الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

الرسالة (١) ( إن شاء الله تعالى ) ، وقد تبيّن حال ما يرجع منها إلى القسم الثالث أيضا ممّا تقدّم (٢).

وإنّما الكلام فيما (٣) إذا كان العنوان المأخوذ عدمه قيدا للمطلوب ـ كالوقوع في غير المأكول ونحوه (٤) ـ ممّا يتعلّق (٥) بموضوع خارجيّ يتوقّف تحقّق المطلوب على انتفاء مجموع وجوداته ، والبحث فيه يقع :

تارة في الصغرى ، وأنّ القيد العدميّ المنتزعة عنه مانعيّة هذه‌

__________________

كالموقف في عرفات والمشعر الحرام إذا تردّد بين الأقل والأكثر ، وقد تقدّم منه قدس‌سره تحقيق الحال فيه ، وأن المتجه التفصيل في رجوع هذه الشبهة إلى الشك في الامتثال أو التكليف بين الوجوبية والتحريمية.

(١) وذلك في التنبيه الثالث منها.

(٢) تقدّم منه قدس‌سره عند تصوير الأقسام أن القسم الثالث غير متصوّر في التكاليف العدمية ، إذ لا يعقل أخذ موضوع التكليف العدمي بلحاظ صرف وجوده ، بل يتعيّن أخذه بلحاظ مطلق وجوده ، وقد مرّ وجهه هناك ، ولا يخفى اطراد مناطه في التكاليف العدميّة القيديّة وعدم اختصاصه بالنفسيات.

(٣) وهذا هو القسم الرابع من القيود ، وقد عرفت اختصاصه بالعدميّة ، ولا يخفى أن اندراج هذه الموارد في القسم الرابع مبنيّ على ثبوت الانحلال فيها صغرويا ، وهو ما يتكفّله المبحث الأوّل الآتي.

(٤) كالميتة والنجس والحرير والذهب.

(٥) المراد بالموصول هو العنوان الذي قيّد المطلوب بعدمه كالوقوع ـ أي وقوع الصلاة ـ المتعلق بغير المأكول ونحوه.

٢٦١

الأمور (١) هل هو (٢) من الانحلاليّات المتعدّدة بتعدّد أشخاص موضوعاتها ، فيترتّب على مصداقيّة كلّ واحد من مصاديقه الخارجيّة تقيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه ، ويرجع الشكّ في المصداقيّة إلى الشكّ في القيديّة المترتبة عليها ـ لا محالة ـ ، ويؤول الأمر حينئذ إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ والأكثر ، أو أنّها إنّما تنتزع عن قيديّة عنوان بسيط ، ونعت عدميّ مساوق لمحمول المعدولة (٣) ، ويجري ذلك العنوان مجرى المسبّبات التوليديّة المقدورة بتوسّط أسبابها ، والتحرّز عن مجموع وجودات الموضوع مجرى محصّلاتها ، فيكون ما قيّد المطلوب به عنوانا بسيطا لا تعلّق له بالموضوع الخارجيّ أصلا (٤) ، ولا يتعدّد‌

__________________

(١) وهي غير المأكول ونحوه ، فإنّ مانعيّتها منتزعة من تقيّد الصلاة بعدم الوقوع فيها.

(٢) مرّ توضيح هذين الوجهين في المقدمة الاولى من مقدّمتي المقام الأوّل المعقود لتنقيح رجوع الشبهة المصداقية فيما نحن بصدده إلى التردّد بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، واندراجها في مجاري البراءة.

(٣) وهو الذي أخذ حرف النفي جزءا لموضوعه أو لمحموله أو لهما ، نحو : زيد لا شارب أو غير شارب الخمر ، فيصبح نعتا عدميا بسيطا منتزعا من تركه شرب جميع الأفراد ، متحصّلا منها ، ويمكن التعبير عنه في المقام بمثل قولنا : صلّ صلاة غير واقعة في غير المأكول ، أو صلّ وأنت غير لابس أو غير حامل لغير المأكول ونحو ذلك.

(٤) فإنّ النعت المذكور عنوان انتزاعيّ عقليّ ومفهوم ذهنيّ لا تحقّق له إلاّ‌

٢٦٢

بتعدّد وجوداته ، وما يقبل التعدّد بذلك ويتردّد من جهة الشبهة المصداقيّة بين الأقل والأكثر هو محصّله الخارجيّ الذي بمعزل عن جريان البراءة فيه.

وأخرى في الكبرى ، وأنّه لو ترتّبت قيديّة قيد (١) على موضوع خارجيّ لمكان الاشتراط أو الموضوعيّة (٢) ، وقد شكّ فيها من جهة الشكّ في موضوعها ، وتردّد متعلّق التكليف من هذه الجهة بين الأقلّ والأكثر فهل تقصر أدلّة البراءة بعد الفراغ عن جريانها في الارتباطيات عن شمولها للمقام ، أو أنّه ـ بعد الفراغ عن عدم كون الارتباطيّة (٣) موجبة لتنجّز ما ليس بمتنجّز مع الغضّ عنها ـ فحال الشبهات الموضوعية في الارتباطيات كحالها في النفسيات ، وكما‌

__________________

في وعاء الذهن ، ومثله لا يمكن تعلّقه بموضوع خارج عن وعائه ، ولا تعدّده بتعدّد محصّله ومنشأ انتزاعه في الخارج عن هذا الوعاء ، ولا ينافي ذلك ذكر متعلق له في العبارة الحاكية عنه ـ كالخمر في المثال ـ ، فإنّه إنما يذكر لبيان حدود ذلك العنوان البسيط وخصوصياته.

