مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

المسألة الثانية : الحقّ طهارة بول الطير وذرقه مطلقاً ، وفاقاً فيهما للصدوق (١) ، والعماني ، والجعفي (٢) ، والمعالم (٣) من المتأخّرين ، والحدائق (٤) من متأخّريهم ، وفي الثاني للمدارك ، والذخيرة ، وكفاية الأحكام ، والبحار (٥) ، مع نفي البعد عن طهارة الأول في الأول ، والتردّد في الثانيين ، والاستشكال في الرابع ، وللمبسوط (٦) ، في غير الخشّاف. للأصل.

وحسنة أبي بصير : « كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (٧).

وكونها مخصوصة (٨) بالخشاف [ إجماعاً ] (٩) فيختصّ بما شاركه في العلّة ، وهو : عدم كونه مأكولاً ؛ مردود : بمنع الإِجماع المدّعى أولاً ، وعدم تعليله بما ذكر ـ لو سلّم ـ ثانياً.

وموثّقةِ غياث : « لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف » (١٠) المثبتة لتمام المطلوب بالإِجماع المركّب.

المؤيّدتين بالمرويين في البحار ، أحدهما عن جامع البزنطي : « خرء كل شي‌ء يطير وبوله لا بأس به » (١١) والآخر عن نوادر الراوندي : عن الصلاة في الثوب الذي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤١ ، المقنع : ٥.

(٢) نقله عنهما في الذكرى : ١٣.

(٣) المعالم : ١٩٨.

(٤) الحدائق ٥ : ١١.

(٥) المدارك ٢ : ٢٦٢ ، الذخيرة : ١٤٥ ، الكفاية : ١١ ، البحار ٧٧ : ١١١.

(٦) المبسوط ١ : ٣٩.

(٧) الكافي ٣ : ٥٨ الطهارة ب ٣٧ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١.

(٨) كما عن المختلف : ٥٦.

(٩) أضفناه لاستقامة المعنى.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٣ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٥.

(١١) البحار ٧٧ : ١١٠ ، المستدرك ٢ : ٥٦٠ أبواب النجاسات ب ٦ ح ٢.

١٤١
 &

فيه أبوال الخفافيش ؟ فقال : « لا بأس » (١).

والاستدلال بترك الاستفصال في صحيحة علي : عن رجل في ثوبه خرء الطير أو غيره ، هل يحكّه وهو في صلاته ؟ قال : « لا بأس به » (٢) ضعيف ؛ لأنّه إنّما يتمّ لو كان السؤال عن خرء الطير ، وكان المعنى لا بأس بخرئه.

والظاهر أن السؤال عن الحك في الصلاة ، وذكر ما ذكر من باب التمثيل. والمعنى : لا بأس بالحك.

ويؤيده : عدم الاستفصال في الغير ، وقوله بعد ذلك : « ولا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء وهو يصلي » وإيراد الأصحاب لها في مسألة ما لا يجوز للمصلي فعله.

خلافاً للشيخ في المبسوط (٣) ، في الخشاف ؛ لرواية الرقي : عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال : « اغسل ثوبك » (٤) فإنّه يخصّص بها عموم ما مرّ ، المخصّص للعمومات السابقة عليه.

ويضعف : بالمعارضة مع موثّقة غياث (٥) المؤيّدة بما مرّ.

والاُولى وإن رجّحت بالشهرة فتوىً ، ولكن الثانية ترجّح بالعلوّ سنداً ، والأوثقيّة رجالاً ، والأظهريّة دلالةً ، وللأصل موافقةً فلولا ترجيح الثانية لتساويا ، ويكون المرجع : الأصل وعمومات الطير.

وجعل الموثّقة شاذّةً ، أو حملها على التقية ـ كما في التهذيب (٦) ـ لا وجه له ؛

__________________

(١) البحار ٧٧ : ١١٠ / ١٣ ، لم نجده في النوادر المطبوع.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٥ ، الوسائل ٧ : ٢٨٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ٣٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٨ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٤.

(٥) المتقدمة ص ١٤١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٦٦.

١٤٢
 &

لعمل جماعة من القدماء (١) بها ، وعدم قرينة على التقيّة فيها.

نعم المظنون كون الموثقة لشهرة القدماء مخالفة ، وحينئذٍ فالاحتياط عن بول الخشاف أولى.

وللمشهور ـ كما في الخلاف (٢) ، والمعتبر (٣) ـ في غير المأكول من الطير مطلقاً ؛ لنقل الإِجماع من الفاضلين (٤) ، وتوقّف حصول البراءة اليقينية عليه ، وعمومات البول ، والعذرة المتقدمة (٥).

وحسنة ابن سنان (٦) ، بضميمة الإِجماع المركّب في الخرء.

