الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

إلى ضعفه في حدّ نفسه (١) ، وإرسال الرواية أو حملها على التقيّة غير ضائر لما نحن بصدده (٢).

ومنها : ما عن الخصال (٣) بإسناده عن جابر الجعفيّ قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ يقول : « ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه وحرم ذلك على الرجال ».

ومنها : ما عن الشيخ (٤) بإسناده عن موسى بن أكيل النميري‌

__________________

السياقيّة المذكورة تدفع احتمال عموم المجاز في قوله عليه‌السلام « ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه » ، بتقريب أنّه لو اختصّ مدلول اللفظ لغة بالحرمة النفسيّة ، وكان استعماله في الجامع بينها وبين المانعيّة من عموم المجاز ففي جانب الإثبات لا وجه لعموم المجاز ، لتعلّقه بالأكل والشرب وحرمتهما نفسيّة ، وحينئذ فلو استعمل في جانب النفي في عموم المجاز انهدم ظهوره السياقي في وحدة المثبت والمنفيّ ، إذن فمقتضى الأخذ بهذا الظهور عدم الاستعمال في عموم المجاز وكون الاستعمال حقيقيا في الموردين بجامع واحد.

(١) أي : ضعف هذا الاحتمال ، إذ لا وجه له مطلقا.

(٢) لأنه يكفي فيما نحن بصدده ثبوت الاستعمال العربي ـ ولو من غير المعصوم عليه‌السلام ، فلا يقدح فيه إرسال الرواية وعدم ثبوت صدورها منه عليه‌السلام فضلا عما إذا ثبت الصدور وحملت على التقيّة.

(٣) رواه عنه في الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٤) رواه عنه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب لباس المصلي ـ

٣٦١

عن أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ قال : « وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه ـ الحديث ـ » ، واستعمال الحرمة فيهما (١) في القدر المشترك بين القسمين ـ كما عرفته في سابقتهما ـ ، بعد وضوح أنّ المنع عن الصلاة فيه إنّما هو لمكان المانعيّة ، لا لكونه حراما نفسيّا آخر في عرض اللبس (٢) ، وكاشفيّته عن أعميّة المدلول ممّا لا خفاء فيه.

ومنها : ما عنه (٣) بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد ـ صلوات الله عليه ـ : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة‌

__________________

الحديث ٥ ، والرواية مرسلة ، وفيها بعد العبارة الواردة في المتن : « وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجنّ والشياطين فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة ، إلاّ أن يكون في قبال عدوّ فلا بأس به ـ الحديث ـ » ، أورد هذا الذيل في الوسائل في الباب ٣٢ من هذه الأبواب ـ الحديث ٦.

(١) أي في الروايتين الأخيرتين باعتبار تعلّقها في الأولى بالتختّم والصلاة ، وفي الثانية باللبس والصلاة.

(٢) فإنّ الصلاة فيه أيضا تختّم ولبس فيشملها تحريمهما ، فجعلها في قبالهما دليل على إرادة المانعيّة بالنسبة إليها وكاشف عن أعميّة المدلول.

(٣) رواه الشيخ قدس‌سره في التهذيبين ، ورواه عنه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ ، والسند صحيح.

٣٦٢

حرير محض أو تكة من وبر الأرانب ، فكتب عليه‌السلام : « لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه ». وعدم العمل بإطلاق الفقرة الأخيرة (١) أو طرحها رأسا وحملها ـ باعتبار تعليق الحكم فيها على التذكية الغير المعتبرة في الوبر ونحوه ممّا لا تحلّه الحياة فيه (٢) عندنا (٣) ـ على التقيّة لا ينافي ما نحن فيه (٤).

ومنها : ما عنه (٥) أيضا بإسناده عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ : عن رجل ليس معه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه ـ إلى آخر الرواية ـ ، فإنّ ظاهر السؤال إنّما هو استناد عدم حلّ الصلاة فيه إلى مانعيّته ، لا لكونه حراما نفسيّا ، وهو وإن كان في لسان الراوي ولكنّ دلالته على أعميّة المدلول في عرفهم ظاهرة (٦).

__________________

(١) مرّ بيان هذا المطلب في أوائل الرسالة لدى البحث عن حكم الصلاة في غير المأكول إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة وحده.

(٢) الظاهر زيادة كلمة ( فيه ).

(٣) متعلق بغير المعتبرة.

(٤) كما عرفت نظيره آنفا ، لا سيما والرواية صحيحة يصحّ إسنادها إلى المعصوم عليه‌السلام.

(٥) رواه الشيخ قدس‌سره في التهذيبين ، ورواه عنه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب التيمم ـ الحديث ١ ، والرواية موثّقة.

(٦) فإنّ السائل عربيّ من أهل اللسان.

