الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

الحكم العقليّ (١) ، لكونه (٢) على هذا المبنى كسائر القواعد الظاهريّة المقرّرة لمرحلة التحيّر ، فيرتفع موضوعه بالأصل القاضي بتنزيل المتعلّق ـ كما في قاعدة الطهارة (٣) مثلا بالنسبة إلى استصحابها.

لكنّه لا يجدي في جريان أصالة الحلّ ، لأنّ الشكّ في المشروعيّة النفس الأمريّة وإن كان مستتبعا ـ حينئذ ـ للشكّ في حرمة التعبّد أو جوازه (٤) ـ لا محالة ـ ، لكن بعد استقلال العقل بحكم طريقيّ (٥) بنفس الشكّ في المشروعيّة واستتباعه لحكم ظاهريّ (٦) بقاعدة الملازمة ، فلا جرم تكون الحرمة ـ حينئذ ـ معلومة ، ويرتفع بذلك موضوع أصالة الحلّ (٧) ، ولا تصل النوبة‌

__________________

(١) وهو حكم العقل بقبح التعبّد بالمشكوك بمناط إحراز الواقع ، وجه الحكومة أنه باستصحاب عدم المشروعيّة يحرز عدم المشروعيّة الواقعيّة ، فيرتفع الشك المأخوذ موضوعا للحكم العقليّ المزبور.

(٢) أي الحكم العقلي.

(٣) فإنّها قاعدة ظاهريّة مقرّرة للشاك في الطهارة فيرتفع موضوعها بالأصل التنزيليّ المحرز للطهارة ، وإن كانا متوافقين بحسب المؤدّى ـ كالمقام.

(٤) يعني : وهو موضوع لأصالة الحلّ.

(٥) لنشوئه عن ملاك إدراك الواقع والتطرّق إليه.

(٦) شرعيّ هو حرمة التعبّد بمقتضى قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

(٧) فتكون القاعدة العقليّة حاكمة على أصالة الحلّ ، إذ بها أصبحت حرمة التعبّد معلومة ـ ولو ظاهرا ـ ، فلا شك في حرمتها ليرجع إلى أصالة الحلّ.

٣٤١

إليها ولو مع عدم جريان الأصل الموضوعيّ المذكور (١) ـ كما في موارد الشكّ في الانطباق على المشروع.

وإن شئت قلت : موضوع القاعدة هو الشكّ السببيّ (٢) وموضوع أصالة الحلّ هو الشكّ المسبّبي ، فلا جرم تكون القاعدة ـ حينئذ ـ كأصالة الحرمة في النفوس والأموال مثلا (٣) حاكمة عليها ، بل لو فرض اتّحاد الموضوع والمرتبة (٤) فلا بدّ من التخصيص ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) يعني : فضلا عما إذا كان الأصل المذكور ـ وهو الاستصحاب الآنف الذكر ـ جاريا.

توضيحه أنّه في موارد عدم جريان الاستصحاب ـ وهي ما إذا كان الشك في الانطباق على المشروع كما تقدّم ـ لا تصل النوبة إلى أصالة الحلّ ، لحكومة القاعدة عليها ـ كما سمعت ـ ، أمّا في موارد جريانه ـ وهي ما إذا كان الشك في أصل التشريع ـ فعدم وصول النوبة إلى أصالة الحلّ أوضح ، لحكومة الاستصحاب على القاعدة أيضا فضلا عن الأصل ، لأنّ الاستصحاب أصل موضوعيّ وهما حكميّان.

(٢) وهو الشك في المشروعيّة وعدمها ، فإنّه سبب للشك في حرمة التعبّد وجوازه الذي هو موضوع أصالة الحلّ ، والأصل الجاري في الشك السببيّ حاكم على الجاري في المسبّبي.

(٣) فإنّ موضوعها هو الشك في الموضوع الخارجي كالشك في كون الشخص مهدور الدم أو محقونه ، وهو سبب للشك في جواز قتله وعدمه الذي هو موضوع أصالة الحلّ ، فتكون تلك حاكمة على هذه.

(٤) بأن يفرض أنّ موضوع القاعدة العقليّة أيضا هو الشك في حرمة التعبّد‌

٣٤٢

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه لو سلّم قضاء الأصل (١) بجواز التعبّد بما يشكّ انطباقه على المطلوب فلا جدوى له في إحراز عدم مانعيّة المشتبه وتطبيق المأتيّ به على المطلوب ، لكونه من الملزومات المبنيّ إحرازها على حجيّة الأصل المثبت ، ولا في الاكتفاء بمشكوك الانطباق (٢) والموافقة الاحتماليّة حتّى على القول‌

__________________

وجوازه ، فيتّحد موضوعها مع موضوع أصالة الحلّ ، وتصبحان في مرتبة واحدة فلا حكومة في البين ، وبما أنّ بينهما تنافيا في الحكم وموضوع القاعدة أخصّ مطلقا من موضوع الأصل فلا بدّ من تخصيص الثاني بالأوّل ، إذن فالنتيجة ـ على هذا الفرض أيضا ـ هي حرمة التعبّد.

ونحوه الكلام بعينه فيما إذا فرض أنّ موضوع أصالة الحرمة في المهمّات هو الشك في الحرمة والجواز ، لا الشك في الموضوع الخارجيّ.

