فوائد الأصول

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني

فوائد الأصول

المؤلف:

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

هو التبعيض في الإحتياط بمقدار لا يلزم منه العسر والحرج ، لحكومة أدلة نفيهما على التكاليف المعلومة بالإجمال المنتشرة في الوقايع المشتبهة التي يلزم من رعايتها في حال الجهل وانسداد باب العلم والعلمي بها العسر والحرج.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره من أن مفاد أدلة نفي العسر والحرج والضرر إنما هو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وأن التوفيق العرفي يقتضي تقديمها على أدلة الأحكام من دون أن تكون حاكمة عليها لعدم كونها بمدلولها اللفظي شارحة لها ومفسرة لما أريد منها ، فلتفصيل الكلام فيه محل آخر ، وإجماله : هو أنه لا يعتبر في الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا لما أريد من الدليل الآخر بمثل كلمة « أي » أو « أعني » وما أفاد معنى ذلك ـ وإن كان يوهمه ظاهر عبارة الشيخ قدس‌سره في مبحث التعادل والتراجيح ـ فإنه لم يوجد فيما بأيدينا من الأدلة ما يكون بهذه المثابة ، إلا بعض ما ورد في أخبار تنصيف المهر في موت الزوجة وطلاقها (١) وإلا فأغلب الحكومات لا يكون دليل الحاكم بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا لما أريد من دليل المحكوم ، بل الذي يعتبر في الحكومة ، هو أن يكون مفاد دليل الحاكم النتيجة المتحصلة من تحكيم قرينة المجاز على ذيها ، أو تحكيم الخاص على العام والمقيد على المطلق.

والضابط الكلي في ذلك : هو أن يكون أحد الدليلين متكفلا لبيان ما لا يتكفله دليل المحكوم. وبذلك تفترق الحكومة عن التخصيص وإن كانت النتيجة واحدة ، فان مفاد دليل المخصص نفي ما أثبته العام أو إثبات ما نفاه مع اتحاد الموضوع والمحمول فيهما وكان الاختلاف بينهما في مجرد السلب والايجاب ، كما في مثل قوله : « أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من العلماء » وهذا بخلاف الحاكم والمحكوم ، فان الاختلاف بينهما ليس بمجرد السلب والايجاب ، بل دليل

__________________

١ ـ راجع الوسائل الباب ٥٨ من أبواب المهور لعلك تجد ، فانى لم أجد في أخبار الباب شاهدا صريحا لما أشار إليه ولعله قدس‌سره عنى بذلك الحديث ٢٤ من الباب ( المصحح )

٢٦١

الحاكم يتكفل معنى لا يتكفله دليل المحكوم ولا يرد السلب والايجاب فيهما على محل واحد ، ولذلك لا تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم ولا قوة الظهور وضعفه ، بل يقدم دليل الحاكم وإن كانت النسبة بينهما العموم من وجه أو كان ظهوره أضعف من ظهور دليل المحكوم ، فان ملاحظة النسبة وقوة الظهور فرع التعارض ولا تعارض بينهما ، لأن دليل الحاكم قد يتعرض عقد وضع دليل المحكوم بإدخال ما ليس داخلا فيه ، كقوله « زيد عالم » عقيب قوله : « أكرم العلماء » أو إخراج ما ليس خارجا عنه كقوله : « زيد ليس بعالم » عقيب قوله ذلك ، وهو الغالب في باب الحكومات ، سواء كانت الحكومة واقعية ، كحكومة قوله : « لا شك لكثير الشك » على قوله : « من شك من الثلاث والأربع فليبن على الأربع » أو حكومة ظاهرية كحكومة الأمارات على الأحكام الواقعية ، وبعضها على بعض وعلى الأصول على ما بيناه في خاتمه الاستصحاب.

وقد يكون دليل الحاكم متعرضا لعقد حمل دليل المحكوم ، كما هو مفاد أدلة نفي الضرر والعسر والحرج ، فان الضرر والعسر والحرج من العناوين الثانوية التي تتصف بها نفس الأحكام الشرعية : من الوضعية والتكليفية ـ كما أوضحناه بما لا مزيد عليه ـ في رسالة لا ضرر ـ فهي بمدلولها المطابقي تنفى الأحكام الواقعية عن بعض حالاتها ، وهي حالة كونها ضرورية أو حرجية ، فمفاد أدلة نفي الضرر والعسر والحرج نفي تشريع الأحكام الضررية والحرجية ، فلا يعقل أن يقع التعارض بينهما وبين الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام الواقعية بعناوينها الأولية ، فان شمول أدلة الأحكام لحالة الضرر والعسر والحرج إنما يكون بالإطلاق المتأخر رتبة عن أصل الجعل والتشريع ، فان الإطلاق والتقييد من الحالات والأوصاف اللاحقة للأحكام بعد فرض وجودها وجعلها وتشريعها ، فلا يمكن أن يكون في مرتبة الجعل والتشريع الدليل متكفلا لبيان وجود الأحكام في حال كونها ضررية أو حرجية حتى يعارض ما دل على نفي الجعل والتشريع للأحكام الضررية والحرجية.

٢٦٢

وأمّا حديث كون مفاد أدلة نفي العسر والحرج والضرر نفي الحكم بلسان نفي الموضوع (١) فهو بمعزل عن الصواب.

لما فيه أولا : أن نفي الحكم بلسان نفي الموضوع إنما يكون فيما إذا كان مدخول النفي موضوعا ذا حكم ، إما في الشرايع السابقة ، وإما في زمان الجاهلية ، وإما في هذه الشريعة ، ليرد النفي على الموضوع بلحاظ نفي حكمه ، كما في مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا رهبانية في الاسلام » (٢) و « لا ضرورة في الاسلام » (٣) وقوله تعالى « فلا رفث ولا فسوق في الحج » (٤) وقوله عليه‌السلام « لا شك لكثير الشك » (٥) و « لا سهو للإمام مع حفظ المأموم » (٦) وغير ذلك من القضايا يكون مفادها نفي الحكم بلسان نفي الموضوع. وفي مثل نفي الضرر والعسر والحرج لا يمكن ذلك ، فان الحكم المترتب على الضرر مع قطع النظر عن ورود النفي عليه ليس هو إلا الحرمة ، فيكون مفاد

________________________

١ ـ أقول : إن ما أفيد أولا في إثبات الحكومة وشرحه في باب « لا ضرر والحرج » في غاية المتانة ، ونحن أيضا أوردنا عليه ، وأما ما أفيد أخيرا من إبطال كونه من باب نفي الموضوع : فهو مبنى على كون المراد من الموضوع نفس عنوان « الحرج » و « الضرر » وأما لو كان العنوانان حاكيان عن العناوين الضررية والحرجية ـ كما هو مقصوده ـ فلا يرد عليه ما أفيد.

نعم : لك أن تمنع هذه الجهة ، لا أنه على فرضه تورد عليه بما أفيد.

