الصّلاة في المشكوك

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني

الصّلاة في المشكوك

المؤلف:

الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-053-6
الصفحات: ٥٥١

وهذا البحث (١) سيّال في جميع ما يقصر الخطاب الواحد عن استيفائه تمام ما يقتضيه ملاكه ، لاختلاف مرتبة فيه (٢) إمّا لكونه (٣) ملاكا للحكم الواقعيّ والطريقيّ المتكفّل للشكّ فيه (٤) ـ كالمقام (٥) ونحوه (٦) ـ ، أو لقصور فيه عن إيجاب ما يتوقّف عليه (٧) إمّا لسبقه‌

__________________

المستقلاّت العقلية غير المتوقّفة على مقدّمة شرعية كأبواب التحسين والتقبيح ، والمقام من الأوّل فيقال : كلّما كان هناك خطاب شرعي تامّ الملاك وقد استقلّ العقل بلزوم استيفاء ملاكه إن أمكن ، فإذا شك في القدرة على متعلقة كشف عن وجوب الفحص عنها شرعا ، كما يكشف عن وجوب المقدمة كذلك.

(١) وهو البحث عن استكشاف العقل خطابا شرعيا متمّما للخطاب الأوّل.

(٢) تعليل للقصور الآنف الذكر ، وعلّة مطّردة في جميع الصور الآتية للمسألة جامعة شمل كافة مواردها المختلفة ، ومحصّلها وجود اختلاف المرتبة فيما يقتضيه الملاك فلا يمكن استيفاء تمامه إلاّ بخطابين مترتبين : أصليّ ومتمّم.

(٣) تفصيل لصور اختلاف المرتبة ، ومحصّل الصورة الأولى هذه أن يكون الملاك اللازم الاستيفاء ملاكا لحكم واقعي وآخر طريقي موصل إليه عند الشك فيه ، واختلاف المرتبة بين الحكمين المذكورين واضح ، ضرورة أن الطريق متأخر عن ذيه ، والمجعول لدى الشك في شي‌ء متأخّر عن ذلك الشي‌ء.

(٤) أي المتكفل لبيان الطريق إلى الحكم الواقعي لدى الشك فيه.

(٥) لما عرفت من أن الملاك فيه لا يمكن استيفاؤه مع الشك إلاّ بتتميم الخطاب الواقعي بخطاب طريقي متعلّق بالفحص.

(٦) من سائر موارد وجوب الفحص ، وكذا موارد وجوب الاحتياط.

(٧) أي لقصور في الخطاب الواقعي عن إيجاب ما يتوقف عليه استيفاء‌

٢٢١

الزماني (١) ـ كما في المقدّمات المفوّتة التي يجب الإتيان بها قبل وجوب ذيها (٢) ـ ، أو لاختلاف بينهما (٣) في الرتبة ، ولهذا الأخير عرض عريض ، ويندرج فيه جميع ما له دخل في الملاك ويستحيل شمول الخطاب له إمّا لتأخّر الخطاب عنه في الرتبة (٤) ـ كما إذا كان موضوعا له (٥) ، أو دخيلا في القدرة على متعلّقه (٦) ونحو ذلك ـ ، أو لتأخّره في الرتبة عن الخطاب كما في نيّة‌

__________________

الملاك ، فلا يتكفل لوحدة تشريع ما يقتضيه الملاك ، إما للاختلاف الزماني ، أو للاختلاف الرتبي ـ كما سيبيّن.

(١) أي سبق ما يتوقف عليه استيفاء الملاك على الخطاب زمانا.

(٢) كالسير إلى الحج قبل الموسم ، فإنّ وجوب ذي المقدّمة ـ لتأخّره زمانا عن المقدّمة ـ قاصر عن إيجابها وترشّح الوجوب منه إليها.

(٣) أي بين الخطاب وما يتوقّف عليه الملاك في الرتبة دون الزمان.

(٤) فإن الاختلاف في الرتبة تارة يتحقّق بتأخّر الخطاب عمّا له الدخل في الملاك رتبة ، واخرى بالعكس.

(٥) أي كان ما له الدخل في الملاك موضوعا للخطاب ، كالعلم بوجوب الجهر أو الإخفات ـ مثلا ـ المأخوذ في موضوع الخطابين ، فإن الخطاب متأخر عن موضوعه ، ومعه لا يعقل تقدّمه عليه الذي يقتضيه كون العلم متعلقا بالخطاب نفسه ، وإذا استحال أخذه في موضوع الخطاب الأوّل فلا مناص من الخطاب المتمّم المنتج نتيجة التقييد.

(٦) أي كان ما له الدخل في الملاك دخيلا في القدرة على متعلق الخطاب ، وبما أنّ القدرة شرط في حسن الخطاب فالخطاب متأخر عنها رتبة ، فهو متأخر عما هو دخيل فيها أيضا ، فلا يعقل تكفّل الخطاب له وتعلّقه به ، والمفروض دخله في الملاك ، فلا محيص للتوصل إليه من متمّم الجعل.

٢٢٢

التقرب في العبادات (١) ـ مثلا ـ بناء على أنّ المتكفّل لتشريع اعتبارها (٢) بنتيجة التقييد هو الجعل الثاني ـ كما هو أحد الوجهين فيها (٣).

ففي جميع ذلك يكون الملاك مقتضيا تشريع ما لم يتكفّله ذلك الخطاب ، ومتمّما له (٤) ـ لا محالة ـ ، فإمّا (٥) أن يكون طريقيّا بالنسبة‌

__________________

(١) فإنّ قصد الأمر لتعلّقه بالأمر فهو متأخر عنه لا محالة ، ويستحيل أن يتعلّق الخطاب بما هو متعلّق بالخطاب نفسه ومتوقف عليه ، فلا مخلص إلاّ بالخطاب المتمّم المنتج نتيجة التقييد ، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه.