(١) يعني : لو سلّم فيما نحن فيه ـ الذي مرّ أنّه من قبيل الشك في الانطباق على المشروع ـ جريان أصالة الحلّ واقتضاؤها جواز التعبّد بمصداقيّة الصلاة الواقعة في اللباس المشتبه للصلاة المشروعة ، فهي لا تجدي فيما يهمنا من إحراز عدم مانعيّة المشتبه وانطباق المأتيّ به على المطلوب إلاّ على القول بحجيّة الأصول المثبتة ، فإنّ عدم مانعيّة المشتبه ملزوم لمؤدّي الأصل ـ أعني جواز التعبّد المزبور ـ ونسبته إليه نسبة الموضوع إلى حكمه ، والأصل المثبت للحكم لا يثبت موضوعه.

(٢) أي : ولا جدوى للأصل المزبور في الاكتفاء في مقام الامتثال بمشكوك الانطباق والاجتزاء بالموافقة الاحتمالية ـ ولو قلنا بالأصل المثبت ـ ، إذ لا ملازمة بين جواز التعبّد المذكور وبين الاجتزاء بمشكوك الانطباق كي يكون القول بحجيّة الأصل المثبت مجديا في إثباته ، فإنّ جواز إسناد‌

٣٤٣

بحجيّة الأصول المثبتة أيضا ، إذ لا ملازمة بين الأمرين ـ كما لا يخفى.

وبالجملة : فليس التمسّك بهذا الأصل عندنا مبنيّا على شي‌ء من هذه الوجوه ـ حسبما استوفينا الكلام فيه.

وإنّما بناء الاستدلال على إجرائه في نفس الشكّ في مانعيّة المشتبه ، بدعوى رجوعه باعتبار منشأ انتزاع المانعيّة إلى الشكّ في حليّة الصلاة فيه وحرمتها حقيقة (١) ، واندراجه في مجاري هذا الأصل بهذا الاعتبار (٢) ، ورجوع الحكم على نفس المشتبه والصلاة فيه بالحليّة الظاهريّة إلى ترخيص ظاهريّ فيه من هذه الجهة (٣) ، ورفع القيديّة المحتملة عنه في الظاهر.

__________________

مشكوك الانطباق إلى الشارع لا يقتضي عقلا ولا شرعا جواز الاكتفاء به لدى الامتثال ، والمفروض الشكّ في انطباقه على المطلوب ، فتبصّر.

هذا ، لكن لا يخفى أنّه إذا جرى الأصل المذكور وثبت به ـ كما عرفت ـ عدم مانعيّة المشتبه بناء على الأصل المثبت ، لزمه الإجزاء والصحّة عقلا ، لانطباق المأتيّ به على المطلوب ، وعليه فالأمران المتقدّمان وإن لم يكن بينهما ملازمة ، إلاّ أنّهما لازمان لملزوم واحد هو عدم مانعيّة المشتبه ، فيثبت الإجزاء على المبنى المذكور بهذه المعونة.

(١) فإنّ المانعيّة لمّا كانت منتزعة من النهي عن الصلاة في غير المأكول ـ مثلا ـ فمرجعها إلى حرمة الصلاة فيه ، ومرجع الشك فيها بالنسبة إلى المشتبه إلى الشك في حليّة الصلاة في المشتبه وحرمتها.

(٢) أي : باعتبار الشك في حليّة الصلاة فيه وحرمتها.

(٣) أي : في المشتبه من جهة وقوع الصلاة فيه.

٣٤٤

قال المحقّق القميّ قدس‌سره (١) في تقريب الاستدلال : ( كما أنّ اللحم المشترى من السوق الذي هو مطابق لجنس اللحم القابل لكونه كلاّ من النوعين نوعان قابلان لأن يحكم على كلّ منهما بما حكم به الشارع وعلم منه حكمه ، فكلّ فرد من أفراد هذا الجنس يحكم بحليّته بمقتضى هذا الحديث حتّى يعلم أنّه بعينه الحرام ، فكذلك الصوف الذي له فردان بعضها ممّا لا تحلّ الصلاة فيه وبعضها ممّا تحلّ ، فإذا اشتبه الحال يحكم بحليّته حتّى يعرف أنّه ممّا لا تحلّ ، والحلّ والحرمة تابعان لما قصد من الموضوعات من جملة أفعال المكلّفين ، ففي بعضها يراد الأكل ، وفي بعضها اللبس ، وفي بعضها الصلاة فيه وغير ذلك ). انتهى موضع الحاجة (٢) ، ولا يخفى ما في صدر العبارة من التعقيد (٣) ، لكنّ المراد غير خفيّ.

__________________

(١) قاله قدس‌سره في المتفرّقات من جامع شتاته (٨٠٦) في مطاوي الجواب عن السؤال عمّا هو المعروف من وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة ، وقد سبق حكاية بعض عبائره في هذا الجواب في الأمر الرابع المتقدّم.

(٢) ومحلّ الاستشهاد قوله قدس‌سره ( فكذلك الصوف الذي له فردان بعضها ممّا لا تحلّ الصلاة فيه وبعضها ممّا تحلّ فإذا اشتبه الحال يحكم بحليّته حتى يعرف أنّه مما لا تحلّ ) ، وقوله قدس‌سره أخيرا ( وفي بعضها الصلاة فيه ) ، فعدّ الصلاة فيه من جملة الأفعال المتعلّقة بالموضوعات المحكوم عليها بالحلّ أو الحرمة ، وظاهر العبارتين شمول روايات أصالة الحلّ للشكّ في مانعيّة المشتبه باعتباره شكّا في حلّية الصلاة فيه وحرمتها.