وما أفيد في وجه المنع : من كون النفي واردا على الدين وهو عبارة عن الأحكام ، غير تام ، إذ المراد من الدين مطلق الخطابات الواردة حكما وموضوعا ، فيصح أن يقال حينئذ : ما جعل الله في خطاباته موضوعا حرجيا ، وتخصيص الدين بخصوص الأحكام لا وجه له ، كما لا يخفى.

نعم : ما أفيد بأنه على فرض كونه من باب نفي الحكم بنفي الموضوع لا ينافي الحكومة في غاية المتانة ، ونحن أيضا مستشكلين عليه ، فتدبر.

٢ ـ لم نجد حديثا بهذه العبارة في كتب الأخبار وما أورده في الوسائل « ليس في أمتي رهبانية » راجع الوسائل أبواب آداب السفر إلى الحج الباب ١ الحديث ٤ ( المصحح ).

٣ ـ سنن أبي داود كتاب المناسك الباب ٣

٤ ـ سورة البقرة الآية : ١٩٧

٥ و ٦ _ ولا يخفى أن هذين التعبيرين أيضا ليسا عين ما نقل عن المعصوم عليه‌السلام راجع الوسائل أبواب الخلل الباب ١٦ و ٢٤ ( المصحح ).

٢٦٣

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ( بناء على أن يكون من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ) هو نفي حرمة الضرر ، وهو كما ترى يلزم منه عكس المقصود ، فان المقصود منه عدم وقوع الضرر لا عدم حرمته والترخيص فيه ، وأما العسر والحرج فليس له حكم حتى يكون النفي بلحاظه.

وثانيا : أن توهم كون المفاد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع إنما يكون له سبيل في مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا ضرر ولا ضرار » وأما قوله تعالى : « وما جعل عليكم في الدين من حرج » فهو مما لا سبيل إليه ، فان النفي فيه ورد على « الدين » وهو عبارة عن الأحكام والتكاليف الشرعية ، فمعنى قوله تعالى : « وما جعل عليكم في الدين من حرج » هو أنه لم يجعل في الأحكام حكما حرجيا ، فالنفي من أول الأمر ورد على الأحكام ، لا على الموضوع حتى يتوهم أنه من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

وثالثا : أن نفي الحكم بلسان نفي الموضوع أيضا يكون من أحد أقسام الحكومة إذا كان من النفي التركيبي بمفاد « ليس الناقصة » كقوله عليه‌السلام « لا شك لكثير الشك » و « لا سهو في السهو » ونحو ذلك ، فمجرد كون مفاد الدليل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع لا ينافي الحكومة.

وليس الغرض في المقام تفصيل الكلام في أقسام الحكومات فإنه قد استقصينا الكلام في ذلك في رسالة مفردة ، بل المقصود مجرد التنبيه إلى أن الوجه في تقديم أدلة نفي العسر والحرج على أدلة الأحكام إنما هو الحكومة ، ولولا ذلك لم يكن وجه للجمع بينهما بتقديمها عليها عرفا ، فان الجمع العرفي لابد وأن يكون عن منشأ : من الحكومة أو قوة الظهور ونحو ذلك مما يأتي البحث عنه في مبحث « التعادل والتراجيح » ولا سبيل إلى دعوى أظهرية أدلة نفي العسر والحرج من أدلة الأحكام ، مع أن النسبة بينها وبين آحاد أدلة الأحكام العموم من وجه ، فلا وجه لتقديمها عليها إلا الحكومة. وقد عرفت : أنه بعد تسليم الحكومة لا محيص عن التبعيض في الاحتياط فيما نحن فيه إذا كان المستند في

٢٦٤

المقدمة الثانية « وهي عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة » العلم الإجمالي واقتضائه الاحتياط في المظنونات والمشكوكات والموهومات ، فان الاحتياط في الجميع مستلزم للعسر والحرج ، وبعد ضم أدلة نفيهما إلى ما يستقل العقل به ـ من الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ـ تكون النتيجة التبعيض في الاحتياط بترك الاحتياط في الموهومات إذا لم يلزم من الاحتياط في المظنونات والمشكوكات العسر والحرج ، وإلا فيجب الاحتياط في المظنونات فقط أو مع بعض المشكوكات ، إلا أن يقوم إجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ولو لم يستلزم الاحتياط فيها العسر والحرج ، وإلا كان اللازم الاحتياط في المظنونات فقط إذا كان مفاد الإجماع مجرد عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ، فان حال المظنونات يكون في حال أحد الإنائات الثلاثة التي علم بنجاسة أحدها مع الاضطرار إلى الاقتحام في أحدها المعين وقيام الدليل على جواز الاقتحام على الآخر (١) فإنه يجب الاجتناب عن الثالث مخافة أن يكون هو النجس المعلوم بالإجمال في البين ، ففي المقام يجب الاحتياط في المظنونات بعد قيام الإجماع بجواز ترك الاحتياط في المشكوكات وكان الاحتياط في الموهومات

________________________

١ ـ أقول : مع فرض احتمال كون النجاسة في المحتمل المعين ومقارنا مع العلم كان المحتمل المزبور مضطرا إليه ، فهل هذا الاضطرار لم يكن قائما بموضوع المحتمل على الإطلاق؟ ومع قيامه فهل فيه قصور في نفي التكليف عن المضطر إليه بالخصوص؟ ومع عدم قصوره فمن أين يبقى علم إجمالي بتكليف فعلى بعده؟ وحينئذ من أين يجئ التبعيض وإلزام العقل بلزوم حفظ البقية؟.

فان قلت : أن المصلحة إذا كان معلوما في كل واحد من الطرفين ، فمع الشك في طرو المانع عن هذه المصلحة في تأثيره فالعقل يحكم في مثله بالاحتياط لا البراءة ، ، نظير الشك في القدرة.

قلت : ما أفيد تمام لو كان الطرف الآخر مما كان المقتضى فيه محرزا وأن الشك كان ممحضا في المانع وأما إذا فرضنا بأن الشك في الطرف الآخر شك في أصل المصلحة وإنما علم إجمالا بتكليف فعلى في كل طرف بمعنى احتمال انطباقه في كل طرف ، فمع فرض ذهاب العلم المزبور بواسطة الاضطرار في المعين ، فلا يبقى مجال لجريان الاحتياط في الطرف الآخر مع فرض الشك في أصل اقتضائه ، ومن هذه الجهة نقول : إنه لو فرض خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء فضلا عن القدرة مقارنا بالعلم وكان معينا لا مجال للاحتياط في الطرف الآخر ، كما هو ظاهر على من يرجع كلماتهم في الشبهة المحصورة ، فتدبر.

