جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

بكر فنصف عشر قيمتها » (١). ويمكن تنزيلها على أن العشر ونصف العشر في المسؤول عنها مطابق لمهر المثل ، فيكون حينئذ حجة للقول الثاني. وهنا أحكام يتم البحث بها :

الأول : لو دفع الزوج المهر المسمّى إليها فعلى ما اخترناه يستعيده ، لأن المهر باق على ملكه ، وإن تلف كان في ذمتها يتبعها به إذا أعتقت ، وكذا على القول الثالث.

أما على القول بلزوم المسمّى فلأنه مضمون عليه إلى أن يصل الى السيد أو وكيله ، فإن تلف قبل ذلك غرم للسيد بدله ، ويتبعها بالتالف إذا أعتقت وأيسرت.

وقول المصنف : ( فإن كان قد دفع المهر. ) في حيز قوله : ( وقيل ) ، وليس مختاره ، وقد صرّح بفتواه قبل القول حيث قال : ( ويلزم المهر ) ، فإن المتبادر منه المسمّى وإن كان السياق يقتضي وجوب المهر المذكور في الصور السابقة ، وذلك مهر المثل.

إلاّ أن الشارح الفاضل (٢) ، وشيخنا في شرح الإرشاد صرحا بأن مراد المصنف بالمهر في هذه المسألة المسمّى وفي التي قبلها مهر المثل. ولا ريب أن قوله : ( فإن كان قد دفع المهر إليها استعاده ) يتخرج على قول المصنف أيضا ، إلاّ أن ما بعده لا يتخرج ، فلذلك جعل كلامه في حيّز ( قيل ).

الثاني : الولد حر ، لأنه نسب لا حق للأب فيتبعه في الحرية ، وقد صرح بحريته في الرواية السابقة أيضا.

وقال الشيخ في النهاية (٣) ، وابن البراج (٤) : إن الولد رق وعلى الأب فكه بقيمته يوم سقط حيا ، وعلى المولى دفعه إليه ، ومع إعساره يستسعى في القيمة ، فإن امتنع فداهم الامام من سهم الرقاب.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٩ حديث ١٤٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٢١٦ حديث ٧٨٧.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ١٤٢.

(٣) النهاية : ٤٧٧.

(٤) المهذب ٢ : ٤٧٦.

٨١

______________________________________________________

ومستنده ما رواه سماعة عن الصادق عليه‌السلام : في مملوكة أتت قوما وزعمت أنها حرة ، فتزوجها رجل منهم فأولدها ولدا ، ثم انه أتاهم مولاها فأقام عندهم البينة أنها مملوكته وأقرت الجارية بذلك ، فقال : « تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير اليه ».

قلت : فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به قال : « يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده ».

قلت : فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه ، فقال : « فعلى الإمام أن يفديه ولا يملك ولد حر » (١).

وقد نص جماعة منهم ابن إدريس على وجوب قراءة حر بالرفع والتنوين على أنه صفة لولد ، وقالوا : إن قراءته بالجر وهم (٢).

وأنكر ابن إدريس فك الإمام الولد من سهم الرقاب ، لأنه ولد حر على ما صرّح به في الرواية ، فكيف يشتري من سهم الرقاب ، وهو كلام وجيه ، وليس في الرواية ما ينافيه.

وأنكر المصنف في المختلف الاستسعاء ووجوب الأخذ من بيت المال (٣) ، وهو صحيح في موضعه ، لأنه دين يجب الانتظار به إلى اليسار ، ولا يجب أداؤه من بيت المال ، نعم يجوز ، لأنه من المصالح ، وحمل الأمر بالسعي الوارد في الرواية على الاستحباب بعد الطعن في سندها.

وردّ إنكار ابن إدريس بأن المدفوع الى المولى عوض عن رقبة من شأنها أن تقوم وتزال يد المولى عنها ، فدخلت تحت قوله تعالى ( وَفِي الرِّقابِ ).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥٠ حديث ١٤٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٧ حديث ٧٩٠.

(٢) السرائر : ٣٠٥.

(٣) المختلف : ٥٦٦.

٨٢

ولو تزوج العبد بحرة من دون اذن ، فلا مهر ولا نفقة مع علمها بالتحريم وأولادها رق ، ومع الجهل فالولد حر ولا قيمة عليها ، ويتبع العبد‌

______________________________________________________

ويمكن المناقشة بأن المدفوع ليس عوض الرقبة ، إذ الحر لا عوض له ، بل هو عوض ما فات على المولى من نماء الجارية ، والطريق إلى معرفته هو تقويم هذا الولد ، فلا تتناوله هذه الآية.

واعلم أن قول المصنف : ( والولد رق. ) من تتمة القول المحكي وليس فتوى المصنف ، ومن توهم كونه فتوى له فقد غلط ، فإنه قد صرح فيما إذا وطأ شبهة يكون الولد حرا ، ولا ينحط هذا عن الوطء بشبهة ، نعم قوله بعد : ( فإن امتنع قيل ) يؤكد هذا الوهم ، فإن استئناف حكاية القول لا وجه له إذا كان ما قبله محكيا ، لأن جميع ذلك قول واحد.

الثالثة : لم يذكر المصنف هنا حكم الرجوع بالمهر على من دلسها وحكمه الرجوع به على المدلّس ، فإن كانت هي المدلسة لنفسها تبعت به إذا أعتقت ، لأن المغرور يرجع على من غره.