٣٦٣

ومنها : التوقيع المبارك المحكيّ عن الاحتياج (١) عن الحميريّ عن مولانا صاحب الزمان ـ صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ : إنّه كتب إليه : روي لنا عن صاحب العسكر عليه‌السلام أنّه سئل عن الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع عليه‌السلام : « يجوز » ، وروي عنه أيضا أنّه « لا يجوز » ، فبأيّ الخبرين نعمل ، فأجاب عليه‌السلام : « إنّما حرم في هذه الأوبار والجلود وأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال » ، فإنّ مرجع الضمير (٢) وإن لم يكن مذكورا لا في كلامه ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ ولا في كلام الراوي ، لكنّه بقرينة الظرفيّة (٣) ليس هو اللبس ، فيتعيّن أن يكون هو الصلاة فيه ، وشيوع السؤال عنها أوجب المعهوديّة المغنية عن الذكر. والإشكال في فقه الحديث لا ينافي المقصود (٤).

__________________

(١) رواه عنه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٥.

(٢) في ( يجوز ) و ( لا يجوز ) في كلام الراوي وفي ( حرم ) في كلام الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، ويدور أمره بين اللبس والصلاة فيه.

(٣) في قوله عليه‌السلام « إنما حرم في هذه الأوبار » ، فإنه لا يصحّ قولنا : حرم اللبس في هذه الأوبار ، ويصحّ : حرم الصلاة فيها ، فيكون هو المتعيّن ، واستغني عن ذكرها لشيوع السؤال عنها الموجب لمعهوديتها ، هذا.

لكن الموجود في الوسائل ( سئل عن الصلاة في الخز ) ، وهكذا أورده المحقق الماتن قدس‌سره في أوائل الرسالة لدى البحث عن حكم الصلاة في جلد الخز ، وعليه فمرجع الضمير مصرّح به في الكلام ، فلا إشكال.

(٤) لوضوح اضطراب متنه وإجماله ـ كما تقدّم ـ ، لكنّه لا يضرّ بما نحن بصدده من استعمال الحلّية والحرمة في المانعيّة وعدمها.

٣٦٤

ومنها : التوقيع المبارك الآخر (١) المحكيّ عن خرائج القطب الراوندي عن أحمد بن روح عنه ـ عجل الله تعالى فرجه وأدرك بنا أيّامه وصلّى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ ، وفيه « وسألت ما يحلّ * أن تصلّي فيه من الوبر والسمّور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل ، فأمّا السمّور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه ، ويحلّ لك جلود المأكول ـ إلى آخر التوقيع المبارك ـ » إلى غير ذلك ممّا يظفر عليه بالتتبّع في خلال الأبواب ، ويكشف عن أعميّة حاقّ المدلول ، وفيما نقلناه غنى وكفاية.

فلا مجال ـ حينئذ ـ للمنع عن شمول ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل لما نحن فيه وأشباهه على حدّ شمولها للشبهة التحريميّة النفسيّة ، ويرجع الحليّة الظاهريّة المجعولة بهذا الأصل ـ حينئذ ـ إلى الأعمّ ممّا ** يقابل المنع النفسيّ الاستقلاليّ أو الضمنيّ المستتبع للمانعيّة ـ لا محالة.

وأمّا الثالثة : فلأنّه بعد أعميّة الحكم الظاهريّ المذكور ممّا *** يقابل كلّ واحد من قسمي المنع ، ووضوح كونه ترخيصا‌

__________________

(١) أورده المحدّث النوري قدس‌سره في المستدرك ، الباب ٣ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ ، وفيه ( عن أحمد بن أبي روح ).

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( تحلّ ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( عمّا ) والصحيح ما أثبتناه.

(***) الموجود في الطبعة الاولى ( عمّا ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٦٥

في المشكوك من الجهة التي يشكّ ـ باعتبارها ـ في كونه ممنوعا عنه أو مرخّصا فيه ، فلا جرم ينحلّ هو (١) في كلّ مورد إلى ما يناسبه ـ كانحلال خطاب ( لا تنقض ) على حسب اختلاف متعلّق الشكّ واليقين (٢) ـ ، وليس ذلك من الجمع بين المعاني المتباينة في خطاب واحد ، وإنّما هو من باب انحلال العموم (٣) ـ كما لا يخفى ـ ، فيرجع (٤) ـ حينئذ ـ في الشبهات التحريميّة النفسيّة إلى الرخصة المقابلة للمنع النفسيّ ، وفي أمثال المقام إلى ما يقابل الجهة المستتبعة للمانعيّة ، ومرجعه إلى إطلاق ظاهريّ في المطلوب (٥) من جهة الوقوع في المشتبه ، ورفعا لتقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه في الظاهر ، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ ـ لا محالة ـ ، كما في سائر موارد إحراز القيود المشكوكة أو رفع تقيّد المطلوب بها بأصل‌

__________________

(١) أي : الحكم الظاهري المذكور.

