الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

حكما على ذلك الموضوع هو الأوّل ، وهو الأصل فيه.

وأمّا التكاليف التحريميّة فاشتراطها بوجود موضوعاتها مطلقا (١) هو المتعيّن فيها ، ولا مجال لأن يتطرّق فيها الاحتمال الآخر (٢) أصلا ، إذ بعد وضوح أنّ مناط حرمة الخمر ـ مثلا ـ وكلّ نجس ومحرّم هو المفسدة التي في تلك الموضوعات ، فلو أمكن أن تكون تلك المفسدة مناطا لوجوب حفظ الموضوع (٣) في شي‌ء من المحرّمات مقدّمة لتمكّن المكلّف من تركه الاختياري كان المناط حينئذ مطلقا بالنسبة إلى وجود الموضوع في بقائه ـ لا محالة ـ ، حذو ما عرفته في وجوب تجهيز الميّت ونحوه ، لكن حيث لا مجال (٤) لأن يتوهم مناطيّة تلك المفسدة في شي‌ء من المحرّمات لذلك فلا محيص عن اشتراط كلّ محرّم ـ حدوثا وبقاء ـ بوجود موضوعه مطلقا.

وأمّا وجوب إعدام الموضوع (٥) لو توقّف عليه التخلّص عن‌

__________________

(١) حدوثا وبقاء خطابا وملاكا.

(٢) وهو إطلاق ملاكها ، وعدم اشتراطه بقاء ببقاء موضوعه المستتبع لوجوب حفظ الموضوع وحرمة إعدامه.

(٣) بحيث تقتضي المفسدة الكامنة في الخمر الموجود وجوب إبقائه لكي يتمكن المكلّف من ترك شربه اختيارا ، إذ مع انعدامه فشربه منترك قهرا.

(٤) إحالة إلى الوجدان الجازم بانتفاء هذا الاحتمال رأسا في جميع أبواب المحرّمات ، فيتعيّن كون الحرمة مطلقا مشروطة بوجود موضوعها حدوثا وبقاء.

(٥) تحصّل ممّا تقدّم أن التكليف الوجوبي تارة يجوز إعدام موضوعه ـ كما‌

٢٤١

الحرام ، كما لو علم من نفسه أنّه يغلبه الهوى مع بقائه (١) ، أو كان مكرها على تناوله ومختارا في إعدامه فأجنبيّ عن هذا الوادي (٢) ، على كلّ من تقديري كونه من الإرشاديات العقليّة الراجعة إلى مرحلة الامتثال (٣) أو كونه مولويّا مترشحا ـ حذو وجوب المقدّمة ـ من النهي (٤) ، فإنّ إعدام الموضوع وإن كان مستتبعا لسقوط خطابه ـ لا محالة ـ لكنّ مناط استقلال العقل بوجوبه في مفروض المقام ـ بأحد الوجهين (٥) ـ

__________________

في وجوب الوفاء بالعقد ـ واخرى لا يجوز ـ كما في وجوب تجهيز الميت ـ ، وأن التكليف التحريمي يجوز إعدام موضوعه مطلقا في جميع موارده لتعيّن كون الحرمة مشروطة بوجود موضوعها حدوثا وبقاء ، ومعه لا يعقل حرمة إعدامه. وتعرّض قدس‌سره هنا لحكم التحريمي من حيث وجوب إعدام موضوعه وعدم وجوبه ، وأنّه إذا ثبت وجوبه في مورد فلا ينافي اشتراط التكليف في بقائه بوجود موضوعه ، كما كان ينافيه حرمة إعدامه ، وسيأتي التفصيل.

(١) أي بقاء الموضوع كالخمر ، فلا يقدر على كفّ نفسه عن شربه ، فيعدمه تخلّصا عن الوقوع في المعصية.

(٢) أي لا ارتباط له بحديث اشتراط التحريم بوجود موضوعه حدوثا وبقاء ، فلا يصادمه ولا ينافيه.

(٣) بناء على إنكار الوجوب الشرعي المولوي للمقدّمة ، فيكون حكما عقليّا مستقلا واقعا في مرحلة الإطاعة.

(٤) أي وجوبا غيريا مترشحا من النهي ـ حذو ترشح وجوب المقدمة من وجوب ذيها ـ لتوقف امتثال النهي عليه ، فيدخل في باب الملازمات العقلية.

(٥) هما كونه إرشاديا أو مولويا غيريا.

٢٤٢

ليس هو استتباعه لذلك (١) ، كي يمتنع أن يتكفّله الخطاب (٢) على كلّ من تقديري اشتراطه بموضوعه وعدمه (٣) ، وإنّما مناطه هو توقّف التخلّص عن عصيان النهي عليه (٤) بلا دخل لما يستتبعه فيه (٥) ، وكون الاشتراط (٦) بالموضوع بمعزل عن كونه موجبا‌

__________________

(١) أي لسقوط خطابه ، فإنّ إسقاط الخطاب غير واجب على المكلّف كي يكون هو المناط المقتضي لوجوب إعدام الموضوع ، وإنما الواجب عليه هو امتثال الخطاب بفعل الواجب أو التجنّب عن الحرام.

(٢) أي يتكفل سقوط الخطاب ، يعني : كي يقال إنّه يمتنع تكفل الخطاب سقوط نفسه ، إذ الحكم لا يعقل أن يتكفل إيجاد نفسه أو إبقاءه أو إعدامه ، فلو فرض اقتضاء الملاك لسقوط الخطاب فلا يتكفّله إلاّ خطاب آخر متمّم.

