الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

عبارة عن نفس لحوق العرض بموضوعه ، وإضافته إليه ، وبهذا الاعتبار يكون عرضيّا محمولا. وواضح أنّ هذا اللحوق والإضافة ليس من ناحية نفس ماهيّته (١) المعرّاة عن الوجود والعدم ، كيف وماهيّة السواد ـ مثلا ـ من حيث هي ليست إلاّ هي ، ولا يعقل لها من حيث نفسها لحوق ولا إضافة إلى الجسم أصلا ، وإنّما وجوده أو عدمه هو النعت (٢) اللاحق لمعروضه والفاني حصوله فيه ، لما‌

__________________

الخبريّة حكاية عنها ، وحقيقة النعتيّة التي تقع الناقصة التقييديّة بإزائها. ، والمراد بمقوليّة المقولة تحقّقها خارجا بحيث يصدق حدّها على ما في الخارج وتحمل وتقال عليه ، وتحقّقها في باب الأعراض إنّما هو بلحوقها بمعروضها ، فيصحّ حملها عليه ، وأمّا نعتيّتها فهي بلحاظ تحقّقها نعتا وصفة لمعروضها ـ كزيد العالم ـ ، ولا فارق بين العنوانين ـ المقولية والنعتية ـ إلاّ الاعتبار ، هذا. وقد مرّ أنّ النعتية الوجودية أو العدمية هي المستفادة من أدلة التقييد والتخصيص بدلالتها المطابقية أو الالتزامية.

(١) فليست ماهيّة العرض نفسها هي التي تلحق الموضوع وتكون نعتا له ، بل وجوده أو عدمه هو النعت اللاحق له.

(٢) أمّا نعتيّة الوجود فواضحة ، فإنّ قولنا : ( زيد قائم ) يفيد أنه واجد للقيام منعوت به ، فوجود القيام نعت له.

وأمّا نعتيّة العدم فلأنّ مفاد قولنا : ( زيد ليس قائما ) أنه فاقد للقيام ، وأنه منتف عنه القيام ، فيخبر عنه بأنه غير قائم ، ويسند إليه ، وينعت به ، وليس مفاده مجرّد عدم النعت ، للفرق الواضح بينه وبين قولنا : ( ليس قيام زيد ) على نحو ليس التامّة ، أو ( قيام زيد منتف ) ، حيث إنّ مفاده نفي القيام المضاف إليه ، وهذا لا نعتية فيه ، ولذا يصدق حتى مع انتفاء زيد المضاف إليه ، فتبصّر.

٤٤١

عرفت من تقوّمه بأنّ وجوده في نفسه ولنفسه هو عين وجوده في موضوعه ولموضوعه (١) ، وكذلك عدمه أيضا عند وجوده (٢) ، وإلى هذا يرجع تقسيمهم * للوجود والعدم إلى نفسيّ ورابطيّ (٣) ، وتخصيصهم الأوّل بالمعروضات ، والثاني بإعراضها.

وبالجملة : فمقوليّة المقولات ورابطيّة وجودها وعدمها (٤) ينشآن عن منشأ واحد حقيقي هو لحوقها وجودا أو عدما بمعروضاتها ، وإضافتها ** إليها ، فهي بوجودها أو عدمها نعوت وجوديّة أو عدميّة لتلك المعروضات ، لا بنعتيّتها لها موجودة أو معدومة (٥) ، لما عرفت من أنّ الإضافة بينهما في كلّ من طرفي الوجود والعدم‌

__________________

(١) إذن فوجوده هو اللاحق بموضوعه والنعت الوجودي له ، لا ماهيّته.

(٢) أي : عند وجود موضوعه ، إذن فعدمه هو اللاحق بموضوعه والنعت العدمي له في ظرف وجوده ، وقد عرفت وجهه آنفا ، وستعرف اعتبار وجود الموضوع في نعتيّة العدم أيضا كالوجود.

(٣) فإنّ مقتضاه أنّ الوجود أو العدم هو الرابطي النعتي ، لا الماهيّة.

(٤) يعني : كونها مقولات عارضة على معروضاتها ورابطات بوجودها أو عدمها بها.

(٥) أي : لا بنعتية ذواتها لمعروضاتها موجودة أو معدومة ، وبعبارة أخرى واضحة : وجودها لمعروضاتها أو عدمها عنها هي النعوت لها ، وليست ذواتها نعوتا موجودة أو معدومة لها.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( تقسيمه ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( إضافته ) والصحيح ما أثبتناه.

٤٤٢

عبارة عن نفس ذلك الوجود وهذا العدم (١).

وإذ تمهّد ذلك فلا يخفى أنّ النعتيّة والربطيّة ـ التي عرفت أنّها هي اللحوق والقيام بالموضوع ـ وإن كانت في طرف الوجود (٢) مساوقة لنفس وجود العرض ، فلا يعقل أن يوجد هو في نفسه ولنفسه إلاّ وكان في موضوعه ولموضوعه ـ لا محالة (٣) ـ ، ويمتنع أن يوجد لا فيه ، أو يسبقه بوجوده (٤) ولكنّها في طرف العدم السابق لمكان سبقه (٥) ، واستحالة نعتيّته لموضوعه عند انتفائه (٦) ، فلا جرم تنفكّ إحدى الجهتين عن الأخرى (٧) ولا يعقل أن يكون العدم السابق‌

__________________

(١) فالربط والإضافة والنعتيّة الحاصلة بينهما إنّما هي بنفس وجود العرض لمعروضه ، أو عدمه عنه عند وجوده ، وسيأتي لهذا تتمة عند البحث عن أجزاء القضيّة.