٢٦٥

موجباً للعسر والحرج ولو مع ضم الاحتياط في المظنونات والمشكوكات ، فإنه قد تقدم : أنه يتعين دفع العسر والحرج بترك الاحتياط في خصوص الموهومات ، لأنها أبعد عن الواقع من المظنونات والمشكوكات ، فيكون حالها حال الاضطرار إلى الاقتحام في أحد الإنائات الثلاثة المعين ، فإذا ضممنا إلى ذلك الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات يتعين الاحتياط في المظنونات فقط ، فان صادف كون التكاليف المعلومة بالإجمال في المظنونات فهو ، وإن صادف كونها في الموهومات والمشكوكات فهي منفية بأدلة نفي العسر والحرج وبالإجماع. هذا إذا كان مفاد الإجماع مجرد عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات من باب أنها من أحد أطراف العلم الإجمالي.

وإن كان مفاده عدم وجوب الاحتياط فيها من باب أن مبنى الشريعة ليس على امتثال التكاليف بنحو الاحتمال ، بل لابد وأن يكون امتثال كل تكليف بعنوانه الخاص من الوجوب والحرمة ، فهذا الإجماع بضميمة انسداد باب العلم والعلمي يكشف لا محالة عن جعل الشارع حجية الظن وطريقيته إلى التكاليف الواقعية ، فيكون العمل بالمظنونات من باب أن الظن محرز للواقع ، لا من باب التبعيض في الاحتياط.

فتحصل من جميع ما ذكرنا : أن نتيجة المقدمة الثانية مع ضم المقدمة الثالثة إليها تختلف حسب اختلاف المستند في المقدمة الثانية مع اختلاف المستند في بطلان الاحتياط ، فلو كان المستند في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة الإجماع أو الخروج عن الدين ـ وكان الوجه في بطلان الاحتياط هو الإجماع على عدم وجوب الجمع بين جميع المحتملات أو لزوم اختلال النظام من الاحتياط في الجميع ـ كان اللازم هو التبعيض في الاحتياط ، ولكن هذا الاحتياط إنما يكون بجعل شرعي وليس من الاحتياط العقلي ، لما عرفت : من أن الإجماع أو الخروج عن الدين يقتضي جعل الشارع الاحتياط طريقا إلى امتثال التكاليف ، وأقصى ما يقتضيه الإجماع على وجوب الجمع بين جميع

٢٦٦

المحتملات أو اختلال النظام هو نفي جعل الشارع الاحتياط في الجميع طريقا ، وأما جعل الطريقية في البعض فلا ينفيه ، ولا سبيل إلى دعوى نصب الشارع الظن طريقا ، لما عرفت : من أن الطريق الواصل بنفسه ليس هو إلا الاحتياط. هذا إذا كان الوجه في بطلان الاحتياط الشرعي هو الإجماع أو اختلال النظام. وإن كان الوجه فيه لزوم العسر والحرج ، فقد عرفت : أن أدلة نفيهما لا تكفى في بطلانه ، لان الاحتياط الشرعي يكون أخص مطلق من أدلة نفيهما.

ولو كان المستند في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة العلم الإجمالي ـ وكان بطلان الاحتياط لأجل الإجماع على عدم وجوب الجمع بين المحتملات أو لأجل اختلال النظام أو لزوم العسر والحرج ـ فالنتيجة هي التبعيض في الاحتياط أيضا ، ولكن لزوم الاحتياط في البعض على هذا يكون لأجل استقلال العقل به إرشادا ، لا لأجل ايجابه شرعا ، فهذا الوجه مع الوجه السابق وإن كان يشترك في كون النتيجة التبعيض في الاحتياط ، إلا أنه في الوجه السابق يكون الاحتياط في البعض من الاحتياط الشرعي ، وفي هذا الوجه يكون من الاحتياط العقلي.

ولو كان الوجه في بطلان الاحتياط هو الإجماع على أن بناء الشريعة ليس على الامتثال الاحتمالي والإتيان بمتعلقات التكاليف على وجه الاحتمال ، فالنتيجة تكون حجية الظن شرعا على جميع التقادير ، سواء كان عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة لأجل الإجماع ، أو الخروج عن الدين ، أو العلم الإجمالي ، فإنه لا يمكن المنع عن الامتثال الاحتمالي بلا نصب طريق إلى إحراز التكاليف مع انسداد باب العلم بها (١) والطريق الذي يمكن نصبه شرعاً

________________________

١ ـ أقول : قد تقدم سابقا بأنه لو فرض قيام الإجماع على عدم الامتثال الاحتمالي ، لا يلازم ذلك أيضا مع حجية الظن بمعنى الوسطية ، بل كما يناسب ذلك مع الإجماع المزبور يناسب أيضا مع جعل وجوب العمل بالظن شرعا من باب المقدمية لتنجيز الواقع في ضمن ظنونه ، نظير ايجاب الاحتياط في الشبهات البدوية ، إذ حينئذ لا يكون الامتثال احتماليا ، بل الحكم الشرعي الطريقي دعاه على الإمتثال.

٢٦٧

بحسب الدوران العقلي منحصر بالظن ، إذ لا طريق يمكن إحراز الواقع به على وجه لا يكون الامتثال احتماليا سوى الظن ، فيتعين هو للنصب.

فظهر : أن العمل بالمظنونات مع الوقايع المشتبهة لا يخلو عن أحد وجهين لا ثالث لهما ، وإما لكونه من التبعيض في الاحتياط في أطراف الشبهة ، وإما لكونه محرزا للواقع بجعل الظن حجة شرعا.

ومن ذلك يظهر : أن مقدمات الانسداد ، إما أن تكون عقيمة لا تصل النوبة إلى المقدمة الرابعة لأخذ النتيجة ( إذا كان بطلان الاحتياط في المقدمة الثالثة من جهة لزوم العسر والحرج ، وكان عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة في المقدمة الثانية من جهة العلم الإجمالي ) وإما أن تكون النتيجة الكشف وحجية الظن شرعا ، إذا وصلت النوبة إلى المقدمة الرابعة ( وذلك إنما يكون إذا كان بطلان الاحتياط لأجل قيام الإجماع على أن مبنى الشريعة ليس على امتثال التكاليف بالاحتمال ) فجعل النتيجة الحكومة بمعنى الامتثال الظني مما لا أساس له ، ولا يمكن أن تكون النتيجة ذلك ، مع أن العمل بالمظنونات لا يلازم الامتثال الظني ، على ما سيأتي بيانه عن قريب ( إن شاء الله تعالى ).

فما اختاره الشيخ قدس‌سره من الحكومة وأن نتيجة مقدمات الانسداد هي كفاية الامتثال الظني في مقام الطاعة مما لا يمكن المساعدة عليه.

قال قدس‌سره بعد الاعتراف بأنه يجب التبعيض في الاحتياط بترك الاحتياط في الموهومات بأدلة نفي العسر والحرج ووجوبه في المظنونات

__________________

نعم : لو كان مفاد الإجماع وجوب التعرض للأحكام عن طريق وكاشف عنها ولو تعبدا كان للنتيجة المزبورة وجه ، ومرجع ذلك إلى العلم الإجمالي بجعل طريق في الأحكام الموكول تعينها بيد العقل ، ولكن أنى له باثباته!.