(٢) من كونه حكما كليّا عقليّا أو شرعيّا ، أو حكما جزئيّا ، أو موضوعا خارجيّا ، أو نحو ذلك.

(٣) أي : استعمال اللفظ في المعنى الوحدانيّ العام ، فينحلّ قهرا إلى أنواعه وأفراده المتكثّرة.

(٤) تفريع وبيان لقوله « ينحلّ في كل مورد إلى ما يناسبه ».

(٥) أي : مرجع الحكم الظاهري الترخيصي المقابل لقيدية العدم في أمثال المقام إلى إطلاق ظاهريّ في المطلوب ـ كالصلاة ـ من جهة الوقوع في المشتبه ، وعدم تقيّده ـ ظاهرا ـ بعدم الوقوع فيه ، ولازمه إجزاء المطلوب الواقع فيه إجزاء ظاهريّا.

٣٦٦

موضوعيّ أو حكميّ (١).

وهذا هو الفارق (٢) بين ترخيص الشارع للصلاة في المشتبه بمقتضى هذا الأصل باعتبار نفس الشكّ في مانعيّته ، وبين ما لو فرض (٣) ترخيصه فيها من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ، ضرورة أنّ ترخيص الشارع لما يشكّ في انطباقه على المطلوب باعتبار الشك في ترتّب حكم آخر عليه (٤) ، أو انطباقه على عنوان آخر (٥) غير مجد ، لا في إحراز تطبيق المأتيّ به على‌

__________________

(١) كإحراز الطهارة أو الوقت باستصحابهما ـ وهو أصل موضوعيّ ـ ، وكرفع جزئية الاستعاذة ـ مثلا ـ بأصالة البراءة ـ وهي أصل حكميّ.

(٢) أي : رجوع الرخصة الظاهرية المقابلة للمنع الضمني إلى الإطلاق الظاهري في المطلوب واستلزامه الإجزاء الظاهري هو الفارق بين الترخيصين لعدم تحقّق ذلك في الترخيص الثاني ـ كما ستسمع.

(٣) جعله قدس‌سره فرضا لما تقدّم من عدم ثبوت الحرمة الذاتيّة للصلاة في غير المأكول الواقعي ، لتكون في المشتبه محتملة الحرمة ومجرى لأصالة الحلّية ، وعدم تطرّق الشك في حرمة التعبّد بمشكوك الانطباق ليتحقّق موضوع هذا الأصل ، وعلى تقدير تطرّقه فهو محكوم بأصالة الحرمة ، أو مخصّص بها ـ على التفصيل المتقدّم.

(٤) وهو الحرمة الذاتيّة المحتمل ترتّبها على فعل مشكوك الانطباق ، فإنّ الترخيص الظاهري فيه بمقتضى هذا الأصل لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه وانطباق المأتيّ به على المطلوب إلاّ على الأصل المثبت ـ كما تقدّم بيانه.

(٥) يعني : أو باعتبار الشك في انطباق مشكوك الانطباق على عنوان آخر‌

٣٦٧

المطلوب ، ولا في اجتزائه بمشكوك الانطباق ـ كما تقدّم ـ ، فلا سبيل حينئذ إلى الاكتفاء به مع عدم علاج هذا الشكّ (١) ـ كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما إذا رجع ترخيصه إلى الإطلاق الظاهريّ المذكور ، إذ لا يبقى حينئذ مجال للشكّ في انطباقه على المطلوب ـ المفروض فيه هذا الإطلاق ـ ، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ (٢) ـ لا محالة ـ بهذا الاعتبار ، فكما أنّ إجزاء كلّ واحد من المطلوب الواقعيّ أو الظاهريّ عن الأمر المتعلّق به (٣) عقليّ (٤) لا يقبل الجعل وضعا ورفعا (٥) ، فكذلك إجزاء الظاهريّ أيضا ـ مع انحفاظه وعدم ارتفاعه بانكشاف الخلاف ـ عن الواقعي (٦) من اللوازم العقليّة‌

__________________

وهو عنوان التشريع ـ ، فإنّ الترخيص الظاهري بالتعبّد به لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه ، ولا في الاكتفاء بمشكوك الانطباق ، وقد مرّ شرحه.

(١) وهو الشك في مانعيّة المشتبه وتقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه.

(٢) أي : الإجزاء ما دام لم ينكشف الخلاف ـ كما سيذكر.

(٣) يعني : إجزاء المطلوب الواقعي عن الأمر الواقعي ، والظاهري عن الظاهري.

(٤) ضرورة أنّ الإتيان بالمأمور به بأيّ أمر يفي بالغرض الداعي إلى ذلك الأمر ، ومعه لا موجب لبقائه ، فيستقلّ العقل بالإجزاء وسقوط الأمر.

