـ بعد الإِجماع ـ المستفيضة التي منها الحسن بل الصحيح : عن بول الصبي ، قال : « يصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله غسلاً ، والغلام‌

__________________

(١) ص ٢٦٩.

(٢) في « هـ » و « ق » : مع ورود الماء‌.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٦.

(٤) المفاتيح ١ : ٧٤ ، الذخيرة : ١٦٤ ، الحدائق ٥ : ٣٨٤.

(٥) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، الخلاف ١ : ٤٨٤.

٢٧٥
 &

والجارية شرع سواء » (١).

والرضوي : « وإن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صباً ، وإن كان قد أكل فاغسله ، والغلام والجارية سواء » (٢).

ورواية السكوني : « لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأنّ لبن الغلام من العضدين » (٣).

والعاميّان المرويان عن النبي في الناصريات وغيره :

أحدهما : « يغتسل من بول الجارية ، وينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام » (٤).

وثانيهما : أنّ النبي أخذ الحسن بن علي (٥) فأجلسه في حجره ، فبال عليه ، قال : فقلت له : لو أخذت ثوباً فأعطيتني إزارك فأغسله ، فقال : « إنما يغسل من بول الاُنثى ، وينضح من بول الذكر » (٦) وإن كان في الاستدلال بهما نظر تأتي الإِشارة اليه.

وبهذا الأخبار المنجبر ضعف بعضها بالعمل تخصّص عمومات غسل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦ الطهارة ب ٣٦ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٢.

(٢) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

(٤) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، وراجع سنن أبي داود ١ : ١٠٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧٤ / ٥٢٥ ـ بتفاوت يسير ـ سنن البيهقي ٢ : ٤١٥.

(٥) كذا في النسخ ، وفي المصادر : الحسين بن علي.

(٦) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، وراجع سنن أبي داود ١ : ١٠٢ / ٣٧٥ ، سنن ابن ماجة ١ ١٧٤ / ٥٢٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤١٤.

٢٧٦
 &

البول ، أو بول ما لا يؤكل لحمه (١) ، أو بول الصبي كموثّقة سماعة (٢) ، بل حسنة ابن أبي العلاء أيضاً وهي : عن الصبي يبول على الثوب ، قال : « يصب عليه الماء قليلاً ثم يعصره » (٣) على القول بكون الفارق بين الغسل والصب هو العصر ، وإلّا فلا دلالة لها على الغسل.

ويجاب عن دلالتها على العصر : بعدم كونها مفيدةً لوجوبه ، وغاية ما تفيده استحبابه وهو كذلك ؛ لذلك.

وقيل بوجوبه ، بل وجوب الإِجزاء أو الانفصال أيضاً ، مع توقّف إزالة عين البول عليه (٤).

وهو خروج عن مقتضى النصّ ؛ فإنّه يقتضي الاكتفاء بالصب مطلقاً ، ولا دليل على وجوب الزائد من إخراج الماء المصبوب ، أو البول المختلط معه.

ثم الحقّ الموافق للظاهر كلام الأكثر ـ كما صرّح به جماعة (٥) ـ اختصاص الحكم بالصبي ، فلا يجري في بول الصبية ويجب غسله ؛ لأنّه مقتضى الروايات الأخيرة المنجبرة بالشهرة ، فيعارض بها قوله : « والغلام والجارية سواء » في الاُوليين إن كان حجة ودلّ على خلاف المطلوب ، ويرجع إلى الأصل الثابت بعمومات غسل البول ، مع أنّهما في معرض المنع.

أما الأول : فلأن الاُولى وإن كانت في نفسها حجة ، ولكن جزأه الأخير‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ، وص ٤٠٤ ب ٨.

(٢) موثقة سماعة : « عن بول الصبي يصيب الثوب ، فقال : اغسله ، قلت : فان لم أجد مكانه ؟ قال : اغسل الثوب كله » (منه ره) ، التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٣ الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ١.

(٤) نسب في مفتاح الكرامة ١ : ١٧٧ لزوم الانفصال إلى بعض الحواشي (يعني الحواشي على القواعد).

(٥) منهم العلامة في المنتهى ١ : ١٧٦ ، وصاحبا الذخيرة : ١٦٥ والحدائق ٥ : ٣٨٥.

٢٧٧
 &

لمخالفته الشهرة العظيمة عن الحجية خارجة. والثانية في نفسها ضعيفة ، والشهرة الجابرة لها في المورد مفقودة.

وأما الثاني : فلأنّ المساواة الكلّية من التسوية المطلقة غير ثابتة ، وإرادة التسوية في الحكم الأخير الذي هو وجوب الغسل مع الأكل ممكنة ، يعني إذا أكل.

وبهذا وسابقة مع الأصل المذكور يتمّ الحكم بالاختصاص لو نوقش في دلالة الروايات الأخيرة على وجوب الغسل في بول الاُنثى.

ونسب إلى الظاهر الصدوقين (١) : التسوية ، ولكنّها عبّرا في الرسالة (٢) والهداية (٣) والفقيه (٤) بمثل ما عبّر به في الرضوي (٥) ، فما ذكرنا من الاحتمال فيه يجري في كلامهما أيضاً بل هو في كلام الصدوق ظاهر ؛ لأنه قال ـ بعد حكمه بالصب في بول الغلام قبل الأكل ، والغسل بعد الأكل ـ : والغلام والجارية في هذا سواء.

فروع :

أ : صرح الفاضلان بتعليق الحكم على الأكل والطعام وعدمهما (٦).