كما أن الإجماع بالمعنى الأول ـ الذي عبارة عن وجوب تعرض الأحكام عن وجوب شرعي ظاهري ـ أيضا ثبوته أول الكلام ، والله العالم.

٢٦٨

والمشكوكات ما لفظه : ( اللهم إلا ان يدعى قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا ، وحاصله : دعوى أن الشارع لا يريد الامتثال العلمي الإجمالي في التكاليف الواقعية المشتبهة بين الوقايع ، فيكون حاصل دعوى الإجماع دعوى انعقاده على أنه لا يجب شرعا الإطاعة العلمية الإجمالية في الوقايع المشتبهة مطلقا ، لا في الكل ولا في البعض ، وحينئذ يتعين الانتقال إلى الإطاعة الظنية.

لكن الإنصاف : أن دعواه مشكلة جدا وإن كان تحققه مظنونا بالظن القوى ، لكنه لا ينفع ما لم تنته إلى حد العلم ».

ثم عقب ذلك بقوله : « فان قلت : إذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بأن المرجع في كل مورد منها إلى ما يقتضيه الأصل الجاري في ذلك المورد ، فتصير الأصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة ، فالمظنون في تلك المسائل عدم وجوب الواقع فيها على المكلف وكفاية الرجوع إلى الأصول ، وسيجيء أنه لا فرق في الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد بين الظن المتعلق بالواقع وبين الظن المتعلق بكون الشيء طريقا إلى الواقع وكون العمل به مجزيا عن الواقع وبدلا عنه ولو تخلف عن الواقع ».

ثم أجاب عن قوله : « إن قلت » بقوله : « قلت : مسألة حجية الظن بالطريق موقوف على هذه المسألة الخ ».

وحاصل ما أفاده في الجواب عن ذلك بقوله : « قلت » على طوله يرجع إلى أن نتيجة مقدمات الانسداد وإن كانت أعم من الظن بالواقع والظن بالطريق ، إلا أن ذلك فرع سلامة المقدمات ووصول النوبة إلى أخذ النتيجة ، والكلام بعد في سلامة المقدمة الثالثة ، فإنه لم يثبت بطلان الاحتياط رأسا في جميع الوقايع لينتقل إلى المقدمة الرابعة ، لتكون النتيجة اعتبار الظن مطلقا سواء تعلق بالواقع أو بالطريق.

٢٦٩

ولا يخفى ما في هذا الجواب من الإشكال (١) فإنه بعد تسليم عدم وجوب الاحتياط في الموهومات بأدلة نفي العسر والحرج ووجوبه في المظنونات سواء تعلق الظن بالواقع أو بالطريق ـ فان الظن بالطريق يلازم الظن بالواقع ولو من حيث الأثر ـ لا يبقى موقع لهذا الجواب ، فان قيام الإجماع ـ ولو ظنا ـ على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات يلازم الظن باعتبار الأصول النافية للتكليف في موارد الشك ، كما اعترف به قدس‌سره فتكون التكاليف في المشكوكات موهومة ولو من حيث الأثر ، فان الظن باعتبار الطريق وإن لم يلازم الظن بالواقع ، إلا أنه يلازم الظن بالخروج عن عهدة الواقع عند العمل به ، فيكون التكليف في مورد الأصل النافي له ـ الذي فرض الظن باعتباره بسبب قيام الإجماع الظني على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ـ موهوما من حيث الأثر ، والمفروض عدم وجوب الاحتياط في الموهومات ـ فتأمل ـ فبنفس المقدمة الثالثة يثبت اعتبار الظن بالطريق بمقتضى الإجماع الظني ونحتاج إلى المقدمة الرابعة ، ولعله لذلك ضرب على قوله : « قلت : مسألة حجية الظن موقوف على هذه المسألة الخ » وتبديله ـ على ما في النسخ المصححة ـ بقوله : « قلت : مرجع الإجماع قطعيا أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات إلى الأصول هو الإجماع على وجود الحجية الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتى تكون المسائل

________________________

١ ـ أقول : بعد ما كان الغرض أن النوبة إنما تصل إلى مثبتية الظن للتكليف بعد إبطال مثبت آخر من العلم أو العلمي إجماليا أم تفصيليا ، فمع عدم ابطال العلم الإجمالي ولو من جهة إمكان التبعيض في الاحتياط ـ لا يكاد وصول النوبة إلى حجية الظن في إثبات التكليف ، وحينئذ في رفع اليد عن العلم بمقدار العسر إذا اكتفى في خصوص الموهومات لا يرخص العقل ترك المشكوك ، ولو كان مما هو مظنون الخروج عن عهدة الواقع وكان موهوما من حيث الأثر ، كيف! ولو فرض في رفع العسر رفع اليد عن خصوص موهوم الواقع أو موهوم الأثر ، ربما يقدم العقل الأول في الترخيص على الأخير ، ولو فرض عدم ترجيح العقل بينهما ، فلابد بمقتضى تأثير العلم الإجمالي من التبعيض بين نحوي الموهومين لا الأخذ بجميع الموهومات ، إذ ليس في البين نص مخصوص يرفع به اليد عن كل موهوم حقيقة أم أثرا ، بل عمدة ما في البين حكم العقل بالجمع بين تأثير العلم في إثبات معلومه وبين عمومات العسر المقتصر فيها بمقدار رفع العسر ، ولو عن بعض الموهومات دون بعض ، كما لا يخفى.

٢٧٠

الخالية عنها موارد للأصول ، ومرجع هذا إلى دعوى الإجماع على حجية الظن بعد الانسداد » انتهى (١).

وهذا الكلام وإن لم يكن منه قدس‌سره بل هو لبعض الأعاظم من تلامذته وهو السيد الكبير الشيرازي قدس‌سره إلا أن المحكى أن ذلك كان برضى من الشيخ قدس‌سره وإمضائه. والمقصود من تبديل الجواب عن « إن قلت » إلى ذلك ، هو أن قيام الإجماع على جواز الرجوع في المشكوكات إلى الأصول النافية يكشف لا محالة عن جعل الشارع حجة كافية لينحل ببركتها العلم الإجمالي في الوقايع المشتبهة لتجري الأصول النافية للتكليف في المشكوكات ، فان مجرد الترخيص في المشكوكات لا يكفي في اعتبار الأصول النافية ما لم يثبت التكليف في المظنونات ، وثبوته فيها إنما يكون بجعل الظن حجة محرزا للتكاليف الواقعية المعلومة بالإجمال في الوقايع المشتبهة ، فمرجع الإجماع على الرجوع إلى الأصول النافية في المشكوكات إلى الإجماع على جعل الشارع حجية الظن ليثبت به التكليف في المظنونات ، فتجري الأصول النافية في المشكوكات.