(٢) فرّق قدس‌سره في النعتيّة واللحوق بين طرفي الوجود والعدم ، ففي الأوّل بما أنّ وجود العرض عين لحوقه لموضوعه فنعتيّة وجوده لموضوعه مساوقة لنفس وجوده ، فلا انفكاك بين الجهتين ، أمّا في الثاني فمع وجود الموضوع ـ وإن كانت النعتيّة العدميّة متحقّقة ـ إلاّ أنه مع انتفائه تستحيل النعتيّة ، وتتعيّن المحموليّة.

(٣) لما عرفت من تقوّم وجوده النفسي بذلك.

(٤) أي : يسبق العرض موضوعه في الوجود ، فيوجد قبله.

(٥) أي : سبق عدم العرض على وجود موضوعه ، فلم يكن للعدم حينئذ موضوع.

(٦) أي : عند انتفاء الموضوع ، لما عرفت من استحالة النعتيّة واللحوق ـ وجوديّا كان أو عدميّا ـ مع انتفاء المنعوت والملحوق به.

(٧) وهما : جهة عدمه في نفسه وعدمه لموضوعه ، فلا تحقّق للثانية ـ أي‌

٤٤٣

عليه (١) إلاّ المحموليّ المعرّى عن هذا اللحوق والإضافة ، واستمرار هذا العدم إلى ظرف تحقّقه ـ وإن كان مساوقا لنعتيّته له ، ولحوقه به ـ إلاّ أنّ إحرازه بالأصل غير مجد (٢) إلاّ في إحراز ذاته المجرّدة عن الإضافة إليه ، ولا يثبت به إلاّ المقارن الذي قد عرفت أنّه بمعزل عن ترتّب الأثر عليه في هذا القسم (٣) لا من حيث نفسه ، ولا بعناية نقيضه.

فإن قيل : أليس قد فصّل (٤) علماء الميزان في توقّف صدق‌

__________________

العدم النعتي ـ ، وتتحقّق الاولى فقط ، وهي محموليّة لا محالة.

(١) أي : على الموضوع ، وكذا الضمير الآتي في ( تحقّقه ).

(٢) توضيحه : أنه إذا استمرّ العدم السابق على الموضوع إلى زمان تحقّق الموضوع ـ كما إذا استمرّ عدم القرشيّة إلى زمان وجود المرأة ـ ، وأحرز ذلك وجدانا ، فهذا العدم وإن أصبح في هذه المرحلة نعتا له ولا حقا به ـ لا محالة ـ ، فتكون المرأة ـ بطبيعة الحال ـ غير قرشيّة ، إلاّ أنه لا مجال لإحراز ذلك بالأصل ، لانتفاء اليقين السابق بنعتيّة العدم لتستصحب إلى ما بعد وجود الموضوع ، لما عرفت من استحالة النعتيّة مع انتفاء المنعوت ، نعم يحرز به بقاء ذات العدم مجرّدا عن النعتيّة والإضافة ، وهو عدم محموليّ مقارن ، ولا يجدي لإحراز النعتيّ إلاّ على القول بالأصل المثبت.

(٣) وهو القسم الأوّل من المركّب ـ العرض ومحلّه ـ ، أي : لا يترتّب أثر هذا القسم على الأصل المذكور ، وإنّما يترتّب عليه أثر القسم الثاني ـ المركّب من عنوانين متباينين.

(٤) محصّل التفصيل : أنه إن كان مفاد السالبة سلب الربط بين الموضوع والمحمول ـ كما في السالبة المحصّلة مثل : ليس زيد عالما ـ لم يتوقّف‌

٤٤٤

السوالب الخارجيّة (١) على وجود موضوعاتها وعدمه بين أن يرجع مفادها إلى ربط السلب ـ كما في المعدولة محمولها ـ ، أو إلى سلب الربط ـ كما في السالبة المحصّلة ـ ، فبنوا في الأوّل على التوقّف ، وفي الثاني على عدمه ، وهل يرجع البحث عن تحقّق الحالة السابقة بالنسبة إلى العدم الربطيّ عند انتفاء معروضه إلاّ إلى البحث عن صدق السالبة المحصّلة عند انتفاء موضوعها ، فكيف ينكر ذلك ، ويرجع مفادها إلى العدم النعتيّ المساوق لمفاد المعدولة في الصدق والتحقّق ، وهل هذا إلاّ رجوع * عمّا بني عليه جريان أصالتي البراءة والحلّ (٢) من دعوى عدم رجوع التقييد المستتبع للمانعيّة إلى اعتبار‌

__________________

صدقها على وجود الموضوع ، وإن كان مفادها ربط السلب ، أي ربط المحمول السلبيّ بالموضوع ـ كما في الموجبة المعدولة المحمول مثل :

زيد لا عالم ـ توقّف صدقها على وجوده كالموجبة المحصّلة.

وملخّص الاعتراض : أنّ مقتضى ذلك تحقّق الحالة السابقة بالنسبة إلى العدم النعتي عند انتفاء معروضه ، ففي المثال يصدق ـ قبل وجود زيد ـ قولنا ( ما كان زيد عالما ) على نحو السالبة المحصّلة ، فيستصحب عدم كونه كذلك إلى ما بعد وجوده ، ولا وجه لإرجاع ذلك إلى الموجبة المعدولة المحمول نحو ( كان زيد لا عالما ) ، ليدّعى عدم صدقها مع انتفاء موضوعها ، فلا حالة سابقة لها لتستصحب.

(١) أي : القضايا الخارجيّة السالبة.

