الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

النعت الوجوديّ أو العدميّ اللاحق من واجديّته لتلك الخصوصيّة ، أو فاقديّته لها ، فإن أخذ في نفس الأمر مقيّدا بأحدهما لزمه عدم الانقسام حينئذ بالنسبة إلى المقارن رأسا ، وامتنع التقييد والإطلاق بالنسبة إليه بارتفاع موضوعه (١) ، ولو فرض مطلقا بالنسبة إليهما كان مقتضى عينيّة وجود العرض لموضوعه مع وجوده لنفسه (٢) هو امتناع التقييد بالمقارن للمناقضة والتدافع بين ذلك الإطلاق وهذا التقييد في كلتا * مرحلتي الجعل والملاك (٣) ، مضافا إلى عدم‌

__________________

(١) وهو الانقسام ، إذ بعد تقييده بالنعتيّ وجودا أو عدما لا يتصوّر له انقسام بالنسبة إلى المقارن ، ضرورة أنّ مقارنته مع وجود العرض أو عدمه حاصلة قهرا ، وإذا انتفى الانقسام بالنسبة إليه امتنع الإطلاق أو التقييد بالإضافة إليه ، لانتفاء موضوعه.

(٢) فإنّ معنى العينيّة المزبورة ـ كما تقدّم ـ هو أنّ وجوده النفسيّ يكون على نحو القيام بالغير ، فلا وجود له على غير هذا النحو ، وإذا فرض إطلاق المعروض بالنسبة إلى قيام العرض به وعدمه ـ والمفروض أنّ قيامه به عين وجوده في نفسه ـ فمقتضى الإطلاق المذكور التساوي في الحكم بين صورتي وجوده في نفسه وعدمه ، ومعه كيف يصحّ التقييد بصورة وجوده في نفسه على نحو الوجود المقارن ، أو بصورة عدمه كذلك على نحو العدم المقارن ، وهل هذا إلاّ تناقض.

(٣) فإنّه إذا فرض عدم دخالة أيّ من الوجود والعدم النعتيّين للعرض في‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( كلا ) والصحيح ما أثبتناه.

٤٢١

رجوعه إلى محصّل (١) ـ كما لا يخفى ـ ، وإذا انحصر الوجه في القيديّة النفس الأمريّة بذلك فيكون الدليل عليها في الجملة دليلا عليها بذلك الوجه (٢) ، ولا يترتّب على إجماله من هذه الجهة أثر أصلا ، بل لو فرض ظاهرا في قيديّة المقارن فلا محيص عن صرفه عنه ـ كما هو الشأن في أشباهه (٣).

وأمّا في مرحلة الإثبات فانطباق مفاد المركّب التوصيفيّ (٤) وما يجري مجراه (٥) ـ بمدلوله المطابقيّ ـ على ما عرفت أنّه المتعيّن (١)

__________________

الملاك المقتضي للجعل فكيف يمكن فرض دخل وجوده المحموليّ أو عدمه كذلك فيه ، أليس هذا هو التهافت.

(١) يعني مع قطع النظر عن امتناع التقييد المذكور للمناقضة ، فليس لمثل هذا التقييد ـ مع فرض ذلك الإطلاق ـ معنى محصّل معقول.

(٢) يعني : يكفي في الدلالة على قيديّة النعتيّ قيام الدليل على أصل التقييد ـ وإن كان مجملا من حيث قيديّة النعتي أو المحمولي ـ ، وذلك للبرهان الثبوتيّ ـ المتقدّم ـ على انحصار القيديّة النفس الأمريّة بالنعتيّ ، ولا يضرّ معه إجمال الدليل إثباتا.

(٣) ممّا يكون ظاهر الدليل أمرا ممتنعا ، فإنّه لا محيص عن صرفه عن ظاهره وحمله على الممكن.

(٤) تفصيل في مرحلة الإثبات والدلالة بين المركّب التوصيفيّ ـ كالعالم العادل ـ ، وبين غيره من الاستثناء والمنفصل ، بكون قيديّة النعتي في الأوّل مدلولا مطابقيّا للكلام ، وفي الثاني التزاميّا ـ كما ستعرف.

(٥) نحو ( أكرم العالم إن كان عادلا ).

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المتيقن ) والصحيح ما أثبتناه.

٤٢٢

في مرحلة الثبوت ظاهر (١) ، وأمّا ما عدا ذلك فلا يخلو : إمّا أن يكون متكفّلا لمحض إفادة أنّ للخصوصيّة الكذائيّة دخلا ـ وجودا أو عدما ـ في الحكم ، بلا تعرّض لحال النوع المتخصّص أو اللامتخصّص بها أصلا (٢) ـ كأن يقوم إجماع ونحوه على مجرّد ذلك ـ ، أو يكون متعرّضا لحال ذلك النوع بأحد ما تقدّم من الوجهين (٣) ، وتستفاد القيديّة من ذلك.

وغير خفيّ (٤) أنّ ما يمكن أن يدّعى إجماله من الجهة التي نحن فيها هو خصوص القسم الأوّل ، وغاية ما يقتضيه ذلك ـ بعد تباين الكيفيّتين وانتفاء الجامع بينهما (٥) ـ هو تردّد القيد بين المتباينين ، دون الأقلّ والأكثر ـ كما عساه يتوهّم (٦) ـ ، وواضح أنّه ـ مع الغضّ‌

__________________

(١) فإنّ التوصيف يدلّ على النعتيّة ـ كما هو واضح.

