جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

مثال الأول : ما إذا قبل السيد النكاح لعبده والزوجة حرة أو بعضها حر ، وجعل رقبته صداقا لها ، أو اذن له في النكاح كذلك وكان بالغا ، فإن الصداق يبطل ، لأنه لو صح ملكت زوجها أو بعضه فيفسخ النكاح ويبطل الصداق.

ولا يصح النكاح أيضا ، لأنه اقترن به ما ينافيه ، وكان كما لو شرط الطلاق ، ولأن ملكها للزوج لو طرأ في دوام النكاح أبطله ، فإذا قارن الابتداء منع الانعقاد ، كذا قيل.

وقد يقال : إن المقارن هنا هو الشرط المقتضي للملك لا نفس الملك ، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في الخاتمة قبل نكاح المنقطع ، وحكم ببطلان الصداق وصحة النكاح ، ثم رجع عن ذلك هنا الى القول ببطلانهما ، وهو الأوجه ، للمنافاة.

وإنما قيّد المصنف المسألة بجعل رقبته صداقا لحرة ، لأنه لو جعله صداقا لأمة لصح النكاح والصداق ، لأن المهر حق للسيد دونها ، وليس فيه سوى اجتماع الزوجين في ملك شخص واحد ، وذلك غير مانع من صحة العقد.

وإذا طلقها الزوج قبل الدخول فإلى من يعود نصف العبد الذي هو الزوج والصداق؟ ينبغي أن يبنى على أن السيد إذا باع عبده بعد أن نكح باذنه ثم طلق قبل الدخول ، وبعد أداء المهر إلى من يعود النصف ، وفيه أوجه :

أحدها : أنه يعود إلى المشتري ، لأنه ملك تجدد بالطلاق ، وقد وقع في ملك المشتري فيكون له كسائر الاكتساب الحاصلة من العبد بعد الشراء.

الثاني : انه يعود إلى البائع ، لأنه وجب في ملكه ، فإذا سقط منه شي‌ء عاد إليه.

الثالث : إن أداه البائع من ماله أو أداه من كسب العبد قبل البيع عاد إليه ، لأن أصله له ، فإذا سقط منه شي‌ء عاد إليه ، وإن أدى من كسبه بعد البيع عاد إلى المشتري. ولو أعتق العبد ثم طلق قبل الدخول ، فإن قلنا في الصورة السابقة بالعود إلى البائع عاد هنا إلى المعتق ، وإن قلنا بالعود إلى المشتري عاد هنا إلى العتيق.

٤٠١

أما لو زوّج ابنه من امرأة وأصدقها أم ابنه أو أخته من مال نفسه فسد الصداق ، لأنها لا تدخل في ملكها ما لم يدخل في ملكه ، فتعتق عليه ، فيصح النكاح دون المهر.

______________________________________________________

قوله : ( أما لو زوّج ابنه من امرأة وأصدقها أم ابنه أو أخته من مال نفسه فسد الصداق ، لأنها لا تدخل في ملكها ما لم تدخل في ملكه فتعتق عليه فصح النكاح دون المهر ).

هذا هو مثال الشق الثاني ، وتحريره : إنه إذا استولد أمة لغيره ولدا حرا ثم ملكها ، وقبل لابنه منها له نكاح امرأة وجعل امّه صداقا لها ، أو كان للولد أخت من أمة مملوكة ثم ملكها الأب ثم جعلها صداقا لزوجة الابن ، فإن الصداق في كل من الصورتين لا يصح ، لأن كلا من الام والأخت لا يدخل في ملك الزوجة ما لم تدخل في ملك الزوج الذي هو الولد ، لاستحالة أن يملك الإنسان شيئا على جهة المعاوضة وعوضه الحقيقي مال لغيره.

ولهذا لو طلّق الصبي بعد بلوغه قبل الدخول ، وقد زوجه أبوه وأصدق عنه من ماله ، يعود النصف إليه لا إلى الأب على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وحينئذ فتعتق كل منهما على الولد ، لدخولهما في ملكه فيمتنع انتقالها إلى المرأة صداقا ، فيبطل الصداق. لكن لا يبطل النكاح هنا ، لأن العتق إنما يقتضي بطلان الصداق ، ولا منافاة بينه وبين النكاح.

ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم أن قوله : ( لو زوج ابنه ) يندرج فيه الصغير والبالغ إذا أذن ، ولا فرق بينهما في تطرق المحذور السابق ، ويندرج في المرأة الحرة والمملوكة ، والحكم فيهما لا يختلف ولو قال : أم الابن لكان أولى ، إذ لا يتعين في العبارة أن يكون الابن الثاني هو المذكور أولا ، لصدقه على غيره ، وحينئذ فلا يلزم انعتاق الأم ، لإمكان كونها اما لابن آخر دون الزوج.

وقوله : ( من مال نفسه ) لا يكاد تظهر للتقييد به فائدة ، لأنه لو كان من مال‌

٤٠٢

الخامس : أن يزوّج الولي بدون مهر مثلها فيصح العقد ، وفي صحة المسمّى قولان ،

______________________________________________________

غيره لم يختلف الحكم.

قوله : ( الخامس : أن يزوج الولي بدون مهر مثلها ، فيصح العقد وفي صحة المسمّى قولان ).

