الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

المهملة موجبة للانحلال.

لكن بعد أن لا مجال للمنع عن شمول دليل الرفع لقيديّة الخصوصيّة المشكوكة على حدّ شموله للنفسيّات ، ووضوح أنّ الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة عن التكليف القطعي وإن كان مانعا عن تماميّة البراءة العقليّة ـ كما قد عرفت ـ ، لكنّه لا يصلح مانعا عن جريان شي‌ء من الأصول الشرعية (١) حتى مع عدم تكفّلها (٢) لما يوجب خروجها عن كونها احتمالية إلى كونها في الظاهر قطعيّة ، فضلا عمّا إذا تكفّل لذلك ـ كما في مثل المقام ـ ، فلا جرم يرتفع‌

__________________

متحقق في المقام ، هذا.

ولا يخفى أن الانحلال الممنوع في هذه العبارة هو الانحلال الحقيقي ، والخصم يعترف بامتناعه ، وإنما يدّعي الانحلال الحكمي وكون الزائد المشكوك ممّا لم تقم عليه حجة فيحكم العقل بالبراءة عنه ، لكن عرفت الوجه في منع الانحلال الحكمي العقلي أيضا.

(١) لجواز حكم الشارع بكفاية الموافقة الاحتمالية للتكليف المعلوم ، كما في الأصول والقواعد الجارية في مرحلة الفراغ ، أما العقل فلا سبيل له إلى مثله.

(٢) يعني : لا يعتبر أن يكون الأصل الشرعي الجاري في المقام متكفّلا لكون الموافقة في الظاهر قطعية ، لعدم الحاجة إلى إثباتها ، إذ يكفي أن يثبت بالأصل اكتفاء الشارع بالموافقة الاحتمالية بدلا عن القطعية ، أما إذا ثبت به كونه موافقة قطعية للتكليف الظاهري فالأمر أوضح ، والمقام كذلك ، لأنه إذ ترتفع القيدية في الظاهر بدليل الرفع فمقتضاه تعلّق التكليف الظاهري بالأقل ، فيكون الإتيان به موافقة قطعية ، لا احتمالية.

٣٠١

قيديّة المشكوك في الظاهر ، ويؤول الأمر إلى إطلاق ظاهري (١) في المعلوم التفصيلي ـ لا محالة ـ ، ويجري الارتباطي مجرى غيره (٢) في الظاهر ، ويتمّ الانحلال من ضمّ هاتين المقدّمتين (٣). وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه ، وإنما تعرّضنا لهذا المقدار ـ مع خروجه عمّا كنّا بصدده ـ تنبيها على المبنى.

وعلى كلّ حال فقد عرفت أنّ ملاك جريان البراءة في الارتباطيات وتمام موضوعها إنّما هو الجهل بتقيّد المطلوب‌

__________________

(١) فإنّ الإطلاق يقابل التقييد تقابل العدم والملكة فإذا ارتفع التقييد في المورد القابل بحديث الرفع ثبت الإطلاق ـ لا محالة ـ ، فيتمّ لوجوب الأقل إطلاق ظاهري بالنسبة إلى القيد المشكوك ، وبمعونته يتم انحلال العلم الإجمالي انحلالا حكميا ، ويرتفع الإجمال ظاهرا عن وجوب الأقل.

وقد يقال : إنّ نفي التقييد بالأصل لا يكفي في ثبوت الإطلاق إلاّ بناء على الأصل المثبت ، إذ الإطلاق عنوان انتزاعي منتزع عن عدم التقييد ، ولا يثبت العنوان المنتزع بالأصل الجاري في منشأ انتزاعه.

ويمكن الجواب بأنّه ليس المقصود في المقام إثبات عنوان الإطلاق ، إذ لا أثر يترتب عليه هنا ، بل المهمّ إثبات المعنون نفسه ـ أعني نفي تقيّد الواجب بالمشكوك ـ ، فإنه يكفي نفيه في ارتفاع الإجمال عن الواجب ، ولعلّه لذلك عبّر المصنف قدس‌سره بقوله ( ويؤول الأمر ) دون ( ويثبت الإطلاق ).

(٢) وهو الاستقلالي الذي يكون الانحلال فيه حقيقيا.

(٣) وهما : ارتفاع قيديّة المشكوك ظاهرا بحديث الرفع ، وأول الأمر إلى الإطلاق الظاهري.

٣٠٢

بخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة أخرى زائدة على ما علم دخله فيه (١) ، من دون فرق في ذلك بين استناده إلى الجهل بما من شأنه الأخذ من الشارع ـ كما في الشبهات الحكميّة والمفهوميّة (٢) ـ أو إلى الجهل بالانطباق الخارجي الموجب لدخل خصوصيّة أخرى في المطلوب ـ كما في محلّ البحث وأشباهه (٣).