ورواية المختلف (٧).

ويرد على الأول : ـ مضافاً إلى منع حجية الإِجماع المنقول ـ أن ذكرهما الخلاف في الطير بعد ادّعائهما الإِجماع في مطلق ما لا يؤكل بقولهما : أجمع علماء الإِسلام ؛ قرينة على إرادتهما غير الطير ، فإنّه كيف يصح هذا القول منهما مع مخالفة جماعة من عظماء الإِمامية ؟

ومما يوضح ذلك : أن المحقق بعد ما قال : البول والغائط ممّا لا يؤكل نجس وهو إجماع علماء الإِسلام ، قال : وفي رجيع الطير للشيخ قولان ـ إلى أن قال ـ والآخر أن كل ما اُكل فذرقه طاهر ، وما لا يؤكل فذرقه نجس ، وبه قال أكثر الأصحاب ، ومحمد بن الحسن الشيباني (٨). فإن قوله : وبه قال أكثر الأصحاب ،

__________________

(١) وهم الصدوق والعماني والجعفي المتقدم ذكرهم ص ١٤١ رقم ١ ، ٢.

(٢) الخلاف ١ : ٤٨٥ ادعى الاجماع على نجاسة بول وروث وذرق كل ما لا يؤكل لحمه.

(٣) المعتبر ١ : ٤١١.

(٤) اراد به الاجماع على نجاسة البول والغائط من كل حيوان غير مأكول اللحم كما تقدم ص ١٣٧ ، رقم ١.

(٥) ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٦) المتقدمة ص ١٣٧.

(٧) المتقدمة ص ١٣٨.

(٨) المعتبر ١ : ٤١٠ ، ٤١١.

١٤٣
 &

قرينة واضحة على أنّ مراده من قوله : وهو إجماع علماء الإِسلام ، في غير الطير.

وعلى الثاني : بحصول البراءة اليقينية شرعاً بعد الدليل الشرعي على الطهارة.

وعلى الثالث : ـ مضافاً إلى عدم ثبوت إطلاق العذرة على غير الغائط من الإِنسان ـ أنه إما عام مطلق بالنسبة إلى أخبار الطير ، فيجب تخصيصه بها ، أو أعم من وجه ؛ لخروج بول ما يؤكل منه إجماعاً ، فيجب الرجوع إلى الأصل.

وترجيح العمومات بعمل الأكثر معارض بما مر من موافقة أخبار الطير للأصل ، وعمومات الطهارة ، وأظهريّة الدلالة ، مع أنّ إيجاب مثل هذه المرجحات للترجيح عندنا غير ثابت ، والأشهرية المنصوص عليها هي ما في الرواية ، دون الفتوى.

وبهذا يردّ الأخيران أيضاً.

مضافاً إلى ما في أولهما من منع الإِجماع المركب بالنسبة إلى بول الطير وخرئه ، كما عرفت من قطع جماعة في حكم خرئه ، والتردد في بوله.

ومن أن الطير إما فاقد للبول ، كما هو الظاهر في أكثر الطيور ، حيث لم يطّلع أحد على بول له ويستبعد وجوده ، وعدم الاطلاع عليه سيّما في المأنوسة.

وأما ذكره في الأخبار فلا يدلّ على وجوده لكل طير ، بل غايته وجوده لنوع ، هو الخشاف المذكور بوله فيها ، والمحكي مشاهدته منه ، واختلاف الطيور في ذلك ممكن ، كما في الولودية. فيسقط الاستدلال به رأساً ، أما على نجاسة البول : فظاهر ، وأما الرجيع : فلأنّ عدم الفصل إنما يكون لو كان له بول.

والقول : بأنه لو فرض له بول يكون نجساً ، وكل ما كان كذلك فرجيعه نجس بالإِجماع المركّب ، باطل ؛ لمنع أنّه لو فرض له بول يكون نجساً ؛ لأنّ الأحكام لا ترد على الموضوعات الفرضية المحضة.

سلّمنا ، ولكن نمنع تحقق الإِجماع المركب في مثله وإنما (١) هو [ في

__________________

(١) في « هـ » : انما.

١٤٤
 &

المتحقق ] (١) والحكم بنجاسته.

أو بوله (٢) مشكوك فيه ، فالكلام فيه أيضاً كالفاقد.

ومن هذا يظهر جواب آخر عن عمومات البول.

وما في ثانيهما (٣) من أنّ دلالته على نجاسة الخرء مما لا يؤكل ، بالعليّة الموجبة لانتفاء المعلول بانتفاء العلة ، وهو إنما يكون لو لم تقم علة اُخرى مقامها. ونفي قيام الاُخرى لا يكون إلا بالأصل الزائل بعمومات الطهارة في الطير. مع أن مفهومه ليس إلا ثبوت نوع بأس في خرء ما لا يؤكل ، فلعلّه لمنع استصحابه في الصلاة ، دون النجاسة.

