مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

على ذلك جماعة ، منهم : الفاضلان (١) ، وفي المنتهى : أنّه المشهور عند علمائنا (٢).

لأنّه مائع ملاقٍ للميتة ، وكلّ ما كان كذلك فهو نجس.

ولرواية وهب بن وهب : عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال عليه السلام : « هذا الحرام محضاً » (٣).

والأول مصادرة.

والثانية ـ مع كونها موافقة لمذهب العامة ، كما في التهذيب (٤) ، وغير مثبتة للنجاسة ، لعدم الملازمة بينها وبين الحرمة ـ معارضة مع ما هو أكثر منها وأصح ، وبما مرّ أرجح ، مع أنّه لولاه فأصل الطهارة هو المرجع.

*       *      *

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٢٣ ، المختصر النافع : ٢٥٣ ، التحرير ١ : ١٦١ ، التذكرة ١ : ٧.

(٢) المنتهى ١ : ١٦٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٣ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١١.

(٤) التهذيب ٩ : ٧٧.

١٨١
 &

الفصل الرابع : في الدم‌

وهو نجس من كل ذي نفس ، عدا ما يستثنى. وعليه الإِجماع في المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة (١) وغيرها (٢).

وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإِجماع ـ النصوص المستفيضة :

كصحيحة علي : عن رجل رعف وهو يتوضأ ، فقطرت قطرة في إنائه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : « لا » (٣).

وموثّقة عمّار : « كلّ شي‌ء من الطير يتوضأ عما يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دماً ، فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (٤).

وصحيحة زرارة : أصاب ثوبي دم رعاف ، أو غيره ، أو شي‌ء من مني ، فعلّمت أثره إلى أن اُصيب الماء ، فأصبت ، وحضرت الصلاة ، فنسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال : « تعيد الصلاة وتغسله » (٥).

والظاهر عطف « غيره » على « رعاف » لكونه أقرب ، ولئلّا يلزم التخصيص (٦) بالنجاسات في « غيره » ولا عطف الخاص على العام ، فيثبت بها الحكم في جميع الدماء ، بل يثبت ذلك على عطفه على دم أيضاً ، لشموله له أيضاً.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ١٦٣ ، التذكرة ١ : ٧.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ٧٤ الطهارة ب ٤٦ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢.

(٦) يعني إذا قلنا بان كلمة « غيره » عطف على دم الرعاف ، فبما انها تشمل الاشياء الطاهرة يلزم تخصيصها بالنجاسات ويلزم أيضاً عطف الخاص وهو (أو شي‌ء من مني) على العام وكلاهما خلاف الأصل.

١٨٢
 &

وحسنة محمد : الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة ، قال : « إن رأيت وعليك ثوب غيره ، فاطرحه وصلّ » (١) الحديث.

وصحيحة ابن أبي يعفور الواردة في نقط الدم : « يغسله ولا يعيد صلاته ، إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً ، فيغسله ويعيد الصلاة » (٢).

إلى غير ذلك من المستفيضة الدالّة على المنع من الصلاة في ثوب لاقاه ، أو على إعادتها إن صلّى مع العلم به ، أو غسل الثوب من الدم مطلقاً ، أو دم الرعاف كذلك ، أو في الصلاة ، أو بعض دماء آخر (٣).

وأمّا بعض الأخبار (٤) المفهم لطهارته في بادئ النظر ، فليس بعد التأمّل كذلك ، مع أنّه لو كان ، فلشذوذه المخرج له عن الحجيّة لا يضرّ.

ثمّ مقتضى إطلاق الروايتين الاُوليين ، بل خصوص الثانية : نجاسته ولو كان أقلّ من الدرهم أو الحمصة ، كما عليها المعظم ، وتشملها الإِجماعات المنقولة.

خلافاً للمنقول عن الإِسكافي (٥) في الأوّل ، والصدوق (٦) في الثاني ؛ للأخبار المجوّزة للصلاة في نحو من ذلك ، أو النافية لوجوب غسله.

وهما غير مستلزمتين للطهارة في المورد ، لتحقّق القول بالفصل وإن حكمنا بها لمثلهما في غيره لعدم تحقّقه ، كما هو متحقّق فيما عدا العفو في الصلاة ، وعدم وجوب الغسل من لوازم النجاسة أو الطهارة في المورد أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٩ الطهارة ب ٣٨ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ / ٦٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ ، الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

(٣) راجع الوسائل ٣ : أبواب النجاسات ب ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤.

(٤) الوسائل ١ : ٢٦٥ أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٤ و ١١ وج ٣ : ٤٩٩ أبواب النجاسات ب ٥٦ ح ١ وغيرها.

(٥) نقل عنه في المعتبر ١ : ٤٢٠.

(٦) الفقيه ١ : ٤٢.

١٨٣
 &

وقد يستدلّ على ردّهما : بمطلقات غسل الدم ، أو إعادة الصلاة عنه.