(٢) فيدلّ الدليل ـ كالإجماع ونحوه من الأدلّة اللبّيّة ـ على مجرّد أنّ للعدالة أو عدم الفسق ـ مثلا ـ دخلا في وجوب إكرام العالم ، وأنّ العالم المتخصّص بخصوصيّة العدالة أو اللامتخصّص بخصوصيّة الفسق هو الموضوع لهذا الحكم ، من دون تعرّضه لحال هذا المتخصّص أو اللامتخصّص أنه على نحو المقارنة أو النعتيّة.

(٣) من المقارنة أو النعتيّة.

(٤) تفصيل بين القسمين الأخيرين بصحّة دعوى إجمال الدليل في الأوّل وتردّده بين المقارنة والنعتيّة ، دون الثاني.

(٥) وليسا من الأقل والأكثر ليكون الجامع بينهما هو الأقلّ.

(٦) أي : كونه من التردّد بين الأقلّ والأكثر بجعل قيديّة المقارنة هي الأقلّ‌

٤٢٣

عمّا عرفت من أنّه لا مجال لإعمال قواعد الإجمال في مثله (١) ـ فغاية ما يقتضيه إجماله هو عدم الجدوى لإحراز المقارن (٢) مع عدم إحراز نعتيّته في ترتيب الحكم إثباتا ونفيا ـ كما هو الشأن في أشباهه (٣).

وهذا بخلاف ما كان من قبيل الثاني (٤) ، كما هو الغالب فيما بأيدينا من التخصيصات والتقييدات الدائرة ، فإنّها ـ بمداليلها الالتزاميّة اللفظيّة ـ منطبقة على قيديّة النعتيّ (٥) ، ولا مجال لدعوى إجمالها من هذه الجهة ، فضلا عن التردّد بين الأقلّ والأكثر الذي قد عرفت ما فيه ، لأنّ (٦) ما وقع محلا للبحث من ذلك (٧) هو ما إذا كان‌

__________________

(١) عرفت ذلك آنفا ، وأنّ تعيّن قيديّة النعتي ـ ثبوتا ـ كاف في رفع إجمال الدليل ـ إثباتا ـ ، فلا تصل النوبة إلى إعمال قواعد الإجمال.

(٢) فإنّ مقتضى الإجمال ـ على نحو الدوران بين المتباينين في المقام ـ هو العلم إجمالا بقيديّة أحد الأمرين ، ومقتضاه عدم كفاية إحراز المقارن من دون إحراز النعتي ، ليرتّب عليه الحكم وجودا أو عدما.

(٣) من موارد المجمل المردّد بين متباينين.

(٤) وهو ما إذا كان الدليل متعرّضا لنوع الخصوصيّة ومبيّنا له ، فيكون حينئذ من المبيّن ، دون المجمل ـ كما كان في القسم الأوّل.

(٥) يعني أنّ الغالب فيما بأيدينا من الأدلّة اللفظيّة إنّما هو من قسم المبيّن ، وهو ظاهر الدلالة ـ بالدلالة الالتزاميّة ـ على قيديّة النعتي ، وسيأتي بيان كيفيّة الدلالة.

(٦) تعليل لكون الغالب فيما بأيدينا من المبيّن الدالّ على قيديّة النعتي.

(٧) أمّا مثل المركّب التوصيفي فلم يقع محلا للبحث ، ودلالته على النعتية‌

٤٢٤

المخصّص ـ كالاستثناء مثلا ، أو المنفصل ـ نافيا للحكم الوارد على المطلق أو العامّ عن نوعه المتخصّص بخصوصيّة وجوديّة ، إمّا ابتداء ، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ ذلك (١).

وتوضيح أنه لا ينطبق نتيجة التخصيص أو التقييد بكلّ منهما (٢) إلاّ على ما عرفت أنّه المتعيّن في مرحلة الثبوت هو : أنّه بعد وضوح أنّ التباين الكلّي بين ما هو الموضوع (٣) للكبرى المستفادة كلّيتها من الإطلاق أو العموم لما أخرجه المخصّص عن تلك الكلّية ـ بأحد الوجهين (٤) ـ ممّا لا مناص عنه (٥) ، ـ وإلاّ لم ترفع‌

__________________

مسلّمة.

(١) أمّا الأوّل فكقولنا ( أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ) أو ( أكرم العلماء ولا يجب إكرام فسّاقهم ) ، حيث ينفي ابتداء وجوب الإكرام الوارد على العلماء عن المتخصّص منهم بخصوصيّة الفسق ، وأمّا الثاني فكقولنا ( أكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم ) ، حيث إنّه بمعونة الحكم على فسّاقهم بالحرمة يفيد نفي الوجوب الوارد على العامّ عنهم ، لاستحالة توارد الحكمين المتضادين على متعلق واحد. هذا ، وقد مرّ ذكر القسمين في الأمر الثاني المتقدّم.

(٢) أي الاستثناء والمنفصل.

(٣) المراد به الباقي تحته بعد التخصيص.

(٤) وهما : إخراجه عن تلك الكليّة ابتداء ، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ حكمها.

(٥) ففي المثال لا بدّ من كون الواجب إكرامه هو العالم غير الفاسق ، وغير الواجب أو المحرّم إكرامه هو العالم الفاسق ، ليكون بينهما تباين كلّي.