المسألة الثالثة : بول الرضيع نجس على الأشهر الأظهر ؛ للإِجماع المحقق والمحكي (٤) مستفيضاً ، والمروي عن النبي المتقدم (٥) المنجبر بالعمل.

والاستدلال بجعل مطلق البول كالمني ، في إعادة الصلاة منه ، كما في صحيحة محمد (٦) ، أو بموجبات الصب أو غسل مطلق البول ـ ضعيف ؛ لجواز كون الإِعادة من جهة كونه فضلة غير المأكول ، وعدمِ الملازمة بين وجوب الصبّ والنجاسة ، بل الظاهر إيجاب المخالف له أيضاً ، ولذا جعل بعضهم نزاعه لفظيّاً ، وإن لم يكن كذلك. وعدمِ وجوب الغسل هنا إجماعاً.

ودعوى صدقه على الصب : بمخالفة العرف ، وصحة السلب ، وتبادر الغير ، وتقابلهما في الأخبار ـ مردودة ، مع أن غالب موجبات الغسل بين موجب‌

__________________

(١) في جميع النسخ تحقّق وما أثبتناه لاستقامة المعنى.

(٢) عطف على قوله : إما فاقد ...

(٣) عطف على قوله : ما في أولهما.

(٤) التذكرة ١ : ٦ ، ولعله يستفاد من الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١. وحكى غير واحد دعوى الاجماع من السيد المرتضى.

(٥) ص ١٣٧ الهامش (٣).

(٦) الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.

١٤٥
 &

للمرتين المنفيين هنا إجماعاً ، وبين مصرح ببول الرجل.

ومن ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة سماعة الآمرة بغسل الثوب عن بول الصبي (١).

وأضعف منها : الاحتجاج بالمرويّ عن كتاب الملهوف عن اُم الفضل : أنها جاءت بالحسين عليه السلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فبال على ثوبه ، فقرضته ، فبكى ، فقال : « مهلاً يا اُم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني » (٢) فإنّه مع عدم دلالته على وجوب الغسل ، غير دال أنه كان قبل أن يعلم.

خلافاً للإِسكافي (٣) ؛ لرواية السكوني والرضوي : « لبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله » (٤).

والمروي في نوادر الراوندي : « بال الحسن والحسين على ثوب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل أن يطعما ، فلم يغسل بولهما من ثوبه » (٥).

ويضعفان ـ بعد عدم صلاحيتهما للحجية ـ : بمنع الملازمة بين انتفاء الغسل والطهارة. والجمع بين البول واللبن لا يدل على أزيد من اتحادهما في عدم الغسل.

المسألة الرابعة : بول كل مأكول اللحم وروثه طاهر ، بالإِجماع ، حتى الدجاج على الأشهر ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وللمستفيضة ، كحسنة زرارة ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٣.

(٢) الملهوف : ٦ ، الوسائل ٣ : ٤٠٥ أبواب النجاسات : ب ٨ ح ٥.

(٣) نقل عنه في المختلف : ٥٦.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤ ، فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٥) نوادر الراوندي : ٣٩ ، المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢ ح ٤.

١٤٦
 &

وروايتي قرب الإِسناد ، والمختلف المتقدمة (١) ، وصحيحة البصري ، وروايته الآتيتين في المسألة الخامسة (٢).

والموثّقتين ، إحداهما للساباطي : « كل ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » (٣).

والاُخرى لابن بكير : « وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره ، وبوله ، وشعره ، وروثه ، وألبانه ، وكل شي‌ء منه ، جائزة » (٤).

ورواية وهب بن وهب : « لا بأس بخرء الحمام والدجاج يصيب الثوب » (٥).

خلافاً للمنقول عن الصدوقين (٦) ، والشيخين (٧) ، في ذرق الدجاج ؛ لرواية فارس : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه ؟ فكتب : « لا » (٨).

وهي لمخالفتها لشهرة القدماء ، ومعارضتها لرواية وهب ، غير صالحة لتخصيص العمومات ودفع الأصل.

والحمل على الجلال ممكن ، فإن المصرح به في كلامهم نجاسة ذرقه ، بل في المختلف ، واللوامع : الإِجماع عليها (٩) ، وفي التذكرة ، والتنقيح : نفي الخلاف‌

__________________

(١) ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٢) سيأتي في ذكرهما في ١٥١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢٦ / ٧٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣١ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٨ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١ ح ٢.

(٦) المقنع : ٥.

(٧) المقنعة : ٧١ ، التهذيب ١ : ٢٦٦ ، المبسوط ١ : ٣٦.

