فوائد الأصول - ج ٤

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني

فوائد الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٣٢

كذلك ولو في جزء من الوقت ، ولا يعتبر التمكن من ذلك في جميع آنات الوقت ، كما هو الحال في غير الناسي من سائر ذوي الأعذار ، فإنه لا يجوز الاعتداد بالمأتي به في حال العذر مع عدم استيعاب العذر لتمام الوقت.

والحاصل : أن رفع الجزئية بأدلة البراءة في حال النسيان لا يلازم رفعها في ظرف التذكر (١) لأن الشك في الأول يرجع إلى ثبوت الجزئية في حال النسيان ، وفي الثاني يرجع إلى سقوط التكليف بالجزء في حال الذكر ، والأول مجرى البراءة ، والثاني مجرى الاشتغال.

هذا إذا لم يكن المكلف ذاكرا في أول الوقت ثم عرض له النسيان في الأثناء ، وإلا فيجري استصحاب التكليف الثابت عليه في أول الوقت ، للشك في سقوطه بسبب النسيان الطاري الزائل في الوقت.

فتحصل من جميع ما ذكرنا : أن التكليف بالفاقد للجزء المنسي وإن كان في عالم الثبوت بمكان من الامكان ، إلا أنه في عالم الاثبات لم يقم عليه دليل اجتهادي ولا أصل عملي مع عدم استيعاب النسيان لتمام الوقت ، بل مقتضى إطلاق الأدلة خلاف ذلك (٢).

وهم ودفع :

أما الوهم : فهو أنه قد يقال : إن مقتضى إطلاق أدلة الاجزاء والشرائط وإن كان ثبوت الجزئية في حال النسيان ، إلا أن مقتضى حديث الرفع الحاكم على الأدلة الأولية هو عدم الجزئية في حال النسيان واختصاصها بحال

__________________

١ ـ أقول : وذلك هو الفارق بين ما نحن فيه وبين رفع المنسي مع الجزم بالجزئية الواقعية ، وقد خلط المقرر أحدهما بالآخر.

٢ ـ أقول : تمام الكلام في صورة عدم إطلاق الدليل ، وذلك أيضا من تبعات الغفلة السابقة ، فتدبر.

٢٢١

الذكر.

وأما الدفع : فقد تقدم في مبحث البراءة عند التعرض لمفاد الحديث المبارك شطر من الكلام في عدم صحة التمسك بالحديث لرفع الجزئية في حال النسيان ، وإجماله : هو أنه يعتبر في جواز التمسك بحديث الرفع أمور :

الأول : أن يكون المرفوع شاغلا لصفحة الوجود ، بحيث يكون له نحو تقرر في الوعاء المناسب له : من وعاء التكوين أو وعاء التشريع (١) فإنه بذلك يمتاز الرفع عن الدفع ، حيث إن الدفع إنما يمنع عن تقرر الشيء خارجا وتأثير المقتضي في الوجود ، فهو يساوق المانع ، وأما الرفع فهو يمنع عن بقاء الوجود ويقتضي إعدام الشيء الموجود عن وعائه. نعم : قد يستعمل الرفع في مكان الدفع وبالعكس ، إلا أن ذلك بضرب من العناية والتجوز ، والذي تقتضيه الحقيقة : هو استعمال الدفع في مقام المنع عن تأثير المقتضي في الوجود ، واستعمال الرفع في مقام المنع عن بقاء الشيء الموجود.

الامر الثاني : أن يكون المرفوع مما تناله يد الرفع التشريعي ، إما بنفسه إذا كان المرفوع من الأحكام الشرعية ، وإما بأثره إذا كان من الموضوعات الخارجية التي رتب عليها آثار شرعية ، كحياة زيد وموت عمرو.

الامر الثالث : أن يكون في رفعه منة وتوسعة على المكلفين ، فان الحديث المبارك ورد مورد الامتنان ، فلابد من اقتضاء الرفع التوسعة والتسهيل ، لا الكلفة والتضييق.

إذا عرفت ذلك : فاعلم أن الظاهر الأولي من قوله ـ صلى الله عليه وآله

__________________

١ ـ أقول : بعد الجزم بشمول الخبر الشريف للعناوين المتصلة بالبلوغ يقطع بعدم كون المراد من « الرفع » معناه الحقيقي ، فلابد وأن يحمل على الأعم من الدفع ، ولو بعناية اعتبار الوجود للشئ بلحاظ وجود مقتضيه ، نظير شرط السقوط في متن العقد ، فإنه أيضا بهذه العناية ، وحينئذ لا يبقى مجال لهذه المقدمة أصلا. وإلى ما ذكرنا أيضا أشار شيخنا العلامة في رسائله ، فراجع.

٢٢٢

وسلم ـ « رفع النسيان » وإن كان هو رفع نفس صفة النسيان وهي الحالة المنقدحة في النفس ، إلا أنه لا يمكن الاخذ بظاهره ، فإنه ـ مضافا إلى أن النسيان مما لا تناله يد الرفع التشريعي لأنه من الأمور التكوينية الخارجية وليس هناك أثر اخذ النسيان موضوعا له شرعا لكي يكون رفعه بلحاظ رفع أثره ـ يلزم من ذلك ترتيب آثار الصدور العمدي على الفعل الصادر عن نسيان ، فان معنى رفع النسيان هو كون ما صدر عن المكلف نسيانا كأن لم يصدر عنه عن نسيان ويفرض النسيان كالعدم ، وهذا يقتضي ترتيب آثار الفعل الصادر عن عمد على الفعل الصادر عن نسيان ، فيجب إقامة الحد على من شرب الخمر نسيانا ، وهو كما ترى ينافي الامتنان والتوسعة.

فلا محيص من رفع اليد عما يقتضيه الظاهر الأولي ، بتأويل المصدر بمعنى المفعول وجعل النسيان بمعنى المنسي (١) فيكون المرفوع نفس الفعل الصادر عن

__________________

١ ـ أقول : ينبغي أن يجعل من مقدمات المقصد اختصاص حديث الرفع برفع شيء ـ شخصيا أم أثرا قابل للوجود لولاه ، ولازمه عدم شمول الحديث التكاليف المتعلقة بالمنسي تكليفا أو وضعا منتزعا عن التكليف ، لاستحالة وجود مثل هذا التكليف بمحض تحقق النسيان حذرا عن التكليف بما لا يطاق ، من دون فرق بين التكاليف الانحلالية وغيرها ، ومن هذه الجهة لا محيص من كون المرفوع في أمثال هذه الفقرات إيجاب التحفظ وإيجاب الاحتياط ، ومن البديهي أن إيجاب التحفظ في الجزء المنسي لا يقتضي الاجزاء.