وتوهّم عدم جريانها في خصوص الأخير لا بدّ وأن يرجع إمّا إلى دعوى قصور في المقتضي بأن يدّعى اختصاص حكم العقل بعذريّة الجهل ، وقصر مفاد دليل الرفع بخصوص القسمين الأوّلين (٤).

__________________

(١) أي في المطلوب من الأجزاء والقيود المعلوم دخلها فيه.

(٢) وهي الشبهة في الحكم الناشئة من اشتباه المفهوم من النص وإجماله مادة أو هيئة أو متعلقا ، ومن الواضح أن ارتفاع الجهل في هذه الشبهة ـ كالشبهة الحكمية ـ إنما يكون ببيان الشارع.

(٣) من الشبهات الموضوعية للموانع المأخوذ عدمها قيدا في المطلوب ، فإنّ من الواضح أن الشك في انطباق عنوان المانع كعنوان ( ما لا يؤكل لحمه ) على شي‌ء يستلزم الشكّ في دخل عدم ذلك الشي‌ء في المطلوب زائدا على دخالة إعدام المصاديق المعلومة منه فيه ، ورفع الجهالة في هذا القسم ليس من شأن الشارع ـ كما لا يخفى.

(٤) متعلق بكلّ من ( اختصاص ) و ( قصر ) ، فيكون من باب التنازع في العمل ، يعني يدعى اختصاص كلّ من حكم العقل بالبراءة وحكم الشرع بالرفع ـ وهما مقتضيان لجريان البراءة في الارتباطيات بناء على جريان‌

٣٠٣

أو إلى دعوى وجود المانع بأن يدّعى كفاية العلم بالكبرى (١) المتلقّاة من الشارع في اتّصاف القيديّة المترتّبة على كلّ واحد من الانطباقات بالمعلوميّة ، والخروج عن موضوع حكم العقل والنقل بالبراءة.

وكلّ منهما ـ مضافا إلى اطّراده في الشبهات الموضوعيّة النفسيّة (٢) ، بل واطّراد الأخير في الشبهات المفهوميّة أيضا بقسميها (٣) ـ لا يخفى فساده :

__________________

الأوّل أيضا فيها وغض النظر عن المناقشة المتقدمة فيه ـ بالقسمين الأوّلين ـ الشبهة الحكمية والمفهومية ـ ، فالمقتضي بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية قاصر.

(١) فيكون العلم بها مانعا عن جريان حكم العقل والنقل بالبراءة في الشبهات الموضوعية ، لتقيّد الأوّل بعدم البيان والثاني بعدم العلم ، والكبرى المذكورة ـ بموجب هذه الدعوى ـ تكفي بيانا لصغرياتها الواقعية ، وعلما بها ، فيتنجز التكليف الواقعي بالنسبة إلى جميع انطباقاته الواقعية ، ومقتضاه وجوب الاحتياط في المصاديق المشتبهة.

(٢) لأن ملاك المنع المستند إلى الوجهين المزبورين هو موضوعية الشبهة ، وهي متحققة في النفسيات أيضا ، فلا بدّ من المنع فيها أيضا ، مع أنّ الظاهر التسالم على الجريان فيها.

(٣) وهما ما دار أمره بين المتباينين وما دار أمره بين الأقل والأكثر ، فإن الوجه الثاني جار في هذه الشبهات أيضا ولا اختصاص له بالموضوعية ، ومقتضاه البناء على وجوب الاحتياط فيما دار أمره منها بين الأقل‌

٣٠٤

أمّا الأوّل فهو بالنسبة إلى عموم دليل الرفع ظاهر (١) ، لأنّه تخصيص لا موجب له ، وعموم الدليل ينفيه (٢) ، وكذا بالنسبة إلى حكم العقل بمعذوريّة الجاهل بعد تسليم جريانه عند الجهل بالقيديّة أيضا (٣) ـ كما هو المفروض (٤) ـ ، فإنّ حكمه بذلك وإن كان (٥)

__________________

والأكثر ، كما إذا ورد ( أكرم عادلا ) ، ودار أمر مفهوم العادل بينهما ، فيقال إن العلم بهذه الكبرى الشرعية كاف في حصول العلم بوجوب إكرام عادل واقعي ، فيجب الاحتياط ـ كما يجب في الدائر بين المتباينين بلا إشكال.

(١) أي فساد الأول بالنسبة إلى العموم المذكور ظاهر.

(٢) لاندراج الشبهات الموضوعية ـ كالحكمية ـ في عموم ( رفع ما لا يعلمون ) من دون أيّ مانع ، فإنّ مفاده الرفع الظاهري للحكم المجهول مطلقا ، وكما أنّ هناك في الشبهات الحكمية حكما مجهولا مرفوعا بالحديث وهو الحكم الكبروي ، كذلك في الشبهات الموضوعية يرفع الحكم الصغروي المجهول ، غايته أن الجهل هنا ناش من الجهل بالموضوع الخارجي المتعلق للحكم النفسي أو القيدي.