(٢) تقدّم بيان المبنى المذكور لدى البحث الصغرويّ عن كون الشبهة‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( رجوعا ) والصحيح ما أثبتناه.

٤٤٥

النعت العدميّ في متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها.

قلت : بعد الغضّ عن أنّ تسالمهم على رجوع الأخبار في نتيجة الحمل إلى الأوصاف هدم لما أسّسوه (١) ، وأنّ تصريحهم بتلازم السالبة المعدولة محمولها للموجبة المحصّلة في الصدق نقض لما غزلوه (٢) ـ ، فلا يخفى أنّ ما زعموه من رجوع السلب المحصّل إلى سلب الربط الصادق عند انتفاء الموضوع مبنيّ ـ عند‌

__________________

المبحوث عنها من مجاري أصالة البراءة ، وأشير إليه إجمالا عند البحث عمّا هو المختار في تقريب الاستدلال بأصالة الحلّ في محلّ البحث ، وحاصله كون القيد العدميّ المنتزع عنه المانعيّة انحلاليّا راجعا إلى تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في كلّ واحد من مصاديق غير المأكول ـ مثلا ـ ، وليس عنوانا بسيطا ونعتا عدميّا مساوقا لمحمول المعدولة ـ كالصلاة اللاواقعة في غير المأكول ـ ، ليكون المقام من الشك في المحصّل ، هذا. وملخّص الإشكال هنا : أنّ إرجاع العدم النعتيّ إلى العنوان البسيط المساوق للمعدولة رجوع عن المبنى المتقدّم.

(١) فإنّهم تسالموا على أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف ، وأنه بعد الإخبار بأنّ زيدا ـ مثلا ـ عالم يقال : زيد العالم جاء ، ومقتضى شموله للسالبة أيضا أنه بعد الإخبار بأنّ زيدا ليس بعالم مثلا ـ بالسلب المحصّل ـ يصحّ التوصيف بمثل : زيد اللاعالم ـ على نحو العدول ـ ، فهما ـ إذن ـ متلازمان في الصدق ، ومقتضى تلازمهما كذلك اعتبار وجود الموضوع في الأوّل ـ حذو اعتباره في الثاني.

(٢) فإنّه إذا كان مثل ( زيد ليس بلا قائم ) ملازما لـ ( زيد قائم ) في الصدق ـ لأنّ سلب السلب إيجاب ـ ، فمقتضاه اعتبار وجود الموضوع في الأولى ـ وهي على الفرض سالبة ـ حذو اعتباره في الثانية.

٤٤٦

جملة منهم (١) ـ على ما تخيّلوه من عدم اشتمال السوالب على النسبة رأسا (٢) ، وكون السلب فيها واردا على النسبة الثبوتيّة التي هي في الإيجابيّة ، ورجوع مفادها إلى سلب الحمل ، وقطع الربط المتحقّق عند انتفائه (٣) لا محالة. وعند آخرين ـ وهم القائلون بتربيع أجزاء القضيّة (٤) ، وكون الجزء الأخير منها هو وقوع النسبة أو لا وقوعها ـ على ما توهّموه من كون المادّة المشتركة (٥) ـ التي لا محيص عنها ويرجع إنكارها إلى مكابرة الضرورة (٦) ـ عبارة عن‌

__________________

(١) وهم القدماء من أهل المعقول ، وعلى هذا القول فأجزاء القضيّة الموجبة ثلاثة ، والسالبة اثنان.

(٢) بدعوى أنّ مفادها سلب النسبة الثبوتيّة المتحقّقة في الموجبة ، إذن فلا نسبة لها ، وإنّما تختصّ النسبة بالموجبة.

(٣) أي : انتفاء الموضوع ، فقولنا ( ليس زيد قائما ) ، بمنزلة قولنا ( الربط بين زيد والقيام منتف ) ، وهذا صادق حتى مع انتفاء زيد ، لأنّ انتفاء الإضافة بين طرفين كما يكون بانتفائها نفسها مع وجود الطرفين ، كذلك يكون بانتفائها لأجل انتفاء أحد الطرفين.

(٤) وهي الموضوع والمحمول والنسبة ووقوع النسبة في الموجبة ، أو لا وقوعها في السالبة ، ويعبّر عن الجزء الأخير بالحكم.

(٥) بين الموجبة والسالبة ، بحيث يرد عليها كلّ من الإيجاب والسلب.

(٦) لقضاء الضرورة بأنّ هناك أمرا واحدا تثبته القضيّة الموجبة وتنفيه السالبة ، وأنه لا فرق بين القضيّتين إلاّ من ناحية إفادة إحداهما الثبوت والأخرى الانتفاء.

٤٤٧

نفس النسبة التقييديّة (١) المجرّدة عن الأمرين ، والصالحة لورود كلّ منهما عليه ، ورجوع مفاد القضيّة إلى الحكاية عن تحقّقها ، أو انتفائها اللامتوقّف على وجوده (٢).

والمحققون منهم وإن تنبّهوا لفساد كلّ من القولين ، وأنّه لا يعقل أن ينقلب ما يتضمّنه القضيّة من المعنى الحرفيّ اسميّا (٣) ، فيكون (٤)

__________________

وفي العبارة تعريض ببطلان القول الأوّل المستلزم لإنكار المادّة المشتركة ، فإنّ السلب ـ بناء عليه ـ وارد على النسبة الإيجابيّة ، وواقع في طولها.

(١) كالنسبة في ( قيام زيد ) المجرّدة عن الإثبات أو النفي ، فيرد عليها الإثبات تارة ويفيد أنّ النسبة المذكورة متحقّقة ، والنفي اخرى فيفيد أنّها غير متحقّقة.