ولو اغمض عن هذه الجهة وقلنا بشمول الحديث للتكاليف الانحلالية ـ كما زعم ـ فلا قصور في دعوى شمول الحديث رفع الفعل المنسي بلحاظ أثره من الجزئية المنتزعة عن تعلق الطلب به بعد فرض وجود المقتضي للوجود فيه الكافي لصدق الرفع في مورده ، كيف! ولولا كفاية هذا المقدار في صدق الرفع يلزم عدم شموله للأحكام الانحلالية أيضا ، لان الفعل المنسي إذا فرض عدم سبقه بالوجود فرفع هذا عين إعدامه ، وفي هذا الاعتبار لا يرى وجودا ، ولازمه صدق رفع المعدوم ، وبعبارة أخرى : قلب أول وجود المنسي بالعدم لا يصدق عليه الرفع ، لان الرفع عبارة عن إعدام الموجود ، وحيث يستحيل جمعهما في زمان واحد فلا محيص من أن ظرف الاعدام الذي هو ظرف الرفع غير ظرف الوجود ، وإذا تعلق الرفع بأول وجود شيء فهذا الوجود بمنزلة المعدوم ، فيصير المقام من باب إعدام المعدوم ، لا الموجود.

٢٢٣

المكلف نسيانا ، بأن يفرض عدم وقوع الفعل منه وخلو صفحة الوجود عنه ، فالمرفوع في حق من شرب الخمر نسيانا هو نفس الشرب ، لا وصف صدوره عن نسيان ، ورفع الشرب إنما يكون بلحاظ رفع الآثار المترتبة شرعا على شرب الخمر : من الحرمة وإقامة الحد ، ورفع الشرب بهذا الوجه يكون موافقا للامتنان ويوجب التوسعة والتسهيل.

وعلى هذا يختص الحديث الشريف بالأحكام الانحلالية العدمية التي لها تعلق بالموضوعات الخارجية ، كحرمة شرب الخمر وإكرام الفاسق وغيبة المؤمن ، فإنه في مثل ذلك يصح رفع أثر الاكرام والشرب والغيبة الصادرة عن نسيان.

وأما التكاليف الوجودية التي يكون المطلوب فيها صرف الوجود ـ كوجوب إكرام العالم وإقامة الصلاة ـ فلا يمكن أن يعمها حديث الرفع ، لان رفع الاكرام والصلاة الصادرين عن نسيان يساوق إعدامهما في عالم التشريع وفرض عدم صدورهما عن المكلف ، وذلك يقتضي إيجابهما ثانيا ، وهو ينافي الامتنان ، فلابد من خروج الاحكام الوجودية عن مدلول الحديث.

وبذلك يظهر : فساد توهم دلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع النسيان » على سقوط جزئية الجزء المنسي ووقوع الطلب فيما عداه ، فإنه يرد عليه :

__________________

ولذا نقول : إنه كما يستحيل صدق رفع أول وجود الشيء حقيقة ، فكذلك تنزيلا ، لان الرفع التنزيلي تقوم مقام الرفع الحقيقي ، فلا جرم لا يصح الرفع التنزيلي إلا بالنسبة إلى بقاء الوجود لا حدوثه ، والعجب من المقرر! كيف خلط في احتياج الرفع إلى الوجود بين الوجود الواقع في مواطن الرفع وبين الوجود السابق عن موطنه وتخيل أن في الوجود المصحح لصدق يكفي الوجود الواقع في مواطن الرفع الذي بعناية عين العدم ، ليس كذلك ، بل الوجود المحتاج إليه في صدقه هو الوجود السابق عن موطن الرفع ، وحينئذ لا فرق بين التكاليف الوجودية والعدمية.

٢٢٤

أولا : أن المنسي ليس هو جزئية الجزء وإلا رجع إلى نسيان الحكم وهو من أقسام الجهل به ، فيندرج في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع ما لايعلمون » لا في قوله : « رفع النسيان » بل المنسي هو نفس الجزء أي الاتيان به قولا أو فعلا ومعنى نسيان الجزء هو خلو صفحة الوجود عنه وعدم تحققه في الخارج ، ولا يعقل تعلق الرفع بالمعدوم ، لما عرفت : من أن المرفوع لابد وأن يكون شاغلا لصفحة الوجود ليكون رفعه باعدامه وإخلاء الصفحة عند (١) فنسيان الجزء مما لا يتعلق به الرفع فلا يعمه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع النسيان ».

وثانيا : أن محل البحث ليس هو النسيان المستوعب لتمام الوقت في الموقتات ، أو لتمام العمر في غيرها (٢) بل هو النسيان في بعض الوقت ، وسقوط الجزئية في

__________________

١ ـ أقول : قد تقدم دفع هذه الشبهة آنفا.

٢ ـ أقول : بعد فرض شمول حديث الرفع للجزء المنسي وصلاحيته لرفعه ـ كما فرض ـ يصير نتيجته أن المأتي به فاقدا عن الجزء المزبور تمام الصلاة ، ولازمه امتثال الطبيعة به ، فلا يبقى مجال لبقاء الوجوب على الطبيعة كي يجب الاتيان به وقت ذكره ، وكم فرق! بين نسيان الكل في بعض الوقت وبين نسيان الجزء مع إتيانه بالبقية.

وتوهم : أن رفع الجزء المنسي لا يقتضي الامر بالبقية ، كيف! وفيه ضيق على الأمة ، كما هو الشأن في الجزء المضطر إليه

مدفوع : بأن بقية الاجزاء بعدما كان ملزما باتيانها ولو تخييرا بحكم العقل ، فلا يحتاج الناسي في الاتيان بالبقية إلى إلزام شرعي ، وحينئذ في رفع الجزئية الموجبة لرفع وجوب الإعادة كمال المنة في حقه ، وبذلك يمتاز عن المضطر إليه في ترك الجزء.