وستأتي أحكام ذلك كلها في التدليس إن شاء الله تعالى.

الرابعة : لو شهد شاهدان بحريتها فتزوجها ثم رجعا لم يلتفت إلى رجوعهما ، وضمنا لمولاها قيمة الجارية والولد والمهر ، وإن ثبت تزويرهما نقض الحكم ، وكان الولد حرا وعلى الأب قيمته يوم سقط حيا.

والذي يقتضيه صحيح النظر أن الواجب في الصورة الثانية مهر المثل وفي الأولى المسمّى ، ويرجع الزوج على الشاهدين بما اغترمه في الثانية ، وفي الأولى يضمنان للمولى على ما سبق. وهل يطرد هنا القولان ، لوجوب استسعاء الأب لو كان فقيرا إلى أخره؟ فيه احتمال ، والأوجه قصره على مورد الرواية ، لأنه مخالف للأصل.

قوله : ( ولو تزوج العبد بحرة من دون اذن فلا مهر ولا نفقة مع علمها بالتحريم ، وأولادها رق. ومع الجهل فالولد حر ولا قيمة عليها ، ويتبع العبد‌

٨٣

بالمهر بعد عتقه.

______________________________________________________

بالمهر بعد عتقه ).

ما سبق هو حكم تزوج الحر بالأمة ، وهذا حكم العكس ، وتحقيقه انه إذا تزوج العبد بحرة من دون اذن مولاه ، فإما أن تكون عالمة بأنه رق أو لا ، وعلى تقدير علمها بالرقية فإما أن تكون عالمة بالتحريم أو لا.

فإن علمت بالتحريم والرق فلا مهر ولا نفقة لها ، لأنها قد ضيّعت حقها بعلمها بحاله. وقد روى السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيما امرأة حرة زوجت نفسها عبدا بغير اذن مواليه فقد أباحت فرجها ولا صداق لها » (١) ، ولا حدّ عليها في هذه الحالة عند الجماعة مع أنها زانية ، فإن حد الزنا صادق عليه ، والعقد بمجرده لا يعد شبهة.

وقد فرّق بين هذه ، وبين ما إذا تزوّج الحر أمة عالما بالتحريم ، بأن المرأة لضعف عقلها وعدم مخالطتها أهل الشرع يكفي العقد في الشبهة بالنسبة إليها ، وقد ينقض بالعقد الفاسد على الحرة إذا علمت فساده ثم مكنته من نفسها.

وقد يمكن الفرق بأن هذا العقد فضولي موقوف على الإجازة ، فلا يبعد عدّه شبهة بالنسبة إلى المرأة ، لضعف عقلها دون الرجل. والولد في هذه الحالة رق للمولى ، لأنه لعدم لحاقه بها لا مقتضى لحريته ، وهو نماء العبد ، ورواية العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليه‌السلام دليل على ذلك (٢).

ولو جهلت بالتحريم اما لجهلها بالرق أو لجهلها بالحكم فالولد حر ، لأنه لا حق بها فيتبعها في الحرية ، ورواية العلاء بكون الولد رقا منزلة على ما إذا علمت بالتحريم ، جمعا بينها وبين دلائل حرية الولد إذا كان أحد أبويه حرا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٩ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٥٢ حديث ١٤٣٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٥٣ حديث ١٤٣٧.

٨٤

ولو تزوج بأمة ، فإن أذن الموليان أو لم يأذنا فالولد لهما.

ولو أذن أحدهما فالولد لمن لم يأذن خاصة.

ولو اشترك أحدهما بين اثنين ، فأذن مولى المختص وأحدهما فإشكال.

______________________________________________________

ولا قيمة على الام قطعا ، والفرق بينها وبين الأب ورود النص ثم وانتفاؤه هنا فيتمسك بأصالة البراءة ، ولأن الأب سبب فاعل بالنسبة إلى الولد فهو المباشر والام قابل ، ومتى اجتمع المباشر وغيره في الإتلاف فالضمان إنما هو على المباشر.

ولما امتنع أن يثبت للسيد على مملوكه مال امتنع استحقاق القيمة هنا ، وأما المهر فلا يثبت في ذمة العبد ، لأن الوطء المحترم لا يخلو من مهر فيتبعه به إذا أعتق.

وهل لها نفقة؟ لم أقف في كلامهم على شي‌ء أصلا ، ثم هذا المهر هل المسمّى ، أم مهر المثل؟ العبارة خالية من بيان ذلك.

والذي ينبغي تحصيله هنا هو أن السيد إما أن يجيز نكاح العبد أو لا ، فإن لم يجزه فالحكم ما ذكرناه ولا نفقة ، لأنها تابعة للتمكين من النكاح ، وهو منتف هنا. والمهر الذي يجب مع جهلها هو مهر المثل لا محالة ، وإن أجاز النكاح فعلى القول بالصحة يجب المسمى على ما سبق ذكره.

ومثله النفقة بعد الإجازة إذا كانت ممكنة ، أما قبلها ففي وجوبها في ذمته يتبع بها إذا أعتق وجه ، لأنها حينئذ كانت زوجة في الواقع ، وقد حصل التمكين المعتبر ظاهرا ، وهذا واضح على القول بأن الإجازة كاشفة.

قوله : ( ولو تزوج بأمة ، فإن أذن الموليان أو لم يأذنا فالولد لهما ، ولو اذن أحدهما فالولد لمن لم يأذن خاصة ، ولو اشترك أحدهما بين اثنين فأذن مولى المختص وأحدهما فإشكال ).