(٣) وهو قوله : ( الذي هو مطابق لجنس اللحم ـ إلى قوله ـ وعلم منه‌

٣٤٥

وكيف كان ، فمحصّل التقريب (١) هو : أنّ الموصول أو الشي‌ء الوارد في عنوان الروايات (٢) لا يخلو إمّا أن يراد به نفس الموضوعات المشتبهة الخارجيّة ، ـ كما هو الظاهر من لفظة الشي‌ء والتمثيل له في رواية مسعدة بالثوب ونحوه (٣) ، ومن ورود الموصول في رواية عبد الله بن سليمان جوابا عن سؤاله عن الجبن المشتبه (٤) ـ ، فيكون المراد بالحلّ والحرمة ـ حينئذ ـ المعنى الوضعيّ (٥) العارض لنفس الموضوعات الخارجيّة باعتبار ما يتعلّق‌

__________________

حكمه ) ، يعني أنّ لحم السوق الذي هو من جنس اللحم له نوعان حلال وحرام ويعرف كلّ من النوعين من بيان الشارع ، فإذا اشتبه فرد منه أنّه من أيّ النوعين يحكم بحليّته حتّى يعلم أنّه من الحرام.

(١) أي : تقريب الاستدلال على جريان أصالة الحلّ في الشك في المانعيّة.

(٢) ورد الموصول ( كلّ ما فيه حلال وحرام ) في رواية ابن سليمان ، والشي‌ء ( كلّ شي‌ء ) في معتبرتي ابن سنان ومسعدة.

(٣) ويؤكّده العموم في ذيلها ( والأشياء كلّها على هذا ـ الحديث ـ).

(٤) فإنّ كلاّ من الجبن والثوب ونحوهما موضوعات خارجيّة مشتبهة.

(٥) يعني : إذا كان فعل المكلف متعلّقا بموضوع خارجيّ فكما تتعلّق حلية أو حرمة تكليفيّتان بذلك الفعل ، كذلك تتعلق حليّة أو حرمة وضعيّتان بموضوعه.

بيانه : أنّه لا ريب في وقوع إسناد الحكمين المزبورين إلى الموضوعات الخارجيّة أنفسها في كثير من الآيات والروايات ، كما لا ريب‌

٣٤٦

بها من أفعال المكلّفين ، أو يراد به نفس الأفعال المشتبهة من حيث أنفسها (١) ، أو باعتبار تعلّقها بموضوعاتها * المشتبهة (٢) ، فيراد‌

__________________

في عدم كونهما تكليفيّتين مع التحفّظ على حقيقيّة الإسناد ، لأنّ التكليف هو الحكم الشرعي من حيث الاقتضاء والتخيير ، ولا يتصوّر في ذات الموضوع الخارجيّ اقتضاء ولا تخيير ، فلا بدّ إمّا من ارتكاب التجوز في الإسناد وتقدير فعل مناسب من أكل أو شرب أو نحوهما ، فتكون الحلّية أو الحرمة حينئذ تكليفيّتين ، أو إبقاء الإسناد على حقيقته بأن يراد بالحلّية والحرمة المعنى الوضعيّ منهما العارض لذات الموضوع حقيقة فإنّ المحروميّة أو عدمها كما تتحقق بالنسبة إلى الفعل كذلك هي متحققة بالنسبة إلى الذات المتعلّقة له ، فتتصف بالحلّ تارة وبالحرمة أخرى ، لكن لا بما هي هي ـ كما في اتصافها بالطهارة أو النجاسة مثلا ـ ، ولا باعتبار ما يتعلّق بها من فعل المكلّف على نحو الواسطة في العروض بأن تكونا عارضتين على الفعل أوّلا وبالذات وعلى متعلّقه ثانيا وبالعرض ، إذ مرجعه حينئذ إلى المعنى الأوّل ، بل على نحو الواسطة في الثبوت ، فيكون تعلّق الفعل الحلال أو الحرام بالموضوع الخارجيّ مصحّحا لاتّصاف الموضوع نفسه بهما ، فتدبّر.

(١) متعلق بالمشتبهة.

(٢) عطف على ( من حيث أنفسها ) ، فإنّ اشتباه الفعل وتردّده بين الحلال والحرام يكون تارة من جهة اشتباهه بنفسه كالتكلّم المردّد بين كونه محرّما أو محلّلا ، واخرى من جهة اشتباه ما يتعلّق به من الموضوع كشرب المائع المردّد بين الخلّ والخمر ، فيسري اشتباه الموضوع إلى الفعل نفسه ـ لا محالة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( لموضوعاتها ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٤٧

بهما (١) المعنى الاقتضائي (٢) اللاحق لأفعال المكلّفين وما يقابله من الرخصة والإباحة الخاصّة التي هي أحد الأحكام الخمسة.

فعلى الأوّل يختصّ جريان هذا الأصل بما إذا استند الشكّ في الحلّ والحرمة إلى تردّد موضوع خارجيّ بين الأمرين (٣).

وعلى الثاني يعمّ ما إذا استند إلى تردّد المكلّف أيضا بين من يحلّ له الفعل أو يحرم عليه (٤) وغير ذلك (٥).