(٢) أي : الموضوع ، و ( اللامتوقّف ) نعت لـ ( انتفائها ) ، يعني أنّ مرجع قولنا ( زيد قائم ، أو ليس بقائم ) ـ على هذا المبنى كما عرفت ـ إلى قولنا ( قيام زيد متحقّق ، أو منتف ) ، ومن الواضح ـ كما مرّ ـ أنّ صدق الأخير لا يتوقّف على وجود زيد. إذن فصدق السالبة المحصّلة على هذا القول ـ أيضا كسابقه ـ غير متوقّف على وجود الموضوع.

(٣) فإنّ مرجع القولين إلى أنّ قولنا ( زيد ليس بقائم ) مساوق لقولنا ( النسبة بين زيد والقيام منتفية ) ، ومقتضاه لحاظ النسبة معنى اسميّا ، والإخبار عنها بالانتفاء على نحو مفاد ليس التامّة والسلب المحموليّ ، والحال أنّ القضيّة إنّما تتضمنها على وجه المعنى الحرفيّ ، والسلب مأخوذ فيها على نحو مفاد ليس الناقصة.

(٤) تفريع على انقلاب المعنى الحرفيّ اسميّا ، أي : يكون السلب ـ على‌

٤٤٨

السلب محموليّا ، و * الربط المحصّل للتركيب ، والحاصل في غيره ولغيره مفهوما استقلاليا ، ولا أن يرد (١) السلب على الإيجاب ، أو يردا ** جميعا على الربط الذي ليس بخارج عن حقيقتهما (٢) ، ولا‌

__________________

هذا ـ محمولا في القضيّة بنفسه ، والربط معنى اسميّا مستقلا بالمفهوميّة ، والحال أنّه معنى حرفي حادث بهويّته عند التركيب الكلامي ، حاصل في غيره ولغيره ، قائم به ، ومحصّل للتركيب بين المفاهيم الاسميّة ، والربط بينها في ظرف الاستعمال ـ بناء على المختار من إيجاديّة المعاني الحرفيّة.

(١) عطف على ( أن ينقلب ) ، وهذا إشكال آخر على كلا القولين ، كلّ من جهة ، ومحصّله : أنّ السلب ـ على الأوّل ـ وارد على الإيجاب ، وقد مرّ ـ آنفا ـ أنّ هذا مناف لما تقضي به الضرورة من وجود مادّة مشتركة بين الموجبة والسالبة ، و ـ على الثاني ـ يكون كلّ من السلب والإيجاب واردين على الربط والنسبة التقييديّة ، وهذا ـ مضافا إلى ما مرّ في الإشكال الأوّل من أنّ الربط لا تتضمّنه القضيّة إلاّ معنى حرفيا ، فكيف يجعل اسميّا وموضوعا يحمل عليه الوقوع تارة واللاوقوع اخرى ـ يشكل بأنّ الربط ليس أمرا خارجا عن حقيقة كلّ من الإيجاب والسلب ، بل هو في حاقّ حقيقته على قسمين : إمّا ثبوتيّ هو ثبوت المحمول للموضوع ، أو سلبيّ هو سلبه عنه ، فلا اثنينيّة في البين ليرد أحدهما على الآخر.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الأخير ، كما أنّ ما بعده إشارة إلى ما قبله.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( أو ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( يردان ) والصحيح ما أثبتناه.

٤٤٩

يتضمّنه القضيّة إلاّ معنى حرفيّا ، فبنوا (١) على تثليث أجزاء القضيّة ، وقسّموا النسبة في حاقّ حقيقتها إلى ثبوتيّة وسلبيّة ، حذو ما قسّموا الرابط الخارجيّ (٢) ـ الذي يقع ما في القضيّة بإزائه ـ إلى وجوديّ هو نفس وجود المقولات ـ ، وعدميّ هو عدمها ، فانطبقت الحكاية بذلك على المحكيّ بحذافيرهما.

ولقد أجادوا فيما صنعوا (٣) ، ولكنّهم ـ مع ذلك ـ فقد غفلوا‌

__________________

(١) تفريع على ( تنبّهوا ) ، والأجزاء الثلاثة هي الموضوع والمحمول والنسبة الثبوتيّة في الموجبة والسلبيّة في السالبة ، وقد مرّ ـ آنفا ـ عدم الاثنينيّة بين النسبة وبين الثبوت أو السلب ، وأنّها في حقيقتها إمّا هي ثبوت شي‌ء لشي‌ء أو سلبه عنه.

(٢) وهو النسبة الخارجيّة الحاصلة بين الطرفين ، والقائمة بهما في القضيّة الخارجيّة ، ويسمّى بالوجود الرابط ، في قبال الوجود المستقلّ ( الوجود في نفسه ) المنقسم إلى ما وجوده لنفسه ـ كالجواهر ـ ، ويسمّى بالوجود النفسيّ ، وما وجوده لغيره ـ كالأعراض ـ ، ويسمّى بالوجود الرابطيّ أو الناعتيّ ، وتقع النسبة الكلاميّة بإزاء هذا الرابط الخارجيّ موجدة له ، أو حاكية عنه ـ على الخلاف.

فالمراد أنّهم كما قسّموا الرابط الخارجيّ إلى وجوديّ وعدميّ ، كذلك قسّموا ما بإزائه من الرابط الكلاميّ إلى ثبوتيّ وسلبيّ ، وكما أنّ الرابط الخارجيّ في حقيقته هو وجود المقولة لما تقال عليه أو عدمها عنه ، كذلك الربط الكلاميّ في هويّته هو ثبوت المحمول للموضوع أو سلبه عنه ، وبذلك ينطبق تمام الحاكي على تمام المحكيّ ، فيتطابقان بحذافيرهما.