(٢) أي اعتبار نيّة التقرب ، والمقصود أنّ كون نيّة التقرّب ممّا نحن فيه مبنيّ على ذلك.

(٣) وهو الذي اختاره قدس‌سره في الأصول وحقّقه ، والمراد بالوجه الآخر ما يستفاد من قوله قدس‌سره في العبارة الآتية : ( بناء على عدم كون الأمر التعبدي. إلخ ) ، وهو أنه لمّا كان الغرض من تشريع الأمر التعبّدي هو التعبّد به فيكفي في إيجاب نية القربة مجرّد كونه أمرا تعبديّا من دون حاجة إلى جعل المتمّم ، لاقتضاء هذا السنخ من الأمر في نفسه عدم السقوط إلاّ بقصد التقرّب ، في قبال الأمر التوصّلي الذي يسقط بمجرّد حصول المأمور به بأي وجه اتّفق ، وتفصيل الكلام في محلّه.

(٤) أي ويكون ما شرّع متمّما للخطاب.

(٥) الصور المتقدمة كانت عللا للقصور الذي هو سبب لتشريع الخطاب المتمّم ، والأقسام الآتية أقسام لنفس الخطاب المتمّم المسبّب عن ذلك القصور ، وهي ثلاثة ـ كما ستسمع.

٢٢٣

إليه (١) ـ كالمقام ونحوه ـ ، أو جاريا مجرى الخطاب الغيريّ المقدّمي (٢) كما في المقدّمات العقليّة السابقة على ذيها في الزمان (٣) ، أو الرتبة (٤) ، أو منتجا نتيجة التقييد الشرعي كما إذا كانت المقدّمة السابقة على ذيها في الزمان شرعية لا عقلية ، كالغسل قبل الفجر في شهر رمضان (٥) ونحوه ، وكما في نيّة‌

__________________

(١) أي بالنسبة إلى الخطاب الأوّل ، فإنّ وجوب الفحص أو الاحتياط طريق موصل إليه.

(٢) وليس هو منه حقيقة ، فإنّ الوجوب الغيري وجوب مترشح من الوجوب النفسي ، وهذا ليس كذلك لامتناع الترشّح قبل فعليّة المترشّح منه ، إلاّ أنه جار مجراه ومنتج نتيجته من عدم كونه وجوبا نفسيا مستقلا ناشئا عن ملاك قائم بمتعلقه ، بل نحو وجوب متعلق بمقدّمته السابقة على أوانه ، ناش عن ملاك التحفظ عليه وعلى ملاكه وعدم فواته في أوانه ، فكان جعله متمما للجعل الأصلي.

(٣) كالسير إلى الحج قبل زمانه ، لتوقّف القدرة على الحج عليه عقلا لا شرعا.

(٤) كما إذا وجب حفظ الموضوع بقاء في مورد ، ـ وسيأتي بحثه مفصلا في القسم الرابع والتمثيل له بوجوب تجهيز الميت ـ فإنّ حفظه مقدّمة عقليّة يتوقف عليه القدرة على الامتثال عقلا ، لكنّه سابق على ذيه رتبة لتقدّم رتبة الموضوع على حكمه.

(٥) فإنّه مقدّمة شرعية لا عقلية ، إذ يتوقف عليه الاجتناب عن الإصباح جنبا المعتبر في الصوم شرعا ، والدخيل في ملاكه واقعا ، ولأجله كان الخطاب المتمّم المتعلق به منتجا نتيجة التقييد الشرعي ، وإلاّ فالمتعلّق بالمقدّمة العقلية لا ينتج هذه النتيجة ، لعدم دخلها بنفسها في الواجب وملاكه أصلا ، بل مجرد توقّف استيفاء الملاك عليها.

٢٢٤

التقرّب (١) أيضا ـ بناء على عدم كون الأمر التعبّدي (٢) بمعونة كون الغرض من تشريعه هو التعبّد به كافيا في إيجابها (٣) ، وكون الغرض المذكور ملاكا لتشريع المتمّم المنطبق عليه. فيكون الخطابان لوحدة ملاكهما بمنزلة خطاب واحد ، ولا يكون إيجاب التعبّد ـ مثلا ـ ولا الغسل قبل الفجر خطابا مستقلا بواجب آخر كي يعقل الانفكاك بينهما في الطاعة والعصيان ، وإلاّ كان مخالفا لما يقتضيه ملاكه (٤).

__________________

(١) هذا مثال آخر للقسم الثالث ـ أعني المتمّم المنتج نتيجة التقييد الشرعي ـ ، هذا. والتقييد في هذا المثال وسابقه واقع في ناحية المتعلق ، وموارد أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه ـ كموردي الجهر والإخفات ـ مندرجة في هذا القسم ، ويكون المتمّم المجعول فيها منتجا نتيجة التقييد الشرعي في ناحية الموضوع ـ كما لا يخفى.

(٢) مرّت الإشارة آنفا إلى ما للمسألة من الوجهين ، وأن اندراجها في المقام مبنيّ على أحدهما ، ومحصّل الكلام : أنه تارة يبنى على أنه يكفي في إيجاب التقرّب كون الأمر المجعول من سنخ الأمر التعبدي ، واخرى على عدم كفايته والحاجة إلى جعل آخر ، والاندراج في المقام يتمّ على الثاني دون الأوّل ، هذا. ومن التفنّن تعرّضه قدس‌سره هناك للعقد الإيجابي من هذا المبنى ـ الثاني ـ ، وهنا للعقد السلبي ، فلاحظ.