(٨) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦١٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٣.

(٩) المختلف : ٥٥.

١٤٧
 &

عنها (١). إلا أن أخبار طهارة بول الطير وخرئه. من غير معارض من الأخبار ـ لما عرفت من عدم ثبوت بول له ، وعدم دلالة ما فيه ذكر الخرء ـ تنفيها (٢) ، فإن ثبت الإِجماع عليها ، وإلا فالأصل يقتضي الطهارة.

المسألة الخامسة : ومن المأكول اللحم : الدواب الثلاث ، فأبوالها وأرواثها طاهرة ، وفاقاً للمعظم ، ومنهم : الشيخ في المبسوط والتهذيب ، بل في غير النهاية (٣) ، كما في الذخيرة (٤) ، وفيه : أن عليها اتفاق من عدا الإِسكافي ، وفي المعتبر : أن عليها عامة الأصحاب (٥). بل عليها الإِجماع المحقق لندور (٦) المخالف.

وهو الحجة عليها ؛ مضافاً إلى ما مر من الأصل ، والاستصحاب ، وعمومات طهر ما يؤكل.

واحتمال إرادة ما يعتاد أكله ، أو جعله الله للأكل ؛ حيث إن المراد منه معناه المجازي قطعاً ، وهو كما يمكن أن يكون ما من شأنه ، أو يجوز أن يؤكل شرعاً ، يمكن أن يكون أحد المعنيين ، بل الأخير هو المستفاد من بعض الأخبار (٧) ، المؤكد بأخبار اُخر (٨) ، عاطفةٍ لما يؤكل على هذه الدواب ـ مدفوع : برواية المختلف المتقدمة (٩) ، وعدم دلالة ما أشار إليه من الأخبار على أن مراد الإِمام مما يؤكل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦ ، التنقيح ١ : ١٤٦.

(٢) في « ح » و « ق » : بنفسها وفي « هـ » : بنفيها ، والظاهر انهما تصحيف لما أثبتناه ، والضمير راجع الى النجاسة ، والجملة خبر لقوله : ان أخبار طهارة ...

(٣) المبسوط ١ : ٣٦ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٧١.

(٤) الذخيرة : ١٤٥.

(٥) المعتبر ١ : ٤١٣.

(٦) في « ق » : لندرة.

(٧) كرواية زرارة المروية في تفسير العياشي ٢ : ٢٥٥ / ٦ وراجع الحدائق ٥ : ٢٧.

(٨) كصحيحة البصري الآتية في ص ١٥١.

(٩) ص ١٣٨.

١٤٨
 &

(الذي حكم بطهارة بوله وروثه) (١) ما جعله الله للأكل. وإرادته منه في بعض الأخبار بقرينة العطف ، لا تدلّ على إرادته في غيره أيضاً.

وقد يدفع احتمال الاعتياد : بأنه لو كان المراد ، لشمل مثل الخنزير ، والأرنب ، واليربوع.

وفيه : أن الاعتياد المأخوذ في معاني الألفاظ هو ما في عرف المتكلم ، أو المخاطب ، أو هما ، أو البلد.

ومنه يضعّف تتميم الدليل على احتمال الاعتياد : باعتياد أكل الفرس ، بضم الإِجماع المركب في أخويه.

ويدل على المطلوب أيضاً : خصوص رواية المعلى وابن أبي يعفور : كنا في جنازة وقُرْبنا حمار ، فبال ، فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا وثيابنا ، فدخلنا على أبي عبد الله فأخبرناه ، فقال : « ليس عليكم شي‌ء » (٢).

واختصاصها بالحمار ـ لعدم الفصل ـ غير ضائر.

ورواية أبي الأغر : إني اُعالج الدواب ربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فتضرب إحداها برجلها أو يدها ، فينضح على ثيابي ، فاُصبح فأرى أثره فيه ، فقال : « ليس عليك شي‌ء » (٣).

والصحيحتان المرويّتان في قرب الإِسناد : إحداهما لابن رئاب ، المصرّحة بجواز الصلاة في ثوب أصابه الروث الرطب (٤).

والاُخرى لعلي : عن الثوب يوضع في مربط الدابة على أبوالها وأرواثها ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « هـ ».

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٥ / ١٣٥١ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤١٠ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٨ الطهارة ب ٣٧ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢.

(٤) قرب الاسناد : ١٦٣ / ٥٩٧ ، الوسائل ٣ : ٤١٠ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٦.

١٤٩
 &

قال : « إن علق به شي‌ء فله غسله (١) ، وإن أصابه شي‌ء من الروث أو الصفرة التي معه فلا يغسله من صفرة » (٢).

وفي جامع البزنطي عن الصادق عليه السلام : « أنا والله ربما وطئت على الروث ثم اُصلّي ولا أغسله » (٣).