السبب الخامس من أسباب فساد المهر : أن يزوجها الولي بدون مهر مثلها ، فقد حكم المصنف بصحة العقد ، وحكى قولين في صحة المسمّى وفساده ولم يرجّح منهما شيئا. أما صحة العقد ، فلصدوره من أهله في محله ، لأنه المفروض ، وقد سبق أن المهر ليس ركنا في عقد النكاح ولهذا جاز إخلاؤه عنه ، فلا يؤثر فساده في العقد وأما القولان اللذان حكاهما في صحة المسمّى :

فأحدهما : الصحة ، ذهب إليه الشيخ في الخلاف والمبسوط (١) ، ووجهه أن للولي العفو بالنسبة إلى المهر ، لقوله تعالى ( أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (٢) فإذا ساغ له العفو عن الحق بعد ثبوته فالعفو بدونه أولى ، وهذا التعليل يقتضي أمرين :

أحدهما : إن الذي سوّغ له ذلك هو الذي يصح منه العفو ، وهو الأب أو الجد له دون سائر الأولياء.

الثاني : انه لا يشترط في صحة المسمّى كون النكاح بدون مهر المثل مما تدعو إليه الحاجة أو تقتضيه المصلحة ، لأنه لا يشترط لجواز العفو وجود المصلحة معه.

إذا عرفت ذلك ففي دلالة هذا التعليل على المدعى نظر ، لأن المانع أن يمنع الأولوية المذكورة فإنّ العلة غير مقطوع بها.

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١١ مسألة ٣٧ كتاب الصداق ، المبسوط ٤ : ٣١١.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

٤٠٣

وكذا لو زوّجه بأكثر من مهر المثل ، فإن المسمّى يبطل. وفي فساد النكاح إشكال ينشأ : من التمسك بالعقد الذي لا يشترط فيه المهر ولا ذكره ، ومن بعد الرجوع إلى مهر المثل دون رضاهما وما قنعا به ،

______________________________________________________

وحكى في المبسوط (١) قولا ببطلان المسمّى ، لوجوب مراعاة القيمة في أموالها ففي البضع أولى ، وفيه نظر ، لأن البضع ليس مالا حقيقة ولا المقصود الأصلي منه المال. والذي يقتضيه صحيح النظر أنه إن اقتضت المصلحة التزويج بدون مهر المثل صح العقد والمهر ولزم ، وإلاّ كان العقد فضوليا يتوقف على الإجازة بعد البلوغ ، لأن صحة تصرفات الولي منوطة بالمصلحة ، وبدونها يكون كتصرف الأجنبي ، والبضع وإن لم يكن مالا حقيقة لكنه ملحق بالأموال ، لمقابلته بها وثبوت ضمان قيمته بمهر المثل في مواضع.

ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم أن قوله : ( فيصح العقد وفي صحة المسمّى قولان ) مقتضاه بطلان المسمّى على أحد القولين مع صحة العقد ، وعلى هذا فيثبت مهر المثل ، لكن ثبوته هل هو بنفس العقد ، أو بالدخول كالمفوضة؟ صرح بالأول جماعة ، لأن التسمية اقتضت عدم الرضى بإخلاء العقد عن المهر ، وفيه بعد ، لأن إيجاب شي‌ء بالعقد لم يجر له فيه ذكر ، ولم يقع عليه التراضي من الأمور المستبعدة.

قوله : ( وكذا لو زوجه بأكثر من مهر المثل ، فإن المسمّى يبطل ، وفي فساد النكاح إشكال ينشأ : من التمسك بالعقد الذي لا يشترط فيه المهر ولا ذكره ، ومن بعد الرجوع إلى مهر المثل دون رضاهما وما قنعا به ).

إذا زوج الولي المولى عليه الذكر امرأة بأزيد من مهر مثلها ، فالمسمّى باطل لا محالة ، لأنه تصرّف مشتمل على إضاعة المال حقيقة ، لأن الفرض أن البضع لا يعاد له ، بخلاف ما لو عقد للمولى عليها بدون مهر المثل ، فإن المسمّى لا يبطل على أحد‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣١١.

٤٠٤

______________________________________________________

القولين كما سبق.

والفرق جواز العفو للولي عن بعض المهر ، وأن البضع ليس مالا حقيقيا ، ولا المقصود الأصلي منه المال. وفي فساد النكاح الإشكال الذي ذكره المصنف ، وذكر منشأه ، وتنقيحه : إن عقد النكاح غير مشروط بثبوت المهر في الواقع ولا بذكره في العقد ، فخلّوه عنه لا يقتضي فساده. وقد صدر العقد مشتملا على المسمّى الزائد وحكم ببطلانه للزيادة ، فيجب أن يبقى العقد صحيا ولا يبطل ببطلان المسمّى ، وفيه نظر ، لأن عقد النكاح وإن لم يكن مشروطا بالمهر لا تلزم صحته في محل النزاع ، لأنه لم يقع على الوجه المأذون فيه شرعا ، لأن تصرّف الولي إنما يعتبر مع عدم التخسير ، فإذا قارنه كان كتصرف الأجنبي.

ويحتمل بطلان العقد من رأس ، لأنه لو صح لوجب أن يثبت مهر المثل على وجه قهري ، وذلك بعيد ، لأن ما تراضيا عليه وقنعا به هو الزائد على مهر المثل ، فكيف يبطل ما رضيت به ويثبت لها دونه مع عدم رضاها به.