قد سبق أنه إذا تزوّج المملوك بأمة غير مولاه فإن الولد للموليين معا‌

٨٥

______________________________________________________

بالسوية ، وتقرر بين الأصحاب أن ذلك إذا إذنا في النكاح معا أو لم يأذن واحد منهما.

فأما إذا أذن أحد الموليين ولم يأذن الآخر فإن الولد لمن لم يأذن خاصة ، وقد يستدل له وراء النص ـ فإنه قد ذكره بعض الأصحاب وإن لم نقف عليه ـ بأن من أطلق الإذن لمملوكه في التزويج قد أقدم على فوات الولد منه ، فإنه قد يتزوج بمن ليس برقيق فينعقد الولد حرا ، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصة.

أما إذا استويا في الاذن وعدمه فلا أولوية لأحدهما على الآخر ، ولا يخفى أن هذا إذا لم يجز العقد الذي لم يأذن ، أو اجازه وقلنا : إن الإجازة جزء السبب ، ولو قلنا : إنها كاشفة يلزم القول بكون الولد لهما.

فعلى هذا لو اشترك أحدهما بين اثنين ، فأذن مولى المختص وأحد المشتركين دون الآخر ، ففي اختصاص من لم يأذن به منهما إشكال ينشأ : من إطلاق قولهم : إن الولد لمن لم يأذن من الموليين خاصة ، فإن مقتضاه اختصاص من لم يأذن من المشتركين بالولد ، لوجود المقتضي للملك في حقه وانتفائه عمن سواه.

ومن أن النماء يجب أن يكون تابعا للأصل ، خرج منه ما أخرجه دليل ، وهو هنا ورود النص واطباقهم على اختصاص من لم يأذن ، حيث يكون العبد لمالك واحد ، وكذا الأمة ، فيبقى ما عداه على الأصل. فعلى الثاني هل يكون للجميع أجرا بهذه الصورة على الأصل ، أم للمشتركين خاصة ، لأن النص وإطلاق الأصحاب لا يتناولهما؟ كل محتمل.

وقد أورد على هذا ما إذا تعدد كل من مولى العبد ومولى الأمة ، وأذن أحد الفريقين دون الآخر ، فإن الحكم باشتراك الجميع هنا ، لعدم القطع بأن مرادهم بذلك ما إذا اتحد الموليان ، واستبعاد الاختلاف في الحكم مع انتفاء الفرق لا يخلو من شي‌ء ، والحكم بانفراد من لم يأذن مع التعدد يستلزم شمول المتحد والمتعدد ، فيلزم اختصاص من لم يأذن في صورة النزاع ، وللتوقف في ذلك كله مجال.

٨٦

ولو زنا العبد بأمة غير مولاه فالولد لمولى الأمة ، ولو زنا بحرة فالولد حر.

ولو زوّج عبده أمته ، ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال منشؤه : من أنه عقد أو إباحة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو زنا العبد بأمة غير مولاه فالولد لمولى الأمة ، ولو زنا بحرة فالولد حر ).

المراد إنه إذا زنا العبد فحصل الولد من دون أن يكون ثم عقد نكاح ، ووجه كون الولد لمولى الأمة أن الزاني لا ماء له فلا ولد له ، ولما كان الولد كالجزء من الام وجب أن يكون لمولاها ، ووجه كونه حرا فيما إذا زنا بحرة لما قلنا من أن الزاني لا ولد له.

والأصل في الولد الحرية ، لأن الأصل في كل انسان ذلك ، والرقية إنما تثبت بأمر طارئ ، وهو منتف هنا.

فإن قيل : الولد نماء الأب فيكون لمولاه.

قلنا : هو ايضا نماء الأم الحرة فيجب أن لا يكون عليه سلطان.

والحاصل أنه مع النكاح في الولد التفصيل السابق ، وفي السفاح ما ذكر ها هنا ، ولا بعد في اختلاف الحكم باختلاف السبب ، والظاهر أن هذا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

قوله : ( ولو زوّج عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ، ينشأ من أنه عقد أو إباحة ).

لا ريب أن إنكاح السيد العبد من أمته يستدعي صيغة من طرف السيد هي صورة إيجاب ، لكن هل يشترط القبول إما من المولى أو من العبد؟ فيه قولان للأصحاب واشكال عند المصنف ينشأ : من احتمال كونه عقدا ، والعقد إنما يتحقق‌

٨٧

______________________________________________________

بالإيجاب والقبول. ومن احتمال كونه إباحة ، فيكفي فيه الإيجاب من السيد ، كما في كل اباحة. ووجه الأول صحيحة العلاء عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : « يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة. ويعطيها ما شاء من قبله أو قبل مولاه ، ولا بد من طعام أو دراهم ونحو ذلك » (١).

وجه الاستدلال به أنه عليه‌السلام سمّاه نكاحا والنكاح هو العقد ، وأمر بإعطاء شي‌ء ، ولا يجب المهر إلاّ في العقد دون الإباحة.

فإن قيل : ( قد ) إنما تدخل على الأفعال ، وصيغ العقود إنشاءات.

قلنا : لا يمتنع دخولها على لفظ الإنشاء من حيث انه صورة الفعل ، ولا شك أنه إن امتنع دخولها على العقد امتنع دخولها على الإباحة لاشتراكهما في الإنشاء.