٤٢٥

المناقضة أو المضادّة عن البين (١) ـ ، فيكون المخصّص حينئذ بحكومته على أصالة العموم كاشفا لا محالة عن تخصّص ذلك الموضوع (٢) بما يوجب مباينته له كلّيا ـ وإن أمسك في مصبّ العموم عن بيانه ، وعوّل فيه على المنفصل (٣).

ولمكان أنّه لا يعقل أن يتباينا كذلك إلاّ بتنويع ذلك العنوان (٤) إلى ما أخرجه المخصّص ، وقسيمه المنقسم هو إليهما بلا ثالث بينهما ، وصرف الحكم الوارد عليه إلى ذلك القسيم ، فلا‌

__________________

(١) أي : وإن لم يكن تباين كلّي بين الأمرين لزمت المناقضة ـ إذا كان الإخراج ابتدائيا ـ ، أو المضادّة ـ إذا كان الإخراج بمعونة الحكم بالضدّ.

(٢) أي : موضوع العام ، فإنّ مقتضى حكومة المخصّص على العام وقرينيّته على التصرّف فيه ـ بضميمة استحالة المناقضة أو المضادّة بين الأحكام ـ هو تخصّص موضوع العام بما يوجب مباينته لموضوع المخصّص مباينة كلّية.

(٣) ولا ضير في تأخير البيان إذا اقتضته المصلحة ، أمّا في الاستثناء فلا تأخير ، لاتصاله بالعموم.

(٤) محصّله : أنّ التباين الكلّي الذي عرفت عدم المناص عنه لرفع المضادّة أو المناقضة لا يكون إلاّ بتنويع عنوان العام ـ كالعالم ـ إلى نوعين قسيمين لا ثالث لهما : أحدهما ما أخرجه المخصّص وهو العالم الفاسق ، والآخر قسيمه الباقي تحت العموم والمحكوم بحكمه وهو العالم غير الفاسق ، أو العالم الذي لا يكون فاسقا ولا يكون متخصّصا بخصوصيّة الفسق ـ على نحو العدم النعتي ـ ، وليس قسيمه هو العالم الذي لا يوجد معه الفسق والمقارن لعدمه ـ على نحو العدم المحمولي ـ وهذا هو النتيجة الضروريّة للتخصيص أو التقييد ـ في موارد الاستثناء والمنفصل ـ المقتضي للمباينة الكلّية والتنويع والانقسام.

٤٢٦

جرم يكون هو الباقي من العامّ موضوعا لحكمه بعد ما أخرجه المخصّص ، لأنّه هو الذي يبقى منه بعد خروج قسيمه.

وبانضمام هذه المقدّمة الضروريّة ـ التي هي عبارة أخرى عن التقييد أو التخصيص ـ إلى ما تقدّم من مغايرة الانقسام اللاحق لذلك العنوان ـ باعتبار اقترانه بوجود تلك الخصوصيّة أو عدمها ـ للانقسام اللاحق باعتبار نعتيّته له ، وبداهة أنّ المقابلة بينهما (١) بكلّ واحد من الاعتبارين إنّما هي مع ما يقابله بذلك الاعتبار دون الآخر ، فمرجع نفي الحكم الوارد على ذلك العنوان عمّا إذا تخصّص بخصوصيّة وجوديّة إنما هو إلى تخصيصه بما لم يكن متخصّصا بها ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب ، أو المرأة التي لا تكون من قريش (٢) ، ونحو ذلك ـ ، وعدمها النعتيّ هو الذي تكفّل المخصّص بمدلوله الالتزاميّ (٣) لبيان دخله فيه (٤) ، دون المحموليّ الراجع إلى‌

__________________

(١) أي : بين الوجود والعدم ، فإنّ كلا منهما إذا اعتبر بأحد الاعتبارين ـ من المقارنة أو النعتية ـ فإنما يقابله الآخر إذا اعتبر بنفس ذلك الاعتبار ، لا بالاعتبار الآخر ، وعليه فإذا اعتبر وجود خصوصيّة الفسق في المخصّص على نحو الوجود النعتي ـ كما هو المفروض ـ فلا بدّ أن يعتبر في مقابله من العامّ عدمها على نحو العدم النعتي ، دون المحمولي.

(٢) والعدم فيهما نعتيّ.

(٣) فإنّ انتفاء حكم العام عن موضوع المخصّص ـ الذي أفاده المخصّص ابتداء مطابقة ، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ حكم العامّ التزاما ـ يستلزم ثبوت حكم العامّ لقسيم موضوع المخصّص ، فيكون هذا مدلولا التزاميّا له.

(٤) أي دخل هذا العدم النعتي في الحكم الوارد على العنوان العامّ.

٤٢٧

انتفائها (١) ، أو انتفاء ما أخرجه الاستثناء ـ مثلا ـ بجملته عن العموم (٢) ، كيف وما يقارن وجوده لهذين العدمين (٣) ليس قسيما للشرط المخالف ـ مثلا ـ إلاّ بلازمه لا بنفسه (٤) ، ولا يخرجه هذه المقارنة ـ مع الغضّ عمّا يلازمها ـ عن الانطباق على نفس المقسم (٥)

__________________

(١) أي انتفاء الخصوصيّة الوجوديّة ، كانتفاء الفسق ، وانتفاء مخالفة الكتاب ، وانتفاء الانتساب إلى قريش.

(٢) أي : انتفاء الجملة الخارجة بالاستثناء ، كانتفاء الشرط المخالف للكتاب ، وانتفاء المرأة القرشيّة ، وانتفاء العالم الفاسق.