وما كان بعيدا فهو مرجوح لا يجوز التمسك به مع وجود الراجح ، فيبطل الثاني ، ويلزمه بطلان المقدم.

وقد أورد عليه الشارح الفاضل النقض بالعقد على الخمر المجهول (١) ، وهو غير وارد ، لأن العقد على الخمر برضى الزوجين لا يقتضي بطلان الصداق فيه بطلان النكاح ، لصدوره بتراضيهما. بخلاف عقد الولي في موضع الاذن شرعا ، فإنه حينئذ يكون فضوليا ، وأين هذا من ذاك.

واعلم أن التشبيه الواقع في قوله : ( وكذا لو زوجه بأكثر من مهر المثل ) ليس على ما ينبغي ، لأن المذكور في المسألة المشبّه بها حكمان : أحدهما صحة العقد ، والآخر‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢١١.

٤٠٥

والأقوى أن مع فساد المسمّى يثبت الخيار في فسخ العقد وإمضائه.

______________________________________________________

أن في صحة المسمّى قولين ، وليس واحد منهما ثابتا في المشبه ، لأن المسمّى فيها يبطل ، وفي فساد النكاح قولان.

قوله : ( والأقوى أن مع فساد المسمّى يثبت الخيار في فسخ العقد وإمضائه ).

قد عدّ الشارحان الفاضلان هذا وجها ثالثا في المسألة (١) ، بناء على أن أحد الوجهين السابقين هو بطلان العقد من رأس ، ولا وجه له على القول بأن عقد الفضولي موقوف على الإجازة ، لأن أقل مراتب تصرف الولي هنا أن يكون فضوليا. نعم يمكن أن يحمل البطلان على عدم اللزوم وهو الفضولي.

ويراد بالوجه الثالث : ثبوت النكاح متزلزلا ، فإن شاء فسخه وإن شاء أمضاه وهذا هو المتبادر من عبارة الكتاب ولا تأباه عبارة الشارحين ، بل الظاهر من عبارة المصنف أن ثبوت الخيار في كل من المسألتين المذكورتين يلوح ذلك من قوله : ( مع فساد المسمى ) إذ لو لا ذلك لكان مستدركا ، لأنه قد قطع بفساد المسمّى في المسألة الثانية.

وعلى هذا فيكون الكلام في المسألة الاولى ان في صحة المسمّى وفساده قولين ، فإن قلنا بالفساد ففي ثبوت الخيار في فسخ العقد وعدمه قولان ، فإذا اختصرنا قلنا في المسألة ثلاثة أقوال : صحة العقد والمسمّى ، فساد المسمّى ولزوم العقد ، فساد المسمّى وثبوت الخيار في العقد.

وفي المسألة الثانية بالنسبة إلى العقد ثلاثة أوجه : اللزوم ، والفساد ، وثبوت الخيار. وأما المسمى فإنه فاسد وجها واحدا.

إذا عرفت ذلك فالخيار المذكور لمن يكون؟ صرح الشارح ولد المصنف بأنه لمن زاد الصداق عليه على مهر المثل أو نقص عنه ، وهو الزوج في المسألة الثانية ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢١١.

٤٠٦

نعم لو أصدق ابنه أكثر من مهر المثل من ماله جاز وإن دخل في ملك الابن ضمنا.

السادس : مخالفة الأمر ، فإذا قالت : زوجني بألف فزوجها بخمسمائة لم يصح العقد ، ويحتمل ثبوت الخيار.

______________________________________________________

والزوجة في المسألة الاولى (١). ولا ارى لهذا التخصيص وجها ، لأن الغرض فساد المسمّى في المسألتين ، بل ينبغي ثبوت الخيار لكل منهما في كل من المسألتين ، لانتفاء التراضي من الجانبين. والمختار ما قدمناه في كل من المسألتين ، وهو أن النكاح بالمسمّى فضولي موقوف على الإجازة.

قوله : ( نعم لو أصدق ابنه أكثر من مهر المثل من ماله جاز وإن دخل في ملك الابن ضمنا ).

هذا في قوة الاستثناء من قوله : ( لو زوجه بأكثر من مهر المثل. ) فكأنه قال : لو زوج ابنه بأكثر من مهر المثل فسد المسمّى ، إلاّ إذا كان صداق المسمّى مال الأب فإنه لا يفسد ، لأنه لا تخسير للولد حينئذ.

فإن قيل : يدخل الصداق في ملك الابن ضمنا فيلزم التخسير.

قلنا : لا يلزم ، لأن التخسير إتلاف مال بالعقد ماليته ثابتة بغيره ، وليس كذلك محل النزاع ، لأن الصداق لم يملكه الابن إلاّ بسبب العقد ، فلم يلزم إتلاف مال بالعقد لولاه لكان ثابتا للزوج.

قوله : ( السادس : مخالفة الأمر ، فلو قالت : زوّجني بألف ، فزوجها بخمسمائة ، لم يصح العقد ، ويحتمل ثبوت الخيار ).

السبب السادس من أسباب فساد المهر مخالفة الوكيل ما عيّنته الزوجة فإن‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢١١.