ومنهم (٧) من علّقه على الاغتذاء بغير اللبن ، مساوياً له أو زائداً عليه وعدمه ، والحلي (٨) على تجاوز الحولين وعدمه.

ونظر الأولين إلى ظاهر الروايات.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١ : ١٧٧.

(٢) نقله في المعتبر ١ : ٤٣٧.

(٣) الهداية : ١٥.

(٤) الفقيه ١ : ٤٠.

(٥) تقدم ص ٢٧٦.

(٦) المحقق في المعتبر ١ : ٤٣٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٧٦.

(٧) لم نعثر عليه ، نعم كثير منهم علّقوا عليه وعلى الحولين كما في جامع المقاصد ١ : ١٧٣ ، والمسالك ١ : ١٨ ، والروض : ١٦٧.

(٨) السرائر ١ : ١٨٧.

٢٧٨
 &

أما الثانيان ، فلعلّ نظر أولهما إلى التعليل المذكور في رواية السكوني (١) ؛ فإنّه يمكن أن يستفاد منه أنّ أخفّية بول الغلام لأجل نظافة أصله الذي هو لبن اُمّه ، فيثبت ذلك ما لم يعلم حصول بوله من غير اللبن ، وذلك إنّما يكون ما لم يساوِ غير اللبن له. ونظر ثانيهما إلى أنّ المراد بالأكل والطعام ترك اللبن والفطام عنه ، وهو في الشرع مقدّر بالحولين.

والأوجه هو الأول ؛ لما مرّ. وضعف ما للثاني بأنّ مقتضاه انتفاء الحكم إذا انتفى العلم بحصوله من اللبن ، وهو ينتفي بالاغتذاء بغيره ولو كان أقل. وما للثالث بمنع كون المراد من الأكل ما ذكر.

ثم لا شكّ في أنّ المعتبر في الأكل ما يكون مستنداً إلى شهوته وإرادته ، كما صرح به في المنتهى (٢) ؛ لأنّه المفهوم من نسبة الأكل والطعام إليه ، ولولاه ، لتعلّق الغسل (٣) بساعة الولادة ، لاستصحاب التحنيك بالتمر ، فلا عبرة بما يعلق دواء من غير ميل إليه.

ولا يلزم أن يكون إطعامه إياه لأجل كونه غذاءً له ، فلو اُطعم بشي‌ء دواءً وأكله الصبي بالشهوة والإِرادة ، يجب الغسل ؛ لصدق الأكل ولو كان نادراً ، كما هو ظاهر المنتهى (٤).

وصرّح في المعتبر بعدم اعتبار النادر ولو بالشهوة (٥). والأظهر الأول.

ب : لو أرضع الغلام بلبن الجارية أو بالعكس‌ ، فمقتضى تعليل رواية السكوني : تعلّق حكم من له اللبن بالمرتضع ، سيما إذا غلب إرضاعه من لبنه عليه من لبن نفسه.

__________________

(١) المتقدمة ص ٢٧٦.

(٢) المنتهى ١ : ١٧٦.

(٣) في هامش « ح » : الحكم خ ل.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٦.

(٥) المعتبر ١ : ٤٣٦.

٢٧٩
 &

ولا يبعد المصير إليه في الجارية المرتضعة من لبن الغلام ؛ إذ لا دليل على وجوب الغسل في بول الجارية ، سوى عمومات غسل البول ، الواجب تخصيصها بذلك ، الدال على كفاية الصبّ ، وأما الروايات الأخيرة فهي عن إفادة الوجوب قاصرة.

وأمّا الغلام المرتضع بلبن الجارية ، فلمّا لم يثبت من الرواية سوى إيجاب التعليل لرجحان الغسل من لبن الجارية ، فلا يثبت وجوب الغسل فيه ، فالحكم فيه باقٍ على أصله.

ج : الصبّ اللازم هنا هو إراقة الماء وسكبه ، وهو أعم من وجه من الغسل.

وأما من النضح والرش المترادفين بنصّ أهل اللغة (١) الموافق للعرف ، فإمّا أعمّ منهما مطلقاً ، بأن يصدق الصب مع استيعاب الماء كل جزء من الموضع المصبوب عليه وبدونه ، ومع إراقة الماء مجتمعة الأجزاء وبدونها ، واشتراط عدم الثاني (٢) أو عدمهما (٣) فيهما (٤) ، أو أخص كذلك باشتراط الاستيعاب فيه دونهما ، أو مغاير لهما باشتراطه (٥) ـ أو مع الإِراقة المجتمعة ـ فيه (٦) ، وعدمه فيهما.

والكل محتمل ، واستصحاب نجاسة الموضع يقتضي الإِتيان بالمقطوع به وهو ما صب مجتمع الأجزاء عرفاً ، مع استيعاب كلّ جزء من المحلّ.

وجعل الصبّ مرادفاً لهما لغةً أو شرعاً ـ كبعضهم (٧) ـ ضعيف ، كجعل الرشّ أخصّ من النضح.

__________________

(١) كصاحب الصحاح والقاموس والنهاية والمجمع (منه ره) ، الصحاح ١ : ٤١١ ، القاموس ١ : ٢٦٢ ، النهاية الاثيرية ٥ : ٦٩ ، مجمع البحرين ٢ : ٤١٩.

(٢) وهو إراقة الماء مجتمعة الاجزاء.

(٣) أي عدم الاستيعاب وعدم إراقة الماء مجتمعة الاجزاء.

(٤) أي في النضح والرش.

(٥) أي اشتراط الاستيعاب.

(٦) أي في الصّب.

(٧) الحدائق ٥ : ٣٨٨.

٢٨٠