وليس في محلّه ؛ لعدم وجوب غسل ما دون المقدارين ، وكون الأمر بالإِعادة قرينةً على إرادة ما زاد عليهما.

ثمّ إنّ المستفاد من الإِطلاقات وإن كان نجاسة مطلق الدم من ذي النفس ، إلّا أنّه خصّ منه عند أصحابنا الدم المتخلّف في الذبيحة المأكول اللحم ، بعد القذف المعتاد ، فهو طاهر ، وعليه الإِجماع محقّقاً ومحكيّاً في كلام جمع ، منهم : الناصريات ، والسرائر ، والمختلف ، والحدائق (١) ، واللوامع ، وغيره (٢).

وبضرورة حلّية اللحم الغير المنفك عنه ولو غسل مرات ـ كما يظهر عند الغسل والطبخ ـ وعدم وجوب غسل ما يلاقي هذا اللحم ، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار ، تقيّد الإِطلاقات ، لا بقوله سبحانه : ( قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ ) (٣) لأنّ مفهومها مفهوم وصف غير معتبر ، ومنطوقها عامّ غير مقاوم ، مع أنّه لا يفيد أزيد من عدم كون غير الثلاثة ممّا اُوحي تحريمه حين نزول الآية ، فيمكن الوحي بتحريم غيرها بعده ، أو تحريمه بغير الوحي ، كما وقع التصريح به في الأخبار ، من أنّ من المحرّمات ما حرّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلا يصلح إلّا لتأسيس الأصل ، فلا يحرم ما لا دليل على حرمته. وهو الوجه فيما ورد عنهم من التمسّك بها في حليّة بعض الأشياء.

وظهر ممّا ذكر : لزوم الاقتصار في التخصيص بما ثبت فيه الإِجماع ، فينجس ما جذبته الذبيحة بالنفس ، أو بقي في جوفه لارتفاع موضع رأسه ، أو استقر في العضو المحرّم كالطحال ، أو تخلّف في الذبيحة الغير المأكول ، وغيرها من غير المسفوحات ، كدم الشوكة والعثرة ونحوهما ، من غير خلاف يعرف في شي‌ء منها.

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، السرائر ١ : ١٧٤ ، المختلف : ٥٩ ، الحدائق ٥ : ٤٥.

(٢) المفاتيح ١ : ٦٦ ، المسالك ٢ : ٢٤٥.

(٣) الانعام : ١٤٥.

١٨٤
 &

وكما قيّدت إطلاقات النجاسة (١) بما مرّ ، كذلك اُخرج منها دم غير ذي النفس بالمستفيضة المعتبرة (٢) ولو بضميمة الإِجماع المركّب ، فهو أيضاً طاهر ، وعليه الإِجماع في الخلاف ، والغنية ، والسرائر ، والمعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، والذكرى (٣).

نعم يظهر من تقسيم الشيخ في الخلاف ، والجمل ، والمبسوط (٤) ، والديلمي ، وابن حمزة (٥) النجاسة إلى الدم وغيره ، ثمّ تقسيمه إلى ما تجب إزالته وما لا تجب ، وهو دم البق ، والبراغيث ، والسمك : اعتقادهم النجاسة.

ومنع ظهوره ـ لجواز تقسيم الشي‌ء إلى قسمين ، كلّ منهما أعم من وجه من آخر ، ثمّ تقسيم أحدهما إلى أقسام ، بعضها خارج عن المقسم ـ مكابرة ، إلّا أنّ ادّعاء الإِجماع في الخلاف على طهارة مثل دم البق قبل التقسيم بسطر (٦) ، يوهنه.

وكيف كان فهُمْ بما مرّ محجوجون‌.

فرع : المصرّح به في كلام جماعة (٧) : نجاسة العلقة‌ ، وعليها الإِجماع في الخلاف (٨) ؛ ويدلّ عليها صدق الدم ، ومنعه ضعيف ، ولذلك ينجس دم البيض أيضاً.

وكونه من الفرد النادر بعد الصدق ، غير ضائر ؛ لأنّ الندور الوجودي إنّما يفيد للخروج عن المطلق في الأحكام على الوقائع الواقعة. وعدم كونه دماً بعد‌

__________________

(١) في « ح » النجاسات.

(٢) راجع الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٣.

(٣) الخلاف ١ : ٤٧٦ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠ ، السرائر ١ : ١٧٤ ، المعتبر ١ : ٤٣٠ ، المنتهى ١ : ١٦٣ ، التذكرة ١ : ٧ ، الذكرى : ١٣.

(٤) الخلاف ١ : ٤٧٦ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٧٠ ، المبسوط ١ : ٣٥.

(٥) المراسم : ٥٥ ، الوسيلة : ٧٦.

(٦) الخلاف ١ : ٤٧٦.

(٧) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٤٢٢.

(٨) الخلاف ١ : ٤٩٠.

١٨٥
 &

الصدق العرفي ، غير مسموع.

وفي تنجّس البيضة به ؛ لميعانها ، وعدمه ؛ للأصل ، وعدم ثبوت تنجّس مثل ذلك بالملاقاة ، إشكال. والاجتناب أحوط.