فان قلت : سلمنا أن البقية غير محتاج إلى الامر الشرعي ، ولكن نفي وجوب الإعادة فرع كون المأتي به فردا واقعيا ، لا اعتقاديا.

قلت : يكفي في رفع فعلية الجزئية كون المأتي به تماما ، إذ يعلم منه اتكال الشارع في ذلك إلى حكم عقله بتخصيص رفعه بخصوص الجزء المنسي ، إذ ذلك كاشف عن قناعة الشارع من الصلاة بالمقدار المأتي به. نعم : الأول أن يقال ـ كما قلنا ـ إن المرفوع في هذه الفقرة وجوب التحفظ لا الوجوب أو

٢٢٥

زمان النسيان لا يقتضي سقوطها في تمام الوقت أو في تمام العمر حتى في زمان الذكر وزوال صفة النسيان ، لما عرفت : أن المأمور به هو صرف الوجود في مجموع الوقت أو العمر ، ونسيان الجزء في بعض الوقت كنسيان جملة المركب بجميع ماله من الاجزاء في بعض الوقت لا يقتضي سقوط التكليف عن الطبيعة المأمور بها رأسا ، بل مقتضى تعلق الطلب بصرف الوجود ـ مع كون الوقت المضروب له أوسع مما يحتاج إليه الفعل من الزمان ـ هو بقاء الطلب عند القدرة على إيجاد المتعلق ولو في جزء من الوقت الذي يسع لايجاد المأمور به ، ولا يعتبر القدرة في جميع الوقت ، فرفع الجزئية في حال النسيان لا يوجب عدم وجوب الإعادة عند التذكر كما لا يوجب نسيان الكل في بعض الوقت سقوط الطلب عنه رأسا حتى مع التذكر في الوقت ، فإنه لا فرق بين نسيان الجزء ونسيان الكل فيما هو المبحوث عنه في المقام.

وثالثا : أنه ليس في المركبات الارتباطية إلا طلب واحد تعلق بعدة أمور متباينة يجمعها وحدة اعتبارية ، وتنتزع جزئية كل واحد من تلك الأمور المتباينة من انبساط الطلب عليها وتعلقه به بتبع تعلقه بالكل ، وليست جزئية كل واحد منها مستقلة بالجعل ، فالذي يلزم من نسيان أحد الاجزاء هو سقوط الطلب عن الكل ، لا عن خصوص الجزء المنسي ، فإنه ليس في البين إلا طلب واحد ، ولا معنى لتبعيض الطلب وتقطيعه وجعل الساقط هو خصوص القطعة التي يختص بها الجزء المنسي ، فان ذلك يتوقف على قيام الدليل عليه بالخصوص. ولا يمكن الاستدلال له بمثل قول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع النسيان » فان أقصى ما يقتضيه نسيان الجزء في بعض الوقت هو خروج زمان النسيان عن سعة

__________________

الجزئية الفعلية الواقعية ، كيف! وهما مرتفعان بقبح التكليف بالناسي ، فصح حينئذ نفي الاجزاء ، إذ لا يقتضي حينئذ كون المأتي به تماما ، كما لا يخفى.

٢٢٦

دائرة التكليف الذي كان منبسطا على مجموع الوقت ، كما إذا خرج جزء من الزمان المضروب للعمل عن سعة دائرة التكليف بغير النسيان : من اضطرار أو إكراه أو نحو ذلك.

فكما أن تعذر جزء المركب في بعض الوقت بغير النسيان من سائر الاعذار الاخر لا يقتضي رفع التكليف عن خصوص الجزء المتعذر ، بل يسقط التكليف عن الكل رأسا في خصوص وقت العذر ، ويخرج ذلك الوقت عن صلاحية وقوع المأمور به فيه ، ويلزمه قهرا وقوع الطلب فيما عداه من سائر الأوقات الاخر التي يمكن إيقاع المركب فيها بما له من الاجزاء

كذلك تعذر جزء المركب في بعض الوقت بالنسيان لا يقتضي إلا سقوط التكليف عن الكل رأسا ، لا عن خصوص الجزء المنسي.

فان قلت : ما الفرق بين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع ما لايعلمون » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع النسيان »؟ حيث كان مفاد الأول رفع التكليف عن خصوص الجزء الذي تعلق الشك به ، مع أن التكليف لم يتعلق بالجزء المشكوك على حدة ، بل كان التكليف به بتبع تعلق التكليف بالكل ووجوبه بعين الوجوب المتعلق بجملة العمل ، فكيف كان مفاد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع ما لايعلمون » تقطيع الطلب وتبعيض الوجوب وكان المرفوع خصوص القطعة التي يختص بها الجزء المشكوك مع اتحاد سياق الحديث في الجملتين؟.

قلت : الفرق بينهما في غاية الوضوح ، فان تقطيع الطلب في قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع ما لايعلمون » ورفع التكليف عن خصوص الجزء المشكوك إنما هو لمكان العلم بتعلق الطلب بما عدا الجزء المشكوك ، فلا يمكن رفع التكليف عن الكل ، لأنه يلزم التناقض.

وهذا بخلاف قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع النسيان » فان

٢٢٧

تقطيع الطلب ورفع التكليف عن خصوص الجزء المنسي بلا (١) موجب لأنه لا مانع من رفع الطلب عن الكل في حال النسيان.

نعم : لو استوعب النسيان لتمام الوقت أمكن أن يقال بكون المرفوع خصوص القطعة من الطلب المتعلقة بالجزء المنسي ، فتأمل ، فإنه للمنع عن دلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « رفع النسيان » على سقوط التكليف عن خصوص الجزء المنسي مجال ، حتى في النسيان المستوعب.

فتحصل من جميع ما ذكرنا : أنه لا دليل على كون المكلف به هو ما عدا الجزء المنسي ، خصوصا في النسيان الغير المستوعب ، بل مقتضى إطلاق أدلة الاجزاء والشرائط خلاف ذلك (٢).

الجهة الثالثة :

في الاجتزاء بالمأتي به في حال النسيان وإجزائه عن الواقع وإن لم يكن مأمورا به.