فإن قيل : على تقدير كونه عقدا لا يجزئ : أنكحتك ، وقد حكم عليه‌السلام باجزائه فلا يكون عقدا.

قلنا : المسؤول عنه هو إنكاح السيد ، وهو ما يكون معتبرا من جانبه. أما القبول فليس بمسؤول عنه ، فإنه يجوز وقوعه من جانب العبد ، وتسمية هذا نكاحا يستلزم اعتبار القبول ، فيكون ذلك كافيا في الدلالة عنه.

وكذا رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام الماضي إنه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه قال : « لا يحل له » (٢). وجه الاستدلال به أنه عليه‌السلام نفى حل الوطء بالتحليل من دون التزويج ، فانحصر الحل في العقد ، لأنه لا واسطة في حل الفرج بين العقد والملك.

ووجه الثاني صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال : « هو أن يأمر‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨٥ حديث ١٣٥٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٤٤ حديث ١٠٦٢ ، الاستبصار ٣ : ١٣٧ حديث ٤٩٥.

٨٨

______________________________________________________

الرجل عبده وتحته أمته فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها » (١).

وجه الاستدلال به أنه عليه‌السلام جعل رفع هذا الحل بيد المولى ، فلو كان نكاحا لكان رفعه بيد الزوج ، لأن رافع العقد اما الطلاق ، أو الموت ، أو تجدد ملة أو نحلة أو الفسخ بتجدد الملك أو العتق ، أو بالعيب أو التدليس بالاستقراء ، وما عدا الأول معلوم الانتفاء هنا.

وكذا الأول ، لأن الطلاق لا يكون إلاّ بيد الزوج ، لقوله عليه‌السلام : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٢) ، ولأن الأمر بالاعتزال لا يعد طلاقا قطعا.

ولقائل أن يقول : إنّ انحصار رافع النكاح فيما ذكر لا دليل عليه إلاّ الاستقراء وليس حجة ، ولم لا يجوز أن يكون هذا الأمر بالاعتزال ضربا من الفسخ للنكاح ، جعله الشارع بيد السيد ارتفاقا بحاله ، ولا وجه للتوقف فيه بعد ورود النص الصحيح الصريح به. هذا مع أن المتبادر من ( المحصنات ) في قوله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ) المزوجات ، فتكون الآية حجة على كونه عقدا من هذا الوجه.

والأول أوجه ، وهو قول المفيد (٣) ، والشيخ (٤) ، وجماعة (٥) ، والثاني قول ابن إدريس (٦).

واعلم أن اعتبار القبول على كل من التقديرين أولى ، لأن الأمر في الفروج‌

__________________

(١) النساء : ٢٤ ، الكافي ٥ : ٤٨١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٦ حديث ١٤١٧.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ حديث ٢٠٨١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٦٠.

(٣) المقنعة : ٧٨.

(٤) النهاية : ٤٧٨.

(٥) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٩٧ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢١٨.

(٦) السرائر : ٣٠٦.

٨٩

وفي وجوب إعطائها من مال المولى شيئا خلاف.

______________________________________________________

مبني على الاحتياط التام ، وسيأتي أن التحليل تمليك للمنفعة ، والتمليك لا يكون إلاّ بالقبول.

قوله : ( وفي وجوب إعطائها شيئا من مال المولى خلاف ).

ذهب الشيخان (١) ، وأبو الصلاح (٢) ، وابن البراج (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وابن حمزة (٥) إلى وجوب الإعطاء ، عملا برواية محمد بن مسلم السابقة (٦) ، وهي وإن تضمنت اعطاءها شيئا من قبل العبد أو المولى ، إلاّ أن الذي يعطيه العبد ملك المولى ، فإن الذي يكون من قبل العبد إنما يكون من كسبه ، وحينئذ فعلى التقديرين يكون الإعطاء من مال المولى.

وذهب المصنف (٧) ، وجمع من المتأخرين إلى عدم الوجوب ، لأن مهر المملوكة إذا وجب استحقه المولى ، إذ هو عوض البضع المملوك له واستحقاقه على نفسه غير معقول.

لا يقال : لا يمتنع كون المهر للمملوكة ، واستحقاق المملوك على سيده في الجملة غير ممتنع ، فإنه يستحق عليه النفقة وما جرى مجراها كالكفن ، وقد وردت الرواية بذلك فيجري على ظاهرها.

لأنا نقول : أما النفقة وما جرى مجراها فإنها ليست عوضا عن شي‌ء ، وإنما هي من توابع المالية التي لا بد منه ، بخلاف المهر الذي هو عوض البضع المملوك للمولى ، فإنه‌

__________________

(١) المقنعة : ٧٨ ، النهاية : ٤٧٨.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٩٧.

(٣) المهذب ٢ : ٢١٨.

(٤) السرائر : ٣٠٦.

(٥) الوسيلة : ٣٦٠.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٨٥ حديث ١٣٥٤.

(٧) المختلف : ٥٦٧.

٩٠

ولو أعتقا فأجازت قبل الدخول أو بعده مع التسمية وعدمها فإشكال.

______________________________________________________

يستحيل كون العوض لغير مالك المعوض ، وتحمل الرواية على الاستحباب المؤكد لما فيه من جبر قلبها ورفع منزلة العبد عندها ، وهذا أقوى ، ويليه على الاستحباب الأمر بإعطاء درهم أو طعام ، إذ لو وجب لكان الواجب إما المسمى أو مهر المثل بالدخول ، وهو خلاف المنصوص.

