الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

من دون أن يكون لاتّصافها بالوصف المذكور (١) دخل * في موضوع الحكم ، فيكون أخذه في لسان الدليل معرّفا للموضوع (٢). وأخرى باعتبار اتّصافه بها ، فيكون أخذه فيه عنوانا له (٣).

ولا خفاء في أنّ ما هو من قبيل القسم الأوّل فلا ترتّب فيه لأحد الحكمين على الآخر وإنّما يعرضان في عرض واحد لموضوع واحد ، وكذلك الشكّ في أحدهما لا يتسبّب عن الشكّ في الآخر وإنّما يتسبّبان معا عن الشكّ في موضوعهما ، فإن كان هناك أصل موضوعيّ يوجب تنزيل الموضوع (٤) فهو وإلاّ فلا جدوى للأصل الحكميّ القاضي بترتّب أحدهما في ترتّب الآخر أيضا وإلغاء الشك فيه ، لا بنفسه (٥) ، ولا بتوسّط إثبات‌

__________________

(١) وهو وصف كونه محرّما أو محلّلا.

(٢) أي : يكون الوصف المذكور مأخوذا في لسان الدليل معرّفا ومشيرا إلى موضوع الحكم من دون دخل له فيه.

(٣) أي : للموضوع ، ودخيلا فيه ، فيكون اتّصاف الشي‌ء بالحلّية أو الحرمة مأخوذا في موضوع الحكم الثاني.

(٤) كالاستصحاب الموضوعيّ الموجب لتنزيل المستصحب منزلة الواقع ، فإذا ثبت به الموضوع ترتّب عليه كلا الحكمين في عرض واحد ، وإذا انتفى انتفيا جميعا.

(٥) أي : بنفس الأصل الحكمي الجاري في الأوّل ، ضرورة أنهما حكمان متغايران فكيف يثبت أحدهما بالأصل المثبت للآخر.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( دخلا ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٢١

الملزوم (١) إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت.

وأمّا ما يرجع إلى القسم الثاني فهو أيضا يتصوّر على وجهين : لأنّ أخذ وصف الحلّية أو الحرمة الشرعيّة في موضوع حكم آخر يكون ـ تارة ـ باعتبار معناها الذاتيّ (٢) المجعول لذوات الأنواع المحلّلة أو المحرّمة في حدّ ذاتها ونوعها ، والمحفوظ عند طروّ ما يوجب الرخصة فعلا أو المنع كالاضطرار ـ مثلا ـ أو المغصوبيّة ، و ـ أخرى ـ باعتبار معناها الفعليّ الذي هو عبارة عمّا ذكر من الرخصة أو المنع الفعليّ المقابل والمنافي كلّ منهما للآخر بهذا الاعتبار ، والمجامع له بالاعتبار الأوّل (٣).

ولا خفاء في أنّهما ـ وإن اشتركا في كون الشكّ السببيّ (٤) في‌

__________________

(١) وهو الموضوع ، باعتبار أن ثبوت أحد الحكمين بالأصل يستلزم ثبوت موضوعه ويترتّب على ثبوت الموضوع ثبوت حكمه الآخر ، وذلك لأنّه من الأصل المثبت الذي لا نقول بحجيّته ، فإنّ ثبوت الموضوع ملزوم عقليّ لثبوت حكمه فلا يثبت بالأصل الحكمي.

(٢) وهي الحلّية أو الحرمة الذاتية المجعولة لذوات الأنواع بعناوينها الأوّلية وإن طرأ عليها عنوان ثانوي من اضطرار أو غصب أو نحوهما ممّا يوجب صيرورة الحرام الذاتي حلالا فعلا أو بالعكس.

(٣) فإنّ الحرمة الفعليّة تنافي الحلّية الفعليّة وتقابلها ، لكنّها تجامع الحلّية الذاتيّة ، وكذا العكس.

(٤) وهو الشك في الحكم الأوّل ـ الحلّية أو الحرمة ـ المأخوذ في موضوع الحكم الثاني ، ووجه الاشتراك واضح ، فإنّ أصالة الحلّ كما تجري فيما يشك في حلّيته الذاتيّة كذلك فيما يشك في حلّيته الفعليّة.

٣٢٢

كلّ واحد منهما من مجاري أصالة الحلّ ـ ، لكن حيث إنّ غاية ما يستفاد ممّا يدلّ على اعتبار هذا الأصل إنّما هو الرخصة في المشكوك بما هو مشكوك الحكم ، وعدم رعاية جانب الحرمة فيه ، دون البناء على أنّه الحلال واقعا وحكمه الواقعيّ هو الحلّية ، كي يرجع إلى جعل أحد طرفي الشكّ وإلغاء الآخر (١) ـ كما هو لسان‌

__________________

(١) محصّل المرام : أنّ المجعول بأصالة الحلّ ـ حسبما يستفاد من أدلّتها ـ هو مجرد الترخيص العمليّ في ارتكاب المشكوك حلّيته وحرمته ما دام هو مشكوك الحكم ومتّصفا بهذا الوصف وعدم لزوم رعاية احتمال حرمته بالاجتناب عنه من دون أن يتكفّل البناء على حلّيته الواقعيّة ، كما هو لسان الاستصحاب ونحوه من الأصول المحرزة ، كي يرجع إلى جعل أحد طرفي الشك ـ الحلّية ـ على أنه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر ـ الحرمة ـ ، فالمجعول بها حلّية ظاهرية خاصّة بحال الشك ، ووزانها وزان الحلّية الواقعيّة الفعليّة المجعولة للشي‌ء في حال الاضطرار خاصّة ، دون الذاتيّة المجعولة له في حدّ ذاته. إذن فهي لا تتكفّل سوى الحليّة الفعليّة ما دام الشك.