(٣) أي إيجاب نيّة التقرّب.

(٤) فإن ما يقتضيه ملاكه هو كونه متمّما لملاك الواجب الأصلي وحافظا له ، فلا ملاك له باستقلاله في قبال ملاك الأصلي ، إذن فليس لهما إلاّ إطاعة أو معصية واحدة ، وثواب أو عقاب فأرد.

٢٢٥

وكيف كان فكما أن القدرة (١) على نفس العنوان الاختياري المتعلّق للتكليف يمكن أن يؤخذ شرطا شرعيّا تارة وعقليّا أخرى ، فكذلك التمكّن من صرف وجود الموضوع في هذا القسم ـ الثالث ـ أيضا يصلح للوجهين.

بل يمكن التفكيك فيما كان من هذا القبيل بين التمكّن من الموضوع المذكور والقدرة على العنوان الاختياري المتعلّق للتكليف ، فيكون شرطا شرعيا بالنسبة إلى أحدهما ، وعقليا بالنسبة إلى الآخر ، فيلحق كلاّ منهما حكمه.

والظاهر أن يكون في باب الوضوء من هذا القبيل (٢) ، فيكون‌

__________________

(١) عود إلى أصل المسألة بعد الفراغ عن تحقيق حال القدرة المعتبرة في التكاليف وانقسامها إلى عقليّة وشرعيّة وما يفترقان فيه من الأحكام ، وبعد ما انجرّ إليه الكلام من البحث المستطرد عن متمّم الجعل والتحقيق حول علله وأنواعه.

وقد ظهر ممّا سبق حكم الشبهة المصداقية للقسم الثالث ، وأن مرجعها إلى الشك في القدرة المختلف حكمه باختلاف قسمي القدرة ، والمقصود بيانه هنا هو أنّه لمّا كانت القدرة معتبرة في هذا القسم من التكاليف من وجهين : القدرة على متعلق التكليف نفسه ، والقدرة على صرف وجود موضوعه ، فلا محالة يختلف الحال من حيث العقلية والنقلية باختلاف الموارد ، فتارة تكون القدرة على كلا الأمرين شرعية ، واخرى عقلية كذلك ، وثالثة القدرة على أحدهما شرعية وعلى الآخر عقلية ، ويلحق كلا منهما حكمه.

(٢) أي من قبيل التفكيك بين القدرتين.

٢٢٦

تمكّنه من الماء قدر ما يكفيه لوضوئه أو غسله شرطا شرعيّا ، لأنّ آية الوضوء تتضمّن * الاشتراط به (١) لاشتمالها على تقييد وجوب التيمم بعدمه (٢) ، ومقتضاه تنويع المكلّفين (٣) باعتبار التمكّن منه وعدمه إلى النوعين ، وتخصيص كلّ منهما بما يخصّه ، والتفصيل قاطع للشركة. وأمّا التمكّن من استعماله في التطهّر به فلكونه خارجا عمّا يقتضيه التنويع المذكور ، وعدم قيام دليل آخر على الاشتراط به بهذا الوجه (٤) فليس الاشتراط به إلاّ من جزئيات ما يستقلّ العقل باعتباره في حسن الخطاب بعد تماميّة ملاكه.

ومن هنا استقرّت الفتوى ـ إلاّ من شاذّ لا يعبأ بخلافه ـ بأنه لو كلّف بالتيمم وصرف (٥) ما يجده من الماء في حفظ نفس محترمة‌

__________________

(١) أي بالتمكن من الماء قدر الوضوء أو الغسل.

(٢) وذلك في قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ).

(٣) أي مقتضى التقييد في الآية الشريفة هو التفصيل بين الواجد وغيره ، ووجوب الوضوء على الأوّل والتيمّم على الثاني ، والتفصيل قاطع للشركة ، فيختص حكم كلّ منهما به ولا يشاركه فيه الآخر ، إذن فقد أخذ في لسان الدليل اشتراط الوضوء بالقدرة على الماء ، فتكون من هذه الناحية شرعيّة ، وأما القدرة على استعماله في التطهّر فلا تقتضيها الآية الشريفة ولا غيرها من الأدلة اللفظية ـ كما أفيد في المتن ـ ، ـ فهي ـ لا محالة ـ عقلية.

(٤) أي بالشرط الشرعي.

(٥) عطف على التيمم.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يتضمن ) والصحيح ما أثبتناه.

٢٢٧

فخالف وتوضّأ بطل وضوؤه ، ولو كلّف بالتيمم لضيق الوقت فخالف وتوضّأ لغاية أخرى صحّ وضوؤه ، إذ في الصورة الاولى يكون الخطاب بالوضوء أو الغسل ساقطا بملاكه (١) ، فلا مجال لتصحيحه بقصد الجهة (٢) لمكان انتفائها ، ولا بالخطاب الترتّبي لتوقّفه بعد الفراغ عن إمكانه (٣) ـ كما هو التحقيق ـ على وجودها (٤) ، بخلافه في الثانية لأنّ أقصى ما يقتضيه (٥) وجوب‌

__________________

(١) لأنه غير متمكّن من الماء شرعا ، لوجوب صرف ما عنده منه في حفظ النفس المحترمة حسب الفرض ، وهذا تعجيز مولوي له بالنسبة إلى الماء ، موجب لانتفاء شرط وجوب الطهارة المائيّة وخلوّها عن الملاك ، فتبطل لا محالة. وبعبارة أخرى : يعدّ المورد من صغريات التزاحم بين المشروط بالقدرة الشرعية والعقلية ، وقد حقّق في الأصول تعيّن ترجيح الثاني ، وأنه إذا خالف وأتى بالأوّل بطل لخلوّه عن الملاك والخطاب ، فلا مجال لتصحيحه بقصد الملاك لانتفائه ، ولا بالخطاب الترتّبي لتوقفه ـ كالخطاب غير الترتّبي ـ على الملاك ـ المفروض انتفاؤه.