(٣) من رفض القولين الأوّلين ، وعدم جعل الوقوع أو اللاوقوع جزءا‌

٤٥٠

عن ابتناء التفصيل في صدق هاتين القضيّتين (١) عند انتفاء الموضوع وعدمه على تلك المباني (٢) ، فنسجوا على منوالهم (٣) ، حتّى أنّ الفاضل السبزواريّ ـ مع تغليطه له في محكيّ حواشي الأسفار ـ قد جرى عليه في منظومة المنطق (٤) ، والخطب في مثله لهيّن.

وبالجملة : فحيث إنّه ليس بين المقولات وما تقال عليه (٥)

__________________

للقضيّة ، لا في بنائهم على التثليث وجعل النسبة جزءا للقضيّة في قبال الطرفين ، لما سيجي‌ء من بطلانه ، وأنه ليس بينهما هويّة ثالثة ربطيّة.

(١) وهما : السالبة المحصّلة والموجبة المعدولة المحمول.

(٢) وهي القولان الأوّلان ، وقد مرّ بيان ابتناء التفصيل المذكور ودعوى صدق السالبة عند انتفاء الموضوع على أحدهما.

(٣) في الدعوى المذكورة غافلين عن عدم انسجامها مع مبناهم.

(٤) قال في حاشية الأسفار ١ : ٣٧١ : ( إنّ السالبة باعتبار أنها قضيّة وحكم من الأحكام لا تصحّ إلاّ مع اعتبار وجود الموضوع ، فلا مورد يصحّ فيه السلب إلاّ ويصحّ فيه إيجاب العدول أو إيجاب سلب المحمول ، فليس ـ كما هو المشهور ـ يصحّ السالبة بانتفاء الموضوع في نفسه دونهما ) إلى آخر كلامه قدس‌سره ، وهو واضح الدلالة على اعتبار وجود الموضوع في السالبة كالمعدولة ، ومع ذلك جرى في منظومته في المنطق (٥٢) على مسلك المشهور إذ قال : ( فكان الإيجاب أخصّ إذ لزم. وجود موضوع له والسلب عمّ ).

(٥) محصّله : أنه ليس في وعاء الخارج وراء المقولة العرضيّة وما تقال عليه من معروضها حقيقة ثالثة تربط بين الأمرين ـ كخيط يشدّ أحدهما بالآخر ـ بحيث إن وجدت وجد الربط بينهما ، وإن انتفت انتفى ـ ، بل ليس هناك وراء وجود‌

٤٥١

هويّة ثالثة ربطيّة خارجيّة يوجد الربط بينهما بوجودها * ، وينتفي بانتفائها ** ، ولا مقوليّتها إلاّ من ناحية وجودها وعدمها (١) ، دون ماهيّاتها ، فليس حديث سلب الربط ـ حينئذ ـ إلاّ من الشعريّات التي لا محصّل لها إلاّ حسن العبارة ، فضلا عن أن يفرّق بين السالبة المحصّلة والمعدولة محمولها بمثله ، وإنّما الفارق بينهما هو ترتّب هذا الإيجاب على ذلك السلب ترتّب العناوين الثانويّة على‌

__________________

المعروض سوى وجود العرض أو عدمه الذي هو بعينه وجوده لمعروضه أو عدمه له ، ونعتيّته ومقوليّته إنّما هي بذلك ، لا بماهيّته ـ كما تقدّم.

وإذ لم يكن في واقع الأمر وراء وجود المعروض سوى وجود العرض أو عدمه ـ من دون ثالث رابط بينهما ـ فلا حقيقة للربط ولا أساس له. إذن فلا موضوع لحديث سلب الربط ، ولا معنى له محصّل ، فهو تعبير شعريّ حسن الظاهر فارغ المؤدّى ، ومعه كيف يصحّ أن يفرّق به بين السالبة المحصّلة والمعدولة المحمول ، ويدّعى عدم توقّفه على وجود الموضوع ، بل القضيّتان سواء في توقّف صدقهما على وجوده ، لاشتراكهما في الحكاية عن واقع واحد هو انتفاء المقولة عن موضوعها ـ الراجع إلى نعتيّة عدمها له ـ ، وقد عرفت أنه لا يعقل النعتيّة إلاّ عند وجود المنعوت له.

(١) هذا هو العقد الإيجابيّ للمطلب ، وما قبله عقده السلبيّ. هذا ، وقد مرّ ـ آنفا ـ شرح هذه العبارة وما بعدها.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بوجوده ) ، والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( بانتفائه ) ، والصحيح ما أثبتناه.

٤٥٢

محصّلاتها (١) ، ولمكان التلازم بين العنوانين في التحقّق الخارجيّ فلا جدوى لهذا الفرق فيما نحن فيه (٢) ، وإن كان مجديا في رجوع الشبهة المبحوث * عنها إلى مرحلة التكليف أو المحصّل (٣) ـ حسبما تقدّم الكلام فيه (٤).

__________________

(١) فليس كلّ منهما حاكية عن حقيقة خارجيّة غير ما تحكي عنه الأخرى ، إذ ليس في البين إلاّ حقيقة واحدة ، بل الأولى تحكي عن الواقع بعنوانه الأوّليّ ، والثانية تحكي عن عنوان ثانويّ بسيط منتزع مترتّب على الواقع ، ومتحصّل منه ، فهي تحكي عنه ـ مطابقة ـ ، وعن الواقع المنتزع عنه والمحصّل له ـ التزاما.