(٣) المقارن وجوده للعدم المحمولي الأوّل ـ في الأمثلة ـ هو الشرط المقارن لانتفاء مخالفة الكتاب ، والمرأة المقترنة بعدم الانتساب إلى قريش ، والعالم الذي لا يوجد معه الفسق. والمقارن وجوده للعدم المحمولي الثاني هو الشرط المقارن لانتفاء الشرط المخالف للكتاب ، والمرأة المقارنة لانتفاء المرأة القرشيّة ، والعالم المقارن لانتفاء العالم الفاسق ، فلا تغفل.

(٤) فإنّ القسيم للشرط المخالف ـ كما مرّ ـ إنّما هو الشرط الذي لا يخالف ، وليس هو الشرط المقارن لانتفاء المخالفة إلاّ باعتبار لازمه ، إذ الأوّل يلزم الثاني.

(٥) العبارة لا تخلو عن تعقيد ، والمقصود أنّ المقارن المذكور ـ مع قطع النظر عمّا يستلزمه من العدم النعتي ـ منطبق على المقسم نفسه ، وليس هو قسما ثالثا في قبال قسمي الوجود والعدم النعتي وقسيما لهما ، بل هو باق ـ بعد ـ على انطباقه على نفس المقسم بماله من القسمين الآنفي الذكر ، فينطبق ـ مع الغضّ عمّا يلازمه ـ تارة على الوجود النعتي ،

٤٢٨

الذي خرج بالتخصيص عن كونه تمام الموضوع للحكم إلى كونه كالجزء منه ، فلا يعقل (١) أن يكون هو أيضا نوعا آخر في عرضهما ، كي يندرج هو أيضا فيما يبقى منه بعد التخصيص في عرض ذلك القسيم ، ويكون إحرازه كإحرازه كافيا في ترتيب حكمه.

وأمّا ما قد أفيد (٢) من أنّ المخصّص (٣) بالاستثناء ـ مثلا ـ أو المنفصل ليس كالمخصّص بالتوصيف المتّصل معنونا بعنوان خاصّ (٤) ، كي يتوقّف ترتيب حكمه على إحراز ذلك العنوان ، وإنّما قضيّة عمومه المخصّص هي المعنونيّة بكلّ عنوان لم يكن بذلك الخاصّ ، وكفاية إحراز أيّ عنوان لم يكن هو (٥) في ترتيب‌

__________________

واخرى على العدم النعتي وإن كان هو قسما له في قبال المقارن للوجود ، فهو نظير انطباق العالم على الإنسان بقسميه من العادل والفاسق وإن كان هو قسما له في قبال الجاهل.

(١) تفريع على انطباق المقارن المزبور على المقسم ، يعني : وإذ يصحّ الانطباق المذكور فمقتضاه عدم كون المنطبق قسيما للنوعين ـ الوجود والعدم النعتيّين ـ ، ونوعا آخر في عرضهما ، ليندرج في الباقي تحت العموم ، ويكفي إحرازه باستصحاب العدم الأزليّ في ترتيب حكم العامّ ، كما يندرج القسيم الآخر ـ العدم النعتي ـ فيه ، ويكفي إحرازه في ترتيبه.

(٢) المفيد هو المحقّق الخراساني قدس‌سره في كفايته.

(٣) بصيغة المفعول ، وكذا اللذان بعده.

(٤) كعنوان العالم العادل أو العالم غير الفاسق.

(٥) مرجع الضمير هو ذلك الخاصّ ، فكلّ عنوان يفرض سوى عنوان‌

٤٢٩

حكمه ، فالشرط الذي لم يوجد مخالفته للكتاب ـ مثلا ـ ، وكذلك المرأة التي لم يوجد انتسابها إلى قريش ، ونحو ذلك مصداق من العامّ وليس بمصداق للخارج قطعا ، فيكون من الباقي بعد التخصيص ـ لا محالة ـ ، ويترتّب عليه حكمه.

فهو ـ وإن اعتمده من اعتمده ـ ، لكنّك إذا أحطت خبرا بما قدّمنا عرفت أنّه لا سبيل إلى شي‌ء من جزءي الدعوى (١).

أمّا الأوّل : فلأنّ غاية ما يمكن أن يسلّم (٢) من دعوى عدم معنونيّة العامّ بالمنفصل خاصّة ، أو الاستثناء أيضا ـ بناء على لحوقه‌

__________________

الخاصّ ـ وهو العالم الفاسق في المثال ـ فالعامّ المخصّص معنون به ، وهو مندرج فيما يبقى من العامّ بعد التخصيص ، ومن جملتها عنوان العالم الذي لا يوجد معه الفسق ، وعليه فيكفي في ترتيب حكم العام إحرازه باستصحاب العدم المحمولي.

(١) السلبي وهو عدم معنونيّة العامّ بعنوان خاصّ ، والإيجابي وهو معنونيّته بكلّ عنوان سوى عنوان الخاصّ.