(٢) وهي الملاك.

(٣) أي عن إمكان الخطاب الترتّبي ، وقد حقّقه قدس‌سره في الأصول بما لا مزيد عليه ، ولا يدع مجالا للشك فيه.

(٤) أي وجود الجهة.

(٥) محصّله أنه حيث سقط التكليف بالوضوء لما ضاق وقته لأجل عدم وفاء الوقت له ، وتبدّل إلى التكليف بالتيمم له بموجب إطلاقات التيمم ، فليس مقتضى ذلك خلوّ الوضوء عن الملاك رأسا حتى بالنسبة إلى سائر الغايات‌

٢٢٨

التيمّم لما ضاق وقته هو سقوط الطلب بالوضوء لسائر الغايات ـ خطابا ـ بمزاحمة ذلك التكليف مع بقاء ملاكه ، فيمكن تصحيحه بكلا الأمرين ـ كما هو الشأن في أشباهه ـ ، ولتمام الكلام في ذلك محلّ آخر.

وأمّا القسم الرابع : فقد عرفت امتيازه عمّا تقدّمه (١) بما له من التعلّق بموضوع خارجيّ ذي أفراد مقدّرة الوجود ، وأخذ ذلك الموضوع باعتبار مطلق وجوده وبلحاظ المرآتيّة (٢) لما ينطبق عليه في الخارج موضوعا لحكمه ، وقضيّة ذلك (٣)

__________________

كالكون على الطهارة ونحوه ـ ، بل غايته بعد سقوط التكليف به لما ضاق وقته هو سقوط خطابه فقط بالنسبة إلى سائر الغايات ، لوقوع التزاحم بينه وبين الخطاب المتعلّق بما ضاق وقته وأهميّة الثاني منه ، أما ملاكه فباق بحاله لعدم اشتراطه بالقدرة الشرعية على فعله ـ كما عرفت ـ ، ومعه يمكن تصحيحه ـ أي الوضوء لسائر الغايات ـ بكلّ من قصد الملاك والأمر الترتبي ـ كنظائره.

(١) يمتاز هذا القسم عن سوابقه بأنّ له تعلّقا بالموضوع الخارجي بخلاف الأوّل ، والموضوع عنوان كلّيّ ذو أفراد بخلاف الثاني ، ومأخوذ بلحاظ مطلق وجوده بخلاف الثالث.

(٢) إشارة إلى أن الموضوع في هذا القسم لوحظ عنوانا حاكيا عن أفراده الخارجيّة ، ومرآة لمصاديقه ، ليتوصّل به إلى الحكم عليها ـ كما هو الشأن في القضايا الحقيقية ـ ، فهي في الحقيقة المحكوم عليها دونه ـ كما سيتضح.

(٣) مرجع الإشارة هو ما به يمتاز هذا القسم عن جميع ما سواه من كون الموضوع‌

٢٢٩

أمران : ـ

الأوّل : انحلال ذلك الحكم بالنسبة إلى كلّ واحد من تلك الوجودات إلى حكم خاصّ لموضوع كذلك ، حسبما يقتضيه مرآتيّة ذلك العنوان لما ينطبق عليه في موضوعيّته (١) لحكمه ، كما عرفته (٢) في مثالي العقد أو الخمر بالنسبة إلى وجوب الوفاء به وحرمة شربه ونحو ذلك ، فيكون المنشأ بذلك الإنشاء (٣) والخطاب المتوجّه إلى المكلّف هو آحاد تلك الخطابات التفصيليّة المنحلّة إليها تلك الكبرى ، دون نفسها (٤) ، إذ ليس هو (٥) إلاّ إنشاء إجماليّا‌

__________________

مأخوذا بلحاظ مطلق وجوده ومرآتيّته لوجوداته الخارجية ، فإن هذا يقتضي ـ كما أفاده قدس‌سره ـ أمرين هما : انحلال الحكم الكبروي الواحد إلى أحكام شخصية خاصة لآحاد وجودات موضوعه منشأه في ظرف وجودها ، واشتراط كلّ من تلك الأحكام ـ خطابا وملاكا ـ بوجود شخص موضوعه ، وستسمع التفصيل.

(١) أي موضوعيّة ذلك العنوان.

(٢) عرفت ذلك في صدر البحث لدى تعداد الأقسام ، فكلّ عقد وجد يكون قد أنشِئ له وجوب الوفاء بشخصه ، وكذا الخمر.

(٣) تفريع على الأمر الأوّل ، محصّله أن مقتضى الانحلال المذكور كون الإنشاء الكبروي إنشاء إجماليا منحلاّ إلى إنشاءات صغرويّة لخطابات تفصيليّة فعليّة متوجهة إلى المكلفين.

(٤) أي ليس المنشأ هو نفس الكبرى.

(٥) أي ليس الإنشاء الكبروي إلاّ إنشاء إجماليا لتلك الخطابات لا للكبرى نفسها فالمنشأ هي تلك الخطابات وقد أنشئت بإنشاء إجماليّ واحد.

٢٣٠

لها.

الثاني : ترتّب كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة ـ التي عرفت أنّها البعث أو الزجر (١) المتوجّه إلى المكلّف ـ على شخص موضوعه ، واشتراطه ـ خطابا وملاكا ـ بوجوده (٢) ، بحيث لا يعقل لنفس ذلك الشخص من الخطاب ولا لملاكه تحقق إلاّ بتحقق شخص موضوعه ، وينشأ هذا الاشتراط عن أخذ كلّ واحد ممّا ينطبق على ذلك العنوان مقدّر الوجود (٣) ، وإيراد حكمه عليه بهذه‌

__________________

(١) أي الفعليّان المتوجّهان فعلا إلى المكلف.

