جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

ولا يجب مهر المثل ولا المتعة بنفس العقد ، فلو مات أحدهما قبل الدخول والطلاق والفرض فلا شي‌ء ، وبعد الدخول مهر المثل ، وبعد الفرض المفروض.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجب مهر المثل ولا المتعة بنفس العقد ).

أما المتعة فإنما تجب بالطلاق قبل المسيس والفرض فلا يجب بنفس العقد ، وأما مهر المثل فبعض الشافعية أوجبه بالعقد (١) ، وأصحابنا على وجوبه بالوطء.

وقد أوردنا في أول الباب رواية منصور بن حازم (٢) ، الدالة على ذلك ، ويؤيده أن العقد سبب في وجوب ما تضمنه دون ما لم يذكر فيه ، لانتفاء سببه.

قال الشيخ في المبسوط : مفوضة البضع لا تملك بالعقد مهرا أصلا ، وإنما تملك بالعقد أن تملك (٣).

فرع : لا تجب المتعة عندنا إلاّ في مفوضة البضع إذا طلقت قبل المسيس ولم يفرض لها مهر ، وهل يستحب لباقي المطلقات؟ الأصح نعم ، وقد نطق القرآن بالحكم في قوله تعالى ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) (٤) الآية.

قوله : ( فلو مات أحدهما قبل الدخول والطلاق والفرض فلا شي‌ء ، وبعد الدخول المثل ، وبعد الفرض المفروض ).

وجه عدم وجوب شي‌ء انتفاء سبب الوجوب ، لأنه في صورة التفويض منحصر في الفرض والدخول ، لثبوت سببيتهما له في الكتاب والسنة وانتفائهما عن الموت ، لعدم النص ، فيتمسك بأصالة العدم وأصالة براءة الذمة.

وقد روى الحلبي صحيحا عن الصادق عليه‌السلام : في المتوفى عنها زوجها‌

__________________

(١) قاله أبو إسحاق ، انظر المجموع ١٦ : ٣٧٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ١٤٦٧ ، الاستبصار ٣.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٩٦.

(٤) البقرة : ٢٣٦.

٤٢١

ولو تراضيا بعد العقد بالفرض ـ وهو تقدير المهر وتعينه ـ صح ، سواء زاد على مهر المثل أو ساواه أو قصر عنه ، وسواء علما مهر المثل أو أحدهما أو جهلاه.

______________________________________________________

قبل الدخول : « إن كان فرض لها زوجها مهرا فلها ، وإن لم يكن فرض مهرا فلا ، مهر » (١) نعم يثبت الميراث لتحقق الزوجية المقتضية له.

وقول المصنف : ( فلا شي‌ء ) يعم المهر والمتعة ، وذهب أبو حنيفة (٢) ، وأحمد (٣) ، وبعض الشافعية إلى وجوب مهر المثل بالموت كما يجب بالوطء (٤).

قوله : ( ولو تراضيا بعد العقد بالفرض ، وهو تقدير المهر وتعيينه صح ، سواء زاد على مهر المثل أو ساواه أو قصر عنه ، وسواء علما مهر المثل أو أحدهما أو جهلاه ).

لا ريب أن الزوجين إذا تراضيا بعد عقد النكاح مع التفويض على فرض المهر وتقديره صح ، لأن الحق لا يعدوهما ولم يتعيّن بعد ، فصح منهما تعيينه.

وبذلك نطق القرآن في قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٥). وقد عرّف المصنف الفرض بأنه : ( تقدير المهر وتعيينه ) وتقديره إشارة إلى ذكر مقداره ، وتعيينه إشارة إلى ذكر جنسه ووصفه. ويمكن أن يريد بتقديره : ما يعم بيان جنسه ووصفه ، ويكون قوله : ( وتعيينه ) مسوقا لتفسيره وبيانه.

إذا تقرر ذلك فإذا قدّراه صح ، سواء زاد على مهر المثل أو ساواه أو قصر عنه ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٤٦ حديث ٥٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٤١ حديث ١٢١٥.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٨ : ٥٩ ، المجموع ١٦ : ٣٧٣.

(٣) المصدرين السابقين.

(٤) قاله إسحاق ، انظر : المجموع ١٦ : ٣٧٣.

(٥) البقرة : ٢٣٧.

٤٢٢

والاعتبار في مهر المثل بحال المرأة في الجمال والشرف وعادة أهلها ما لم يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم ، فإن تجاوز ردت إليها.

______________________________________________________

وسواء كانا عالمين بقدر مهر المثل أو جاهلين أو بالتفريق. وفي وجه للشافعية (١) بطلان الفرض مع جهلهما أو جهل أحدهما بمهر المثل ، بناء على وجوب مهر المثل بالعقد وان المفروض بدله ، وكذا فيما إذا فرضنا زيادة على مهر المثل وجه بالبطلان مبني على ذلك ، وقد سبق ما يدل على بطلان المبني عليه.

قوله : ( والاعتبار في مهر المثل بحال المرأة في الجمال والشرف وعادة أهلها ، ما لم يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم ، فإن تجاوز ردّ إليها ).