٤٠٧

ولو قالت : زوجني مطلقا فزوجها بأقل من مهر المثل ، فالأقرب‌

______________________________________________________

قالت : زوّجني بألف مثلا ، فزوجها بأقل كخمسمائة ، ففي صحة العقد وفساده وجهان :

أحدهما : ـ واختاره المصنف ـ الفساد ، لأن تقديرها المهر يدل على عدم رضاها بما دونه ، وما لا ترضى به الزوجة فاسد لا محالة.

والثاني : ثبوت الخيار لها ، ولا يقع العقد فاسدا بمعنى أنه يكون موقوفا على إجازتها ، فإن رضيت به صح وإلاّ كان فاسدا ، لأنه عقد صدر ممن ليست له ولاية شرعية على المعقود عليه ولا اذن شرعي وذلك هو الفضولي ، ولا يضر ما لزم من التعيين وهو عدم رضاها بغير المعين ، لأن المؤثر في العقد الفضولي هو الرضى المتأخر عنه وضده دون المتقدم عليه ، كذا فهم الشارحان (١) الفاضلان من العبارة.

ولا ريب أن المتبادر من قوله : ( لم يصح العقد ) هو البطلان ، أما ثبوت الخيار فإن المتبادر منه صحة العقد وثبوت النكاح وإن كان متزلزلا ، وعلى هذا حمله شيخنا الشهيد في بعض ما ينسب اليه من الحواشي.

وحمل عدم صحة العقد المذكور قبله على عدم لزومه وأنه فضولي ، والحمل في الموضعين صحيح في نفسه ، إلاّ أن توجيه الصحة مع ثبوت الخيار موضع نظر ، فإنه إذا كان خلاف المأمور به فكيف يقع صحيحا.

ويمكن أن يقال في توجيهه : إن النكاح لما لم تكن صحته مشروطة بالمهر لم يلزم من المخالفة بطلانه فيقع صحيحا ، لكن لما لم يكن المهر على الوجه المأذون فيه لم يقع لازما ، لبعد وجوب الرضى بمهر المثل على وجه قهري ، فيثبت الخيار بين الفسخ والإمضاء ، والأصح إن العقد من أصله مع المهر فضولي يقف على الإجازة ، لانتفاء الأهلية في غير موضع الاذن.

قوله : ( ولو قالت : زوّجني مطلقا ، فزوجها بأقل من مهر المثل ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢١١.

٤٠٨

الرجوع إلى مهر المثل.

ولو لم يذكر مع الإطلاق المهر احتمل الصحة ، للامتثال ، والفساد إذ مفهومه ذكر المهر عرفا ،

______________________________________________________

فالأقرب الرجوع إلى مهر المثل ).

أي : لو قالت : زوّجني ، وأطلقت الاذن بحيث لم تقيد النكاح بمهر ولا عدمه فقوله : ( مطلقا ) ليس من جملة قولها وإنما هو لبيان حال قولها ، وأنه معرى عن التعرض إلى المهر إثباتا ونفيا ، فزوجها حينئذ بأقل من مهر المثل ففيه وجهان ، أقربهما عند المصنف صحة النكاح وبطلان المسمّى والرجوع إلى مهر المثل.

أما صحة النكاح ، فلصدوره بإذنها ، وأما بطلان المسمّى وثبوت مهر المثل ، فلأن الإطلاق منزل على العقد بمهر المثل فصاعدا. كما أن أمر المالك ببيع ماله من غير تقييد منزل على البيع بثمن المثل ، لاقتضاء العرف التقييد بذلك ، ولأن الغبطة والمصلحة لا تتحقق بدونه فيكون إطلاقها بمنزلة التقييد بمهر المثل ، فيفسد المسمّى ، للمخالفة ، ويثبت مهر المثل لعدم الرضى بالتفويض.

والثاني : بطلان العقد من رأس ، لأن الإطلاق منزل على مهر المثل كما سبق ، فكان كما لو عيّنت فخالف في أنه غير مرضي لها.

ويجي‌ء وجه ثالث ، وهو صحة العقد ووجوب مهر المثل وثبوت الخيار لها ، وتقريبه معلوم مما سبق ، وإنما فرّق المصنف بين هذه وبين التي قبلها في الحكم ، فجزم بالصحة والرجوع الى مهر المثل هنا ، وحكم بثبوت الخيار في التي قبلها ، لأن التقييد منصوص عليه ومقطوع به ، وهنا مظنون ، فلا تكون المخالفة مقطوعا بها بحيث يلزم فساد العقد أو تزلزله. والأصح أنه فضولي يقف على الإجازة ، لأن إطلاق الاذن في التزويج منزل على كونه بمهر المثل ، فيكون ما عداه واقعا بغير اذن.

قوله : ( ولو لم يذكر مع الإطلاق المهر احتمل الصحة ، للامتثال ، والفساد ، إذ مفهومه ذكر المهر عرفا ).

٤٠٩

ومع التقييد يحتمل الفساد ، والخيار فيثبت مهر المثل.

ولو قالت : زوجني بما شاء الخاطب فهو تفويض يأتي.

ولو عرف ما شاء فقال : زوجتك بما شئت ، صح.

______________________________________________________

أي : لو لم يذكر الوكيل‌ في العقد المهر أصلا ، والحال أنها قد أطلقت له الاذن في التزويج احتمل الصحة ، لأنه امتثل ما امرته به ، ويجب مهر المثل حينئذ ، لأن إطلاق الإذن منزل على التزويج بمهر المثل.