*       *      *

١٨٦
 &

الفصل الخامس : في الكلب والخنزير‌

وهما نجسان عيناً ولعاباً ، بل بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة ؛ بالإِجماع المحقّق والمنقول (١) ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها.

ومنها : الآمرة بغسل الثوب والجسد بمس الكلب ، أو إصابته برطوبة ، الصادقتين على مسه وإصابته (٢) بشعره (٣).

وبغسل اليد بعد ملاقاتها لشعر الخنزير ، كالروايات الثلاث للإِسكافين (٤) ، ورواية زرارة (٥).

وأمّا صحيحته : عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، أيتوضأ من ذلك الماء ؟ قال : « لا بأس » (٦). وموثّقة ابنه : فشعر الخنزير يعمل حبلاً ، يستقى به من البئر التي يشرب منها ، ويتوضأ منها ؟ قال : « لا بأس » (٧) فلا تنافيها ؛ لاحتمال أن يكون المنفي عنه البأس ماء البئر ، بل هو الظاهر من الثانية ، أو يكون نفيه لعدم استلزام الاستقاء للملاقاة.

__________________

(١) لعل المراد نقل الاجماع على نجاستهما بقول مطلق فقد تكرر نقله في كتب الاصحاب. وأما دعوى الاجماع على نجاستهما بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة فلم نعثر عليها في كلماتهم صريحاً.

(٢) في « ح » : أو اصابته.

(٣) الوسائل ٣ : ٤١٤ أبواب النجاسات ب ١٢.

(٤) أ ـ التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٧ ، الوسائل ٣ : ٤١٨ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ٣.

ب ـ التهذيب ٦ : ٣٨٢ / ١١٣٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ٢.

ج ـ الفقيه ٣ : ٢٢٠ / ١٠١٩ ، التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٦ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ٤.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٢ / ١١٢٩ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.

١٨٧
 &

خلافاً للناصريات (١) ، والبحار (٢) في الأخير (٣) ؛ للأخيرتين. وعمومات طهارته من الميتة الشاملة لما كان من نجس العين أيضاً. ولأنّ ما لا تحلّه الحياة من أجزائه ليس من جملته وإن كان متصلاً به.

والأول لا دلالة فيه ، كما مرّ ، ومع ذلك موافق ـ لحكاية السيد (٤) ـ لمذهب أبي حنيفة ، المشتهر في زمان صدوره ، معارض مع الأربعة المذكورة المعتضدة بالشهرة ، الظاهرة في الدلالة.

والثاني ـ لكونه أعمّ مطلقاً ـ مخصوص بما ذكرنا البتة.

والثالث مردود ـ بعد عدم التفرقة في ذلك بين ما تحلّه الحياة وما لا تحله ـ بعدم الملازمة بينه وبين الطهارة ، لإِمكان إثبات النجاسة بغير ما يدلّ على نجاسة الجملة.

ثمّ المتولد منهما أو من أحدهما يتبع الاسم ، ومع عدم صدق اسم عليه طاهر ؛ للأصل ، ككلب الماء وخنزيره ، على الأظهر الأشهر ؛ لعدم ثبوت كونه حقيقةً إلّا في البريّ ، كما في الذخيرة (٥) ، بل صرّح الفاضل في النهاية ، والتحرير ، والتذكرة (٦) بكونه مجازاً في غيره ، بل هو الظاهر من الأكثر حيث خصّ التبادر (٧) بالبرّي.

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢.

(٢) الموجود في البحار ٧٧ : ١٢٠ ، و ٦٣ : ٥٥ خلافه. قال في مفتاح الكرامة ١ : ١٣٩ : يظهر من كثير أنّ المخالف إنما هو السيد فقط.

(٣) أي في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة.

(٤) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢.

(٥) الذخيرة : ١٥٠.

(٦) نهاية الاحكام ١ : ٢٧٢ والموجود فيها : كلب الماء طاهر لانصراف الإِطلاق الى المتعارف ، التحرير ١ : ٢٤ ، التذكرة ١ : ٨.

(٧) في « هـ » : المتبادر.

١٨٨
 &

ويظهر من المنتهى : الاشتراك اللفظي (١). والحكم معه الطهارة أيضاً ؛ لعدم جواز استعمال المشترك في معنييه ، وعدم الحمل بدون القرينة ـ على القول بجوازه ـ عليه.

ومع ذلك في بعض الروايات عليها دلالة ، كصحيحة البجلي : عن جلود الخز ، فقال : « ليس بها بأس » فقال الرجل : جعلت فداك إنّما هي في بلادي ، وإنّما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال : أبو عبد الله عليه السلام : « إذا خرجت من الماء تعيش خارجه ؟ » فقال الرجل : لا ، فقال : « لا بأس » (٢).

ورواية ابن أبي يعفور عن أكل لحم الخزّ ، قال : « كلب الماء إن كان له ناب ، فلا تقربه ، وإلّا فاقربه » (٣).