(١) يعني : لو ثبت بحسب الصغرى كون القيد العدمي في محل البحث انحلاليا بتعدّد بتعدّد أشخاص موضوعه ، ويترتّب على وجود كلّ منها قيديّته للمطلوب ، لا عنوانا بسيطا وحدانيا ، فيقع الكلام في الكبرى ، وأن كلّ ما هو كذلك إذا شكّ في قيديّته من جهة الشك في تحقق موضوعه فهل تشملها أدلة البراءة كما تشمل الشك في النفسيات من جهة الشبهة الموضوعية ، أو أنها قاصرة الشمول لها.

(٢) أمّا الموضوعية فحقيقة ، وأمّا الاشتراط فمآلا ـ كما تقدم.

(٣) مرّ تفصيله في المقدمة الاولى من مقدّمتي المقام الأوّل.

٢٦٣

لم يكن دليل البراءة قاصرا عن الشمول لها فكذلك المقام أيضا ـ حذو النعل بالنعل. وإذ قد عرفت ذلك فينبغي أن نحرّر كلاّ من الأمرين في مبحث برأسه :

المبحث الأوّل : ـ في تنقيح الصغرى.

وينبغي تقديم أمور :

الأوّل : أنّهم عرّفوا المانع بأنّه الأمر الوجوديّ المتوقّف وجود المعلول على عدمه ، وقد تقدّم بعض الكلام في توضيح هذا التوقف (١) ، وهذا التعريف يعمّ المانع الشرعي أيضا كالعقلي ، لما عرفت أنّ مانعيّته عن الملاك تكوينيّة (٢) ـ حذو سائر الموانع التكوينيّة ـ من غير فرق بين باب الأسباب ومتعلقات التكاليف ، لتقيّده (٣) بعدم ما يخرجه عن الانطباق على ملاكه ، وتنتزع مانعيّته‌

__________________

(١) تقدّم ذلك في أوائل الأمر الثالث المعقود لإثبات المانعية فيما نحن فيه ونفي الشرطية ، وأفاد قدس‌سره هناك أن مناط مانعيّة المانع هو دفعه لتأثير المقتضي في المعلول ، وأنّه بهذا الاعتبار عدّ عدم المانع من أجزاء العلة.

(٢) عرفت ذلك في الموضع الآنف الذكر ، حيث أفاد قدس‌سره أن مانعية المانع ـ حذو شرطية الشرط ـ وإن كانت منتزعة عن تقييد متعلق الحكم أو موضوعه بعدمه ، لكن لمّا كان دخله في ملاك الحكم ـ على مذهب العدلية ـ ناشئا عن توقّفه على عدمه ـ توقّف كلّ معلول تكويني على عدم مانعه ـ فبهذا الاعتبار يكون مرجع المانع التشريعي إلى المانع التكويني ، ويحكم عليه بأحكامه.

(٣) أي تقيّد متعلّق الحكم أو موضوعه بعدم المانع المخرج له عن الانطباق على ملاكه ، وتنتزع مانعيته عن هذا التقيّد.

٢٦٤

عن ذلك ، لكنّه في أبواب الأسباب (١) يوجب انتفاء المسبّب الشرعي الذي قيّد سببه بعدم تلك الخصوصيّة ، وفي متعلقات التكاليف يوجب خروج الفرد المتخصّص بها عن الانطباق على المطلوب ، ويعبّر عنه (٢) بالفساد ـ كما تقدّم (٣).

الثاني : لو تركّب متعلّق التكليف ـ كالصلاة مثلا ـ من أجزاء وقيود وجوديّة وعدميّة فتركيب أجزائه ، ثمّ (٤) تقييدها بالقيود الوجوديّة ، ثمّ العدميّة وإن كان متقدّما في الرتبة (٥) على تعلّق الطلب به ـ لا محالة ـ ، لكن حيث إنّه مجرّد اعتبار تصوّري في تلك الرتبة (٦) ، ولا يوجد مجعول شرعيّ (٧) بذلك إلاّ بعد تعلّق الطلب به ،

__________________

(١) المراد بها أبواب الموضوعات الشرعيّة المعلّقة عليها الأحكام الوضعية والتكليفية.

(٢) أي : عن خروج الفرد عن الانطباق على المطلوب.

(٣) تقدّم ذكر معنى الفساد في الأمر الثالث ـ المعقود لإثبات المانعية ـ لدى التكلم عن مقام الإثبات.

(٤) دلّ قدس‌سره بالعطف بـ ( ثمّ ) على أن هناك ترتيبا بين الأمور الثلاثة في التصوّر واللحاظ ، فإنّ تقييد شي‌ء بشي‌ء متأخر رتبة عن لحاظ ذات المقيّد ـ بما له من الأجزاء ـ ، كما أن التقييد بالعدم متأخر كذلك عن التقييد بالوجود ، لأن الأوّل ينتزع عنه المانعية ، والثاني الشرطية ، وقد سبق تأخّر رتبة المانع عن الشرط.

(٥) لتقدّم الموضوع على الحكم رتبة.