وعلى كلّ منهما فكما لا اختصاص لجريان هذا الأصل بما إذا كانت الحرمة المحتملة ـ على تقدير ثبوتها الواقعيّ ـ عارضة‌

__________________

(١) أي بالحلّ والحرمة على هذا التقدير.

(٢) وهي الحرمة التكليفيّة التي تفيد المنع واقتضاء الترك ، وهذا المعنى ـ كما سيأتي التحقيق حوله مفصّلا ـ متحقّق في النواهي الغيريّة المفيدة لقيديّة العدم أيضا ـ كالنهي عن الصلاة في غير المأكول ـ ، لدلالتها على المنع عن إيقاع الواجب فيه واقتضاء تركه ، فلا اختصاص له بموارد النواهي النفسيّة ، وانتظر التفصيل.

(٣) فلا يجري فيما لم يكن فعل المكلف متعلّقا بموضوع خارجيّ أصلا ـ كالتكلّم ـ ، أو كان ولم يستند الشك في الحلّ والحرمة إلى تردّد ذلك الموضوع بينهما ـ كلبس الحرير بالنسبة إلى الخنثى ، وفعل ما يشك المكلّف في تعلّق نذره أو شرطه أو نحوهما بتركه وعدمه.

(٤) كما عرفت في مثال الخنثى ، لاستناد الشك إلى تردّد المكلّف بين كونه ذكرا أو أنثى.

(٥) كما سمعت من المثال الأخير وأشباهه ممّا يتردّد فعل المكلف ذاته بين الحلّ والحرمة ، ـ كان لذلك الفعل موضوع خارجيّ أم لم يكن.

٣٤٨

للشي‌ء (١) من جميع الجهات ، فلا يكون له منفعة محلّلة أصلا (٢) ، أو من جهة دون اخرى (٣) ، بل يعمّ جميع الوجوه والاعتبارات (٤) التي منها الصلاة فيه ، وعلى تقدير حمل الموصول والشي‌ء على نفس الأفعال فالأمر في العموم أظهر (٥).

فكذا لا اختصاص له بما إذا كان المنع المذكور حكما نفسيّا وخطابا مستقلا ناشئا عن المبغوضيّة الذاتيّة ، بل يعمّ ما إذا كان من جهة القيديّة (٦) أيضا ، لاشتراكهما جميعا فيما هو ملاك الاتّصاف بالحرمة الشرعيّة ـ وهو الوقوع في حيّز التكليف العدميّ بأحد الوجهين ـ ، وخروج النفسيّة والاستقلال ، وكذلك الاستناد إلى‌

__________________

(١) هذا بناء على أن يراد بالموصول والشي‌ء الموضوعات المشتبهة.

(٢) لفرض حرمة الانتفاع بجميع منافعه.

(٣) فيحرم الانتفاع به في بعض منافعه لا جميعها.

(٤) يريد قدس‌سره بذلك التعميم للموارد التي لا تعدّ منفعة للشي‌ء ولا تكون حرمته باعتبار الانتفاع به في جهة ، بل باعتبار آخر كلبس غير المأكول في الصلاة ، فإنّه ليس محرّما بما هو لبس وانتفاع منه لمبغوضيّة في هذا الانتفاع مطلقا أو في حال الصلاة ، بل لمحبوبيّة الصلاة غير الواقعة فيه واشتمالها على المصلحة الملزمة ، وبهذا الاعتبار تصبح الصلاة الواقعة فيه حراما ، بل هو نفسه أيضا من جهة وقوع الصلاة فيه.

(٥) إذ عليه تتعلّق الحرمة المحتملة بالصلاة الواقعة في الشي‌ء المشتبه ، وتعلّقها بها أوضح من تعلّقها بالشي‌ء نفسه ، فإنّه قد لا يستأنس بعض الأذهان كون غير المأكول نفسه حراما ـ ولو باعتبار حرمة الصلاة فيه.

(٦) أي : كان المنع من جهة قيديّة العدم للواجب.

٣٤٩

المبغوضيّة الذاتيّة عن مدلول اللفظ (١) لغة وعرفا ، فكما أنّ المائع المردّد بين الخلّ والخمر مردّد هو من جهة شربه ، وكذا نفس شربه بين الحلال والحرام ، فكذلك الصوف ـ المردّد بين ما قيّدت الصلاة بعدم الوقوع فيه وما رخّص إيقاعها فيه ـ مردّد هو ، وكذلك الصلاة فيه بين الأمرين ، وكما أنّ الحكم على المائع المردّد ـ مثلا ـ أو شربه بالحليّة (٢) يرجع إلى ترخيص فيه من الجهة المشكوكة ، فكذا في الصوف المردّد ـ أيضا ـ يرجع إلى الترخيص من هذه الجهة ، ومرجعه إلى إطلاق ظاهريّ (٣) في المطلوب من جهة الوقوع في المشتبه ، فيلزمه الصحّة والإجزاء الظاهري ـ لا محالة.

وحاصل التقريب يتركّب من مقدّمات ثلاث :

الاولى : ـ رجوع الشكّ في مانعيّة المشتبه باعتبار منشأ انتزاعها (٤)

__________________

(١) وهو لفظ الحرمة ، فإنّ مدلوله ـ كما سيجي‌ء ـ ليس إلاّ عبارة عن منع الشارع عن شي‌ء وحرمانه العباد عنه تشريعا ـ ولو كان من قبيل المنع عن الصلاة في شي‌ء ـ ، ولا يعتبر في مفهومه ـ لغة ولا عرفا ـ مبغوضيّة الفعل ذاتا ، ولا نفسيّة الخطاب الناهي عنه.