وإذا اقتضى إطلاق الإذن مهر المثل كان إطلاق العقد كذكره فيه ، وفيه منع ظاهر ، والفرق ظاهر ، واحتمل الفساد ، لأن الإطلاق منزل على العقد بمهر المثل.

ولا يعد السكوت عن المهر تفويضا ، نظرا إلى العرف وقد خالف فلا يكون صحيحا ، والأصح أنه فضولي يقف على الإجازة.

قوله : ( ومع التقييد يحتمل الفساد والخيار ، فيثبت مهر المثل ).

أي : لو لم يذكر الوكيل المهر في العقد ، بل أطلقه وقد قيدت له الاذن في التزويج بالمهر احتمل الفساد ، للمخالفة ، واحتمل ثبوت الخيار لها في إجازة العقد وعدمها ، لأنه لا يقصر عن الفضولي ، فإن أجازته ثبت مهر المثل بنفس العقد ، لانتفاء كون الاذن تفويضا.

ولا يخفى أن المتبادر إلى الفهم من ثبوت الخيار صحة النكاح وتزلزله ، وكيف كان فالأصح أن العقد فضولي يقف على الإجازة ، والمتجه أنه مع الإجازة لا يجب المهر بنفس العقد ، لانتفاء ما يقتضيه ، فيكون وجوبه بالدخول.

قوله : ( ولو قالت : زوّجني بما شاء المخاطب ، فهو تفويض يأتي ، ولو عرف ما شاء فقال : زوجتك بما شئت ، صح ).

أي : لو قالت الزوجة لوكيلها : زوّجني بما شاء الخاطب ، فزوجها كذلك صحّ ، فإن ذلك تفويض ، لأن التفويض قسمان : تفويض البضع ، وهو أخلاء العقد عن ذكر المهر ،

٤١٠

وليس تفريق الصفقة سببا للفساد ، فلو أصدقها عبدا يساوي ألفين ، على أن ترد عليه ألفا ، فنصفه صداق ونصفه في حكم مبيع ، فلو أرادت إفراد الصداق أو المبيع بالرد بالعيب جاز ، بخلاف رد نصف المبيع.

______________________________________________________

وتفويض المهر ، وهو ذكر المهر في العقد على الجملة منهما ويفوض تقديره الى أحد الزوجين ، ولا شبهة في صحة كل من التوكيل والعقد كذلك. ولا يكون العقد كذلك عقد المجهول يجب به مهر المثل ، خلاف للشافعي (١) ، ولا وجه له بعد ما بين أن ذلك تفويض صريح.

قوله : ( وليس تفريق الصفقة سببا للفساد ، فلو أصدقها عبدا يساوي ألفين على أن ترد إليه ألفا ، فنصفه صداق ونصفه في حكم مبيع ، فلو أرادت إفراد الصداق أو المبيع بالرد بالعيب جاز ، بخلاف رد نصف المبيع ).

قد عدّ الشافعي من أسباب فساد المهر تفريق الصفقة (٢) ، فاعتنى المصنف بذكره وبيان أنه لا يعد سببا لفساد المهر ردا عليه ، وتحقيقه انه إذا تزوج امرأة بعبد يساوي ألفي درهم على أن ترد إليه ألفا من مالها ، فيكون حينئذ نصف العبد صداقا ونصفه في حكم مبيع وليس مبيعا حقيقة ، لأن رد الألف من مالها وقع بصورة الشرط فكان من توابع عقد النكاح.

ولو أن الولي قال : زوجتك ابنتي وبذلت لك ألفا من مالها بالعبد الفلاني فقبل الزوج ، لكان أدل على مقابلة نصف العبد للبضع والنصف الآخر للألف.

وكيف كان فإذا أرادت إفراد الصداق ـ أعني نصف العبد أو المبيع وهو نصفه الآخر بالرد لظهور عيب في العبد ـ كان لها ذلك ، ولم يفسد الصداق إذا ردت نصف المبيع.

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٣٧٣.

(٢) الوجيز ٢ : ٢٧.

٤١١

______________________________________________________

ولا يقال : يلزم من رد النصف تبعض الصفقة ، وهو محذور كرد نصف المبيع.

لأنا نقول : التبعيض المحذور هو الذي يكون في المنتقل بعقد واحد ، وهنا قد حصل انتقال العبد لشيئين مختلفين ، فلم يكن كرد نصف المبيع.

ولا يقال أيضا : يلزم من رد النصف بالتشقيص.

لأنا نقول : قد أقدما على هذا الضرر حين تعاقدا على انتقال كل من نصفي العبد بسبب يخالف السبب الآخر ، وهذا بخلاف رد نصف العبد لو كان كله مبيعا.

إذا تقرر ذلك ، فلو جعل رد النصف على الوجه المذكور سببا لفساد المهر ، لوجب مهر المثل بنفس العقد على ما سبق في نظائره عند من يقول به ، والله اعلم بالصواب.

وليكن هذا آخر الجزء السابع من كتاب شرح القواعد ، ويتلوه الجزء الثامن إن شاء الله تعالى بمنّه.

* * *

٤١٢

الفصل الثالث

في التفويض

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثالث : في التفويض ).