وبذلك يظهر : أن استكشاف حجية الظن إنما يكون بأحد وجهين :

________________________

١ ـ أقول : يا ليت لم يضرب الكلام الأول ولم ينتهى الأمر إلى الجواب الثاني ، كيف! وقد تقدم وجه الجواب المضروب خال عما أورد عليه ، كما أن الجواب الثاني الذي هو منسوب إلى بعض الأعاظم من تلامذته أيضا مخدوش بان قيام الإجماع على الترخيص في المشكوكات إذا كان قطعيا إنما يلازم جعل البدل أو الانحلال ـ بناء على المختار من علية العلم الاجمالي للتنجيز ـ وإلا فبناء على مختارك من الاقتضاء ـ الذي تنسبه إلى بعض الأعاظم أيضا ـ فلا يقتضي الترخيص المزبور لجعل البدل ولا الانحلال ، إذ لازمه جواز الترخيص في أحد طرفي العلم ولو بلا معارض ، وحينئذ من أين يكشف عن وجود حجة كافية في البين كي ينتهى إلى الظن؟.

ثم إن هذا أيضا إذا كان الإجماع قطعيا ، وإلا فلو كان ظنيا فلا شبهة في أنه توجب الظن بالترخيص ، فعلى فرض الملازمة يوجب ذلك الظن بوجود حجة كافية ، وبمثل هذا الظن لا مجال لرفع اليد عن تأثير العلم الإجمالي ، لأن الظن بالانحلال لا يوجب الانحلال ، وحينئذ كيف يصير النتجية حجية الظن بمقدار الكفاية؟ فتدبر فيما قلت ، ولا يغرنك صدور الكلام ممن لا يستأهل رده ، لان الجواد قد يكبو والإنسان قد يساوق السهو والنسيان.

٢٧١

أحدهما : قيام الإجماع على أن مبنى الشريعة ليس على الإتيان بالمحتملات وامتثال التكاليف على سبيل الاحتمال ليبطل بذلك الاحتياط من أصله كلا وبعضا ، فان قيام الإجماع على ذلك لا يمكن إلا بجعل طريق شرعي محرز للتكاليف ليتمكن المكلف ببركته على امتثال التكاليف بعنوانها الخاص.

ثانيهما : قيام الإجماع على اعتبار الأصول النافية في المشكوكات (١) فان قيام الإجماع على ذلك يكشف أيضا عن وجود حجة كافية في المسائل محرزة للتكاليف ، وتلك الحجة بحسب الدوران العقلي منحصرة في الظن ، إذ ليس في البين ما يصح جعله محرزا للواقع سواه. وعلى كل تقدير : تكون النتيجة الكشف ، ولا يبقى مجال للحكومة.

ولا يكاد ينقضي تعجبي من الشيخ قدس‌سره من البناء على الحكومة وجعل النتيجة هي حكم العقل بكفاية الامتثال الظني في مقام الطاعة والخروج عن عهدة التكاليف المعلومة بالإجمال في الوقايع المشتبهة ، مع أن مفاد قوله قدس‌سره : « قلت مرجع الإجماع قطعيا كان أو ظنيا الخ » ليس إلا الكشف وحجية الظن شرعا.

ومن ذلك يظهر : ما في الوجوه الثلاثة التي ذكرها لإبطال الكشف في التنبيه الثاني من تنبيهات دليل الانسداد ـ المتكفل لبيان كلية النتيجة أو إهمالها ـ قال قدس‌سره : « الحق في تقرير دليل الانسداد هو التقرير الثاني وأن التقرير على وجه الكشف فاسد ، أما أولا : فلأن المقدمات المذكورة لا تستلزم جعل الشارع الظن ـ مطلقا أو بشرط حصوله من أسباب خاصة ـ حجة ، لجواز أن لا يجعل الشارع طريقا للامتثال بعد تعذر العلم أصلا الخ ».

وحاصل ما أفاده في الوجه الأول من الوجوه الثلاثة يرجع إلى دعوى

________________________

١ ـ أقول : هذا الإجماع باعتراف مدعيه ظني ، فكيف يكفي للكشف عن وجود الحجة؟.

٢٧٢

إمكان اكتفاء الشارع بما هو طريقة العقلاء : من العمل بالظن في التكاليف الصادرة من الموالى العرفية مع القطع بعدم نصب المولى طريقا إليها ، ولا يجب عقلا على المولى نصب الطريق عند انسداد باب العلم بالتكاليف على العبد ، بل يصح له إحالة العبد إلى ما يستقل العقل به من العمل بالظن. نعم : يجب على المولى الرضاء بما يستقل به العقل ، وليس له مؤاخذة العبد على العمل بالطريق العقلي ، هذا.

ولا يخفى ما فيه ، فان الحكم العقلي إنما يقع في سلسلة الإطاعة ، والعقل يستقل أولا بالإطاعة العلمية تفصيلا مع الإمكان ، أو إجمالا بالاحتياط مع عدم الإمكان : أو مطلقا ـ على التفصيل المتقدم في باب العلم الإجمالي ـ فإذا تعذرت الإطاعة العلمية تفصيلا وإجمالا يستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية والخروج عن عهدة التكاليف ظنا (١) فلابد أولا من إبطال الإحتياط

________________________

١ ـ أقول : مرجع حجية الظن في مقام الإثبات ـ كما هو مقصود القائل بالحكومة في باب الانسداد ـ ليس إلا منجزية. الظن للأحكام ، وهذا المعنى منوط بعدم وجود منجز آخر : من علم أو علمي تفصيلي أو إجمالي ، وإلا فلا ينتهى النوبة إلى منجزية الظن به ، وحينئذ الذي ينوط به حجية الظن هو عدم وجود مثبت آخر ، لا عدم لزوم تحصيل العلم في مقام الإسقاط والفراغ ، كيف! والقائل بحجية الظن من باب الحكومة همه تحصيل الجزم بالفراغ عما اشتغلت الذمة به بالعمل بظنه ، وحينئذ ليس معنى إناطة حجية الظن عقلا على بطلان الاحتياط بمعنى تحصيل الجزم بالفراغ بأي وجه ، بل منوط بعدم وجوب الاحتياط من قبل منجز آخر : من علم إجمالي أو ايجاب احتياط شرعي مثلا ، وعدم هذا الوجوب غير منوط بالإجماع المزبور بكلا تقريريه ، بل يكفي فيه منع منجزية العلم الإجمالي ومنع ايجاب الاحتياط الشرعي ، ويكفي في الأول نفس قيام الإجماع والضرورة على بطلان الخروج من الدين ولو فرض لم يكن في البين علم إجمالي ، إذ مثل هذا الإجماع التقديري يكفي في الجزم بوجود منجز آخر غير العلم الإجمالي وهو كاف في انحلاله ، كما أن منع الإيجاب الشرعي أيضا يكفي فيه أنه لو لم يكن من قبل الشارع جعل حكم شرعي طريقي العقل يحكم حكما بتيا بلزوم تعرض الأحكام ، ومع هذا الحكم العقلي لا يبقى مجال للكشف غير الجعل الشرعي ، لاحتمال ايكاله إلى حكم العقل ، وببقية المقدمات يثبت دائرة هذا الحكم في الظن ، فيحكم العقل بمثبتية الظن وحجيته حكومة لا كشفا.