(٣) وقد عرفت أنه غير مسلّم وقابل للمناقشة.

(٤) إذ لو لم يفرض تسليم جريان الحكم العقلي المذكور في الارتباطيات في الجملة لم يكن للبحث عن جريانه في خصوص الشبهات الموضوعية منها مجال.

(٥) محصّل المرام أن هناك من الأحكام الواقعية ـ بحسب مقام الثبوت ـ ما سكت عنه الشارع ولم يبيّنه النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أيّ من أوصيائه عليهم‌السلام لمصلحة تقتضي السكوت عنه وعدم تبليغه ، فهو مع كونه حكما لبيّا ذا‌

٣٠٥

__________________

ملاك في نفسه ، لكنّ المصلحة اقتضت ترك تبليغه مطلقا أو لفترة ، فلم تتمّ فيه مبادئ فعليّته التامّة بتوجيهه إلى المكلف وبعثه أو زجره به ـ كما هو الحال عند بيان الأحكام تدريجا في صدر الإسلام.

ومنها ما بيّنه الشارع وبلّغه ، لكنّه اختفى عنّا البيان ولم يصل إلينا لموانع خارجية ، أو وصل بيان مجمل مشتبه المفهوم لأمور طارئة.

ومنها ما بيّنه ووصل إلينا من غير إجمال ، لكنّه اشتبه علينا موضوعه لاشتباه في الانطباق الخارجي.

وأمّا بحسب الإثبات فتارة يعلم سكوت الشارع وعدم صدور بيان منه ، واحتمل مع ذلك وجود التكليف الواقعي في المورد ، فكان أمره دائرا بين انتفاء التكليف واقعا وبين وجوده وانتفاء بيانه واقعا لمصلحة.

ولا ريب في حكم العقل فيه بالمعذورية وقبح العقاب عليه لكن بملاك يخصّه ولا يطرد في غيره ، وهو عدم كون التكليف فعليا متوجها إلى المكلفين رأسا لعدم تمامية مبادئ توجيهه إليهم وبعثهم إليه أو زجرهم عنه ـ وإن تمّت فيه مبادئ جعله وتشريعه في نفسه وكان له نحو وجود في علمه تعالى ـ إلاّ أنه لا أثر يترتب عليه ما لم يبلّغ ، وكان من قبيل الحكم الاقتضائي ، فشأنه شأن ما لو علم انتفاء التكليف فيه حتى لبّا ، والجامع هو العلم بانتفاء التكليف الفعلي المتوجه إلى المكلفين ، وقبح العقاب حينئذ يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

واخرى لا يعلم سكوت الشارع واحتمل بيانه واستناد جهلنا إلى اختفاء البيان عنّا وعدم وصوله ـ على ما هو عليه ـ إلينا للعوائق الخارجية ، فلم يصل بالمرة ، أو وصل على غير ما كان عليه بحيث أصبح مشتبه المفهوم‌

٣٠٦

بالنسبة إلى ما علم سكوت المولى عنه وشكّ في دخله في‌

__________________

بالنسبة إلينا.

وثالثة يعلم بيان الشارع وقد وصل إلينا من غير إجمال في مفهومه واشتباه في المراد منه وإنما يستند جهل المكلف إلى اشتباه المصداق الخارجي وانطباق عنوان الموضوع عليه.

وقد أفاد قدس‌سره أنّ الأول من هذين القسمين أيضا لا إشكال في حكم العقل فيه بالمعذورية وقبح العقاب ـ كالقسم الأوّل المتقدم ـ ، إلاّ أنّ حكمه فيه بذلك لم يكن لملاك خاص به ، ليختص بموارد لزوم الرجوع فيها لرفع الجهالة إلى الشارع ـ وهي موارد الشبهات الحكمية والمفهومية ـ ، كي يبقى في غيرها ـ وهي الشبهات الموضوعية ـ القسم الأخير ـ بلا ملاك يقتضيه ، بل إنما يحكم به لملاك مطّرد في الجميع ، وهو توقف تمامية الحكم الفعلي في تأثيره في تحريك المكلف بعثا أو زجرا على العلم به ووصوله إليه كبرى وصغرى ، وعدم كفاية مجرد صدوره من الشارع وبيانه له ـ فضلا عن وجوده اللبّي الواقعي من دون بيان ـ في تمامية تأثيره التشريعي وصلاحيته للباعثية والزاجرية الفعليتين ، فإن من البديهي أنّ الشي‌ء إنما يحرّك الفاعل نحوه بوجوده العلمي لا الواقعي ، فالحكم الفعلي المبيّن غير الواصل إلى المكلف قاصر في نفسه عن التأثير في انبعاثه أو انزجاره ، فعدم انبعاثه أو انزجاره الناشئ من القصور المذكور لا يعدّ في نظر العقل عصيانا للمولى يستحق لأجله العقاب ، بل عقابه ـ والحالة هذه ـ ظلم يقبح صدوره منه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وهذا ـ كما ترى ـ مطّرد في جميع أقسام الشبهة. إذن فلا يبقى لدعوى عدم جريان الحكم العقلي في الشبهات الموضوعية وقصور مقتضيه فيها أيّ وجه يذكر.