(٥) شأن سائر الأحكام العقليّة المستقلّة.

(٦) متعلّق بـ ( إجزاء ) ، ومحصّل الكلام : أنّ الأمر الظاهري ما دام منحفظا‌

٣٦٨

المترتّبة على نفس ذلك الجعل ، إذ هو (١) حينئذ بعينه هو المطلوب الواقعيّ بحكم الشارع ، فما دام هذا الحكم القاضي بالاتّحاد والعينيّة محفوظا لا يعقل عدم الإجزاء ، كما أنّه بعد ارتفاعه بانكشاف الخلاف وتبيّن المغايرة لا يعقل أن ينسحب الإجزاء الظاهريّ الناشئ عن العينيّة الجعليّة ـ المفروض انكشاف خلافها ـ ، بل لا بدّ فيه من قيام دليل آخر على الاجتزاء عن * المطلوب بما وقع امتثالا له ، وليس تبدّل الحال في المقام كتبدّل حالتي الحضور والسفر ونحوهما ممّا يوجب انقلاب التكليف (٢) ـ على أصول المخطّئة ـ ، ولا الإجزاء الواقعيّ الموجب لسقوط التكليف النفس الأمريّ من اللوازم‌

__________________

ولم ينكشف خلافه فالإتيان بمتعلّقه يجزي عقلا عن الواقعي ، لأنّ مقتضى جعل الأمر الظاهري هو قيامه مقام الواقعي وجعل العينيّة والهوهويّة بينهما ، فالمطلوب الظاهري بعينه هو الواقعي بحكم الشارع ، ومقتضاه الإجزاء ما دام الأمر الظاهري باقيا ، فإذا ارتفع بانكشاف الخلاف انتفى الإجزاء ، لانتفاء العينيّة الجعليّة بانكشاف المغايرة.

(١) مرجع الضمير هو المطلوب الظاهري.

(٢) أي : الواقعي كانقلاب وجوب التمام واقعا إلى وجوب القصر كذلك ، وإنّما الذي يوجبه تبدّل الحال في المقام وأشباهه ـ على أصول المخطئة ـ هو انكشاف فوات الواقع ، فيحكم العقل بعدم الإجزاء ولزوم التدارك وامتثال الأمر الواقعي ، نعم على التصويب يوجب تبدّل التكليف الواقعي ، لكنّه خلاف مذهبنا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( من ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٦٩

الشرعيّة المترتّبة على الإتيان بالمطلوب الواقعيّ ، كي يترتّب الحكم به إلى آخر الأبد (١) على الجعل الظاهريّ في ظرف وجوده ولا يؤثّر فيه انكشاف الخلاف ، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

وهذا هو تمام الكلام في تقريب التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث ، وقد عرفت أنّ المنع عن جريانها لا بدّ وأن يرجع : إمّا إلى منع الصغرى (٢) ، فيمنع عمّا ذكر من انحلال الجهة المستتبعة للمانعيّة ـ بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع ـ إلى قيديّة خاصّة راجعة إلى المنع عن إيقاعها فيه ، ويدّعى رجوعها إلى عنوان بسيط عدميّ (٣) يتحصّل بالتحرّز عن مجموع الوجودات ، فيكون الشبهة‌

__________________

(١) يعني : لو كان إجزاء المطلوب الواقعي عن أمره الواقعي حكما شرعيا لترتّب على الجعل الظاهري ـ المقتضي لكون المطلوب الظاهري بعينه هو الواقعي بحكم الشارع كما عرفت ـ الحكم بإجزائه عن الواقعي إلى آخر الأبد بمجرّد حدوث الجعل المزبور ، من دون أن يؤثّر فيه انكشاف الخلاف ، لكنّه ليس كذلك ، بل هو ـ كما مرّ ـ حكم عقلي ، والعقل إنّما يحكم بإجزاء ما جعله الشارع عين المطلوب الواقعي ما دام الحكم بالعينيّة محفوظا لم ينكشف خلافه ، لا مطلقا وإلى الأبد.

(٢) قد مرّ بيان ما هو بمنزلة الصغرى والكبرى لاستنتاج جريان أصالة الحلّ في المقام ، وأنّ تنقيح الصغرى مبنيّ على انحلال المانعيّة إلى تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في كلّ واحد ممّا ينطبق عليه عنوان المانع.

(٣) بيان لوجه منع الصغرى ، ومحصّله : دعوى كون الصلاة مقيّدة بعنوان نعتيّ عدميّ بسيط مساوق لمحمول المعدولة كعنوان ( الصلاة اللاواقعة‌

٣٧٠

حينئذ بمعزل عن الاندراج في مجاري أصالة الحلّ أيضا كالبراءة ـ حسبما تقدّم.