وخلاصة الكلام في ذلك : هي أن مقتضى القاعدة الأولية عدم الاجتزاء بالمأتي به في حال العذر في جميع المقامات ، فان إجزاء الناقص عن التام يحتاج إلى قيام الدليل عليه بالخصوص ، فإنه خلاف ما يقتضيه الامر بالتام ، فالقاعدة تقتضي بطلان المركب عند الاخلال بجزئه سهوا ووجوب الاتيان به ثانيا تام الاجزاء والشرائط ، فيكون الأصل في الجزء من طرف النقيصة هي الركنية ،

__________________

١ ـ أقول : بعد التأمل فيما ذكرنا في الحاشية السابقة يظهر فساد هذه الكلمات طرا ، حيث لا مفهوم محصل لها.

٢ ـ أقول : قد تقدم أنه لو فرض صلاحية الخبر لرفع الحكم المنسي ـ كما أفاده في الأحكام الانحلالية ـ لا قصور في استفادة نفي الإعادة عن مثله ، وإنما الاشكال فيه من هذه الجهة التي نحن أشرنا في ذيل الحاشية السابقة ، فراجع ، وتدبر.

٢٢٨

فان اقتضاء الاخلال بالجزء سهوا بطلان العمل إنما هو من خواص ركنية الجزء ـ كما تقدم ـ إلا إذا قام الدليل على عدم الركنية.

والظاهر : أنه لم يقم دليل على ذلك في غير الصلاة من سائر المركبات الاخر ، وأما في باب الصلاة فقد قام الدليل على عدم بطلانها عند الاخلال بجزئها سهوا ، وهو قوله عليه‌السلام « لا تعاد الصلاة إلا من خمس » (١) وفي مقدار دلالة حديث « لا تعاد » وكيفية استفادة قواعد الخلل الواقع في الصلاة منه بحث طويل ، تفصيله موكول إلى محله.

المقام الثاني

في بطلان العمل بزيادة الجزء عمدا أو سهوا

والكلام فيه أيضا يقع من جهات ثلاث :

الأولى : في تصوير وقوع الزيادة في الاجزاء والشرائط وما هو المحقق لها.

الثانية : في حكم الزيادة العمدية والسهوية من حيث الصحة والبطلان بحسب ما تقتضيه القاعدة الأولية.

الثالثة : في قيام الدليل على خلاف ما اقتضته القاعدة من الصحة والفساد.

أما الكلام في الجهة الأولى :

فإجماله : أنه قد يستشكل في إمكان تحقق الزيادة ثبوتا ، فان الجزء أو الشرط ، إما أن يؤخذ بشرط لا ، وإما أن يؤخذ لا بشرط ، ولا ثالث لهما.

وعلى الأول : ترجع زيادته إلى النقيصة ، لأنه يلزم الاخلال بقيد الجزء وهو أن لا يكون معه شيء آخر.

__________________

١ ـ الوسائل : الباب ٣ من أبواب الوضوء الحديث ٨.

٢٢٩

وعلى الثاني : لا يكاد تحقق الزيادة ، لان الضمايم لا تنافي الماهية لا بشرط ولا تكون زيادة فيها (١).

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إن مقام الامكان الثبوتي غير مقام الصدق العرفي ، ولا إشكال في صدق الزيادة عرفا على الوجود الثاني فيما إذا كان الواجب صرف الوجود (٢) كما لا إشكال أيضا في صدق الزيادة عرفا على العدد المضاف إلى عدد الواجب كما في باب الركعات ، فان الركعة الثالثة زيادة في ركعتي الصبح ، والركعة الرابعة زيادة في ثلاث المغرب ، والخامسة زيادة في أربع العشاء. وهكذا (٣) كل عدد إذا أضيف إلى عدد آخر كان ذلك زيادة في العدد فلو كان الواجب عددا مخصوصا كالركوع الواحد والسجدتين في كل ركعة من ركعات الصلاة فالركوع الثاني والسجدة الثالثة تكون زيادة في عدد الواجب ، كما أن الوجود الثاني للركوع إذا لم يقيد بقيد

__________________

١ ـ أقول : ما أفيد صحيح لو اعتبر في جعل ماهية الصلاة الركوع الواحد ، وإلا فلو اعتبر فيها طبيعة الركوع الجامع بين الواحد والاثنين فتصوير الزياد الحقيقية فيها في غاية الامكان ، لان المراد من زيادة الشيء في الشيء كون الزائد من سنخ المزيد عليه وموجبا لقلب حده إلى حد آخر ، وعلى ما ذكرنا يكون الامر كذلك. نعم : لو اعتبر الركوع واحدا يستحيل اتصاف الركوع الثاني بالصلاتية ، فلا يكون حينئذ من سنخ الصلاة فلا يعقل صدق الزيادة عليه ، بل تكون ضمه إلى الأولى من قبيل ضم الدبس إلى الدهن. نعم : على هذا لا باس بالبناء على كونه صلاتا تشريعا ، فيصير صدق الزيادة عليه ادعائيا : ولكن لم نلتزم بهذا المعنى كي نلتزم بهذا المحذور ، بل التحقيق الالتزام بالمعنى الأول فيكون صدق الزيادة عليه حقيقيا ، كما لا يخفى.

٢ ـ أقول : صدق الزيادة ولو عرفا على الوجود الثاني مطلقا أول شيء ينكر ، بل يحتاج لا أقل إلى تشريع جزئيته ، ولا يكون ذلك إلا إذا أتى بقصد الجزئية ، كما لا يخفى. وتوهم : إطلاق الزيادة على سجدة الغرائم مع أنه ليس بهذا القصد ، مدفوع بمنع صدق الزيادة على هذا أيضا ، وإنما هو من باب ضرب من العناية ، بشهادة جوازها في النافلة ، مع أنه لا يجوز تكرار ركوعه أو سجدتيه بقصد الجزئية فيها ، وحينئذ فلا يتعدى.

٣ ـ كذا في النسخة والأصح « فكما أن » مع تبديل « كما أن » في السطر الاخر ب « وهكذا » ( المصحح ).

٢٣٠

الوحدة وكان الامر به يقتضي صرف الوجود كقوله : « اركع في الصلاة » يكون زيادة في الركوع الواجب.