(٢) فإنّ أخذه في لسان الدليل موضوعا للحكم يكشف إنّا عن دخله في الملاك ، واشتراط فعلية الملاك شخصا ـ كالخطاب ـ بتحقّقه الشخصي.

(٣) كما هو شأن القضايا الحقيقيّة التي يرد فيها الحكم على الأفراد المقدّر وجودها بمرآتيّة عنوان الموضوع لها ، سواء وجدت فعلا أم مستقبلا أم لم يوجد أصلا إلاّ أنها على تقدير وجودها يشملها الحكم ويرد عليها ، فالحكم ليس مقصورا على أشخاص ما هو موجود في الخارج محقّقا ـ بما هو كذلك ـ كما هو حال القضية الخارجية ، بل يعمّ كل ما قدر وجوده ـ بما هو منطبق عليه العنوان ـ ، ولا يعتبر فعلية وجوده حتى مستقبلا ، فيصح مثل ( كل عنقاء طائر ) ، هذا. وبما أنّ الأحكام الشرعية مجعولة كذلك ، فمن لحاظ الموضوع فيها كذلك وورود الحكم على كلّ ما ينطبق عليه ينشأ الاشتراط المتقدم ذكره ، ضرورة أن مرجع كون الشي‌ء على تقدير وجوده محكوما بكذا إلى أنه لو وجد ثبت له الحكم ، ولأجله ذكروا أن القضية الحقيقيّة تنحلّ إلى شرطيّة ـ كما سيأتي بيانه.

٢٣١

المعونة (١) ، فيتضمّن أخذه موضوعا للحكم بهذا الوجه (٢) لهذه الشرطيّة (٣) ، وتكون في قوّة الشرطيّة الصريحة ، فلو لم يوجد كلّ شخص من العقد ـ مثلا ـ أو الخمر أو نجس أو حرام آخر لم يعقل لوجوب الوفاء به ، ولا لحرمة شرب ذلك الشخص من الخمر ، أو تناول ذلك النجس وغيره خطاب ولا ملاك (٤) ، ولم تكن للمصلحة أو المفسدة المقتضية له (٥) عين ولا أثر في وعاء وجودها (٦) أصلا.

وإلى هذا يرجع ما ذكره المنطقيّون من انحلال القضايا الحقيقيّة إلى شرطيّة مقدّمها وجود الموضوع (٧) وتاليها عنوان المحمول (٨) ، فعقد وضعها يتضمّن الاشتراط المذكور (٩) ، وينحلّ‌

__________________

(١) أي بمعونة كونه مقدّر الوجود ومفروضه.

(٢) وهو كونه مقدّر الوجود.

(٣) متعلق بـ ( يتضمّن ) ، وقد مرّ آنفا وجه تضمّنه لها.

(٤) كما هو الحال في سائر شرائط الأحكام المأخوذة في لسان الدليل.

(٥) أي للخطاب المذكور.

(٦) أي وجود المصلحة أو المفسدة بوجودها العلمي ، شأن سائر العلل الغائية.

(٧) تقديره : إذا وجد الموضوع ، أو كلّما وجد في الخارج شي‌ء وكان مصداقا للموضوع.

(٨) كعنوان ( حرام ) أو ( واجب ) أو نحو ذلك ، ولأجل ذلك كان مرجع الموضوع إلى الشرط ومرجع الشرط إلى الموضوع ، والاختلاف إنما هو في الصيغة الكلامية.

(٩) أشار قدس‌سره بهذه الجملة وما يليها إلى الأمرين المتقدمين : الانحلال والشرطية ،

٢٣٢

عقد حملها بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع إلى محمولات مستقلّة ، ومن هنا يكون وجود الموضوع في هذا القسم (١) من‌

__________________

فأسندهما إلى عقدي الوضع والحمل ، وجعل كلا من العقدين متكفلا لأحد ذينك الأمرين ، فتدبر في ذلك فإنّه دقيقة شريفة ونكتة لطيفة.

(١) وهو القسم الرابع ، فإنّه لمّا كان مرجع الموضوع في هذا القسم إلى الشرط ، وكان وزان العقد في مثل ( يجب الوفاء بالعقد ) وزان الاستطاعة في ( إذا استطعت فحجّ ) ، فكلتا الطائفتين تعدّان من الشرائط الخاصّة للتكليف في قبال شرائطه العامّة ، ومن شأن الخصوصيّة أن تكون متأخّرة عن العموميّة تأخّرا بالرتبة في الذهن والاعتبار ، ولذا لا يسند انتفاء التكليف إلى انتفائها إلاّ إذا توفّرت الشرائط العامّة ، وإلاّ لأسند إلى انتفاء هذه دون تلك ، نظير تأخّر رتبة الشرط عن المقتضي وعدم المانع عنهما ، وهذا ما أفاده قدس‌سره من أنّ وجود الموضوع ـ وهو الشرط الخاص ـ جزء أخير لشرائط التكليف ، هذا.

وقد ناقش ـ في إطلاق ما حقّقه قدس‌سره من أنّ قضيّة هذا القسم من الأحكام هو الاشتراط السالف الذكر ـ السيّد الأستاذ قدس‌سره في رسالة اللباس المشكوك ( ٧٧ إلى ٧٩ ) ، فسلّمه في موارد تعلّق متعلق التكليف بأمر غير اختياري كالوقت ، وفصّل في الاختياري بين ما هو دخيل في اتصاف الفعل بالملاك وبين ما هو دخيل في تحقّق ما هو متّصف به ، فسلّم الاشتراط في القسم الأوّل وأنكره في الثاني ، وفرّق فيه بين التكليف الإيجابي والتحريمي من حيث اقتضاء الإيجابي وجوب إيجاد الموضوع أيضا كنفس الفعل ، عكس التحريمي المقتضي حرمة إيجاده وحرمة إيجاد الفعل على تقدير وجوده.