أو إلى منع الكبرى ، فيدّعى دخل النفسيّة والاستقلال فيما أخذ الشكّ فيه موضوعا لهذا الأصل ، وقد عرفت فساد كلّ منهما (١) بما لا مزيد عليه.

فمن الغريب ـ وما عسى أن لا يكون أغرب منه ـ ما يقال (٢) في تقريب خروج الشبهة عن مجاري كلا الأصلين : من أنّ الشكّ فيما نحن فيه إنّما هو في الوضع لا التكليف ، فحديث أصل البراءة والحلّ أجنبيّ عنه.

لأنّ مراده (٣) بالوضع لا يخلو : إمّا أن يكون هو الصحّة أو المانعيّة ، وبعد اطّراده على كلّ منهما (٤) في الشبهات الحكميّة‌

__________________

في غير المأكول ) ، فيرجع إلى باب المحصّل الذي لا يتحصّل فيه العنوان إلاّ بالتحرّز عن مجموع الوجودات ، وقد مرّ تفصيل الكلام في ردّها في المقام الأوّل.

(١) عرفت فساد الاولى ممّا سلف في المقام الأوّل ، والثانية من خلال المقدّمة الثانية من المقدّمات الثلاث المتقدمة هنا.

(٢) القائل هو الفاضل الآشتياني قدس‌سره في رسالته ( إزاحة الشكوك : ٤٧ ).

(٣) تعليل لغرابة المقال.

(٤) يعني أنّ الوضع على كلّ من معنييه لا يختصّ بالشبهات المصداقيّة التي منها ما نحن فيه ، بل يطرّد في الشبهات الحكميّة أيضا ، والقائل المزبور يسلّم جريان أصالة البراءة فيها ، فكيف ينكره في المقام.

٣٧١

المسلّم جريان البراءة فيها عندنا وعنده ، وتسليمه أيضا لانتزاعيّة المانعيّة وأخواتها عن التكليف (١) ، ووضوح ترتّب الصحّة الظاهريّة على الأصول الجارية عند الشكّ في القيود (٢) ، فلا محصّل لهذه المقالة أصلا ، اللهم إلاّ أن يرجع مرامه إلى ما تقدّم من منع الصغرى (٣) جريا منه فيما أراده بالوضع على غير ما استقرّ عليه الاصطلاح ، وهو ـ وإن اتّضح فساده ممّا تقدّم ـ لكنّه يرجع حينئذ إلى محصّل (٤) ، ويعود النزاع علميّا.

نعم على القول بتأصّل المانعيّة وأخواتها في الجعل يشكل التمسّك بهذا الأصل في محلّ البحث ، فإنّ الشبهة وإن كانت‌

__________________

(١) فيكون المجعول في الحقيقة من سنخ التكليف الذي يسلّم القائل جريان أصالتي البراءة والحلّ فيه.

(٢) إذ ليست الصحّة الواقعيّة ولا الظاهريّة مجعولة بالأصالة ـ وضعا ـ ولا منتزعة عن المجعول الشرعي ، وإنما هي صفة لفعل المكلّف باعتبار مطابقته للمأمور به الواقعي أو الظاهري. إذن فالصحّة الظاهرية تتحقّق بمطابقة الفعل للأصول الجارية في أجزائه وقيوده لدى الشك فيها لشبهة حكمية أو مصداقية ، فهي مترتّبة على الأصول المزبورة ومن لوازمها ، وليست بنفسها موضوعا لجريانها كي يقال : إنّ حديث أصل البراءة والحلّ أجنبيّ عن موارد الشك فيها.

(٣) بأن يريد بالوضع قيدية العنوان العدمي البسيط ، ولعلّه باعتبار مشابهته بالأحكام الوضعية التي تتسبّب من أسبابها الخاصّة وتتحصّل منها.

(٤) فإنّه أمر يمكن دعواه ـ نظريّا ـ بخلاف سابقه.

٣٧٢

ـ حينئذ ـ باعتبار ما يستتبعه الوضع من التكليف (١) راجعة إلى الشكّ في الحرمة ، لكن بعد وضوح عدم ارتفاع الشكّ السببيّ بالأصل الجاري في الشكّ المسببيّ فلا جدوى لهذا الأصل في إحراز عدم مانعيّة المشتبه إلاّ على حجيّة الأصل المثبت. اللهم إلاّ أن يدّعى عدم توقّف الخروج عن عهدة التكليف على علاج هذا الشكّ (٢) بعد ترخيص الشارع في الإتيان بمشكوك الانطباق من جهة نفس هذا الشكّ (٣).