فخلاف الحلي ، وحكمه بنجاسة البحري تبعاً للاسم (٤) ، ضعيف.

*       *      *

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٦٦.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥١ الزي والتجمل ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ٣٦٢ أبواب لباس المصلي ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٤٩ / ٢٠٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٩١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٩ ح ٣.

(٤) السرائر ٢ : ٢٢٠.

١٨٩
 &

الفصل السادس : في الخمر والفقاع‌

أمّا الثاني ، وهو ما سمّي عرفاً ، أو (ما) (١) يؤخذ من ماء الشعير فقط ، أو مع غيره ، نجس بالإِجماع المحقّق ، والمحكي عن المبسوط ، والخلاف ، والانتصار ، والغنية (٢) ، والمنتهى (٣) ، والتذكرة ، والنهاية للفاضل (٤) ، وغيرها (٥) ، سواء أسكر ، أم لا.

وتدلّ عليه روايتا أبي جميلة (٦) ، والقلانسي (٧) ، المنجبرتان بالعمل.

وأمّا الأوّل : فهو أيضاً نجس عند السواد الأعظم من الفريقين ، وعليها الإِجماع عن الخلاف ، والمبسوط ، والنزهة ، والسيد ، والحلي ، وابن زهرة ، والفاضل ، وولده (٨) ، وغيرهم (٩) ، بل الخامس نسب إلى المخالف خلاف إجماع المسلمين. وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى قوله سبحانه : ( فَاجْتَنِبُوهُ ) (١٠) فإنّ الاجتناب الامتناع عمّا‌

__________________

(١) لا توجد في « ق ».

(٢) المبسوط ١ : ٣٦ ، الخلاف ٢ : ٤٨٤ ، الانتصار : ١٩٧ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠.

(٣) المنتهى ١ : ١٦٧. قال فيه أجمع علماؤنا على أن حكم الفقاع حكم الخمر فتأمل.

(٤) التذكرة ١ : ٧ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٧٢.

(٥) التنقيح ١ : ١٤٥.

(٦) الكافي ٦ : ٤٢٣ الاشربة ب ٣٠ ح ٧ ، التهذيب ٩ : ١٢٥ / ٥٤٤ ، الاستبصار ٤ : ٩٦ / ٣٧٣ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦١ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٧ ح ٨.

(٧) الكافي ٦ : ٤٢٢ الأشربة ب ٣٠ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ١٢٥ / ٥٤٣ ، الاستبصار ٤ : ٩٦ / ٣٧٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦١ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٧ ح ٦.

(٨) الخلاف ٢ : ٤٨٤ ، المبسوط ١ : ٣٦ ، نزهة الناظر : ١٨ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، السرائر : ١ : ١٧٨ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٧ ، الايضاح ٤ : ١٥٥.

(٩) المسالك ١ : ١٧.

(١٠) المائدة : ٩٢.

١٩٠
 &

يوجب القرب منه مطلقاً ، ولا معنى للنجس إلّا ذلك.

وحمل الاجتناب المطلق على بعض أفراده تحكّم.

وعدم وجوب الاجتناب عن النجس في جميع الأحوال ، أو عن ملاقاة الأنصاب والأزلام بدليل لا يوجب خروج باقي الأفراد. وإخراج ملاقاة النجس عن الأفراد المتعارفة ، مكابرة.

والأخبارِ المستفيضة بل المتواترة معنى ، الواردة في موارد متعدّدة المتضمنة للأمر بغسل الثوب منها ، أو إعادة الصلاة مع الثوب الذي أصابته ، أو غسل إنائها ثلاثاً ، أو سبعاً ، أو إهراق حُبّ أو قدر فيه لحم ومرق كثير قطرت فيه قطرة منها مع كونها مستهلكة فيه.

وللنهي عن الأكل في آنية أهل الذمة التي يشربون فيها الخمر ، وعن الصلاة في ثوب أصابته ، معلّلاً بأنّها رجس.

ولأنّ ما يبلّ الميل منها ينجّس حُبّاً من ماء (١) ، إلى غير ذلك.

خلافاً للمحكي عن الصدوق (٢) ، والعماني (٣) ، والجعفي (٤) ، فقالوا : بطهارتها ، ويظهر من جماعة من المتأخّرين كالأردبيلي (٥) ، وصاحبي المدارك والذخيرة ، والمحقّق الخوانساري (٦) : الميل إليها ؛ لأخبار متكثّرة أيضاً ، أصرحها دلالةً : ما يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الذي أصابته قبل غسله ، وفي بعضها : « إنّ الله حرّم شربها ، دون لبسها والصلاة فيها » (٧) بترجيح هذه الأخبار بموافقة‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٦٨ أبواب النجاسات ب ٣٨ و ٤٩٤ ب ٥١ و ٥١٧ ب ٧٢ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٤٣.

(٣) نقل عنه في المعتبر ١ : ٤٢٢.

(٤) نقل عنه في الذكرى : ١٣.

(٥) مجمع الفائدة ١ : ٣١٢.