وحينئذ فإن كان المأخوذ في موضوع الحكم الثاني هو الحلّية الفعليّة والشك فيه مسبّبا عن الشك فيها ـ كما هو الشأن في القسم الثاني من القسمين الأخيرين ـ فأصالة الحلّية الجارية في جانب الشك السببيّ حاكمة على الأصل الجاري في ناحية المسبّب ورافعة للشك فيه ، وإن كان المأخوذ فيه هو الحلّية الذاتيّة ـ كما في القسم الأوّل منهما ـ فلا حكومة حينئذ ، إذ هي لا تثبت بالأصل المذكور فلا يصلح لرفع الشك في ناحية المسبّب.

٣٢٣

الاستصحاب ـ مثلا ـ ، فليس الحكم الظاهريّ المجعول بهذا الأصل ـ حينئذ ـ إلاّ من سنخ الواقعيّ المجعول عند الاضطرار ـ مثلا ـ دون الذاتيّ المجعول للشي‌ء في حدّ ذاته ، ولا تكفّل له لجعل متعلّق (١) الشكّ السببيّ وإلغاء الشك فيه إلاّ في خصوص القسم الأخير خاصّة ، فلا يستتبع ارتفاع الشكّ المسبّبي ومجعوليّة متعلّقة (٢) إلاّ في خصوص هذا القسم دون القسم الأوّل ، فإنّ مناط حكومة الأصل الجاري في أحد الشكّين على الآخر وارتفاع موضوعه به (٣) إنّما هو كونه * باعتبار تكفّله لتنزيل الملزوم (٤) مستتبعا لتنزيل لازمه أيضا وإلغاء الشكّ فيه ـ لا محالة ـ ، لا من حيث نفس جريانه فيه مع عدم تكفّله لذلك (٥) ، إذ لا يعقل أن يكون (٦) مجرّد موضوعيّة الشكّ‌

__________________

(١) وهو الحلّية.

(٢) وهو الحكم الثاني الذي أخذت الحلّية في موضوعه.

(٣) أي : موضوع الشك الآخر بذلك الأصل.

(٤) وهو السبب كما أنّ لازمه هو المسبّب. والمقصود أنّ مناط الحكومة أن يكون الأصل متكفّلا لجعل ما هو ملزوم وموضوع لحكم آخر ، فيستتبع ـ لا محالة ـ جعل ذلك الحكم وإلغاء الشك فيه.

(٥) أي : عدم استتباعه لتنزيل اللازم.

(٦) يعني : لا يعقل أن يكون مجرّد جريان أصل متكفّل لحكم ظاهريّ‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( لكونه ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٢٤

السببيّ لحكم ظاهريّ موجبا لتنزيل ما لا ترتّب له عليه أو رافعا للشك المسبّبي مع عدم تنزيله لما يشكّ فيه.

وإذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ أدلّة الباب بين طائفتين :

الأولى : ما علّق فيه الحكم بمانعيّة الأجزاء على نفس الأنواع والعناوين المحرّمة كالأرانب والثعالب والسمّور وغير ذلك.

والثانية : ما علّق فيه على عنوان ( ما لا يؤكل ) أو على ( ما هو حرام أكله ) أو نحو ذلك.

ولا خفاء في ظهور الطائفة الأولى ـ خصوصا مع انضمامها بما ورد من تعليل الحكم بالمسوخية (١) ـ في ترتّب المانعيّة في عرض حرمة الأكل على نفس تلك الأنواع من حيث عدم صلاحيّتها في حدّ ذاتها لوقوع الصلاة في أجزائها ـ كعدم صلاحيّتها لأكل لحومها ـ ، لا من حيث كونها محكومة بحرمة الأكل كي يترتّب أحد الحكمين على الآخر.

وأمّا الطائفة الثانية : فكما يصلح الوصف فيها للعنوانيّة فكذا‌

__________________

في الشك السببيّ ـ كأصالة الحلّية ـ موجبا لتنزيل ما لا ترتّب له على ذلك الحكم كما إذا كان مترتّبا على الحلّية الذاتيّة وكان الحكم الذي يتكفّله الأصل هو الحلّية الفعليّة ، وإذا لم يوجب التنزيل في ناحية الشك المسبّبيّ فلا محالة لا يكون رافعا للشك فيه.

(١) في مرفوعة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة ، فإنّ المسوخيّة عنوان ذاتيّ للأنواع المسوخة ، وتعليل المانعية بها يدلّ على موضوعية تلك الأنواع وتعليق الحكم عليها.

٣٢٥

يصلح للمعرّفية أيضا ، فيحمل حينئذ على الوجه الأخير (١) بقرينة الطائفة الاولى ـ لا محالة. بل لو سلّم لبعضها ـ كصدر الموثّقة (٢) مثلا باعتبار التفريع الوارد فيها ـ ظهور في دخل الاتّصاف بالوصف المذكور في موضوع الحكم ، فبعد أظهريّة الطائفة الاولى وكونها باعتبار ما تتضمّنه * من التعليل أبعد عن قبول الحمل والتأويل فلا مناص عن حمل الوصف على المعرفيّة ويستقيم التفريع أيضا بذلك (٣). وعلى هذا فلا ترتّب بين الحكمين ولا سببيّة ولا مسبّبيّة‌

__________________

(١) وهو المعرّفية لتلك الأنواع والذوات ، وقد مرّ بيان الفرق بينها وبين العنوانيّة.