٣٠٧

غرضه الواقعي (١) لملاك خاصّ (٢) لا يطّرد في غيره ، لكن بعد عدم اختصاص (٣) عذريّة الجهل بخصوص هذا القسم واطّرادها فيما إذا احتمل اختفاء البيان أيضا ـ ولو باعتبار الاشتباه في مفهوم اللفظ ـ فليس حكمه بذلك لملاك خاصّ يوجب المعذوريّة في خصوص ما لا بدّ فيه من الرجوع إلى الشارع كي يختص بالقسمين الأوّلين (٤) ، وإنّما هو لملاك مطرد هو توقّف تمامية الإرادة التشريعية ـ في مرحلة التأثير في بعث المكلّف وزجره ـ على وجودها العلمي ، وقصورها ـ بنفس وجودها الواقعي وصدورها عن المولى ـ عن صلاحية التأثير في ذلك ، فيكون العقاب حينئذ على عدم الانبعاث أو الانزجار عمّا هو قاصر بنفسه عن التأثير في البعث والزجر ـ ظلما يقبح عن المولى صدوره ، فهذا هو ملاك استقلال العقل بمعذوريّة الجاهل وقبح المؤاخذة على المجهول ، واطّراده في جميع أقسام الجهل بالحكم الشرعي وعدم اختصاصه بقسم خاصّ منه ممّا لا‌

__________________

(١) إذ لو علم بدخل شي‌ء في غرض المولى وتماميّة الملاك المقتضي للتكليف فيه بحيث تمّ حكم العقل على طبقه لثبت حكم الشرع فيه بالملازمة ـ وإن سكت عنه ظاهرا ـ ، فإن العقل رسول باطني فيجب الامتثال ، ولا مسرح فيه لحكم العقل بعذرية الجهل ، لانتفاء الموضوع.

(٢) الظرف خبر لـ ( كان ) ، وقد عرفت فيما مضى آنفا المعنيّ بهذا الملاك الخاص.

(٣) أي : بعد معلومية عدم الاختصاص ووضوحه.

(٤) مرّ آنفا بيان هذا وما بعده ، فلا نعيد.

٣٠٨

خفاء فيه.

وأمّا الثاني (١) فهو أوضح فسادا من سابقه ، إذ بعد ما عرفت من أنّ (٢) انحلال الكبرى الشرعية فيما يرجع إلى القسم الثالث (٣) بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه إلى حكم خاصّ استقلالي أو على وجه القيدية مترتّب على شخص موضوعه ، وأنّ التكليف الذي يتوجّه إلى المكلّف ، ويقبل الوضع والرفع ، ويترتّب عليه عقاب المخالفة هو عبارة عن آحاد تلك الخطابات التفصيلية المنحلّة تلك الكبرى إليها دون نفسها ، إذ هي ليست إلاّ إنشاء لها على سبيل الإجمال ، فلا بدّ حينئذ في خروج كل واحد منها (٤) عن موضوع حكم العقل والنقل بالبراءة من معلوميّة شخصه (٥) المتوقفة‌

__________________

(١) وهو دعوى كفاية العلم بالكبرى الشرعية مانعا عن جريان البراءة في الشبهات الموضوعية.

(٢) الظاهر زيادة كلمة أن.

(٣) بل الرابع ، ولعلّ الاشتباه من الناسخ ، وقد تقدّم ذكر هذا القسم مفصّلا ضمن تقسيم الأحكام باعتبار تعلّق متعلقاتها بالموضوع الخارجي وعدمه إلى أربعة ، وتقدم الكلام هناك حول الانحلال والترتّب المذكورين ، وأن الخطابات التفصيلية المترتبة على أشخاص الموضوع والمنحلّة إليها الكبرى هي الخطابات الفعلية المتوجهة فعلا نحو المكلف بعثا أو زجرا ، أما نفس الكبرى فليست إلاّ إنشاء إجماليا لتلك الخطابات.

(٤) أي : من تلك الخطابات الفعلية.

(٥) أي شخص ذلك الخطاب ، وقد سبق عند ذكر مراتب الحكم أنّ تنجّزه‌

٣٠٩

على العلم بشخص موضوعه ، ولا جدوى لمجرّد العلم بالكبرى الشرعيّة وحدها في ذلك.