لا ريب أن مهر المثل هو قيمة المثل بالنسبة إلى البضع ، والمراد به ما يليق بذله في مقابل نكاح أمثالها ، والحاجة تمس إليه في مواضع منها التسمية الفاسدة ، ومنها إذا نكح عدة نساء بمسمّى واحد فإنه يصح ويوزّع على مهور أمثالهن ، ومنها الوطء في النكاح الفاسد والشبهة والإكراه ، فإنه يوجب مهر المثل ، وكذا ما جرى هذا المجرى ، ومنها المفوضة وهي المقصودة بالبيان هنا.

إذا تقرر ذلك فقد قال المصنف : إن ( الاعتبار في مهر المثل بحال المرأة في الجمال والشرف وعادة أهلها ما لم يتجاوز مهر السنة ) ، فاعتبر فيه ثلاثة أمور ، لكن استفيد من آخر كلامه اعتبار كل ما يختلف لأجله المهر وإن كان الموجود في عبارته ما يختلف لأجله النكاح ، ولا يريد به إلاّ المهر.

وبه صرح في التحرير (٢) ، وكذا الشيخ في المبسوط (٣) ، وجماعة من الأصحاب (٤) ، واقتصر المفيد على اعتبار الشرف والجمال (٥) ، واعتبر أبو الصلاح السن‌

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٣٧٢.

(٢) التحرير ٢ : ٣٥.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٩٩.

(٤) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٨.

(٥) المقنعة : ٧٨.

٤٢٣

______________________________________________________

والجمال والتحصن (١). ولا شبهة في اعتبار جميع ذلك ، ومنه عقلها وتأدبها ويسارها ، وبكارتها ، وصراحة نسبها وشرفه ، ومعرفتها بتدبير المنزل ، وما جرى هذا المجرى ، وأضداد ذلك ، لأن المهر يختلف بجميع ذلك اختلافا بيّنا ، والركن الأعظم في ذلك عادة أهلها.

وتنقيحه : إن مهر مثل المرأة ما جرت العادة المستمرة بجعله مهرا لنساء أهلها اللاتي هن في مثل صفاتها اللاتي يزيد المهر أو ينقص باعتبارها كائنا ما كان. فالمرجع في مهرها إلى مهورهن إذا ساوتهن في الصفات التي لها مدخل في زيادة المهر ونقصانه.

ومن هذا يعلم أن عبارة المصنف ليست حسنة ، لأنه ليس مجموع الأمور الثلاثة التي ذكرها في أول كلامه هي المرجع في تعيين مهر المثل ، وإنما المرجع عادة الأهل ، والاستواء في الصفات المذكورة شرط ، وظاهر أول الكلام اعتبار عادة الأهل مطلقا مع الشرف والجمال ، وآخر الكلام يدفع هذا الوهم.

وقيّد المصنف وأكثر الأصحاب (٢) مهر المثل بما إذا لم يتجاوز مهر السنّة وهو خمسمائة درهم ، فإن تجاوز رد إليها ، احتجاجا بما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمّي صداقها حتى دخل بها قال : « السنة ، والسنة خمسمائة درهم » (٣).

وطعن فيه المصنف في المختلف بأنه غير دال على المطلوب صريحا (٤) ، وهو كما قال ، فإن المبحوث عنه هي المفوضة ، ومورد الرواية ما إذا وهم أن يسمّي صداقها.

ويلوح منه إن كان أراد التسمية فنسبها ، وليس هذا من التفويض في شي‌ء ، ومن‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٩٣.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٤. ٢٩٩ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢١١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ٣٦٩ حديث ١٤٦٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٥ حديث ٨١٥.

(٤) المختلف : ٥٤٩.

٤٢٤

______________________________________________________

الممكن أن يكون قد ذكر في العقد ما يقتضي مهر السنة.

وحكى المصنف في المختلف قولا لبعض علمائنا ، بأن مهر المثل لا يتقدر بقدر ، لإطلاق الأخبار في ذلك (١) :

مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام ، في رجل تزوّج امرأة ولم يفرض لها صداقا ثم دخل بها قال : « لها صداق نسائها » (٢).

وموثقة منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، قال : « لا شي‌ء لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها » (٣).

وصحيحة الحلبي قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها ، قال : « لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها » (٤).

ويؤيده أن البضع ملحق بالأموال ، فيجب أن يكون مهر المثل له هو ما يقتضي الرغبات بذله لأمثال تلك المرأة بالغا ما بلغ كسائر الأموال.

ويؤيد الأول اشتهار القول بذلك بين الأصحاب حتى كاد يكون إجماعا ، بل ادعى الشارح الفاضل الاتفاق على ذلك (٥) وليس الأمر كما ادعاه قطعا ، فإن المصنف صرح بالخلاف عندنا في المختلف (٦) ، وحكى القولين ولم يرجّح شيئا ، ولا شبهة في قوة القول الثاني ، لكن مخالفة كبراء الأصحاب من الأمور المستهجنة ، والعمل بالمشهور أحوط.

__________________

(١) المختلف : ٥٤٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨١ حديث ١٠ ، التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ١٤٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٥ حديث ٨١٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ١٤٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٥ حديث ٨١٣.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ١٤٦٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٥ حديث ٨١٤.

(٥) إيضاح الفوائد ٣ : ٢١٥.

(٦) المختلف : ٥٤٨.