(٣) إذ لا يختص امتناع تكفل الخطاب سقوط نفسه بصورة إطلاق ملاكه وعدم اشتراطه حدوثا وبقاء بموضوعه ، باعتبار أنّ مقتضى الإطلاق المزبور وجوب حفظ الموضوع فلا يعقل معه وجوب إسقاط الخطاب بإعدام الموضوع ، بل الامتناع المذكور يعمّ صورة الاشتراط بالموضوع ، ـ المستتبع لجواز إعدامه ـ أيضا ، لما عرفت من أنّ الشي‌ء لا يمكن أن يتكفل إسقاط نفسه ويسبّب إعدامه.

(٤) أي على إعدام موضوعه ، فيكون إعدامه مقدمة لامتثال النهي والتجنب عن الحرام ، إذ المفروض أنّه لو تركه لغلبة الهوى وأوقعه في الحرام.

(٥) يعني أنّ ما يستتبعه إعدام الموضوع من سقوط الخطاب لا دخل له فيما هو المناط لوجوب إعدامه.

(٦) الظاهر ( ويكون ) والاشتباه من الناسخ ، والمقصود أن اشتراط الخطاب‌

٢٤٣

لتخصيص حكم العقل بوجوب ما يتوقّف عليه التخلّص المذكور بما عدا إعدامه.

وهذا في غير صورة الإكراه (١) ظاهر ، وكذا في تلك الصورة أيضا ، فإنّ مبنى وجوب الإعدام في هذه الصورة (٢) هو اعتبار عدم المندوحة في ترك الواجب أو فعل الحرام المكره عليه ، وإلاّ فلا موجب له على كلّ تقدير ، وحيث إنّ المدار في المندوحة المعتبر عدمها على إمكان التفصّي عمّا أكره عليه (٣) ، لا على التمكّن من رفع‌

__________________

بموضوعه حدوثا وبقاء ـ الذي عرفت أنّه المتعيّن في المحرّمات ـ لا يقتضي وجوب حفظ الموضوع وحرمة إعدامه ، ليمتنع معه حكم العقل بوجوب إعدامه في مفروض المقام توصّلا به إلى التخلّص من الحرام ، ويوجب تخصيص حكمه بوجوب ما يتوقف عليه التخلص المذكور بما سوى إعدامه. وهذا ما وسعني عجالة من توضيح عبائر المقام والكشف عن حقيقة المرام ، ولا بدّ من التأمل التامّ.

(١) وهي صورة علمه من نفسه أنّه يغلبه الهوى مع بقاء الموضوع ، فيرتكب الحرام.

(٢) محصّل الكلام : أن وجوب الإعدام في هذه الصورة ـ وهي ما إذا كان مكرها على تناول الحرام ومختارا في إعدامه وإتلافه ـ مبني على اعتبار عدم المندوحة في ارتفاع التكليف بالإكراه ، والمندوحة في المقام موجودة وهي إعدام الموضوع ، فيجب التفصّي به عن الحرام المكره عليه ، أمّا بناء على عدم اعتباره فلا موجب لوجوب الإعدام ، فيجوز فعل الحرام المكره عليه حينئذ ، وترك التفصي عنه بإعدام موضوعه.

(٣) محصّله : أن العبرة في المندوحة إنما هي بإمكان التفصّي عما اكره‌

٢٤٤

موضوع الإكراه كأن يدفع شيئا إلى المكره ليرفع اليد عن إكراهه ، أو التمكّن من إخراج ما أكره عليه عن كونه تركا للواجب أو فعلا للحرام كأن يسافر من أكره على الإفطار في رمضان (١) ليترخّص في إفطاره ونحو ذلك ، فحال إعدام الموضوع في هذه الصورة أيضا كما في سابقتها (٢) ، ولا يخرج باستتباعه سقوط الخطاب عن كونه في‌

__________________

عليه ، بأن يتخلص منه مع بقاء الإكراه وبقاء المكره عليه على صفة الحرام ، فلا يكفي في المندوحة التمكن من رفع إكراه المكره بدفع مال إليه ـ مثلا ـ ليرفع اليد عن إكراهه ، ولا التمكّن من إخراج المكره عليه عن صفة الحرام كالمكره على الإفطار المحرّم في شهر رمضان فيسافر ليسوغ له الإفطار ، فلا يجب على المكره دفع المال المذكور ولا السفر ، لعدم كونه مندوحة وتفصّيا عن ارتكاب الفعل المكره عليه ، ووجوبه من جهة أخرى ـ لو فرض ـ فهو أمر آخر لا كلام لنا فيه ، وهذا بخلاف إعدام الموضوع ـ كالخمر ـ ، فإنه نوع تفصّ عن الحرام المكره عليه ، فيجب.

(١) لا يخفى أنّه إذا أكره على الإفطار بخصوص مصداقه المحرّم فإفطاره في السفر ليس عملا بما اكره عليه ، وإخراجا له عن صفة الحرام ، بل هو مخالفة للإكراه. أمّا إذا أكره على الجامع بين المحرّم والمحلّل فهذا أجنبيّ عن الإكراه على المحرّم وعلى المكره حينئذ اختيار المصداق المحلّل كالسفر والإفطار فيه ، ويجري هذا الكلام في كلّ ما هو من هذا القبيل ، فلاحظ ، ولعلّ المحقق الماتن قدس‌سره ينظر إلى أمر آخر ، والله أعلم.