وموثّقة الحلبي : في السرقين الرطب أطأ عليه ؟ فقال : « لا يضرّك مثله » (٤).

وضعف بعضها سنداً ، كاختصاص البعض بالروث ، غير ضائر ؛ لانجبار الأول بالعمل ، والثاني بالإِجماع المركب ، كما هو المحقق ، والمصرح به في المختلف ، والذخيرة (٥) ، واللوامع ، وفي الناصريات : إنه لم يقل أحد من الاُمة أن الروث طاهر ، والبول نجس (٦). ومخالفة بعض المتأخرين ـ كما يأتي ـ لا يوجب قدحاً فيه.

ومنه يتّجه الاستدلال بالمستفيضة الآتية (٧) ، الآمرة بغسل الثوب عن بولها ، دون روثها.

ولا يمكن المعارضة فيها بالعكس ؛ لإِمكان توجيه الأخبار على الأول ، بحمل الأمر على الاستحباب بقرينة طهارة الروث ، بل يتعين ذلك ؛ لأن الحمل على الحقيقة إنما هو مع خلوّ الكلام عما يصلح قرينةً للتجوّز ، ولا يمكن ذلك في العكس.

وممّا يثبت المطلوب : لزوم العسر والحرج المنفيّين لولاه ، كما علّل به الإِمام‌

__________________

(١) في المصدر : فليغسله.

(٢) قرب الاسناد : ٢٨٢ / ١١١٩ ، الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٩.

(٣) رواها في مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي : ٢٧ / ٢٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨ الطهارة ب ٢٤ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٣.

(٥) المختلف : ٥٦ ، الذخيرة : ١٤٦.

(٦) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠.

(٧) في ص ١٥٤.

١٥٠
 &

طهارة الأرواث في بعض الأخبار ، وأبوالها أيضاً كذلك ، بل أشدّ ؛ لترشّحها في الأغلب ـ سيّما في الأسفار ـ على الراكب والأحمال وما قاربها.

خلافاً للإِسكافي ، والشيخ في النهاية (١) ، فقالا بالنجاسة في أبوالها وأرواثها ـ وهو مذهب أبي حنيفة ، والشافعي ، كما في الناصريات والانتصار ، والمعتبر (٢) ، وأبي يوسف أيضاً ، كما في الأولين ـ لعمومات نجاسة البول والعذرة مطلقاً ، ونجاستهما ممّا لا يؤكل (٣) ، بالتقريب المذكور في المراد ممّا يؤكل.

وخصوص صحيحة البصري ، وروايته ، الاُولى : عن الرجل يمسّ بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا ؟ قال : « يغسل بول الفرس ، والبغل ، والحمير ، وأما الشاة ، وكل ما يؤكل لحمه ، فلا بأس ببوله » (٤). وقريبة منها الثانية (٥).

وروايتي أبي بصير ، إحداهما : عن الماء النقيع تبول فيه الدواب ، فقال : « إن تغيّر الماء فلا يتوضأ منه » (٦).

والاُخرى : عن كر من ماء مررت فيه وأنا في سفر ، قد بال فيه حمار ، أو بغل ، أو إنسان ، قال : « لا تتوضأ منه » (٧).

وصحيحة محمد : عن الماء تبول فيه الدواب ، وتلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب ، قال : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (٨).

__________________

(١) نقل عن الاسكافي في المختلف : ٥٦ ، النهاية : ٥١.

(٢) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠ ، الانتصار : ٢٠١ ، المعتبر ١ : ٤١١.

(٣) المتقدمة ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٧ / ٧١١ ، الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٩ : وفي المصادر : يمسّه.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢٢ / ١٣٣٧ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٠.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١١ ، الاستبصار ١ : ٩ / ٩ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٠ ، الاستبصار ١ : ٨ / ٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ٢ الطهارة ب ٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ / ١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٦ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١.

١٥١
 &

وصحيحتي علي ، المرويتين في قرب الإِسناد ، إحداهما : عن الدابة تبول فيصيب بولها المسجد ، أو حائطه ، أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : « إذا جفّ لا بأس » (١) والاُخرى : ما تقدم (٢).

ورواية علي المروية في كتابه : عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها ، وروثها ، كيف يصنع ؟ قال : « إن علق به شي‌ء فليغسله ، وإن كان جافاً فلا بأس » (٣).

وحسنة محمد : عن أبوال الدواب ، والبغال ، والحمير ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله ، وإن شككت فانضحه » (٤).

وصحيحة الحلبي : عن أبوال الخيل ، والبغال ، قال : « اغسل ما أصابك منه » (٥).

وموثقة سماعة : عن بول السنّور ، والكلب ، والحمار ، والفرس ، قال : «كأبوال الإِنسان » (٦).