٢٣٣

__________________

أقول : لا يخفى أنّ تصوير القسمين في الإيجابي يختصّ بما إذا كان المطلوب صرف الوجود كوجوب إكرام عالم ، إذ قد يفرض فيه دخل الموضوع في الملاك ، فلا ملاك للإكرام إلاّ عند وجود العالم ، فمع عدمه لا ملاك فلا تكليف بإكرامه ليقتضي إيجاده مقدمة ، وقد يفرض عدم دخله فيه ، فيكون ملاك الإكرام كوجوبه فعليّا وإن لم يوجد عالم ، بل يجب حينئذ إيجاده ـ إن أمكن ـ مقدمة لإكرامه ، كما يجب على المريض إيجاد الدواء مقدمة لشربه ، أمّا إذا كان المطلوب مطلق الوجود مثل ( أكرم العالم ) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) فيتعيّن كونه من القسم الأوّل ولا يتصوّر فيه الثاني ، بداهة امتناع إطلاق الأمر بالوفاء بجميع العقود ـ مثلا ـ بحيث يقتضي إيجادها ثم الوفاء بها ، هذا. وبما أن محطّ كلام المحقّق الجدّ قدس‌سره في المقام هو خصوص القسم الرابع ـ حسب تقسيمه ـ وهو التكليف المتعلّق بما له تعلّق بموضوع خارجي باعتبار مطلق وجوده ، فلا انتقاض عليه بموارد طلب صرف الوجود التي عرفت إمكان تصوير القسم الثاني فيها.

وأمّا التحريمي فقد ادعى قدس‌سره جريان القسمين فيه ، ومثّل للثاني بحرمة شرب الخمر قائلا : إنّ شربه فعل ذو مفسدة في نفسه ، وإنما وجود الخمر في الخارج من مبادئ تحقّق المفسدة ، فإذا قدر المكلف على إيجاده تعلّق النهي بإيجاده أو شربه بعد وجوده ، وفي مثله لا يكون وجود الموضوع شرطا في الفعليّة ، هذا. ويعني بكونه ذا مفسدة في نفسه أنّه ذو مفسدة مع قطع النظر عن وجود الخمر وعدمه.

وهذا محل تأمّل ، فإن فعلية الملاك وتماميّة داعويّته إلى الحكم‌

٢٣٤

__________________

مصلحة كان أو مفسدة ـ إنما هي ببلوغه مرحلة من القوّة والشأنيّة لا يتخلّل بينها وبين تحقّقه الغالبي خارجا ـ بحصول المصلحة أو الوقوع في المفسدة ـ سوى فعل المكلف ، فيصبح داعيا للجاعل إلى البعث نحو الفعل تحصيلا للمصلحة أو الزجر عنه تحذّرا من الوقوع في المفسدة ـ ولا يقدح تخلّف الداعي أحيانا ـ ولا يكاد يصل إلى هذه المرحلة إلاّ لدى وجود موضوعه لا قبله ، ويزيد ذلك وضوحا مقايسة العلّة الداعية إلى النهي عن فعل بالصارف النفسي الرادع لفاعله عن فعله ، فكما أنّ الرادعيّة الفعليّة عنه لا تكون إلاّ مع وجود الموضوع ، كذلك الداعويّة الفعليّة إلى الردع عنه لا تكون إلاّ عنده ، وعلى هذا فمفسدة الإسكار ـ مثلا ـ لا تصل إلى المرتبة الآنفة الذكر لتدعو إلى النهي عن شرب الخمر إلاّ عند وجود الخمر ، هذا.

وفي كلامه قدس‌سره مواقع أخر للنظر : منها قوله قدس‌سره : إن امتثاله يكون بعدم إيجاد الموضوع خارجا أو بعدم إيجاد الفعل المتعلّق به بعد وجوده ، إذ يلاحظ عليه أن عدم إيجاد الموضوع ليس امتثالا لحرمة الشرب ، فلا مانع من إيجاده ثم لا يشرب ما أوجده ، وحرمة الإيجاد إن ثبتت فبدليل آخر ، وإلاّ فحرمة الشرب لا تقتضي حرمة الإيجاد ، وإلاّ لحرم إيجاد النجس لمكان حرمة تناوله.

ومنها قوله قدس‌سره : ومن هنا يعلم أنّه إذا علم المكلّف من حاله أنّه لو أوجد الخمر لشربه ـ لا محالة ـ حرم عليه إيجاده ، وليس إلاّ لفعليّة التكليف قبل وجود موضوعه في هذا القسم ، إذ يناقش بأنّه ليس الوجه فيه ذلك ، بل وجهه أن إيجاده ـ والحالة هذه ـ تعجيز لنفسه عن امتثال‌

٢٣٥

التكاليف هو الجزء الأخير من شرائط التكليف ، حذو الاستطاعة بالنسبة إلى الحجّ ، ودخول شهر رمضان في وجوب صومه ونحو ذلك.

لكن لا يخفى أنّ القدر الذي يقتضيه ذلك (١) هو اشتراط كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيلية بوجود موضوعه في حدوثه ، ويترتّب عدم وجوب العقد مقدّمة للوفاء به ، وعدم تفويت الحاضرة مقدّمة لقضائها ونحو ذلك ، على اشتراطه ملاكا أيضا بذلك (٢).