نعم : لو لم يحكم العقل بشيء أصلا لا محيص عن كشف الجعل ، ولو بمثل ايجاب الاحتياط شرعا ، ولو في دائرة الظنون بضم بقية المقدمات ، ولكن منع حكم العقل لولا الجعل الشرعي خارج عن الإنصاف ، كما أشرنا إليه سابقا ، كما أن دعوى الإجماع المزبور بكل من تقريريه ـ المستلزم لعدم إمكان تحصيل الجزم بالفراغ بنحو

٢٧٣

رأساً لتصل النوبة إلى الإطاعة الظنية (١) وإلا كان اللازم هو الاحتياط ولو في المظنونات إذا كان الاحتياط في المشكوكات والموهومات موجبا للعسر والحرج. والعمل بالمظنونات من باب التبعيض في الاحتياط غير الإطاعة الظنية ، إذ لا ملازمة بينهما ـ على ما سيأتي بيانه ـ فما لم يثبت بطلان الاحتياط كلا وبعضا في المقدمة الثالثة لا تصل النوبة إلى المقدمة الرابعة لأخذ النتيجة كشفا أو حكومة.

وقد عرفت : أن بطلان الاحتياط كلا وبعضا يتوقف على قيام الإجماع على أحد الوجهين السابقين : أحدهما قيامه على أن بناء الشريعة ليس على الإتيان بالتكاليف على سبيل الاحتمال. ثانيهما : قيامه على اعتبار الأصول النافية للتكليف في المشكوكات ليرجع إلى جعل حجة كافية في المسائل ، فإنه لولا قيام الإجماع بأحد الوجهين كان المتعين هو التبعيض في الاحتياط ، ومفاد هذا الإجماع ـ بكلا وجهيه ـ ليس هو إلا الكشف.

والحاصل : أن العمل بالمظنونات من باب الاحتياط ليس من الكشف والحكومة ، بل هو من التبعيض في الاحتياط ، فان الكشف معناه : حجية الظن شرعا وجعله مثبتا ومحرزا لمتعلقه لا مجرد العمل بالظن. والحكومة عبارة عن الامتثال الظني والظن بالخروج عن عهدة ما اشتغلت الذمة به من التكاليف ، وهو قد يحصل من العمل بالمظنونات وقد لا يحصل.

________________________

آخر ـ أول شيء ينكر ، كما أشرنا كرارا.

وبعبارة أخرى : لا وجه لبطلان الاحتياط ـ بمعنى لزوم تحصيل الجزم بالفراغ ـ مقدمة لحجية الظن كي يلازم مع الإجماع المزبور بأحد تقريريه ، بل غاية ما هو مقدمة لحجية الظن هو بطلان الاحتياط من قبل منجز آخر : من علم إجمالي أو ايجاب احتياط شرعي ، ولا أظن في معقد الإجماع في كلماتهم أزيد من ذلك ، كما لا يخفى.

١ ـ أقول : إن الذي يحتاج إليه في حجية الظن إنما هو إبطال مثبت آخر للتكليف تفصيلا أو إجمالا الموجب للاحتياط كلا أو بعضا ، وإبطالها غير منوط بالإجماع المزبور ، كما أشرنا إليه.

٢٧٤

وكون نتيجة مقدمات الانسداد الكشف أو الحكومة يتوقف على إبطال الاحتياط ولو في المظنونات ، وإبطاله إنما يكون بالإجماع بأحد وجهيه ، وكل من الوجهين لا ينتج إلا الكشف. فمن أين صارت النتيجة الحكومة؟ فما افاده في الوجه الأول ـ من الوجوه الثلاثة التي أقامها لإبطال الكشف ـ ضعيف غايته.

ويتلو هذا الوجه في الضعف الوجه الثاني ، وهو ما أفاده بقوله « وأما ثانيا : فلأنه إذ بنى على كشف المقدمات المذكورة عن جعل الظن على وجه الإهمال والإجمال صح المنع الذي أورده بعض المتعرضين لرد هذا الدليل ، وقد أشرنا إليه سابقا. وحاصله : أنه كما يحتمل أن يكون الشارع قد جعل لنا مطلق الظن أو الظن في الجملة المردد بين الكل والبعض المردد بين الأبعاض ، كذلك يحتمل أن يكون قد جعل لنا شيئا آخر حجة من دون اعتبار إفادته الظن ، لأنه أمر ممكن غير مستحيل ، والمفروض عدم استقلال العقل بحكم في هذا المقام ، فمن أين يثبت جعل الظن في الجملة دون شيء آخر؟ ».

وأنت خبير بما في هذا الوجه ، فان قيام الإجماع على أحد الوجهين المتقدمين يكشف عن أن الشارع قد جعل للعباد طريقا واصلا إليهم ليتمكنوا بسببه من الإتيان بالتكاليف بعناوينها الخاصة من الوجوب والحرمة (١) فان الطريق الغير الواصل لا يزيد حكمه عن أصل التكليف الذي انسد باب العلم

________________________

١ ـ أقول : لو تم الإجماع المزبور كان لما أفيد وجه ، وإنما الكلام في هذا الإجماع ، إذ غاية الأمر قيام الإجماع على بطلان الاحتياط الكلي ، وهذا لا يقتضي شيئا ، ولذا لا يفيد ذلك لإثبات حجية الظن ، بل المفيد له عدم منجزية العلم رأسا ، فتصل النوبة إما إلى حكم العقل أو الجعل الشرعي ، بعد الإجماع على بطلان الخروج عن الدين ، فعلى الأول : : لا يبقى مجال للكشف عن أمر شرعي ، لاحتمال ايكال الشرع إلى العقل ، وإليه النظر في الجواب الأول. وعلى الثاني : لابد وأن تكون النتيجة مهملة قابلة لجعل طريق غير الظن ، وعدم قابلية غير الظن لتتميم الكشف والطريق كلام ظاهري ، إذ كل محتمل قابل لتتميم كشفه الناقص ، كالظنون النوعية وغيرها ، وإلى هذا يرجع الجواب الثاني.

٢٧٥

به ؛ والطريق الواصل ليس إلا الظن ، فان ما عداه يكون باب العلم به منسدا ، مع أنه لابد في الطريق المجعول من أن يكون له جهة كشف وإرائة عن الواقع ليمكن تتميم كشفه بجعله ونصبه طريقا ، وبحسب الدوران العقلي ينحصر ذلك بالعلم والظن ، والمفروض انسداد باب الأول ، فلم يبق إلى الثاني ، فلا مجال لاحتمال نصب غير الظن طريقا.