(٢) محصّل المرام : أنّ معنونيّة العامّ بالمخصّص ذات مرتبتين : إحداهما تنويعه لعنوان العامّ إلى نوعين متباينين قسيمين : أحدهما عنوان الخاصّ والآخر نقيضه ، واختصاص حكم العامّ بالثاني ، والثانية كونه مأخوذا في مصبّ العموم بحيث ينعقد للكلام ظهور تصديقيّ فيه ، ولازمه سراية إجماله إلى العامّ نفسه. والذي يسلّم اختصاصه بالمتّصل وعدم انسحابه إلى المنفصل هي المرتبة الثانية ، ولذا لا نقول بسراية الإجمال في المنفصل ، أمّا الاولى فلا محيص عن تعميمها للمنفصل ، لما تقدّم من أنّ التنويع والانقسام من لوازم ذات التخصيص ، بل هو عينه.

٤٣٠

من هذه الجهة (١) بالمنفصل ـ هو عدم كونه كالتوصيف المتّصل مأخوذا بعنوانه في مصبّ العموم ، بحيث يسري إليه إجماله عند تردّد مفهومه بين الأقلّ والأكثر (٢) ، ولا يكون العموم مجديا في رفع إجماله (٣) من الجهة الراجعة إلى تخصيصه. أمّا تنويعه لذلك العنوان (٤) ـ بعد تبيّن مفهومه (٥) وسقوط أصالة العموم بذلك (٦) ـ إلى ما عرفت (٧) من النوعين ، وإخراجه له عن كونه تمام الموضوع للحكم ـ بمقتضى‌

__________________

(١) يعني : من الجهة التي ستذكر الآن من عدم أخذه في مصبّ العموم ، وفيه إيماء إلى ضعف المبنى ، إذ لا وجه لاستثناء الاستثناء من المخصّصات المتّصلة ، وإلحاقه بالمنفصل في ذلك.

(٢) أو بين المتباينين ، إذ لا اختصاص لسراية الإجمال في المتّصل بموارد التردّد بين الأقلّ والأكثر ، ولعلّ الوجه في تخصيصه بالذكر أنّ السراية في المتباينين لا تختصّ بالمتّصل ، فإنّ الإجمال التبايني للمنفصل أيضا يسري إلى العام ، غايته أنه يمنع عن حجيّة ظهوره وفي المتّصل يمنع عن أصل انعقاده ، وهذا بخلاف الإجمال بين الأقلّ والأكثر ، فإنّه مع انفصاله لا يمنع عن حجيّة ظهور العام بالنسبة إلى الزائد المشكوك.

(٣) أي : المخصّص من الجهة الراجعة إلى تخصيصه للعموم ، ولا كذلك المنفصل فإنّ العموم يجدي في رفع إجماله بالنسبة إلى الزائد المشكوك ـ كما أشرنا إليه آنفا.

(٤) أي : تنويع المنفصل ـ فضلا عن الاستثناء ـ لعنوان العامّ.

(٥) أي : المخصّص ، احترازا عمّا إذا كان مجملا مردّدا بين أمرين.

(٦) أي : بالمخصّص المبيّن المفهوم ، وهو احتراز عمّا إذا سقط الأصل المذكور بإجمال المخصّص ودورانه بين المتباينين ـ مثلا.

(٧) متعلّق بالتنويع.

٤٣١

عمومه أو إطلاقه ـ إلى كونه كالجزء منه ، فقد عرفت أنّه عبارة أخرى عن التخصيص الذي لا محيص عنه (١) في دفع التنافي عن البين ، ولا يعقل بدونه تباين العنوانين.

وبالجملة : فمعنونيّة العام بنقيض الخارج ـ بمعنى صرف حكمه إليه ، وكونه هو الموضوع في الكبرى الكليّة المستفادة من * الإطلاق أو العموم ـ هي عين التخصيص أو التقييد ، ولو لا ذلك لما كان تخصيصا ولا تقييدا ، ولا ارتفعت (٢) المناقضة أو المضادّة عن البين ، ولا كان للمنع عن التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة مجال (٣) ـ كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فلأنّ شمول المطلق أو العامّ لما ينطبق من مصاديقه (٤) على سائر العناوين ـ حتّى الأنواع والأصناف المندرجة‌

__________________

(١) أي : عن التنويع ، وكذا ضمير ( بدونه ) فيما بعده ، وقد مرّ بيان المطلب.

(٢) مرّ شرحه.

(٣) فإنّ وجه المنع هو معنونيّة العامّ بنقيض الخارج ، وكون المعنون المذكور هو الموضوع للحكم ، وما اشتبه مصداقيّته للمخصّص يشكّ في مصداقيّته للموضوع ، ولا مجال للتمسّك بعموم حكم مع الشك في تحقّق موضوعه.

(٤) ملخّص الكلام : أنّ العام إنّما يشمل مصاديقه بنفس عنوانه ، لا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.

٤٣٢

تحت أجناسها وأنواعها (١) ـ ليس بتوسّط تلك العناوين ، كي يرجع أصالة الإطلاق أو العموم إلى معنونيّته بكلّ عنوان ، ويلزم ـ ممّا بينها من التلازم أو التضاد والتنافي ـ من المحاذير ما لا يخفى (٢) ، ويؤول نتيجة التخصيص أو التقييد ـ حينئذ ـ إلى خروج أحدها وبقاء البواقي ، ويجدي إحراز أيّ واحد منها (٣) في ترتيب حكمه.