(٦) وهي الرتبة المتقدمة على تعلق الطلب به.

(٧) هذا الكلام وكذا ما يأتي منه قدس‌سره من قوله : ( وقد اتضح فساد القول‌

٢٦٥

فمن هنا (١) كانت الجزئية والشرطيّة والمانعيّة منتزعة في متعلّقات التكاليف عن تعلّق التكليف بها ، وفي أبواب الأسباب عن جعل المسبّبات الشرعيّة الوضعيّة أو التكليفية على تقديرها (٢) ، وتنتزع‌

__________________

بجعل الماهيات مطلقا ) تصريح منه قدس‌سره بنفي كون الماهيات المخترعة والمركبات الاعتبارية الشرعية مجعولات شرعية مطلقا ، فضلا عن كونها من مقولة الأحكام ، خلافا لما هو ظاهر الشهيد قدس‌سره في قواعده ، حيث عبّر عنها بالماهيات الجعليّة. وعليه فما قد ينسب إلى المصنف قدس‌سره ـ من ذهابه إلى جعلها ، وعدّها قسما ثالثا للمجعولات في قبال الأحكام الوضعية والتكليفية ـ في غير محله.

ومحصّل ما أفاده قدس‌سره هنا أنه ليس هناك قبل رتبة الطلب جعل شرعي متعلق بالمركب ، وتركيب وتقييد تشريعيان بل مجرد تصوّر للمتعلق بأجزائه وقيوده ، واعتبار لوحدته ، نعم إذا تعلّق به الطلب انتزعت الجزئية والشرطية والمانعية من التعلّق المذكور ، وتعدّ هذه الثلاثة مجعولات انتزاعية ، لانتزاعها من المجعول المتأصّل ـ أعني التكليف المتعلق بالمركب ـ لكن كونها كذلك لا يقتضي كون التركيب والتقييد مجعولين حتى انتزاعا ـ كما يظهر بالتأمّل.

(١) يعني : من تعلق الطلب بالمركب الذي لوحظ له أجزاء وقيود وجودية وعدمية في رتبة متقدمة تنتزع الأمور الثلاثة.

(٢) أي : وتنتزع الأمور الثلاثة في أبواب الموضوعات ـ التي أخذت مقدّرة الوجود وجعلت عليها الأحكام الوضعية والتكليفية ـ من جعل تلك الأحكام على تقدير تحقّق تلك الموضوعات ، فتنتزع من الجعل المزبور الجزئية لأجزاء الموضوع ، والشرطية والمانعية لقيوده ـ كما في أجزاء المتعلق وقيوده ـ ، كما‌

٢٦٦

سببيّة تلك الأسباب لمسبّباتها أيضا (١) عن ذلك ، وقد اتضح فساد القول بجعل الماهيّات مطلقا (٢) ، وكذلك القول بتأصّل السببيّة وأخواتها الثلاث (١) المذكورة في الجعل (٣) أيضا من ذلك ، وانقدح أيضا.

الثالث : لو كان لمتعلّق التكليف تعلّق بموضوع خارجيّ ـ كما هو المفروض في محلّ البحث ـ فقد تقدّم (٤) أنّ الإضافة اللاحقة‌

__________________

وتنتزع منه السببية للموضوع برمّته ، هذا. ولعلّ في عطفه قدس‌سره انتزاع الثلاثة في أبواب الأسباب على انتزاعها في أبواب المتعلقات ـ مع اختصاص البحث في المقام بالمتعلقات وكيفية تركيبها وتقييدها ـ إشارة إلى أن شأن التركيب والتقييد في المتعلقات شأنهما في الأسباب ، فكما لا مجال لدعوى الجعل في هذه فكذلك في تلك ، وانتزاع الثلاثة من جعل التكليف أو الوضع أمر آخر.

(١) أي : تنتزع السببية عن ذلك كما تنتزع عنه الجزئية للسبب والشرطية والمانعية له.

(٢) أي : لا جعلا متأصّلا ، ولا انتزاعيا ـ حسبما مرّ وجهه.

(٣) الظرف متعلق بـ ( تأصّل ) ، هذا ، وليس في كلامه قدس‌سره ما يتّضح منه فساد القول بتأصل السببية في الجعل ، بل مجرد دعوى انتزاعيتها ، لكنّه مقرّر في الأصول ، وقد برهن قدس‌سره هناك على امتناع جعل السببية مطلقا تكوينا وتشريعا أصالة وتبعا ، وكونها منتزعة من ذات السبب في التكوينيات ـ والسببية فيها حقيقية ـ ، ومن ترتب الحكم على موضوعه في التشريعيات ـ والسببية فيها مجازية. ( راجع أجود التقريرات ٢ : ٣٨٤ ).

(٤) تقدّم ذلك في أواخر الأمر الثالث تحت عنوان ( بقي هنا شي‌ء ) ، فقد‌

__________________

(١) الموجود في الطبعة الاولى ( الثلاثة ) والصحيح ما أثبتناه.

٢٦٧

للصلاة ـ من جهة وقوعها في غير المأكول مثلا أو الحرير أو الذهب أو غير ذلك ـ هي الصالحة لأن يؤخذ عدمها قيدا للمطلوب ، وأمّا نفس حرمة أكل الحيوان ـ مثلا ـ فهي أجنبيّة * عن الصلاة ، وظاهر أنّها بمعزل عن هذه الصلاحيّة.

وإذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ قيديّة عدمها يتصوّر ثبوتها على وجوه : إذ يمكن أن يكون القيد نعتا عدميّا مساوقا لمحمول المعدولة (١) ، والتقييد به راجعا إلى اعتبار أن تكون الصلاة واجدة لهذا النعت (٢) ، فيرجع الأمر حينئذ إلى باب العنوان والمحصّل ـ كما تقدّم ـ ، ويمكن أن يكون من باب السلب المحصّل (٣) ، ويرجع‌

__________________

أفاد قدس‌سره هناك ردّا على من تشبّث بشرطية المأكولية بدعوى كون ( ما لا يؤكل ) عنوانا عدميا غير صالح للمانعية ، فلا بدّ من رجوعه إلى شرطية المأكولية ، أنّه ـ مضافا إلى أن العنوان المذكور وجوديّ لانتزاعه من حرمة الأكل فاللامأكولية أو حرمة الأكل عنوان لاحق للحيوان ، ولا مساس له بالصلاة ، فلا يعقل تقييدها بعدمه ، والذي يصلح لأن تقيّد به هي الإضافة اللاحقة للصلاة باعتبار وقوعها في غير المأكول ، وهذه الإضافة أمر وجوديّ ، فتقيّد الصلاة بعدمها ، وتنتزع منه مانعيتها.

(١) مرّ شرحه قريبا.

(٢) كنعت ( اللاواقعة في المأكول ).

(٣) دون الإيجاب المعدول المحمول ، وذلك نحو ( صلّ ولا تكن صلاتك‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( أجنبي ) والصحيح ما أثبتناه.

٢٦٨

التقييد إلى اعتبار عدم التخصّص بتلك الخصوصيّة الوجوديّة ، من دون أن يكون للنعت العدمي دخل فيه ، فيكون هو حينئذ ملازما لتحقّق القيد ، لا قيدا بنفسه (١). وعلى هذا التقدير أيضا فيمكن أن يكون نفس السلب الكلّي ـ بوحدته الشاملة لمجموع وجودات الموضوع ـ قيدا واحدا (٢) ، كما يمكن أن يكون منحلاّ والقيد آحاده (٣).

__________________

في غير المأكول ) ممّا يدل على اعتبار عدم تخصّص الصلاة بوقوعها في غير المأكول من دون اعتبار اتّصافها بالنعت العدمي المتقدّم.

(١) أي يكون النعت العدمي ملازما لتحقق قيد ( عدم الوقوع في غير المأكول ) ، إذ متى لم تقع الصلاة فيه فهي متصفة بـ ( غير الواقعة فيه ) ـ لا محالة ـ ، وقد تقدّم أن العنوان النعتي مسبب توليدي متحصل من الأعدام الخارجية ، وليس النعت المذكور قيدا بنفسه ليرجع إلى الاحتمال الأوّل.

(٢) بأن تكون الصلاة مقيدة بعدم الوقوع في مجموع أفراد غير المأكول بنحو العموم المجموعي وملاحظة العدم أمرا واحدا مضافا إلى مجموع الوجودات ، أو ملاحظة مجموع الأعدام أمرا واحدا ، وبعبارة أخرى :

عدم المجموع أو مجموع الأعدام ، وهذا هو الاحتمال الثاني ، ومقتضاه أنّه لو جازت الصلاة في فرد منها لاضطرار ـ مثلا ـ فلا مانعية بالنسبة إلى سائر الأفراد.

(٣) بأن تكون مقيّدة بعدم الوقوع في كلّ فرد ـ على نحو الانحلال ـ ، فيكون عدم كل فرد قيدا بنفسه ، فيتعدّد القيد بتعدّد الأفراد ، وهذا هو‌

٢٦٩

ولا يخفى أنّ الاحتمالات الثلاثة المذكورة تتطرّق في النواهي النفسية أيضا حذو المقام بعينه ، وكما أنّ (١) ظهور النهي عن شرب الخمر ـ مثلا ـ في مبغوضيّة متعلّقه (٢) واستنادها إلى اشتمال موضوعه على مفسدة مقتضية للزجر عن ذلك المبغوض يضادّ مطلوبيّة العنوان العدمي من حيث نفسه ، ويدفع الاحتمال الأوّل ، وظهور ما أخذ عنوانا لموضوعه ـ وهو الخمر في المثال ـ في الطبيعة المرسلة (٣) المنطبقة على كلّ مصداق يكشف عن اشتمال‌

__________________

الاحتمال الثالث ، ومقتضاه عدم سقوط القيديّة عن الباقي إذا سقطت عن البعض لاضطرار ونحوه.

(١) بيان لمرحلة الإثبات ، وتقريب لاستظهار الاحتمال الثالث من النواهي النفسية دون الاحتمالين الأولين.

(٢) فإنّ ظاهر النهي عن شي‌ء مبغوضية ذلك الشي‌ء وكونه بنفسه مشتملا على المفسدة ، لا محبوبية اتصاف المكلّف بكونه تاركا لذلك الشي‌ء وكون الاتصاف المذكور ذا مصلحة ، فلا دلالة لمثل ( لا تشرب الخمر ) على مطلوبية كونه لا شارب الخمر بوجه ، وإنما يدلّ عليها مثل ( كن لا شارب الخمر ).