(٢) أي في وجوبه لتوقّف التخلّص من الحرام عليه ، وقد عرفت عدم سقوط الحرمة في هذه الصورة بالإكراه ، لاعتبار عدم المندوحة فيه وإعدام الموضوع مندوحة.

٢٤٥

حدّ نفسه مندوحة عمّا أكره عليه (١) ، ولا سبيل إلى مقايسته بالسفر في رمضان ونحوه ممّا يوجب رفع وصف الحرمة عمّا أكره عليه ، لا التخلّص عن ارتكابه.

وبالجملة فالبون بعيد (٢) بين حرمة إعدام الموضوع ووجوبه ، والذي ينافي اشتراط الملاك في بقائه بوجود موضوعه هو الأوّل ،

__________________

(١) يعني أن الأعدام المذكور يعدّ مندوحة عمّا أكره عليه ، فيجب بهذا الاعتبار وإن كان في نفس الحال مسقطا للخطاب وإسقاط الخطاب ليس بواجب ويمتنع أن يتكفّله الخطاب ـ كما مر ـ ، فلا تنافي بين وجوبه بعنوان المندوحة والتخلّص به من الحرام وعدم وجوبه باعتبار مسقطيّته للخطاب.

(٢) توضيح لما أشار قدس‌سره إليه أوّلا من أن وجوب إعدام الموضوع في المثالين المتقدمين ونحوهما أجنبيّ عن هذا الوادي ، بل عمّم قدس‌سره هنا الحكم إلى كلّ مورد يقتضي الملاك لزوم إعدام الموضوع مطلقا كاقتضاء الملاك المقتضي لحرمة عبادة الصنم وجوب إعدامه أيضا ، فإن اشتراط خطاب الحرمة وملاكه بوجود الصنم ودورانهما مداره حدوثا وبقاء لا ينافيه وجوب إعدامه ، وإنما الذي ينافيه هو وجوب حفظه وحرمة إعدامه ، لما مرّ من أنّه لو اقتضى الملاك وجوب حفظ موضوع الحرام كان الملاك لا محالة مطلقا بالنسبة إلى بقاء الموضوع ، لكن لا مجال لتوهم اقتضائه ذلك في المحرمات ، فلا محيص عن اشتراطه ببقائه ، إذن فالذي يجتمع مع وجوب الحفظ هو إطلاق الملاك لا اشتراطه ، بخلاف وجوب الإعدام فإنه لا مانع منه مع فرض الاشتراط ، فالصنم ـ مثلا ـ يجب إعدامه فإن بقي ولم يعدم حرم السجود له.

٢٤٦

دون الثاني ، ولا مجال لأن يقاس أحدهما بالآخر ، فلو فرض الملاك مقتضيا لزوم إعدام موضوعه بنفسه ـ كما في الصنم مثلا وأواني الذهب والفضّة وغير ذلك ـ فأيّ منافاة يعقل بينه وبين اشتراطه في حدوثه وبقائه به ، وهل يعقل أن يكون لوجوب الإعدام في الأمثلة إطلاق (١) بالنسبة إلى حالتي وجود الموضوع في حدوثه أو بقائه.

وكيف كان فقد عرفت أنّه لا أثر للاشتراط في البقاء وعدمه فيما نحن بصدده أصلا (٢) ، وقد استطردنا توضيحه.

وإنّما الذي يبتني عليه جريان البراءة (٣) في الشبهات‌

__________________

(١) الظاهر أنّ المراد أن وجوب إعدام الموضوع في الأمثلة المتقدمة لا يعقل له إطلاق كي يقتضي وجوب إحداثه وإبقاء الحادث ، ليتحقق التنافي بينه وبين اشتراط حرمة السجود ـ مثلا ـ بحدوثه وبقائه ، ضرورة التهافت بين وجوب إعدامه ووجوب إحداثه وحفظه ، بل وجوب الإعدام أيضا كحرمة السجود مشروط بحدوث الموضوع وبقائه ، فإذا وجد بنفسه وكان له بقاء وجب إعدامه وحرم السجود له ما دام باقيا.

(٢) أشار قدس‌سره إلى ذلك سابقا بعد الفراغ عن إثبات انحلال القسم الرابع من التكاليف إلى أحكام خاصة لموضوعات كذلك واشتراط كلّ منها ـ خطابا وملاكا ـ بوجود شخص موضوعه ، وأفاد أنّ القدر الذي يقتضيه هذا الاشتراط هو اشتراطه به حدوثا ، أما اشتراطه به في مرحلة البقاء أيضا وعدمه فأجنبيّ عما يقتضيه ذلك ، ويتساوى وجوده لعدمه فيما نحن بصدده ـ كما سيأتي بيانه ـ ، ولأجله كان البحث عنه استطراديا.

(٣) بيان لما نحن بصدده وتعليل لكون مسألة البقاء أجنبيّة عنه ،

٢٤٧

الموضوعية الوجوبية والتحريمية هو الانحلال المتقدّم توضيحه واشتراط كلّ من الخطابات التفصيلية المنحلّة إليها تلك الكبرى بوجود موضوعه في حدوثه ، على كلّ من تقديري الاشتراط في البقاء أيضا وعدمه.

فنتيجة الأمر الأوّل (١) هي دوران تنجّز التكليف في هذا القسم مدار العلم بآحاد تلك الخطابات التفصيليّة المذكورة ، لأنّها هي التكاليف الفعليّة والبعث والزجر المتوجّه إلى المكلف ، وأمّا نفس الكبرى فليس العلم بها إلاّ علما بخطاب مشروط (٢) يتوقف فعليّته‌

__________________

ومحصّله : أنّ الذي نحن بصدده هو جريان البراءة في الشبهات الموضوعيّة لهذا القسم ، وهذا إنما يبتني على الانحلال واشتراط كلّ من الخطابات التفصيليّة بوجود موضوعه حدوثا ، إذ يكون الشك في حدوثه شكا في التكليف مجرى للبراءة ، ولا أثر للاشتراط به بقاء وعدمه في ذلك ـ كما لا يخفى.