وبالجملة فبعد البناء على عدم مانعيّة العلم بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر عن جريان البراءة بالنسبة إلى ما عدا المتيقن تعلّق التكليف به ، وكون الارتباطية كعدمها في ذلك ، فلا جرم تجري الشبهات الموضوعيّة في محلّ البحث مجرى الشبهات الموضوعيّة النفسية (١) ، وكما أنّه لا مجال للمنع عن جريان البراءة فيها (٢) لا بدعوى القصور في المقتضي ، ولا بدعوى مانعيّة العلم بالكبرى الشرعيّة ، فكذلك فيما نحن فيه ، والتفصيل بينهما (٣) في كل واحد‌

__________________

يدور ـ بعد العلم بالكبرى الشرعية ـ مدار العلم بتحقّق موضوعه وانضمام الصغرى إلى الكبرى ، وأنه في كلتا مرحلتي الثبوت والإثبات بمنزلة النتيجة الحاصلة من انضمام المقدمتين. إذن فمجرد العلم بالكبرى لا يكفي في تنجز التكليف وخروجه عن موضوع البراءة ، بل لا بدّ فيه من العلم بالصغرى أيضا وإحراز تحقّق الموضوع ، فمع الشك فيه شبهة مصداقية يشك في فعليته وتوجهه إلى المكلف ويندرج به في مجاري البراءة عقلا ونقلا.

(١) فإنه مقتضى ما بني عليه من كون الارتباطية كعدمها ـ كما هو واضح.

(٢) أي في النفسيات.

(٣) فإنه إن ادّعي قصور المقتضي فبملاك الموضوعية وهو مطرد في النفسيات والارتباطيات ، وإن ادّعي مانعية العلم بالكبرى فكذلك أيضا وهو مطرد فيهما كذلك ، فالتفصيل بين البابين لا محصّل له في شي‌ء من‌

٣١٠

من هاتين الجهتين ممّا لا يرجع إلى محصّل.

وحاصل المقال أنّه بعد ما أوضحنا من رجوع الشبهة المبحوث * عنها إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ والأكثر على كلّ تقدير (١) ، فهي تجري في الارتباطيّة (٢) ومعلومية التكليف المردّد مجرى الشبهات الحكميّة‌

__________________

الوجهين بعد ما عرفت من أن الارتباطية لا أثر لها في تنجيز ما ليس بمتنجز لولاها.

(١) أي : سواء بني على انحلال قيديّة عدم الوقوع في غير المأكول إلى قيود متعدّدة بتعدّد أفراد موضوعها ـ كما هو المختار حسبما تقدم ـ أو بني على قيدية نفس السلب الكلي وتقيّد الصلاة بعدم وقوعها في مجموع الوجودات قيدا واحدا ، وعدم الوقوع في كلّ فرد على الأوّل قيد مستقل ، وعلى الثاني جزء القيد ، والشبهة الحاصلة بالنسبة إلى المصداق المشتبه على كلّ من التقديرين خارجية دائرة بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وقد مر تحقيق ذلك كله فيما سبق.

(٢) أي الشبهة المبحوث عنها تجري من حيث الارتباطية مجرى الشبهات الحكمية والمفهومية المردّد أمرها بين الأقل والأكثر والمفروض فيهما جريان البراءة ، وتجري من حيث موضوعية الشبهة مجرى الشبهات الموضوعية النفسية والمفروض فيها أيضا جريان البراءة ، فإذا التزم في كلا المقامين ـ أعني الحكمية الارتباطية والموضوعية النفسية ـ بجريان البراءة ، ولم يكن أيّ من الجهتين ـ الارتباطية والموضوعية ـ مانعة عن‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المبحوثة ) والصحيح ما أثبتناه.

٣١١

والمفهوميّة الراجعة إلى تردّد المكلّف به بين الأمرين ، وفي العلم بالكبرى الشرعيّة وكون الشبهة خارجيّة ـ ليس من شأنها الرجوع فيها إلى الشارع ـ مجرى الشبهات الموضوعيّة النفسيّة ، وبعد الالتزام بجريان البراءة في كلا المقامين ، وعدم مانعيّة شي‌ء من هاتين الجهتين عن ذلك فلا يعقل أن يؤثّر اجتماعهما في ذلك ، وهل هو إلاّ كضمّ المعدوم إلى المعدوم؟ وهل التفصيل بين المقامين والمقام والالتزام بجريان البراءة فيهما دونه إلاّ من صرف التحكّم ، فلعلّ أن يكون ذهاب المشهور إلى عدم جواز الصلاة في المشتبه ـ بعد ظهور كلماتهم في المانعيّة والتزامهم بجريان البراءة في كلا المقامين ـ مبنيّا على منع الصغرى (١) وتوهّم رجوع القيد إلى عنوان بسيط اختياريّ يحصل في الخارج بالتحرّز عن مجموع الوجودات ـ كما يظهر من بعض تعبيراتهم ـ ، وهو (٢) وإن كان ـ بعد ما تقدّم من عدم إمكان رفع اليد عمّا يدلّ على موضوعيّة العنوان المذكور (٣) بلحاظ‌

__________________

جريانها ، فاجتماعهما في مورد الشبهة المبحوث عنها لا يعقل أن يكون مانعا ، وكيف يمكن أن يكون اجتماع أمرين لا مانعية لأيّ منهما محدثا للمانعية.