وإنّما يشمل (٤) كلّ واحد منها بنفس عنوانه ، لا بعناوينها ، ويرجع‌

__________________

بتوسّط عناوين أخر وبمعونة معنونيّته بها ، فإنّ ضمّها إليه كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، واندراج ما سوى العنوان الخارج منها فيه لا يوجب معنونيّته بها ، ودخلها في موضوع الحكم ـ كما هو الحال أيضا في العامّ غير المخصّص ـ ، فمرجع أصالة العموم أو الإطلاق إنّما هو إلى عدم دخل شي‌ء منها ، لا دخل كلّ منها ، بل الدخيل في موضوع الحكم والدائر هو مداره في غير مورد التخصيص هو عنوان العامّ بما هو ، وفي مورد التخصيص هو عنوان ما تحصّل من الدليلين ، وإحراز انطباقه هو الذي يجدي في ترتيب حكمه ، لا إحراز انطباق عناوين اخرى منطبقة عليه.

(١) لفّ ونشر ، أي : أنواع جنس العامّ المندرجة تحته ، وأصناف نوعه المندرجة كذلك.

(٢) إذ يلزم من الحكم على عنوانين متلازمين تلازما دائميّا بحكم واحد محذور اللغويّة ، ومن الحكم على عنوانين متضادّين أو متناقضين بحكم واحد محذور الخلف والمناقضة ـ كما يظهر بالتأمّل.

(٣) أي : من العناوين الباقية في ترتيب حكم العامّ.

(٤) بيان للعقد الإيجابي ، وما هو الصحيح من المقال في المقام.

٤٣٣

الأصلان (١) ـ حينئذ ـ إلى عدم مدخليّة شي‌ء منها في موضوعيّته للحكم الوارد عليه ، وتساوي وجود أيّ عنوان وعدمه في الكبرى المستفادة كلّيتها من عمومه أو إطلاقه ، وبعد كاشفيّة المخصّص عن عدمها (٢) بالنسبة إلى ما أخرجه منها فلا يتساوى طرفا هذا الخارج (٣) في تلك الكلّية ـ لا محالة ـ ، بل تدور هي مدار نقيضه (٤) وتبقى البقيّة (٥) على ما كانت عليه من التساوي وعدم المدخليّة.

فكما أنّه عند عدم التخصيص ينحصر ما هو الصغرى لتلك الكبرى الكليّة فيما أحرز انطباقه على العامّ ، ولا يغني عنه إحراز أيّ عنوان ، ويجري ضمّ غيره إليه مجرى ضمّ الحجر إلى الإنسان ، فكذلك الحال بعد التخصيص ـ أيضا ـ بالنسبة إلى ما تحصّل دوران الكليّة مداره من مجموع الدليلين.

وبالجملة : فبون بعيد بين أن يرجع الأصلان إلى معنونيّة المطلق أو العامّ بكلّ عنوان ، وبين أن يرجعا إلى عدم معنونيّته بشي‌ء منها ، والذي يجدي في ترتّب الأثر على إحراز أيّ عنوان‌

__________________

(١) يعني بهما أصالتي العموم والإطلاق.

(٢) أي : عن عدم كلّية تلك الكبرى.

(٣) وطرفاه هما وجوده وعدمه ، فالخارج وجوده والباقي تحت العامّ عدمه.

(٤) أي : تدور تلك الكلّية مدار نقيض الخارج ، وتتقيّد به.

(٥) أي : بقيّة العناوين سوى العنوان الخارج بالتخصيص.

وبالجملة : فقبل التخصيص كان وجود جميع العناوين الأخر وعدمها متساوية ، وبعده خرج عن التساوي طرفا العنوان الخارج خاصّة ، وبقي الباقي.

٤٣٤

هو الأوّل ، والذي يرجعان إليه هو الثاني (١) ، فتدبّر حقّه.

ولو أريد إحراز أنّه ليس بذلك الخاص بهذه المعونة فكونه لازما عقليّا لما يحرز بالأصل ، لا محرزا بنفسه به أوضح من أن يخفى (٢).

وقد تحصّل ممّا حرّرنا انقسام القيود إلى مقارن محض ، ونعتيّ محض ، وما اجتمع فيه الجهتان (٣). واتّضح أنّه في القسم الأوّل يترتّب الأثر على الوجود أو العدم المحموليّ ، وفي الثاني على الربطيّ ، وأنّه في القسم الثالث ـ وإن كان بما أنّه أخذ في محلّه من النعتيّ ، ويلحقه من هذه الجهة حكمه ـ لكن حيث إنّه‌

__________________

(١) يعني : أنّ الصحيح في مرجعهما هو الثاني ، وعليه فلا يجدي في ترتّب الأثر إحراز أيّ عنوان سوى العنوان المتحصّل من مجموع الدليلين.

(٢) يعني : لو كان المقصود من إحراز أحد العناوين الباقية بالأصل إحراز أنه ليس معنونا بالعنوان الخاصّ ـ على نحو العدم النعتيّ ـ ، فيراد بأصالة عدم تحقّق الفسق مقارنا للعالم ـ مثلا ـ إحراز أنّه ليس فاسقا ، ليرتّب عليه حكم العامّ ، ففيه أنه مبنيّ على حجيّة الأصول المثبتة ، لأنّ انتفاء العنوان الخاصّ ـ على نحو النعتيّة ـ لازم عقليّ لما أحرز بالأصل من انتفائه المحمولي ، وليس هو محرزا به بنفسه.

إذن فإحراز أحد تلك العناوين لا يترتّب عليه أيّ أثر ، لا في نفسه ، ولا بتوسّط لازمه.

(٣) كما مرّ في مثالي ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم الرخصة المالكيّة أو الشرعيّة ، وترتّب الوراثة على إسلام الوارث عند حياة المورّث.