فلا فرق في صدق الزيادة بين أخذ العدد في متعلق التكليف وبين أخذ صرف الوجود ، غايته أن الزيادة في الأول إنما تتحقق بإضافة عدد آخر إلى عدد الواجب ولو عرضا فيما إذا أمكن ذلك ، كما إذا أوجب إعطاء درهم واحد فأعطى المكلف درهمين دفعة واحدة ، فان الدرهم الثاني يكون زيادة في الواجب. وأما الزيادة في الثاني فهي لا تتحقق إلا بالوجود الثاني ، وذلك إنما يكون بتعاقب الوجودات في الافراد الطولية ، ولا يمكن أن تحصل الزيادة في الافراد الدفعية فيما إذا أمكن ذلك ، فإن صرف الوجود إنما يتحقق بالجامع بين الافراد العرضية ، كما لا يخفى.

وعلى كل حال : عدم إمكان تحقق زيادة الجزء أو الشرط ثبوتا لا ينافي صدق الزيادة عرفا ، والموضوع في أدلة الزيادة إنما هو الزيادة العرفية ، فتأمل جيدا.

الجهة الثانية :

في بطلان العمل بالزيادة العمدية أو السهوية.

وقد تقدم أن الزيادة العمدية ليست على حد النقيصة العمدية ، فان النقيصة العمدية لا تجتمع مع صحة العمل ثبوتا ، وأما الزيادة العمدية فهي تجتمع مع الصحة ثبوتا ، لأنه يمكن ثبوتا أخذ الجزء لا بشرط عن الزيادة (١) فلا

__________________

١ ـ أقول : في ظرف الشك في أخذ الجزء لا بشرط أو بشرط لا ، مرجع الشك إلى الشك في مانعية الزيادة لجزئية الامر المزبور ، لا للزيادة في أصل الصلاة ، وحينئذ فوجود الزيادة على تقدير المانعية مفن لأصل جزئية المزيد عليه ، وحينئذ لازم هذا الشك الشك في صحة المزيد عليه تأهليا أيضا ، وإنما لا يكون الصحة التأهلية مشكوكا له في فرض أخذ الجزء لا بشرط واستفيد مانعية الزيادة في الصلاة من

٢٣١

تضر بصحته الزيادة العمدية ، ويكفي في الصحة احتمال أخذ الجزء لا بشرط فان الشك في ذلك يرجع إلى الشك في مانعية الزيادة ويكون من صغريات دوران الامر بين الأقل والأكثر ، فتجري البراءة الشرعية في مانعية الأكثر كالشك في الجزئية والشرطية. هذا في الزيادة العمدية

وأما الزيادة السهوية : فالامر فيها أوضح.

وربما يتمسك لعدم مانعية الزيادة باستصحاب الصحة الثابتة قبل فعل الزيادة ، فلا تجري أصالة البراءة ، لحكومة الاستصحاب عليها.

ولا يخفى ما فيه : فإنه إن أريد من الصحة الأثر المترتب على الاتيان بالمأمور به ، فهذا المعنى من الصحة لا يكاد تثبت إلا بعد الفراغ عن المأمور به بما له من الاجزاء والشرائط ، فلا معنى لاستصحابها في أثناء العمل.

وإن أريد من الصحة الصحة القائمة بالاجزاء السابقة على فعل الزيادة ، ففيه : أن الصحة القائمة بالاجزاء السابقة إنما هي الصحة التأهلية ، وهي عبارة

__________________

أدلة الزيادة ، وحينئذ قد خلط المقرر بين المقامين بقرينة ذيل كلامه ، فتدبر.

ثم إن في المقام تقريرا آخر لاستصحاب الصحة ، خصوصا على مبناه : من كون الاجزاء التدريجية الامر الفعلي بها تدريجيا ، فإنه لنا أن نقول : إن الصحة الفعلية بمعنى موافقة المأتي به لامره تدريجي أيضا ، ولا بأس باستصحاب بقاء هذا الامر التدريجي عند الشك في طرو ما يوجب عدم بقائه أو انقطاعه ، وعمدة النكتة فيه هو أن الصحة المنتزعة من الأوامر التدريجية تدريجية ، وبعد ذا لا بأس باستصحاب الامر التدريجي على مختاره ، على فرض عدم جريان هذا الاستصحاب ولا حديث الرفع ، ولا مجال لجريان استصحاب الهيئة الاتصالية ، لان مصب هذا الاستصحاب هي الهيئة القائمة بالاجزاء ، فما لم يحرز الجزء على ما هو عليه لا ينتهي النوبة إلى استصحاب الهيئة ، فلا محيص في مورد هذا الاستصحاب من إحراز ما به قوام الهيئة كي ينتهي الشك فيها إلى الشك في بقائها من قاطع خارجي ، لا في أصل حدوثها من جهة الشك في أصل الجزء ، كما لا يخفى على النظر الدقيق.

ولعمري! إن هذا الاشكال على جريان استصحاب بقاء الهيئة في خصوص المقام أولى مما أورده على كلية هذا الاستصحاب ، كما سيأتي منا توضيح فساد إشكالاته.

٢٣٢

عن صلاحية تلك الأجزاء لانضمام البقية إليها ، فان الصحة المتصورة في كل جزء من العمل ليست إلا بهذا المعنى ، واستصحاب الصحة التأهلية مع أنه يرجع إلى الاستصحاب التعليقي الباطل من أصله ـ كما سيأتي ( إن شاء الله تعالى ) بيانه في محله ـ مما لا مجال لجريانه ، للقطع ببقاء الصحة التأهلية في الاجزاء السابقة حتى بعد وقوع الزيادة التي يشك في مانعيتها ، فان الزيادة لو كانت مانعة فإنما هي تمنع عن صلاحية لحوق الاجزاء الباقية إلى الاجزاء السابقة ولا تضر بصحة الاجزاء السابقة ، فان الاجزاء السابقة بعد باقية على ما وقعت عليه من الصحة التأهلية ، لان الصحة التأهلية ليست إلا عبارة عن وقوع الاجزاء على وجه تصلح للحوق الاجزاء الاخر إليها ، وهذا المعنى يدور مدار كون الجزء حال صدوره واجدا للشرائط المعتبرة فيه ، فان كان واجدا لها فلا محالة يقع صحيحا ولو مع تعقبه بما يقطع كونه مانعا ، فان الشيء لا ينقلب عما وقع عليه ، فالشك في مانعية الزيادة الواقعة في الأثناء لا يوجب الشك في بقاء الصحة التأهلية للاجزاء السابقة لكي يجري فيها الاستصحاب.