(٣) فإنّ الخمر اسم جنس مطلق غير مقيد بقيد ، ومفاده الطبيعة المطلقة السارية في جميع مصاديقه والمنطبقة على كل منها ، فكلّ مصداق وجود للطبيعة مشتمل على المفسدة المقتضية للنهي ، فيكون النهي زجرا عن شرب كلّ منها بنحو الانحلال ، فلكلّ فرد امتثال وعصيان مستقلان ، وأمّا لحاظ جميع وجودات الطبيعة أمرا واحدا والزجر عن شربها بهذا‌

٢٧٠

كلّ واحد من مصاديقه على تلك المفسدة ، ويدفع الاحتمال الثاني ، ويتمّ الانحلال المتقدم توضيحه بذلك ، ففي المقام أيضا يطّرد جميع ذلك ، إذ بعد ما عرفت (١) من استناد المانعيّة ومنشأ انتزاعها إلى عدم صلاحيّة غير المأكول وأشباهه لوقوع الصلاة فيه بعنوانه (٢) المرسل المنطبق على آحاد مصاديقه ، فأيّ فرق يعقل بين موضوعيّته لتقييد الصلاة بعدم وقوعها فيه ، وموضوعية الخمر لحرمة شربه؟ وهل بين تعلّق الطلب النفسي المولويّ بعدم الخصوصيّة (٣) الوجودية المانعة وتعلّقه بالعنوان المحرّم النفسي‌

__________________

اللحاظ ـ ليكون المطلوب السلب الكلّي كما في باب النذر ، ويتحقق عصيانه بفعل أول وجوداته ، فلا إطاعة ولا عصيان بعده ـ فهو خلاف الظاهر ، لأنّه عناية زائدة لا تكاد تؤدّيها العبارة ، ولا يصار إليها إلاّ بدليل.

(١) بيان لوجه الاطراد ، ووحدة الحكم في المقامين ، وعدم صلاحية الاستقلالية والقيدية للفارقيّة.

(٢) الضمير راجع إلى غير المأكول ، والعبارة تتضمن المقايسة بين المقامين ، وأنه كما أن النهي عن شرب الخمر ظاهر في مبغوضية متعلقة واشتماله بنفسه على المفسدة ، لا محبوبية الاتصاف بكونه تاركا له ، كذلك تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول ظاهر في عدم صلاحيته بنفسه لوقوعها فيه ، لا محبوبية الاتصاف بكونها غير واقعة فيه ، وكما أنّ عنوان الخمر ظاهر في الطبيعة المرسلة المنطبقة على كلّ مصداق ، والمقتضية للانحلال ، كذلك عنوان غير المأكول لعدم الفرق بينهما من الناحيتين.

(٣) أي : بالصلاة المقيّدة بعدم الخصوصية.

٢٧١

فارق آخر سوى كونه من جهة القيديّة في أحدهما واستقلاليا في الآخر؟ وهل يعقل أن يكون ذلك (١) موجبا لقيديّة العنوان البسيط المساوق لمحمول المعدولة أو مانعا عن الانحلال المتقدّم توضيحه؟

فإن قلت : توهّم كون القيد عنوانا بسيطا مساوقا لمحمول المعدولة وإن كان واضحا فساده ، لكنّ انحلال السلب الكلّي في أبواب القيود وقياسه بالنفسيّات في ذلك أيضا (٢) ظاهر منعه ، لأنّ مناط هذا الانحلال هو اشتمال كلّ واحد من وجودات الموضوع على ملاك حكمه (٣) ، وهذا في القيود لا سبيل إلى دعواه ، إذ مقتضى (٤) كون القيد العدمي متوقّفا تحققه على انتفاء ما قيّد‌

__________________

(١) المشار إليه هو تعلّق الطلب بعدم الخصوصية المانعة أو جهة القيدية ، والمقصود أن القيدية لا تمنع عن الظهورين المتقدمين ، لتوجب قيديّة العنوان البسيط ، أو تمنع عن الانحلال.

(٢) أي كما قيس بها في نفي مطلوبية العنوان البسيط.

(٣) مرّ آنفا ذكر هذا المناط ، ومرّ أنّ الكاشف عنه هو ظهور عنوان الموضوع في الطبيعة المرسلة.

(٤) تعليل لما يدّعيه هذا القائل ـ من بطلان الانحلال في القيود العدمية ، وتعيّن قيديّة السلب الكلي بوحدته الشاملة لجميع الوجودات ـ من وجهين : أحدهما توقّف تحقق القيد العدمي على انتفاء جميع الوجودات ، فتبطل الصلاة بأحد تلك الوجودات. والثاني استناد فساد‌

٢٧٢

المطلوب بعدمه كليّا (١) ، واستناد الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها ، ومع التعاقب إلى خصوص السابق منها ولغويّة اللاحق هو قيام ملاك المانعيّة بصرف وجود الموضوع بالمعنى المنطبق على السلب الكلّي (٢) ، ويكون هو القيد بنفسه دون آحاده ، والتحرّز عن مجموع الوجودات محصّلا له (٣) ، ويرجع الأمر في موارد الشبهة إلى تردّد المحصّل الخارجيّ دون نفس متعلّق التكليف بين الأمرين (٤).