(١) أشار قدس‌سره آنفا إلى الأمرين بقوله : ( الانحلال المتقدم توضيحه واشتراط. إلخ ) ، ومرّ تفصيلهما في ابتداء البحث عن القسم الرابع ، وهذا الكلام عود إلى أصل المطلب الذي كان قدس‌سره بصدد تحقيقه ، هذا.

والوجه في أنّ نتيجة الأمر الأوّل هو دوران تنجز التكليف مدار العلم بآحاد الخطابات التفصيلية المنحلّ إليها وعدم كفاية العلم بالكبرى المنحلّة هو ما أشير إليه في المتن من أنّ الخطابات المنحلّ إليها هي الأحكام الفعليّة المتوجّهة إلى المكلفين ، وبضميمة أنّ التنجز يدور مدار العلم بالحكم الفعلي ينتج دوران التنجز مدار العلم بتلك الخطابات.

(٢) فإنّها حكم كليّ مجعول على موضوعه المقدّر وجوده ، وقد عرفت أنّ‌

٢٤٨

على وجود شرطه كوجوب الحجّ على المستطيع ـ مثلا ـ ونحو ذلك.

ونتيجة الأمر الثاني (١) هي توقّف العلم بكلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة على العلم بشخص موضوعه ، ورجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في البعث أو الزجر المجعول على تقديره ـ كما في الشكّ في الاستطاعة ونحوها ـ ، فكما أنّ نفس تلك الكبرى ـ كوجوب قضاء الفريضة الفائتة مثلا أو حرمة شرب الخمر ونحو ذلك ـ ليست بنفسها تكليفا متوجّها بالفعل إلى المكلف ، ولا بعثا أو زجرا فعليا له إلاّ بعد انضمام الصغرى إليها وبمقداره (٢) ، فكذلك‌

__________________

مقتضاه الاشتراط ، فهي ليست إلاّ حكما شأنيّا مشروطا فعليّته بوجود موضوعه ، فالعلم بها وحدها لا يؤثر في تنجز التكليف.

(١) وهو اشتراط فعليّة كلّ من الخطابات التفصيلية بوجود شخص موضوعه ، والوجه في إنتاجه توقف العلم بفعلية كلّ من تلك الخطابات ـ الذي عرفت آنفا أن التنجّز يدور مداره ـ على العلم بوجود شخص الموضوع واضح ، فإنّ مقتضى اشتراط شي‌ء بشي‌ء وإناطته به استلزام العلم بالثاني العلم بالأوّل وكشفه عنه إنّا ، وإذ لا سبيل إلى استكشاف فعلية الخطاب إلاّ بالعلم بتحقق موضوعه خارجا فلا محالة يتوقّف العلم بها على العلم به ، فمع الشك فيه تكون هي مشكوكا فيها أيضا ومجرى للبراءة ، هذا. والمتحصّل من النتيجتين المتقدّمتين أن العلم بوجود الموضوع يستلزم أمرين متلازمين العلم بالخطاب الفعلي وتنجّزه ، فإذا شكّ في وجوده فلا علم بالخطاب الفعلي ولا تنجّز.

(٢) أي بمقدار الانضمام وبعدده ، إذ تتعدّد التكاليف المتوجهة بالفعل إلى‌

٢٤٩

العلم بها أيضا ـ حذو النعل بالنعل.

وبالجملة فيجري آحاد تلك الخطابات التفصيلية التي عرفت أنّها التكاليف المتوجهة إلى المكلّفين مجرى النتيجة المتحصّلة في نفس الأمر من انضمام صغرى خارجيّة إلى كبرى شرعيّة ـ كما هو الشأن في جميع شرائط التكليف (١) ـ ، وكما أنّ تحقق تلك النتيجة في نفس الأمر يتوقّف على انضمام الأمرين ، فكذلك العلم بها أيضا يتوقف على العلم بالمقدّمتين ، ولا يعقل أن يكون العلم بالكبرى وحدها علما بالنتيجة أو منجزا لها مع عدم العلم بها (٢) ، وإلاّ لزم‌

__________________

المكلفين بتعدّد صغريات الموضوع المنضمّة إلى الكبرى ، وهكذا في مرحلة التنجّز تتعدّد التكاليف المتنجّزة بتعدّد العلم بالصغريات المنضمّ إلى العلم بالكبرى.

(١) المراد بها ما يقابل الموضوع ذا الأفراد المقدّرة الوجود ـ الذي به امتاز القسم الرابع عن الأقسام الثلاثة الأول المتقدّمة ـ ، فإنّ شرائط التكليف مشترك فيها بين جميع الأقسام الأربعة ، ولا أقلّ من الشرائط العامة ، وفعلية كلّ تكليف نتيجة متحصّلة من انضمام صغرى تلك الشرائط إلى الكبرى الشرعية ، وتنجزه نتيجة مترتبة على العلم بالأمرين ، هذا وفي عبارة المتن إشارة إلى أنّ صغرويّة تحقّق الموضوع في القسم الرابع إنما هي بملاك صغرويّة تحقّق شرط التكليف في جميع أقسامه ، لما مرّ تحقيقه من اقتضاء الموضوعية في هذا القسم للاشتراط.