٤٢٥

وهل المعتبر العصبات أو الأقارب مطلقا؟ إشكال ، أما الأم فليست من نسبها فلا يعتبر بها.

نعم يعتبر في أقاربها أن يكونوا من أهل بلدها ، فإن البلاد تتفاوت في المهور ، وأن يكونوا في مثل عقلها وجمالها ويسارها وبكارتها وصراحة نسبها ، وكل ما يختلف لأجله النكاح.

______________________________________________________

قوله : ( وهل المعتبر العصبات أو الأقارب مطلقا؟ اشكال ).

قد سبق أنه يعتبر في مهر المثل للمرأة عادة أهلها ، ولا ريب أن الأهل يصدق من طرف الام ومن طرف الأب.

وذكر المصنف في اعتباره من الطرفين أو من طرف الأب خاصة وهي العصبات إشكالا ينشأ : من دلالة الأخبار على اعتبار نسائها وهو عام ، لأنه جمع مضاف فيعم الأقارب.

ومن أن المهر مما يقع به المفاخرة فيعتبر فيه قرابات الأب دون الام ، لعدم اعتبارهم في المفاخرة ، ولأن بنت الشريف إذا كانت أمها وضيعة لا حسب لها ولا نسب يضر بحالها اعتبار قرابات أمها ، وليس بشي‌ء.

وبالأول قال الشيخ (١) ، وأكثر الأصحاب (٢). وبالثاني قال ابن البراج (٣) ، وضعفه ظاهر ، والأول هو المختار.

قوله : ( أما الأم فليست من نسبها فلا يعتبر بها ، نعم يعتبر في أقاربها أن يكونوا من أهل بلدها ، فإن البلاد تتفاوت في المهور ، وأن يكونوا في مثل عقلها وجمالها ويسارها وبكارتها وصراحة نسبها ، وكل ما يختلف لأجله النكاح ).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٤٩٩.

(٢) منهم ابن إدريس في السرائر : ٣٠٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٨.

(٣) المهذب ٢ : ٢١١.

٤٢٦

______________________________________________________

هنا مباحث :

الأول : صرح المصنف رحمه‌الله بأن الأم لا تعتبر بها في مهر ابنتها ، لأنها ليست من نسبها ، لأن النسب إنما هو من جانب الأبوة دون الأمومة ، لما دل عليه قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (١) وضعف هذا الاستدلال أظهر من أن يحتاج إلى البيان ، لأن الأم داخلة في نساء المرأة قطعا.

وقد دلت الأخبار السالفة على اعتبار نسائها ، ولم يجر للنسب فيها ذكر ، فيجب الاعتبار بها لا محالة وكان على المصنف أن يجعل الاعتبار بالأخص جملة محل الإشكال كذوي الأرحام ، فأما الجزم بعدم الاعتبار بها والاشكال فيما عداها ممن ليس بعصبة فلا وجه له.

الثاني : هل يعتبر في أقاربها أن يكونوا من أهل بلدها؟ اختلف كلام الأصحاب في ذلك فصرح المصنف هنا وفي التحرير (٢) باعتبار ذلك ، وبه صرّح الشيخ في الخلاف (٣) ، والمبسوط (٤) ، وابن البراج (٥) ، وجعل المصنف في المختلف عدم اعتباره احتمالا ولم يرجّح شيئا (٦).

ورجّح الشارح الفاضل عدم اعتباره (٧) ، وإطلاق النصوص يشهد له.

ويمكن أن يحتج للأول بأنه لو لا اعتبار اتحاد البلد لزم وقوع ضرر عظيم على‌

__________________

(١) الفرقان : ٥٤.

(٢) التحرير ٢ : ٣٥.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٢٤ مسألة ٦ كتاب الصداق.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٩٩.

(٥) المهذب ٢ : ٢١١.

(٦) المختلف : ٥٤٩.

(٧) إيضاح الفوائد ٣ : ٢١٦.

٤٢٧

______________________________________________________

الزوج ، واللازم باطل بالنص والإجماع.

بيان الملازمة : إن اختلاف البلدان في المهور اختلافا عظيما أمر واقع ، فإذا اتفق كون المرأة في بلد مهر نساء إشرافه قليل جدا ومهور أهل تلك المرأة في بلادها في غاية الكثرة كألف أوقية من الذهب مثلا ، ثم نكحت مفوضة ، ولم يعتبر البلد في مهر مثل نسائها ، بل أوجبنا عليه ذلك الأمر العظيم ، وهو غافل عنه لا يعرفه هو ولا أحد من أهل بلاده ، بل يربو على مهور أكثر نساء ذلك القطر لزم ما لا مزيد عليه من الضرر.

ولأن قيم الأموال الحقيقية يعتبر فيها البلد قطعا ، فلأن يعتبر ذلك في قيمة البضع أولى ، لأنه ليس مالا حقيقة ولا المقصود الأصلي منه المال ، ومختار المصنف قوي.

الثالث : اعتبر ابن البراج في نساء العصبة قرب الدرجة ، فإذا وجدت الأخوات والعمات كان الاعتبار بالأخوات (١) ، ونحوه قال ابن حمزة (٢) ، والنصوص وعبارات الأصحاب مطلقة.