قلت : بعد أن لا سبيل إلى دعوى قصور في أدلّة أبواب‌

__________________

الصلاة عند تقارن الوجودات إلى القدر المشترك ، وعند تعاقبها إلى السابق منها ، بدعوى أنّ ما ينتقض بأحد الوجودات ويستند انتقاضه ـ مع التعدد ـ إلى السابق منها ، أو القدر المشترك ، ويلغو غيره إنما هو السلب الكلّي الوحداني دون آحاده المنحلّ إليها ، فيكون هو القيد دونها ، ومقتضاه قيام المانعية بصرف الوجود الحاصل بأوّل الوجودات ، فلا مانعية لغيره.

(١) أي بجميع وجوداته.

(٢) يعني لا صرف الوجود بمعناه الآخر الممتنع في التكاليف العدمية ، وقد تقدّم منه قدس‌سره عند ذكر الأقسام الأربعة أن موضوعات التكاليف العدمية بأسرها من قبيل القسم الرابع ، ولا يعقل موضوعيّتها بلحاظ صرف الوجود إلاّ إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات فيما إذا كان المطلوب نفس السلب الكلي كما في باب النذر.

(٣) بدعوى أنّه أمر واحد ـ اعتبارا ـ متولد من ترك المجموع ، ومتحصل منه.

(٤) أي الأقل والأكثر ، والمرجع في مثله الاشتغال.

٢٧٣

الموانع ـ خصوصا ما نحن فيه (١) ـ عن الدلالة على استقلال كلّ واحد ممّا ينطبق على عناوين موضوعاتها في المانعيّة ملاكا وخطابا ، فالخروج عن ذلك يتوقّف على قيام دليل يكون من قبيل القرينة المنفصلة على خلاف ظواهر الأدلّة ، ولو قام دليل على أنّ الاضطرار إلى لبس شي‌ء منها في حال الصلاة يوجب السقوط كليّا ـ لا متقدّرا بمقداره ـ كان ذلك كاشفا عمّا ذكر من قيديّة نفس السلب الكلّي ، لكن لا عين ولا أثر لهذا الدليل (٢) ، بل ما دلّ بعمومه على أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها (٣)

__________________

(١) لعلّ العمدة في وجه الخصوصية لما نحن فيه التعبير بأداة العموم في موثقة ابن بكير المتقدمة الدالة بظاهرها على الاستقلالية والانحلال ، وأمّا الوجه العامّ المطرد في جميع أبواب الموانع فهو ما مرّ من ظهور العناوين المأخوذة موضوعا للمانعية في أدلتها ـ كالحرير والذهب ونحوهما ـ في الطبيعة المرسلة المنطبقة على آحاد مصاديقها ـ حذو ظهور عنوان الخمر المأخوذ موضوعا للنهي النفسي في ذلك.

(٢) حاصل الكلام أن ظهور أدلة الموانع في نفسها في الانحلاليّة واضح ـ حسبما مرّ ـ ، ولا مجال لرفع اليد عنه والحمل على قيدية السلب الكلّي إلاّ بدليل منفصل ، كما لو فرض قيام الدليل على أن الاضطرار إلى لبس شي‌ء منها حال الصلاة يوجب السقوط بالمرّة لا بمقداره ، لكن لا دليل من هذا القبيل ، بل الدليل على خلافه موجود.

(٣) هذه قاعدة فقهية متصيّدة ممّا دلّ على رفع ما اضطرّ إليه ، وأن كلّ محرّم شرعي فهو محلل لمن اضطر إليه ، بضميمة ما يستفاد منها عرفا‌

٢٧٤

قاض بخلافه (١) ، وقد تسالموا في المقام وأشباهه أيضا على ذلك (٢) ، ولا بدعوى قيام دليل آخر على ثبوت تكليف جديد (٣) بعد خروج السلب الكلّي بالاضطرار إلى بعض الوجودات عن القيديّة ، بل جريا منهم على ما يقتضيه أدلّة المانعيّة (٤).

وأمّا ما ذكر موجبا للخروج (٥) عن ظواهر الأدلّة وكاشفا عن قيديّة نفس السلب الكلّي فكلّه بمعزل عن ذلك (٦) :

أمّا التوقف على انتفاء ما قيّد المطلوب بعدمه كليّا فاستناده إلى الارتباطيّة ظاهر (٧) ، ولذا يطّرد في القيود المتباينة أنواعها‌

__________________

من لزوم الاقتصار على أقل ما يرتفع به الاضطرار ، إذ لا اضطرار بالنسبة إلى الزائد عليه ، والظاهر أنه ليس هناك عموم يدلّ على القاعدة المذكورة ، وإن أوهمه ظاهر المتن ، فلاحظ.

(١) أي بخلاف السقوط الكلّي.

(٢) أي على عدم السقوط الكلي.

(٣) يعني بالنسبة إلى الباقي.

(٤) من الانحلال واستقلال كلّ فرد في المانعية ، فلا يسقط بالاضطرار عن المانعية سوى المضطر إليه دون غيره.

(٥) المراد به الوجهان المتقدمان آنفا.

(٦) أي عن كونه موجبا للخروج المذكور وكاشفا عن القيدية المزبورة.