أمّا اشتراطه به في مرحلة البقاء أيضا وعدمه فأجنبيّ عمّا يقتضيه ذلك الاشتراط بالكليّة ، ويتساوى وجوده لعدمه فيما نحن‌

__________________

التكليف في ظرفه ، ومقتضى قاعدة ( أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ) مع فرض تماميّة الملاك في ظرفه هو حكم العقل بحرمة تعجيز نفسه بإيجاده ـ على التفصيل المذكور في محلّه.

(١) يعني أنّ الذي يقتضيه الاشتراط ـ المتقدم ذكره ـ هو اشتراط حدوث الخطاب الشخصي بحدوث موضوعه ، أما اشتراط بقائه أيضا ببقائه فلا يقتضيه ما تقدّم ، كما لا يقتضي عدمه.

(٢) فإنه إذا كان الملاك أيضا كالخطاب مشروطا بوجود موضوعه فلا ملاك قبل وجوده ليقتضي وجوب إيجاده ، والوجوب المشروط لا يقتضي إيجاب شرطه ، فلا يجب إيجاد العقد مقدمة للوفاء به ، ولا تفويت الحاضرة مقدمة لقضائها ونحو ذلك ، بل متى ما وجد العقد بنفسه ، أو فاتت الحاضرة بنفسها وجب الوفاء ، أو القضاء ، نعم لو فرض الملاك مطلقا وغير مشروط بذلك كان مقتضاه وجوب الوفاء والقضاء فعلا مطلقا ـ وجد موضوعه أم لم يوجد ـ ، بل مع عدمه يجب إيجاده مقدمة.

٢٣٦

بصدده (١) ، لكنّه لا بأس بأن نتطفّل بتوضيحه.

وظاهر أنّ الاشتراط به ـ خطابا ـ (٢) ممّا لا محيص عنه على كلّ تقدير (٣) ، ضرورة أنّ القدرة على متعلّق التكليف تدور مداره (٤).

وأمّا ملاكا فلا خفاء في صلاحيّة الخطاب الإيجابي (٥) للاشتراط به تارة ـ كما في العقد بالنسبة إلى وجوب الوفاء به ـ ،

__________________

(١) فإنّ ما نحن بصدده هو جريان البراءة في الشبهات المصداقية لهذا القسم ، وهذا إنما يبتني على اشتراط فعليّة كلّ من الأحكام الشخصية المنحلّ إليها بوجود موضوعه حدوثا ، ولا أثر للاشتراط به بقاء وعدمه في ذلك ، ومع ذلك فقد أفضل قدس‌سره بتوضيحه ـ كما ستسمع.

(٢) أي اشتراط بقاء الخطاب ببقاء الموضوع.

(٣) سواء اشترط به ملاكا أيضا أم لا.

(٤) أي مدار بقاء الموضوع ، فإن متعلّق التكليف متعلّق به ، ومثله لا بدّ من أن يكون له بقاء ما ليتمكّن المكلّف من الامتثال بفعل ما يتعلّق به ، ومقتضى اشتراط الخطاب بالقدرة اشتراطه بما تدور القدرة مداره.

(٥) فصّل قدس‌سره في اشتراط بقاء الملاك ببقاء الموضوع وعدمه بين التكاليف الوجوبية والتحريمية ، وأفاد أن ملاك التكليف الوجوبي يقع على وجهين : فقد يكون بقاؤه مشروطا ببقاء الموضوع ـ كما في مثال العقد ـ فإنه يجوز إعدامه اختيارا فيرتفع معه وجوب الوفاء وملاكه ، وأخرى لا كذلك ـ كما في وجوب تجهيز الميت ـ فإنّه لا يجوز إعدامه بل يجب حفظه ـ بالدليل المتمم للجعل كما ستعرف ـ إلى أن يتمّ تجهيزه ، فيستكشف منه أن ملاك تجهيزه مطلق وغير مشروط ببقائه.

٢٣٧

ولعدمه أخرى ، كما في بقاء الميّت بالنسبة إلى وجوب تجهيزه ، ونحو ذلك ممّا يكون مجرّد تحقّق الموضوع هو تمام العلّة في توجّه خطابه (١) ، ولا يتوقّف عليه في مرحلة البقاء سوى التمكّن من امتثاله. ويكون اشتراط التكليف به في الصورة الأولى (٢) كاشتراطه بالسفر والحضر ونحوهما ممّا يدور حسن الواجب في حدوثه وبقائه مداره ، ويجوز إعدامه اختيارا بعد فعليّة خطابه (٣). ويرجع في الثانية (٤) إلى باب الاشتراط بالقدرة (٥) ، ويكون إعدامه تعجيزا‌

__________________

(١) فيكون خطابه وملاكه فعليّين بمجرد حدوث الموضوع ، ولا يتوقف على بقائه سوى القدرة العقلية على امتثاله.

(٢) وهي ما كان بقاء الملاك فيه مشروطا ببقاء موضوعه كمثال العقد ، ففي هذه الصورة يدور ملاك حسن الواجب وفعلية خطابه حدوثا وبقاء مدار الموضوع كذلك ، حذو دوران وجوب القصر مدار السفر ، والتمام مدار الحضر حدوثا وبقاء.

(٣) إذ لا مقتضي لوجوب حفظ الموضوع وإبقائه ، بل متى ما بقي بقي معه المشروط وإذا ارتفع ـ ولو اختيارا ـ ارتفع معه ، كما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الحدوث.

(٤) وهي ما لا يكون بقاء الملاك مشروطا ببقاء الموضوع ، بل مجرّد حدوثه كاف في بقائه ـ أي الملاك.