نعم : هناك استصحاب آخر قد قيل بجريانه في بعض المركبات ، وهو استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية عند الشك في وجود القاطع.

وتوضيح ذلك : هو أنه قد يكون للمركب من الاجزاء المتباينة التي يجمعها وحدة الأثر هيئة وصورة إتصالية تقوم بمواد الاجزاء عند اجتماعها وتأليف المركب منها ، ويعبر عن ذلك بالجزء الصوري ، وهو أمر وجودي يحدث بأول جزء من المركب ويستمر إلى آخر الاجزاء ، وربما يكون منشأ للآثار الخاصة.

وقد لا يكون للمركب هيئة وصورة إتصالية ، بل ليس في البين إلا نفس مواد الاجزاء المجتمعة من دون أن يكون لها جزء صوري ، ولا إشكال في وجود هذين القسمين في المركبات الخارجية ، ولكل منهما أمثلة خاصة.

وأما المركبات الاعتبارية : فيمكن فيها أيضا ثبوتا هذان القسمان ، فإنه

٢٣٣

يمكن أن يكون الملاك الذي اقتضى الامر بالمركب قائما بنفس مواد الاجزاء المجتمعة ، ويمكن أيضا أن يكون هناك جزء صوري له دخل في حصول الملاك.

ولكن وجود الجزء الصوري في المركبات الاعتبارية يحتاج إلى قيام الدليل عليه ، وإلا فنفس الامر بالمركب لا يقتضي أزيد من اجتماع مواد الاجزاء في الوجود ، كما في الامر بالحج والوضوء وغير ذلك من المركبات الاعتبارية ، فان الحج ليس هو إلا عبارة عن اجتماع عدة من الأمور المتباينة التي يقوم بها ملاك واحد ، وكذا الوضوء ليس هو إلا عبارة عن الغسلات والمسحات الثلاث المتعاقبة من دون أن يكون لها هيئة إتصالية.

نعم : في خصوص الصلاة يمكن أن يقال : إن لها وراء الاجزاء الخارجية جزء صوري يقوم بمواد الاجزاء ويحدث بالتكبيرة ويستمر إلى التسليمة ، بحيث لا يضر ببقائه تبادل الاجزاء وتصرمها في الوجود. ويدل على ذلك الأدلة الواردة في باب القواطع ، فان شأن القاطع إنما هو قطع الهيئة الاتصالية ورفع الجزء الصوري ، فلو لم تكن للصلاة وراء مواد الاجزاء هيئة إتصالية لم يصح استعمال « القاطع » على مثل الالتفات إلى الخلف واليمين واليسار ، فقول الشارع : « الالتفات إلى الخلف قاطع » معناه أن الالتفات رافع للهيئة الاتصالية والصورة القائمة بالاجزاء ، فلابد وأن تكون لتلك الصورة نحو تقرر ووجود في أثناء الصلاة ليصح إطلاق القطع والرفع على مثل الالتفات.

والذي يدل على ذلك ، هو أنه يعتبر في الصلاة عدم وقوع القواطع حتى في السكونات المتخللة بين الاجزاء ، فان الالتفات إلى الوراء مبطل للصلاة ولو وقع في حال عدم الاشتغال بالاجزاء.

وبذلك يفترق القاطع عن المانع ، فان المانع إنما يمنع عن صحة الصلاة إذا وقع في حال الاشتغال بالاجزاء ولا يضر وجوده بين السكونات ، كما إذا لبس المصلي الحرير أو تنجس لباسه أو بدنه في حال عدم الاشتغال بالجزء وعند

٢٣٤

الاشتغال به نزع الحرير أو طهر لباسه وبدنه ، فان ذلك لا يضر بصحة الصلاة.

وهذا بخلاف القاطع ، فإنه يضر بصحة الصلاة ولو وقع في حال عدم الاشتغال بالجزء ، وهذا يدل على أن للصلاة وراء الاجزاء المتبادلة جزء صوري وهيئة إتصالية مستمرة من أول الصلاة إلى آخرها تكون القواطع رافعة لها.

فإذا شك في قاطعية شيء لها من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية ، فالشك في ذلك يرجع إلى الشك في بقاء الهيئة الاتصالية ويجري فيها الاستصحاب

لا يقال : إن الهيئة الاتصالية إنما تقوم بالاجزاء والاجزاء متدرجة في الوجود فتكون الهيئة أيضا متدرجة في الوجود ، إذ لا يعقل دفعية وجود الهيئة مع تدريجية وجود معروضها ، فلا مجال لاستصحاب بقاء الهيئة ، لأنها بين ما هي متصرمة بتصرم الاجزاء السابقة وبين ما هي بعدم لم تحدث لعدم حدوث معروضها من الاجزاء الباقية ، فليس للهيئة نحو تقرر ليستصحب بقائها.

فإنه يقال : لا مانع من استصحاب الأمور التدريجية الزمانية ، فإنه ليس بأعظم من تدريجية نفس الزمان ، وسيأتي ( إن شاء الله تعالى ) أن الاستصحاب يجري في نفس الزمان فضلا عن الزماني ، فان استصحاب الأمور التدريجية إنما يكون باعتبار لحاظها بين المبدء والمنتهى ، وهي بهذا الاعتبار لها نحو تقرر وثبات ، وسيأتي توضيح ذلك ( إن شاء الله تعالى ).

هذا حاصل ما أفاده الشيخ قدس‌سره في وجه جريان استصحاب الهيئة الاتصالية عند الشك في وجود القاطع ، وقد ارتضاه وبنى عليه.

ولكن مع ذلك كله ، للنظر فيه مجال.

أما أولا : فلان مجرد تعلق النواهي الغيرية بمثل الالتفات ونحوه لا يدل على أن ما وراء الاجزاء الخارجية أمر وجودي آخر يسمى بالجزء الصوري ، بحيث

٢٣٥

يكون فعلا للمكلف أو مسببا توليديا له (١) فان مجال المنع عن ذلك واسع ، بل لقائل أن يقول : إنه ليست الصلاة إلا عبارة عن عده من الاجزاء والشروط مقيدة بعدم تخلل القواطع في الأثناء من دون أن يكون لها هيئة إتصالية.