(٢) قيد المعيّة راجع إلى الثاني خاصة أعني منجزا ، وضميرا التأنيث راجعان إلى النتيجة.

٢٥٠

التعدي (١) إلى كلّ خطاب مشروط مع الشكّ في حصول شرطه ، وكان خروجا عمّا يستقلّ العقل به من قبح العقاب على المجهول.

وقد انقدح ممّا حرّرنا المقام به أنّ انطباق عنوان الموضوع على ما يشكّ كونه مصداقا له من باب المقدّمة الوجوبية (٢) ، وأنّ حديث (٣) المقدّمة العلميّة المتكرّر ذكره والاستشكال‌

__________________

(١) أي التعدي من الأحكام المجعولة على موضوعاتها المقدّر وجودها ـ كما في القسم الرابع ـ إلى كلّ حكم مشروط ، فيشمل سائر الأقسام ، وجه اللزوم أنّه لا خصوصيّة للقسم الرابع تقتضي كفاية العلم بكبراه في العلم بالنتيجة وتنجز خطابه ـ وإن لم ينضم إليه العلم بتحقّق موضوعه صغرى ـ ، فلو كفى فبملاك الكفاية في الخطاب المشروط ـ وإن لم يعلم بحصول شرطه صغرى ـ ، وهذا ممّا يستقل العقل بخلافه ، فإنّه مستقل بقبح العقاب على المجهول ، والتكليف المعلوم كبراه فقط ـ من دون العلم بصغراه وبحصول شرائطه والمفروض توقّف فعليّته على تحقّقها ـ مجهول الفعلية ، فكيف يتنجّز ويعاقب عليه.

(٢) التي يعبّر عنها بشرط الوجوب وشرط التكليف أيضا ، فإذا كان عنوان الموضوع منطبقا في نفس الأمر على المشكوك وكان هو فردا منه ـ بحسب الواقع وإن لم يعلم به ـ فقد تحقّق أحد شروط التكليف ومقدّماته واقعا ، وقد مرّ أنّ قضية الموضوعيّة هو الاشتراط.

(٣) وهو أن التكليف إذا تعلّق بكليّ ذي أفراد معلومة ومشكوكة وجب الاحتياط بمراعاة التكليف بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة أيضا من باب المقدمة العلمية ، لتوقف العلم بالامتثال بالنسبة إلى الأفراد الواقعيّة على‌

٢٥١

به (١) في كلمات شيخنا أستاذ الأساتيذ ـ نوّر ضريحه ـ في كلا بابي الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة والتحريميّة أجنبيّ عنه (٢) بالكليّة ، ولا يخفى أنّ ما أفاده قدس‌سره في دفعه يوهم بظاهره دعوى اختصاص الحكم الواقعي بالمصاديق المعلومة (٣) ، لكن لمنافاته لما هو المعلوم من مسلكه (٤) فينبغي إرجاعه إلى ما‌

__________________

ذلك ، ولا مجال لقاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ) نظرا إلى ورود البيان الشرعي بالنسبة إلى الحكم الكبروي.

(١) أي ذكره بعنوان الإشكال على جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية.

(٢) أي عن الانطباق المذكور الذي عرفت أنّه من باب المقدّمة الوجوبية ، وذلك لأنّ المقدمة الوجوبية هو وجود المصداق الواقعي لموضوع الوجوب ـ كالعقد بالنسبة إلى وجوب الوفاء به ـ وإن كان مجهولا لدى المكلف ، والذي هو مقدمة علمية هو إلحاق المصداق المشكوك بالمعلوم في مقام الامتثال تحصيلا للعلم بالامتثال ، وأين أحدهما من الآخر.

(٣) قال قدس‌سره في باب الشبهة الموضوعية التحريمية : ( إن النهي عن الخمر ـ مثلا ـ يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا أو إجمالا ، وأما الأفراد المشكوكة فلم يعلم من النهي تحريمه ، وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرّم يحسن العقاب عليه ، وأظهر منه قوله قدس‌سره في الشبهة الوجوبية : ( إن قوله « اقض ما فات » يوجب العلم التفصيلي بوجوب قضاء ما علم فوته وهو الأقل ، ولا يدلّ أصلا على وجوب ما شكّ في فوته. ثم قال :

فالأمر بقضاء ما فات واقعا لا يقتضي إلاّ وجوب المعلوم فواته إلخ ).

(٤) فقد صرّح قدس‌سره في أوائل مبحث القطع من فرائده بأنّ أحكام الخمر إنما‌

٢٥٢

أوضحناه (١).

فهذا (٢) هو محصّل الفارق بين ما يلحقه شرطيّة أخرى انحلالية من ناحية تعلّقه بالموضوع الخارجيّ ، ويكون كالجزء الأخير من شرائط التكليف (٣) ـ كما هو مرجع هذا القسم الأخير ـ وما ينتفي ذلك فيه ـ كما في بقيّة الأقسام ـ ، وتحصّل منه (٤) أنّ مرجع كلّ ممّا أخذ شرطا للتكليف أو موضوعا له على نهج القضايا الحقيقيّة إلى الآخر ، لما عرفت من أنّ عقد الوضع في تلك القضايا‌

__________________

تثبت للخمر لا لما علم أنّه خمر ، وقال قدس‌سره بعد ذلك في مطاوي كلماته : ( بناء على أن الحرمة والنجاسة الواقعيتين إنما تعرضان مواردهما بشرط العلم لا في نفس الأمر ـ كما هو قول بعض ـ).