(٢) بموجب روايات أصالة الحلّ.

(٣) أي : مرجع هذا الترخيص الظاهريّ إلى إطلاق المطلوب إطلاقا ظاهريّا بالنسبة إلى وقوعه في المشكوك وعدمه ، فلا يتقيّد ـ بحسب الوظيفة الظاهريّة ـ بعدم الوقوع فيه.

(٤) فإنّ المانعيّة لكونها منتزعة ـ كما مرّ ـ من منع الشارع عن إيقاع الصلاة في شي‌ء فالشك في المانعيّة يرجع إلى الشك في المنع المزبور.

٣٥٠

إلى الشك في منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيه أو ترخيصه له ، وهذه المقدّمة هي بمنزلة الصغرى فيما نحن فيه (١) ، وعليها يبتنى التفرقة (٢) بين ما نحن فيه وبين ما إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة في الاندراج في مجاري هذا الأصل وعدمه.

والثانية : ـ عدم اختصاص ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل بما إذا كان المنع المشكوك فيه حكما مستقلا ناشئا عن المبغوضيّة الذاتيّة ، كي يختصّ الترخيص الظاهريّ الذي هو مؤدّى هذا الأصل بالشبهات التحريميّة النفسيّة ، بل يعمّها وما إذا كان من جهة القيديّة أيضا ـ كما نحن فيه وأشباهه ـ من حيث شمول لفظ الحرام الوارد في عناوين الأدلّة (٣) لهما على نمط واحد.

والثالثة : ـ ترتّب النتيجة ـ الصحّة الظاهريّة (٤) ـ على تعلّق‌

__________________

(١) إذ ينقّح بها ـ كما ستعرف لدى تحقيق الحال فيها ـ أنّ أحد طرفي الشك في الشبهة المبحوث عنها هو حرمة الصلاة في المشتبه ، والطرف الآخر هو حلّيتها ، وبذلك يتحقّق في المقام الصغرى لكبرى أصالة الحلّ ، فيقال : هذا ما يشكّ في حلّيته وحرمته ، وكلّ ما هو كذلك فهو حلال.

(٢) سيأتي بيان الفرق بين ما نحن فيه ـ القيود العدميّة ـ وبين القيود الوجوديّة من حيث الاندراج في مجاري أصالة الحلّ وعدمه ، وأنّه مبتن على تعلّق المنع الشرعي بالعدميّة دون الوجوديّة.

(٣) مطلقا سواء أدلّة اعتبار هذا الأصل وغيرها ، وهذه المقدّمة بمنزلة الكبرى فيما نحن فيه.

(٤) الصحة عطف بيان للنتيجة.

٣٥١

الترخيص الظاهريّ بإيقاع الصلاة في المشتبه من جهة نفس الشكّ في مانعيّته (١) بمقتضى هذا الأصل ، لا كما لو فرض جريانه من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ـ حسبما تقدّم الكلام فيه.

أمّا المقدّمة الأولى : ـ فالكلام فيها يقع ـ تارة ـ في رجوع (٢) الجهة المستتبعة للمانعيّة إلى المنع الشرعيّ المولويّ عن إيقاع‌

__________________

(١) يعني : أنّ الصحّة الظاهريّة والإجزاء إنّما يترتّب على ما يقتضيه الأصل من الترخيص الظاهري إذا جرى الأصل المذكور بلحاظ الشك في المانعيّة ، لا بلحاظ احتمال الحرمة الذاتيّة أو التشريعيّة ، لما تقدّم من عدم اقتضائه الإجزاء لو جرى باعتبار أحد هذين الاحتمالين ، بخلاف ما إذا جرى باعتبار الشك في المانعيّة ، وستعرف التفصيل.

(٢) فإنّ إثبات هذه المقدّمة ـ التي عرفت أنّها بمنزلة الصغرى فيما نحن فيه ـ يتوقّف على أمرين : ـ

الأوّل : رجوع مانعيّة غير المأكول مثلا في الصلاة إلى منع الشارع عن إيقاعها فيه ، وانحلاله إلى المنع عن إيقاعها في آحاد وجوداته الخارجيّة ، وقد تقدّم تحقيق الكلام حول ذلك في المقام الأوّل المعقود لتنقيح كون الشبهة المبحوث عنها من مجاري أصالة البراءة.

والثاني : رجوع إطلاق الصلاة بالنسبة إلى أضداد غير المأكول وعدم مانعيّتها فيها إلى ترخيص الشارع في الصلاة في أيّ فرد منها ، فيستنتج منهما أنّ المصداق المشتبه المردّد بين كونه من مصاديق عنوان المانع أو أحد أضداده الوجوديّة يشك في منع الشارع عن الصلاة فيه أو ترخيصه فيها ، فيندرج في صغريات أصالة الحلّ.

٣٥٢

الصلاة في آحاد ما ينطبق على عنوان المانع في الخارج ، و ـ اخرى ـ في رجوع إطلاق المطلوب أيضا بالنسبة إلى الأضداد الوجوديّة الواقعة طرفا للشبهة ـ كأجزاء المأكول مثلا أو القطن أو الكتّان ـ إلى الرخصة الشرعيّة المقابلة للمنع المذكور.