وأما ثانيا : فعلى فرض تسليم دلالة النهي الغيري على أن للصلاة هيئة إتصالية وجزء صوري ، إلا أن دعوى تعلق الطلب به على حد ساير الاجزاء مما لا سبيل إليها ، بل لمانع أن يمنع عن ذلك ويدعي أن الجزء الصوري المستكشف من أدلة القواطع مما لم يتعلق به الطلب والبعث ، بل الطلب إنما تعلق بنفس عدم تخلل الالتفات ونحوه ـ كما هو ظاهر الأدلة ـ فلا مجال لاستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية ، من جهة أنه لا أثر لبقائها بعد فرض عدم تعلق الطلب بها.

وأما ثالثا (٢) : فعلى فرض تسليم تعلق الطلب بالجزء الصوري أيضا ، إلا

__________________

١ ـ أقول : استفادة الهيئة من هذه النواهي بملاحظة تعنونها بعنوان القاطعية ، وبديهي أن هذا العنوان ملازم مع اعتبار جهة اتصال بين الاجزاء نعبر عنه بالهيئة الاتصالية ، وحينئذ فالنهي عن إيجاد القاطع ملازم مع النهي عن قطع الجهة الاتصالية ، وهذا النهي عين النهي عن نقيض الاتصال ، ولئن شئت فعبر عنه بنقيض الهيئة الاتصالية ، لان الهيئة منتزعة من الاتصال المزبور ويكون من اللوازم الأعمة من الواقع والظاهر ، كما هو الشأن في كل أمر انتزاعي من جهة خارجية ، فإنه تابع منشأه واقعا وظاهرا ، نظير الجزئية والصحة والمانعية وأمثالها من المنتزعات العقلية عن أمور خارجية ، وحيث عرفت ما تلونا ترى عدم المجال لا يراد الأول ، ولا الثاني كما هو واضح ، ولا الثالث ، لأنه فرع كون النهي عن القطع غير النهي عن نقيض اتصال الاجزاء بالاجزاء ، أو عدم كفاية النهي عن النقيض في استصحاب وجوده أو عدم كفاية استصحاب وجود الاتصال التدريجي بين الاجزاء التدريجية لاثبات الهيئة المنتزعة منها ، وكل ذلك تحت المنع للناظر البصير جدا ، فتدبر فيما قلت واغتنم!.

ومن التأمل فيما ذكرنا ترى أيضا فساد كلام المقرر في تصحيحه الاستصحاب ، لأنه تخيل أن الهيئة الاتصالية يجتمع مع القواطع ومحل له وأنه اعتبر عدم القاطع في هذا المحل ، نظير النهي عن الضحك في السجدة التي هي محل الضحك المنهي عنه ، وهذا الكلام كما ترى لا يستأهل ردا ، كما لا يخفى.

٢ ـ في إمكان تعلق الطلب بكل من الجزء الصوري والقواطع نوع خفاء ، فتأمل ( منه ).

٢٣٦

أنه لا إشكال في تعلق الطلب بعدم وقوع القواطع وثبوت النهي عنها ، فإنه لا مجال للمنع عن ذلك بعد إطباق ظواهر الأدلة على تعلق النهي بالقواطع ، وحينئذ فلابد من علاج الشبهة عند وقوع ما يشك في قاطعيته من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية ، ولا ترتفع الشبهة في ذلك باستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية ، بداهة أن الشك في بقاء الجزء الصوري مسبب عن الشك في قاطعية الموجود ، والأصل الجاري في الشك المسبي غير قابل لرفع الشك السببي ، بل الامر بالعكس.

وعلى فرض التنزل والمنع عن السببية والمسببية فلا أقل من كونهما متلازمين في الوجود ، بحيث يكون الجزء الصوري ملازما في الوجود لعدم تحقق القواطع وبالعكس ، ومن الواضح : أن استصحاب أحد المتلازمين لا يثبت وجود الآخر إلا على القول باعتبار الأصل المثبت.

فاستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية على تقدير جريانه في نفسه لا ينفع في إثبات عدم قاطعية الزيادة العمدية أو السهوية ، بل لابد من علاج الشك في إبطال الزيادة الواقعة في الأثناء ، وطريق علاجه ينحصر بأصالة البراءة ، لرجوع الشك إلى تقيد الصلاة بعدم وقوع الزيادة ، فيكون من صغريات دوران الامر بين الأقل والأكثر (١).

وقد تحصل من جميع ما ذكرنا : أن الزيادة العمدية والسهوية لا تقتضي بطلان العمل ، فيكون الأصل في طرف زيادة الجزء عدم الركنية ، إلا أن يقوم دليل على الخلاف ، على عكس طرف النقيصة ، حيث تقدم أن الأصل فيه

__________________

١ ـ اللهم إلا أن يقال : إن الجزء الصوري وإن لم يتعلق به الطلب ، إلا أنه يكون محلا لما هو متعلق الطلب ، فان المنهي عنه هو وقوع القواطع في الهيئة الاتصالية ، فيجري الاستصحاب بالنسبة إلى نفس عدم وقوع القاطع في المحل الذي اعتبر عدم وقوعه فيه ، ولا يحتاج إلى جريان الاستصحاب في الهيئة الاتصالية ليرد عليه ذلك ، وقد أوضحنا الكلام فيه في رسالة المشكوك ( منه ).

٢٣٧

يقتضي الركنية.

الجهة الثالثة :

في قيام الدليل على خما اقتضته القاعدة. والظاهر : أنه لم يقم دليل على بطلان المركب بالزيادة السهوية أو العمدية (١) إلا في باب الصلاة حيث إنه تظافرت الأدلة على بطلانها بالزيادة كقوله عليه‌السلام « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (٢) وقوله عليه‌السلام « وإذا استيقن أنه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته » (٣) وما ورد في النهي عن قراءة العزيمة في الصلاة من التعليل بقوله عليه‌السلام « لان السجود زيادة في المكتوبة » (٤) وغير ذلك من الروايات الواردة في بطلان الصلاة بالزيادة.