فإن قيل : فيلزم خلو النكاح عن المهر في العقد والدخول معا.

قلنا : لما امتنع ثبوته هنا لم يكن عدم وجوبه محذورا ، وليس ذلك بأعجب من الجناية فإنها توجب الأرش ، إلاّ إذا جنى العبد على سيده فلا شي‌ء وإن عتق ، وكذا إتلاف المال موجب للضمان إلاّ هنا.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن الشارح الفاضل ولد المصنف بنى القول بالوجوب على مقدمات آثار التكلف ظاهرة عليها ، وزعم أنه متى منعت إحداها لا يتم الوجوب (١) ، وليس كما قال ، لأن منها أن المملوك لا يملك على المولى شيئا ، ولو منعت هذه لم يمتنع القول بالوجوب ، بل كان القول به حينئذ أظهر.

ثم ارجع إلى عبارة الكتاب واعلم أن المصنف تردد في كون تزويج السيد عبده أمته عقدا أو إباحة ، ثم ذكر الخلاف في وجوب إعطائها شيئا ، ولا شك أن الوجوب لا يأتي على كل من القولين ، بل إنما هو على القول بكونه عقدا ، إذ لا خفاء في عدم الوجوب على تقدير كونه اباحة ، فكان الأحسن أن يقول : فعلى القول بكونه عقدا فهل يجب إعطاؤها إلى آخره.

قوله : ( ولو أعتقا فأجازت قبل الدخول أو بعده مع التسمية وعدمها فإشكال ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٤٦.

٩١

______________________________________________________

هذه المسائل من‌ أحكام تزويج السيد عبده من أمته ، وتحريرها : إنه إذا تجدد عتقهما بعد التزويج تخيّرت في إبقاء النكاح وفسخه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فإن اختارت الفسخ فلا بحث ، وإن اختارت الإجازة فإما أن يكون العتق قبل الدخول أو بعده ، وعلى التقديرين فإما أن يكون قد سمّى لها مهرا في العقد أو لا ، فهذه أحوال أربعة.

وفي حكمها بالنسبة إلى بقاء النكاح وثبوت المهر اشكال ، هذا هو الظاهر من العبارة ، فإنه ذكر الخلاف في كون هذا التزويج عقدا أو إباحة ، ثم ذكر الخلاف في وجوب المهر وعدمه ، ولم يذكر متعلق الاشكال فيناسب عوده إلى جميع ما ذكره ، ويمكن تعلقه بالمهر خاصة لقربه ، وتحقيقها في مباحث :

الأول : إذا أعتقا قبل الدخول مع التسمية وأجازت ، ومنشأ الاشكال في بقاء النكاح : من كونه عقدا ، وقد أجازته بعد العتق فيبقى. ومن أنه اباحة تابعة للملك فيزول بزواله ، ومنشؤه في المهر قريب من ذلك ، فإنه على القول بكونه اباحة لا مقتضى للمهر والتسمية لاغية.

وعلى القول بكونه عقدا يحتمل العدم ، لامتناع ثبوته ، لاستلزام المحال ، وهو ثبوته للسيد على نفسه فتلغو التسمية.

ويحتمل الثبوت ، إما بناء على القول بوجوبه على السيد للأمة بالعقد ، أو إجراء هذا العقد بالنسبة إلى المهر مجرى العقد الفضولي إذا منعنا من وجوبه على السيد ، لكن الوجوب على الزوج لا محالة.

ويحتمل وجوب مهر المثل إلغاء للتسمية ، فبالدخول يجب مهر المثل على الزوج.

الثاني : الصورة بحالها ولم يسمّ مهرا ، والحال في بقاء النكاح كما سبق. وأما الإشكال في المهر فمنشؤه من أنه لم يجب في الابتداء فلا يجب بعد ذلك ، وقد استحق‌

٩٢

______________________________________________________

الزوج البضع بغير عوض فلا يجب عليه المعوض بعد. ومن أنها كمفوضة البضع لاشتراكهما في إخلاء العقد عن ذكر المهر ، وقد ملكت بضعها قبل الدخول فيجب لها مهر المثل بالدخول على الزوج ، لأن موجب المهر إنما يتحقق بعد العتق ، وإن طلق وجب المتعة ، وإن مات أحدهما قبل الدخول فلا شي‌ء.

الثالث : أن يكون العتق بعد الدخول مع التسمية ، فأما النكاح فعلى ما سبق ، وأما المهر فمنشأ الإشكال فيه من تكافؤ الاحتمالات ، فإنه على القول بكونه اباحة تلغو التسمية.

وعلى القول بكونه عقدا يحتمل عدم وجوب شي‌ء ، لأنها إذا لم يجب لها شي‌ء بالعقد والدخول لا يجب لها شي‌ء بعد ذلك ، ولأن المهر لو وجب لوجب للسيد ، وهو ممتنع هنا.

ويحتمل الوجوب ، لأن النكاح الصحيح والوطء المحترم يمتنع خلوهما من المهر ، وقد ورد في الأخبار الأمر بإعطائها شيئا ، وأما الذي يجب أهو المسمى أم مهر المثل؟ فيه إشكال ينشأ : من وقوع العقد صحيحا ، وقد تضمن التسمية فيستصحب حكمها. ومن أن التسمية على القول بإلغائها لا حكم لها ، فيجب مع الدخول مهر المثل على السيد ، لأن ذلك عوض الوطء المحترم ، هذا إذا لم يكن قد أعطاها شيئا.