وعلى كلّ حال فحيث إنّ نفس الوضع ـ حينئذ ـ ممّا تناله‌

__________________

(١) كسائر الأحكام الوضعيّة المتأصّلة بالجعل ، فإنّها تستتبع ـ لا محالة ـ أحكاما تكليفيّة ، وتترتّب هذه عليها ترتّب الحكم على موضوعه ، فالمانعيّة على هذا القول تستتبع حرمة إيقاع الفعل مع المانع ـ بمعناها الأعمّ المتقدّم تحقيقه ـ والشكّ فيها يسبّب الشكّ في الحرمة ، وبهذا الاعتبار يندرج في مجاري أصالة الحلّ ، لكنّه أصل جار في ناحية المسبّب والحكم ، ولا يرفع الشك في ناحية السبب والموضوع كي يحرز به عدم مانعيّة المشتبه إلاّ على الأصل المثبت ، فإنّ الأصل المثبت للحكم لا يثبت موضوعه إلاّ على المبنى المذكور.

(٢) وهو الشك في مانعيّة المشتبه.

(٣) متعلّق بمشكوك الانطباق ، يعني أنّه لمّا رخّص الشارع ـ بمقتضى أصالة الحلّ الجارية في ناحية المسبّب ـ في الإتيان بالصلاة في المشتبه المشكوك انطباقها على الصلاة المطلوبة ـ لأجل الشكّ في مانعيّة المشتبه ـ ، فقد يدّعى كفاية ذلك في الخروج عن عهدة التكليف وعدم توقّف الخروج عنها على علاج الشك السببيّ المتعلّق بالمانعيّة نفسها.

٣٧٣

بنفسه يد الجعل ، فلا مجال للمنع عن شمول دليل الرفع (١) وجريان البراءة الشرعيّة ـ بناء على هذا المبنى الفاسد من أصله (٢) ـ بعد ما تقدّم من الانحلال ، وبهذا يستقيم جريان البراءة في الشبهات الحكميّة (٣) أيضا على هذا القول ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) فإنّه لا مانع من شموله لكلّ ما هو مجعول شرعيّ ، تكليفا كان أم وضعا ، ومنه ما نحن فيه ـ بناء على القول بتأصّل المانعيّة في الجعل ـ والمفروض انحلال هذا الحكم وتعدّده بتعدّد أفراد المانع خارجا. إذن فعلى هذا القول وإن لم يكن مجال لجريان أصالة الحلّ بالنسبة إلى المانعيّة نفسها إلاّ أنّه لا مانع من جريان أصالة البراءة عنها.

(٢) وهو تأصّل جعل المانعيّة.

(٣) يعني الشبهات الحكميّة الكلّية للمانعيّة كما إذا شك في مانعيّة الميتة الطاهرة مثلا في الصلاة ، فإنّها بنفسها مجعولة شرعا مشكوك فيها ، فترفع بحديث الرفع.

٣٧٤

( المقام الثالث )

في البحث عن جريان الأصل الموضوعيّ ـ المعبّر عنه بأصالة عدم المانع (١) ـ في المقام.

وقد اختلفت كلماتهم في ذلك ، فظاهر من فرّع الجواز والعدم (٢) في محلّ البحث على القول بمانعيّة غير المأكول وشرطيّة المأكوليّة تعويلا في ذلك على الأصل الموضوعيّ ـ كما مرّ ذكره عند نقل الأقوال ـ هو المفروغيّة عن جريانها فيما نحن فيه بناء على المانعيّة ، لكنّه بإطلاقه (٣) لا يستقيم إلاّ بأحد أمرين :

إمّا بدعوى استقرار طريقة العقلاء عند دوران الأمر بين وجود شي‌ء وعدمه على البناء على العدم ، ولكن لا من حيث مسبوقيّة الحوادث به (٤) كي يرجع إلى الاستصحاب ، بل لأنّ أولويّة العدم إلى‌

__________________

(١) والمانع في المقام هو وقوع الصلاة في غير المأكول ، ولم يعبّر قدس‌سره بالاستصحاب نظرا إلى أعميّة العبارة المذكورة منه ، وشمولها لما سيأتي من الأصل العقلائي القاضي بالبناء على العدم ، وإن كان الاستصحاب هو العمدة في هذا المقام.

(٢) وهو صاحب الجواهر قدس‌سره ـ كما مرّ في أوّل الرسالة.

(٣) قيّده قدس‌سره بالإطلاق لما سيتّضح من إمكان الاستغناء عن الأمرين في بعض صور المسألة.

(٤) أي : بالعدم ، وبناء العقلاء على العدم من الحيثيّة المذكورة قد عدّ من أدلّة‌

٣٧٥

الممكن من حيث ذاته وافتقار وجوده إلى علّة خارجة عن ذاته يوجب البناء ـ عند الشكّ ـ على ما هو أولى به من حيث نفسه ، حتى بمعناه الناقص الربطيّ (١) بالنسبة إلى العوارض التي يشكّ في تخصّص معروضاتها بها عند حدوثها.

أو بتسليم حجيّة الأصول المثبتة (٢).