٤٣٥

بالنسبة إلى ما في عرضه من المقارن فيلحقه من هذه الجهة أيضا حكم المقارن.

ثمّ لا يذهب عليك أنّه لا يراد بالنعتيّ في محلّ البحث خصوص ما كان نعتا اصطلاحيّا لمعروضه ، بل يعمّه وما إذا كان فعلا صادرا عنه (١) أيضا ، لاتّحاد المناط وهو دخل النسبة الثبوتيّة أو السلبيّة في معروض الحكم ـ كما لا يخفى.

الرابع : إنّه بعد أن تحرّر الضابط في ترتّب الأثر على الوجود أو العدم المقارن والنعتيّ ، واتضح أنّه متى ترتّب أثر شرعي على أحدهما بأحد الاعتبارين ترتّب انتفاء ذلك الأثر على إحراز نقيضه بذلك الاعتبار دون الآخر ـ إذ ليس هو بنقيضه (٢) ـ ، فلا يخفى أنّ قضيّة ما أوضحناه فيما تقدّم ـ من دوران إحراز بعض المركّب بالأصل مدار سبق تحقّقه على الوجه الذي اعتبر قيدا فيه (٣) ، بحيث لو كان باقيا (٤) في ظرف الشكّ الذي أحرز فيه بقيّة الأجزاء التأم هو‌

__________________

(١) فلا فرق بين كون الموضوع هو العالم العادل أو غير الفاسق ، والمرأة القرشيّة ونحوها ، أو كونه هو المكلّف الحاضر أو المسافر ، أو المفطر أو الصائم أو نحو ذلك ، إذ العبرة بدخل النسبة الثبوتيّة أو السلبيّة في موضوع الحكم ، سواء كانت بين النعت ومنعوتة ، أو بين الفعل وفاعله.

(٢) أي : ليس النقيض بالاعتبار الآخر نقيضا لذلك الشي‌ء ، فالوجود النعتي نقيضه العدم النعتي لا العدم المحمولي ، وكذا العكس.

(٣) من النعتيّة أو الاقتران.

(٤) فيستصحب بقاؤه في هذا الظرف ، وبه يلتئم الموضوع المركّب.

٤٣٦

ـ حينئذ ـ من نفس هذا الاجتماع ، بلا ضميمة ما يلازمه (١) من إضافة بعضها إلى بعض ـ هي عدم الجدوى لاستصحاب العدم المسبوق به أيّ ماهيّة ـ وإن كانت عرضيّة ـ عند (٢) تحقّق اخرى ـ وإن كان معروضها ـ إلاّ في إحراز عدمها المحموليّ المقارن له (٣) ، وفي ظرف وجوده ، وترتيب ما لهذا العدم من الأثر عليه بعناية نفسه أو نقيضه ، دون النعتيّ اللاحق به ، وترتيب أثره عليه.

أمّا كفايته لإحراز العدم المحموليّ فظاهر ، فإنّه بهذا المعنى هو الذي لا محيص لأيّ حادث (٤) ـ من أيّ مقولة كان ـ عن مسبوقيّته به ، في مقابل وجوده العينيّ ـ مثلا ـ أو الاعتباريّ ، وبعد أن كان المفروض هو كفاية نفس بقائه إلى زمان أحرز فيه بقيّة أجزاء المركّب في التيامه (٥) بلا مؤنة أمر آخر أزيد من نفس هذا الاجتماع ، فيكفي الأصل ـ حينئذ ـ في إحرازه ـ لا محالة ـ ، ويندرج‌

__________________

(١) أي : العنوان الملازم المنتزع من إضافة بعض الأجزاء إلى بعض ـ كالتقدّم والتأخّر وهيئة الحال ونحوها ـ ، فإنّ إثباته باستصحاب الجزء مبنيّ على الأصل المثبت ـ كما تقدّم.

(٢) ليتحقّق بذلك اجتماعهما ، ويلتئم المركّب.

(٣) أي : عدم الماهيّة العرضيّة المحمولي المقارن لوجود المعروض.

(٤) فإنّه لكونه ماهيّة ممكنة لا بدّ من سبق عدمه ، ولا ريب في تحقّق سبقه ـ على نحو العدم المحموليّ ـ في قبال وجوده المحمولي العيني أو الاعتباري ، وستعرف أنه لا يعقل سبقه ـ على نحو العدم النعتي.

(٥) متعلّق بـ ( كفاية ) ، أي التئام المركّب.

٤٣٧

فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل ـ حسبما تحرّر ضابطه.

وأمّا عدم كفايته لإحراز النعتيّ ـ المعبّر عنه في لسان علماء المعقول بالربطيّ والرابطيّ (١) ـ ، فتوضيحه يتوقّف على تنقيح أمرين :

أحدهما : أنّه كما قد عرفت أنّ (٢) العدم الأزليّ المسبوق به كلّ ممكن إنّما هو بمعناه التامّ (٣) المحموليّ المقابل لتقرّره في الوعاء المناسب له (٤) ، فكذلك المسبوق بهذا العدم ـ أيضا ـ بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه (٥) إنّما هو الماهيّات المحفوظة في الحالين (٦) ، والمعرّاة عن الأمرين ، فإنّها هي التي‌

__________________

(١) باعتبار قيامه بموضوعه ، وارتباطه به.