(٢) وهو قوله عليه‌السلام « الصلاة في كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في شعره إلخ ». فإنّ تفريع فساد الصلاة في شعره ونحوه على كونه حراما أكله ظاهر في نفسه في موضوعيّة الاتّصاف بحرمة الأكل وكونه مأخوذا على نحو العنوانيّة ، وليس سبيله سبيل قولهم عليهم‌السلام في سائر روايات هذه الطائفة : « لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه » الذي يتساوى فيه الاحتمالان.

(٣) محصّل المرام : أنّ الطائفة الأولى أخبار كثيرة قويّة الدلالة ـ ولا سيّما مع انضمام التعليل بالمسوخيّة إليها ـ على عدم صلاحيّة تلك الأنواع للصلاة فيها لذواتها ، ويبعد جدا حملها جميعا على إرادة عدم صلاحيّتها لذلك لأجل حرمة أكلها. وأمّا الطائفة الثانية فما سوى صدر الموثّقة يحتمل فيه الأمران ، فيحمل ـ كما مرّ ـ على المعرفيّة بقرينة الطائفة الأولى. بقي‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يتضمنه ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٢٦

بين الشكّين وإنما يتسبّبان في عرض واحد عن الشكّ في كونه من أفراد الغنم مثلا أو الأرنب ، وواضح أنّ نفس الشكّ السببيّ (١) حينئذ ليس بنفسه ومع قطع النظر عن استتباعه للشك في جواز الأكل وعدمه من مجاري أصالة الحلّ ـ كما لا يخفى.

ثمّ لو سلّمنا ظهور الأدلّة في ترتّب المانعيّة على وصف حرمة الأكل ، فغاية ما يسلّم من ذلك إنّما هو ترتّبها عليه على الوجه الأوّل (٢) ، فإنّ هذا هو الظاهر من الحرمة والحليّة الموصوفة بهما محرّمات الأنواع ومحلّلاتها (٣) دون الثاني ، وإلاّ (٤) لزم ـ مضافا إلى خروجه عن ظواهر أدلّة الباب ـ دخول ما لا تحلّه الحياة من ميتة الغنم (٥) ـ مثلا ـ فيما لا تجوز الصلاة فيه ، وخروج ما اضطرّ إلى‌

__________________

صدر الموثّقة ، وهو لأظهريّة الطائفة الأولى منه وعدم صلاحيّته لوحدة؟؟؟

لمقاومتها لا بدّ من رفع اليد عن ظاهره ، وحمله أيضا على المعرّفية.

(١) وهو هنا الشك في كونه من أفراد الغنم أو الأرنب مثلا ، فانتبه.

(٢) وهو كون الحرمة المترتّب عليها حرمة ذاتيّة.

(٣) فإنّ قولنا ( ما لا يؤكل لحمه أو يؤكل ) يعني النوع الذي يحرم أكله أو يحلّ ، والظاهر من اتّصاف النوع بأحد الوصفين هو اتّصافه به من حيث ذاته لا بلحاظ عوارضه وثانويّاته.

(٤) أي : وإن كانت المانعيّة مترتّبة على الحرمة الفعليّة.

(٥) كصوف الغنم الميتة ، فإنها لموتها يحرم أكلها حرمة فعليّة ، في قبال الأرنب المضطرّ إلى أكله حيث يحلّ أكله حلّية فعليّة ، فلو كانت العبرة بحرمة الحيوان وحلّيته الفعليّتين لزم ما هو ضروريّ البطلان من فساد الصلاة في الأوّل وصحتها في الثاني.

٣٢٧

أكله من الأرنب أو الثعلب ـ مثلا ـ عنه ، والتالي باطل بالضرورة فكذلك المقدّم.

وبالجملة : فلا مناص ـ بعد تسليم ترتّب المانعيّة على حرمة الأكل ـ عن الالتزام به على الوجه الأوّل ـ ولو سلّم عدم ظهور الأدلّة فيه (١).

وعلى هذا فأصالة الحلّ وإن كانت جارية في الشكّ السببيّ (٢) ، لكنّها باعتبار عدم تكفّلها لإلغاء الشكّ في ملزوم المانعيّة (٣) فلا يعقل أن يستتبع إلغاء الشكّ فيها ـ كما قد عرفت ـ ، فيبقى الشكّ في المانعيّة ـ حينئذ ـ بحاله ، ولا بدّ فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل فيه بالخصوص ، هذا.

ولا فرق فيما ذكرنا (٤) بين أن يكون الشكّ في حلّية الحيوان‌

__________________

(١) لما عرفت من لزوم ما هو ضروريّ البطلان لو لم يلتزم بهذا الوجه ، فكيف إذا كانت الأدلّة أيضا ظاهرة فيه ـ كما سمعت.

(٢) ومقتضاها حلّية أكل ما هو مردّد بين الغنم والأرنب ، لكنّها حلّية فعليّة خاصّة بحال الشكّ ، ولا تقتضي الحلّية الذاتيّة لينتفي بها موضوع المانعيّة وملزومها ، فيبقى الشك في المانعيّة بحاله ويرجع فيه إلى الأصل الجاري فيه نفسه.