وفرغ من تسويده مؤلفه الفقير إلى الله تعالى علي بن عبد العالي ، بالمشهد المقدس الغروي على مشرفه الصلاة والسلام منتصف النهار من يوم السبت تقريبا الثامن عشر شهر جمادى الاولى من سنة خمس وثلاثين وتسعمائة ، حامدا لله تعالى على آلائه مصليا على رسوله محمد وآله ، مسلّما (١).

* * *

__________________

(١) في النسخة الحجرية : قد فرغ من كتابة هذا الكتاب المستطاب أقل الكتّاب الطلاّب حسن ابن عبد الله في السنة الثانية من العشر الثامن من المائة الثالثة من الألف الثاني على مهاجرها ألف ألف تحية وألف وألف ثناء.

وفي نسخة ض : هذا آخر ما وجد من كلامه قدس‌سره ، وفرغ من كتابته الفقير إلى الله الغني عبد الله بن علي بن سيف الصيمري في صبح اليوم الثاني عشر من شهر عاشوراء من شهور سنة خمس وخمسين وتسعمائة هجرية قمرية على مشرفها أفضل الصلوات وأكمل التسليمات في بلدة الجزائر المحروسة ، فرحم الله من ترحم عليه ودعا له بالمغفرة ، والحمد لله أولا وآخرا.

وفي نسخة ش : تحريرا في ثامن عشر شهر الله المبارك ذي الحجة الحرام أفاض الله أنواره لسنة احدى وتسعين وتسعمائة على يد الفقير إلى الله الغني بالله الداعي إلى دين الله غياث الدين محمود بن محمد بن عبد الخالق بن غياث الدين جمشيد المنجم صاحب الرصد المشهور بين الجمهور غفر الله لهم ولأسلافهم ، ولله الحمد.

٤١٣

وهو قسمان :

الأول : تفويض البضع : وهو أخلاء العقد من ذكر المهر بأمر من يستحق المهر ، وليس مبطلا ، مثل زوجتك نفسي أو فلانة ، فيقول : قبلت ، سواء نفى المهر أو سكت عنه ، فلو قالت : على أن لا مهر عليك صح العقد.

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

قوله رحمه‌الله : ( وهو قسمان : الأول تفويض البضع ، وهو أخلاء العقد من ذكر المهر بأمر من يستحق المهر وليس مبطلا ، مثل : زوجتك نفسي ، أو فلانة. فيقول : قبلت ، سواء نفى المهر أو سكت عنه ، فلو قالت : على ألاّ مهر عليك صح العقد ).

التفويض : أن يجعل الأمر إلى غيره ويكله إليه ، وتسمّى المرأة مفوضة ، لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر ، ومفوضة ، لأن الولي فوّض أمرها إلى الزوج ، أو لأن الأمر في المهر مفوض إليها بالنسبة إلى نفيه وعدمه.

ثم التفويض في النكاح نوعان : تفويض البضع ، وتفويض المهر ، فتفويض المهر سيأتي وهو صحيح عندنا.

وتفويض البضع وقد عرّفه المصنف : بأنه ( إخلاء العقد من ذكر المهر بأمر من يستحق المهر ) ، والذي يستحق المهر هو المرأة ، فيكون أخلاء العقد عن ذكر المهر بأمر المرأة. وقد ينقض في عكسه بخروج العقد الصادر من المرأة خاليا من المهر ، لأن الصادر من المرأة لا يقال إنه وقع بأمرها.

ويرد عليه أيضا عقد الفضولي الخالي من المهر إذا لحقته الإجازة ، إذ الإجازة اللاحقة له لا تصيّره واقعا بالأمر.

ويرد عليه أيضا تزويج الولي إياها مفوضة على القول بصحته.

٤١٤

ولو قالت : على أن لا مهر عليك في الحال ولا في ثانيه ، احتمل الصحة ، لأنه معنى أن لا مهر عليك ، والبطلان ، لأنه جعلها موهوبة.

______________________________________________________

ولو قال : هو أخلاء العقد من ذكر المهر بفعل الزوجة ، أو من يقوم مقامها ، مثل : زوجتك نفسي إذا كان العاقد الزوجة ، أو زوجتك فلانة إذا كان العاقد غيرها ، وليس ذلك مبطلا قطعا ، حتى لو عقد ونفى المهر كان صحيحا ، مثل زوجتك ولا مهر عليك.

ولا فرق بين كون الزوجة بكرا أو ثيبا في ذلك كله.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن مفوضة البضع لا يجب لها مهر بالعقد عندنا ، خلافا لبعض العامة ، حيث أوجبه بالعقد (١). ويدل عليه ما رواه منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، قال : « لا شي‌ء لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها » (٢).

وقد سبق في الفصل الثاني من باب نكاح الإماء ـ فيما إذا أعتقت الأمة قبل الدخول وقد زوجها سيدها مفوضة ـ ما يدل على ثبوت الخلاف المذكور عندنا ، ويمكن أن يريد المصنف التفريع على كل من القولين وإن لم يكن القول الثاني ثابتا عندنا.

قوله : ( ولو قالت : على أن لا مهر عليك في الحال ولا في ثانيه احتمل الصحة ، لأنه معنى على ألاّ مهر عليك. والبطلان ، لأنه جعلها موهوبة ).