(٢) عرفت ذلك قبل قليل عند قوله قدس‌سره : ( فإنّه بهذا المعنى هو الذي لا محيص لأيّ حادث من أيّ مقولة كان عن مسبوقيّته به في مقابل وجوده العينيّ ـ مثلا ـ أو الاعتباريّ.

(٣) وهو مفاد ليس التامّة.

(٤) أي : وجوده في وعاء العين أو الاعتبار.

(٥) بأن يكون موضوعا للعدم المستصحب ، متقوّما به استصحابه ، ومحفوظا في حالتي اليقين السابق والشك اللاحق ، في قبال المعنى الآخر للمسبوقيّة بالعدم ـ الآتي ذكره ، والأجنبيّ عن الاستصحاب.

(٦) أي : في حالتي الوجود والعدم ، فإنّ الماهيّة هي التي يعرضها الوجود تارة ، والعدم اخرى ، لكنّها في نفسها ليست إلاّ هي ، ومعرّاة عن الأمرين.

٤٣٨

يمكن الحكم عليها (١) بالبقاء على عدمها السابق ، دون نفس الوجودات (٢) ، أو المتحصّل من الأمرين (٣). إذ ـ بعد وضوح أنّه لا ينقلب ولا يتبدّل أحد النقيضين بالآخر (٤) ، وإنّما يطرد كلّ منهما‌

__________________

(١) وذلك بالحكم الشرعي الاستصحابي ، فيحكم بموجبه على الماهيّة بأنها باقية على عدمها السابق الأزلي.

(٢) أي : ليس المسبوق بالعدم وما كان معدوما سابقا هو الوجود ، كي يمكن الحكم عليه بأنه باق على عدمه السابق ، إذ لا يعقل اتّصاف الوجود بالعدم وعروض العدم عليه.

(٣) الظاهر أنّ المراد بالأمرين : الوجود والماهيّة ، والمتحصّل منهما هو الماهيّة الموجودة ، وكون هذا هو المسبوق بالعدم محال كسابقه ، وبنفس ملاكه ، إذ مقتضاه كون الموجود معدوما ، وهو اجتماع للنقيضين.

(٤) فإنّ التبدّل إنّما يكون بين الماهيّات بالنسبة إلى صورها النوعيّة ، كتبدّل الخشب فحما الحاصل بانعدام صورة الأوّل وتبدّلها إلى صورة الآخر ، وقريب منه الانقلاب ، ولا كذلك الوجود والعدم ، فإنّه لا تبدّل لأحدهما بالآخر ، فلا يعقل أن يصير الوجود عدما ولا العدم وجودا ـ بمعنى تبدّله إليه ـ ، ولا يقال : كان الوجود عدما فصار وجودا ، أو إنّ الوجود صار عدما كما يقال : كان الفحم خشبا وصار الخشب فحما ، كي يكون المسبوق بالعدم هو الوجود ، وإنّما الماهيّة كانت معدومة فوجدت ، أو موجودة فعدمت. أمّا نفس الوجود والعدم فبينهما مطاردة ومناقضة ، حيث إنّ كلا منهما ينقض الآخر ويطرده عن الماهيّة ، ويزيحه عنها.

إذن فالماهيّة هي الموجودة أو المعدومة ، وهي المسبوقة بالعدم والصالحة لاستصحاب عدمها ، دون الوجود.

٤٣٩

الآخر ـ ، فلا يعقل أن يكون شي‌ء منها (١) مسبوقا بالعدم بهذا المعنى المتقوّم به استصحابه (٢) ، وإن كان مسبوقا به (٣) بمعنى آخر أجنبيّ عن ذلك ، راجع إلى صرف تقدّم أحد النقيضين على الآخر ، وهذا (٤) من الوضوح والبداهة كاستحالة اجتماع النقيضين ومن جزئيّاته (٥) ، وإن كان أكثر ما يقع من الاشتباه في محلّ البحث إنّما هو من جهة الخلط بين المعنيين ، فلا تغفل.

ثانيهما : أنّ حقيقة المقوليّة والنعتيّة التي تقع التامّة الخبريّة ، أو الناقصة التقييديّة حكاية عنها أو بإزائها (٦) هي في باب الأعراض‌

__________________

(١) أي : من الوجودات الصرفة ، أو المتحصّلة ممّا ذكر.

(٢) وهو أن يكون الوجود موضوعا للعدم المستصحب ، فيقال : إنّه كان معدوما سابقا فيستصحب.

(٣) أي : الوجود مسبوقا بالعدم بمعنى آخر أجنبيّ عمّا يتقوّم به الاستصحاب ، وهو صرف تقدّم عدم الممكنات على وجودها زمانا ـ الذي تقتضيه طبيعتها الإمكانية ـ ، فإنّه بهذا الاعتبار يصحّ أن يقال : الوجود مسبوق بالعدم ، لكنّها تغاير المسبوقيّة المعتبرة في الاستصحاب. ونظير المقام أنه تارة يقال : زيد مسبوق بالعدالة ، واخرى يقال : فسق زيد مسبوق بعدالته ، وكلاهما صحيح ، باعتبارين.

(٤) المشار إليه هو : استحالة أن يكون الوجود مسبوقا بالعدم بالمعنى المتقوّم به استصحابه.

(٥) فإنّ كون الوجود معدوما يقتضي اتحادهما خارجا ، وهذا اجتماع للنقيضين.

(٦) لفّ ونشر مرتّب ، تقديره : أنّ حقيقة المقوليّة التي تقع الجملة التامّة‌

٤٤٠