الرابع : لا ريب أن نساءها إنما يعتبرن إذا كن متساويات في جميع الصفات التي تختلف المرأة باختلافها ، سواء كانت دنيوية أو دينية ، فلو تميّزت عليهن بجمال أو يسار أو صراحة نسب أو شرفه ، أو دين أو تقوى ونحو ذلك ، اعتبرت تلك الصفة في زيادة مهرها.

ولو نقصت عنهن صفة نقص من مهرها بحسبها ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : ( وأن يكونوا في مثل عقلها وجمالها ـ إلى قوله ـ وكل ما يختلف لأجله النكاح )

__________________

(١) المهذب ٢ : ٢١١.

(٢) الوسيلة : ٣٤٨.

٤٢٨

والأقرب عدم تقديره بمهر السنة فيما أشبه الجناية كالنكاح الفاسد ، ووطء الشبهة ، والإكراه.

______________________________________________________

والمراد المهر كما قدمناه ، لعدم تعقل اختلاف النكاح بالنسبة إلى غير المهر.

ومنه يعلم اعتبار جميع تلك الصفات بالإضافة إليها وإن كان أول كلامه قاصرا عن ذلك.

والمراد بصراحة النسب : خلوصه عن التهم المدنسة له ، ولا يخفى أن المعتبر مهر النساء الجاري على مقتضى الحال ، فلو خففت واحدة مسامحة أو لزيادة شرف ونحوه في زوجها لم يكن تخفيفها معتبرا.

الخامس : لو اختلف مهر نسائها مع المماثلة السابقة اعتبر الأغلب ، فإن استوين ففي الحكم اشكال. ولو لم يكن لها أقارب ، ففي اعتبار مثلها من أهل بلدها إشكال أيضا ، فإن اعتبرناه وفقد ففي اعتبار أقرب البلدان إلى بلدها إشكال أيضا.

ولا يخفى أن موت نساء الأقارب لا يعد مانعا من الرجوع إليهن ، لأن الاعتبار عادتهن ولا ينتفي بموتهن. واعلم أن الضمير المذكور في قوله : ( يكونوا ) يعود إلى أقاربها ، فإن لفظه مذكر ويراد به الإناث.

قوله : ( والأقرب عدم تقديره بمهر السنة فيما أشبه الجناية كالنكاح الفاسد ، ووطء الشبهة ، والإكراه ).

قد عرفت أن مهر المثل يجب في مواضع ، وقد ذكر المصنف سابقا ضابطه ، وقيده بأن لا يتجاوز مهر السنة ، فاقتضى ذلك ثبوت القيد في جميع مواضع مهر المثل ، ولما كان ذلك غير مرضي عنده ، بل هو مخصوص بما عدا ما أشبه الجناية نبّه عليه بقوله : ( والأقرب عدم تقديره. ) فهو في قوة الاستثناء من إطلاق الكلام السابق.

ثم ما الذي يراد بـ ( ما أشبه الجناية )؟ يلوح من تمثيل المصنف أن يراد به موضع وجوب المهر حيث لا يكون هناك نكاح صحيح.

٤٢٩

والمعتبر في المتعة بحال الرجل ، فالغني يمتع بالدابة ، أو الثوب المرتفع ، أو عشرة دنانير. والمتوسط بخمسة ، أو الثوب المتوسط. والفقير بدينار ، أو خاتم وشبهه.

______________________________________________________

ويظهر من كلام الشارحين (١) أن المراد به ما عدا المفوضة ، فإن استدلالهما يرشد إلى ذلك. ووجه القرب أن الوطء في المواضع المذكورة قد استوفى منفعة تقابل بمال فوجب عوضها الذي يقتضي العرف مقابلتها به ، ونقص شي‌ء منه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع القطع بثبوت النقص ، وهو المفوضة.

ولو حملت عبارة المصنف على ما يلوح من أمثلته ، فوجه القرب أن ما أشبه الجناية إتلاف محض ، لعدم استناده إلى عقد معتبر شرعا مقرون بالتراضي ، فيجب عوضه بالغا ما بلغ ، ولا ينقص منه شي‌ء ، لانتفاء الرضى المقتضي للنقص.

ويضعّف بأن الرضى وعدمه لا دخل له في الزيادة والنقصان ، ويحتمل مع الزيادة على مهر السنة رده إليه ، لأن ذلك عوض البضع شرعا ، فيكون هو الواجب في كل موضع من مواضع وجوب مهر المثل دون ما عداه.

ولقائل أن يقول : إن التخصيص الذي ذهب إليه المصنف لا يدل عليه دليل ، لأن الخلاف في رد مهر مثل المفوضة إلى السنة مع الزيادة عليه ثابت ، فانتفى الاتفاق الذي ادعاه الشارح ، وليس في الباب نص يرجع إليه سوى رواية أبي بصير السالفة (٢) وهي مع ضعفها غير دالة على المطلق ، فاللازم القول بوجوب مهر المثل من غير نقص.

قوله : ( والمعتبر في المتعة بحال الرجل ، فالغني يمتع بالدابة أو الثوب المرتفع أو عشرة دنانير ، والمتوسط بخمسة أو الثوب المتوسط ، والفقير بدينار أو خاتم وشبهه ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢١٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ١٤٦٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٥ حديث ٨١٥.