وحيث إنّ الدعوى الاولى دون إثباتها خرط القتاد (٣) ، والثانية بمكان من وضوح الفساد ، فالتمسّك بهذا الأصل باستصحاب العدم السابق (٤) لا يستقيم إلاّ على بعض التقادير.

__________________

الاستصحاب ـ كما حرّر في محلّه ـ ، لكنّه ليس هو المقصود في هذا الأمر ـ الأوّل ـ ، وإنّما المقصود دعوى استقرار السيرة العقلائية على البناء على العدم لمجرّد كونه أولى بالممكن في ذاته ، لعدم افتقاره في عدمه إلى علّة خارجة عن ذاته ، بخلاف وجوده ـ المفتقر إليها.

(١) وهو العدم النعتي ـ الذي هو مفاد ( ليس ) الناقصة ـ بالنسبة إلى عوارض الشي‌ء المشكوك تخصّصه بها عند حدوثه ـ كقرشيّة المرأة ـ ، فإنّه بمقتضى هذا الوجه يبنى على عدمها حتى بعد وجود معروضها ، بخلافه على الوجه الثاني ـ الاستصحاب ـ لما سيأتي تحقيقه من المنع عن جريانه في الأعدام الأزليّة.

(٢) ليصحّ ـ بموجبه ـ التمسّك باستصحاب العدم المحمولي لإثبات العدم النعتي.

(٣) إذ لم يثبت استقرار طريقتهم على البناء على العدم بما هو أولى بذات الممكن من الوجود ، كما ولا يقتضيه دليل عقلي ولا تعبّد شرعي.

(٤) على وجه لا يبتني على حجيّة الأصول المثبتة ، والباء هنا للسببيّة ،

٣٧٦

ولا بدّ في توضيحه من بيان أمرين : ـ

الأوّل (١) : إنّه بعد وضوح أنّ حقيقة المجعول في الأصول العمليّة هي البناء العمليّ على مؤدّياتها ، دون الثبوت الواقعيّ كما في باب الأمارات (٢) ـ ولذا يكون مثبتاتها حجّة دونها (٣) ، كما حقّق في محلّه ـ ، فلا يخفى أنّه كما لا فرق في الأثر العمليّ الذي لا بدّ في جريان الأصل من ترتّبه عليه بين أن يكون بحيث يرجع التصرّف الظاهريّ فيه (٤) إلى مرحلة توجّه التكليف وثبوته (٥) ، أو إلى ناحية‌

__________________

وفي ( بهذا الأصل ) للتعدية.

(١) هذا الأمر معقود لبيان الضابط لجريان الاستصحاب في الموضوعات المركّبة ، والتمييز بينها وبين العناوين الملازمة لها.

(٢) فإنّ المجعول فيها هو الكاشفيّة والطريقيّة ، ومقتضاها الثبوت الواقعي لمؤدّياتها تعبّدا ، أمّا في الأصول العمليّة فمجرّد البناء العملي وتطبيق العمل على طبق المؤدّى مع البناء على أنّه هو الواقع أو من دون بناء عليه ، وأيّا كان فلم يجعل فيها الطريقيّة وثبوت المؤدّى ـ كما جعلت في الأمارات.

(٣) فإنّ الحكم بثبوت المؤدّى حكم بثبوته بجميع لوازمه وملزوماته وملازماته ، أمّا الحكم بتطبيق العمل على المؤدّى من دون ثبوته فليس حكما به بالنسبة إلى لوازمه ونحوها ، ولا يقتضي سوى الجري عملا على طبق المؤدّى وما يترتّب عليه من الآثار الشرعيّة بلا واسطة عقليّة أو عاديّة ، وتمام الكلام في محلّه.

(٤) أي : في الأثر العملي إثباتا أو نفيا.

(٥) كما في موارد أصالة البراءة ، والاستصحاب المثبت للتكليف أو النافي له.

٣٧٧

الخروج عن عهدة التكليف وسقوطه (١) ، من حيث صلاحيّة كلّ منهما لأن تناله يد الجعل والتصرّف على نمط واحد ـ كما لا يخفى ـ ، فكذا لا فرق بين أن يكون ترتّبه عليه ـ بأحد الوجهين ـ باعتبار كون المؤدّى تمام الموضوع للحكم الشرعي ، أو لكونه مأخوذا فيه على جهة القيديّة ـ بأحد أنحائها ـ (٢) ، ضرورة كفاية هذا المقدار من الأثر الناشئ عن القيديّة أيضا بالنسبة إلى كلّ من المرحلتين في تحقّق حقيقة المجعول بالأصول ـ كما لا يخفى.

وليس العنوان المركّب (٣) من مجموع القيد والمقيّد كالصلاة في ظرف طهارة الفاعل ـ مثلا ـ أو الغسل بالماء الطاهر إلاّ عبارة عن نفس تلك الأمور المحرز ما عدا الطهارة منها بالوجدان وهي‌

__________________

(١) كموارد قاعدة الاشتغال وقواعد الفراغ والتجاوز والحيلولة ونحوها.