ومن ذلك يظهر ضعف ما أفاده في الوجه الثالث لإبطال الكشف بقوله : « وأما ثالثا : فلأنه لو صح كون النتيجة مهملة مجملة لم ينفع أصلا إن بقيت على إجمالها ، وإن عينت ، فإما أن تعين في ضمن كل الأسباب وإما أن تعين في ضمن بعضها المعين ، وسيجيء عدم تمامية شيء من هذين الوجهين إلا بضميمة الإجماع ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى دعوى الإجماع على حجية مطلق الظن بعد الانسداد ، فتسميته دليلا عقليا لا يظهر له وجه عدا كون الملازمة بين تلك المقدمات الشرعية ونتيجتها عقلية ، وهذا جار في جميع الأدلة السمعية ، كما لا يخفى » انتهى.

قلت : الوجه في تسميته بالدليل العقلي ، هو أن الكاشف عن جعل الشارع الظن حجة إنما هو العقل ، فان الإجماع بوجهيه لا يفيد أزيد من أنه لابد للشارع من نصب طريق للعباد يتوصلون به إلى التكاليف ، وأما كون المنصوب الشرعي خصوص الظن فليس هو مفاد الإجماع ، بل تعيين ذلك إنما يكون بحسب الدوران العقلي ، من جهة أنه لا أقرب من الظن في الإصابة والايصال بعد العلم.

وبالجملة : مجرد كون بعض مبادئ الدليل شرعيا لا يوجب خروج الدليل عن كونه عقليا بعد ما كان الحاكم بالنتيجة هو العقل ، مع أن مجرد عدم صحة تسمية الدليل بالدليل العقلي لا يقتضي البناء على الحكومة بعد ما كانت نتيجة مقدمات الدليل الكشف.

فالإنصاف : أنه ما كنا نترقب من الشيخ قدس‌سره البناء على

٢٧٦

الحكومة (١) خصوصا بعد قوله ـ في الجواب عن الإشكال المتقدم ـ قلت : مرجع الإجماع قطعيا كان أو ظنيا الخ.

فالتحقيق : أن القول بالحكومة مما لا أساس له ولا ينبغي المصير إليه (٢) لما فيه :

أولا : أن الانتقال من المقدمة الثالثة إلى المقدمة الرابعة لأخذ النتيجة كشفا أو حكومة لا يمكن إلا بعد قيام الإجماع على أن الشارع لا يريد من المكلف فعل متعلقات التكاليف على سبيل الاحتمال ، فان هذا الإجماع هو الذي يوجب الانتقال من المقدمة الثالثة إلى المقدمة الرابعة ، إذ لولاه كان اللازم التبعيض في الاحتياط إذا لم يمكن في الكل لعسر ونحوه ، فلابد في بطلان التبعيض في الاحتياط من قيام الإجماع على ذلك ، ولازم قيام الإجماع على ذلك هو أن الشارع جعل للعباد طريقا محرزا للواقع يتوصلون به إلى التكاليف الواقعية ليتمكنوا من امتثال كل تكليف بعنوانه الخاص ، وليس في البين طريق محرز إلا الظن ، فتكون النتيجة حجية الظن شرعا.

وثانيا : أن الحكومة بمعنى الامتثال الظني مما لا مسرح لها في المقام (٣)

________________________

١ ـ أقول : لو تأملت فيما قلنا ، لا مجال لك في دعوى الكشف إلا بناء على ابطال طرق اخر مثبت للتكليف بالتقريب السابق ، ومثل هذا البيان هو المأمول من « شيخنا الأعظم » لا مثل ما أفيد المبنى على دعوى الإجماع على معنى لم يخطر ببال أحد من أهل الانسداد ، فتدبر في أطراف ما ذكرنا وكن من الشاكرين.

٢ ـ أقول : لو انتهى الأمر إلى مثبتية الظن المبنى على إبطال مثبت آخر من التفصيلي والإجمالي لا محيص إلا من الحكومة بلا مجال للكشف أصلا ، خصوصا لو كان الغرض كشف حجية الظن بمعنى الوسطية ، فان دون إثباته خرط القتاد ، كما أشرنا إليه كرارا.

٣ ـ أقول : مرجع حكومة العقل بحجية الظن بعد ما كان بمعنى مثبتيته للتكليف ، فالقائل بالحكومة يقول بالتنزل في عالم الإثبات من العلم مطلقا إلى الظن ، ففي الحقيقة يلتزم بالمراتب ويتنزل من مرتبة إلى مرتبة في عالم الإثبات لا في مقام الإطاعة والإسقاط ، وحينئذ أمكن له أن يدعى أن المقدمات من انسداد باب العلم والعلمي وعدم منجزية العلم الإجمالي بالإجماع التقديري الحاصل من بطلان الخروج من الدين إلى وجوب مثبت آخر غير العلم الإجمالي الموجب لانحلاله ، وحكم العقل بمنجزية شيء لولا جعل شرعي بمقتضى المقدمة الرابعة بأن ما هو الأقرب إلى الواقع هو المنجز ، ولازمه انحصار الحجية بالظن ولولا يظن بانحصار التكليف في المظنون ،

٢٧٧

فانّ الامتثال الظني عبارة عن الإتيان بالمحتملات بمقدار يحصل معه الظن بالفراغ والخروج عن عهدة ما اشتغلت الذمة به من التكاليف ، كما في باب قضاء الفوائت اليومية ، فإنه عند العلم بفوات جملة من الفرائض اليومية مع عدم العلم بعددها يجب على المكلف أولا تكرار قضاء الصلوات بمقدار يحصل معه العلم بالفراغ ، ولو تعذر ذلك عليه أو تعسر يجب عليه التكرار بمقدار يحصل معه الظن بالفراغ ، وهذا المعنى من الامتثال الظني أجنبي عن وجوب العمل بالمظنونات في مقابل المشكوكات والموهومات كما هو المقصود في المقام ، فإنه ـ مضافا إلى أن الإتيان بالمظنون لا يكاد يحصل الامتثال الظني مع ترك الاحتياط في المشكوكات والاقتصار على فعل المظنونات فان المشكوكات مع المظنونات سيان في كونهما من أطراف العلم الإجمالي ـ مجرد تعلق الظن بالتكاليف في جملة من الوقايع المشتبهة لا يلازم الظن بانحصار التكاليف في المظنونات ليحصل الامتثال الظني بالعمل بالمظنونات ، فالامتثال الظني لا يحصل إلا بالاحتياط في المشكوكات أيضا ، ولو فرض قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ـ كما هو المدعى ـ والاقتصار في الاحتياط بالعمل بالمظنونات ، فمعناه كفاية الامتثال الاحتمالي.