أما مع الإعطاء فالمناسب أن لا يجب غيره ، ولا يخفى أن بعض هذه المقدمات في موضع المنع.

الرابع : الصورة بحالها لكن لا تسمية هنا ، والاشكال هنا في بقاء النكاح ، وفي ثبوت مهر المثل على السيد وعدمه. هذا تحرير المسألة ، وأما تحقيقها فإن أكثر دلائل هذه المسألة مدخولة والمتجه عدم وجوب شي‌ء إلاّ إذا حصل العتق قبل الدخول ، فإنه يحتمل وجوب مهر المثل على الزوج ، ويحتمل على التسمية وجوب المسمّى اما على السيد أو على الزوج.

٩٣

ولو مات كان للورثة الفسخ لا للأمة.

ولو تزوّج العبد بمملوكة ، فأذن له مولاه في شرائها ، فإن اشتراها لمولاه ، أو لنفسه بإذنه ، أو ملّكه إياها بعد الابتياع وقلنا إنه لا يملك فالعقد باق ، وإلاّ بطل إذا ملكها.

______________________________________________________

قوله : ( ولو مات كان للورثة الفسخ لا للأمة ).

أي : لو مات مولى العبد والأمة المبحوث عنهما وهما على الرقية كان للورثة فسخ النكاح كما كان للمورث ، لأنهما ملك للورثة ، ولا يثبت الفسخ للأمة ، لانتفاء المقتضى له في حقها.

قوله : ( ولو تزوّج العبد بمملوكة فأذن له مولاه في شرائها ، فإن اشتراها لمولاه أو لنفسه بالإذن ، أو ملّكه إياها بعد الابتياع ، وقلنا إنه لا يملك فالعقد باق ، وإلاّ بطل إذا ملكها ).

أي : لو تزوج العبد بمملوكة لغير مولاه ، فأذن له مولاه في شرائها ، إما للمولى أو لنفسه ، فإن اشتراها لمولاه فالنكاح باق ، لأن انتقال المملوك من مالك إلى آخر لا يقتضي فسخ النكاح ، لكن للمولى الفسخ متى أراد ، كما لو زوّج أمته عبده ابتداء ، وفي رواية محمد بن مسلم السابقة ما يدل على ذلك.

ولو اشتراها لنفسه بالإذن ، فإن قلنا : إن العبد لا يملك فالنكاح بحاله والشراء باطل ، ولو قلنا : إنه يملك صح الشراء وبطل النكاح ، لدخولها في ملكه وقد سبق أنه إذا طرأ الملك على النكاح انفسخ النكاح. وكذا لو ملّكه إياها بعد ابتياعها له ، ولو اشترى لنفسه بغير اذن وقف على اجازة المولى ، فإن لم يجزه بقي النكاح.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( أو لنفسه بالاذن ) يريد به أن المولى أذن له في شرائها لنفسه ، ولا يغني عن ذلك قوله : ( فأذن له مولاه في شرائها ) ، لأن الاذن في الشراء في الجملة لا يقتضي الاذن في الشراء لنفسه.

وقوله : ( وإلاّ بطل ) معناه : وإن قلنا إن العبد يملك بطل العقد إذا اشتراها‌

٩٤

ولو تحرر بعضه واشترى زوجته بطل العقد وإن كان بمال مشترك.

ولو اشترى الحر حصة أحد الشريكين بطل العقد وحرم وطؤها ، فإن أجاز الشريك النكاح بعد البيع ففي الجواز خلاف ، وكذا لو حلّلها ،

______________________________________________________

لنفسه بالاذن له في ذلك ، أو ملّكه إياها بعد الابتياع له.

وفائدة قوله : ( إذا ملكها ) أن قوله : ( فالعقد باق ) وقع جوابا عن ثلاث مسائل ، فلو اقتصر على قوله : ( وإلاّ بطل ) لاقتضى ثبوت البطلان في المسائل الثلاث ، إذا قلنا إن العبد يملك ، وليس كذلك ، لأن شراءها إياه لمولاه لا ينافي النكاح على حال ، إذ المنافي دخولها في ملكه على ما قررناه.

قوله : ( ولو تحرر بعضه واشترى زوجته بطل العقد وإن كان بمال مشترك ).

لا ريب أنه إذا تحرر بعض المملوك جرت على ذلك البعض أحكام الحرية ، من حصول المملك وتوابعه من البيع والشراء والتملك والتمليك.

فإذا اشترى هذا زوجته المملوكة بمال اكتسبه ببعضه الحر واختص بملكه ملكها لا محالة ، وانفسخ النكاح بدخولها في ملكه.

وإن اشتراها بمال مشترك بينه وبين المولى كالحاصل بكسبه كله ، فإن يملك منها بقدر نصيب الحرية ، لأن الشراء إنما ينفذ في قدر نصيبه من الثمن ، وينفسخ النكاح أيضا ، لأن ملك البعض يقتضي فسخه بالنسبة إليه ، وحينئذ فينفسخ كله ، لأن النكاح لا يجامع الملك أصلا ولا يتبعض ، لظاهر قوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١).

قوله : ( ولو اشترى الحر حصة أحد الشريكين بطل العقد وحرم وطؤها ، فإن أجاز الشريك النكاح بعد البيع ففي الجواز خلاف ، وكذا لو حللها ).

__________________

(١) المؤمنون : ٦.