وبضميمة عدم الفصل يتمّ الاستدلال بما يختص منها بالبول.

والجواب : أمّا عن عموم الأوّل : فمع منع صدق العذرة على المورد ، بتخصيصه بما مرّ.

وأمّا عن الثاني : فبه ، وبما مرّ من فساد التقريب المذكور.

__________________

(١) قرب الاسناد ٢٠٥ / ٧٩٤ ، الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٨.

(٢) ص ١٢٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧١ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٣ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٢ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٢٢ / ١٣٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٧ ، الوسائل ٣ : ٤٠٦ أبواب النجاسات ب ٨ ح ٧.

١٥٢
 &

وأمّا عن الخصوصات : فبمنع دلالة غير الأخيرتين (منها) (١).

أمّا الاُوليان : فلخلوّهما عمّا يفيد وجوب الغسل المفيد للنجاسة.

وكذا الثانيتان ؛ لاحتمالهما النفي الغير المفيد إلّا للمرجوحيّة الشاملة للكراهة ، بل يتعين حملهما عليها ؛ لتصريح الثانية بكرية الماء ، وظهور الاُولى فيها أيضاً ، كما هي المستفادة من النقيع ، ومن كونه معرضاً لهذه الاُمور.

مضافاً : إلى أن لشمول الدواب لغير الثلاثة أيضاً ـ مما لا خلاف في طهارة فضلته ، كالبعير والبقرة ـ تكون دلالته موقوفة على تخصيص الدابة ، وأولويته من حمل النهي على الكراهة غير ثابتة.

ومنه يظهر عدم دلالة البواقي أيضاً ، مضافاً إلى ما في اُولاها من ظهور تحقق الاُمور الثلاثة من بول الدواب ، وولوغ الكلب ، وغسل الجنب. وفي ثانيتها ، من عدم دلالة البأس مع عدم الجفاف على النجاسة بوجه. وفي ثالثتها من ظهور قوله : « فله غسله » (٢). في عدم الوجوب.

وأما الأخيرتان وإن دلّتا بظاهريهما ولكن حملهما على مطلق رجحان الغسل متعيّن ؛ لما ذكرنا من الأدلة ، لا لأجل أن أحد المتعارضين يحمل على الاستحباب ، كما توهم وطعن به على المجتهدين بأنه من أين علم أن الحمل على الاستحباب من وجوه الجمع (٣) ؟ بل لأنّ مثل ما ذكر قرينة عرفاً على إرادة مطلق الرجحان ، كما في العام والخاص المطلقين.

ولو اُغمض عن ذلك ، وبني على التعارض ، فالترجيح لما ذكرنا أيضاً ؛ لمخالفة معارضه لشهرة القدماء وعمل صاحب الأصل ، بل للإِجماع ، الموجبة لخروجه عن الحجية ، ومع ذلك موافق لمذهب العامة ، ومنافٍ لقاعدة نفي الحرج ، فتعين تركه.

__________________

(١) لا توجد في « ق ».

(٢) كذا في جميع النسخ ، ولكن المذكور في رواية علي : « فليغسله ».

(٣) الحدائق ٥ : ٢٤.

١٥٣
 &

مع أنه لولا الترجيح أيضاً ، لكان المرجع إلى الأصل ، وهو معنا.

ومنه يظهر الجواب عن غير الأخيرتين ، على فرض دلالته أيضاً.

ولطائفة من متأخري المتأخرين ، منهم : الشيخ جواد الكاظمي ، وصاحب الحدائق (١) ناقلاً إياه عن بعض مشايخه ، في أبوالها خاصة ، واستشكل فيه الأردبيلي ، وتوقف في المدارك (٢).

لما مر من أخبار نجاسة أبوالها (٣) ، مع الأصل في الروث ، ومنع الإِجماع المركب.

ولصحيحة الحلبي : « لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها » (٤).

وروايتي أبي مريم ، وعبد الأعلى ، الاُولى : في أبوال الدواب وأرواثها ، قال : « أما أبوالها فاغسل ما أصابك ، وأما أرواثها فهي أكثر من ذلك » (٥).

والثانية : عن أبوال الحمير ، والبغال ، قال : « اغسل ثوبك » قال ، قلت : فأرواثها ؟ قال : « هو أكثر من ذلك » (٦).

وقد مرّ جواب الأول.

ومنه يظهر الجواب عن الأخبار المفصلة ، مضافاً إلى ما سبق في طيّ الاستدلال على المختار.

المسألة السادسة : المقطوع به في كلام الأكثر : طهارة رجيع ما لا نفس له‌

__________________

(١) الحدائق ٥ : ٢١.

(٢) مجمع الفائدة ١ : ٣٠١ ، المدارك ٢ : ٣٠٣.