(٢) من عدم جريان الاستصحاب لإحراز العدم النعتيّ ، فإنّ مقتضى التلازم الخارجيّ بين العنوانين المذكورين ، بل وحدة المعنون بهما هو اشتراكهما في كون العدم الملحوظ فيهما عدما نعتيّا ، وقد تقدّم أنه لا مجال لإحرازه بالأصل ، فلا مجرى لاستصحاب عدم كون الشرط مخالفا ـ مثلا ـ على نحو السلب المحصّل ، ولا لاستصحاب لا مخالفته على نحو العدول لانتفاء الحالة السابقة ، واستصحاب عدم تحقّق المخالفة ـ عدما محموليّا ـ لا يجدي لإحراز النعتيّ إلا على القول بالأصول المثبتة.

(٣) فإن قيّدت الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول ـ على نحو السالبة المحصّلة ـ كانت الشبهة المبحوث عنها من الشك في التكليف ، ومن مجاري البراءة ، وإن قيدت بكونها لا واقعة فيه ـ على نحو العدول ـ كانت من الشك في المحصّل ، ومن مجاري قاعدة الاشتغال.

(٤) لدى تنقيح البحث الصغرويّ من المقام الأوّل.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المبحوثة ) ، والصحيح ما أثبتناه.

٤٥٣

فإن قيل : أليس نفس النعت الوجوديّ الحاصل لموضوعه عند حدوثه من الحوادث ، فكيف يمنع عن مسبوقيّته بالعدم بما هو كذلك (١) ، ويخصّ سبق عدمه بلحاظ مباينته لموضوعه؟ وهل يعقل أن يوجب تعدّد اللحاظ تعدّدا في نفس الأمر (٢) ، أو يفصّل في استحالة ارتفاع النقيضين بين اللحاظين (٣)؟.

أجيب عنه : بأنّه ـ مع الغضّ عمّا تقدّم (٤) من أنّ قسيم الخارج ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب مثلا ـ هو الذي لا محيص في ترتيب الحكم عن إحرازه ، وأنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب‌

__________________

(١) أي : بما هو حاصل لموضوعه عند حدوثه ، وحاصل الإشكال : أنّ النعت وجد حاصلا في موضوع وعلى وجه النعتيّة ، ولم يكن له ـ بما هو كذلك ـ وجود قبل ذلك ، إذن فوجوده النعتيّ مسبوق بالعدم ، ولا يختصّ سبق عدمه بوجوده المحموليّ المباين لموضوعه.

(٢) إذ ليس هناك في نفس الأمر إلا وجود واحد مسبوق بالعدم ، وهو ـ كما ذكر ـ الوجود النعتيّ ، ولا يتعدّد وجوده الواقعيّ بتعدّد لحاظه نعتيّا تارة ، ومحموليّا اخرى.

(٣) ويقال : إنّه إن لوحظ محموليّا استحال ارتفاع وجوده وعدمه معا ، بخلاف ما إذا لوحظ نعتيّا ، فإنّه ـ مع عدم موضوعه ـ لا موجود ولا معدوم ، وإنّما المعدوم ـ حينئذ ـ هو المحموليّ.

(٤) تقدّم في الأمر الثالث أنّ قسيم الخارج بالاستثناء أو المنفصل ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب ـ هو الباقي من العامّ موضوعا لحكمه ولا محيص في ترتيب الحكم عن إحرازه ، والعدم فيه نعتيّ لاحق بموضوعه ، وتقدّم في الأمر الرابع أنّ غاية ما يمكن إحرازه بالأصل هو عدمه المقارن دون النعتيّ ، لعدم مسبوقيته على وجه النعتيّة.

٤٥٤

عدم أيّ عنوان عند حدوث آخر إنّما هو * عدمه المقارن له ، دون اللاحق به ، لعدم مسبوقيّته على هذا الوجه.

فلا يخفى أنّ مرجع دعوى مسبوقيّة النعوت الوجوديّة ـ بما هي كذلك ـ بالعدم إنّما هو إلى أخذ المتحصّل عن وجود تلك الخصوصيّة ـ بما أنّه وجودها لموضوعها ـ حادثا مسبوقا بذلك (١) ، وقد تبيّن ممّا قدّمنا أنّ مسبوقيّة نفس الوجود الحادث بالعدم (٢) ليس بهذا المعنى المتقوّم به استصحاب عدمه ، وإلاّ كان استصحابا لمعدوميّة نفس الوجود ، وهو من الأغلاط الواضحة ، وإنّما هو مسبوق به بذلك المعنى الآخر ـ الذي تقدّم أنّه أجنبيّ عن ذلك.

وبالجملة : فليس المسبوق بالعدم ـ بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه ـ إلاّ نفس الماهيّات ، ولا عدمها السابق إلاّ المحمولي‌

__________________

(١) فإنّ معنى كون النعت الوجوديّ ـ بما هو نعت ـ مسبوقا بالعدم هو كون وجوده ـ بما هو وجوده لموضوعه ـ كذلك ، فأصبح الوجود مسبوقا بالعدم ، وقد مرّ أنّ استحالته كاستحالة اجتماع النقيضين ، ومن جزئيّاته.

(٢) تقدّم في مطاوي الأمر الرابع : أنّ المسبوق بالعدم بالمعنى الصالح لاستصحاب عدمه إنّما هي الماهيّة ذاتها ، لا الوجود ، لاستحالة أن يكون الوجود معدوما سابقا ليستصحب عدمه ، فإنّه من اجتماع النقيضين ، واستصحابه استصحاب لاجتماع النقيضين. نعم الوجود مسبوق بالعدم بمعنى آخر هو تقدّم العدم على الوجود زمانا ، لكنّه بهذا المعنى لا يجدي شيئا في الاستصحاب.