٩٥

______________________________________________________

تحرير المسألة : إنه إذا عقد الحر نكاحا على أمة مشتركة بين اثنين ، حيث يجوز له العقد على الأمة ، ثم اشترى حصة أحد الشريكين انفسخ النكاح ، لما أسلفناه غير مرة ، وحينئذ فيحرم الوطء ، لاستلزامه التصرف في مال الشريك ، وما الذي تحل به حينئذ؟ اختلف الأصحاب على أربعة أقوال :

الأول : إنه لا طريق إلى حلها إلاّ ملك جميعها ، لأن أمر الفروج مبني على الاحتياط التام فلا يتعدى سبب الحل ، وقد حصر سبحانه وتعالى السبب في شيئين العقد والملك في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة فلا يكون الملفق منهما سببا وللإجماع على ذلك.

فإن قيل : لا دلالة في الآية على المطلوب ، لاحتمالها ارادة منع الخلو خاصة ، والدلالة موقوفة على ارادة منع الجمع أيضا وهو غير معلوم.

قلنا : لا نسلّم أن الدلالة موقوفة على ارادة منع الجمع ، فإن الفروج ممنوع منها بالنص والإجماع إلاّ بالعقد أو الملك ، ولم يثبت كون الملفق منهما سببا تاما ، لأن أقل الأحوال في الآية كونها محتملة فيستصحب حكم المنع ، وهذا القول مختار ابن الجنيد (٢) وجمع من المتأخرين (٣).

الثاني : حلها بالعقد على ما ذكره الشيخ في النهاية ، فإنه قال : حرمت عليه إلاّ أن يشتري النصف الآخر ، أو يرضى مالك نصفها بالعقد فيكون ذلك عقدا مستأنفا (٤).

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ـ ٦.

(٢) نقلة عنه العلاّمة في المختلف : ٥٦٨.

(٣) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٤٩.

(٤) النهاية : ٤٨٠.

٩٦

______________________________________________________

وتبعه ابن البراج وأورد أن العقد الأول قد بطل ، لشرائه النصف ، فكيف يصير صحيحا بالإجازة ، وأنه قد وقع أولا برضاه ولم يتجدد له ملك فلا يتوقف على أجازته (١).

وأجاب المحقق ابن سعيد في النكت بأن المراد إيقاع البيع على النصف الثاني ، فكأنه قال : إلاّ ان يشتري النصف الآخر من البائع ويرضي مالك ذلك النصف بالعقد ، فتكون الإجازة له كالعقد المستأنف ، ويكون الألف في قوله : ( أو ) سهوا من الناسخ ، أو يكون بمعنى الواو ، ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد ، والقول بحلها بالعقد أبعد.

وقال المصنف في المختلف في تحقيق كلام الشيخ : والوجه عندي أن الإشارة بذلك إلى العقد الأول وبطلانه في حق الشريك ممنوع (٢) ، ويضعف بأنه لا معنى للرضى بالعقد حينئذ من مالك النصف مع لزوم التبعيض.

الثالث : حلها بإباحة الشريك ، وهو قول ابن إدريس (٣) ، لأن الإباحة شعبة من الملك ، لأنها تمليك للمنفعة ، فيكون حل جميعها بالملك. ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : في جارية بين رجلين دبراها جميعا ، ثم أحل أحدهما فرجها لصاحبه قال : « هو له حلال » (٤).

وهذا القول محتمل إلاّ أن المنع أحوط ، لتوهم تبعض السبب.

الرابع : حلها متعة إذا جرى بين الشريكين مهاياة على خدمتها ، وعقد عليها متعة في نوبة الشريك الآخر بإذنه ، لاختصاصه بمنفعة تلك المدة. وليس بشي‌ء ، لأن منفعة البضع لا تدخل في المهاياة ، ولا تخرج بذلك عن التبعيض.

__________________

(١) المهذب ٢ : ٢١٩.

(٢) المختلف : ٥٦٨.

(٣) السرائر : ٣٠٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٩٠ حديث ١٣٨٠ ، التهذيب ٧ : ٢٤٥ حديث ١٠٦٧.

٩٧

ولو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم تحل بالملك ولا بالدائم.

وهل تحل متعة في أيامها؟ قيل : نعم.

______________________________________________________

ثم ارجع إلى عبارة الكتاب واعلم أن قول المصنف : ( فإن أجاز الشريك النكاح بعد البيع. ) إشارة إلى قول الشيخ (١).

وقوله : ( وكذا لو حللها ) معناه وكذا في الجواز خلاف لو حللها الشريك لشريكه ، فهو إشارة إلى قول ابن إدريس (٢).

قوله : ( ولو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم تحل له بالملك ولا بالدائم ، وهل تحل متعة في أيامها؟ قيل : نعم ).

قد بيّنا أن سبب حل الفروج لا يتبعض ولا يتلفق من سببين مختلفين ، فعلم أنه لو ملك نصف أمة وكان نصفها الآخر حرا ، لا يحل له وطؤها بالملك على حال من الأحوال ، لأن ملكه إنما هو النصف خاصة ، فإن نصف الآخر حر ، وليس ملك النصف كافيا في حل الجميع.

وكذا لا تحل بالإباحة ، لأنها إنما تصح من مالك الرقبة ، أما المرأة فلا يصح تحليلها نفسها إجماعا ، وكذا لا تحل بالعقد الدائم اتفاقا ، للزوم تبعض السبب.