(٣) فإنّ ملزومها ـ كما عرفت ـ هو الحرمة الذاتيّة ، والأصل لا يقتضي سوى الحلّية الفعليّة ، فلا يتكفل إلغاء الشك في الملزوم ليستتبع إلغاء الشك في المانعيّة نفسها.

(٤) من أنّ جريان أصالة الحلّ في الشك السببيّ لا يجدي في إلغاء الشك في موضوع المانعيّة.

٣٢٨

المشتبه من جهة الشبهة الموضوعيّة ـ مثلا ـ أو الحكميّة ، إذ بناء على شمول ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل للشبهات الحكميّة أيضا (١) فالشك في قابليّة النوع المشتبه للتذكيّة (٢) واقتضاء الأصل الموضوعيّ عدمها ـ بناء على جريانه فيما إذا كان الشك فيها من جهة القابليّة أيضا (٣) ـ وإن لم يكن مانعا عن جريان أصالة الحلّ لترتيب ما لا توقّف له من الآثار على تذكية الحيوان ـ كالصلاة فيما لا‌

__________________

(١) كما هو أحد القولين ، وإن لم يرتضه هو قدس‌سره ، وتفصيل الكلام محرّر في الأصول.

(٢) توضيحه : أنّ النوع المشتبه شبهة حكمية إن كان يعلم قابليّته للتذكية فلا كلام في جريان أصالة الحلّ فيه ، فيحلّ أكله إذا ذكّي ، أما إذا كان يشك في قابليّته لها فالأمر كذلك ـ بناء على عدم جريان الأصل الموضوعيّ ـ أصالة عدم التذكية ـ مع الشك في القابلية ، أمّا بناء على جريانه معه أيضا فأصالة الحلّ لا تجدي فيما يتوقّف من الآثار على التذكية ـ كحلّية أكله ونحوها ـ ، أمّا بالنسبة إلى ما لا يتوقّف منها عليها ـ كجواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه ـ فإجداؤها مبنيّ على كون المانعية مترتّبة على الحرمة الفعلية ، وقد عرفت امتناعه مضافا إلى ظهور الأدلّة في خلافه ، ونحوه ـ من حيث حكم الصلاة ـ صورة العلم بقبول النوع المشتبه للتذكية ـ المتقدّمة.

(٣) قد حقّق في محلّه أنّ جريان استصحاب عدم التذكية لدى الشك في القابليّة مبنيّ على كون التذكية أمرا بسيطا متحصّلا من ذبح الحيوان بشرائطه مع قابليّة المحلّ ، أمّا بناء على كونها الذبح نفسه والقابليّة شرطا في الحل والطهارة فلا مجال للاستصحاب بل المرجع حينئذ أصالة الطهارة والحلّية.

٣٢٩

تحلّه الحياة من أجزائه ونحو ذلك ـ ، لكن حيث قد عرفت أنّ غاية ما يقتضيه الحكم بحلّية النوع المشتبه بمقتضى هذا الأصل هي الرخصة في أكله (١) ، دون اللحوق بالأنواع المحلّلة في حدّ ذاتها ونوعها ، كي يترتّب عليه آثارها (٢) التي منها جواز الصلاة في أجزائها ، فيبقى الشكّ في مانعيّة الأجزاء (٣) حينئذ بحاله ـ كما قد عرفت.

بل لو منعنا عن أصل جريان أصالة الحلّ في الشبهات الحكميّة رأسا (٤) ، وقلنا بأنّ الأصل فيها هو الحرمة إمّا لنفس كون الشبهة تحريميّة ـ كما عليه الأخباريّون (٥) ـ ، أو لأنّ الأصل في الشبهة التحريميّة ـ وإن كان في حدّ نفسها هو الحلّ ـ إلاّ أنّ حصر المحلّلات في الطيّبات في قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (٦) ـ مثلا ـ يوجب انقلاب الأصل في المطعومات (٧) على حدّ غيرها‌

__________________

(١) أي : بما هو مشكوك الحكم رخصة عمليّة فعليّة لا الحلّية الواقعيّة الذاتيّة.

(٢) أي : يترتّب على النوع المشتبه آثار الأنواع المحلّلة في ذاتها.

(٣) مطلقا تحلّها الحياة أم لا تحلّها.

(٤) يعني : حتّى بالنسبة إلى أكله.

(٥) القائلون بوجوب الاحتياط في الشبهات الحكميّة التحريميّة.

(٦) يستفاد الحصر من هذه الجملة باعتبار وقوعها جوابا عن السؤال عمّا أحلّ لهم ، قال تعالى ( يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ).

(٧) اختصاصه بالمطعومات مستفاد من سياق الآية المباركة. وهذه القاعدة‌

٣٣٠

ممّا علّق فيه الحلّ والإباحة على عنوان وجوديّ كالدماء والأموال والفروج وغير ذلك ـ كما هو ظاهر المحكيّ عن المحقّق والشهيد الثانيين وشارح الروضة (١) وبعض آخر (٢) ـ ، وإن كان لازم هذا الوجه ـ على تقدير تماميّته (٣) ـ هو التعدّي إلى الشبهات الموضوعيّة (٤) أيضا وهم لا يلتزمون بذلك.