(١) من أنّ فعلية التكليف الواقعي تدور مدار تحقّق موضوعه واقعا ـ علم به أم لا ـ وتنجزه يدور ـ بعد العلم بالكبرى ـ مدار العلم بتحقق الموضوع ، فإذا شك في تحققه كان شكا في التكليف مجرى للبراءة. إذن فتنجزه هو المختص بالمصاديق المعلومة دون أصل فعليته.

(٢) أشار قدس‌سره بلفظ الإشارة هذا إلى ما استوفى بحثه وأكمل أشواطه بما لا مزيد عليه من بيان الفارق المنظور بين القسم الرابع وسائر الأقسام ، وهو تضمن القسم الرابع شرطية انحلالية ناشئة من تعلّقه بموضوع خارجي ذي أفراد مقدّرة الوجود بلحاظ مطلق وجوده ، وعدم تضمن سائر الأقسام لها ، لعدم تعلّقها بموضوع كذلك ، فهذا الكلام منه قدس‌سره استنتاج من جميع ما تقدم ، واستخلاص منه.

(٣) قد مرّ الوجه في ذلك عند تعرّضه قدس‌سره له سابقا.

(٤) مرجع الضمير بعينه هو المشار إليه باسم الإشارة آنفا.

٢٥٣

يتضمّن الاشتراط (١) ، ومآل كلّ اشتراط إلى الموضوعية.

وقد تبيّن من ذلك أنّ ضابط رجوع الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في التكليف هو رجوعها إلى الشكّ فيما يستتبع التكليف ، وقد عرفت انحصاره (٢) بما كان شرطا أو موضوعا له ، وضابط رجوعها إلى الشكّ في الامتثال هو رجوعها إلى الشكّ في تحقق (٣) الفعل أو الترك المطالب به بعد العلم بالطلب به ـ ولو لتردّد موضوعه بين المتباينين ، أو محصّله بين الأمرين (٤) ـ ، ويلحق الشكّ فيما‌

__________________

(١) مرّ شرح هذا وما بعده سابقا ، فلا وجه للإعادة.

(٢) أي : انحصار ما يستتبع التكليف ويدور فعليّته مداره في الشرط والموضوع المختلفين اصطلاحا والمتحدين مآلا ، وقد تبيّن من التفاصيل المتقدمة حول الأقسام أن الشبهة المصداقية الراجعة إلى الشك في التكليف ناشئة من الشك في حصول الشرط في كل من الأقسام الأربعة ، ومن الشك في وجود الموضوع في خصوص القسم الرابع ، وأنّه في القسم الثالث لمّا كان مرجع الشك في تحقّق موضوعه إلى الشك في القدرة اختصّ إلحاقها بسائر الشرائط في جريان البراءة من دون فحص بما إذا كانت شرعيّة لا مطلقا.

(٣) فيكون شكا في الامتثال بعد ثبوت التكليف وتنجزه بالعلم به تفصيلا أو إجمالا ، والمرجع فيه قاعدة الاشتغال.

(٤) فإنّ الشك في تحقق المطلوب بعد العلم بطلبه ينشأ تارة من الشك في أصل صدوره من المكلّف ، وأخرى من تردّد موضوعه بين المتباينين ، كما إذا تردّد الخمر المعلوم بالإجمال بين إنائين ، فيشكّ في تحقّق الترك المعلوم طلبه إن لم يتركهما جميعا ، وثالثة من تردّد محصّله بين الأمرين ،

٢٥٤

يوجب السقوط القهريّ (١) ـ للعجز مثلا ، أو الاضطرار ، أو الحرج الرافع للتكليف ، أو قيام الغير به ، أو ذهاب الموضوع ، وغير ذلك ـ بالشكّ في المسقط الاختياريّ (٢) في عدم جواز القناعة‌

__________________

كما إذا تردّد الوضوء المحصّل للطهارة بين أمرين ، والجامع هو الشك في المسقط الاختياري ، وقد تقدّم أن الشبهة المصداقية في بعض صور القسم الأوّل شكّ في المحصّل ، وفي بعض صور القسم الثاني من قبيل المعلوم بالإجمال المتردّد بين متباينين ، وفي بعض صوره الآخر من قبيل التردّد بين الأقلّ والأكثر الراجع إلى الشك في الامتثال ، كما تقدم وأشرنا آنفا إلى تفصيل في القسم الثالث ، فليراجع.

(١) بأن يشك في تحقّق أحد المسقطات القهرية وعدمه.

(٢) فإن قلت : الإلحاق إنما يتم فيما إذا شكّ في طروّ المسقط القهريّ بعد ثبوت التكليف ، أما إذا شكّ في وجوده من حين توجه التكليف إليه كما إذا احتمل حرجية الصوم عليه من قبل حلول شهر رمضان ـ مثلا ـ فهو من الشك في ثبوت التكليف لا في سقوطه ، والمرجع فيه البراءة ، إذ لا فرق في ذلك بين ما كان ناشئا من الشك في تحقق موضوع التكليف أو شرطه أو من الشك في وجود المانع عن فعليته ـ كما في المقام.

قلت : ـ مع الغضّ عن جريان الأصل الموضوعي ـ استصحاب عدم المانع ـ في كثير من موارده ـ فالشك في طروّه إنّما يستتبع الشك في توجّه الخطاب ، لا في فعلية الملاك ، فحكمه حكم الشك في القدرة العقلية ، وقد تقدّم أنّ العلم بإطلاق الملاك الفعلي في موارد الشك في القدرة العقلية يلازم العلم بعدم المعذورية على فرض المقدورية الواقعية ، ومنه يظهر اختصاص العجز المعدود في المتن من المسقطات القهرية بالعجز المقابل للقدرة العقلية دون الشرعية.