(٦) المدارك ٢ : ٢٩٢ ، الذخيرة : ١٥٣ ، المشارق : ٣٣٣.

(٧) الوسائل ٣ : أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١٣.

١٩١
 &

الأصل والاستصحاب ، وكونها قرينةً لحمل الأخبار المتقدّمة على التقيّة ، أو الاستحباب.

وفيه ـ مع عدم صلاحيّة كثير منها للتقيّة ، حيث يتضمّن حرمة الجرّي ، أو النبيذ ، أو نجاسة أهل الكتاب ، ولا للحمل على الاستحباب ، للأمر بإعادة الصلاة المنفي استحبابها بعد صحّتها بالإِجماع ـ : أنّ الحمل على أحدهما ، أو الرجوع إلى الأصل ، إنّما يكون فيما لم يكن هناك دليل على علاج آخر ، وأمّا معه فكيف يمكن طرحه ؟!

والعجب من هؤلاء المائلين إلى طهارتها ، أنّ رجوعهم إلى أحد هذه الاُمور في مقام التعارض لا يكون إلّا بعد اليأس عن العلاجات الواردة في الأخبار العلاجية العامة.

مع أنّ الخبر العلاجي في خصوص اختلاف الأخبار في المقام وارد ، وهي : صحيحة علي بن مهزيار : قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، في الخمر يصيب ثوب الرجل : أنّهما قالا : « لا بأس أن يصلّي فيها ، إنّما حرّم شربها ». وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : « إذا أصاب ثوبك خمر ، أو نبيذ ، ـ يعني المسكر ـ فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله ، وإن صليت فيه فأعد صلاتك » فأعلمني ما آخذ به ، فوقّع بخطه عليه السلام : « خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام » (١).

وظاهر أنّ المراد قوله منفرداً.

وخبر خيران الخادم من أصحاب أبي الحسن الثالث صلوات الله عليه : كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ، ولحم الخنزير ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٧ الصلاة ب ٦٦ ح ١٤ ، التهذيب ١ : ٢٨١ / ٨٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٩٠ / ٦٦٩ ، الوسائل ٣ : ٤٦٨ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٢.

١٩٢
 &

أيصلي فيه أم لا ؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلّ فيه ، فإنّ الله إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه ؛ فكتب عليه السلام : « لا تصلّ فيه فإنّه رجس » (١).

هذا ، مع أنه لو قطع النظر عن ذلك ، وانحصر الأمر بالمرجّحات العامّة ، لكان الترجيح مع أخبار النجاسة أيضاً ؛ لموافقة الكتاب ، التي هي أقوى المرجّحات المنصوصة ، والمخالفة لمذهب أكثر العامة ـ كما هي عن الاستبصار محكيّة (٢) وإن كان الظاهر من كلام جماعة (٣) خلافه ـ ولما هو أميل إليه حكام أهل الجور ، وذوو الشوكة منهم ، من طهارة الخمر ، حيث إنّ ولوعهم بشربها ، وتلوّثهم غالباً (بها) (٤) مع نجاستها يورث مهانةً لهم في أنظار العوام ، والحكم ببطلان صلاتهم ، وصلاة من كان يقتدي بهم ، والإِزراء والاستخفاف بهم ، فالحكم بالنجاسة مخالف للتقية ، بخلاف الحرمة حيث كانت ضروريّة من الدين ، منسوباً مخالفه إلى الإِلحاد ، فلم تكن بهذه المثابة.

واعتضادها بالشهرة القويّة التي كادت أن تبلغ حدّ الإِجماع ، مع أنّ من المرجّحات المنصوصة التي عمل بها جماعة من الأصحاب : الأخذ بالأخير ، ولا ريب أنّ صحيحة ابن مهزيار ، وخبر خيران ، قد تضمّنا ذلك. فالمسألة بحمد الله واضحة غاية الوضوح.

وفي حكم الخمر سائر المسكرات المائعة بالأصالة ، على المعروف من الأصحاب ، وفي الخلاف والمعتبر : الإِجماع على نجاسته (٥) ، وفي المعالم : لا نعرف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ / ١٤٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٩ / ٦٦٢ (بتفاوت يسير) ، الوسائل ٣ : ٤٦٩ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٤.

(٢) الاستبصار ١ : ١٩٠ ، قال فيه لأنها موافقة لمذاهب كثيرة من العامة قال في بداية المجتهد ١ : ٧٦ وأكثرهم على نجاسة الخمر وفي ذلك خلاف عن بعض المحدّثين.

(٣) منهم صاحبا الحدائق ٥ : ١٠٦ ، والمشارق : ٣٣٣.

(٤) لا توجد في « ق ».

(٥) الخلاف ٢ : ٤٨٤ ، المعتبر ١ : ٤٢٤.

١٩٣
 &

في ذلك خلافاً بين الأصحاب (١) ، والظاهر أنّ مراده من قال بنجاسة الخمر. إلّا أنّه قال في الناصريات ، في الشراب المسكر : إنّ كل من قال بأنّه محرّم الشرب ذهب إلى أنّه نجس كالخمر ؛ إلى أن قال : لا خلاف في أنّ نجاسته تابعة لتحريم شربه (٢).