والحاصل : أن الامتثال الظني إنما يحصل بفعل ما يحصل معه الظن بالفراغ بتكرار العمل في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي مقدارا يوجب الظن بالامتثال والخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال ، كما في تكرار الصلاة عند الجهل بالقبلة أو بعدد الفوائت ونحو ذلك ، فلو أريد حصول الامتثال الظني في المقام فلابد من الاحتياط في المظنونات والمشكوكات ، وإلا لا يكاد يحصل

________________________

إذ ليس هم العقل حينئذ تحصيل الظن بالفراغ ، كي يحتاج إلى حصر التكليف في دائرة الظنون ، بل تمام همه حصر مثبت التكليف بالظنون ويرجع في غيره إلى البراءة ، ويكفي في إثبات هذا المقدار حكم العقل بالأخذ بمقدار خروجه عن محذور الخروج من الدين ، وبمقتضى المقدمة الرابعة يتعين في الظن بلا احتياج إلى ضم المشكوك.

٢٧٨

الإمتثال الظني ، والمفروض عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ، فكيف صارت النتيجة الحكومة؟.

وثالثاً : المقصود من ترتيب مقدمات دليل الانسداد إنما هو لاستنتاج حجية الظن المطلق على وجه يصلح لتخصيص العمومات وتقييد المطلقات وغير ذلك مما يكون من لوازم الحجة (١) وهذه الآثار إنما تترتب على الكشف ، لأن الظن يكون حينئذ حجة محرزا للواقع كالعلم. وأما الظن بمعنى الحكومة : فهو بمعزل عن هذه الآثار ، لأنه ليس محرزا للواقع حتى يصلح للتقييد والتخصيص ، وإنما يستقل العقل به في مقام الطاعة والامتثال عند تعذر الامتثال العلمي.

وما في بعض الكلمات : من أن الظن بناء على الحكومة يكون حجة عقلية ، فهو بمكان من الفساد ، فان الحكومة عبارة عن الامتثال الظني ، وأين هذا من كونه حجية محرزا يقع وسطا لإثبات متعلقه؟ وليس من وظيفة العقل جعل الظن حجة ، بل ذلك من وظيفة الشارع ، وليست وظيفة العقل إلا الحكم بكفاية الامتثال الظني عند تعذر الامتثال العلمي.

فتحصّل : أنه لا محيص عن القول بالكشف إن تم الإجماع المتقدم بأحد وجهيه (٢) وإلا فلابد من التبعيض في الاحتياط ، فتأمل في أطراف ما

________________________

١ ـ أقول : قد تقدم الجواب على هذه الشبهة ، فراجع.

٢ ـ أقول : لو تأملت في ما ذكرنا ، ترى بأنه لا محيص لك بناء على انتهاء النوبة إلى مثبتية الظن في حال الانسداد من الالتزام بحكومة العقل ، حيث لا طريق لك إلى الكشف إلا دعوى الإجماع المزبور الذي لم يلتزم به أحد من أرباب الانسداد القائلين بالحكومة ـ كما هو الغالب ـ خصوصا تقريبه الثاني الذي هو لدى مدعيه ظني لا قطعي.

نعم : لنا شبهة على مسلك المشهور المعينين المرجعية بالظن من جهة المقدمة الرابعة ، وملخصه ، أن هذا التعيين بحكم العقل إن كان بحكم تنجيزي ، فيشكل إخراج الظن القياسي ، خصوصا إذا فرض في مورد أقوى من غيره.

وتوهم : أن الظن القياسي لكثرة مخالفته للواقع خارج عن محط حكم العقل بمناط الأقربية ، خلاف الوجدان ، وفي ظرف أقربيته عن غيره يرى العقل شخص هذا الفرد من الظن من الأفراد النادرة ويرى فيه الملاك من الأقربية.

٢٧٩

ذكرناه جيدا واغتنمه ، فإنه مما لم يسبق إليه أحد (١) هذا تمام الكلام في أصل ترتيب مقدمات الانسداد.

بقى التنبيه على أمور

الأمر الأول :

اختلفت الأقوال في النتيجة التي يقتضيها دليل الانسداد.

فقيل : إن مقدمات دليل الانسداد إنما تقتضي اعتبار الظن في خصوص المسألة الأصولية ، وهي « كون الشيء طريقا » ذهب إليه صاحب الفصول

__________________

وإن كان حكم العقل بتعيين الأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة حكما تعليقيا ، فخروج الظن القياسي لا إشكال فيه ، ولكن يرد عليه : بأن مقتضى إطلاق دليل الترخيص في ترك الاحتياط الكلي ـ مثل عمومات الحرج والاضطرار مثلا ـ جواز ترك العمل بكل واحد من المحتملات عن بدل ، من دون فرق بين الظن وغيره ، وهذا الإطلاق يكفي لمنع حكم العقل بتعين الظن بمقتضى المقدمة الرابعة ، لفرض تعليقية حكمه ، وحينئذ من أين يتعين العمل بالظن بواسطة المقدمة الرابعة؟.

نعم : لو لم يكن في البين إطلاق مثل ما تقدم وكان الحكم بالتخيير عند التساوي من جهة حكم العقل بالترجيح بلا مرجح لا من جهة إطلاق في دليل كان للاتكال إلى المقدمة الرابعة في تعيين الظن مجال ، ولكن مع وجود إطلاقات أدلة الحرج والاضطرار لا يبقى مجال لهذا الكلام ، وحينئذ فلو سلمنا ما ادعى من الإجماع المزبور من المقرر لا يكاد وصول النوبة إلى مرجعية الظن.

ولذا كان لنا مسلك آخر في تعيين مرجعية الظن ، بحيث لا يحتاج إلى المقدمة الرابعة ، وهو أن مدرك بطلان الخروج من الدين ـ ولو لم يكن علم إجمالي في البين ـ حكم العقل بوجوب الأخذ باحتمال تكليف نقطع على فرض وجوده اهتمام الشارع به بنحو لا يرضى بتركه في ظرف الجهل ، وأن مثل هذا الشك خارج عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، إذ حينئذ لنا أن ندعي أن مراتب الاهتمام بعد ما كانت مختلفة فالمتيقن من الاهتمام المحرز هو الاهتمام بحفظ الواقع في ضمن المظنونات دون المشكوكات والموهومات ، فهي على الشك في أصل الاهتمام بحفظها باقية ، ولذلك يختص حكم العقل بمناط الاهتمام بحفظه بالمظنونات ، وبذلك يبطل الاحتياط الكلي ويتعين مرجعية الظن بلا احتياج إلى المقدمة الرابعة ، فتدبر في مسلكنا هذا وتتميم الانسداد ومرجعية الظن بالحكومة العقلية بهذا البيان ، لا بنحو المشهور من الاحتياج إلى المقدمة الرابعة. وعلى مسلكنا أيضا لا يبقى مجال الإشكال ، لخروج الظن القياسي ولا الظن الممنوع ، فتدبر.

١ ـ أقول : الذي لم يسبق إليه أحد هو دعوى الإجماع المزبور ، وإلا فما أتيت بشيء جديد!

٢٨٠