٤٣٠

______________________________________________________

قد سبق أن المفوضة‌ إذا طلقت قبل الدخول وجب لها المتعة لا غير ، وهو منصوص في الكتاب والسنة ومجمع عليه بين المسلمين.

قال الله تعالى ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) (١).

وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا كان الرجل موسعا عليه متع امرأته بالعبد والأمة ، والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم » (٢) الحديث.

وعن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٣) ما أدنى ذلك المتاع إذا كان الرجل معسرا لا يجد؟ قال : « الحمار وشبهه » (٤).

إذا تقرر ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب أن الاعتبار في المتعة بحال الزوج بالنظر إلى يساره وإعساره بحسب العادة دون الزوجة ، وقال بعض الأصحاب : إن الاعتبار بحالهما جميعا ، وحكى الشيخ في المبسوط قولا إن الاعتبار بها (٥).

والأصح الأول ، لظاهر الآية والرواية ، وقد قسم الأصحاب حال الزوج إلى ثلاثة : اليسار ، والإعسار ، والتوسط فإنه في الواقع كذلك ، وعيّنوا لكل مرتبة أشياء على مقتضى القانون العرفي.

ولا يمتنع أن يراد بالدابة الفرس ، لأن ذلك هو الاستعمال الشائع بين الفقهاء ، وقد سبق في الرواية العبد أو الأمة وهما بمنزلة الفرس ، ولو أريد غيرها بحيث يدخل البغل والحمار جاز أيضا مع نفاسته.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٦.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٥ حديث ٣ ، التهذيب ٨ : ١٣٩ حديث ٤٨٤.

(٣) البقرة : ٢٤١.

(٤) الكافي ٦ : ١٠٥ حديث ٥ ، التهذيب ٨ : ١٤٠ حديث ٤٨٦.

(٥) المبسوط ٤ : ٢٩٥.

٤٣١

ولا يستحق المتعة إلاّ المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل بها.

______________________________________________________

وأطلقوا الخاتم بالنسبة إلى الفقير ، فلا يتقيد بكونه ذهبا ولا فضة ، لكن لا بد من أن يكون منظورا إليه في العادة.

قوله : ( ولا تستحق المتعة إلاّ المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل. بها ).

المراد بالاستحقاق وجوبها لها ، يدل على ذلك قوله تعالى ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ ) (١) فإن المعنى ـ والله اعلم ـ نفي الجناح.

والمراد به هنا المهر أو نصفه عمن طلق إلاّ أن يمس ، أي يدخل أو يفرض المهر وأمر بالمتعة حينئذ والأمر للوجوب. وروى الحلبي عن أبي عبد الله في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها قال : « عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض فليمتعها على نحو ما يمنع مثلها من النساء » (٢) الحديث.

ولا تجب المتعة لغير المذكور لكن يستحب ، روى حفص ابن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل يطلق امرأته أو يمتعها قال : « نعم ، أما تحب أن يكون من المحسنين ، أما تحب أن يكون من المتقين » (٣).

وذهب المصنف في المختلف إلى وجوب المتعة إذا فارق المفوضة قبل الدخول بلعان وشبهه من الأسباب الصادرة عنه كردته وإسلامه ، بعد أن حكى عن الشيخ في المبسوط (٤) التردد في ذلك نظرا إلى أنها في معنى الطلاق.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٦.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٦ حديث ٣ ، التهذيب ٨ : ١٤٢ حديث ٤٩٣.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٤ حديث ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٠ حديث ٤٨٧.

(٤) المبسوط ٤ : ٣٢٠.

٤٣٢

ولو اشترى زوجته فسد النكاح ، ولا مهر ولا متعة.

وللمفوضة المطالبة بفرض المهر لمعرفة ما يستحق بالوطء أو للتشطير بالطلاق ،

______________________________________________________

واختار في المختلف عدم الوجوب في غير المطلق (١) ، وهو مختار ابن إدريس (٢) ، واختاره المصنف في التحرير (٣) ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو اشترى زوجته فسد النكاح ولا مهر ولا متعة ).

المراد شراؤها قبل الدخول ، لأنه إذا دخل وجب المهر للسيد ، والمراد أيضا ما إذا كانت مفوضة ، لأن غيرها لا يجب متعتها وإن طلقت.

وإنما لم يجب المتعة هنا ، لأن الفرقة بغير الطلاق لا يجب بها المتعة ، على ما قدمناه ، ولأنه لو وجب شي‌ء لكان حقه أن يكون له ، لأنه المشتري على ما سبق في نكاح الإماء ولا يجب له على نفسه مال.

واعلم أنه لا فرق في وجوب المتعة حيث يجب بين كون الزوج حرا أو عبدا ، ولا بين كون الزوجة حرة أو أمة ، ولا يخفى أن الاعتبار في الزوج العبد بحال السيد.

قوله : ( وللمفوضة المطالبة بفرض المهر لمعرفة ما يستحق بالوطء أو للتشطير بالطلاق ).

قد بينا فيما سبق أن المفوضة لا تستحق المهر بالعقد لكنها ملكت ان تملكه ، فلها مطالبة الزوج بفرضه وتعيينه قبل المسيس لفوائد :

منها : أن تعرف ما يستقر لها بالوطء فتكون على تثبت من تسليم نفسها.

ومنها : تشطره بالطلاق ونحوه كالردة.