وتدلّ عليه ـ بعد الإِجماع المركّب ـ الأخبار ، كصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة ، ومرسلة يونس الواردة في النبيذ المسكر (٣).

والنبيذ : كل ما يعمل من الأشربة ، كما صرّح به الجوهري ، والطريحي (٤).

ولو قيل باختصاصه بنوع خاصّ منه ـ كما استعمل في بعض الأخبار ـ يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

مع أنّ الآية تعمّ الجميع ، بضميمة ما ورد في تفسيره ـ المنجبر بالعمل بل بإجماع المفسرين ـ كالمروي في تفسير القمي في بيان قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ ... ) إلى آخره : « أما الخمر ، فكل مسكر من الشراب إذا خُمّر فهو خمر » (٥).

ويدلّ عليه أيضاً تصريح الأخبار : « بأنّ كل مسكر خمر » (٦) بالتقريب المتقدّم في الميتة (٧) ، لا كونه خمراً لوجود علّة التسمية ، أو للاستعمال فيه مطلقاً ، أو بدون القرينة ؛ لضعف الجميع.

وأمّا نفي البأس في بعض الأخبار عن إصابة المسكر والنبيذ الثوب ، فغير

__________________

(١) المعالم : ٢٣٩.

(٢) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٨٧ / ٨١٨ ، الوسائل ٣ : ٤٦٩ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٣.

(٤) مجمع البحرين ٣ : ١٨٩ ، ولم نعثر عليه في الصحاح.

(٥) تفسير القمي ١ : ١٨٠ ـ بتفاوت يسير ـ ، الوسائل ٢٥ : ٢٨٠ أبواب الأشربة المحرمة ب ١ ح ٥.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٣٢٦ أبواب الأشربة المحرمة ب ١٥ ح ٥.

(٧) ص ١٦٩ ـ ١٧٠.

١٩٤
 &

دالّ على الطهارة ..

وتجويز الصلاة في ثوب أصابه مطلق النبيذ ، أو الشرب من حب قطرت فيه قطرة منه ، محمول على النبيذ الحلال.

نعم ، في قرب الإِسناد للحميري : عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله ، أو اُصلي فيه ؟ قال : « صلّ فيه إلّا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر » (١).

وهو مع ضعفه ، وموافقته لمذهب أبي حنيفة (٢) في المائعات المسكرة ، الذي هو المتداول في زمانهم ، بل لكلّ العامة في خصوص النبيذ ، معارض لما تقدّم ، مرجوح منه بما ذكر.

وإنّما خصّصنا بالمائعة بالأصالة ؛ لطهارة غيرها من المائعة عرضاً ، أو غير المائعة ، بالأصل السالم عن المعارض ؛ لأنّ ما يدلّ من الأخبار على النجاسة مخصوص بالنبيذ ، الصريح في المائع بالأصالة ، وما ليس بمخصوص غير صالح لإِثبات النجاسة ؛ لخلوّه عن دالّ على وجوب الغسل.

نعم ، نقل شيخنا البهائي ـ وتبعه جمع ممّن تأخّر عنه ـ عن التهذيب موثّقة الساباطي : « لا تصلّ في ثوب أصابه خمر ، أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه ، فإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله ، فإن صليت فيه فأعد صلاتك » (٣).

ولكني لم أعثر عليها لا في التهذيب ، ولا في غيره من كتب الأخبار.

وأمّا الجامد بالعرض فهو نجس ؛ للاستصحاب.

*       *      *

__________________

(١) قرب الإِسناد ١٦٣ / ٥٩٥ ، الوسائل ٣ : ٤٧٢ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١٤.

(٢) راجع بداية المجتهد ١ : ٣٣ ، ٤٧١.

(٣) الحبل المتين : ١٠٠.

١٩٥
 &

الفصل السابع : في الكافر‌

وله أقسام :

القسم الأول : غير الكتابي الذي لم ينتحل الإِسلام.

ونجاسته عند الإِماميّة إجماعيّة ، وحكاية الإِجماع على نجاسته بخصوصه من المحقق (١) ، وجماعة (٢) ، وعلى نجاسة مطلق الكافر الشامل له من طائفة ، منهم : الشيخ ، والناصريات ، والانتصار ، والسرائر ، والغنية ، والمنتهى ، والتذكرة ، والنهاية (٣) مستفيضة. وهو الحجة عليها ، مع فحوى ما يأتي من المستفيضة الدالّة على نجاسة الكتابي ، بل منطوقه بضميمة الإِجماع المركب.

والاستدلال (٤) عليها بقوله عزّ شأنه : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ) (٥) بالتعدّي إلى غير المشرك ، بعدم القول بالتخصيص غير تام ؛ لعدم ثبوت إرادة المعنى الاصطلاحي من لفظ « نجس » في زمن الخطاب. ودعوى تبادره منه فيه غير مسموعة.