قد سبق أنها لو قالت : زوجتك نفسي على أن لا مهر عليك صح العقد ، فلو قالت : زوجتك على أن لا مهر عليك في الحال ولا في ثانية ، وأرادت بثاني الحال ما بعده مستمرا إلى حين الدخول ، ففي صحة العقد وجهان :

__________________

(١) قاله أبو حنيفة ، انظر : المجموع ١٦ : ٣٧٢ ، الوجيز : ٢٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ١٤٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٥ حديث ٢١٣.

٤١٥

ويصح التفويض في البالغة الرشيدة دون من انتفى عنها أحد الوصفين.

نعم لو زوّج الولي مفوضة أو بدون مهر المثل ، قيل : صح ويثبت مهر المثل بنفس العقد. وفيه إشكال ينشأ : من اعتبار المصلحة المنوطة بنظر‌

______________________________________________________

أحدهما : الصحة ، لأنه قد سبق لها إذا زوجته على أن لا مهر عليه صح ، وهذا بمعناه ، لأن المهر المنفي نكرة ، وهي في سياق النفي تفيد العموم. ويمكن الفرق بينهما : بأن ظاهر العموم لا يأبى التخصيص ، بخلاف ما نص فيه على نفي المهر في الحالين ، فإنه يمتنع تخصيصه بلزوم المهر في ثاني الحال.

والثاني : البطلان ، لأنها قد جعلت نفسها موهوبة ، حيث انه لا مهر لها في الابتداء ولا في الانتهاء ، والهبة في النكاح من خصائصه عليه‌السلام.

ويجي‌ء احتمال ثالث : وهو صحة العقد وفساد التفويض ، وبفساده يجب مهر المثل ، والقول بفساد العقد من رأس قوي ، لأن من مقتضيات عقد النكاح وجوب المهر في الجملة ، اما بالعقد أو بالفرض أو بالوطء ، فإذا شرط ما ينافيه فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد فيبطل به.

قوله : ( ويصح التفويض في البالغة الرشيدة دون من انتفى عنها أحد الوصفين ).

لا شك أن البالغة الرشيدة أمرها بيدها ، وقد سبق بيان ذلك ، فإذا زوّجت نفسها ، أو زوجها وكيلها بإذنها مفوضة صح ، لانتفاء المانع. بخلاف الصبية وغير الرشيدة ، لثبوت الحجر على كل واحدة منهما.

قوله : ( نعم لو زوج الولي مفوضة أو بدون مهر المثل صح ، وقيل : يثبت مهر المثل بنفس العقد ، وفيه إشكال ينشأ : من اعتبار المصلحة المنوطة بنظر‌

٤١٦

الولي ، فيصح التفويض وثوقا بنظره ، فعلى الأول لو طلقها قبل الدخول فنصف مهر المثل ، وعلى الثاني المتعة.

______________________________________________________

الولي ، فيصح التفويض وثوقا بنظره ، فعلى الأول لو طلقها قبل الدخول فنصف مهر المثل ، وعلى الثاني المتعة ).

هذا استدراك لما عساه يتوهم من قوله : ( دون من انتفى عنها أحد الوصفين ) والمعنى أن من انتفى عنها البلوغ والرشد لا يجوز تزويجها مفوضة لغير وليها. أما الولي فإنه إذا زوّجها كذلك مع وجود المصلحة كان صحيحا ، وكذا يصح النكاح إذا زوّجها بدون مهر المثل مع المصلحة ، لأن صحة تصرفات الولي كلها دائرة مع المصلحة ، فحيث وجدت كان تصرفه معتبرا.

فإن قيل : عبارة المصنف خالية من التقييد بالمصلحة كما هو واضح.

قلنا : يدل على التقييد قوله فيما بعد : ( ينشأ من اعتبار المصلحة المنوطة بنظر الولي ).

فقوله : ( وقيل : يثبت مهر المثل بنفس العقد ) إشارة إلى قول الشيخ رحمه‌الله ، فإنه حكم بصحة النكاح وبطلان التفويض ، لوجوب مراعاة عوض المثل للبضع في النكاح كما في المعاوضة على سائر الأموال ، وأوجب مهر المثل بنفس العقد لفساد التفويض (١).

ولو لم يجب المهر بنفس العقد لكان التفويض صحيحا ، إذ لا واسطة بين الصحة والفساد ، وكذا القول في عقده على أقل من مهر المثل.

وقد تقدم الكلام في ذلك مستوفى ، ورد المصنف كلام الشيخ بما ذكره من الاشكال ، وتنقيحه : إن النكاح منوط بالمصلحة وهي منوطة بنظر الولي ، فإذا اقتضى نظره وجود المصلحة في التفويض وقع صحيحا وثوقا بنظره ، والفرض وجود المصلحة‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩.

٤١٧

______________________________________________________

في محل النزاع فلا وجه للإبطال.

وقد ذكرنا غير مرة أن النكاح ليس معاوضة محضة ، وأن له أحكاما مختصا بها عن سائر المعاوضات.

إذا تقرر ذلك ، فلو طلقها قبل الدخول في صورة التفويض بنى على القولين.

فعلى القول ببطلان التفويض ـ وهو الذي عبّر عنه المصنف بالأول ـ يجب لها نصف مهر المثل ، لأنه وجب بالعقد فينتصف بالطلاق.

وعلى الثاني ـ وهو الصحة المعبّر عنه بقوله : ( فيصح التفويض وثوقا بنظره ) ـ يجب المتعة كما في كل مفوضة ، والقول بالصحة مع المصلحة قوي.