ومقتضى إطلاق الروايات هو عدم الفرق بين الزيادة العمدية والسهوية ، ولكن مقتضى حديث « لا تعاد » هو أن الزيادة السهوية لا توجب البطلان ، والنسبة بينه وبين بعض الروايات المتقدمة هي العموم من وجه ، فان الحديث يختص بصورة النسيان ويعم صورة الزيادة والنقيصة ، والروايات المتقدمة تختص بصورة الزيادة وتعم صورة العمد والنسيان ، فيقع التعارض بينهما في الزيادة السهوية ، فان مقتضى إطلاق حديث « لا تعاد » هو عدم البطلان بالزيادة السهوية ، ومقتضى إطلاق بعض الروايات المتقدمة هو البطلان.

هذا ، ولكن لابد من تقديم إطلاق حديث « لا تعاد » وترجيحه على

__________________

١ ـ أقول : لولا شبهة القرينية ، كما أشرنا إليها.

٢ ـ الوسائل : الباب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٢.

٣ ـ الوسائل : الباب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١ ، مع اختلاف في بعض العبارات.

٤ ـ الوسائل : الباب ٤٠ من أبواب القراءة الحديث ١ ، وفيه « فان السجود ».

٢٣٨

إطلاقات الروايات ، لحكومة الحديث على أدلة الاجزاء والشرائط والموانع التي منها هذه الأخبار الدالة على مانعية الزيادة ، فان لسان الحديث هو قصر الجزئية والشرطية والمانعية بغير صورة النسيان ، ومن المعلوم : أنه لا تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم ، بل يقدم الحاكم على المحكوم وإن كانت النسبة بينهما العموم من وجه ، فلابد من تقييد الأخبار المتقدمة بغير صورة الزيادة السهوية.

نعم : النسبة بين حديث « لا تعاد » وبين بعض الأخبار المتقدمة ، كقوله عليه‌السلام « وإذا استيقن أنه زاد في المكتوبة الخ » هي العموم المطلق ، لان قوله عليه‌السلام « إذا استيقن » يختص بصورة الزيادة السهوية ولا يعم النقيصة ولا الزيادة العمدية. وأما الحديث فهو وإن كان يختص بصورة النسيان ، إلا أنه أعم من الزيادة والنقيصة ، فيكون قوله عليه‌السلام « إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة » أخص مطلقا من قوله عليه‌السلام « لا تعاد الصلاة إلا من خمس » ومقتضى تحكيم الخاص على العام هو تخصيص حديث « لا تعاد » بالنقيصة السهوية ، فتكون الزيادة السهوية موجبة للبطلان بمقتضى قوله عليه‌السلام « إذا استيقن الخ ».

ولكن هذا بالنسبة إلى غير الاجزاء الركنية ، وأما بالنسبة إليها فالنسبة بينهما أيضا تكون بالعموم من وجه ، فان قوله عليه‌السلام « إذا استيقن » وإن كان يختص بالزيادة السهوية إلا أنه أعم من زيادة الركن وغيره ، وحديث « لا تعاد » وإن كان يعم الزيادة والنقيصة إلا أنه يختص بغير الركن ، فيقع التعارض بينهما في الزيادة السهوية في غير الركن ، فان إطلاق قوله : « إذا استيقن » يقتضي البطلان ، وإطلاق حديث « لا تعاد » يقتضي الصحة.

هذا ، ولكن الذي يقتضيه الجمع بين الأدلة ، هو أن يكون قوله عليه‌السلام « إذا استيقن الخ » مخصوصا بالزيادة السهوية في الأركان ، لان النسبة بين قوله : « إذا استيقن » مع ما ورد من عدم إعادة الصلاة بزيادة السجدة

٢٣٩

الواحدة سهوا هي العموم المطلق (١) فان قوله : « إذا استيقن » وإن اختص بالزيادة السهوية ، إلا أنه أعم من الركن وغيره ، وما دل على صحة الصلاة بزيادة السجدة الواحدة سهوا يختص بالزيادة السهوية في غير الركن ، فيكون هذا أخص مطلقا من قوله : « إذا استيقن » فلابد من تخصيصه بالزيادة السهوية في الأركان بعد القطع بعدم الفرق في الاجزاء الغير الركنية بين السجدة الواحدة وغيرها ، فيتحد مفاده مع عقد المستثنى في حديث « لا تعاد ».

ويكون المتحصل من مجموع الأدلة بعد تحكيم الخاص على العام وتقديم الحاكم على المحكوم ، هو أن الزيادة العمدية توجب البطلان في الأركان وغيرها ، وكذا الزيادة السهوية في الأركان ، وأما الزيادة السهوية في غير الأركان فهي لا تقتضي البطلان ، فتأمل فيما ذكرناه جيدا.

تكملة :

لا إشكال في عدم تحقق معنى الزيادة بفعل ما لايكون من سنخ أجزاء المركب قولا وفعلا ، كحركة اليد في الصلاة إذا لم يأت بها بقصد الجزئية. وأما لو قصد بها الجزئية ، سواء كان ذلك للجهل بالحكم أو للتشريع ، ففي بطلان الصلاة وعدمه وجهان (٢) أقواهما البطلان ، لصدق الزيادة على ذلك ، فيندرج

__________________

١ ـ أقول : والأولى أن يقال : إن المراد من المكتوبة ما أخذ من الكتاب ، فيكون بقرينة قوله في ذيل لا تعاد : « أن القراءة سنة والركوع فريضة » أن الركوع وما يلحق به من الأركان مأخوذات من الكتاب دون غيرها فيتخصص البطلان الحاصل بزيادة في المكتوبة بالأركان ، ولا يشمل غيرها ، كما لا يخفى. ثم إن ما أفيد من الجمع المزبور متين ، ولكن بعدما لا يوجب المخصص المنفصل انقلاب النسبة لازمه سقوط « لا تعاد » عن الحجية بالنسبة إلى زيادة السهوية في غير الركن الذي هو مورد تعارضهما ، ولا أظن التزامه من أحد ، وذلك يكشف عن عدم نظر القوم إلى الجمع المزبور ، فلا محيص حينئذ إلا مما ذكرنا في وجه الجمع ، فتدبر.

٢ ـ أقول : قد تقدم أن قوام الزيادة بالتشريع الغير المنفك عن قصد الجزئية ، وإلا فلا مجال لان

٢٤٠