وإثباتها ؛ بقرينة تعليل المنع عن دخول المسجد الحرام لعدم صلاحيّة الأعمّ ـ الذي هو المعنى اللغوي ـ للعلّية بالإِجماع ، ومخالفة جعل العلّة مطلق قذارة المشرك للظاهر ، كما صرّحوا به في حجية منصوص العلة ، كمخالفة جعل المعلول النهي التنزيهي الصالح لمعلوليّة الأعم ، للإِجماع على حرمة دخول المشركين المسجد‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٩٥.

(٢) منهم المجلسي في البحار ٧٧ : ٤٤.

(٣) الخلاف ١ : ٧٠ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠ ، الانتصار : ١٠ ، السرائر ١ : ١٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١ ، المنتهى ١ : ١٦٨ ، التذكرة ١ : ٨ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٧٣.

(٤) كما استدل عليها في الانتصار والخلاف والمنتهى والروض : ١٦٣ وغيرها.

(٥) التوبة : ٢٨.

١٩٦
 &

الحرام ، مستدلّين بهذه الآية ؛ ضعيف جداً ؛ لأنّ عدم صلاحيّة الأعم للعلّيّة يوجب المصير إلى التجوّز ، ولكنه لا يعيّن المطلوب ؛ لجواز أن يكون هو حدّاً معيّناً من الخباثة الباطنية ، كما أنّ المطلوب حدّ معيّن من الظاهرية.

وعدم كونها من المعاني المعهودة للفظ النجاسة ، حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية (١) ؛ مردود. بعدم ثبوت كون المعنى المصطلح أيضاً في زمن الخطاب معروفاً منه ، فيتساويان.

هذا ، مع أن تقدير كلمة « ذو » في صحة التوصيف ـ لكون النجس مصدراً لازماً ـ فاستناد الحكم إلى نجاستهم العرضيّة الحاصلة من عدم التطهّر ، والاغتسال ، وشرب الخمر ؛ ممكن.

وكون التقدير خلاف الأصل ، وشيوع الإِخبار عن الذات بالمصادر للمبالغة ، لا يفيد ؛ لأنّه خلاف الأصل أيضاً. وغلبته على الحذف غير ثابتة وإن رجّحه ظاهر الحصر في الجملة. مع أنّ المبالغة في النجاسة العرضيّة أيضاً ممكنة.

إلّا أن يقال بأن المطلوب مع تفسيره بذي النجاسة أيضاً ثابت ؛ لعدم إمكان استناد الحكم إلى العرضيّة إلّا بارتكاب خلاف أصل (٢) ، لإِمكان دخولهم الماء قبل دخول المسجد ، فإرادة كونهم ذوي النجاسة العرضيّة دائماً خلاف الواقع ، فلا بدّ من تقدير : « غالباً » أو « أغلبهم » إلّا أنّه بعد ما ذكرنا من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في زمان الخطاب لا يفيد.

القسم الثاني : الكتابيّون.

ونجاستهم عندنا مشهورة ، والإِجماع عليها في عبارات جملة من الأجلّة‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٨٥.

(٢) في « ح » : الاصل.

١٩٧
 &

مذكورة ، وهو مذهب الصدوقين (١) ، والشيخين (٢) ، والسيّدين (٣) والحلبيّين (٤) ، والفاضلين (٥) ، والشهيدين (٦) ، والحلي ، والديلمي ، والكركي (٧) ، وكافّة المتأخّرين (٨).

وأمّا قول الشيخ في النهاية : يكره أن يدعو الإِنسان أحداً من الكفار إلى طعامه فيأكل معه ، وإن دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه (٩) ؛ فمحمول على حال الضرورة ، أو ما لا يتعدّى. وغسل اليد للتعبد ؛ لوروده في الأخبار ، أو زوال الاستقذار الحاصل من النجاسات الخارجية ؛ لتصريحه قبل ذلك بأسطر : بعدم جواز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم ، ولا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها ، وأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم.

وقد ينسب الخلاف إلى العماني (١٠) والمفيد (١١) في الرسالة العزّية أيضاً ، وهو غير ثابت.

أما الأول : فلأنَّ مَنْ نسب الخلاف إليه استفاده من تصريحه بطهارة سؤره ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨ ، ١٠ ، المعتبر ١ : ٩٦ ـ نقله عن ابني بابويه ـ.

(٢) المقنعة : ٦٥ ، المبسوط ١ : ١٤ ، التهذيب ١ : ٢٢٣.

(٣) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠ ، الانتصار : ١٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٤) الحلبيان في مصطلحهم هما أبو الصلاح وابن زهرة ، ولا يناسب إرادته في المقام ، للزوم التكرار ، حيث أنه نقله أيضاً عن السيدين وهما (المرتضى وابن زهرة) فيمكن أن يريد بالحلبيين في المقام أبا الصلاح وعلاء الدين الحلبي فان القول موجود في الكافي في الفقه : ١٣١ ، وفي اشارة السبق : ٧٩.