__________________

(*) كلمة ( هو ) غير موجودة في الطبعة الاولى ، وقد أثبتناها لاقتضاء السياق.

٤٥٥

المعرّى ـ في باب المقولات ـ عن اللحوق بموضوعاتها عند انتفائها ، ولا استصحابه محرزا سوى العدم المقارن ، ولا استصحاب عدمها (١) ـ بما هي حاصلة في موضوعها ولموضوعها ـ بدعوى مسبوقيّتها به بذلك المعنى المغالطيّ (٢) إلاّ من استصحاب اجتماع النقيضين ـ كما قد عرفت.

وقد ظهر من ذلك أنّ حديث ارتفاع النقيضين أجنبيّ عن محلّ البحث بالكلّية ، إذ بعد أن كان التقابل بين الوجود والعدم (٣) راجعا‌

__________________

(١) أي : ليس استصحاب عدم المقولات ـ بما هي حاصلة في موضوعها وموجودة فيه ـ إلاّ من استصحاب اجتماع النقيضين ، لرجوعه إلى استصحاب كون وجودها على هذا النحو معدوما ، وكون الوجود معدوما تناقض واضح.

(٢) لما فيه من المغالطة والتلبيس على الغافل والتشبيه عليه ، حيث يخلط بين مسبوقيّة العدم بالوجود ـ بمعناها المعقول المتقدّم ـ ، وبين مسبوقيّته به ـ بمعناها التناقضيّ الغلط ـ ، فيجري الاستصحاب المتقوّم بالمعنى الثاني متخيّلا أنه هو المعنى الأوّل الصحيح.

(٣) بعبارة واضحة : أنّ التقابل بين الوجود والعدم على قسمين : تقابل النقيضين الممتنع ارتفاعهما ، وتقابل العدم والملكة الصالح له ، وهما ـ بعد اشتراكهما في انتفاء الواسطة بين المتقابلين ـ يفترقان باختلافهما في نوعيّة الانقسام إلى المتقابلين ، ففي باب المناقضة يلحق الانقسام جميع الماهيّات ـ حتى الفرضيّات المحضة كالعنقاء واللاعنقاء ـ ، وفي باب الملكة والعدم يلحقها بزيادة قيد الشأنية وقابليّة المحلّ ، ولأجله يجوز ارتفاعهما عن المحلّ غير القابل ، بخلاف سابقه.

٤٥٦

إلى باب المناقضة الموجبة لعدم جواز الارتفاع ـ تارة ـ ، وإلى باب الملكة والعدم الصالح لذلك ـ اخرى ـ ، وكان الفارق بين البابين ـ بعد اشتراكهما جميعا في عدم الواسطة بين المتقابلين ـ هو تغاير الانقسام إليهما ، ولحوقه في أحدهما لأيّ ماهيّة ـ ولو فرضيّة محضة ـ ، وفي الآخر بعد شأنيّة وصلاحيّة زائدة ، فاختصاص المناقضة بالمحموليين ، ورجوع التقابل بين الربطيّين إلى الثاني أوضح من أن يخفى.

ولو قيل بتقرّر الماهيّات في الأزل (١) من جهة تعلّق العلم الأزليّ بها ، أو غير ذلك ـ كما هو مرجع القول بالأعيان الثابتة ـ كان حال الموضوع ـ حينئذ ـ باعتبار تقرّره السابق أيضا مشكوكا ـ لا محالة ـ ، ولم يكن لتوهّم الحالة السابقة مجال ، وسقط هذا البحث‌

__________________

وقد ظهر ممّا سلف أنّ الوجود والعدم المحموليّين يعدّان من المتناقضين ـ كالقيام وعدم القيام ومخالفة الكتاب وعدمها ـ ، وأمّا الربطيّان فيندرجان في العدم والملكة ـ ككون زيد قائما وعدمه ومخالفة الشرط للكتاب وعدمها ـ ، والمحلّ القابل لهما هو الموضوع الموجود ، فينتفيان معا عند انتفائه.

(١) محصّله : أنه لا مجال لاستصحاب العدم النعتيّ حتى لو قيل بالأعيان الثابتة ، وأنّ للماهيّات الممكنة المعدومة نحو تقرّر وثبوت في الأزل ـ كما عن المعتزلة زعما منهم أنه المصحّح لتعلّق علمه ( تعالى الأزليّ بها ـ ، بل ولو قيل بكفاية هذا النحو من التحقّق لموضوع المستصحب في صحّة استصحابه ، فإنّ موضوع النعت العدميّ ـ كالشرط ـ المفروض تقرّره سابقا لا يعلم حاله أنّه منعوت بعدم المخالفة ـ مثلا ـ أو بوجودها ، وأيّا منهما كان فهو منعوت به أزلا ، ولا يتصوّر له حالة سابقة متيقنة لتستصحب.

٤٥٧

من أصله.

فإن قيل : أليس قد عوّل الفقهاء على أصالة الضمان عند تردّد اليد على مال الغير بين أن يكون بإذن منه أو بغير إذنه ، وعلى أصالة عدم النسب ـ أيضا ـ في جميع الأبواب ، فهل يستقيم شي‌ء من ذلك إلاّ على إحراز حال الحادث باستصحاب العدم السابق على حدوثه (١).