واعلم أن كلام الشيخ تضمن أمرين :

أحدهما : فساد التفويض.

والثاني : وجوب مهر المثل بنفس العقد. والمصنف رحمه‌الله تعرض الى رد الأول ، ولم يتعرض للثاني ، وهو أيضا مردود تفريعا على القول بفساد التفويض ، لأنه لم يجر لمهر المثل ذكر في العقد ، فكيف يعقل وجوبه بغير سبب ولا تراض منهما.

فإن قيل : لما كان التفويض فاسدا وجب أن يثبت مقابله ، وهو وجوب مهر المثل بالعقد ، ولا امتناع في تقييد إطلاق العقد بمهر المثل ، كما يقيّد إطلاق الاذن من الزوجة للوكيل في الإنكاح مجردا عن ذكر المهر بمهر المثل.

قلنا : الفرق واقع فإن الإطلاق يتقيّد بالقرينة ، بخلاف ما نحن فيه ، لأن العقد بالنسبة إلى ما يترتب عليه سبب ، والأسباب أمور وجودية واقعة على وجوه خاصة لا يكفي فيها مجرد القصد ولا دلالة القرائن ، فلا يكون تجرد العقد عن المهر موجبا لمهر المثل في محل النزاع ، وسائر ما أشبهه.

وبذلك صرّح الشيخ في المبسوط في فضل التفويض قال : ومتى عقد وليها‌

٤١٨

وللسيد تزويج أمته مفوضة ، فإن باعها قبل الدخول فأجاز المشتري ، كان التقدير إلى الثاني والزوج ويملكه الثاني. ولو أعتقها قبله فرضيت فالمهر لها ، والتقدير إليها وإليه.

______________________________________________________

مفوضة لم تكن مفوضة ووجب مهر المثل بالعقد عند قوم ، وعندنا بالدخول (١).

واعلم ايضا ان مرجع الضمير في قول المصنف : ( وفيه إشكال ) ينبغي أن يكون هو ما دل عليه ثبوت مهر المثل بالعقد ، أعني فساد التفويض ، لأن ما ذكره في توجيه الاشكال يدل على صحة التفويض ، فلو جعل مرجع الضمير ثبوت مهر المثل بالعقد لم يرتبط الكلام.

قوله : ( وللسيد تزويج أمته مفوضة ، فإن باعها قبل الدخول فأجاز المشتري ، كان التقدير إلى الثاني والزوج ويملكه الثاني ، ولو أعتقها قبله فرضيت فالمهر لها ، والتقدير إليها وإليه ).

للسيد تزويج أمته مفوضة قطعا ، لأن المهر له ، فلا مانع من الصحة ، وحينئذ فإما أن تبقى في ملكه إلى حين الدخول ، أو لا.

والأول : حكمه ظاهر ، وهو ثبوت مهر المثل للمولى.

والثاني : إما أن يكون زوال ملكه عنها قبل الدخول بالبيع أو بالعتق ، فإن باعها فللمشتري فسخ النكاح على ما سبق ، فإن أجازه كان تقدير المهر إليه وإلى الزوج.

فإذا قدّراه ملكه المشتري وهو المولى الثاني ، لأنه ثبت في ملكه. وإن أعتقها ملكت أمرها ، وكان تقدير المهر إليها وإلى الزوج ، وتملكه هي إذا قدّراه له أو مهر المثل بالدخول.

ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم أن المراد بالثاني في قوله : ( كان التقدير إلى‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٥.

٤١٩

ثم المفوضة تستحق عند الوطء مهر المثل ، وإن طلقها قبله بعد فرض المهر ثبت نصف المفروض وقبله المتعة.

______________________________________________________

الثاني ) هو المشتري ، ولو قال : كان التقدير إليه لكان أخصر ، ولعله إنما عدل عن المضمر إلى المظهر تنبيها على علة استحقاقه للمهر ، وهي مولويته الطارئة الناسخة لمولوية الأول.

وقوله : ( ولو أعتقها قبله فرضيت فالمهر لها ) تصريح بحكم المسألة على طريق الجزم ، وقد سبق من المصنف في نكاح الإماء في الفصل الثاني صورة التردد في أن المهر لها أو للسيد ، وما جزم به هنا هو المذهب.

قوله : ( ثم المفوضة تستحق عند الوطء مهر المثل ، وإن طلقها قبله بعد فرض المهر ثبت نصف المفروض ، وقبله المتعة ).

أما الحكم الأول فقد أجمع عليه الأصحاب وتواترت به الأخبار ، وفي قوله تعالى ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ) (١) الآية إيماء إلى ذلك ، لدلالتها على أنه مع المسيس ثبت الجناح ، وهو مهر المثل اتفاقا.

ولا يخفى أن ذلك حيث لم يفرض لها المهر حتى دخل بها.

وأما الحكم الثاني فصريح القرآن ناطق به وهو قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٢) ، ووجوب المتعة بالطلاق قبل الدخول ، والفرض مدلول عليه بقوله تعالى ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) (٣) في سياق التطليق قبل المسيس وقبل الفرض ، ولا يخفى أن المراد بالوطء هنا وفي سائر مواضع إطلاقه تغييب الحشفة.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٦.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) البقرة : ٢٣٧.

٤٢٠