(٥) المعتبر ١ : ٩٦ ، الشرائع ١ : ٥٣ ، التحرير ١ : ٢٤ ، المنتهى ١ : ١٦٨ ، التذكرة ١ : ٨.

(٦) الذكرى : ١٣ ، الدروس ١ : ١٢٤ ، البيان ٣١ ، الروض : ١٦٣ ، الروضة ١ : ٤٩.

(٧) السرائر ١ : ٧٣ ، المراسم : ٢٠٩ ، جامع المقاصد ١ : ١٦٢.

(٨) الحدائق ٥ : ١٧٢ ، الرياض ١ : ٨٥ ، كشف اللثام ١ : ٤٦.

(٩) النهاية : ٥٨٩.

(١٠) نقل عنه في البحار ٧٧ : ٤٤.

(١١) نقل عنه في المعتبر ١ : ٩٦.

١٩٨
 &

ولعله ـ بعد تخصيص السؤر بالماء ، كما عليه جملة من الأصحاب (١) ـ مبني على أصله من عدم انفعال القليل.

وأما الثاني : فلأنّه إنما حكم بالكراهة ، وإرادة المعنى اللغوي منها في عرف القدماء شائعة ، وهي الملائمة لدعوى الإِجماع على النجاسة من تلاميذه (٢) مع كونه رئيس الفرقة.

ومن ذلك ـ مع عدم قدح مخالفة الإِسكافي (٣) لكونه نادراً ـ يظهر الإِجماع على النجاسة هنا أيضاً ؛ فهو الدليل عليها ، مضافاً إلى المستفيضة ، كموثقة ابن أبي يعفور المرويّة في العلل المتقدمة (٤) في غسالة الحمام ، ورواية علي المتقدمة في بحث القليل (٥) في دليل العماني.

ورواية ابن أبي يعفور : أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب واليهودي والنصراني والمجوسي ، فقال : « إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً » (٦).

ولولا نجاسة القليل بملاقاة المذكورين ، للغا التعليل ، وليست هي لاغتسال الجنب والصبي لأصالة كونهما طاهرين ، فتكون للبواقي.

وموثقة الأعرج : عن سؤر اليهودي والنصراني أيؤكل أو يُشرب ؟ قال : « لا » (٧).

وتؤيد المطلوب : صحيحتا علي ومحمد :

__________________

(١) كما تقدم في بحث الاسآر ص ٧٥.

(٢) كما تقدم نقل الاجماع من السيد والشيخ ص ١٩٦ رقم ٣.

(٣) نقل عنه في كشف اللثام ١ : ٤٦.

(٤) ص ١٠٨.

(٥) ص ٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧. وتقدمت في ص ٣٤.

(٧) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢١٠ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ١.

١٩٩
 &

الاُولى : عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام ؟ فقال : « إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام ، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل » (١).

والثانية : عن رجل صافح مجوسياً ، قال : « يغسل يده ولا يتوضأ » (٢).

والمستفيضة الناهية عن الأكل من آنيتهم مطلقاً ، أو قبل الغسل ، وعن طعامهم مطلقاً ، أو الذي يطبخ ، وعن مصافحتهم ، ومسهم ، والرقود معه على فراش واحد ، وإقعاده على الفراش ، وعن الصلاة في الثوب الذي اشتراه من نصراني حتى يغسل (٣) ، والمخصصة لما يحل من طعام أهل الكتاب بالحبوب (٤) ، والدالّة على نجاسة النواصب ، فإنّ أهل الكتاب في غاية العداوة لنبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم وعترته ، وربما قالوا في حقهم ما يجب التحرز عن حكايته.

وإنما جعلناها مؤيدة لا أدلة كما فعله الأكثر (٥) ؛ لإِمكان المناقشة في الجميع.

أما في الأخيرة : فلأنّ المراد بالناصبي ليس معناه الحقيقي ، ومجازه يمكن أن يكون طائفة من المسلمين مظهرة لعداوة أهل البيت ، ويعاضده جعله في كثير من الأخبار (٦) قسيماً لليهودي والنصراني.

وأما في ما قبلها : فلعدم دلالة التخصيص على نجاسة غير الحبوب ، مع أنه لو دل عليها ، للزم التخصيص بما علم ملاقاتهم معه بالرطوبة ، وهو تجوّز لا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢١ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.

(٢) الكافي ٢ : ٦٥٠ العشرة ب ١١ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ / ٧٦٥ ، الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٣.

(٣) راجع الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ و ٥١٧ ب ٧٢ وج ٢٤ : ٢٠٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٢.

(٤) راجع الوسائل ٢٤ : ٢٠٣ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥١.

(٥) منهم صاحب المدارك ١ : ٢٩٨ ، والذخيرة : ١٥٢ ، والحدائق ٥ : ١٦٦.

(٦) راجع الوسائل ١ : ٢٢٠ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥ وص ٢٢٩ أبواب الاسآر ب ٣ ح ٢ وج ٣ : ٤٢٠ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٤.

٢٠٠