__________________

قوّاها المصنف الجدّ قدس‌سره واعتمد عليها في الفقه ، ومحصّلها : أنّه إذا علّق حكم ترخيصي تكليفي أو وضعي على أمر وجوديّ دلّ بالدلالة الالتزامية العرفية على إناطة الرخصة والجواز بإحراز ذلك الأمر وعدم جواز الارتكاب عند الشك فيه ، فيجب الاحتياط وجوبا طريقيا ولا مجال في مثله لأصالة البراءة ، وهذا هو المراد بانقلاب الأصل ، وقد جعل قدس‌سره هذا هو الوجه في تسالمهم على أصالة الحرمة ووجوب الاحتياط في الدماء والأموال والفروج في كلّ من شبهاتها الحكمية والموضوعية ، نظرا إلى تعليق كلّ من جواز إزهاق الروح والتصرف المالي والاستمتاعي على كون المقتول مهدور الدم والمالك طيّب النفس والمرأة زوجة أو ملك يمين ، وعليها بنى قدس‌سره أصالة انفعال الماء حتى يحرز كونه عاصما ، حيث علّق اعتصامه على كونه كرّا أو جاريا أو نحوهما من المياه العاصمة ، وأصالة حرمة النظر حتى يحرز كونه محرما أو مماثلا ونحو ذلك.

(١) هو الفاضل الأصفهاني قدس‌سره في المناهج السويّة ـ كما قيل.

(٢) يعني أنّ انقلاب الأصل في المطعومات بمقتضى حصر المحلّلات في الطيّبات وتعليق الحلّ عليها ظاهر المحكيّ عن الأعلام قدس‌سره.

(٣) ولا يكاد يتمّ ، إذ لا مجال لإجراء القاعدة المذكورة في المطعومات ، والتفصيل مذكور في الأصول ( فوائد الأصول ، الطبعة الحديثة ٣ : ٣٨٦ ).

(٤) الدائر أمر الحيوان فيها بين الحلّية والحرمة ، وذلك لاطّراد المناط.

٣٣١

وكيف كان ، فغير خفيّ أنّه بناء على أصالة الحرمة (١) في الحيوان المشتبه لإحدى هاتين الجهتين (٢) فليس مفادها على كلّ منهما إلاّ على مفاد أصالة الحلّ (٣) ، وكما قد عرفت أنّها (٤) لا ترجع * إلى إلغاء ملزوم المانعيّة كي يستتبع إلغاءها (٥) فكذا لا ترجع هي (٦) أيضا إلى تنزيله (٧) كي يستتبع تنزيلها ، فيبقى الشك في المانعيّة على هذا القول أيضا بحاله ـ حذو ما سمعت.

__________________

(١) هذه العبارة إعادة إجمالية لمقدّم الشرطيّة ( لو منعنا. ) أعيد لأجل ربط التالي به وهو قوله ( فليس مفادها إلخ ).

(٢) وهما : كون الشبهة تحريميّة وانقلاب الأصل في المطعومات.

(٣) إذ لا تقتضي سوى الحرمة الفعليّة وعدم الرخصة في الأكل لا اللحوق بالأنواع المحرمة ذاتا.

(٤) أي : أصالة الحلّ.

(٥) المقصود إلغاء الشك في ملزوم المانعيّة كي يستتبع إلغاء الشك في المانعيّة نفسها ، والتعبير مسامحيّ.

(٦) أي : أصالة الحرمة.

(٧) أي : تنزيل ملزوم المانعية ، فإنّ ملزومها ـ كما مرّ ـ هو الحرمة الذاتيّة ، وأصالة الحرمة لا تقتضي سوى الحرمة الفعلية. إذن فكما أنّ أصالة الحلّ لا تجدي في نفي المانعية كذلك أصالة الحرمة لا تجدي في إثباتها ، فيبقى الشك في المانعيّة بحاله ، ولا بدّ فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل فيه نفسه.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يرجع ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٣٢

ومن ذلك كلّه فقد ظهر أنّه لقد أجاد المحقّق الأردبيلي قدس‌سره فيما أفاده في شرح الإرشاد (١) : من أنّ حكمهم بتحريم المشتبه ـ على تقدير التسليم ـ إنّما يوجب اللحوق بالمعلوم (٢) في أكل اللحم فقط ، لا في جميع الأحكام (٣). وأنّ ما صنعه بعض الأعلام (٤) في رسالته المعمولة في المسألة ـ من إخراج الصوف المأخوذ من * المشتبه على كلّ من القولين (٥) عن حريم هذا النزاع (٦) وإلحاقه بالمأخوذ من ** الحلال أو الحرام المعلومين (٧) ، تمسّكا بقضيّة‌

__________________

(١) قال قدس‌سره فيه : « ولا يضرّ حكمهم بأن الحيوان ما لم يعلم أنّه حلال يحكم بتحريمه ـ على تقدير التسليم ـ ، لأنّ ذلك يلحق بالمعلوم في أكل اللحم فقط ـ إن كان لدليل ـ لا في جميع الأحكام المترتبة على ما هو حرام في الحقيقة » انتهى.

(٢) أي : بمعلوم الحرمة.

(٣) التي منها جواز الصلاة في أجزائه ، ووجه الظهور ما عرفت من أنّ أصالة الحرمة لا تتكفّل جعل ملزوم المانعيّة ليستتبع جعلها ، كلّ ذلك بناء على تسليم ترتّب المانعيّة على وصف حرمة الأكل ، وقد تقدّم أنّه غير مسلّم.