أمّا الأوّل : فهو ظاهر ممّا أسلفناه في المقام السابق (١) ، إذ بعد انحلالها (٢) ـ كحرمة شرب الخمر مثلا ـ بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع إلى تقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه (٣) ، فوقوعه بهذا الاعتبار (٤) في حيّز التكليف بالمقيّد (٥) وتعلّق نفس ذلك التكليف به من هذه الجهة ممّا لا خفاء فيه.

وبهذا يفترق ما نحن فيه عمّا إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة (٦) ، إذ هي لكونها واقعة في حيّز التكليف باعتبار الوجود‌

__________________

(١) من انحلال الحكم في القسم الرابع من أقسام متعلّق التكليف ـ أعني ما له تعلق بموضوع خارجي ذي أفراد مقدّرة الوجود ـ واندراج ما نحن فيه في هذا القسم.

(٢) أي : انحلال المانعيّة.

(٣) أي : في كلّ واحد من وجودات الموضوع.

(٤) أي : باعتبار عدم الوقوع فيما ذكر.

(٥) وهو الصلاة ، فإنّ التكليف متعلّق بالصلاة المقيّدة بعدم الوقوع في آحاد هذه الوجودات.

(٦) بأن يشكّ في تحقّق جزء الواجب أو شرطه للشك في مصداقيّة‌

٣٥٣

فهي جارية باعتبار منشأ انتزاع جزئيّتها أو شرطيّتها مجرى الواجبات النفسيّة (١) ، وليست هي (٢) متضمّنة لتعلّق منع شرعيّ بالفاقد أصلا كي يندرج الشبهة بهذا الاعتبار في مجاري هذا الأصل ، ولو فرض اندراجها * فيها من جهة أخرى ملازمة لتلك الجهة (٣) كما لو شكّ في حرمته الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة. وهذا‌

__________________

الموجود له ، فإنّه لا مجال لإجراء أصالة الحلّ فيه ، لعدم وقوعه في حيّز التكليف العدمي والمنع الشرعي ليتردّد أمر مشكوكه بين الحلال والحرام.

(١) فإنّ الجزئيّة والشرطيّة إذ تنتزعان من تعلّق التكليف بالعمل المركّب من أجزاء المقيّد بشرائط فكلّ من الأجزاء والشرائط مطلوبة الوجود ضمنا ، وواقعة في حيّز التكليف الوجودي ـ حذو الواجبات النفسيّة.

(٢) أي : القيود الوجوديّة لا تتضمّن منعا شرعيّا كما كانت القيود العدميّة تتضمّنه ، إلاّ إذا بني على اقتضاء الأمر بالشي‌ء ـ ولو شطرا أو شرطا ـ للمنع عن تركه ليستلزم تعلّق المنع بالفاقد له ، لكنّ المقرّر في محلّه بطلان المبنى.

(٣) أي : اندراج الشبهة المذكورة في مجاري هذا الأصل من جهة أخرى ملازمة لجهة الشك في الجزئيّة أو الشرطيّة ـ كما إذا شك في حرمة الفعل المقترن بمشكوك الجزئيّة أو القيديّة حرمة ذاتيّة أو تشريعيّة ـ ، وقد مرّ استظهار الحرمة الذاتيّة للصلاة الفاقدة للطهارة الحدثيّة ، فإنّه تندرج شبهتها المصداقيّة حينئذ في مجاري أصالة الحلّ.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( اندراجه ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٥٤

بخلاف الموانع فإنّها جارية باعتبار نفس الجهة المستتبعة لمانعيّتها (١) ـ كما قد عرفت ـ مجرى المحرّمات النفسيّة مندرجة بهذا الاعتبار في جزئيّات الشكّ في الحرمة الشرعيّة حقيقة.

ومن ذلك كلّه فقد انقدح أنّ الاعتراض (٢) على التمسّك بهذا الأصل فيما نحن فيه ـ تارة ـ بابتنائه على جريانه عند الشك في الحرمة التشريعيّة ، وهو ممّا لا سبيل إليه (٣) ، و ـ اخرى ـ بأنّه لو سلّم جريانه فيما نحن فيه لاطّرد في باب الشكّ في الأجزاء والشرائط أيضا ، لاتحاد المناط (٤) ، وحينئذ فإن التزم بذلك فيها أجمع لزم تأسيس فقه جديد (٥) ، وإلاّ فلا بدّ من التخصيص (٦) الذي‌

__________________

وعبّر قدس‌سره بالجهة الملازمة نظرا إلى أنّ ما يفرض في هذه الموارد من حرمة تكليفيّة فهي لازمة للجزئيّة أو القيديّة ومترتّبة عليها ، وقد تقدم أنّ أصالة الحلّ الجارية في المشتبه منها ـ على هذا الفرض ـ لا تجدي في إثبات ملزومها إلاّ على الأصل المثبت.

(١) والتي هي منشأ انتزاعها ، وهي منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيها.

(٢) المعترض هو الفاضل الآشتياني قدس‌سره في رسالته ( إزاحة الشكوك ).

(٣) قال قدس‌سره في الرسالة (٤٦) : إن حرمة الصلاة في غير المأكول إنّما هي لفقدها الشرط فالحرمة تشريعيّة ، ولا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة والحلّية فيها.

(٤) وهو دخل الجميع فيما هو المطلوب الشرعي.