(٧) فإنّ مقتضى الارتباطية بين أجزاء المطلوب وقيوده الوجودية والعدمية توقّف صحته على وجدانه لجميع ذلك ، فيفسد بفقد واحد منها ، وإذ عرفت دلالة أدلة الموانع على الانحلال وتعدّد المانعية بتعدّد وجودات‌

٢٧٥

أيضا (١) ، ويدور مقدار الكليّة المعتبرة من هذه الجهة (٢) مدار مقدار القيديّة ، ويخرج ما سقطت قيديّته بالاضطرار عن الدائرة ، وأين هذا عن قيديّة نفس السلب الكلّي؟ وهل هو إلاّ من لوازم الانحلال والارتباطيّة؟

وأمّا استناد الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها ، ومع التعاقب إلى السابق منها فمنافاته لكون القيديّة انحلاليّة وإن توهّمه غير واحد من أفاضل من عاصرناهم ، بل كانوا‌

__________________

موضوعها وتقيّد الصلاة بعدم كلّ منها ، فلا محالة يتوقّف صحتها وانطباقها على المطلوب على عدم الجميع ، فتفسد بوقوعها في أحدها كما تفسد بفقدها لأحد أجزائها أو شرائطها. وبالجملة فلا دخل لقيدية السلب الكلي في التوقف المذكور ، بل هو من مقتضيات الارتباطية سواء بني على السلب الكلي أو على الانحلال.

(١) فإنّه يعتبر انتفاء جميع الأنواع التي قيّد المطلوب بعدمها ـ كغير المأكول والذهب والحرير ونحوها ـ كلّ بجميع مصاديقه ، ويفسد العمل بوقوعه في أحد مصاديق أيّ منها كان من غير فرق ، وليس ذلك إلاّ من لوازم الارتباطية ، وإلاّ فعلى القائل المذكور الالتزام بكشف ذلك عن قيدية سلب كلّيّ واحد شامل للجميع ، ولا يظن التزامه به.

(٢) وهي كليّة اعتبار انتفاء كلّ ما قيّد المطلوب بعدمه ، والحاصل أنّه يدور مقدار هذه الكلّية وسعة دائرتها مدار مقدار القيود العدمية بما لكلّ نوع منها من المصاديق ـ حسبما يقتضيه الانحلال ـ فتتسع دائرة تلك الكليّة مهما كثرت القيود ، وتتضيّق إذا قلّت ، ويكون ما سقط عن القيدية باضطرار ونحوه خارجا عن تلك الدائرة.

٢٧٦

في حيص وبيص (١) في جريان البراءة في المقام من ذلك ، لكنّه مدفوع :

أوّلا بالنقض بما إذا كانت الوجودات المتقارنة أو المتعاقبة متباينة في أنواعها (٢).

وثانيا بالحلّ ، فإنّ المقيّد بعدم الخصوصية المانعة ليس هو الشخص الخارجي كي يكون عدم قابليّته لأن يتعدّد أو يتكرّر فساده (٣) موجبا لخروج الأنواع المتباينة ـ فضلا عن أشخاص نوع واحد ـ عن المانعيّة المطلقة (٤) ، وإنّما المقيّد بذلك هو الطبيعة‌

__________________

(١) يقال : وقعوا في حيص بيص ، أي في اختلاط لا مخلص لهم منه ، والظاهر زيادة الواو الواقعة في المتن بين الكلمتين.

(٢) كما إذا اجتمع مصداق من غير المأكول مع فرد من الحرير متقارنين أو متعاقبين ، فإنّ حديث الاستناد آت فيه أيضا ، فلو كان الحديث المزبور كاشفا عن قيدية السلب الكلي لكان كاشفا عن قيدية سلب كلّي واحد شامل لوجودات جميع الأنواع المتباينة ـ حذو ما مرّ في الوجه الأوّل ـ ، ولا يظنّ أن يقول بها هذا القائل.

(٣) تعدّد الفساد بالنسبة إلى المتقارنين ، وتكرّره بالنسبة إلى المتعاقبين.

(٤) ليختصّ مانعيتها بصورة عدم سبق غيرها عليها ، ويختص استقلالها في المانعية بما إذا لم يقترن بها غيرها.

ومحصّل المرام أن الوجه المذكور إنما يجدي لإثبات قيديّة السلب الكلي وقيام المانعية بصرف الوجود فيما إذا اعتبر قيدا للشخص الخارجي ، فيقال حينئذ : إن عدم قابلية الشخص لأن يعرض عليه الفساد أكثر من‌

٢٧٧

المأمور بها ، ويدور كون السلب الكلّي قيدا بنفسه أو كونه انحلاليا مدار قيام المنافاة لملاك حسنها (١) بصرف وجود الموضوع ، بحيث لو ارتفعت عن شخص ارتفعت كليّا ، أو قيامها بأشخاص وجوداته بحيث لا ترتفع عن كلّ واحد منها إلاّ بما يوجب ارتفاعها * عن شخص نفسه (٢) ، وينحصر الكاشف الإنّيّ عن ذلك بكون‌

__________________

مرّة يقتضي أن يستند فساده إلى أسبق وجودات مانعه من أيّ نوع كان ، ومع التقارن إلى الجامع بينها ، فتختص المانعية بذلك ، ويسقط ما سواه عن المانعية ، فلا مانعية مطلقة للأنواع فضلا عن أشخاص النوع الواحد.