قلت : أمّا تعويلهم على أصالة الضمان فهو ـ وإن كان قد حمله كلّ ممّن يرى التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة ، أو التشبّث بقاعدة المقتضي والمانع على مذاقه ، واستظهر به (٢) ـ ، لكنّ‌

__________________

(١) تقريب الإشكال : أنّ موضوع الضمان هو الاستيلاء على مال الغير غير المأذون فيه من مالكه ، وقد تحقّق الاستيلاء ، ويشكّ في تحقّق إذن المالك معه ، فيستصحب عدم اتصاف الاستيلاء بكونه مأذونا فيه ـ على نحو العدم النعتيّ.

وأنّ الانتساب المأخوذ موضوعا للحكم في أبواب الإرث وغيره ـ على وجه النعتية ـ إذا شكّ في تحقّقه عند تحقّق المنتسب فيستصحب عدمه الأزليّ لنفي الحكم المترتّب على نقيضه ، إذن فالمسألتان مبنيّتان على استصحاب العدم الأزليّ.

(٢) أي : استعان به لمسلكه ، وذلك : فإنّ الأوّل يرى أنّ مستند حكم الفقهاء بالضمان هو عموم ( على اليد ما أخذت ) مع الشكّ في مصداق مخصّصة ـ وهو كون اليد غير عادية ـ ، والثاني يرى أنّ مستنده هو القاعدة المذكورة ، فإنّ مقتضي الضمان ـ وهو الاستيلاء ـ محرز ، ويشكّ‌

٤٥٨

الذي ينادي تعبيراتهم ـ بأعلى صوتها ـ به هو استنادهم فيها إلى أصالة عدم الإذن من المالك ، دون شي‌ء آخر ، وانطباقه على ما حرّرناه ضابطا لتركّب الموضوع من المقارن أو النعتيّ أوضح من أن يخفى ، فإنّ المتحصّل ممّا يدلّ على ضمان اليد ـ بعد تخصّصه ، أو تخصيصه (١) بما إذا لم تكن بإذن من المالك ـ هو ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم إذنه فيه ، ومرجعه إلى تركّب سببه (٢) من عرضين لموضوعين ، فيكون كلّ منهما بالنسبة إلى محلّه من النعتيّ ، وبالنسبة إلى الآخر من المقارن ، ويكفي مسبوقيّة محلّه به (٣)

__________________

في مانعه ـ وهو كون اليد أمانيّة ـ ، ومقتضى القاعدة البناء على عدمه وتأثير المقتضي في مقتضاه.

(١) الأوّل مبنيّ على أنّ الأخذ في المرويّ ( على اليد ما أخذت حتى تؤدّي ) ظاهر في القهر والغلبة ، فتخرج اليد المأذونة عن العموم بالتخصّص ، والثاني مبنيّ على خروجها بأدلّة أخر مخصّصة ، لا بما ذكر.

(٢) أي : سبب الضمان وموضوعه ، وقد مرّ في الأمر الثالث أنّ المورد من هذا القبيل ، وليس من قبيل التركّب من العرض ومحلّه ، وأنّ كلا من العرضين بالنسبة إلى موضوعه يكون من النعتيّ ، وبالنسبة إلى العرض الآخر من المقارن ، فالاستيلاء عرض قائم بفاعله وبالمال ، والمفروض إحرازه كذلك بالوجدان ، كما أنّ عدم الإذن قائم بالمالك ، ولا مانع من استصحاب عدمه بما هو كذلك ، فإنّ المالك كان في زمان ولم يكن آذنا في التصرّف ، فيستصحب بقاؤه على هذه الصفة ، وبضمّه إلى ما أحرز بالوجدان يلتئم موضوع الضمان.

(٣) أي : يكفي في العرض النعتيّ مسبوقيّة محلّه به ـ كمسبوقيّة المالك‌

٤٥٩

في إحرازه بالأصل عند إحراز الآخر بالوجدان في التيام سبب الضمان بلا مؤنة أمر آخر ـ حسبما تحرّر ضابطه.

وأمّا أصالة عدم النسب : فظاهر شيخنا أستاذ الأساتيذ ـ أنار الله تعالى برهانه ـ هو دعوى التسالم على العمل بهذا الأصل في جميع المقامات (١) ، وعليه بنى الحكم بعدم حيضيّة الدم الذي تراه المرأة ـ المشكوكة قرشيّتها ـ عند تجاوزها عن الخمسين.

فإن رجع ما أفاده قدس‌سره إلى دعوى الإجماع على العمل بهذا الأصل بالخصوص ـ كما يقتضيه تعويله عليه في تلك المسألة (٢) ، أو ثبت ما يقوى عندنا جدّا ـ من أنّ خصوص النسب ممّا جرت طريقة العقلاء ـ حفظا لأنسابهم ـ على سلبه عمّن لم يثبت انتسابه إليهم (٣) ـ فهو ، وإلاّ فقد عرفت أنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب عدم أيّ عنوان (٤) إلى زمان حدوث من يشكّ في نسبه إنّما هو عدمه المقارن لوجوده (٥) ، دون المرتبط به ، من غير فرق‌

__________________

بعدم إذنه ـ في إحراز ذلك العرض بالأصل.

(١) صرّح قدس‌سره في مبحث الحيض من طهارته (١٧٩) : بأنّ أصالة عدم الانتساب معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات.

(٢) أي : يقتضي دعوى الإجماع تعويله على الأصل في مسألة الحيض.

(٣) أي : إلى العقلاء ، إذن فعمدة الدليل عليه هي السيرة العقلائيّة غير المردوعة من قبل الشارع.

(٤) كعنوان القرشيّة والأبوّة والنبوّة ونحوها.

(٥) أي : لوجود من يشكّ في نسبه.

٤٦٠