(١) وهي الانحلال ، ولو كانوا قائلين بالشرطية أو مانعين من جريان البراءة في أحد المقامين المذكورين ـ منعا كبرويا ـ لم يكن وجه لحمل كلامهم على المنع الصغروي.

(٢) أي رجوع القيد إلى العنوان البسيط.

(٣) وهو عنوان غير مأكول اللحم ، أي موضوعيّته لحكم المانعية بلحاظ‌

٣١٢

تقرّره الخارجي لهذا الحكم ـ ممّا لا سبيل إليه ، بل وينافيه تسالمهم (١) على لزوم الاقتصار عند الاضطرار على مقدار الضرورة من حيث قضاء نفس الجهة المستتبعة للمانعيّة بذلك ـ لا بدعوى قيام دليل آخر يوجب ذلك حسبما تقدم بيانه ـ ، لكنّه مع ذلك (٢) فهو أهون من منع الكبرى (٣) ـ كما لا يخفى ـ ، وليس في إهمالهم لذكر هذا القسم (٤) في مسائل الباب دلالة على منعهم عن جريان‌

__________________

وجوداته الخارجية ، وقد سبق تفصيل الكلام فيه في البحث الصغروي المتقدم.

(١) مرّ في البحث المشار إليه بيان منافاته لقيدية العنوان البسيط ، بل ومنافاته لقيدية السلب الكلي أيضا ، وعدم ملائمته إلاّ لانحلال القيدية ، كما مرّ هناك ظهور تسالمهم على ذلك في كونه جريا على ما تقتضيه أدلة المانعية ، لا لأجل قيام دليل آخر ـ بعد سقوط القيدية رأسا بالاضطرار إلى البعض ـ على ثبوت تكليف جديد بالنسبة إلى الباقي.

(٢) أي : مع ما فيه من وجوه الإشكال.

(٣) وهي جريان البراءة ، لما في منع جريانها في المقام مع الالتزام بجريانها في المقامين المتقدّمين من التهافت الواضح ، ولا كذلك منع الصغرى ، على أن طبع الصغريات أن يكون مجال المناقشة فيها أوسع من الكبريات ، هذا ولا يذهب عليك أن المنع الصغروي المحتمل بناء المشهور عليه إنما يتمّ بدعوى قيدية العنوان البسيط ـ كما صنعه المصنف قدس‌سره ـ ، فإنها التي تدرج الشبهة في مجاري قاعدة الاشتغال ، ولا يستقيم بالبناء على قيدية السلب الكلي ، فإن مقتضاها الإدراج في مجاري البراءة ـ كما على الانحلال ـ وقد مر بحثه.

(٤) وهو ما اجتمع فيه جهتا الارتباطية والموضوعية.

٣١٣

البراءة فيه بعد اطّراد الملاك واشتراكه ، فليكن تنقيحنا له استدراكا لما فاتهم ذكره من أقسام تردّد الواجب بين الأقلّ والأكثر ، وكم ترك الأوّل للآخر ، وهذا هو تمام الكلام في المقام الأوّل ، وتوضيح كون الشبهة المبحوث (١) عنها من مجاري البراءة.

__________________

(١) الموجود في الطبعة الاولى ( المبحوثة ) والصحيح ما أثبتناه.

٣١٤

( المقام الثاني )

في توضيح كونها من مجاري أصالة الحلّ المعوّل عليها عند الشكّ في خصوص حلّية الشي‌ء وحرمته ، والمستفاد اعتباره من * قول أبي جعفر ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ في رواية عبد الله بن سليمان (١) جوابا عن سؤاله عن الجبن المشتبه : « كلّ ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال. إلخ » ، وقول أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ في صحيحة عبد الله بن سنان : « كلّ شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال. إلخ » ، وموثقة مسعدة بن صدقة (٢) : « كلّ شي‌ء هو لك حلال. إلخ ».

ومحصّل الكلام في ذلك : هو أنّها أيضا باعتبار شمول ما يدلّ على اعتبارها (٣) لمحلّ البحث قاضية بعدم مانعيّة المشتبه وجواز‌

__________________

(١) رواها في الوسائل في الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١ ، وعبد الله بن سليمان هو الصيرفيّ ، وهو غير موثّق.

(٢) الصحيحة مرويّة في الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ ، والموثّقة في نفس الباب ـ الحديث ٤.

(٣) ستعرف ـ بعد حين ـ أنّ الوجه في شمول أدلّة اعتبار هذا الأصل للمقام‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.

٣١٥

الصلاة فيه ، ولكن لا بتقريب أنّ الشكّ في مانعيّة المشتبه لكونه مسبّبا عن الشكّ في حلّية ما أخذ منه * وحرمته وهو من مجاري أصالة الحلّ ، فقضيّة السببيّة والمسببيّة (١) ـ حينئذ ـ هو الحكم بعدم مانعيّته تبعا للحكم على ما أخذ هو منه ** بالحلّية ـ بمقتضى هذا الأصل.