(٥) أقول : لا يلزم ذلك وإنما يلزم نوع استدلال جديد مع وحدة النتيجة ، إذ المختار جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.

(٦) أي : تخصيص أدلّة هذا الأصل بغير الشك في الأجزاء والشرائط ( راجع الرسالة : ٣٤ ـ ٣٥ ).

٣٥٥

لا يلتزم به أحد ويستهجن جدا ـ إلى آخر ما أفاده دامت أيّامه ـ ، ممّا نشأ عن عدم إعطاء المقام من التأمّل حقّه ، كيف وقد عرفت أنّه لا مساس لجهة اندراج الشبهة في مجاري هذا الأصل بباب التشريع أصلا ، ولا للشكّ في تحقّق * القيود الوجوديّة بباب الشكّ في الحرمة الشرعيّة من شي‌ء ، وأنّ بين البابين (١) بونا بعيدا **.

وأمّا الثاني (٢) : فلأنّ الحلّ والإباحة وإن كانت من الأحكام الوجوديّة (٣) عندنا دون محض اللاحكميّة ـ كما ربما يتوهّم ـ ، إلاّ‌

__________________

(١) أي : باب الشك في تحقّق القيود الوجوديّة وباب الشك في الحرمة الشرعيّة ، فإنّ الذي يناسب الأوّل هو الشك في الوجوب دون الحرمة.

(٢) وهو رجوع إطلاق المطلوب بالنسبة إلى أضداد المانع ـ كأجزاء المأكول والقطن والكتّان ـ إلى الرخصة الشرعيّة فيها.

(٣) محصّل ما أفاده قدس‌سره في إثبات هذا الأمر : أنّ الإباحة التكليفيّة حكم شرعيّ وجوديّ في قبال الأحكام الأربعة الأخر ، وليست هي مجرد عدم الحكم والخلوّ عنه لتصبح الأحكام التكليفيّة أربعة ـ كما قد يتوهّم ـ ، وأنّ حقيقة هذا الحكم هو إرسال المولى عنان عبده وإطلاق لجامه فيما يتساوى وجوده وعدمه ، وأنّه إليه يرجع إطلاق المطلوب ـ كالصلاة ـ وعدم تقييده وجودا ولا عدما بما لا دخل لوجوده ولا لعدمه فيه ـ كإيقاعها في الكتان ـ ، بل هو هو في الحقيقة ، فإنّ الإطلاق المذكور‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( تحقيق ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( بون بعيد ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٥٦

أنّ حقيقتها إنّما هي عبارة عن إرسال المولى وترخيصه فيما يتساوى وجوده وعدمه في غرضه ، وهذا ممّا لا ينفكّ عنه إطلاق المطلوب بالنسبة إلى ما لا دخل لوجوده ولا لعدمه فيه ، بل هو عبارة أخرى عنه في الحقيقة ـ كما لا يخفى ـ ، هذا.

مضافا إلى ظهور موثّقة مسعدة (١) في كفاية مجرّد الشكّ في‌

__________________

ليس إلاّ عبارة عن إرخاء عنان العبد في إيقاع المطلوب فيه وعدمه ، وبذلك يثبت حلّية الصلاة في مثل الكتّان في قبال حرمتها في غير المأكول ، واندراج المشتبه المردّد بينهما في مجاري أصالة الحلّ ، هذا.

ولا يخفى أنّ مقتضى ذلك كون الإطلاق في الموارد المذكورة ـ أعني موارد إطلاق المطلوب بالنسبة إلى ما لا دخل لوجوده ولا لعدمه فيه ونظائرها ـ أمرا وجوديّا ، مع أنّ المختار أنّه عدميّ مقابل للتقييد مقابلة العدم والملكة. ولعلّ التأمّل في عبارة المتن يفضي إلى أنّ المراد أنّ الإطلاق المذكور في نفسه وإن كان عدميّا إلاّ أنّه منشأ لجعل الرخصة والإباحة وهي وجوديّة ، فالإباحة وإن كانت من الأحكام الخمسة المجعولة من قبل الشارع ، إلاّ أنّ مأخذها ومنشأ اعتبارها أمر عدميّ هو عدم تحديد المكلف والتضييق عليه وإلزامه بجانب الوجود خاصّة أو العدم كذلك ، فتدبّر.

(١) بيان ذلك : أنّه لا حاجة لنا إلى إثبات الأمر الثاني الأنف الذكر ، وأنّ اندراج المشتبه في مجاري أصالة الحلّ لا يتوقّف على تعلّق الحليّة الشرعيّة بالصلاة في الكتّان ـ مثلا ـ ، وذلك لعدم الدليل على اعتبار التردّد بين الحلّية والحرمة في جريان هذا الأصل ، بل ظاهر موثقّة مسعدة كفاية التردّد بين الحرمة وعدمها ، لقوله عليه‌السلام : « كلّ شي‌ء هو لك حلال‌

٣٥٧

حرمة الشي‌ء وعدمها في تحقّق موضوع هذا الأصل ، وخروج سائر الروايات المفروضة فيها طرفيّة الضدّ الخاصّ الوجوديّ للشبهة ـ باعتبار الورود مورد الغالب ـ عن صلاحيّة التقييد.