ومنها : لزومه بموت أحدهما ، وإنما كان لها المطالبة بالفرض لأنها بالعقد ملكت‌

__________________

(١) المختلف : ٥٥١.

(٢) السرائر : ٣٠٢.

(٣) التحرير ٢ : ٣١١.

٤٣٣

ولها حبس نفسها للفرض والتسليم.

ولو اتفقا على الفرض جاز ، وإن اختلفا ففي فرض الحاكم إذا ترافعا إليه نظر أقربه أنه يفرض مهر المثل.

______________________________________________________

ان تملك مهرا ، لأنه لو لا ذلك لم يجب المهر بالفرض إذ هو بمنزلة الوعد ، والثاني باطل ، فلها طلب فرضه وتعيينه ، لامتناع التسليم إليها بدونه ، فمتى فرضه كان كالمسمى بالعقد.

قوله : ( ولها حبس نفسها للفرض والتسليم ).

لأن النكاح فيه بمعنى المعاوضة وان جاز أخلاء العقد عن ذكر المهر ، ولو لا ذلك لكان كالهبة ، فللزوجة حبس نفسها للفرض وتسليم المفروض ، لأن قضية المعاوضات حبس المعوض إلى حين قبض العوض.

قوله : ( ولو اتفقا على الفرض جاز ، وإن اختلفا ففي فرض الحاكم إذا ترافعا إليه نظر ، أقربه أنه يفرض مهر المثل ).

لا شبهة في أن الزوجين إذا اتفقا على فرض المهر صح وتعين ما فرضاه ، وإن لم يتفقا فالأحوال ثلاث :

الاولى : أن يفرضه الحاكم إذا ترافعا إليه ، وفي صحته نظر ينشأ : من أن الفرض إثبات للمهر في ذمة الزوج ، وذلك منوط بتراضي الزوجين دون حكم الحاكم.

ومن أن الغرض من نصبه سد باب الخصومات وقطع المنازعات ، وليس الغرض إثباتا للمهر بل انه تعيين له ، فيصح منه كما يعين النفقة للزوجة ونحوها على الغائب ومن جرى مجراه.

والأقرب عند المصنف أنه يصح فرضه لمهر المثل من غير زيادة ولا نقصان ، كما في قيم المتلفات ، ولا يقدح زيادة القدر اليسير الذي يقع في محل الاجتهاد ، وكذا نقصانه ، لأنه مما لا يتحرز منه في العادة ، ولا يعد في العادة زيادة ولا نقصانا كتفاوت المكاييل والموازين.

٤٣٤

ولو فرضه أجنبي ودفعه إليها ثم طلّقها احتمل المتعة ، فترد على الأجنبي ، لأن فرض الأجنبي يوجب على الزوج مالا ، وليس وليا ولا وكيلا‌

______________________________________________________

وعلى ما اختاره من أن مهر المثل إن زاد عن مهر السنة رد إليه يجب أن يقال هنا : يفرض مهر المثل إلاّ أن يزيد على مهر السنة فيفرض مهر السنة لا أزيد ولا انقص ، وبه صرح في التحرير (١) ، وعلى ما اخترناه يفرض مهر المثل مطلقا.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه لا بد أن يكون الحاكم عارفا بمهر المثل ، وإلاّ لم يصح فرضه ، كما في قيم المتلفات والنفقات إذا انتهى الأمر إليه في تعيينها ، وإنما يفرضه من نقد البلد الغالب حالا كما في سائر القيم.

فإن رضيت الزوجة بالتأجيل لم يثبت الأجل ، لأنه خلاف الأصل ، ولاحتمال الضرر على الزوج.

ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم أنه يلوح من ظاهرها أن في فرض الحاكم ثلاثة أوجه :

أحدها : العدم.

والثاني : صحة الفرض.

والثالث : تقييد الصحة بكون المفروض مهر المثل. والدال على ذلك فيها هو تقييد الأقرب بكون المفروض مهر المثل ، إذ لو كان منشأ النظر هو احتمال عدم الفرض واحتمال فرض مهر المثل كفى ترجيحه عن تعيين مهر المثل.

ولا شك في أن المسألة لا يتجه فيها إلاّ احتمالان ، لامتناع تجويز الفرض مطلقا امتناعا ظاهرا كما في سائر القيم.

قوله : ( ولو فرضه أجنبي ودفعه إليها ثم طلّقها احتمل المتعة فيرد على الأجنبي ، لأن فرض الأجنبي يوجب على الزوج مالا ، وليس وليا ولا‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٣٥.

٤٣٥

فكان وجود فرضه كعدمه. والصحة ، لأنه يصح قضاؤه عنه فصح فرضه.

ويرجع نصفه إما إلى الزوج ، لأنه ملكه حين قضى به دينا عليه ، أو إلى الأجنبي ، لأنه دفعه ليقضي به ما وجب لها عليه ، وبالطلاق سقط وجوب النصف ، فيرد النصف إليه ، لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه عنه.

______________________________________________________

وكيلا ، فكان وجود فرضه كعدمه. والصحة ، لأنه يصح قضاؤه عنه فيصح فرضه ، ويرجع نصفه إما إلى الزوج ، لأنه ملكه حين قضى به دينا عليه ، أو إلى الأجنبي ، لأنه دفعه ليقضي به ما وجب لها عليه ، وبالطلاق سقط وجوب النصف فيرد النصف إليه ، لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه عنه ).