وذلك لأنّ تردّد مثل الصوف المشتبه بين ما يجوز الصلاة فيه وما لا يجوز يكون ـ تارة ـ باعتبار تردّده بين الأخذ من الحلال أو الحرام المعلوم كلّ واحد منهما والممتاز في الخارج عن الآخر (٢) و ـ أخرى ـ باعتبار تردّد ما علم أخذه منه بين الحلال والحرام (٣).

ولا خفاء في أنّ ما هو من قبيل القسم الأوّل فليس للشكّ‌

__________________

هو الشك في حلّية الصلاة في المشتبه وحرمته ـ المنتزع عنها المانعيّة ـ لا كون الشك في مانعيّته مسبّبا عن الشك في حلّية أكله أو نحو ذلك.

(١) ليجري الأصل في ناحية السبب وهو أصالة حليّة ما أخذ منه ، ويترتّب عليه المسبّب وهو عدم المانعيّة.

(٢) كما هو الغالب في موارد الاشتباه في المقام ونظائره.

(٣) لشبهة حكميّة كما إذا لم يعلم نوع حيوان معيّن أنّه حلال أو حرام ، أو موضوعيّة كما إذا تردّد حيوان خارجيّ بين نوعين محلّل ومحرّم.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.

٣١٦

السببيّ فيه مساس بمجاري أصالة الحلّ أصلا (١) ، إذ ليس في البين حيوان مشتبه يشكّ في حلّيته وحرمته كي يندرج في مجاري هذا الأصل ، وإنّما الشبهة راجعة إلى مرحلة أخذ الصوف من أيّ الحيوانين المعلوم حلّية أحدهما وحرمة الآخر ، وواضح أنّها بمعزل عن ذلك (٢).

ولا مجال لدعوى استلزام هذه الشبهة للشكّ في حلّية ما أخذ منه * هذا الصوف وحرمته وإجراء الأصل فيه بهذا الاعتبار (٣) ، لأنّ هذا العنوان (٤) إذا لوحظ مرآة لما في الخارج فدعوى الاستلزام ممنوعة (٥) ، كيف وليس هو خارجا عن الشخصين ، والمفروض عدم‌

__________________

(١) فلا يجري الأصل المذكور للحكم على ما أخذ منه بالحلّية.

(٢) أي : عن اندراجها في مجاري هذا الأصل ، وبالجملة : الفرق بيّن بين الشك في حلّية الحيوان وحرمته وبين الشكّ في أخذ هذا الصوف من الحيوان المعلوم الحلّية أو المعلوم الحرمة ، والشبهة هنا من القسم الثاني ، ومجرى الأصل هو الأوّل.

(٣) بأن يقال : إنّ الشك في الأخذ من المحلّل أو المحرّم يستلزم الشك في حلّية المأخوذ منه وحرمته ، فيجري فيه أصالة الحلّية ، ويترتّب عليه عدم المانعيّة ، وقد وصف قدس‌سره هذه الدعوى في آخر كلامه بالمغالطة.

(٤) وهو عنوان ما أخذ منه هذا الصوف.

(٥) إذ ـ عليه ـ يكون العنوان مشيرا إلى ما في الخارج ، وما في الخارج لا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.

٣١٧

تطرّق الشك في الحلّية والحرمة بالنسبة إلى شي‌ء منهما ، ولا يعقل أن يكون الشكّ في اتّخاذ هذا الصوف من * كلّ منهما موجبا للشكّ‌

__________________

يشكّ في حلّيته أو حرمته ، إذ هو إمّا هذا وهو معلوم الحلّية أو ذاك وهو معلوم الحرمة. إذن فالشك في الأخذ لا يستلزم الشك في حلّية الموجود الخارجيّ المعنون وحرمته.

ومنه يظهر النظر فيما أفاده السيّد الأستاذ قدس‌سره في هذا المقام ( رسالة اللباس المشكوك : ٧٣ ) من أنّ معلوميّة حكم كلّ منهما في نفسه لا ينافي الشكّ الفعليّ في حرمة ما أخذ منه هذا الصوف ، وأن معنون هذا العنوان موجود خارجيّ يشك في حلّيته وحرمته فعلا.