(٣) في ص ١٥١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٦ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٣ ، الوسائل ٣ : ٤٠٨ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٨.

(٦) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٥ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٣.

١٥٤
 &

وبوله ، وعليه الإِجماع في اللوامع ، وعدم الخلاف في الحدائق (١) ، ونسب الخلاف في التذكرة (٢) إلى بعض العامة ، وهو بعدمه عندنا مشعر ، وتردد في الشرائع (٣).

وفي الدروس (٤) وإن لم يقيد البول والغائط النجس بماله نفس ـ ولذا توهّم منه التعميم ـ إلا أن الظاهر أنه اكتفى في التخصيص بما يذكره في الدم والمني.

وكيف كان فلا ريب فيها في رجيعه ؛ للأصل السالم عن المعارض.

وأما رواية المختلف (٥) ففيها ـ مع ما مرّ ـ أن حجيّتها لضعفها مخصوصة بموضع الانجبار.

ويدل عليه أيضاً في كثيرٍ نفي الحرج ، ويتعدّى إلى الجميع بعدم الفصل.

ومنه يظهر الوجه في طهارة بوله (أيضاً) (٦).

وبه يعارض حسنة ابن سنان (٧) ويرجع إلى الأصل ، مع أن شمولها له ـ مع ندوره الموجب لتردّد جماعة في ثبوت بول له ـ مشكل ، ومع ذلك كلّه فالأمر فيه ـ لعدم ثبوته ـ سهل.

فروع :

أ : لو اشتبه بول ، أو رجيع ، أنه هل من الحيوان النجس بوله أو رجيعه ، أو من الطاهر ؟ فهو طاهر ؛ للأصل.

ولو اشتبه حيوان غير مأكول ، بأنه مما له نفس أولا ؟ فالظاهر طهارة رجيعه ؛ لذلك أيضاً.

ويحتمل نجاسة بوله ؛ لعموم الحسنة. وطهارته ؛ للإِجماع المركب.

__________________

(١) الحدائق ٥ : ١٣.

(٢) التذكرة ١ : ٦.

(٣) الشرائع ١ : ٥١.

(٤) الدروس ١ : ١٢٣.

(٥) المتقدمة ص ١٣٨.

(٦) لا توجد في « ق » و « هـ ».

(٧) المتقدمة ص ١٣٧.

١٥٥
 &

ب : لو خرج البول أو الغائط ـ مما ينجسان منه ـ عن غير الموضعين المعتادين ، فينجسان ؛ لصدق الاسم. ويلزم من يخصّهما بالشائع المعتاد ، القول بالطهارة.

ج : ما يخرج مع الغائط من الدود والحب ليس نجساً ما لم يكن غائطاً عرفاً ؛ للأصل.

وقد يحكم بالطهارة إن كان صلباً ينبت لو زرع ، والنجاسة إن لم يكن كذلك.

ولا دليل عليه ؛ إذ ربما تزول الصلبيّة ويفسد بحيث لا ينبت ، ولا يصدق عليه الغائط.

*       *      *

١٥٦
 &

الفصل الثاني : في المني‌

ولا خلاف في نجاسته من الإِنسان ، والأخبار فيها مستفيضة (١).

وما ينافيها مطلقاً ، أو مع الجفاف ظاهراً مؤوّل ، أو متروك.

وكذا من غيره مما له نفس ، على المعروف من مذهب الأصحاب ، بل عليه الإِجماع في كلام جماعة (٢) ؛ وهو الحجة فيه.

مضافاً إلى المطلقات ، الآمرة بغسل الثوب إذا أصابه المني ، والمصرحة بكونه أشد من البول (٣).

والخدش فيه (٤) : بعدم استلزام لزوم الغسل للنجاسة ، أو انصرافها إلى مني الإِنسان ، بما مرّ في البول مدفوع.

وإثبات النجاسة بما جعله أشدّ من البول ، مع تسليم انصرافه إلى مني الإِنسان ـ كما في المعالم (٥) ـ في غاية الضعف.

وأما ما لا نفس له ، فالمقطوع به في كلام جملة من القوم طهارته (٦).

ويظهر من بعضهم وقوع الخلاف فيه ، حيث نسبها إلى جماعة (٧). ومن آخر حيث جعلها الأصح أو الأقرب (٨). وتردّد فيها في المعتبر ، والمنتهى (٩) ؛ لما مرّ وإن‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٣ : ٤٢٣ أبواب النجاسات ب ١٦.

(٢) التذكرة ١ : ٦ ، المدارك ٢ : ٢٦٥ ، الرياض ١ : ٨٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٢٣ أبواب النجاسات ب ١٦.

(٤) الرياض ١ : ٨٣.

(٥) المعالم : ٢٠٨.