وأمّا المقدّمة الثانية : فمحصّل الكلام فيها هو أنّ الحرام الوارد في عنوان الأدلّة (١) سواء أريد به المعنى الوضعيّ (٢) العارض لذوات الأشياء الخارجيّة من حيث تعلّق أفعال المكلّفين بها ، أو الاقتضائيّ العارض لنفس الأفعال ، فليس هو إلاّ عبارة عمّا منع عنه الشارع وحرم (٣) العباد عنه في عالم الجعل والتشريع (٤) ولو باعتبار بعض ما يتعلّق به من الأفعال ـ كالصلاة فيه مثلا ـ ، فالجعل‌

__________________

حتى تعلم أنّه حرام بعينه » ، حيث جعل موضوع أصالة الحلّية ـ بقرينة الغاية ـ ما لا يعلم أنّه حرام أو ليس بحرام. وأمّا قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « كلّ شي‌ء فيه حلال وحرام » ، وفي رواية ابن سليمان : « كلّ ما فيه حلال وحرام » ، اللذان فرض فيهما طرفيّة الضدّ الوجودي ـ أعني الحلّية ـ للشبهة فلا يصلحان لتقييد الموثقة ، لورود القيد فيهما مورد الغالب ، فإنّ الغالب كون طرف الشبهة كذلك ، وقد يكون طرفها مجرّد عدم الحرمة ـ كما في المقام بناء على عدم تسليم تعلّق الحلّية بالصلاة في الكتان ونحوه.

(١) مطلقا سواء أدلّة هذا الأصل وغيرها.

(٢) مرّ شرح العبارة.

(٣) بصيغة الثلاثيّ المجرّد المبنيّ للفاعل.

(٤) أمّا في التكوين فلا محروميّة ولا ممنوعيّة.

٣٥٨

التشريعيّ المقتضي لذلك هو التحريم (١) ، والمجعول الشرعيّ المعبّر عنه باسم المصدر هو الحرمة ، ومعروضها هو الحرام ، والحلال ما يقابل ذلك. أمّا استناد المنع والترخيص المذكورين إلى مبغوضيّة الشي‌ء في حدّ نفسه وعدم مبغوضيّته كذلك ، أو استقلال الجعل (٢) المقتضي لذلك ، فهو خارج عن مدلول اللفظ لغة وعرفا (٣) ، ويشهد لذلك الاستعمالات الواردة فيما نحن فيه وأشباهه في لسان الرواة وجواب الأئمّة ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ بحيث يظهر منه أعميّة حاقّ مدلول اللفظ عن القسمين ، لا لأجل تجوّز فيه : ـ فمنها : ما رواه الكليني قدس‌سره (٤) بإسناده عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ : هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ ، فكتب عليه‌السلام « لا تحلّ الصلاة في حرير محض ».

__________________

(١) إذ يقال : حرّم الله الخمر أو شرب الخمر ـ أي جعل حرمته ، أو جعله حراما ـ فجعله تحريم والمجعول هو الحرمة ومتعلّقها ـ الخمر أو شربه ـ هو الحرام.

(٢) أي : كونه خطابا نفسيّا لا غيريا.

(٣) فإنّ المنع المقوّم لمفهوم الحرمة متحقّق حتّى فيما لم يكن للشي‌ء مبغوضيّة ذاتيّة ، ولم يكن تحريمه بخطاب مستقلّ.

(٤) رواه عنه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ ، والسند صحيح ، ورواه الشيخ قدس‌سره في التهذيبين عن الكليني. والشاهد فيه تعبيره عليه‌السلام بعدم حلّ الصلاة في الحرير المحض ـ الظاهر في المانعيّة دون الحرمة النفسيّة.

٣٥٩

ومنها : ما عن الفقيه مرسلا (١) قال : سئل أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام فقيل لهما : إنّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها ، أفنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا عليهما‌السلام : « نعم إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه » ، فإنّ ظاهر السؤال عن الصلاة فيه إنما هو باعتبار المانعيّة دون الحرمة النفسيّة ، فقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ « ولم يحرّم » مستعمل باعتبار متعلّقاته الثلاثة (٢) في القدر المشترك بينهما (٣) ـ لا محالة ـ ، وهذا من أقوى الشواهد على أعميّة المدلول ، وظهور السياق في وحدة المثبت والمنفيّ في قوله « حرّم » و « لم يحرّم » ممّا يؤكّد ذلك (٤) ويؤيّده ، بل ويدفع احتمال عموم المجاز (٥) أيضا ، مضافا‌

__________________

(١) رواه عن الصدوق في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١٣ ، ورواه في العلل أيضا مسندا.

(٢) وهي اللبس والمسّ والصلاة فيه.

(٣) أي : بين الحرمة النفسيّة والمانعيّة ، الأولى بالنسبة إلى اللبس والمسّ ، والثانية بالنسبة إلى الصلاة ، وبضميمة ظهور عدم الاعتماد في ذلك على القرينة يثبت المطلوب.

(٤) خبر لظهور السياق ، وهذا شاهد آخر على أعميّة المدلول ، وحاصله دلالة السياق على كون التحريم المثبت في « حرّم » والمنفي في « لم يحرّم » بمعنى واحد ، لظهوره في تعلّق كلّ من الإثبات والنفي بشي‌ء واحد ، وليس إلاّ الجامع بين الحرمة النفسيّة والمانعيّة.

(٥) وهو الاستعمال في الجامع بين الحقيقة والمجاز ، والمقصود أنّ الدلالة‌

٣٦٠