لكن لا ريب في عدم رجوع القيد إلى الشخص الموجود لعدم كونه المأمور به بنفسه ، كيف وهو مسقط للأمر والأمر به تحصيل للحاصل ، وإنما الأمر متعلق بالطبيعة ـ كما أوضح في محلّه ـ ، فهي المتقيّدة به ، إلاّ أنّها لا يتصوّر فيها الفساد ليبحث عن أنّ فسادها مستند إلى الأسبق أو الجامع ، وإنما المتصف به هو الشخص الخارجي ، والقيد غير راجع إليه ، فما يرجع إليه القيد لا موضوع فيه للبحث المذكور ، وما فيه موضوعه لا يرجع إليه القيد. هذا ، وستعرف الآن ما يقتضيه تقيّد الطبيعة بعدم المانع.

(١) أي : حسن الطبيعة ، والمنافاة لملاك حسنها عبارة أخرى عن المانعية عنها ، فإنّ المانع الشرعي ـ كما سبق ـ مانع تكوينيّ عن الملاك مناف له ثبوتا.

(٢) يعني : يقتصر في ارتفاع المنافاة على الشخص الذي له موجب‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( ارتفاعه ) والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

السقوط بالاضطرار إلى البعض كليّا أو متقدّرا بمقداره ، وإذ قد عرفت أنّ المتعيّن هو الثاني فاحتمال قيدية السلب ساقط من أصله.

وأمّا فساد الفرد (١) فليس إلاّ عبارة أخرى عن خروجه عن الانطباق على الطبيعة المأمور بها ، وظاهر أنه لو تعدّد ما يوجب ذلك (٢) كان مستندا إلى الجميع بنسبة واحدة ـ لا محالة ـ كما هو‌

__________________

لارتفاعها عنه ، ولا يتعدّى إلى غيره.

ومحصّل المقصود أنه لمّا كانت المانعية راجعة إلى الطبيعة المأمور بها دون الشخص فمانعية شي‌ء عنها ناشئة ـ لا محالة ـ عن منافاته لملاك حسنها ثبوتا ، فإن كان المنافي له هو صرف وجود المانع بحيث ترتفع منافاة المانع له بالمرّة إذا ارتفعت منافاة مصداق منه له فمقتضاه قيدية السلب الكلّي ، وإن كان المنافي له كلّ واحد من آحاد وجوداته ، بحيث إذا ارتفعت منافاة بعضها له لموجب مّا بقيت منافاة الباقي له بحاله فمقتضاه قيدية الآحاد بنحو الانحلال ، وهذا هو الفارق الثبوتي بينهما.

وأما إثباتا فالكاشف الوحيد عمّا ذكر هو ملاحظة كون السقوط بالاضطرار ـ أو نحوه ـ إلى البعض كليا ، أو متقدرا بمقداره ، فإن كان الأوّل انكشف قيدية السلب الكلي ، وإن كان الثاني انكشف الانحلال ، وإذ تقدّم أن الثاني هو المتعين ، للعموم المؤيّد بالتسالم ، فيتعيّن الانحلال.

(١) غرضه قدس‌سره من هذا الكلام توضيح أن حديث الاستناد السالف الذكر وإن تمّ في الجملة ، لكنّ بينه وبين ما نحن بصدده بعد المشرقين ، فهو بمعزل عن صلاحيته لإثبات قيدية السلب الكلّي.

(٢) أي : ما يوجب الفساد والخروج عن الانطباق المذكور.

٢٧٩

الشأن في أشباهه (١) ، ولو سبق فساده لبعض ذلك (٢) فهل هو إلاّ كالسابق فساده لسبق مانع من نوع آخر؟ وهل اللاحق (٣) حينئذ إلاّ كالوارد على فعل آخر أجنبيّ عن المأمور به؟ وهل بين عدم التأثير في فساده حينئذ وبين الانحلال وعدمه إلاّ بعد المشرقين؟.

وبالجملة فالذي ينافي الانحلال ويكشف عن قيديّة نفس السلب الكلّي هو عدم تأثير المسبوق بمثله (٤) للفساد إذا لم يؤثّر السابق في * فساده لسقوط القيديّة بالنسبة إليه ـ كما عند‌

__________________

(١) مما اجتمعت فيه علّتان على معلول واحد ، فإن المحقّق في محله أن التأثير حينئذ يكون لهما مجتمعتين ، أو للقدر المشترك بينهما ، لا لكلّ منهما مستقلة.

(٢) أي لبعض موجبات الفساد.

(٣) أي الموجب اللاحق ، والمقصود أن ورود اللاحق لا يؤثر في فساده شيئا بعد تأثير السابق فيه ، فوروده عليه بعد فساده بمنزلة وروده على فعل أجنبيّ عن المأمور به في عدم ترتّب أثر عليه.

(٤) يعني به اللاحق المسبوق بمماثله في النوع ، وهذه عبارة أخرى عمّا تقدم آنفا من أن الذي يكشف عن قيدية السلب الكلي هو كون المانعية بحيث إذا سقطت عن شخص سقطت كليّا ، فإن لازم كون المانعية كذلك أنّه إذا لم يؤثّر السابق في الفساد لسقوط القيدية بالنسبة إليه لاضطرار ـ مثلا ـ فلا يؤثر اللاحق ـ المماثل له في النوع ـ أيضا في الفساد ، لسقوط القيدية حينئذ عن نوعه رأسا.

__________________

(*) كلمة ( في ) غير موجودة في الطبعة الاولى وقد أضفناها لاقتضاء السياق.

٢٨٠