(٥) المقصود بها القدرة العقلية ، وباب الاشتراط بها إشارة إلى ما تقدّم من أن التكليف المشروط بالقدرة العقلية يكفي في فعليّته مجرد التمكن العقلي من متعلّقه ولو بالتمكن من تحصيل القدرة عليه ، وأن التعجيز عنه‌

٢٣٨

عن الواجب وتفويتا لملاكه ، ولامتناع (١) أن يتكفّل الخطاب إيجاب حفظه ـ وإلاّ لزم تقدّمه على نفسه ـ فيندرج المقام فيما يستحيل أن يستوفي ما يقتضيه الملاك إلاّ بخطابين لتعدّد الرتبة ـ حسبما تقدّم ضابطه ـ ، ويكون المتمّم المتكفّل لإيجاب حفظ الموضوع ـ كسائر ما يرجع إلى باب التفويت (٢) ـ منتجا نتيجة الخطاب المقدّمي‌

__________________

محرّم لكونه تفويتا للملاك الفعلي المطلق ، والوجه في رجوع الصورة الثانية إلى هذا الباب هو إطلاق الملاك فيها بقاء ، وعدم دخل بقاء الموضوع في بقائه ، وعدم توقف ما سوى التمكن من الامتثال على بقائه ـ كما مرّ ـ ، فإنّ قضية ذلك كفاية القدرة العقلية في بقاء التكليف فلا يجوز التعجيز عن امتثاله وتفويت ملاكه بإعدام موضوعه.

(١) تعليل مقدّم على المعلّل ، وحاصل الدعوى المعلّلة به اندراج الصورة الثانية إلى هذا الباب هو إطلاق الملاك فيها بقاء ، وعدم دخل بقاء الموضوع في بقائه ، وعدم توقف ما سوى التمكن من الامتثال على بقائه ـ كما مرّ ـ ، فإنّ قضية ذلك كفاية القدرة العقلية في بقاء التكليف فلا يجوز التعجيز عن امتثاله وتفويت ملاكه بإعدام موضوعه.

(١) تعليل مقدّم على المعلّل ، وحاصل الدعوى المعلّلة به اندراج الصورة الثانية الآنفة الذكر في ضابط متمّم الجعل المتقدّم بحثه مفصّلا ، وهو قصور الخطاب الواحد عن استيفاء تمام ما يقتضيه ملاكه لاختلاف مرتبة فيه ، فيكون مقتضيا تشريع ما استحال أن يتكفله الخطاب الأصلي وكاشفا عنه كشفا لميّا.

ومحصّل التعليل أن وجوب إبقاء الموضوع وحفظه في المقام يمتنع أن يتكفّله الخطاب الأصلي ، كما يمتنع أن يتكفل وجوب إيجاده لاختلافهما رتبة ، فيلزم من تكفّله له تقدّم الشي‌ء على نفسه ، فإن الخطاب متأخر رتبة عن موضوعه ، فلو اقتضى إيجاد موضوعه أو إبقاءه بعد وجوده لزم أن يكون متقدّما عليه متحقّقا قبل تحققه ، وهذا خلف ومناقضة ، ولأجله فإذا اقتضى الملاك إبقاء الموضوع في مورد كالمقام فلا محيص من الخطاب المتمم.

(٢) قد عرفت أنّ ملاك الحكم في محلّ الكلام لكونه مطلقا وغير مشروط ببقاء‌

٢٣٩

الغيريّ ، ومندرجا مع إيجاب المقدّمات المفوّتة تحت جامع واحد (١) ، وإن اختلفا في كون المانع عن تكفّل الخطاب النفسي لهذا المتمّم هو التقدّم الرتبي ها هنا ، والزماني ثمّة.

وكيف كان ففي مقام الإثبات (٢) يتوقّف كونه على الوجه الثاني على قيام الدليل عليه ، وإلاّ فمقتضى كون المنشأ بذلك الإنشاء‌

__________________

الموضوع فهو يقتضي عدم جواز التعجيز عنه ، وتفويته بإعدام موضوعه ، إذن فهو مندرج في باب التفويت.

(١) هو جامع التفويت ، فإنّ التحفّظ على الملاك الفعلي المطلق وعدم تفويته هو المناط المطّرد في البابين ، والمقتضي لوجوب حفظ الموضوع هنا ولوجوب المقدّمة المفوّتة هناك ، وكلاهما منتجان نتيجة الوجوب الغيري ، لكون وجوبهما بمناط التمكن من امتثال التكليف النفسي ، وليسا غيريّين حقيقة لامتناع ترشحهما من وجوب ذيهما ، لتقدّم الأوّل عليه رتبة ـ كما مر وجهه آنفا ـ والثاني زمانا ، وقد تقدّم ذكر الصورتين في سياق البحث عن ضابط المتمم لدى قوله قدس‌سره ( أو جاريا مجرى الخطاب الغيري. إلى قوله : في الزمان أو الرتبة ).

(٢) بعد ما انتهى الكلام في تحقيق ما يرجع إلى مقام الثبوت لتصوير التكليف الإيجابي ـ بالنسبة إلى اشتراطه خطابا وملاكا ببقاء موضوعه وعدم اشتراطه به إلاّ خطابا ـ على صورتين ، أشار قدس‌سره هنا إلى ما يقتضيه الدليل في مقام الإثبات ، فأفاد أنّ مقتضى الأصل في هذا المقام كونه من قبيل الأولى ، لأنّ الدليل الكاشف عن الإنشاء الواقعي دال على إنشاء حكم معلقا على موضوع ، ومقتضاه دوران الحكم مدار موضوعه حدوثا وبقاء خطابا وملاكا ، ولا بدّ لكونه من قبيل الثانية من قيام دليل خاص عليه.

٢٤٠