هذه هي الحالة الثانية ، وهي أن يفرض المهر الأجنبي ، والمراد به من ليس له ولاية ولا وكالة وليس له حكم ، فإذا فرضه ورضيت به ثم دفعه إليها من ماله ثم طلقها الزوج ، ففي صحة الفرض والدفع احتمالان :

أحدهما : البطلان ، فتجب للزوجة المتعة كما في كل مفوضة طلقت قبل الفرض والدخول ، وقد وجه المصنف البطلان بأن فرض الأجنبي إذا صح يوجب على الزوج مالا وليس وليا ولا وكيلا فكان لغوا وجوده كعدمه.

والثاني : الصحة ، لأن المهر كسائر الديون يصح من الأجنبي قضاؤه عن الزوج فيصح فرضه ، لأن القضاء فرع الفرض ، فلو لم يصح الفرض لم يصح القضاء ، والتالي باطل.

ولقائل أن يقول : تمنع صحة القضاء في محل النزاع ، لأن الذي يصح قضاؤه من الأجنبي هو الدين الثابت في الذمة دون غيره ، والمهر في محل النزاع ليس كذلك.

إذا تقرر ذلك ، فعلى احتمال الصحة إلى من يعود نصف المدفوع من الأجنبي‌

٤٣٦

______________________________________________________

بالطلاق؟ ذكر المصنف فيه احتمالين :

أحدهما : عوده إلى الزوج ، واستدل عليه بأنه قد ملكه ضمنا حين قضى به دينه ، وفيه منع.

والثاني : عوده إلى الأجنبي ، لأنه دفعه ليقضي به ما وجب لها على الزوج ، وبالطلاق سقط وجوب النصف فيرد الى الدافع ، لأنه لم يسقط به حق عمن دفعه عنه.

ولقائل أن يقول : إن سقوط النصف إنما تحقق بعد القضاء والحكم بصحته لأنه المفروض ، فكيف يصح قوله : ( لم يسقط به حق عمن قضاه عنه ) ، ويمكن توجيهه بأن ملكية هذا النصف دائرة بين الزوج والزوجة ، والدافع أما الزوجة فقد بطل ملكها إياه بالطلاق ، وإما الزوج فإنه لا دليل يدل على دخوله في ملكه ، فلم يبق إلاّ الدافع.

والأصح بطلان كل من الفرض والدفع ، فلها المتعة ، والمدفوع باق على ملك دافعه.

ثم عد إلى عبارة الكتاب وتنبه لأمور :

الأول : إن المصنف هنا وفي التحرير فرض المسألة ـ أعني فرض الأجنبي للمهر ـ فيما إذا فرضه ودفعه (١) ، وكذا الشيخ في المبسوط (٢) ، فيلوح من ذلك ان فرضه من دون الدفع لا أثر له وهو متجه ، لأنه حينئذ حكم على من لا سلطنة له عليه.

الثاني : إن رضى الزوجة لا بد منه ، لامتناع القضاء من دونه ، وهذا وان لم يصرح به المصنف إلاّ أن عبارته يستلزمه ، من حيث ان دفعه إليها وأخذها له يستلزم رضاها.

الثالث : قوله : ( لأنه ملكه حين قضى به دينا عليه ).

ينبغي أن يكون ملكه فعلا ماضيا فيه ضمير للزوج والبارز للمهر ، والضمير في‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٣٥.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٩٦.

٤٣٧

ولو لم ترض بما فرضه الزوج بطل الفرض ، فإن طلقها قبل الدخول فالمتعة ، ولم يكن لها نصف ما فرضه وإن كان قد رضى به ، لأنها لم تقبله.

ويقبل فرضه إذا كان بقدر مهر المثل فصاعدا وإن كان محجورا عليه للفلس ، ويلزمه وإن زاد عن مهر السنة ، لكن تضرب المرأة مع الغرماء بمهر المثل في المحجور عليه ، ويتبع بالزيادة بعد فكه.

______________________________________________________

( قضى ) يعود إلى الزوج أيضا ، وحقه أن يعود إلى الأجنبي ، وفي عوده اليه اختلاف مرجع الضمائر بغير مائز ، ولو جعل مجهول الفاعل سلم من ذلك ، لكن نصب ( دينا ) يأباه ، وقوله آخرا : ( عمن قضاه عنه ) أراد به قصد القضاء ، أي عمن قصد قضاءه عنه.

قوله : ( ولو لم ترض بما فرضه الزوج بطل الفرض ، فإن طلقها قبل الدخول فالمتعة ولم يكن لها نصف ما فرضه وإن كان قد رضي به ، لأنها لم تقبل ).

هذه هي الحالة الثالثة ، وهي أن يفرض المهر الزوج وحده ، فإن لم ترض به كان باطلا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يعلم منه أن ذلك ليس على إطلاقه ، فإن طلقها قبل الدخول في هذه الحالة لم يجب لها إلاّ المتعة ، فلا تستحق نصف ما فرضه.

وإن كان هو قد رضي به ، لأن رضاه وحده لا اعتبار به من دون رضاها ، لأن تعيين المهر وثبوته في الذمة موقوف على قبولها ورضاها ، ومع انتفائه فلا شي‌ء.