(٤) هو الفاضل الآشتياني قدس‌سره في ( إزاحة الشكوك ).

(٥) وهما الرجوع إلى أصالة الحليّة أو إلى أصالة الحرمة في اللحوم.

(٦) إشارة إلى النزاع المتشعّب منه القولان المزبوران آنفا.

(٧) فإنّه قدس‌سره صرّح بأنّه لا مجال لتوهّم جريان أصالة الحلّ في الصوف‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٣٣

السببيّة والمسببية (١) ، رادّا بها على ما أفاده المحقّق المذكور (٢) ـ ممّا لا يليق بمثله الخبير بمجاري الأصول.

وبالجملة : فحديث السببيّة والمسببيّة أجنبيّ عن المقام (٣) ، أو أنّه لا جدوى له (٤) ، وليس التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث مبنيّا عندنا على ذلك.

ولا مبنيّا على إحراز الإباحة التكليفيّة (٥) المقابلة للحرمة‌

__________________

المشتبه أخذه من معلوم الحليّة أو معلوم الحرمة ، إذ ليس في البين ـ كما تقدّم هنا أيضا ـ حيوان مشتبه يشكّ في حليّته وحرمته. إذن فهذا القسم من الصوف خارج ـ موضوعا ـ عن حريم النزاع المذكور.

(١) تعليل لإخراج الصوف المأخوذ من الحيوان المشتبه عن حريم النزاع ، والظاهر أنّ المراد أنّ النزاع المزبور في هذا القسم إنّما يصحّ بالنسبة إلى الحيوان المأخوذ منه الصوف دون الصوف نفسه ، لأنّ الشك في صحة الصلاة فيه مسبّب ـ في نظره ـ عن الشك في حليّة حيوانه ، فإن بني على أصالة الحلّ فيه ترتّب عليها صحّة الصلاة في صوفه ، وإن بني على أصالة الحلّ فيه ترتّب عليها صحّة الصلاة في صوفه ، وإن بني على أصالة الحرمة اقتضت بطلانها فيه ، إذن فالصوف نفسه خارج ـ بهذا المعنى ـ عن حريم هذا النزاع.

(٢) قال قدس‌سره (٧٩) بعد نقله كلام المحقق الأردبيلي قدس‌سره المتقدم رادّا له : « إن المنع يترتّب على تحريم اللحم ، فإذا حكم بحرمته ـ ولو من جهة الأصل والقاعدة ـ حكم ببطلان الصلاة فيه ».

(٣) بناء على ما هو المختار من عدم ترتّب المانعيّة على حرمة الأكل.

(٤) بناء على تسليم الترتّب ، نظرا إلى أنّ المترتّب عليه هي الحرمة الذاتيّة التي لا يقتضيها الأصل إثباتا ولا نفيا.

(٥) بأن يحرز بأصالة الحلّ إباحة الصلاة في المشكوك إباحة تكليفيّة ذاتيّة ،

٣٣٤

الذاتيّة أو التشريعيّة بها ، وإحراز الصحّة الظاهريّة أيضا بذلك (١). كيف ولا بدّ في تحقّق موضوع هذا الأصل من الجهة الاولى (٢) ـ وهي احتمال الحرمة الذاتيّة ـ من اتّصاف الصلاة في غير المأكول الواقعي بها ، وليس إلى دعواه سبيل ، إذ لا دليل على ذلك عند اختلال ما عدا الطهارة (٣) من القيود ، وعلى تقدير صحة التعدّي (٤) بدعوى قطعيّة المناط واطّراده (٥) فالحرمة مترتّبة على‌

__________________

فيجوز الإتيان بها ، أو تشريعيّة فيجوز التعبّد بها وإسنادها إلى الشارع.

(١) بدعوى أنّه إذا ثبت جواز فعلها أو إسنادها إلى الشارع فلا محالة تكون صحيحة مطابقة للمأمور به ومسقطة للتكليف ، وسيأتي ما فيه.

(٢) محصّله : أنّ موضوع أصالة الحلّ المقابل للحرمة الذاتيّة هو احتمال الحرمة الذاتيّة ، ولا يتحقّق هذا الاحتمال إلاّ إذا كانت الصلاة في غير المأكول الواقعي حراما ذاتيّا ـ لتكون في المشكوك مشكوكة الحرمة ـ ، ولم يثبت ذلك بدليل.

(٣) أي : الحدثيّة ، فإنّه يستفاد من بعض الروايات حرمة دخول المحدث في الصلاة حرمة ذاتية ، كموثّقة مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه‌السلام فيمن يصلّي على غير وضوء تقيّة ثم يتوضأ إذا انصرف ويصلّي ، قال عليه‌السلام : « سبحان الله أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا ». ( الباب ٢ من أبواب الوضوء من الوسائل ـ الحديث ١ ).

(٤) عن الطهارة إلى سائر القيود ـ ومنها المقام.

(٥) بأن يدّعى أنّ المناط لحرمة الصلاة من دون طهارة هو كونه إخلالا بقيد معتبر في الصلاة ، وهذا متحقّق في الصلاة في غير المأكول ـ مثلا‌

٣٣٥

المانعيّة (١) دون العكس ـ كما لا يخفى ـ ، فلا جدوى (٢) لإحراز الحلّية المقابلة لها (٣) بهذا الأصل في إحراز عدم مانعيّة المشتبه وانطباق المأتيّ به على المطلوب إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت.