٢٥٥

باحتماله (١) ، وإن اختلفت النتيجة (٢) في وجوب الفحص أو الاحتياط أو التخيير بينهما ـ كما لا يخفى.

وإذ لا خفاء في صلاحية القيود (٣) أيضا للانقسام إلى الأقسام‌

__________________

(١) إذ لا يكفي احتمال طروّ المسقط في الاندراج في مجاري البراءة اختياريا كان أم قهريا.

(٢) يعني أن المسقطات وإن شارك بعضها بعضا في عدم جواز القناعة باحتمالها لكن النتيجة بحسب الموارد مختلفة ، فقد تكون النتيجة تعيّن الفحص كما في الشك في العجز ، والاضطرار ، وذهاب الموضوع ، وأخرى التخيير بينه وبين الاحتياط كما في موارد العلم الإجمالي ، والشك في المحصل ، والحرج ، وقيام الغير ، وثالثة تعيّن الاحتياط كما في الموارد المذكورة إذا تعذر الفحص. وقد سبق منه قدس‌سره في ذيل البحث عن شرطية القدرة تصريحه بأنّ المناط المطّرد في جميع موارد وجوب الفحص أو الاحتياط هو ثبوت عدم المعذورية على تقدير المصادفة الواقعية ، فليراجع.

(٣) بعد ما فرغ قدس‌سره من البحث عن تصوير الأقسام الأربعة في التكاليف النفسية ، وبيان الضابط لتنجز كلّ منها ، والشبهات المصداقية المتصوّرة فيه ، تطرّق إلى البحث عمّا هو المعقود له هذه الرسالة والمقصود فيها بالأصالة ، وهي التكاليف الشرطية من القيود الوجودية ـ الواجب الشرطي ـ والعدمية ـ الحرام الشرطي ـ التي تقيّد بها المطلوبات النفسية ، فادّعى وضوح صلاحيّتها للانقسام إلى الأقسام الأربعة ، نظرا إلى وضوح أنّ كلّ ما يصلح لأن يتعلّق به التكليف النفسي بأيّ من أقسامه صالح لأن يؤخذ قيدا ومتعلقا للتكليف الشرطي وجودا أو عدما كاستقبال القبلة‌

٢٥٦

الأربعة المذكورة كالنفسيّات ، وكون القيديّة من حيث نفسها قابلة للإطلاق تارة وللاشتراط اخرى (١) ، فيطّرد فيها ما حرّرناه ضابطا لتنجّز الأقسام ، ومعيارا لرجوع الشبهة إلى الشكّ في التكليف أو الامتثال ، فكلّما كانت القيدية (٢) ، مشروطة بشرط أو كانت انحلاليّة مترتّبة آحادها (٣) على أشخاص موضوعها وشكّ فيها من جهة الشكّ في تحقّق شرطها أو موضوعها فمرجع هذه الشبهة المصداقيّة إلى‌

__________________

وهو من القسم الثاني ـ المأخوذ قيدا في الصلاة ، وكالوضوء بالماء ـ وهو من القسم الثالث ـ المأخوذ كذلك ، وهكذا.

(١) كما في النفسيات ، فالقيدية تارة مطلقة ، وأخرى مشروطة بشرط وإن كان لأجل تعلّقها بموضوع ذي أفراد بنحو الانحلال ـ الذي عرفت أوله إليه ـ ، ونتيجة الفرق بينهما أنّها إذا كانت مشروطة بشرط فيسقط عن القيدية مع انتفاء الشرط ـ كالطهور المقيّد به الصلاة إذا فرض اشتراط قيديته بالقدرة ـ ، فإنّه لا قيديّة له مع العجز عنه ، فتجب الصلاة حينئذ بلا طهور. أمّا إذا كانت مطلقة من هذه الجهة ـ كما إذا فرض الطهور كذلك ـ كانت قيديته للصلاة محفوظة في حالتي القدرة عليه والعجز عنه ، فمع العجز تسقط الصلاة رأسا للعجز عنها ، فإنّ العجز عن القيد عجز عن المقيّد.

(٢) بيان لما هو الضابط الكلّي الإجمالي لرجوع الشبهة إلى الشك في التكليف أو الامتثال بالنسبة إلى القيود.

(٣) أي : مشروطة آحاد تلك القيديّة المنحلّة إليها بوجود الأشخاص ، وستعرف اختصاص ذلك بالقيود العدمية ، وهذا إشارة إلى ما تقدّم من رجوع الموضوعية في القضايا الحقيقيّة الانحلاليّة إلى الشرطيّة.

٢٥٧

الشكّ في تقيّد المطلوب بقيد زائد (١) ، ويتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ والأكثر ، وفيما عدا ذلك (٢) يرجع الشبهة المصداقية إلى الشكّ في تحقق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به.

وإذ قد تمهّد ذلك فلا يخفى أنّ (٣) القيود الوجودية لكونها راجعة بأسرها إلى أحد الأقسام الثلاثة الأول (٤) ، ولا مجال لأن تكون‌

__________________

(١) لأنّ الشك في تحقّق شرط القيدية أو موضوعها ـ شبهة مصداقية ـ يستتبع الشك في القيدية نفسها ، حذو ما تقدّم من أن الشك في تحقّق شرط التكليف أو موضوعه يستتبع الشك في التكليف ، إذن فيشك في تقيّد المطلوب النفسي بهذا القيد زائدا على القيود المعلومة ، فيكون من تردّد متعلق التكليف بين الأقل والأكثر الارتباطيّين الناشئ من شبهة مصداقية.