قوله : ( ويقبل فرضه إذا كان بقدر مهر المثل فصاعدا وإن كان محجورا عليه للفلس ، ويلزمه وإن زاد عن مهر السنة ، لكن تضرب المرأة مع الغرماء بمهر المثل في المحجور عليه ويتبع بالزيادة بعد فكه ).

هذا كالاستثناء مما سبق من أنها لو لم ترض بما فرضه الزوج بطل الفرض ، وتقريره انه إذا فرض الزوج المهر بدون رضى الزوجة قبل فرضه إذا كان بقدر مهر المثل فصاعدا.

٤٣٨

______________________________________________________

صرح بذلك المصنف هنا وفي التحرير (١) ، ووجهه أنها لا تستحق الزيادة على مهر المثل ، ولو طلبتها لم يجب إليها ، وإذا انتهى الفرض الى الحاكم لم يجز أن يفرض الزيادة ، ولو رضيت بالنقيصة لم يلزمه قبولها ، فلزم الحكم بقبول فرضه إياه.

وكذا إن زاد عليه بطريق أولى ، واليه الإشارة بقوله : ( فصاعدا ) ، ولأن إطلاق الآية يقتضي اعتبار فرضه مطلقا ، خولف فيما نقص عن مهر المثل لأنه لا يصح إلاّ برضاها قطعا ، فيبقى الباقي على حكم.

وأطلق الشيخ في المبسوط اعتبار رضاها في صحة الفرض (٢) ، وكما يصح ويلزم فرضه مهر المثل وأزيد منه إذا كان مطلق التصرف ، فكذا يصح إذا كان محجورا عليه للفلس ، لأنه إنما يمنع من التصرف في أعيان الأموال ، لتعلق حقوق الغرماء بها دون إلزام ذمته بمال لغيره ، لأنه كامل ، بخلاف المحجور عليه للسفه.

فإذا فرض مهر المثل صح وضربت به مع الغرماء قطعا ، لأنه عوض البضع المكافئ له ، ولهذا صح للمريض التزوج بمهر المثل فما دون.

ولا ينظر إلى زيادته على مهر السنة وإن حكمنا بردها إلى السنة لو دخل بها قبل الفرض ، لأن ذلك ثبت على خلاف الأصل فيقتصر على موضعه ، ولأن العوض الحقيقي للبضع مهر المثل كما في سائر قيم الأشياء.

والى ذلك أشار بقوله : ( ويلزمه وإن زاد عن مهر السنة ) أي : وإن زاد قدر مهر المثل فصاعدا عن مهر السنة. وإن فرض أزيد منه ضربت بمهر المثل مع الغرماء ، وتبعته بالزيادة بعد فكه لاستقرارها في ذمته وعدم مشاركة الغرماء لها.

وإنما حسن الاستدراك بـ ( لكن ) في كلام المصنف ، لأن مقتضى قوله : ( ويلزمه وإن زاد عن مهر السنة ) إنها تضرب بالجميع ، وليس كذلك ، فاستدرك لدفع هذا الوهم.

__________________

(١) التحرير ٢ : ٣٥.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٩٧.

٤٣٩

أما لو فرض أقل ، فإن كان بقدر السنة فالأقوى اللزوم ، وينبغي أن لا يدخل بالمفوضة إلاّ بعد الفرض.

ولو وطأ المفوضة بعد سنين وقد تغيّرت صفتها وجب مهر المثل ، معتبرا بحال العقد ومهر المثل حال.

______________________________________________________

قوله : ( أما لو فرض أقل ، فإن كان بقدر السنة فالأقوى اللزوم ).

قد سبق قبول فرضه بمهر المثل فصاعدا ، فلو فرض أقل منه : فإن كان أقل من مهر السنة فلا شبهة في اعتبار رضاها في صحته ، وإن كان بقدره ففي صحته بدون رضاها ولزومه وجهان :

أقواهما عند المصنف الصحة واللزوم ، لأنها بالدخول لا تستحق أزيد منه. ولو كانت مفوضة المهر والحكم إليها لم يجز لها أن تحكم بأزيد منه فكذا هنا بل أولى ، لأن تطليقها قبله يوجب المتعة.

وموت أحدهما لا يجب معه شي‌ء ، ولمانع أن يمنع الملازمة ، وقد أسلف المصنف أن الحاكم مع تنازعهما إنما يفرض مهر المثل لا أنقص وإن زاد عن مهر السنة ، فكيف يلزمها حكمه بمهر السنة مع نقصه.

والثاني : العدم ، لأن الرجوع إلى مهر السنة مع نقصه ثبت على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع اليقين ومحل الوفاق ، والأولى أن يقال : إن حكمنا بردها إلى مهر السنة مع زيادة مهر المثل عليه لزم القول بعدم زيادة حكم الحاكم عن مهر السنة مع تنازعهما وترافعهما عليه ، وبقبول فرض الزوج إذا لم ينقص عن مهر السنة ، وإلاّ فلا.

قوله : ( وينبغي أن لا يدخل بالمفوضة إلاّ بعد الفرض ، ولو وطأ المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها وجب مهر المثل معتبرا بحال العقد ومهر المثل حال ).

٤٤٠