ومن الجهة الثانية (٤) أوضح فسادا من سابقه * ، إذ بعد تحقّق موضوع القبح العقليّ والتشريع المحرّم (٥) بنفس الشكّ في‌

__________________

أيضا ، ويدّعى أيضا قطعيّة هذا المناط ، فيكون من تنقيح المناط القطعيّ الموجب للتعدّي.

(١) لوضوح أنّها ناشئة عن المانعيّة ومسبّبة عنها ، وكلامنا في الحرمة التي هي سبب للمانعية ليترتب على إحراز الحليّة بالأصل إحراز عدم مانعيّة المشتبه وجواز الصلاة فيه.

(٢) يعني : وإذ أصبحت الحرمة مترتّبة على المانعيّة فإحراز الحلية بالأصل لا يجدي في إحراز عدم المانعيّة إلاّ على الأصل المثبت ، لأنّ المانعيّة حينئذ موضوع للحرمة ، والأصل الجاري لإحراز الحكم لا يثبت موضوعه ، بخلاف العكس ، ضرورة أنّ تحقّق الحكم عند تحقّق موضوعه شرعيّ ولا كذلك عكسه.

(٣) أي : للحرمة الذاتيّة.

(٤) وهي إحراز الإباحة التكليفيّة المقابلة للحرمة التشريعيّة بهذا الأصل.

(٥) أي تحقّق موضوع التشريع القبيح عقلا والمحرم شرعا ، أمّا قبحه عقلا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( سابقته ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٣٦

المشروعيّة (١) سواء كان باعتبار الشكّ في أصل التشريع ـ كالنافلة الرباعيّة مثلا (٢) ـ أو من جهة الشكّ في الانطباق على المشروع ـ كما فيما نحن فيه وأشباهه (٣) ـ ، فلا مجال لأن يتردّد التعبّد به (٤) بين الحلال والحرام (٥) كي يتحقّق موضوع هذا الأصل.

أمّا على ما هو التحقيق في باب التشريع ـ من دوران حرمته الواقعيّة مدار انتفاء ما يوجب الاستناد إلى الشارع (٦) ، لا مدار عدم‌

__________________

فلأنّ إسناد ما لا يعلم أنّه من المولى إليه تصرّف في سلطانه بغير إذنه وافتراء عليه ، وأمّا حرمته شرعا فللأدلّة السمعيّة المذكورة في محلّها ـ مضافا إلى قاعدة الملازمة.

(١) فإنّ موضوع التشريع هو ما لا يعلم مشروعيته وكونه من الدين المتحقق بنفس الشك في المشروعيّة.

(٢) إذ يشك في أصل تشريعها وثبوتها في قاموس الشريعة ـ حذو مشروعيّة الثنائيّة وثبوتها فيه.

(٣) من موارد الشبهات الموضوعيّة ، ففيما نحن فيه يشكّ في مصداقيّة الصلاة الواقعة في المشكوك للصلاة المشروعة ـ أعني غير الواقعة في غير المأكول ـ ، وبهذا الاعتبار يعدّ من موارد الشك في المشروعيّة.

(٤) أي : يتردّد الفعل المتعبّد به والصادر عن بناء قلبيّ على ثبوته في الشريعة مع عدم العلم به ، عملا كان أو إفتاء ، فإنّ التشريع ليس مجرّد البناء المذكور ، بل الجري العمليّ على طبقه والفعل بداعي مشروعيّته.

(٥) بل يتعيّن كونه من الحرام ، للقطع بتحقّق موضوعه السابق الذكر ، ومعه لا تحقّق للشكّ المأخوذ موضوعا لأصالة الحلّ.

(٦) بأن لم تقم عند المكلّف حجّة معتبرة على الحكم تسوّغ له إسناده إلى‌

٣٣٧

المشروعيّة النفس الأمريّة ـ فظاهر ، لعدم انفكاك الشكّ فيها ـ حينئذ ـ عمّا فرض موضوعا واقعيا لحرمة التعبّد ، فلا يعقل أن يتطرّق الشكّ فيها كي يندرج في مجاري هذا الأصل ، أو يتشبّث في إحراز عدم المشروعيّة الواقعيّة بأصالة عدمها (١) ، كيف ومع الغضّ (٢) عن انتفاء الحالة السابقة فيما ينشأ الشكّ فيها عن الشكّ في الانطباق (٣) ـ كما في نظائر المقام ـ ، واختصاصها (٤) بما إذا كان ناشئا عن الشكّ في أصل التشريع ، فمقتضى عدم دوران حرمة التعبّد أو جوازه مدار المشروعيّة النفس الأمريّة وعدمها هو عدم ترتّب أثر على هذا الأصل أصلا ، لا باعتبار حرمة التعبّد وهو‌

__________________

الشارع ، فإسناده إليه ـ والحالة هذه ـ تشريع محرّم وإن كان الحكم المذكور مشروعا في نفس الأمر ، فتمام الموضوع للحرمة الواقعيّة هو عدم ثبوت الحكم بحجّة شرعيّة ، لا عدمه الواقعي ولا ثبوت عدمه ، فالمشكوك ثبوته كالثابت عدمه في حرمة التعبّد به واقعا ، ولا شكّ في حرمته كي يندرج في مجاري هذا الأصل.