وهل يحل له وطؤها متعة إذا هايأها ، وعقد عليها المتعة في أيامها؟ فيه قولان :

أحدهما ـ وبه قال أكثر الأصحاب (٣) ـ المنع ، للتبعيض الممنوع منه ، فإنه لم يخرج بالمهاياة عن كونه مالكا للبعض ومنافع البضع لا يتعلق به المهاياة قطعا ، ولا يحل لها المتعة بغيره في أيامها.

والثاني : وبه قال الشيخ في النهاية الجواز (٤) ، عملا بما روي عن الباقر عليه‌

__________________

(١) النهاية : ٤٨٠.

(٢) السرائر : ٣٠٦.

(٣) انظر : إيضاح الفوائد ٣ : ١٤٩ ، التنقيح الرائع ٣ : ١٤٥ ، المختصر النافع : ٨٤.

(٤) النهاية : ٤٩٤.

٩٨

وهل يقع عقد أحد الزوجين الحر العالم بعبودية الآخر فاسدا ، أو موقوفا على اذن المالك؟ الأولى الثاني ، فحينئذ لو أعتق قبل الفسخ لزم العقد من الطرفين.

______________________________________________________

السلام في جارية بين شريكين دبراها جميعا ، ثم أحلّ أحدهما فرجها لشريكه فقال : « هو حلال » ، ثم قال : « وأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا من قبل الذي مات ونصفها مدبرا » قلت : أرأيت إن أراد الباقي منهما أن يمسها إله ذلك؟ قال : « لا إلاّ أن يثبت عتقها ويتزوجها برضى منها متى ما أراد » قلت له : أليس قد صار نصفها حرا وقد ملكت نصف رقبتها والصنف الآخر للثاني منهما؟ قال : « بلى » قلت : فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها فأحلت له ذلك قال : « لا يجوز له ذلك » قلت : ولم لا يجوز لها ذلك كما أجزت للذي كان له نصفها حين أحل فرجها لشريكه فيها؟ قال : « إن الحرة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحلله ، ولكن لها من نفسها يوم وللذي دبرها يوم ، فإن أحبت أن يتزوجها متعة في اليوم الذي تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشي‌ء قل أو كثر » (١).

وقد تقدّم صدر هذه الرواية ، ولا شك أن الأمر في الفروج شديد فلا يجترئ عليها بمثل هذا الحديث ، وينبغي التمسك بالتحريم إلى أن يوجد ما يصلح دليلا للجواز.

قوله : ( وهل يقع عقد أحد الزوجين الحر العالم بعبودية الآخر فاسدا ، أو موقوفا على اذن المالك؟ الأولى الثاني ، فحينئذ لو أعتق قبل الفسخ لزم العقد من الطرفين ).

تقدّم أنه إذا تزوج العبد أو الأمة بغير اذن المولى هل يكون العقد باطلا من أصله ، أو موقوفا على اجازة المالك؟ وقد تقدّم ايضا أنه إذا تزوج الحر الأمة بدعواها‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٢ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٩٠ حديث ١٣٨٠ ، التهذيب ٨ : ٢٠٣ حديث ٧١٧.

٩٩

______________________________________________________

الحرية ودخل يلزمه المسمّى ، لصحة العقد ظاهرا ، وقيّد هنا بكون أحد الزوجين الحر عالما بعبودية الآخر ، ليكون العقد ظاهرا وباطنا فاسدا أو موقوفا ، وذلك لأن كلا من الزوجين ممنوع من إيقاع العقد ، بخلاف ما لو كان الحر جاهلا بالعبودية ، فإنه من طرفه لا مانع من صحته.

والأصح كونه موقوفا ، لأن النهي في غير العبادات لا يدل على الفساد ، ولو دل لم يفرّق بين ما إذا توجه إلى أحد الجانبين ، وبين ما إذا توجه إلى كليهما.

ويتفرّع على ذلك ما إذا أعتق المملوك من الزوجين قبل فسخ المولى العقد ، فعلى القول بوقوع العقد باطلا من أصله هو على حكم البطلان ، فإن العتق لا يصححه. وعلى الأصح وهو وقوعه موقوفا يلزم بالعتق من الطرفين ، لوقوعه صحيحا في نفسه.

وإنما منع لزومه عبودية أحد الزوجين وقد زالت ، وإذا انتفى المانع عمل المقتضي عمله.

فإن قيل : قد سبق في البيع أنه لو باع مال غيره فضوليا ثم ملكه وأجاز في الصحة إشكال ، وهنا جزم بصحة النكاح إذا أعتق الرقيق من الزوجين ، فما الفرق؟.

قلنا : يمكن الفرق بأن نقل الملك إلى البائع الفضولي ينافي العقد الفضولي ، لأن مقتضاه نقل الملك إلى المشتري ، وهو ممتنع حين الانتقال إلى البائع ، ومع وجود المنافي تمتنع الصحة ، بخلاف الفضولي في الصورة المذكورة ، لأن مقتضاه ثبوت النكاح لو لا المانع وهو الرقية ، وبالعتق زال المانع فوجب الحكم بلزوم العقد.

ولقائل أن يقول : إن المانع ليس هو الرقية بل عدم اذن المولى ، وذلك باق غير زائل ، وقد توقف صحة العقد عليه فلا يحكم بصحته لتعذر العتق. ومثله ما لو باع المملوك قبل اجازة العقد.

واعلم أن المضاف إليه المحذوف في قول المصنف : ( فحينئذ ) تقديره فحين إذ‌

١٠٠