(٦) منهم العلامة في التذكرة ١ : ٦ ، والشهيد في البيان : ٩٠.

(٧) المعالم : ٢٠٨.

(٨) المنتهى ١ : ١٦٢.

(٩) المعتبر ١ : ٤١٥ ، قال في المنتهى ١ : ١٦٢ ما لا نفس له سائلة الاقرب طهارته فتأمّل.

١٥٧
 &

رجّحاها ثانياً.

والاستدلال عليها بنفي الحرج ـ كما في اللوامع ـ ضعيف ؛ إذ قلّما يمكن حصول العلم بإصابة مني غير ذي النفس.

فرعان :

أ : المذي ـ وهو ماء لزج رقيق ، يخرج بلا دفع عقيب الشهوة. وقيل : بعد التقبيل والملاعبة (١). وقال الصدوق : قبل المني (٢). والظاهر : أنّهما تفسيران (٣) بالأخص ـ طاهر ، ونقل الإِجماع عليه مستفيض (٤) ، والأصل والنصوص المعتبرة (٥) معه يدلّان عليه.

خلافاً للمنقول عن الإِسكافي (٦) ؛ لروايتي ابن أبي العلاء (٧).

وحملهما على الاستحباب ـ بعد تصريح طائفة من الصحاح وغيرها المعتضدة بعمل الأصحاب ـ متعين ، مع عدم حجّيتهما لشذوذهما. ومع ذلك ، فإحداهما غير صريحة في وجوب الغسل الذي هو مستند النجاسة.

وأما الودي ـ بالمهملة ـ وهو ما يخرج بعد البول ـ وبالمعجمة ـ وهو على ما ذكره الصدوق : ما يخرج بعد المني (٨) ، وفي مرسلة ابن رباط : « أنه ما يخرج من الأدواء » (٩) ـ فهما طاهران بلا خلاف ؛ للأصل.

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٦٦.

(٢) الفقيه ١ : ٣٩.

(٣) في « ق » : يفسّران.

(٤) كما في الخلاف ١ : ١١٨ ، والمختلف : ٥٧.

(٥) الوسائل ١ : ٢٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢.

(٦) نقل عنه في المختلف : ٥٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥٣ / ٧٣١ و ٧٣٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٦ و ٦٠٧ ، الوسائل ٣ : ٤٢٦ ، ٤٢٧ أبواب النجاسات ب ١٧ ح ٣ و ٤.

(٨) الفقيه ١ : ٣٩.

(٩) التهذيب ١ : ٢٠ / ٤٨ ، الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠١ ، الوسائل ١ : ٢٧٨ أبواب نواقض الوضوء

=

١٥٨
 &

ب : كل رطوبة خارجة من المخرجين ـ سوى ما ذكر والدم ـ طاهر ؛ بالإِجماع ، والأصل ، وتدلّ عليه صحيحة إبراهيم بن أبي محمود (١) أيضاً.

*       *      *

__________________

=

ب ١٢ ح ٦.

(١) التهذيب ١ : ١٦ / ٣٤ ، الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٦ ، الوسائل ١ : ٢٦٢ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٦.

١٥٩
 &

الفصل الثالث : في الميتة‌

وهي نجسة من كلّ ذي نفس ، بالإِجماع المحقّق ، والمحكيّ في الخلاف (١) ، والانتصار ، والغنية ، والمنتهى ، والتذكرة (٢) ، والشهيدين (٣) ، واللوامع ، والمعتمد ، وغيرها (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً في الجميع إلى روايتي محمد بن يحيى ، وحفص.

اُولاهما : « لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس » (٥). وكذا الثانية مع زيادة « سائلة » (٦).

والحمل على إفساده بنحو بوله خلاف الظاهر ، إلا أن في عموم لفظة « ما » فيها نظراً ؛ لاحتمال الوصفية.

وفي الآدميّ إلى رواية إبراهيم بن ميمون : عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت ، فقال : « إن كان غسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسّل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (٧) وزاد في نسخ الكافي : « يعني إذا برد الميت » (٨).

دلّت على غسل ما أصاب الثوب وتعدّى من الميت إليه ، ولو لم يكن‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٠ ، وفي « ح » و « ق » : (المختلف) : ٦٠.

(٢) الانتصار : ١٢ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١ ، المنتهى ١ : ١٦٤ ، التذكرة ١ : ٧.

(٣) الذكرى : ١٣ ، الروض : ١٦٢.

(٤) كالمعتبر ١ : ٤٢٠ ، والذخيرة : ١٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥ الطهارة ب ٤ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ٤٦٤ أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ٥.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٦٤ أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ١٦١ الجنائز ب ٣١ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١١ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٦١ الطهارة ب ٣٩ ح ٥.

١٦٠