(٢) أي : كون المؤدّى مأخوذا في موضوع الحكم أو متعلّقه على وجه القيديّة بأحد أنحائها ـ من الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة للمتعلّق أو الموضوع ـ كما في استصحاب الطهارة في مثالي الصلاة عن طهارة والغسل بالماء الطاهر ـ الآيتين ـ ، والأثر المترتّب على الأصل حينئذ هو البناء عملا على تحقّق القيد.

(٣) شروع في البحث عن حكم استصحاب الموضوعات المركّبة والبسيطة ، وحاصل المراد بالعبارة : أنّ عنوان ( الصلاة في ظرف طهارة المصلّي ) ـ مثلا ـ ليس عنوانا بسيطا ملازما لذات المقيّد والقيد ، كي لا يجدي استصحاب الطهارة لإحرازه إلاّ على القول بالأصول المثبتة ، وإنّما هو عبارة عن الأمرين نفسيهما ، فيكفي في إحرازهما إحراز أحدهما بالوجدان ، والآخر بالأصل.

٣٧٨

بالأصل ، وليس هو عنوانا خارجا عمّا هو محرز بهما ملازما له كي يندرج في اللوازم الغير الشرعيّة ، ولا (١) كون الماء طاهرا أو المصلّي متطهّرا إلاّ عبارة عن نفس تحقّق الوصف فيما اعتبر تحقّقه فيه (٢) ، وواضح أنّ إثبات الأصل لنفس * مؤدّاه (٣) إنّما هو عبارة أخرى عن حجيّته ، ولا مساس له بباب اللوازم الغير الشرعيّة أو الملزومات (٤) التي يراد من عدم حجيّة الأصل المثبت عدم كفايته في إحرازها ولا في ترتيب (٥) ما رتّبه الشارع من الأثر عليها بلا مؤنة إحرازها.

وأمّا مقارنة الشرط للمشروط فإن أريد به منشأ انتزاع هذا العنوان (٦) ـ وهو نفس تحقّق المشروط الذي هو الغسل أو الصلاة‌

__________________

(١) عطف على ( وليس العنوان المركّب ) ، والمقصود هنا بيان حال القيد نفسه.

(٢) وهو الماء والمصلّي.

(٣) وهو متحقّق في المقام من دون زيادة.

(٤) أي : مطلقا وإن كانت شرعيّة كالحكم وموضوعه الملزوم له ـ كما مرّ غير مرّة.

(٥) أي : وعدم كفاية الأصل في ترتيب آثار تلك اللوازم التي رتّبها الشارع عليها من دون تحمّل مؤنة إحراز اللوازم أنفسها بأمارة أو أصل.

(٦) أي : عنوان المقارنة ، وهذا يفترق عن العنوان ـ المتقدّم تحقيقه آنفا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بنفس ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٧٩

في المثالين في ظرف تحقّق الشرط (١) الذي هو طهارة الماء أو المصلّي ـ فقد عرفت أنّه محرز بعضه بالوجدان والآخر بالأصل ، ولا حاجة إلى إحراز أمر آخر خارج عمّا هو محرز بهما ، كي يؤول إلى إحراز اللوازم الغير الشرعيّة بالأصل المحرز لملزوماتها *.

وإن أريد به نفس هذا العنوان المنتزع عن تحقّق أحد الأمرين في ظرف الآخر فالمفروض ترتّب الحكم على منشأ الانتزاع دون العنوان المنتزع (٢) ، وبعد ما عرفت من إحراز أحد جزءي ما ينتزع هو عنه بالوجدان والآخر بالأصل فمقارنة كلّ منهما للآخر ـ مع أنه لا حاجة إلى إحرازها ـ متحقّقة قهرا ومحرزة بالوجدان ـ لا محالة (٣).

__________________

والمركّب من المقيّد والقيد ـ بعدم اعتبار المقارنة هناك واعتبارها هنا ، فأصبح هذا عنوانا انتزاعيّا دون ذاك.

(١) أي : مجرّد اجتماعهما في الزمان.

(٢) فإنّ العنوان المنتزع المذكور ـ المقارنة ـ ليس هو متعلّق الحكم أو موضوعه ـ حسب الفرض ـ ، بل المتعلّق هو الصلاة في ظرف طهارة المصلّي ، والموضوع هو الغسل في ظرف طهارة الماء ، وهذا مركّب من جزءين يحرز أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل ، من دون حاجة إلى إحراز أمر آخر.

(٣) إذ يحرز بالوجدان مقارنة الصلاة الوجدانيّة أو الغسل الوجداني مع الطهارة المستصحبة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بملزوماتها ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٨٠