(١) بأن يستصحب عدم مشروعيّتها السابقة على الحوادث.

(٢) تعليل لفساد التشبّث بأصالة عدم المشروعيّة الواقعيّة.

(٣) وهو الثاني من قسمي الشكّ في المشروعيّة المتقدّمين ، وانتفاء الحالة السابقة فيه واضح ـ بناء على المختار من اعتبار وجود الموضوع في العدم النعتيّ ـ ، أمّا بناء على عدم الاعتبار فالحالة السابقة متحقّقة ، فإنّ الصلاة قبل وجودها لم تكن منطبقة على المشروع فيستصحب إلى ما بعد وجودها.

(٤) أي : الحالة السابقة.

٣٣٨

ظاهر (١) ، ولا باعتبار كون المؤدّى ممّا تناله بنفسه يد الجعل (٢) فإنّه إنّما يجدي في جريان الأصل لإحراز عدمه إذا لم يكن البناء العمليّ الذي هو المجعول بالأصول حاصلا بنفس الشكّ وجدانا ، وإلاّ فيرجع التعبّد به ـ حينئذ ـ إلى تحصيل الحاصل وإحراز ما هو‌

__________________

(١) وجه الظهور : ما عرفت من أنّ الموضوع الواقعيّ لحرمة التعبّد والتشريع هو عدم ثبوت المشروعيّة ، وهو متحقّق وجدانا فتترتّب عليه الحرمة قهرا ، وليس موضوعها عدم المشروعيّة الواقعيّة ليجدي الاستصحاب في ترتبها. فلا وجه لما قد يقال : من أنّه إذا أحرز عدم المشروعيّة بالاستصحاب كان حرمة التشريع لأجل إحراز عدم المشروعيّة لا لأجل الشك فيها ، وذلك لما سمعت من أنّ تمام الموضوع للحرمة هو عدم ثبوت المشروعيّة ، وهو حاصل بالوجدان ، وإحراز عدمها غير مؤثر في شي‌ء.

(٢) محصّله : أنّ ما يعتبر في جريان الأصل العملي من كون مؤدّاه قابلا للجعل الشرعي إثباتا ونفيا وإن تحقّق في المقام ، لأنّ أمر تشريع الحكم بيد الشارع فمع الشك فيه يجري استصحاب عدم تشريعه ، إلاّ أنّه لمّا كان المجعول بالأصل هو البناء العملي على طبق المؤدّى فهو إنّما يصح جعله بالأصل إذا لم يكن حاصلا في نفسه بمجرد الشكّ ، وإلاّ كان التعبّد بجعل الأصل مع حصول البناء العملي بالوجدان لغوا وتحصيلا تعبّديا لما هو حاصل بالوجدان وهو أردأ أنحاء تحصيل الحاصل ، وكان إحراز مؤدّاه به إحرازا تعبّديا لما هو محرز بالوجدان وهو ممّا لا محصّل له ، والمقام كذلك فإنّ الشك في المشروعيّة وجدانا يقتضي بناء العمل على ترك إسناد المشكوك إلى الشارع حذرا من التشريع المحرّم ، ومعه لا مجال للجعل التعبّدي بلسان الأصل لاستلزامه المحذور المتقدم.

٣٣٩

محرز وجدانا بالتعبّد ، وهو ـ كما ترى ـ ممّا لا يرجع إلى معنى محصّل معقول. وحيث إنّ بناء العمل على عدم المشروعيّة النفس الأمريّة ليس إلاّ عبارة عن عدم التعبّد الحاصل بنفس الشكّ وجدانا فعدم معقوليّة جعله التعبّديّ ـ حينئذ ـ أوضح من أن يخفى.

نعم لو قيل بأنّ المحرّم الواقعيّ في باب التشريع هو التعبّد بما لم يتعبّد به الشارع في نفس الأمر (١) ، وأنّ استقلال العقل بقبح التعبّد بالمشكوك لكونه إقداما على ما لا يؤمن من الوقوع فيه ، لا لأنّه القبيح الواقعيّ ـ كما هو أحد الاحتمالين (٢) في ارتكاب محتمل الضرر ونحوه ممّا يستقلّ العقل بقبح الإقدام عند الشكّ ـ ، فتدور الحرمة الواقعيّة ـ حينئذ ـ مدار المصادفة ، وإلاّ فيجري مجرى التجرّي (٣) اتّجه جريان الاستصحاب حينئذ وحكومته على هذا‌

__________________

(١) فيكون حرمته الواقعيّة وقبحه الذاتيّ دائرا مدار عدم المشروعيّة في الواقع ، وحرمته حال الشك وعدم قيام الحجّة على المشروعيّة طريقيّة بمناط إدراك الواقع والتحرّز عن الوقوع في التشريع المحرّم ، لا واقعيّة متّحدة المناط مع حرمته حال العلم ـ كما كان على القول الأوّل المختار.

(٢) والاحتمال الآخر هو كون الإقدام على ما لا يؤمن من الضرر قبيحا ذاتا ، وحراما واقعا ـ كان الضرر معلوما أو محتملا.

(٣) أي : وإن لم يصادف الواقع فتعبّد بالمشكوك وكان في الواقع مشروعا ، أو أقدم على محتمل الضرر ولم يكن فيه ضرر كان من قبيل التجرّي ، حيث ارتكب ما هو محرم ظاهرا لا واقعا.

٣٤٠