(٢) وهي القيود المتنجّزة المعلومة قيديّتها كبرى وصغرى كالقيود المطلقة والمشروطة بشرط معلوم التحقّق والمتعلّقة بموضوع معلوم الوجود ، فإذا شك في شي‌ء منها مصداقا كان من الشك في الامتثال ، ومرجعه هنا إلى الشك في تحقّق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به ، حذو رجوعه في التكاليف النفسية إلى الشك في تحقّق الفعل أو الترك المعلوم طلبه.

(٣) تفصيل للضابط الإجمالي المتقدم ، وتطبيق له على الأقسام الأربعة بالنسبة إلى كلّ من القيود الوجودية والعدمية.

(٤) وليمثّل من قيود الصلاة الوجودية للقسم الأوّل بشرطية الطمأنينة لأفعالها ، والقيام للقراءة ، والجلوس للتشهّد والسلام ، وللقسم الثاني‌

٢٥٨

انحلاليّة (١) ، وإلاّ تعذّر امتثالها (٢) ، فمرجع شبهاتها المصداقية (٣) عند إطلاق التقييد بها (٤) إلى الشكّ في الامتثال ، ولو كان مشروطا بما‌

__________________

بشرطية الوقت ، واستقبال القبلة ، وستر العورة ، وطهارة البدن واللباس ، وللقسم الثالث بشرطيّة الطهور بالماء أو التراب ، وشرطية كون الساتر لباسا.

(١) يعني أنّه إذا كان القيد الوجودي متعلقا بموضوع ذي أفراد ـ كالمثالين الأخيرين الآنفين ـ فلا مجال إلاّ لأن يؤخذ بلحاظ صرف وجوده على نحو القسم الثالث ، لا انحلاليا وبلحاظ مطلق وجوده على نحو القسم الرابع.

(٢) فإنّ مقتضى الانحلال تقيّد المطلوب بالقيد المتعلق بالموضوع بلحاظ جميع أفراده ، وهذا في الوجودي ـ مضافا إلى أنّه لا يقتضيه الملاك ـ خارج عن قدرة المكلف ، وكيف يمكنه الوضوء ـ مثلا ـ بجميع ما يجوز له التصرف فيه من المياه ، أو الستر بجميع ما يملكه من الملابس ، ولا يلزم مثل ذلك في الواجبات النفسية كوجوب الوفاء بالعقد ، ووجوب ردّ السلام ، ونظائرهما ـ كما هو واضح بالتأمل.

(٣) يعني أنّه إذ ثبت انحصار ما يتصوّر من القيود الوجودية في الأقسام الثلاثة الأول فلا يتصور فيها شبهة مصداقية ناشئة من الشك في تحقق موضوعها ، بخلاف القيود العدمية ـ كما ستعرف ـ ، إذن فينحصر شبهاتها المصداقية في صورتين : ما إذا كانت القيدية مطلقة وشك في تحقّق القيد لدى الامتثال ، فيرجع إلى الشك في الامتثال ، وما إذا كانت مشروطة وشك في تحقّق شرطها خارجا ، فإنه يستتبع الشك في تقيّد المطلوب بقيد زائد ، ويندرج في تردّد متعلق التكليف من جهة الشبهة الخارجية بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

(٤) هذه هي الصورة الأولى الآنفة الذكر.

٢٥٩

يشكّ في تحقّقه (١) ـ كما لو تردّدت المرأة في وجوب ستر رأسها في الصلاة (٢) من جهة الشكّ في حريّة نفسها ولم يكن في البين ما يحرز إحدى الحالتين (٣) ، ونحو ذلك ـ كان من تردّد الواجب من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ والأكثر.

وأمّا القيود العدميّة فحال ما كان راجعا منها إلى أحد القسمين الأوّلين (٤) هو بعينه حال القيود الوجودية فيما ذكر (٥) ـ على كلام فيما يرجع منها إلى القسم الثاني إذا شكّ فيه من جهة الشكّ في سعة موضوعه كما تقدّم (٦) ـ ، ويأتي مزيد توضيح له في تنبيهات‌

__________________

(١) وهي الصورة الثانية.

(٢) فإنّ الواجب عليها الصلاة المقيّدة بستر الرأس إن كانت حرّة ، فإذا شكّت في حرية نفسها فمرجعه إلى الشك في تقيّد صلاتها بهذا القيد ـ زائدا على القيود المعلومة. هذا ، ولا يخفى أن الشبهة المبحوث عنها تكون من هذا القبيل بناء على القول بشرطية المأكولية واختصاص هذه الشرطية بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ، وسيأتي ذكره في أواخر البحث الصغرويّ الآتي.

(٣) الحريّة والرقيّة من استصحاب ونحوه.

(٤) ويمكن أن يمثّل للقسم الأوّل في الصلاة بترك التكلم والقهقهة والبكاء فيها ، وللقسم الثاني بترك الالتفات عن القبلة أثناءها.

(٥) وهو ما ذكر آنفا من الصورتين للشبهة المصداقية للقيود الوجودية.

(٦) تقدم عند البحث عند الأقسام الأربعة أنّه في القسم الثاني قد يشك في مقدار الموضوع الخارجي الذي تعلّق به متعلق التكليف سعة وضيقا‌

٢٦٠