إذ فيه أنّ الموجود الخارجيّ المشار إليه بالعنوان المذكور لا يشكّ في حلّيته وحرمته ، بل يشكّ في شخصه ، لعدم تعيينه ، فلا يعلم أنّه هو هذا الغنم الحلال أو ذاك الأرنب الحرام ، فليس في البين موجود خارجيّ يشك في حلّيته وحرمته ليجري فيه أصالة الحلّية. هذا ، وقد جعل قدس‌سره المقام نظير ما إذا وقع بيد المكلف قطعة لحم يشكّ في أخذها من لحم معلوم الحرمة أو من آخر معلوم الحلّية ، حيث لا إشكال في جريان أصالة الحلّ فيها. لكنّ هناك ـ كما ترى ـ فرقا بين المقامين ، فإنّ المدّعى في محلّ الكلام هو الشكّ في حلّية ما أخذ منه الصوف وحرمته ، أمّا الصوف نفسه فلا معنى للشك في حلّيته وحرمته بالمعنى المبحوث عنه هنا ، أمّا قطعة اللحم ـ في المثال ـ فيشكّ فعلا في حلّيتها وحرمتها في نفسها وإن كان هذا الشك ناشئا من الشك في كونها مقطوعة من أيّ اللحمين ، ونحوه الكلام فيما مثّل قدس‌سره به ثانيا من فقد أحد اللحمين ، فراجع وتدبّر.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.

٣١٨

في حلّيته وحرمته (١). وإن لو حظ من حيث نفس هذا المفهوم (٢) المنتزع عن لحاظ الاتّصاف باتّخاذ هذا الصوف منه * ، فهو وإن صحّ دعوى الاستلزام ـ حينئذ ـ بهذا الاعتبار (٣) ، لكن بعد وضوح عدم صلاحيّة نفس المفاهيم الانتزاعيّة من حيث أنفسها لا للاندراج في عموم الموصول أو الشي‌ء الوارد في عناوين الأدلّة (٤) ، ولا للحكم عليها بالحلّ والحرمة فلا جدوى في إحراز الاتّخاذ من‌

__________________

(١) أي : في حلّية ما اتّخذ منه وحرمته ، فإنّ ما اتّخذ منه ـ كما عرفت ـ إمّا هذا وهو حلال قطعا أو ذاك وهو حرام كذلك ، والشك في الأخذ لا يعقل أن يسري إلى حكم المأخوذ منه بعينه فيوجب شكا فيه ـ كما لا يخفى.

(٢) وهو مفهوم ما اتّخذ منه هذا الصوف.

(٣) فإنّ المفهوم الانتزاعي المذكور لكونه كلّيا مردّدا في صدقه على كلّ من الحيوانين ـ المتّخذ من أحدهما الصوف والمفروض حلّية أحدهما وحرمة الآخر ـ فلا محالة يتردّد أمر المفهوم في مفهوميّته بين الحلّية والحرمة ـ لو فرض صلاحية المفاهيم أنفسها لتعلّق الأحكام بها ، وهي ممنوعة كما حقّق في محلّه وسيشار إليه. وهذا نظير مفهوم ( أحدهما ) المنتزع من شيئين خارجيّين ، فإنّه إذا فرض اتّصاف أحدهما بالحلّية مثلا والآخر بالحرمة استتبع ذلك تردّد المفهوم المذكور نفسه بين الوصفين.

(٤) أي : أدلّة أصالة الحلّ ، فإنّ المراد بهما الموجود الخارجيّ دون المفهوم المنتزع ـ كما هو واضح.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.

٣١٩

الحلال بهذا الأصل لهذه المغالطة.

وأمّا ما يرجع إلى القسم الثاني فهو وإن كان الأصل ـ حينئذ ـ قاضيا بحلّية الحيوان المشتبه المذكور عند ترتّب أثر شرعيّ (١) على حلّية الحيوان بالمعنى الممكن إحرازه بهذا الأصل ، ولو باعتبار الصلاة في أجزائه مع عدم جريانه لأكل لحمه (٢) إمّا لخروجه عن مورد الابتلاء ـ مثلا ـ أو لعدم إحراز تذكيته ـ ولو من جهة الشكّ في قبوله لها ـ أو غير ذلك ، لكنّه ـ مع ذلك ـ فلا جدوى له فيما نحن فيه.

وتوضيح ذلك : أنّ الأحكام الشرعيّة المترتّبة على المحرّمات الشرعيّة ـ مثلا ـ أو محلّلاتها تترتّب * عليها تارة باعتبار نفس ذواتها (٣)

__________________

(١) إذ يعتبر في جريان الأصل ترتّب أثر شرعي على مؤدّاه وهو في المقام موجود.

(٢) يعني : لا يعتبر في جريان هذا الأصل في الحيوان المشتبه ترتّب الأثر عليه بالنسبة إلى أكل لحمه ، بل يكفي في الأثر جواز الصلاة في أجزائه ولو كانت لا تحلّها الحياة ممّا لا يعتبر فيه التذكية ، ولا يقدح عدم ترتّب حلّية أكل اللحم عليه لخروجه عن محلّ الابتلاء أو لعدم إحراز تذكيته أو نحو ذلك.

(٣) فتكون الذوات تمام الموضوع لتلك الأحكام كما أنّها موضوعات للحلّية أو الحرمة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يترتب ) والصحيح ما أثبتناه.

٣٢٠